(هوية الكتاب) الكتاب: تفسير الصافي المؤلف: فيلسوف الفقهاء المولى محسن الفيض الكاشاني قدس سره الطبعة: الثانية العدد: 5000 نسخة القطع: وزيري عدد الصفحات مجلدات الخمس: 2288 صفحة ليتوغراف: آرمان المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة تاريخ الطبعة: شهر رمضان 1416 قمرية - 1374 شمسية الناشر: مكتبة الصدر - بطهران -
[ 3 ]
تفسير الصافي تأليف فيلسوف الفقهاء، وفقيه الفلاسفة، استاذ عصره ووحيد دهره، المولى محسن الملقب ب (الفيض الكاشاني) المتوفي سنة 1091 ه الجزء الثالث
[ 4 ]
سورة يوسف عليه السلام
مكية وقال المعدل عن ابن عباس غير أربع آيات نزلن بالمدينة ثلاث من أولها، والرابعة لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين عدد آيها مائة وإحدى عشرة آية. بسم الله الرحمن الرحيم (1) الر قد سبق معناه تلك آيات الكتب المبين تلك الايات آيات الكتاب الظاهر أمره في الأعجاز الواضح معانيه لمن يتدبره. (2) إنا أنزلنه قرءنا عربيا بلغتكم لعلكم تعقلون إرادة أن تفقهوه وتحيطوا بمعانيه ولو جعلناه أعجميا لالتبس عليكم في الخصال عن الصادق عليه السلام تعلموا العربية فإنها كلام الله الذي تكلم به خلقه. (3) نحن نقص عليك أحسن القصص أحسن الاقتصاص لانه اقتص على إبدع الأساليب أو أحسن ما يقص لأشتماله على العجائب والحكم والعبر بمآ أوحينا بايحائنا اليك هذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغفلين عن هذه القصة لم تخطر ببالك ولم يقرع سمعك قط. (4) إذ قال يوسف لابيه يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم. القمي عن الباقر عليه السلام وكان يعقوب اسرائيل الله أي خالص الله ابن
[ 5 ]
اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله. وفي الحديث النبوي الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم يا أبت أصله يا أبي وقرئ بفتح التاء وبالوقف على الهاء إنى رأيت من الرؤيا لا من الرؤية أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين. في الخصال عن جابر بن عبد الله قال أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
رجل من اليهود يقال له بشان اليهودي فقال يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة فما أسماؤهن فلم يجبه نبي الله يومئذ في شئ قال فنزل جبرئيل فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائها قال فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بشان فلما أن جاء قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل أنت مسلم إن أخبرتك بأسمائها قال نعم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم حوبان والطارق والذبال وذو الكتفين وقابس ووثاب وعمودان والفليق والمصبح والصدوح وذو الفروع والضياء والنور رآها في افق السماء ساجدة له فلما قصها يوسف على يعقوب قال يعقوب هذا أمر متشتت يجمعه الله من بعد فقال بشان والله إن هذه لأسماؤها ثم أسلم. والقمي والعياشي عن جابر في تسمية النجوم وهي الطارق وحوبان وذكر مثله إلى قوله والضياء والنور قال يعني الشمس والقمر قال وكل هذه الكواكب محيطة بالسماء. والقمي عن الباقر عليه السلام تأويل هذه الرؤيا أنه سيملك مصر ويدخل عليه أبواه وإخوته أما الشمس فأم يوسف راحيل والقمر يعقوب وأما الأحد عشر كوكبا فإخوته فلما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله تعالى. أقول ويأتي رواية أخرى بأن التي سجدت له مع أبيه خالته لا أمه. (5) قال يا بنى تصغير ابن صغره للشفقة وصغر السن لا تقصص رؤياك
[ 6 ]
الرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم على إخوتك فيكيدوا لك كيدا فيحتالوا لأهلاكك حيلة ضمن يكيدوا معنى يحتالوا فعداه باللام ليفيد معنى الفعلين إن الشيطان للانسان عدو مبين ظاهر العداوة خاف عليه حسد إخوانه وبغيهم عليه لما عرف من دلالة رؤياه على أن يبلغه من شرف الدارين أمرا عظيما.
القمي عن الباقر عليه السلام كان له أحد عشر أخا وكان له من امه اخ واحد يسمى بنيامين فرأى يوسف هذه الرؤيا وله تسع سنين فقصها على أبيه فقال يا بنى لا تقصص الاية. أقول: ما دل عليه هذا الحديث من كون يوسف وبنيامين من أم واحد هو المشهور المستفيض رواه العياشي وغيره إلا أن العياشي روى رواية اخرى بأنه ابن خالته. وفي بعض ما يرويه اطلاق ابن ياميل عليه باللام. وفي بعضه أن ياميل إسم خالة يوسف وأنها هي التي سارت مع أبيه إلى مصر وأكثر هذه الروايات يأتي في مواضعها إن شاء الله. وربما يوجد في بعض أخبار العياشي ابن يامين منفصلا وصاحب القاموس ضبط بنيامين قال ولا تقل ابن يامين وأما أسماء ساير اخوته فلم أجدها في رواية معصومية بتمامها معدودة وقد قيل هم يهودا وروبيل وشمعون ولاوي وزبالون ويشجر والستة من بنت خالته ليا تزوجها يعقوب أولا ثم تزوج اختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف وأربعة آخرون دان ونفتالي وحاد وآشر من سريتين زلفة وبلهة. (6) وكذلك يجتبيك يصطفيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة ويتم نعمته عليك وعلئ ال يعقوب أهله ونسله بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الاخرة بأن يجعلهم أنبياء وملوكا ثم ينقلهم إلى نعيم الاخرة والدرجات العلى من الجنة كما أتمها على أبويك من قبل إبرهيم وإسحق إن ربك عليم بمن يستحق
[ 7 ]
الأجتباء حكيم يفعل الأشياء على ما ينبغي. (7) لقد كان في يوسف وإخوته أي في قصتهم آيات دلائل قدرة الله وحكمته وعلامات نبوتك وقرئ آية للسائلين لمن سئل عن قصتهم في الجوامع روي أن اليهود قالوا لكبراء المشركين سلوا محمدا لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وقصة يوسف قال فأخبرهم بالقصة من غير سماع ولا قراءة كتاب. (8) إذ قالوا ليوسف وأخوه بنيامين خص بالاخوة لأن امهما كانت واحدة
أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة والحال إنا جماعة أقوياء أحق بالمحبة من صغيرين لا كفاية فيهما إن أبانا لفي ضلل مبين لتفضيله المفضول وتركه التعديل في المحبة. (9) اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا مجهولة بعيدة من العمران كما يستفاد من تنكيرها وإخلائها عن الوصف يخل لكم وجه أبيكم يصف (1) لكم وجهه فيقبل عليكم بكلية ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ولا ينازعنكم في محبة أحد وتكونوا من بعده من بعد يوسف أو بعد قتله قوما صالحين تائبين إلى الله مما جنيتم. في العلل عن السجاد عليه السلام أي تتوبون. (10) قال قائل منهم قيل هو يهودا وكان أحسنهم رأيا. والقمي هو لاوي عن الهادي عليه السلام كما يأتي لا تقتلوا يوسف فإن القتل عظيم وألقوه في غيابت الجب في قعر البئر وقرئ غابات يلتقطه أي يأخذه بعض السيارة بعض الذين يسيرون في الأرض إن كنتم فاعلين ما يفرق بينه وبين أبيه. (11) قالوا يأبانا مالك لا تأمنا على يوسف لم تخافنا عليه وإنا له لناصحون ونحن نشفق عليه ونريد له الخير.
1 - وصفا الماء صفوا من باب قعد وصفاء ممدودا إذا خلص من الكدر (*)
[ 8 ]
(12) أرسله معنا غدا إلى الصحراء يرتع يتسع في أكل الفواكه وغيرها من الرتعة وهي الخصب ويلعب بالأستباق بالأقدام والرمي وانا له لحافظون. (13) قال إنى ليحزنني أن تذهبوا به لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه وأخاف أن يأكله الذئب قيل لأن الأرض كانت مذأبة وأنتم عنه غافلون. (14) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة جماعة أقوياء إنا إذا لخسرون. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تلقنوا الكذب فتكذبوا فإن
بني يعقو ب لم يعلموا أن الذئب يأكل الأنسان حتى لقنهم أبوهم. وفي العلل عن الصادق عليه السلام قرب يعقوب لهم العلة فاعتلوا بها في يوسف، العياشي عنه عليه السلام إنما ابتلى يعقوب بيوسف إذ ذبح كبشا سمينا ورجل من أصحابه محتاج لم يجد ما يفطر عليه فأغفله ولم يطعمه فابتلى بيوسف وكان بعد ذلك كل صباح مناديه ينادي من لم يكن صائما فليشهد غداء يعقوب فإذا كان المساء نادى من كان صائما فليشهد عشاء يعقوب وفي المجمع والعلل والعياشي عن السجاد عليه السلام مثله ببسط وتفصيل. (15) فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وعزموا على إلقائه فيها جوابه محذوف أي فعلوا به ما فعلوا. في العلل والعياشي عن السجاد عليه السلام لما خرجوا من منزلهم لحقهم أبوهم مسرعا فانتزعه من أيديهم فضمه إليه واعتنقه وبكى ودفعه إليهم فانطلقوا به مسرعين مخافة أن يأخذه منهم ولا يدفعه إليهم فلما أيقنوا به أتوا به غيضة (1) أشجار فقالوا نذبحه ونلقيه تحت هذه الشجرة فيأكله الذئب الليلة فقال كبيرهم لا تقتلوا يوسف ولكن القوة في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين فانطلقوا به إلى الجب وألقوه فيه وهم يظنون أنه يغرق فيه فلما صار في قعر الجب ناداهم يا ولد رومين أقرؤوا يعقوب
1 - الغيض بالفتحة الاجمة ومجتمع الشجر في مغيض ماء أو خاص بالغرب لا كل شجر جمعه غياض واغياض (*)
[ 9 ]
السلام مني فلما سمعوا كلامه قال بعضهم لبعض لا تزالوا من هاهنا حتى تعلموا أنه قد مات فلم يزالوا بحضرته حتى أيسوا ورجعوا. والقمي فأدنوه من رأس الجب وقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يا إخوتي تجردوني فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لأقتلنك فنزعه فدلوه في اليم وتنحوا عنه فقال يوسف في الجب يا إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغري.
ثم قال القمي ونسب ابن طاوس قوله هذا إلى الصادق عليه السلام ورجع إخوته فقالوا نعمد إلى قميصه فنلطخه بالدم ونقول لأبينا إن الذئب أكله فقال لهم أخوهم لاوي يا قوم ألسنا بني يعقوب إسرائيل الله ابن اسحاق نبي الله ابن ابراهيم خليل الله أفتظنون أن الله عز وجل يكتم هذا الخبر عن أنبيائه عليهم السلام فقالوا وما الحيلة قالوا نقوم ونغتسل ونصلي جماعة ونتضرع إلى الله أن يكتم ذلك عن أنبيائه عليهم السلام فإنه جواد كريم فقاموا واغتسلوا وكانت في سنة ابراهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام أنهم لا يصلون جماعة حتى يبلغوا أحد عشر رجلا فيكون واحدا منهم إماما وعشرة يصلون خلفه قالوا وكيف نصنع وليس لنا إمام فقال لاوي نجعل الله إمامنا فصلوا وتضرعوا وبكوا وقالوا يا رب اكتم علينا هذا وأوحينا إليه أوحى الله تعالى إليه في صغره كما أوحى إلى يحيى وعيسى لتنبئنهم بأمرهم هذا لتحدثنهم بمافعلوا بك وهم لا يشعرون إنك يوسف لعلو شأنك وطول العهد المغير للهيئات إشارة إلى ما قال لهم بمصرحين دخلوا عليه ممتارين فعرفهم وهم له منكرون بشره بما يؤول إليه أمره إيناسا له وتطييبا لقلبه. القمي عن الباقر عليه السلام يقول لا يشعرون إنك أنت يوسف أتاه جبرئيل فأخبره بذلك. في العلل والعياشي عن الصادق عليه السلام وكان ابن سبع سنين. (16) وجآءو أباهم عشاء آخر النهار يبكون متباكين قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق نتسابق في العدو وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا
[ 10 ]
بمصدق لنا ولو كنا صادقين لسوء ظنك بنا وفرط محبتك ليوسف. (17) وجاؤا على قميصه بدم كذب مكذوب فيه وصف بالمصدر للمبالغة. القمي عن الباقر عليه السلام ذبحوا جديا على قميصه والعياشي عن الصادق عليه السلام لما أوتي بقميص يوسف على يعقوب قال اللهم لقد كان ذئبا رفيقا حين لم
يشق القميص قال وكان به نضح [ فضح (1) خ ل ] من دم والقمي قال ما كان أشد غضب ذلك الذئب على يوسف وأشفقه على قميصه حيث أكل يوسف ولم يمزق قميصه قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا أي سهلت لكم وهونت في أعينكم أمرا عظيما من السول وهو الاسترخاء فصبر جميل فأمري صبر جميل وفي الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم الصبر الجميل الذي هو لا شكوى فيه إلى الخلق ورواه ابن عقدة عن الصادق عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام والله المستعان على ما تصفون على احتمال ما تصفونه من هلاك يوسف. في العلل والعياشي عن السجاد عليه السلام إنه لما سمع مقالتهم استرجع واستعبر وذكر ما أوحى الله إليه من الاستعداد للبلاء وأذعن للبلوى - يعني بسبب غفلته عن إطعامه الجار الجائع - فقال لهم بل سولت لكم أنفسكم أمرا وما كان الله ليطعم لحم يوسف للذئب من قبل أن اري تأويل رؤياه الصادقة (18) وجاءت سيارة رفقة يسيرون فنزلوا قريبا من الجب فأرسلوا واردهم الذي يرد الماء ويستسقي لهم فأدلى دلوه فأرسلها في الجب ليملأها فتدلى بها يوسف فلما رآه قال يا بشرى هذا غلام بشر نفسه أوقومه وقرئ يا بشراي بالأضافة وأسروه بضاعة أخفوه متاعا للتجارة أي الوارد وأصحابه من سائر الرفقة أو أخوة يوسف من الرفقة جميعا والله عليم بما يعملون لم يخف عليه أسرارهم. (19) وشروه بثمن بخس مبخوس ناقص درهم معدودة قليلة كانوا
1 - الفضح محركة ما تعلوه حمرة (*)
[ 11 ]
يزنون الكثير ويعدون القليل وكانوا فيه في يوسف من الزهدين الراغبين عنه العياشي. عن الصادق عليه السلام كانت عشرين درهما والقمي والعياشي عن الرضا عليه السلام مثله وزاد والبخس النقص وهي قيمة كلب الصيد إذا قتل. وفي المجمع عن الصادق عليه السلام كانت ثمانية عشر درهما والقمي مثله وفي العلل والعياشي عن السجاد عليه السلام أنهم لما أصبحوا قالوا انطلقوا
بنا حتى ننظر ما حال يوسف أمات أم هو حي ؟ فلما انتهو إلى الجب وجدوا بحضرة الجب سيارة وقد أرسلوا واردهم وأدلى دلوه فلما جذب دلوه فإذا هو بغلام متعلق بدلوه فقال لأصحابه يا بشرى هذا غلام فلما أخرجوه أقبل إليهم إخوة يوسف فقالوا هذا عبدنا سقط منا أمس في هذا الجب وجئنا اليوم لنخرجه فانتزعوه من أيديهم وتنحوا به ناحية فقالوا إما أن تقر لنا أنك عبدنا فنبيعك بعض هذه السيارة أو نقتلك فقال لهم يوسف لا تقتلوني واصنعوا ما شئتم فأقبلوا به إلى السيارة فقالوا منكم من يشتري منا هذا العبد فاشتراه رجل منهم بعشرين درهما وكان إخوته فيه من الزاهدين. في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام لما طرح إخوة يوسف يوسف في الجب أتاه جبرئيل فدخل عليه فقال يا غلام ما تصنع هيهنا فقال إن إخوتي ألقوني في الجب قال فتحب أن تخرج منه قال ذاك إلى الله عز وجل إن شاء أخرجني قال فقال له إن ألله يقول لك أدعني بهذا الدعاء حتى اخرجك من الجب فقال له وما الدعاء قال قل اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والأكرام أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا. وزاد القمي وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب فدعا ربه فجعل له من الجب فرجا ومن كيد المرأة مخرجا وأتاه ملك مصر من حيث لا يحتسب. وفي المجمع والعياشي ما في معناه. وفي المجالس عنه عليه السلام أنه سئل ما كان دعاء يوسف عليه السلام في الجب فإنا قد
[ 12 ]
اختلفنا فيه فقال إن يوسف عليه السلام لما صار في الجب وأيس من الحياة قال اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي إليك صوتا ولن تستجيب لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب عليه السلام فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه فقد علمت رقته علي وشوقي إليه.
القمي فحملوا يوسف إلى مصر وباعوه من عزيز مصر. وفي العلل عن السجاد عليه السلام إنه سئل كم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر فقال مسيرة إثني عشر يوما. وفي الكافي والأكمال عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه يوسف وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوما قال ولقد سار يعقوب وولده عند البشارة مسيرة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر (20) وقال الذى اشتريه من مصر قيل هو العزيز الذي كان على خزائن مصر وكان إسمه قطفير أو اظفير وكان الملك يومئذ ريان بن الوليد العمليقي وقد امن بيوسف ومات في حياته لامرأته وكان اسمها زليخا كما يأتي عن الهادي عليه السلام أكرمي مثواه إجعلي مقامه عندنا كريما أي حسنا والمعنى إحسني تعهده عسى أن ينفعنا في ضياعنا وأموالنا ونستظهر به في مصالحنا أو نتخذه ولدا نتبناه وذلك لما تفرس منه الرشد. القمي ولم يكن له ولد فأكرموه وربوه فلما بلغ أشده هوته إمرأة العزيز وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلا هوته ولا رجل إلا أحبه وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر (21) وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه من تأويل الاحاديث والله غالب على أمره لا يمنع مما يشاء ولكن أكثر الناس لا يعلمون لطائف صنعه وإن الأمر كله بيده.
1 - وتقدير الاية فحملوه الى مصر وباعوه وحذف ذلك للدلالة عليه (*)
[ 13 ]
(22) ولما بلغ أشده منتهى إشتداد جسمه وقوته آتيانه حكما حكمة وعلما وكذلك نجزى المحسنين تنبيه على أنه تعالى إنما أتاه ذلك جزاء على إحسانه في عمله واتقائه في عنفوان أمره.
(23) وراودته التى هو في بيتها عن نفسه طلبت منه وتمحلت أن يواقعها من راد يرود إذا جاء وذهب لطلب شئ وغلقت الابواب وقالت هيت لك أي أقبل وبادر وقرئ بالضم وبالفتح وكسر الهاء. وفي المجمع عن علي عليه السلام بالهمزة وضم التاء بمعنى تهيأت لك قال معاذ الله أعوذ بالله معاذا إنه ربى أحسن مثواى سيدي قطفير أحسن تعهدي فليس جزاؤه أن أخونه في أهله أو إن الله خالقي وأحسن منزلتي بأن عطف علي قلبه فلا اعصيه إنه لا يفلح الظلمون (24) ولقد همت به قصدت مخالطته وهم بها لولا أن رأى برهان ربه معناه لولا أن رأى برهان ربه لهم بها فحذف جواب لولا لدلالة المذكور سابقا عليه هذا عند من لم يجوز تقدم الجزاء على الشرط ومن جوزه فلا حاجة له إلى هذا التقدير في المجمع عن الصادق عليه السلام البرهان النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش والحكمة الصارفة عن القبايح كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين الذين أخلصهم الله لطاعته وقرئ بكسر اللام أي الذين أخلصوا دينهم لله. في العيون عن الرضا عليه السلام وقد سأله المأمون عن عصمة الأنبياء لقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها كما همت به لكنه كان معصوما والمعصوم لا يهم بذنب ولا يأتيه. وقال ولقد حدثني أبي عن الصادق عليه السلام إنه قال همت بأن تفعل وهم بأن لا يفعل وفي رواية أنها همت بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله
[ 14 ]
فصرف الله عنه قتلها والفاحشة وهو قوله تعالى كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء يعني القتل والزنا.
وعن السجاد عليه السلام قامت إمرأة العزيز إلى الصنم فألقت عليه ثوبا فقال لها يوسف أتستحيين ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب ولا استحي أنا مم خلق الأنسان وعلمه فذاك قوله تعالى لولا أن رأى برهن ربه. والعياشي مثله عن الباقر عليه السلام بعدما كذب قول الناس أنه رأى يعقوب عاضا على أصبعه. والقمي أيضا روى قيامها إلى الصنم عن الصادق عليه السلام. وفي المجالس عنه عليه السلام إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله ألم ينسبوا يوسف إلى أنه هم بالزنا. أقول: وقد نسبت العامة خذلهم الله إلى يوسف في هذا المقام امورا ورووا بها روايات مختلقة لا يليق للمؤمن من نقلها فكيف باعتقادها ونعم ما قيل إن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة هم يوسف والمرأة وزوجها والنسوة والشهود ورب العالمين وإبليس وكلهم قالوا ببراءة يوسف عن الذنب فلم يبق لمسلم توقف في هذا الباب أما يوسف فقوله هي راودتني عن نفسي وقوله رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وأما المرأة فلقولها ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وقالت الان حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وأما زوجها فلقوله إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم وأما النسوة فلقولهن امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين وقولهن حاش لله ما علمنا عليه من سوء وأما الشهود قوله تعالى وشهد شاهد من أهلها الاية وأما شهادة الله بذلك فقوله عز من قائل كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين وأما اقرار ابليس بذلك فلقوله فبعزتك لاءغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين فأقر بأنه لا يمكنه إغواء العباد المخلصين وقد قال الله تعالى إنه من عبادنا المخلصين فقد أقر إبليس
[ 15 ]
بأنه لم يغوه وعند هذا نقول إن هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف الفضيحة إن كانوا من أتباع دين الله فليقبلوا شهادة الله بطهارته وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا اقرار ابليس بطهارته (25) واستبقا الباب أي تسابقا إليه وذلك أن يوسف فر منها ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج وقدت قميصه من دبر اجتذبته من ورائه فانقد قميصه والقد الشق طولا والقط الشق عرضا وألفيا سيدها وصادفا زوجها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم بادرت إلى هذا القول إيهاما بإنها فرت منه تبرءة لساحتها عند زوجها وما نافية أو استفهامية. (26) قال هي رودتنى عن نفسي طالبتني بالمواتاة وإنما قال ذلك دفعا لما عرضته له من السجن والعذاب ولو لم تكذب عليه لما قاله وشهد شاهد من أهلها وهو صبي (1) من أهلها زائر لها كما يأتي عن السجاد عليه السلام. والقمي عن الصادق عليه السلام ألهم الله عز وجل يوسف أن قال للملك سل هذا الصبي في المهد فإنه سيشهد أنها راودتني عن نفسي فقال العزيز للصبي فأنطق الله الصبي في المهد ليوسف فقال إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه. (27) وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصدقين لأنه يدل على أنها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته. (28) فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها من النساء إن كيدكن عظيم لأنه يعلق بالقلب ويؤثر في النفس لمواجهتهن به بخلاف كيد الشيطان فإنه يوسوس به مسارقة.
1 - قيل كان الصبي ابن اخت زليخا وهو ابن ثلاثة اشهر من. (*)
[ 16 ]
يوسف يا يوسف أعرض عن هذا اكتمه ولا تذكره واستغفرى لذنبك يا زليخا إنك كنت من الخاطئين من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمدا والتذكير للتغليب. (30) وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتيها عن نفسه تطلب مواقعة غلامها إياها قد شغفها حبا شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حبا. القمي عن الباقر عليه السلام يقول قد حجبها حبه عن الناس فلا يعقل غيره والشغاف هو حجاب القلب وقرئ شعفها بالمهملة أي أحرقها كما يحرق البعير بالقطران إذا هنئ به ونسبها في المجمع والجوامع إلى أهل البيت عليهم السلام إنا لنريها في ضلل عن الرشد وبعد عن الصواب مبين ظاهر. القمي وشاع الخبر بمصر وجعلن النساء يتحدثن بحديثها ويعذلنها ويذكرنها. (31) فلما سمعت بمكرهن باغتيابهن وتعييرهن وإنما سماه مكرا لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره أرسلت إليهن تدعوهن وأعتدت لهن متكئا طعاما ومجلس طعام كما يأتي عن السجاد عليه السلام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب تترفا ولذلك نهى عنه والقمي متكئا أي اترجة كأنه قرأ باسكان التاء وحذف الهمزة وآتت أعطت كل واحدة منهن سكينا. القمي بعثت إلى كل أمرأة رئيسة فجمعن في منزلها وهيأت لهن مجلسا ودفعت إلى كل إمرأة أترجة وسيكنا فقالت إقطعن وقالت اخرج عليهن. القمي وكان في بيت فلما رأينه أكبرنه عظمنه وهبن حسنه الفايق. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله رأيت في السماء الثانية رجلا
صورته صورة القمر ليلة البدر فقلت لجبرئيل من هذا قال هذا أخوك يوسف يعني حين أسرى به.
[ 17 ]
والقمي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه وقطعن أيديهن جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة وقلن حاش لله تنزيها لله من صفات العجز وتعجبا من قدرته على خلق مثله ما هذا بشرا لأن هذا الجمال غير معهود للبشر إن هذا إلا ملك كريم لأن جماله فوق جمال البشر ولأن الجمع بين الجمال الرايق والكمال الفايق والعصمة البالغة من خواص الملائكة. (32) قالت فذلكن الذى لمتننى فيه أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الأفتتان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ولو تصورتن بما عاينتن لعذرتنني ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فامتنع طالبا للعصمة أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانة عريكته ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين الأذلاء. (33) قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني (1) إليه أي آثر عندي من مواتاتها (2) نظرا إلى العاقبة وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن خوفنه عن مخالفتها وزين له مطاوعتها. والقمي فما أمسى يوسف في ذلك البيت حتى بعثت إليه كل إمرأة تدعوه إلى نفسها فضجر يوسف في ذلك البيت فقال رب السجن أحب إلي الاية وإلا تصرف عنى وإن لم تصرف عني كيدهن في تحبيب ذلك إلي وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة أصب إليهن أمل إلى إجابتهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي والصبو الميل إلى الهوى وأكن من الجهلين من السفهاء بإرتكاب ما يدعونني إليه (34) فاستجاب له ربه فأجاب (3) الله دعائه الذي تضمنه قوله وإلا تصرف
1 - في الحديث المؤمن لين العريكة الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطواعا منقادا قليل الخلاف
والنفور ولانت عريكته إذا انكسرت نخوته م 2 - المواتاة حسن المطاوعة والموافقة واصله الهمزة وخففت وكثر حتى صار يقال بالواو الخالصة م 3 - فان قيل ما معنى سؤال يوسف اللطف من الله وهو عالم بان الله يفعله لا محالة فالجواب انه يجوز ان يتعلق المصلحة بالالطاف عند الدعاء المجدد ومتى قيل كيف علن انه لولا اللطف لركب الفاحشة وإذا وجد اللطف امتنع قلنا لما = (*)
[ 18 ]
عنى فصرف عنه كيدهن فثبته بالعصمة حتى وطن نفسه على مشقة السجن وآثرها على اللذة المتضمنة للعصيان إنه هو السميع لدعاء الملتجئين إليه العليم بأحوالهم وما يصلحهم. في العلل عن السجاد عليه السلام وكان يوسف عليه السلام من أجمل أهل زمانه فلماراهق يوسف عليه السلام راودته إمرأة الملك عن نفسه فقال لها معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون فغلقت الأبواب عليها وعليه وقالت لا تخف وألقت نفسها عليه فأفلت (1) منها هاربا إلى الباب ففتحه فلحقته فجذبت قميصه من خلفه فأخرجته منه فأفلت منها يوسف عليه السلام منها في ثيابه وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال فهم الملك بيوسف ليعذبه فقال له يوسف وآله يعقوب ما أردت بأهلك سوءا بل هي راودتني عن نفسي فسل هذا الصبي أينا راود صاحبه عن نفسه قال وكان عندها صبي من أهلها زاير لها فأنطق الله الصبي لفصل القضاء فقال أيها الملك انظر إلى قميص يوسف فإن كان مقدودا من قدامه فهو الذي راودها وإن كان مقدودا من خلفه فهي التي راودته فلما سمع الملك كلام الصبي وما اقتص أفزعه ذلك فزعا شديدا فجيئ بالقميص فنظر إليه فلما رآه مقدودامن خلفه قال لها إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم وقال ليوسف أعرض عن هذا ولا يسمعه منك أحد وأكتمه قال فلم يكتمه يوسف وأذاعه في المدينة حتى قلن نسوة منهن امرأت العزيز ترود فتيها عن نفسه فبلغها ذلك فارسلت إليهن وهيأت لهن طعاما ومجلسا ثم أتتهن بأترج
وأتت كل واحدة منهن سكينا ثم قالت ليوسف أخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن ما قلن فقالت لهن هذا الذي لمتنني فيه تعني في حبه وخرجن النسوة من عندها فأرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سرا من صواحبها تسأله الزيارة فأبى
= وجد في نفسه من الشهوة وعلم أنه لولا لطف الله لارتكب القبيح وعلم ان الله سبحانه يعصم انبيائه بالالطاف وان من لا يكون له لطف لا يبعثه الله نبيا م ن 1 - التقلت والافلات التخلص يقال افلت الطائر وغيره افلاتا إذا تخلص وفلت الطائر فلتا من باب ضرب لغة م (*)
[ 19 ]
عليهن وقال إلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجهلين فصرف الله عنه كيدهن. (35) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الاءيت من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف ليسجننه حتى حين (1) وذلك لأنها خدعت زوجها وحملته على سجنه زمانا حتى تبصر ما يكون منه أو يحسب الناس أنه المجرم. القمي عن الباقر عليه السلام الايات شهادة الصبي والقميص المخرق من دبر واستباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب فلما عصاها لم تزل مولعة بزوجها حتى حبسه. وعن الرضا عليه السلام قال السجان ليوسف إني لأحبك فقال يوسف ما أصابني إلا من الحب إن كانت خالتي أحبتني سرقتني (2) وإن كان أبي أحبني حسدني إخوتي وإن كانت إمرأة العزيز أحبتني حبستني والعياشي مثله إلا أنه ذكر العمة مكان الخالة. وزاد القمي وشكا في السجن إلى الله فقال يا رب بما استحققت السجن فأوحى الله إليه أنت إخترته حين قلت رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه هلا قلت العافية أحب إلي مما يدعونني إليه.
في الخصال عن الصادق عليه السلام البكاؤن خمسة إلى أن قال وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما. والعياشي عنه عليه السلام ما بكى أحد بكاء ثلاثة إلى قوله وأما يوسف فإنه كان يبكى على أبيه يعقوب وهو في السجن فصالحهم على أن يبكي يوما ويسكت يوما.
1 - قيل الى سبع سنين وقيل الى وقت يتسع حديث المرأة معه وينقطع فيه عن الناس خبره م ن 2 - سرقه اي نسبه الى السرقة ص (*)
[ 20 ]
وفي الكافي عنه عليه السلام جاء جبرئيل الى يوسف عليه السلام وهو في السجن فقال له يا يوسف قل في دبر كل صلاة اللهم اجعل لي فرجا ومخرجا وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب وفي المجمع عنه عليه السلام ما في معنى الروايتين. (36) ودخل معه السجن فتيان. القمي عبدان للملك أحدهما خباز والاخر صاحب الشراب قال أحدهما إنى أرانى أي أرى في المنام وهي حكاية حال ماضية أعصر خمرا أي عنبا سماه بما يؤول إليه وقال الاخر إنى أرانى أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه العياشي عن الصادق عليه السلام قال أحمل فوق رأسي جفنة فيها خبز تأكل الطير منه نبئنا بتأويله العياشي عن الصادق عليه السلام لما أمر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله تعالى علم تأويل الرؤيا فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم وإن فتيين أدخلا معه السجن يوم حبسه لما باتا أصبحا فقالا له إنا رأينا رؤيا فعبرها لنا فقال وما رأيتما فقال أحدهما إنى أريني الاية إنا نريك من المحسنين. في الكافي عن الصادق عليه السلام كان يوسع المجلس ويستقرض للمحتاج ويعين الضعيف.
والقمي عنه عليه السلام كان يقوم على المريض ويلتمس للمحتاج ويوسع على المحبوس وقيل ممن يحسن تأويل الرؤيا أي يعلمه. (37) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما الطريق القويم قبل أن يسعف إلى ما سألا عنه كما هو طريقة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في الهداية والأرشاد فقدم ما يكون معجزة له من الأخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير ذلكما أي ذلك التأويل مما علمني ربى بالألهام والوحي وليس من قبيل التكهن والتنجم إنى تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالاخرة هم كافرون.
[ 21 ]
(38) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب تعليل لما قبله وتمهيد للدعوة وإظهار أنه من أهل بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الأستماع إليه والوثوق عليه ما كان لنا ما صح لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله من شئ أي شئ كان ذلك أي التوحيد من فضل الله علينا بالوحي وعلى الناس وعلى سائر الناس ببعثنا لأرشادهم وتنبيههم عليه ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون هذا الفضل والنعمة فيعرضون عنه ولا ينتهون. (39) يصحبى السجن يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه كقولهم يا سارق الليلة ء أرباب متفرقون شتى متعددة متساوية الأقدام خير أم الله الوحد المتوحد بالألوهية القهار الغالب الذي لا يعادله شئ ولا يقاومه غيره. (40) ما تعبدون من دونه خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان يعني الاشياء سميتموها آلهة من غير حجة تدل على استحقاقها الألهية وإنما تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة إن الحكم في أمر العبادة إلا لله لأنه المستحق لها
بالذات أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم الحق ولكن أكثر الناس لا يعلمون فيخبطون في جهالاتهم. (41) يصحبى السجن أما أحدكما يعني صاحب الشراب فيسقى ربه خمرا كما يسقيه قبل. القمي قال له يوسف عليه السلام تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وأما الاخر يعني الخباز فيصلب فتأكل الطير من رأسه القمي ولم يكن رأى ذلك وكذب فقال له يوسف إنك يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك فجحد الرجل فقال إني لم أر ذلك فقال يوسف عليه السلام قضى الامر الذى
1 - وفي هذا دلالة على انه كان يقول ذلك على جهة الاخبار عن الغيب بما يوحى إليه لا كما يعبر احدنا الرؤيا على جهة التأويل م ن (*)
[ 22 ]
فيه تستفتيان وهوما يؤول إليه أمركما يعني قطع وفرغ منه صدقتما أوكذبتما. (42) وقال للذى ظن أنه ناج منهما علم نجاته اذكرني عند ربك اذكر حالي عند الملك وإني حبست ظلما لكي يخلصني من السجن فأنسه الشيطان ذكر ربه قيل فأنسى الشيطان صاحب الشراب أن يذكره لربه أوأنسى يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره فلبث في السجن بضع سنين. العياشي عن الصادق عليه السلام قال سبع سنين. وعنه عليه السلام لم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه فلذلك قال الله تعالى فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين قال فأوحى الله إلى يوسف في ساعته تلك يا يوسف من أراك الرؤيا التي رأيتها فقال أنت يا ربي قال فمن حببك إلى أبيك قال أنت يا ربي قال فمن وجه السيارة إليك فقال أنت يا رب قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعل لك من الجب فرجا قال أنت يا ربي قال فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجا قال أنت يا ربي قال فمن أنطق لسان الصبي بعذرك قال أنت
يا ربي قال فمن صرف كيد امرأة العزيز والنسوة قال أنت يا ربي قال فمن ألهمك تأويل الرؤيا قال أنت يا ربي قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وتسألني أن اخرجك من السجن واستعنت وأملت عبدا من عبادي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ولم تفزع إلي البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبدا إلى عبد. وفي رواية اخرى عنه عليه السلام اقتصر على بعضها وزاد في كل مرة فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب. والقمي مثله وفي رواية اخرى عنه عليه السلام فقال يوسف أسألك بحق آبائي عليك إلا فرجت عني فأوحى الله إليه يا يوسف وأي حق لابائك وأجدادك علي إن كان أبوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته أن لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي
[ 23 ]
وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له وغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك وإن كان أبوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجلعتها عليه بردا وسلاما وإن كان يعقوب وهبت له إثني عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني إلى خلقي فأي حق لابائك علي قال فقال له جبرئيل قل يا يوسف أسألك بمنك العظيم واحسانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا وكان فرجه فيها. وفي المجمع والقمي والعياشي عنه عليه السلام لما انقضت المدة وأذن الله له في دعاء الفرج وضع خده على الأرض ثم قال اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بوجوه آبائي الصالحين إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب ففرج الله عنه، قيل أندعو نحن بهذا الدعاء قال ادعوا بمثله اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام.
(43) وقال الملك إنى أرى سبع بقرت سمان يأكلهن سبع عجاف (1) وسبع سنبلت في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه قرأ وسبع سنابل خضر وأخر يابست وسبع يابسات التوت على الخضر حتى غلبن عليها واستغنى عن بيان حالها بذكر حال البقرات يا أيها الملاء أفتوني في رؤياي عبروها إن كنتم للرؤيا تعبرون إن كنتم عالمين بتأويلها. (44) قالوا أضغث أحلام أي هذه اضغاث أحلام وهي مخاليطها وأباطيلها وما يكون منها من وسوسة أو حديث نفس جمع ضغث (2) وأصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة. في الكافي عن الصادق عليه السلام الرؤيا على ثلاثة وجوه بشارة من الله
1 - العجف محركة ذهاب السمن وهو اعجف وهي عجفاء ج عجاف شاذ لان افعل افعل وفعلاء لا يجمع على فعال لكنهم بنوه على سمان لانهم قد يبنون الشئ على ضده كقولهم عدوة لمكان صديقة وفعول بمعنى فاعل لا يدخله الهاء وقد عجف كفرح وكرم ق 2 - الضغث بالكسر والفتح قبضة الحشيش المختلطة رطبها ويابسها واضغاث احلام مثل اضغاث الحشيش يجمعها فيكون منها ضروب مجتمعة م (*)
[ 24 ]
للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعلمين يعنون الأحلام الباطلة خاصة إعتذارا لجهلهم بتأويله بأنه مما ليس له تأويل (45) وقال الذى نجا منهما من صاحبي السجن وهو الشرابي وادكر بعد أمة وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أي مدة طويلة. القمي عن أمير المؤمنين عليه السلام أي بعد وقت أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون أي إلى من عنده علمه. (46) يوسف أيها الصديق أي فأرسلوه إلى يوسف فأتاه وقال له يا يوسف أيها الصديق أيها البليغ في الصدق وإنما قاله لأنه جرب أحواله وعرف صدقه في تأويل
رؤياه ورؤيا صاحبه أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات أي في رؤيا ذلك لعلى أرجع إلى الناس أعود إلى الملك ومن عنده لعلهم يعلمون تأويلها أو مكانك وفضلك. (47) قال تزرعون سبع سنين دأبا أي على عادتكم المستمرة وقرئ بسكون الهمزة فما حصدتم فذروه في سنبله لئلا تأكله السوس نصيحة خارجة عن التعبير إلا قليلا مما تأكلون في تلك السنين. (48) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن أي يأكل أهلهن ما أدخرتم لأجلهن فاسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به. وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إنه قرأما قربتم لهن والقمي عنه عليه السلام إنما أنزل ما قربتم لهن إلا قليلا مما تحصنون تحرزون لبذور الزراعة. (49) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث وفيه يعصرون ما يعصر من الثمار والحبوب والزروع وقرئ بالتاء والياء على البناء للمفعول أي يمطرون أو ينجون من عصره إذا أنجاه. وفي المجمع والعياشي نسب هذه القراءة إلى الصادق عليه السلام.
[ 25 ]
وزاد العياشي أنه قال أما سمعت قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا. والقمي عنه عليه السلام قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني على البناء للفاعل فقال ويحك وأي شئ يعصرون يعصرون الخمر قال الرجل يا أمير المؤمنين كيف أقرؤها فقال إنما انزلت عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني على البناء للمفعول أي يمطرون بعد المجاعة والدليل على ذلك قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا. (50) وقال الملك ائتونى به بعد ما جاءه الرسول بالتعبير فلما جاءه الرسول
ليخرجه قال ارجع إلى ربك العياشي مضمرا يعني العزيز فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن تأنى في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة وفحص حاله ليظهر براءة ساحته ويعلم أنه سجن ظلما ولم يتعرض لأمرأة العزيز مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترط أن يخرجوني من السجن ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الأجابة وبادرتهم إلى الباب وما ابتغيت العذر أنه كان لحليما ذا إناة. والعياشي عنهما عليهما السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو كنت بمنزلة يوسف حين أرسل إليه الملك رسوله يسأله عن رؤياه ما حدثته حتى أشترط عليه أن يخرجني من السجن وتعجبت لصبره عن شأن إمرأة الملك حتى أظهر الله عذره إن ربى بكيدهن عليم استشهد بعلم الله عليه وعلى أنه بريئ مما قذفته به. (51) قال ما خطبكن قال الملك ما شأنكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله تعجبا من عفته ونزاهته عن الريبة [ الزنية خ ل ] ومن قدرة الله على خلق
[ 26 ]
عفيف مثله وقرئ حاشا ما علمنا عليه من سوء من ذنب قالت امرأت العزيز الان حصحص الحق ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى ثفناته ليناخ أو أظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهر بشرة رأسه أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين في قوله هي راودتني عن نفسي ولا مزيد على شهادة الخصم بأن صاحبه على الحق وهو على الباطل. (52) ذلك التثبت ليعلم العزيز أنى لم أخنه بالغيب بظهر الغيب في حرمته
قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن وان الله لا يهدي كيد الخائنين لا ينفذه ولا يسدده وفيه تعريض بإمرأة العزيز وتأكيد لأمانته. (53) وما أبرئ نفسي أي لا انزهها تواضع لله وتنبيه على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق إن النفس لامارة بالسوء من حيث أنها بالطبع ما يلة إلى الشهوات إلا ما رحم ربى إلا وقت رحمة ربي والا ما رحمه الله من النفوس فعصمه عن ذلك ويحتمل انقطاع الاستثناء أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف السوء وربما يقال إن الايتين من تتمة كلام إمرأة العزيز أي ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيب وصدقت فيما سألت عنه وما أبرئ مع ذلك من الخيانة فإني خنته حين قذفته وسجنته تريد الأعتذار مما كان فيها وهذا التفسير هو المستفاد من كلام القمي حيث قال في قوله لم أخنه بالغيب أي لا أكذب عليه الان كما كذبت عليه من قبل إن ربى غفور رحيم يغفر ميل النفس ويرحم من يشاء بالعصمة. (54) وقال الملك ائتونى به أستخلصه لنفسي أجعله خالصا لنفسي فلما كلمه فلما أتوا به وكلمه وشاهد منه الرشد والأمانة واستدل بكلامه على عقله وبعفته على أمانته قال إنك اليوم لدينا مكين ذو مكانة ومنزلة أمين مؤتمن على كل شئ. (55) قال اجعلني على خزائن الارض ولني أمرها والأرض أرض مصر.
[ 27 ]
والقمي يعني الكناريج (1) والأنابير إنى حفيظ أحفظها من أن تجري عليها الخيانة عليم بوجوه التصرف في العلل عن الصادق عليه السلام. وفي العيون والعياشي عن الرضا عليه السلام قال حفيظ بما تحت يدي عليم بكل لسان وإنما طلب الولاية ليتوصل بها إلى إمضاء أحكام الله وبسط الحق ووضع الحقوق مواضعها.
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الارض لولاه من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة. والعياشي عن الصادق عليه السلام يجوز أن يزكي الرجل نفسه إذا اضطر إليه أما سمعت قول يوسف اجعلني على خزائن الارض إنى حفيظا عليم وقول العبد الصالح وأنا لكم ناصح أمين. وفي الكافي عنه عليه السلام لما صارت الأشياء ليوسف بن يعقوب عليهما السلام جعل الطعام في بيوت وأمر بعض وكلائه فكان يقول بع بكذا وكذا والسعر قائم فلما علم أنه يزيد في ذلك اليوم كره أن يجري الغلاء على لسانه فقال له إذهب وبع ولم يسم له سعرا فذهب الوكيل غير بعيد ثم رجع إليه فقال له إذهب فبع وكره أن يجري الغلاء على لسانه فذهب الوكيل فجاء أول من اكتال فلما بلغ دون ما كان بالأمس بمكيال قال المشتري حسبك إنما أردت بكذا وكذا فعلم الوكيل أنه قد غلا بمكيال ثم جاءه آخر فقال له كل لي فكال فلما بلغ دون الذي كان للأول بمكيال قال له المشتري حسبك إنما أردت بكذا وكذا فعلم الوكيل أنه قد غلا بمكيال حتى صار إلى واحد واحد. والعياشي عنه عليه السلام في حديث أن الغلاء إنما حدث بتكاذب المشترين بعضهم بعضا. وفي المجمع عن الرضا عليه السلام وأقبل يوسف على جمع الطعام فجمع في
السبع السنين المخصبة فكبسه (1) في الخزائن فلما مضت تلك السنون وأقبلت السنون المجدبة (2) أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة
الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جوهر إلا صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية إلا صارت في ملكية يوسف وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والأماء حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلا صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار حتى صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة حتى صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر حتى صار عبد يوسف فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم وقال الناس ما رأينا وما سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا ثم قال يوسف للملك أيها الملك ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر وأهلها أشر علينا برأيك فإني لم أصلحهم لأفسدهم ولم أنجهم من البلاء لأكون وبالا عليهم ولكن الله نجاهم على يدي قال له الملك الرأي رأيك قال يوسف إني أشهد الله واشهدك أيها الملك إني قد اعتقت أهل مصر كلهم ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ورددت عليك أيها الملك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ولا تحكم إلا بحكمي قال له الملك إن ذلك لشرفي وفخري ألا أسير إلا بسيرتك ولا أحكم إلا بحكمك ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له ولقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسوله فأقم على ما وليتك فإنك لدينا مكين أمين (56) وكذلك ومثل ذلك التمكين الظاهر مكنا ليوسف في الارض أرض مصر
1 - كبس البئر والنهر يكبسهما طمهما بالتراب وذلك التراب كبس بالكسر ورأسه في ثوبه اخفاه وادخله فيه ق 2 - روي ان يوسف عليه السلام كان لا يمتلي شبعا من الطعام في تلك الايام المجدبة فقيل له تجوع وبيدك خزائن الارض فقال عليه السلام أخاف أن أشبع فأنسى الجياع (*)
[ 29 ]
العياشي عن الباقر عليه السلام ملك يوسف مصر وبراريها لم يتجاوزها إلى غيرها ويأتي فيه حديث آخر يتبوأ منها حيث يشآء ينزل من بلادها حيث يهوى لاستيلائه على جميعها وقرئ نشاء بالنون نصيب برحمتنا من نشاء في الدنيا والاخرة ولا نضيع أجر المحسنين بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا. (57) ولاجر الاخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والفواحش لعظمه ودوامه. (58) وجاء إخوة يوسف للميرة (1) وذلك لأنه أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد من الجدب فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون أي عرفهم يوسف لأن همته كانت معقودة بهم ولم يعرفوه لطول العهد (2) ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حيث فارقوه وقلة تأملهم في حلاه (3) من التهيب والاستعظام. العياشي عن الباقر عليه السلام ولم يعرفه إخوته لهيبة الملك وعزه. القمي أمر يوسف أن يبني له كناريج من صخر وطينها بالكلس (4) ثم أمر بزرع مصر فحصدت ودفع إلى كل إنسان حصتة وترك في سنبله لم يدسه فوضعها في الكناريج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاءت سنوات الجدب كان يخرج السنبل فيبيع بما شاء وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما وكان في بادية وكان الناس من الافاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا به طعاما وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل (5) فأخذ إخوة يوسف
1 - يقال فلان يمير اهله إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلدهم من الميرة بالكسر فالسكون طعام يمتاره الانسان اي يجلبه من بلد الى بلد ومارهم ميرة من باب باع بالميرة والميتار جالب الميرة م 2 - قيل كان بين ان قذفوه في الجب وبين ان دخلوا عليه أربعين سنة فلذلك أنكروه لانهم رأوه جالسا على السرير وعليه ثياب الملوك ولم يكن يخطر ببالهم انه يصير الى تلك الحالة وكان يوسف ينتظر قدومهم عليه فكان اثبت لهم 3 - الحلية بالكسر الخلقة والصورة والصفة
4 - الكلس بالكسر الصاروج ق الصاروج النورة وأخلاطها معرب وصرج الحوض تصريجا ق 5 - المقل بالضم الكندر الذي يتدخن به اليهود وهو صمغ شجرة ومنه هندي وعربي وصقلي والكل نافع للسعال ونهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم اه ق (*)
[ 30 ]
من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا به طعاما وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخل إخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عز وجل. والعياشي عن الباقر عليه السلام لما فقد يعقوب يوسف اشتد حزنه عليه وبكاؤه حتى ابيضت عيناه من الحزن واحتاج حاجة شديدة وتغيرت حاله وكان يمتار القمح من مصر في السنة مرتين الشتاء والصيف وأنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر مع رفقة خرجت الحديث. (59) ولما جهزهم بجهازهم أصلحهم بعدتهم وأوقر ركايبهم بما جاؤوا لأجله وأصل الجهاز ما يعد من الأمتعة قال ائتونى بأخ لكم من أبيكم. القمي أحسن لهم في الكيل وقال لهم من أنتم قالوا نحن بنو يعقوب ابن إسحق بن إبراهيم خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق فجعلها الله عليها بردا وسلاما قال فما فعل أبوكم قالوا شيخ ضعيف قال فلكم أخ غيركم قالوا لنا أخ من أبينا لا من أمنا قال فإذا رجعتم إلي فأتوني به. والعياشي عن الباقر عليه السلام قال لهم يوسف قد بلغني أن لكم أخوين من أبيكم فما فعلا قالوا أما الكبير منهما فإن الذئب أكله وأما الصغير فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين وعليه شفيق قال فإني أحب أن تأتوني به معكم إذا جئتم تمتارون ألا ترون أنى أوف الكيل أتمه ولا أبخس أحدا شيئا وأنا خير المنزلين المضيفين وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم. (60) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ولا تدخلوا دياري
نهي أو نفي. (61) قالوا سنراود عنه أباه سنجتهد في طلبه من أبيه وإنا لفعلون ذلك لا نتوانى فيه. (62) وقال لفتيانه لغلمانه الكيالين وقرئ لفتيته اجعلوا بضاعتهم يعني ثمن
[ 31 ]
طعامهم وما كانوا جاؤوا به في رحالهم في أوعيتهم وإنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم وترفعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به لعلهم يعرفونها لعلهم يعرفون حق ردها والتكرم باعطاء بدلين إذا انقلبوا إلى أهلهم وفتحوا أوعيتهم لعلهم يرجعون لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع (63) فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل أرادوا قول يوسف فلا كيل لكم عندي لأنه إذا أعلمهم بمنع الكيل إذ لم يذهبوا ببنيامين فقد منعهم الكيل حينئذ فأرسل معنا أخانا نكتل نرفع المانع من كيل ما نحتاج إليه من الطعام وقرئ يكتل بالياء أي يكتل أخونا لينضم إكتياله إلى إكتيا لنا وإنا له لحافظون عن أن يناله مكروه. (64) قال هل آمنكم عليه أي لا آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل وقد قلتم فيه إنا له لحافظون ثم لم تفوا بضمانكم فالله خير حافظا فأتوكل على الله وافوض أمري إليه وهو أرحم الرحمين يرحم ضعفي وكبر سني فيحفظه ويرده علي ولا يجمع علي مصيبتين. في المجمع في الخبر أن الله سبحانه قال فبعزتي لأردنهما إليك بعد ما توكلت علي (65) ولما فتحوا متاعهم أي أوعية متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى ماذا نطلب هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا أو المعنى لا نطلب وراء ذلك إحسانا أو ما نريد منك بضاعة أخرى هذه
بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا فنستظهر بها ونمير أهلنا بالرجوع إلى الملك ونحفظ أخانا عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا ونزداد كيل بعير وسق بعير باستصحاب أخينا ذلك كيل يسير أي مكيل قليل لا يكفينا استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يزدادوا إليه ما يكال لأخيهم أو أرادوا أن كيل بعير يسير لا يضايقنا فيه الملك. (66) قال لن أرسله معكم إذ رأيت منكم ما رأيت حتى تؤتون موثقا من
[ 32 ]
الله حتى تعطوني [ تؤتوني خ ل ] ما أتوثق به من عند الله أي عهدا مؤكدا بذكر الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعا فلما أتوه موثقهم عهدهم قال الله على ما نقول وكيل رقيب مطلع إن أخلفتم أنتصف لي منكم. (67) وقال يبنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة لأنهم كانوا ذوي جمال وبهاء وهيئة حسنة وقد شهروا في مصر بالقربة من الملك والتكرمة الخاصة التي لم تكن لغيرهم فخاف عليهم العين وما أغنى عنكم من الله من شئ يعني وإن أراد الله بكم سوء لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة فإن الحذر لا يمنع القدرإن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون. (68) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم أي من أبواب متفرقة ما كان يغنى عنهم رأي يعقوب واتباعه من الله من شئ مما قضيناه عليهم كما قاله يعقوب فسرقوا وأخذ بنيامين وتضاعفت المصيبة على يعقوب إلا حاجة في نفس يعقوب استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا قضاها أظهرها ووصى بها وإنه لذو علم لما علمناه لذو يقين ومعرفة بالله من أجل تعليمنا إياه ولذلك قال ما أغني عنكم من الله من شئ ولم يغتر بتدبيره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر. (69) ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ضم إليه بنيامين قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس فلا تحزن من البؤس بما كانوا يعملون في حقنا فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا. في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام وقد كان هيأ لهم طعاما فلما دخلوا عليه قال ليجلس كل بني ام على مائدة قال فجلسوا وبقي بنيامين قائما فقال له يوسف مالك لا تجلس قال له إنك قلت ليجلس كل بني ام على مائدة وليس لي
[ 33 ]
فيهم ابن ام فقال أما كان لك ابن ام قال له بنيامين بلى قال يوسف فما فعل قال زعم هؤلاء إن الذئب أكله قال فما بلغ من حزنك عليه قال ولد لي أحد عشر ابنا كلهم اشتققت له اسما من إسمه فقال له يوسف أراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده قال له بنيامين إن لي أبا صالحا وإنه قال تزوج لعل الله أن يخرج منك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فقال له تعال فاجلس معي على مائدتي فقال إخوة يوسف لقد فضل الله يوسف وأخاه حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته وفي رواية اخرى أنه حين أجلسه معه على المائدة تركوا الأكل وقالوا إنا نريد أمرا ويأبى الله إلا أن يرفع ولد ياميل علينا. والقمي فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر دخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعيد فقال يوسف أنت أخوهم قال نعم قال فلم لا تجلس معهم قال لأنهم أخرجوا أخي من امي وأبي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي أن لا اجتمع معهم على أمر ما دمت حيا قال فهل تزوجت قال بلى قال فولد لك ولد قال بلى قال كم ولد لك قال ثلاثة بنين قال فما سميتهم قال سميت واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم قال وكيف اخترت هذه الأسماء قال لئلا أنسى أخي كلما دعوت
واحدا من ولدي ذكرت أخي قال لهم يوسف اخرجوا وحبس بنيامين فلما خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون ثم قال له أنا احب أن تكون عندي فقال لا يدعوني إخوتي فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردوني إليه قال أنا أحتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا ولا تخبرهم فقال لا. (70) فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية المشربة في رحل أخيه ثم أذن مؤذن نادى مناد أيتها العير أي القافلة وهي إسم الأبل التي عليها الأحمال فقيل لأصحابها. القمي معناه يا أهل العير ومثله قولهم لأبيهم واسأل القرية التى كنا فيها
[ 34 ]
والعير التى أقبلنا فيهاإنكم لسارقون القمي عن الصادق عليه السلام ما سرقوا وما كذب يوسف فإنما عنى سرقتهم يوسف من أبيه. وفي الكافي عنه عليه السلام قال يوسف إرادة الأصلاح وعنه عليه السلام الكلام ثلاثة صدق وكذب وإصلاح بين الناس. وعنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا كذب على مصلح ثم تلا أيتها العير إنكم لسارقون ثم قال والله ما سرقوا وما كذب وعن الباقر عليه السلام والله ما كانوا سارقين وما كذب. وزاد في العلل والعياشي ألا ترى قال لهم حين قالوا ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولم يقولوا سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه. (71) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون أي شئ ضاع منكم. (72) قالوا نفقد صواع الملك يعني صاعه المعبر عنه آنفا بالسقاية لأنه كان مشربته أيضا. العياشي عن الباقر عليه السلام قال صواع الملك الطاس الذي يشرب منه.
وعن الصادق عليه السلام كان قدحا من ذهب وكان صواع يوسف إذا كيل كيل به. والقمي وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقف عليه إخوته ولمن جاء به حمل بعير من الطعام جعلا له وأنا به زعيم كفيل اؤديه إلى من رده. (73) قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما ثبت عندهم دلائل دينهم وأمانتهم وحسن سيرتهم ومعاملتهم معهم مرة بعد اخرى. (74) قالوا فما جزاؤه فما جزاء السرق أو السارق أو الصواع بمعنى سرقته
[ 35 ]
بحذف المضاف إن كنتم كاذبين في إدعائكم البراءة منه. (75) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه وهكذا كان شرع يعقوب. القمي من وجد في رحله فأحبسه. والعياشي عن الصادق عليه السلام يعنون السنة التي كانت تجري فيهم أن يحبسه كذلك نجزي الظالمين بالسرقة. (76) فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين دفعا للتهمة ثم استخرجها أي السقاية من وعاء أخيه. القمي فتشبثوا بأخيه فحبسوه كذلك مثل هذا الكيد كدنا ليوسف بأن علمناه إياه ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ملك مصر لأن حكم السارق في دينه أن يضرب ويغرم لا أن يستعبد إلا أن يشآء الله أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك نرفع
درجات من نشاء بالعلم كما رفعنا درجة يوسف فيه وفوق كل ذى علم عليم أرفع درجة منه في علمه. (77) قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. القمي يعنون يوسف. والعياشي عن الرضا عليه السلام يعنون المنطقة وعنه عليه السلام قال كانت لأسحق النبي عليه السلام منطقة يتوارثها الأنبياء والأكابر وكانت عند عمة يوسف وكان يوسف عندها وكانت تحبه فبعث إليها أبوه أن أبعثيه إلى وأرده إليك فبعثت إليه أن دعه عندي الليلة أشمه ثم أرسله إليك غدوة فلما أصبحت أخذت المنطقة فربطتها في حقوه (1) وألبسته قميصا وبعثت به إليه وقالت سرقت المنطقة فوجدت عليه وكان إذا سرق
1 - الحقو بفتح المهملة وسكون القاف موضع شد الازار وهو الخاصرة ثم توسعوا حتى سموا الازار الذي يشد على العورة حقوا والجمع حق وحقي فلس وفلسى وفلوس م (*)
[ 36 ]
أحد في ذلك الزمان دفع به إلى صاحب السرقة فأخذته فكان عندها. وفي العيون والقمي والعياشي أيضا عنه عليه السلام في معناه ما يقرب منه وكذا في الخرائج عن أبي محمد عليه السلام ببيان أبسط وفي آخره فقال لها يعقوب فإنه عبدك على أن لا تبيعية ولا تهبيه قالت فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني وأعتقه الساعة فأعطاها إياه أعتقته فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم أكنها ولم يظهرها لهم قال في نفسه أنتم شر مكانا منزلة في سرقتكم أخاكم وسوء صنيعكم به والله أعلم بما تصفون وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون وأنه لم يسرق. (78) قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا في السن أو القدر وذكروا له حاله إستعطافا له عليه فخذ أحدنا مكانه بدله فإن أباه ثكلان (1) على أخيه الهالك مستأنس به إنا نريك من المحسنين عادتك الأحسان. العياشي عن الباقر عليه السلام نراك من المحسنين إن فعلت.
(79) قال معاذ الله نعوذ بالله معاذا أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده أخذ غيره ظلم على فتواكم فلو أخذ أحدكم مكانه إنا إذا لظالمون عندكم هذا ظاهر كلامه وباطنه أنه تعالى أمرني بأخذ بنيامين واحتباسه لمصالح علمها في ذلك فلو أخذت غيره كنت ظالما عاملا بخلاف ما أمرت به. القمي قال إلا من وجدنا متاعنا عنده ولم يقل إلا من سرق متاعنا قال فاجتمعوا إلى يوسف عليه السلام وكانوا يجادلونه في حبسه وكانوا إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر وتقطر من رؤوسها دم أصفر وهم يقولون له خذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين فاطلق عن هذا. والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه.
1 - الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الولد أو الحبيب ويحرك وقد ثكله كفرح وهو ثاكل وثكلان وهي ثاكل وثكلانة قليلة وثكول وثكلى ق (*)
[ 37 ]
(80) فلما استيئسوا منه يئسوا من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة خلصوا انفردوا واعتزلوا نجيا متناجين قال كبيرهم. العياشي عن الصادق عليه السلام قال لهم يهودا وكان أكبرهم. والقمي قال لهم لاوي ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله عهدا وثيقا ومن قبل ومن قبل هذا ما فرطتم في يوسف قصرتم في شأنه فلن أبرح الارض فلن افارق أرض مصر حتى يأذن لى أبى في الرجوع إليه أو يحكم الله لى أو يقضي الله لي بالخروج وهو خير الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالحق العياشي عن الصادق عليه السلام. والقمي قال فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف يكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وكان على كتفه شعرة إذا
غضب قامت الشعرة فلا تزال تقذف بالدم حتى يمسه بعض ولد يعقوب قال وكان بين يدي يوسف ابن له صغير في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رآه يوسف قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم أخذ الرمانة من يد الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه قال فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم عاد يهودا إلى يوسف فكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة فجعلت تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه قال فقال يهودا إن في البيت معنا لبعض ولد يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات. (81) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق على ما شاهدنا من ظاهر الامر وما شهدنا عليه إلا بما علمنا بأن رأينا أن الصواع استخرج من وعائه وما كنا للغيب لباطن الحال حافظين فلا ندري أنه سرق أو دس الصاع في رحله. (82) واسأل القرية التى كنا فيها أرسل إلى أهلها واسألهم عن القصة
[ 38 ]
والعير التى أقبلنا فيها وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم وإنا لصادقون تأكيد في محل القسم. (83) قال بل سولت يعني فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال بل سولت أي زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا أردتموه لتعليمكم إياه إن السارق يؤخذ بسرقته فصبر جميل فأمري صبر جميل لا شكوى فيه إلى الناس عسى الله أن يأتيني بهم جميعا بيوسف وبنيامين ويهودا إنه هو العليم بحالي وحالهم الحكيم في تدبيرها. (84) وتولى عنهم وأعرض عنهم وقال يا أسفي على يوسف تعال فهذا أوانك والأسف أشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم تأسفه على يوسف
دون غيره دليل على أنه لم يقع فايت عنده موقعه وإن مصابه به كان عنده غضا طريا مع طول العهد. العياشي والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف قال حزن سبعين ثكلى بأولادها وزاد العياشي قيل له كيف يحزن يعقوب على يوسف وقد أخبره جبرئيل أنه لم يمت وأنه سيرجع إليه فقال له إنه نسى ذلك وزاد القمي وإن يعقوب لم يعرف الاسترجاع فمن هنا قال وا أسفي على يوسف وفي الحديث النبوي لم يعط امة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسفي الاية وابيضت عيناه من الحزن لكثرة بكائه من الحزن وكان العبرة محقت سوادها. والقمي يعني عميت من البكاء فهو كظيم مملو من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه ولا يظهره (85) قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف أي لا تفتؤ ولا تزال تذكره تفجعا عليه حذف لا لعدم الألتباس بالاثبات حتى تكون حرضا مريضا من الهم مشفيا على
[ 39 ]
الهلاك أو تكون من الهلكين الميتين. في الخصال عن الصادق عليه السلام البكاؤون خمسة إلى أن قال وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره حتى قيل له تا لله تفتؤا الاية. (86) قال إنما أشكوا بثي وحزني همي الذي لا أقدر الصبر عليه إلى الله لا إلى غيره فخلوني وشكايتي وأعلم من الله من صنعه ورحمته ما لا تعلمون وحسن ظني به أن يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب. في الكافي عن الصادق عليه السلام إن يعقوب عليه السلام لما ذهب عنه بنيامين نادى يا
رب أما ترحمني أذهبت عيني وأذهبت ابني فأوحى الله تعالى لو أمتهما لأحييتهما لك حتى أجمع بينك وبينهما ولكن تذكر الشاة التي ذبحتها وشويتها وأكلت وفلان وفلان إلى جانبك صائم لم تنله منها شيئا. (87) يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه تفحصوا من حالهما وتطلبوا خبرهما ولا تيأسوا من روح الله لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه ورحمته إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكفرون لأن المؤمن من الله على خير يرجوه عند البلاء ويشكره في الرخاء. في الكافي والعلل والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام إنه سئل أن يعقوب حين قال لولده اذهبوا فتحسسوا من يوسف أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من الحزن قال نعم علم أنه حي قيل وكيف علم قال أنه دعا في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ترابال وهو ملك الموت فقال له ترابال ما حاجتك يا يعقوب قال أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة فقال بل متفرقة روحا روحا قال فمر بك روح يوسف قال لا فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه. وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام مثله باختصار وفي الخرايج عنه عليه السلام إن اعرابيا اشترى من يوسف طعاما فقال له إذا مررت بوادي كذا فناد يا
[ 40 ]
يعقوب فإنه يخرج إليك شيخ فقل له إني رأيت رجلا بمصر يقرؤك السلام ويقول إن وديعتك عند الله محفوظة لن تضيع فلما بلغه الأعرابي خر يعقوب مغشيا عليه فلما أفاق قال هل لك من حاجة قال لي إبنة عم وهي زوجتي لم تلد فدعا له فرزق منها أربعة أبطن في كل بطن اثنين. وفي الأكمال مثله بأبسط منه وقال سيخرج إليك رجل عظيم جميل وسيم
وقال في آخره فكان يعقوب يعلم أن يوسف حي لم يمت وأن الله سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه إني أعلم من الله ما لا تعلمون وكان أبناؤه وأهله وأقرباؤه يفندونه على ذكر يوسف. (88) فلما دخلوا عليه بعدما رجعوا إلى مصر قالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر الشدة وجئنا ببضعة مزجاة ردية. العياشي عن الرضا عليه السلام كانت المقل وكانت بلادهم بلاد المقل وهي البضاعة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا وتفضل علينا بالمسامحة وزدنا على حقنا أو بأخينا بنيامين كما يأتي إن الله يجزى المتصدقين يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها فرق لهم يوسف ولم يتمالك أن عرفهم نفسه. (89) قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قاله شفقة ونصحا لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريبا إيثارا لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي ينفث فيه المصدور ولعل فعلهم بأخيه إفراده عن يوسف قيل وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة. في المجمع عن الصادق عليه السلام كل ذنب عمله العبد إن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لأخوته قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله.
[ 41 ]
(90) قالوا (1) ءأنك لاءنت يوسف استفهام تقرير وقرئ على الأيجاب قال أنا يوسف وهذا أخي من أبي وأمي ذكره تعريفا لنفسه وتفخيما لشأنه قد من الله علينا أي بالسلامة والكرامة إنه من يتق أي من يتق الله ويصبر على البليات وعن المعاصي فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
(91) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا اختارك علينا بحسن الصورة وكمال السيرة وإن كنا لخطئين وإن شأننا وحالنا إنا كنا مذنبين بما فعلنا معك لا جرم أن الله أعزك واذلنا. العياشي عن الباقر عليه السلام قالوا فلا تفضحنا ولا تعاقبنا اليوم واغفر لنا (92) قال لا تثريب لا عيب ولا تعيير ولا تأنيب عليكم اليوم فيما فعلتم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين. في المجمع عن الصادق عليه السلام في حديث طويل أن يعقوب كتب إلى يوسف بسم الله الرحمن الرحيم الى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل من يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الذي جمع له النار ليحرقه بها فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها اخبرك أيها العزيز إنا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا عند السراء والضراء وإن المصائب تتابعت علي منذ عشرين سنة أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف وكان سروري من بين ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي وأن إخوته من غير امه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب فبعثته معهم بكرة فجاؤني عشيا يبكون وجاؤوا على قميصه بدم كذب وزعموا أن الذئب أكله فاشتد لفقده حزني وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من الحزن وأنه كان له أخ وكنت به معجبا وكان لي أنيسا وكنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري وأن إخوته ذكروا أنك سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به وإن لم يأتوك به منعتهم الميرة فبعثته معهم
1 - قيل ان يوسف لما قال لهم هل علمتم الاية تبسم فلما ابصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف وقالوا له إنك لانت يوسف وقيل يرفع التاج عن رأسه فعرفوه م ن (*)
[ 42 ]
ليمتاروا لنا قمحا فرجعوا إلي وليس هو معهم وذكروا أنه سرق مكيال الملك ونحن أهل
بيت لا نسرق وقد حبسته عني وفجعتني به وقد اشتد لفراقه حزني حتى تقوس لذلك ظهري وعظمت به مصيبتي مع مصائب تتابعت علي فمن علي بتخلية سبيله وإطلاقه من حبسك وطيب لنا القمح واسمح لنا في السعر وأوف لنا الكيل وعجل سراح (1) آل إبراهيم قال فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك وقالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر إلى آخر الاية وتصدق علينا بأخينا بنيامين وهذا كتاب أبينا يعقوب أرسله إليك في أمره يسألك تخلية سبيله فمن به علينا فأخذ يوسف كتاب يعقوب وقبله ووضعه على عينيه وبكى وانتحب (2) حتى بلت دموعه القميص الذي عليه ثم أقبل عليهم وقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه من قبل. والعياشي عن الباقر عليه السلام في حديث له قال واشتد حزن يعقوب حتى تقوس (3) ظهره وأدبرت الدنيا عنه وعن ولده حتى احتاجوا حاجة شديدة وفنيت ميرتهم فعند ذلك قال يعقوب لولده اذهبوا فتحسسوا الاية فخرج منهم نفر وبعث منهم ببضاعة يسيرة وكتب معهم كتابا إلى عزيز مصر يتعطفه على نفسه وولده وأوصى ولده أن يبدؤا بدفع كتابه قبل البضاعة فكتب وذكر صفة الكتاب مثل ما ذكر في المجمع إلى قوله وعجل سراح آل إبرهيم وأورد آل يعقوب بدل آل إبراهيم ثم قال فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه نزل جبرئيل على يعقوب فقال له يا يعقوب إن ربك يقول لك من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها إلى عزيز مصر قال يعقوب أنت بلوتني بها عقوبة منك وأدبالي قال الله فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري قال يعقوب اللهم لا قال فما استحييت مني حين شكوت مصائبك إلى غيري ولم تستغث بي وتشكو ما بك إلي فقال يعقوب أستغفرك يا إلهي وأتوب إليك وأشكو بثي وحزني
1 - سرحت فلانا الى موضع كذا إذا أرسلته وتسريح المرأة تطليقها والاسم السراح مثل التبليغ والبلاغ وتسريح الشعر إرساله وحله قبل المشق 2 - النحب أشد البكاء كالنحيب وقد نحب كمنع وانتحب
3 - قوس تقويسا انحنى كتقوس (*)
[ 43 ]
إليك فقال الله وتعالى قد بلغت بك يا يعقوب وبولدك الخاطئين الغاية في أدبي ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك إلي عند نزولها بك واستغفرت وتبت إلي من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك ولكن الشيطان أنساك ذكري فصرت إلى القنوط من رحمتي وأنا الله الجواد الكريم أحب عبادي المستغفرين التائبين الراغبين إلي فيما عندي يا يعقوب أنا راد إليك يوسف وأخاه ومعيد إليك ما ذهب من مالك ولحمك ودمك وراد إليك بصرك ومقوم لك ظهرك وطب نفسا وقر عينا وإنما الذي فعلته بك كان أدبا مني لك فأقبل أدبي قال ومضى ولد يعقوب بكتابه إلى آخر ما ذكر في المجمع إلا أنه قال وأنه كان له أخ من خالته وكنت به معجبا ثم ذكر صفة الكتاب برواية اخرى أخصر منه وقال في آخره فلما اوتي يوسف عليه السلام بالكتاب فتحه وقرأه فصاح ثم قام فدخل منزله فقرأه وبكى ثم غسل وجهه ثم خرج إلى إخوته ثم عاد فقرأه فصاح وبكى ثم قام فدخل منزله فقرأه وبكى ثم غسل وجهه وعاد إلى اخوته فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون وأعطاهم قميصه وهو قميص إبراهيم وكان يعقوب بالرملة. (93) اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وأتوني أنتم وأبي بأهلكم أجمعين. (94) ولما فصلت العير من مصر وخرجت من عمرانها قال أبوهم لمن حضره إنى لاجد ريح يوسف لو لا أن تفندون تنسبوني إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من الهرم وجواب لولا محذوف وتقديره لصدقتموني. (95) قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم لفي ذهابك عن الصواب قدما بإفراطك في محبة يوسف واكثارك ذكره والتوقع للقائه. (96) فلما أن جاء البشير في الأكمال عن الصادق عليه السلام وهو يهودا
إبنه ألقيه على وجهه طرح القميص على وجهه فارتد بصيرا عاد بصيرا لما انتعش فيه من القوة قال ألم أقل لكم إنى أعلم من الله ما لا تعلمون من حياة يوسف وإنزال
[ 44 ]
الفرج من الله ويحتمل أن يكون إني أعلم مستأنفا والمقول محذوفا دل عليه الكلام السابق. العياشي عن الصادق عليه السلام كتب عزيز مصر إلى يعقوب أما بعد فهذا ابنك يوسف اشتريته بثمن بخس دراهم معدودة واتخذته عبدا وهذا ابنك بنيامين قد سرق فاتخذته عبدا قال فما ورد على يعقوب بشئ أشد عليه من ذلك الكتاب فقال للرسول مكانك حتى أجيبه فكتب إليه يعقوب أما بعد فقد فهمت كتابك إنك أخذت ابني بثمن بخس وأخذته عبدا وإنك أتخذت ابني بنيامين وقد سرق واتخذته عبدا فإنا أهل بيت لا نسرق ولكنا أهل بيت نبتلى وقد ابتلى أبونا ابراهيم بالنار فوقاه الله وابتلى أبونا اسحاق بالذبح فوقاه الله وإني قد ابتليت بذهاب بصري وذهاب ابني وعسى الله أن يأتيني بهم جميعا قال فلما ولى الرسول عنه رفع يده إلى السماء ثم قال يا حسن الصحبة يا كريم المعونة يا خيرا كله إئتني بروح وفرج من عندك قال فهبط عليه جبرئيل فقال ليعقوب ألا اعلمك دعوات يرد الله عليك بها بصرك ويرد عليك ابنيك فقال بلى فقال قل يا من لا يعلم أحد كيف هو وحيث هو وقدرته إلا هو يامن سد الهواء بالسماء وكبس الأرض على الماء واختار لنفسه أحسن الأسماء إئتني بروح منك وفرج من عندك فما انفجر عمود الصبح حتى اتي بالقميص وطرح على وجهه فرد الله عليه بصره ورد عليه ولده. والقمي أورد هذا الحديث بأبسط من هذا وذكر في كتاب العزيز مكان قد سرق قد وجدت متاعي عنده وذكر في جواب يعقوب ابتلاءه بإبنيه على نحو كتابه الذي قد سبق ذكره. وقال فيه وقد كان له أخ من امه كنت انس به فخرج مع إخوته إلى أن قال وقد
حبسته وأنا أسألك بإله ابراهيم وإسحق ويعقوب إلا مننت علي به وتقربت إلى الله ورددته إلي قال فلما ورد الكتاب على يوسف أخذه ووضعه على وجهه وقبله وبكى بكاء شديدا ثم نظر إلى إخوته فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف الايات قال فلما ولى الرسول الحديث.
[ 45 ]
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال اذهبوا بقميصي هذا الذي بلته دموع عيني فألقوه على وجه أبي يرتد بصيرا لو قد شم ريحي وأتوني بأهلكم أجمعين وردهم إلى يعقوب في ذلك اليوم وجهزهم بجميع ما يحتاجون إليه فلما فصلت عيرهم من مصر وجد يعقوب ريح يوسف فقال لمن بحضرته من ولده إني لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال وأقبل ولده يحثون السير بالقميص فرحا وسرورا بما رأوا من حال يوسف والملك الذي أعطاه الله والعز الذي صاروا إليه في سلطان يوسف وكان مسيرهم من مصر إلى يعقوب تسعة أيام فلما أن جاء البشير ألقى القميص على وجهه فارتد بصيرا وقال لهم ما فعل ابن ياميل قالوا خلفناه عند أخيه صالحا قال فحمد الله يعقوب عند ذلك وسجد لربه سجدات الشكر ورجع إليه بصره وتقوم له ظهره وقال لولده تحولوا إلى يوسف في يومكم هذا بأجمعكم فصاروا إلى يوسف ومعهم يعقوب وخالة يوسف ياميل فحثوا السير فرحا وسرورا فساروا تسعة أيام إلى مصروعن الصادق عليه السلام وجد يعقوب ريح قميص ابراهيم حين فصلت العير من مصر وهو بفلسطين. وفي الكافي والأكمال والقمي والعياشي عنه عليه السلام أتدري ما كان قميص يوسف قيل لا قال إن إبراهيم لما أوقدت له النار نزل إليه جبرئيل بالقميص. والقمي بثوب من ثياب الجنة وألبسه إياه فلم يضر معه حر ولا برد فلما أحضرته الوفاة جعله في تميمة وعلقه على اسحاق وعلقه إسحاق على يعقوب عليه السلام فلما ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتى كان من أمره ما كان فلما أخرجه يوسف عليه السلام بمصر
من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله عز وجل حكاية عنه إنى لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قيل جعلت فداك فإلى من صار هذا القميص قال إلى أهله ثم يكون مع قائمنا إذا خرج ثم قال كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزاد القمي وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العير من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي انزل من الجنة ونحن ورثته.
[ 46 ]
والعياشي مرفوعا إن يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسيرة عشرة ليال وكان يعقوب ببيت المقدس ويوسف بمصر وهو القميص الذي نزل على إبراهيم من الجنة في قصبة من فضة وكان إذا لبس كان واسعا كبيرا فلما فصلوا ويعقوب بالرملة ويوسف بمصر قال يعقوب إنى لاجد ريح يوسف يعني ريح الجنة حين فصلوا بالقميص لأنه كان من الجنة. أقول: يعني إنه كان من عالم الملكوت والباطن قد برز إلى عالم الملك والظاهر وصار محسوسا. (97) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. (98) قال سوف أستغفر لكم ربى إنه هو الغفور الرحيم. في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار وتلا هذه الاية في قول يعقوب سوف أستغفر لكم ربي وقال أخرهم إلى السحر. وفي الفقيه والمجمع والعياشي عنه عليه السلام اخره الى السحر ليلة الجمعة. والعياشي عنه عليه السلام أخره إلى السحر وقال يا رب إنما ذنبهم فيما
بيني وبينهم فأوحى الله قد غفرت لهم. وفي العلل عنه عليه السلام إنه سئل عن يعقوب إنه لما قال له بنوه يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي فأخر الاستغفار لهم ويوسف عليه السلام لما قالوا له تا لله لقد آثرك علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الرحمين قال لأن قلب الشاب ارق من قلب الشيخ وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف وجنايتهم على يعقوب إنما كانت بجنايتهم على يوسف فبادر يوسف إلى العفو عن حقه وأخر يعقوب العفو لأن عفوه إنما كان عن حق غيره فأخرهم إلى السحر ليلة الجمعة. في الكافي عن الباقر عليه السلام أنه سئل ما كان أولاد يعقوب أنبياء قال لا
[ 47 ]
ولكنهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ولم يكن يفارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا وإن الشيخين فارقا الدنيا ولم يكن يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل أكان إخوة يوسف أنبياء قال لا ولكن بررة أتقياء كيف وهم يقولون لأبيهم يعقوب تا لله إنك لفي ضلالك القديم. وعنه عليه السلام إنه سئل ما حال بني يعقوب هل خرجوا من الأيمان فقال نعم قلت فما تقول في آدم قال. (99) فلما دخلوا على يوسف ءاوى إليه أبويه ضم إليه أباه وامه راحيل كما مضى عن الباقر عليه السلام في أول السورة في تأويل الرؤيا أو أباه وخالته ياميل لما سبق في رواية العياشي إنها هي التي صارت معهم إلى مصر ولما يأتي في روايته أنه رفع أباه وخالته على سرير الملك فإن صحت هذه الرواية فلعلها نزلت منزلة الام كما نزل العم منزلة الأب في قوله وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل ولما روى أنها ربته بعد أمه والرابة
تدعى اما وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين يعني (1) إن شاء الله دخلتموه آمنين وإنما دخلوا عليه قبل دخولهم مصر لأنه استقبلهم يوسف ونزل لهم في بيت أو مضرب هناك فدخلوا عليه وضم إليه أبويه. في الكافي عن الصادق عليه السلام إن يوسف لما قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عز الملك فلم ينزل إليه فهبط عليه جبرئيل عليه السلام فقال يا يوسف إبسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء فقال يوسف يا جبرئيل ما هذا النور الذي خرج من راحتي فقال نزعت النبوة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي. وفي العلل عنه عليه السلام لما تلقى يوسف يعقوب ترجل له يعقوب ولم
1 - والاستثناء يعود الى الامن وإنما قال آمنين لانهم كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوازهم قال وهب إنهم دخلوا مصر وهم ثلاث وسبعون إنسانا وخرجوا مع موسى وهم ستمائة الف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا مجمع البيان (*)
[ 48 ]
يترجل له يوسف فلم ينفصلا من العناق حتى أتاه جبرئيل فقال له يا يوسف ترجل لك الصديق ولم تترجل له إبسط يدك وذكر مثل ما في الكافي وفي رواية اخرى هم بأن يترجل ليعقوب ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل الحديث. القمي لما وافى يعقوب وأهله وولده مصر قعد يوسف على سريره ووضع تاج الملك على رأسه فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة فلما دخل عليه أبوه لم يقم له فخروا كلهم سجداثم روى عن الهادي عليه السلام إخراج جبرائيل نور النبوة من بين أصابعه ومحوها من صلبه وجعلها في ولد لاوى أخيه لأنه نهى إخوته عن قتله ولأنه قال لن أبرح الارض الاية قال فشكر الله له ذلك وكان أنبياء بني اسرائيل من ولده وكان موسى من ولده وهو موسى ابن عمران بن يصهر بن واهث بن لاوي بن يعقوب.
(100) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا. العياشي عن الصادق عليه السلام العرش السرير وكان سجودهم ذلك عبادة لله وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل رأيتها في أيام الصباقد جعلها ربى حقا صدقا. العياشي عن الكاظم عليه السلام إنه سئل في كم دخل يعقوب من ولده على يوسف قال في أحد عشر إبنا له فقيل له أسباط قال نعم. وعن الباقر عليه السلام لما دخلوا على يوسف في دار الملك إعتنق أباه وبكى ورفعه ورفع خالته على سرير الملك ثم دخل منزله فادهن واكتحل ولبس ثياب العز والملك ثم خرج إليهم فلما رأوه سجدوا له إعظاما له وشكرا لله فعند ذلك قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قال ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيب ولا يضحك ولا يمس النساء حتى جمع الله بيعقوب شمله وجمع بينه وبين يعقوب واخوته وفي المجمع عنه عليه السلام مثله. أقول: لعل المراد بنفي مسه النساء عدم مسهن للألتذاذ والشهوة فلا ينافي ما
[ 49 ]
سبق أنه كان له ابن يلعب برمانة بين يديه حين خاصمه أخوه في أخيه فلعله إنما مسهن لتثقيل الأرض بتسبيح الولد كما مضى في إعتذار أخيه في مثله. والقمي عن الباقر عليه السلام لما دخلوا عليه سجدوا شكرا لله وحده حين نظروا إليه وكان ذلك السجود لله. وعن الهادي عليه السلام وقد سئل عن سجود يعقوب وولده ليوسف عليه السلام وهم أنبياء قال أما سجود يعقوب وولده فإنه لم يكن ليوسف وإنما كان من يعقوب وولده طاعة لله وتحية ليوسف كما كان السجود من الملائكة لأدم وإنما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية لادم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لأجتماع شملهم ألم تر
أنه يقول في شكره ذلك الوقت رب قد آتيتني من الملك الاية. وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام إنه قرأ (وخروا لله سجدين) وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن لعله لم يذكر الجب لئلا يكون تثريبا عليهم وجاء بكم من البدو من البادية لأنهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو ينتقلون في المياه والمناجع (1) من بعد أن نزغ الشيطن بينى وبين إخوتى أفسد بيننا وحرش إن ربى لطيف لما يشاء في تدبير عباده يسهل لهم العسر ويلطفه إنه هو العليم بوجوه المصالح والتدابير الحكيم الذي يفعل كل شئ في وقته وعلى وجه. القمي عن الهادي عليه السلام قال يعقوب لأبنه أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي قال يا أبت إعفني من ذلك قال فأخبرني ببعضه قال إنهم لما أدنوني من الجب قالوا انزع القميص فقلت لهم يا إخوتي اتقوا الله ولا تجردوني فسلوا علي السكين وقالوا لئن لم تنزع لنذبحنك فنزعت القميص وألقوني في الجب عريانا قال فشهق يعقوب شهقة واغمي عليه فلما أفاق قال يا بني حدثني قال يا أبت أسألك بإله
1 - في حديث علي عليه السلام هي يعني الدنيا منزل قلعة وليست بدار نجعة قوله منزل قلعة بضم القاف إذا لم تصلح للاستيطان والنجعة بضم النون ايضا طلب الكلاء وحاصله انها ليست دار راحة وطيب عيش والانتجاع طلب الاحسان ومنه انتجعت فلانا إذا اتيته تطلب معروفه والانتجاع طلب النبات والعلف والماء م (*)
[ 50 ]
إبراهيم واسحق ويعقوب إلا أعفيتني فاعفاه. وفي المجمع عن الصادق عليه السلام والعياشي عن الباقر عليه السلام ما في معناه. وفي المجمع روى أن يوسف عليه السلام قال ليعقوب لا تسألني عن صنيع إخوتي واسأل عن صنيع الله بي. (101) رب قد آتيتني من الملك بعض الملك وهو ملك مصر.
في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث يذكر فيه يوسف فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك [ مصر ظ ] وما حولها إلى اليمن. وفي الخصال عن الباقر عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة إلى أن قال وأما يوسف فملك مصر وبراريها ولم يتجاوزها إلى غيرها وعلمتني من تأويل الاحاديث بعض تأويلها فاطر السموت والأرض مبدعهما أنت ولى ناصري ومتولي أمري في الدنيا والاخرة تتولاني بالنعمة فيهما وتوصل الملك الفاني بالملك الباقي توفنى مسلما وألحقني بالصلحين في الرتبة والكرامة. في الأكمال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاش يعقوب بن إسحاق مائة وأربعين سنة وعاش يوسف بن يعقوب مائة وعشرين سنة. وفي المجمع عن الصادق عليه السلام قال دخل يوسف السجن وهو إبن اثنتي عشرة سنة ومكث فيها ثماني عشرة سنة وبقي بعد خروجه ثمانين سنة فذلك مائة سنة وعشر سنين. وعن الباقر عليه السلام إنه سئل كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر قال عاش حولين قيل فمن كان الحجة لله في الأرض يعقوب أم يوسف قال كان يعقوب وكان الملك ليوسف فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفن في بيت المقدس
[ 51 ]
فكان يوسف عليه السلام بعد يعقوب الحجة قيل فكان يوسف رسولا نبيا قال نعم أما تسمع قوله عز وجل ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات. والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منه. وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن أخرج عظام يوسف من مصر فاستخرجه من شاطئ النيل وكان في صندوق مرمر
فحمله إلى الشام فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام وهو يوسف بن يعقوب وما ذكر الله يوسف في القرآن غيره. وفي العلل عنه عليه السلام إستأذنت زليخا على يوسف فقيل لها إنا نكره أن نقدم بك عليه لما كان منك إليه قالت إني لا أخاف من يخاف الله فلما دخلت قال لها يا زليخا مالي أراك قد تغير لونك قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا فقال لها ما الذي دعاك إلى ما كان منك قالت حسن وجهك يا يوسف فقال كيف لو رأيت نبيا يقال له محمد صلى الله عليه وآله يكون في آخر الزمان أحسن مني وجها وأحسن مني خلقا وأسمح مني كفا قالت صدقت قال وكيف علمت أني صدقت قالت لأنك حين ذكرته وقع حبه في قلبي فأوحى الله عز وجل إلى يوسف أنها قد صدقت وإني قد أحببتها لحبها محمدا صلى الله عليه وآله فأمره الله عز وجل أن يتزوجها. والقمي عن الهادي عليه السلام لما مات العزيز في السنين الجدبة افتقرت إمرأة العزيز واحتاجت حتى سألت فقالوا لها لو قعدت للعزيز وكان يوسف سمى العزيز وكل ملك كان لهم سمي بهذا الأسم فقالت أستحي منه فلم يزالوا بها حتى قعدت له فأقبل يوسف في موكبه فقامت إليه فقالت سبحان الذي جعل الملوك بالمعصية عبيدا وجعل العبيد بالطاعة ملوكا فقال لها يوسف أنت تيك [ هاتيك خ ل ] فقالت نعم وكان اسمها زليخا فقال لها هل لك في رغبة قالت دعني بعد ما كبرت أتهزأ بي قال لا قالت نعم فأمر بها فحولت إلى منزله وكانت هرمة فقال لها ألست فعلت بي كذا وكذا فقالت يا
[ 52 ]
نبي الله لا تلمني فإني بليت بثلاثة لم يبل [ يبتل خ ك ] بها أحد قال وما هي قالت بليت بحبك ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا وبليت بأنه لم يكن بمصر إمرأة أجمل مني ولا أكثر مالا مني نزع عني وبليت بزوج عنين (1) فقال لها يوسف فما تريدين فقالت تسأل
الله أن يرد علي شبابي فسأل الله فرد عليها شبابها فتزوجها وهي بكر. (102) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك يا محمد وما كنت لديهم لدى إخوة يوسف إذ أجمعوا أمرهم عزموا على ما هموا به وهم يمكرون لم تعرف ذلك إلا بالوحي. (103) وما أكثر الناس ولو حرصت على إيمانهم وبالغت في إظهار الايات عليهم بمؤمنين لعنادهم وتصميمهم على الكفر. (104) وما تسألهم عليه على التبليغ من أجر من جعل إن هو إلا ذكر عظة من الله للعالمين عامة. (105) وكأين من آية في السموات والارض تدل على حكمة الله وقدرته في صنعه يمرون عليها ويشاهدونها وهم عنها معرضون لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. (106) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون في الطاعة وبالنظر إلى الأسباب. في الكافي عن الصادق عليه السلام. والقمي والعياشي عن الباقر عليه السلام شرك طاعة وليس شرك عبادة. وزاد القمي والعياشي والمعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره وليس باشراك عبادة أن يعبدوا غير الله.
1 - العنين الذي لا يقدر على اتيان النساء ولا يشتهي النساء وامرأة عنينة لا تشتهي الرجال (*)
[ 53 ]
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك. وفي التوحيد عنه عليه السلام هم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها
غير مواضعها. والعياشي عنه عليه السلام هو الرجل يقول لولا فلان لهلكت ولولا فلان لأصبت كذا وكذا ولولا فلان لضاع عيالي ألا ترى أنه قد جعل لله شريكا في ملكه يرزقه ويدفع عنه قيل فيقول لولا أن من الله علي بفلان لهلكت قال نعم لا بأس بهذا. وعن الباقر عليه السلام من ذلك قول الرجل لا وحياتك وعنهما عليهما السلام شرك النعم وعن الرضا عليه السلام شرك لا يبلغ به الكفر. (107) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله عقوبة تغشيهم وتشملهم أو تأتيهم الساعة بغتة فجأة من غير سابقة علامة وهم لا يشعرون بإتيانها غير مستعدين لها. (108) قل هذه سبيلى يعني الدعوة إلى التوحيد والأعداد للمعاد أدعوا إلى الله تفسير للسبيل على بصيرة أنا ومن اتبعنى. في الكافي عن الباقر عليه السلام ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والأوصياء عليهم السلام من بعدهما. وعنه عليه السلام علي اتبعه. وعن الجواد عليه السلام حين أنكروا عليه حداثة سنه قال وما ينكرون قال الله لنبيه قل هذه سبيلي الاية فوالله ما تبعه إلا علي وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين. والقمي والعياشي ما يقرب من هذه الروايات وسبحن الله وانزهه تنزيها وما أنا من المشركين. في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن تفسير سبحان الله قال أنفة
[ 54 ]
لله أما ترى الرجل إذا عجب من الشئ قال سبحان الله وفي رواية اخرى قال تنزيه. (109) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا رد لقولهم لو شاء ربك لانزل ملائكة
يوحى إليهم كما أوحى إليك وتميزوا بذلك عن غيرهم وقرئ نوحي بالنون من أهل القرى لأن أهلها أعلم وأحكم من إهل البدو. وفي العيون عن الرضا عليه السلام وما أرسلنا من قبلك يعني إلى الخلق إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ليكونوا أئمة أو حكاما وإنما أرسلوا إلى أنبياء الله أفلم يسيروا في الارض قد سبق تفسيرها بأرض القرآن فينظروا كيف كان عقبة الذين من قبلهم من المكذبين بالرسل والايات فيحذروا تكذيبك ومن المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فينقلعوا عن حبها ويزهدوا فيها ولدار الاخرة خير للذين اتقوا الشرك والمعاصي أفلا تعقلون يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير وقرئ بالتاء حتى إذا استيأس الرسل غاية لكلام محذوف دل عليه الكلام كأنه قيل قد تأخر نصرنا إياهم كما أخرناه عن هذه الامة حتى إذا استيأسوا عن النصر وظنوا أنهم قد كذبوا أي وظن الرسل أنهم قد كذبتهم قومهم فيما وعدوا من العذاب والنصرة عليهم وقرئ كذبوا بالتخفيف في الجوامع أنه قراءة أئمة الهدى عليهم السلام ومعناه وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم من نصرة الله اياهم. والعياشي عن الصادق عليه السلام وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة قال ظنت الرسل أن الشياطين تمثل لهم على صورة الملائكة جاءهم نصرنا بارسال العذاب على الكفار فننجى من نشاء فنخلص من نشاء من العذاب عند نزوله وهم المؤمنون وقرئ فنجي على الماضي المبني للمفعول ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين إذا نزل. في العيون عن الرضا عليه السلام فيما سأله المأمون في عصمة الأنبياء يقول الله حتى إذا استيأس الرسل من قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا. والقمي عن الصادق عليه السلام وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشياطين
[ 55 ]
قد تمثلت لهم في صورة الملائكة. والعياشي عنه عليه السلام وكلهم الله إلى أنفسهم أقل من طرفة عين وعنه عليه السلام أنه سأل كيف لم يخف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك ما ينزغ به الشيطان فقال إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة والوقار وكان يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه. (111) لقد كان في قصصهم قصص الأنبياء واممهم عبرة لاولي الالباب يعني أولي العقول الكاملة ما كان القرآن حديثا يفترى يختلق ولكن تصديق الذى بين يديه قبله من الكتب الألهية. القمي يعني من كتب الأنبياء وتفصيل كل شئ يحتاج إليه في الدين وهدى من الضلال ورحمة ينال بها خير الدارين لقوم يؤمنون يصدقونه. في ثواب الأعمال والعياشي عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة يوسف في كل يوم أو في كل ليلة بعثه الله يوم القيامة وجماله على جمال يوسف ولا يصيبه فزع يوم القيامة وكان من خيار عباد الله الصالحين. وزاد العياشي وأومن في الدنيا أن يكون زانياأو فحاشاوفي ثواب الأعمال قال وكانت في التوراة مكتوبة. وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تعلموا نساءكم سورة يوسف عليه السلام ولا تقرؤهن إياه فإن فيها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فيها المواعظ. وفي الخصال عن الباقر عليه السلام يكره لهن تعلم سورة يوسف عليه السلام.
[ 56 ]
سورة الرعد مكية كلها وقيل إلا آخر آية منها وقيل مدنية إلا آيتين نزلتا بمكة ولو أن قرآنا
سيرت به الجبال وما بعدها عدد آيها ثلاث وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم (1) المر قد سبق الكلام فيه وفي نظائره. وفي المعاني عن الصادق عليه السلام معناه أنا الله المحي المميت الرزاق تلك آيات الكتاب (1) والذى أنزل إليك من ربك يعني القرآن الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون. (2) الله الذى رفع السموات بغير عمد بغير أساطين ترونها صفة لعمد. القمي والعياشي عن الرضا عليه السلام فثم عمد ولكن لا ترونهاثم استوى على العرش سبق معناه في سورة الأعراف وسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى لمدة معينة يتم فيها أدواره أو لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره وهي إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت يدبر الامر أمر ملكوته من الأيجاد والأعدام والأحياء والأماتة وغير ذلك يفصل الايات ينزلها ويبينها لعلكم بلقاء ربكم توقنون لكي تتفكروا فيها وتتحققوا كمال قدرته وصنعه في كل شئ فتعلموا أنه بكل شئ محيط وهذا كقوله ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شئ محيط.
[ 57 ]
(3) وهو الذى مد الارض بسطها طولا وعرضا ليثبت فيه الأقدام ويتقلب عليها الحيوان وجعل فيها راوسي جبالا ثوابت (1) وأنهارا تتولد منها ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين وجعل فيها من جميع أنواعها صنفين إثنين أسود وأبيض حلوا وحامضا رطبا ويابسا صغيرا وكبيرا وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة يغشى اليل النهار يلبس ظلمة الليل ضياء النهار فيصير الهواء مظلما بعد ما كان مضيئا وقرئ يغشي بالتشديد إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون (2). (4) وفي الارض قطع متجاورات متلاصقة من طيبة وسبخة (3) ورخوة وصلبة
وصالحة للزرع دون الشجر وبالعكس وغير صالحة لشئ منهما وجنات من أعناب وزرع ونخيل فيها أنواع الأعناب والزرع والنخيل وقرئ وزرع ونخيل بالرفع وكذلك في معطوفهما صنوان نخلات أصلها واحد وغير صنوان متفرقات مختلفة الاصول أو أمثال وغير أمثال وفي الحديث النبوي عم الرجل صنو أبيه يسقى وقرئ بالياء بماء وحد ونفضل وقرئ بالياء بعضها على بعض في الاكل (4) في الثمر شكلا وقدرا ورائحة وطعما. العياشي عنهم عليهم السلام يعني هذه الأرض الطيبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم إنه قال لعلي عليه السلام الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة ثم قرأ هذه الاية إن في ذلك لايات لقوم يعقلون يستعملون عقولهم بالتفكر فيهتدون إلى عظمة الصانع وعلمه وحكمته
1 - فيهما فان تكونهما وتخصصهما بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرهما وهيأ أسبابهما 2 - لتمسك الارض ولو أراد ان يمسكها من غير جبال لفعل الا انه امسكها بالرواسي لان ذلك أقرب الى افهام الناس وادعى لهم الى الاستدلال والنظر م 3 - السبخة بالفتح واحدة السباخ وهي ارض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت الا بعض الاشجار يقال سبخت الارض من باب تعب فهي سبخة بكسر الباء واسكانها تخفيف ويجمع المكسور على سبخات مثل كلمة وكلمات والساكن على سباخ مثل كلبة وكلاب م 4 - وفي هذا اوضح دلالة على ان لهذه الاشياء صانعا قادرا احدثها وابدعها ودبرها على ما تقتضيه حكمته والاكل الثمر الذي يؤكل م ن (*)
[ 58 ]
البالغة وقدرته النافذة وتدبيره الكامل ولطفه الشامل وحسن تربيته وصنايعه شيئا فشيئا إلى بلوغها منتهى كمالاتها اللايقة بها. (5) وإن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث فعجب من قولهم فحقيق بأن يتعجب منه فإن من قدر على إنشاء ما قص عليك كانت الأعادة أهون عليه أءذا كنا
ترابا أءنا لفى خلق جديد (1) أولئك الذين كفروا بربهم لأنكارهم قدرته وتماديهم في الكفر (2) وألئك الاغلال في أعناقهم مقيدون بالضلال لا يرجى خلاصهم لأصرارهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون لا ينفكون عنها. (6) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة بالعقوبة قبل العافية وذلك أنهم استعجلوا بالعذاب استهزاءا وقد خلت مضت من قبلهم المثلات عقوبات أمثالهم من المكذبين فما بالهم لم يعتبروا بها في نهج البلاغة إحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال وذميم الأعمال فتذكروا في الخير والشر أحوالهم واحذروا أن تكونوا أمثالهم وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب وإن ربك لشديد العقاب. في المجمع لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش ولولا وعيد الله وعقابه لاتكل كل أحد. وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام حين تذاكروا الكباير وقول المعتزلة فيها إنها لا تغفر قال أبو عبد الله عليه السلام قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة قال جل جلاله وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم (7) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه لم يعتدوا بالايات المنزلة عنادا واقترحوا نحو ما أوتي موسى وعيسى إنما أنت منذر مرسل للأنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الأتيان بما يصح به أنك رسول مخوف ومنذر والايات كلها متساوية
1 - بدل من قولهم أو مفعول له والفاعل في إذا محذوف دل عليه لفي خلق جديد 2 - تمادى في الذنوب لج وداوم وتوسع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيه م (*)
[ 59 ]
في حصول الغرض ولكل قوم هاد يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بوجه من الهداية وبآية خص بها.
في المجمع لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد. وعن الصادق عليه السلام كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم ومثله في الأكمال ورواه القمي والعياشي وغير واحد من الخاصة والعامة في غير واحد من الأسانيد. والقمي هو رد على من أنكر أن في كل عصر وزمان إماما وأنه لا تخلو الأرض من حجة. (8) الله يعلم ما تحمل كل أنثى من ذكر أو أنثى تام وناقص حسن وقبيح سعيد وشقي وما تغيض (1) الارحام وما تنقصه وما تزداد في المدة والعدد والخلقة. في الكافي والعياشي عن أحدهما عليهما السلام الغيض كل حمل دون تسعة أشهر وما تزداد كل شئ يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم في حملها من الحيض فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم. والعياشي عن الصادق عليه السلام ما تحمل كل انثى الذكر والأنثى وما تغيض الأرحام ما كان من دون التسعة وهو غيض وما تزداد ما رأت الدم في حال حملها إزداد به على التسعة أشهر وفي رواية ما تغيض ما لم يكن حملا وما تزداد الذكر والانثى جميعا والقمي وما تغيض ما تسقط من قبل التمام وما تزداد على تسعة أشهر
1 - غاض الماء يغيض غيضا من باب سار ومغاض أي قل ونضب في الارض وانغاض مثله وغيض الماء فعل به ذلك قوله وما تغيض الارحام اي تنقص عن مقدار الحمل الذي يسلم معه الولد م (*)
[ 60 ]
كلما رأت المرأة من حيض في أيام حملها زاد ذلك على حملها وكل شئ عنده
بمقدار بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه. (9) عالم الغيب ما لا يدركه الحس والشهادة ما يدركه (1) الكبير العظيم الشأن الذي كل شئ دونه حقير المتعال المستعلى على كل شئ بعظمته. (10) سواء منكم من أسر القول في نفسه ومن جهر به لغيره ومن هو مستخف بالليل طالب للخفاء في مختبأ (2) بالليل وسارب (3) بارز بالنهار يراه كل أحد. القمي عن الباقر عليه السلام يعني السر والعلانية عنده سواء. (11) له لمن أسر أو جهر أو استخفي أو سرب معقبات ملائكة يعقب بعضهم بعضا في حفظه وكلاءته من بين يديه ومن خلفه من جوانبه يحفظونه من أمر الله قيل من أجل أمر الله أي من أجل أن الله أمرهم بحفظه. والقمي عن الصادق عليه السلام إن هذه الاية قرئت عنده فقال لقارئيها ألستم عرباء فكيف يكون المعقبات من بين يديه وإنما المعقب من خلفه فقال الرجل جعلت فداك كيف هذا فقال إنما انزلت له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشئ من أمر الله وهم الملائكة الموكلون بالناس ومثله العياشي عنه عليه السلام. وفي المناقب والقمي عن الباقر عليه السلام من أمر الله يقول بأمر الله من أن يقع في ركي (4) أو يقع عليه حائط أو يصيبه شئ حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه.
1 - وقيل عالم بالمعدوم والموجود والغيب هو المعدوم وقيل عالم السر والعلانية والاولى ان يحمل على العموم ويدخل في هاتين الكلمتين كل معلوم نبه سبحانه على انه عالم بجميع الموجودات منها والمعدومات منها م ن 2 - خبأه كمنعه سره كخبأه واختبأه ق 3 - من سرب سروبا إذا برز وهو عطف على من أو مستخف على ان من في معنى الاثنين كقوله تكن مثل من يا ذئب يصطحبان كأنه قال سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار 4 - الركية البئر جمع ركي وركايا ق (*)
[ 61 ]
والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيخلون بينه وبين المقادير إن الله لا يغير ما بقوم من العافية والنعمة حتى يغيروا ما بأنفسهم من الأحوال الجميلة بالأحوال القبيحة. العياشي عن الباقر عليه السلام إن الله قضى قضاءا حتما لا ينعم على عبده نعمة فيسلبها إياه قبل أن يحدث العبد ذنبا يستوجب بذلك الذنب سلب تلك النعمة وذلك قول الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وفي المعاني عن السجاد عليه السلام الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف وكفران النعم وترك الشكر ثم تلا الاية وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال من يلي أمرهم ويدفع عنهم السوء. (12) هو الذى يريكم البرق خوفا من أذاه وطمعا في الغيث. في العيون عن الرضا عليه السلام خوفا للمسافرو طمعا للمقيم وينشئ السحاب الثقال القمي يعني يرفعها من الأرض (13) ويسبح الرعد بحمده روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الرعد فقال ملك موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب. وفي الفقيه روي أن الرعد صوت ملك أكبر من الذباب وأصغر من الزنبور. وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه بمنزلة الرجل يكون في الأبل فيزجرها هاي هاي كهيئة ذلك. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع صوت الرعد قال
سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته من خوفه وإجلاله ويرسل
[ 62 ]
الصواعق فيصيب بها من يشاء فيهلكه وهم يجادلون في الله حيث يكذبون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فيما يصفه من التفرد بالالوهية وإعادة الناس ومجازاتهم وهو شديد المحال أي المماحلة والمكايدة لأعدائه وقيل من المحل بمعنى القوة. والقمي أي شديد الغضب وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام شديد الأخذ. وفي الأمالي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم بعث رجلا إلى فرعون من فراعنة العرب يدعوه إلى الله عز وجل فقال للرسول أخبرني عن الذي تدعوني إليه أمن فضة هو أم من ذهب أم من حديد فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فأخبره بقوله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم إرجع إليه فادعه قال يا نبي الله إنه أعتى من ذلك قال ارجع إليه فرجع إليه فقال كقوله فبينا هو يكلمه إذ رعدت سحابة رعدة فألقت على رأسه صاعقة ذهب بقحف رأسه فأنزل الله جل ثناؤه يرسل الصوعق الاية. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قيل وما الذاكر قال من قرأ مائة آية. (14) له دعوة الحق فإنه يدعى فيستجيب والذين يدعون يدعوهم المشركون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ من الطلبات إلا كباسط كفيه إلا إستجابة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه يطلب منه أن يبلغه من بعيد أو يغترف مع بسط كفيه ليشربه وما هو ببالغه لأن الماء جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته ولا يستقر في الكف المبسوطة وكذلك آلهتهم. القمي عن الباقر عليه السلام هذا مثل ضربه الله للذين يعبدون الأصنام
والذين يعبدون الالهة من دون الله فلا يستجيبون لهم بشئ ولا ينفعهم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليتناوله من بعيد ولا يناله وما دعاء الكافرين إلا في ضلال في ضياع وبطلان. (15) ولله يسجد من في السموت والارض طوعا وكرها وظلالهم
[ 63 ]
بالغدو والاصال العشي القمي عن الباقر عليه السلام أما من يسجد من أهل السموات طوعا فالملائكة يسجدون لله طوعا ومن يسجد من أهل الأرض فمن ولد في الأسلام فهو يسجد له طوعا وأما من يسجد له كرها فمن جبر على الأسلام وأما من لم يسجد فظله يسجد بالغداة والعشي. والقمي قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجود لله لأنه ليس شئ إلا له ظل يتحرك بتحريكه وتحويله سجوده ذكره في سورة النحل وقيل اريد بالظل الجسد وإن ما يقال للجسم الظل لأنه عنه الظل ولأنه ظل للروح لأنه ظلماني والروح نوراني وهو تابع له يتحرك بحركته النفسانية ويسكن بسكونه النفساني. القمي قال ظل المؤمن يسجد طوعا وظل الكافر يسجد كرها وهو نموهم وحركتهم وزيادتهم ونقصانهم. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله وظلالهم بالغدو والاصال قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة وفي نهج البلاغة فتبارك الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعا وكرها ويعفر له خدا ووجها ويلقي بالطاعة إليه سلما وضعفا ويعطي القياد (1) رهبة وخوفا قال وسجدت له بالغدو والاصال الأشجار. أقول: كما يجوز أن يراد بكل من السجود والظل والغدو والاصال معناه المعروف كذلك يجوز أن يراد بالسجود الأنقياد وبالظل الجسد وبالغدو والاصال الدوام ويجوز ايضا أن يراد بكل منها ما يشمل كلا المعنيين فيكون في كل شئ بحسبه وعلى ما
يليق به وبهذا تتلايم الروايات والأقوال ويأتي لهذا المعنى زيادة بيان في سورة النحل إن شاء الله. (16) قل من رب السموت والارض خالقهما ومتولي أمرهما [ أمورهما خ ل ]
1 - فلان سلس قياد أي سهل الانقياد من غير توقف (*)
[ 64 ]
قل الله اجب عنهم بذلك إذ لا جواب لهم سواه ولأنه البين الذي لا مرية فيه قل أفاتخذتم من دونه أولياء ثم ألزمهم بذلك لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا فكيف لغيرهم قل هل يستوى الاعمى والبصير. القمي يعني الكافر والمؤمن أم هل تستوى الظلمات والنور قال الكفر والأيمان وقرئ يستوي بالياء أم جعلوا لله شركاء بل أجعلوا والهمزة للأنكار خلقوا كخلقه صفة لشركاء داخلة في حكم الأنكار فتشابه الخلق عليهم خلق الله وخلقهم والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه الخلق عليهم فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق قل الله خلق كل شئ ولا خالق غيره فيشاركه في العبادة وهو الوحد القهار المتوحد بالالوهية الغالب على كل شئ. (17) أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها في الصغر والكبر وعلى حسب المصلحة فاحتمل السيل زبدا رابيا مرتفعا ومما يوقدون عليه في النار من أنواع الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس وقرئ توقدون بالتاء ابتغاء حلية طلب حلية أو متاع كالأواني والات الحرث والحرب زبد مثله أي ومما توقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه كذلك يضرب الله الحق والبطل أي مثلهما مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على وجه الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منابعه ويسلك بعضه في عروق
الأرض إلى العيون والابار وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلي وإتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة والباطل في قلة نفعه وسرعة اضمحلاله بزبدهما فأما الزبد فيذهب جفاء يجفأ به أي يرمي به السيل والفلز المذاب وأما ما ينفع الناس كالماء وخلاصة الفلز فيمكث في الارض ينتفع به أهلها كذلك يضرب الله الامثال لايضاح المشتبهات. القمي يقول أنزل الحق من السماء فاحتمله القلوب بأهوائها ذو اليقين على
[ 65 ]
قدر يقينه وذو الشك على قدر شكه فاحتمل الهوى باطلا كثيرا وجفاءا فالماء هو الحق والأودية هي القلوب والسيل هو الهوى والزبد وخبث الحلية هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق من أصاب الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه ومن أصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد بين الله تعالى قصص المغيرين فضرب مثلهم بقوله فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره الحديث وقد مضى تمامه في المقدمة السادسة. (18) للذين استجابوا لربهم الحسنى الاستجابة الحسنى والذين لم يستجيبوا له يعني كذلك يضرب الله الأمثال للفريقين وما بعده كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين ويحتمل عدم تعلقه بما قبله ويراد بالحسنى المثوبة الحسنى ويكون ما بعده متعلقا به لو أن له ما في الارض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء
الحساب. في المجمع عن الصادق عليه السلام هو أن لا تقبل لهم حسنة ولا تغفر لهم سيئة. وفي الحديث من نوقش في الحساب عذب ومأويهم جهنم وبئس المهاد المستقر القمي يمهدون في النار. (19) أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق فيستجيب كمن هو أعمى القلب لا يستبصر فيستجيب والهمزة للأنكار يعني لا شبهة في عدم تشابههما بعدما ضرب من المثل فإن بينهما من البون ما بين الزبد والماء والخبث والأبريز إنما يتذكر
[ 66 ]
أولوا الالباب ذوو العقول المبرأة عن مشابهة الألف ومعارضة الوهم. العياشي عن الصادق عليه السلام إنه خاطب شيعته بقوله أنتم اولو الألباب في كتاب الله قال الله إنما يتذكر أولوا الالباب. (20) الذين يوفون بعهد الله ما عقدوه على أنفسهم لله ولا ينقضون الميثاق ما وثقوه من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد وهو تعميم بعد التخصيص. القمي عن الكاظم عليه السلام نزلت هذه الاية في آل محمد عليهم السلام وما عاهدهم عليه وما أخذ عليهم من الميثاق في الذر من ولاية أمير المؤمنين والأئمة بعده عليهم السلام. (21) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل من الرحم ولا سيما رحم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسلم ويندرج فيه موالاة أمير المؤمنين ومراعاة حقوقهم. في الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في رحم آل محمد وقد تكون في قرابتك ثم قال فلا تكونن ممن يقول للشئ إنه في شئ واحد وفيه. والعياشي عنه عليه السلام الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صل من
وصلني واقطع من قطعني وهو رحم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسلم وهو قول الله والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ورحم كل ذي رحم. والعياشي ورحم كل مؤمن. وفي المجمع والقمي والعياشي عن الكاظم عليه السلام مثله. وفي الكافي والعياشي عن الصادق ومما فرض الله في المال من غير الزكوة قوله تعالى الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل. وفي المجمع مثله عن الرضا عليه السلام ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب خصوصا فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا. في الكافي والعياشي والمعاني والقمي عن الصادق عليه السلام إنه تلا هذه
[ 67 ]
الاية حين وافي رجلا استقصى حقه من أخيه وقال أتراهم يخافون أن يظلمهم أو يجور عليهم لا ولكنهم خافوا الأستقصاء والمداقة فسماه الله سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء. وفي المجمع والعياشي عنه عليه السلام أن تحسب عليهم السيئات وتحسب لهم الحسنات وهو الأستقصاء وفي مصباح الشريعة عنه عليه السلام لو لم يكن للحساب مهولة إلا حياء العرض على الله وفضيحة هتك الستر على المخفيات لحق للمرء أن لا يهبط من رؤس الجبال ولا يأوي إلى عمران ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام إلا عن اضطرار متصل بالتلف. (22) والذين صبروا على القيام بأوامر الله ومشاق التكاليف وعلى المصائب في النفوس والأموال وعن معاصي الله ابتغآء وجه ربهم طلبا لرضاه وأقاموا الصلوة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة يدفعونها بها فيجازون الأساءة بالأحسان ويتبعون الحسنة السيئة فتمحوها.
القمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم لعلي عليه السلام يا علي ما من دار فيها قرحة إلا تبعها ترحة [ نوحة خ ل ] وما من هم إلا وله فرج إلا هم أهل النار إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة تمحها سريعا وعليك بصنائع الخير فانها تدفع مصاريع السوء وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام على حد تأديب الناس لا بأن لأمير المؤمنين عليه السلام سيئات عملها أولئك لهم عقبى الدار عاقبة الدار وما ينبغي أن يكون مآل أهلها وهي الجنة. (23) جنات عدن يدخلونها العدن الأقامة أي جنات يقيمون فيها وقد مضى في شأنها أخبار في سورة التوبة ومن صلح من أآبائهم وأزواجهم وذريتهم يلحق بهم من صلح منهم وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم وتعظيما لشأنهم وليكونوا مسرورين بهم آنسين بصحبتهم.
[ 68 ]
العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن الرجل المؤمن له امرأة مؤمنة يدخلان الجنة يتزوج أحدهما الاخر فقال إن الله حكم عدل إذا كان أفضل منها خيره فإن اختارها كانت في أزواجه وإن كانت هي خيرا منه خيرها فإن اختارته كان زوجا لها. وفي الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم أن أم سلمة قالت له بأبي أنت وامي المرأة يكون لها زوجان فيموتان فيدخلان الجنة لأيهما تكون فقال يا ام سلمة تخير أحسنهما خلقا وخيرهما لأهله يا أم سلمة إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والاخرة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب من أبواب غرفهم وقصورهم. (24) سلام عليكم بما صبرتم هذا بسبب صبركم فنعم عقبى الدار. القمي نزلت في الأئمة عليهم السلام وشيعتهم الذين صبروا وعن الصادق
عليه السلام نحن صبرو شيعتنا أصبر منا لأنا صبرنا بعلم وشيعتنا صبروا على ما لا يعلمون. في الكافي والقمي عن الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث يصف فيه حال المؤمن إذا دخل الجنان والغرف وسنذكر صدره في سورتي فاطر والزمر إن شاء الله قال ثم يبعث الله له [ إليه خ ل ] ألف ملك يهنؤونه بالجنة ويزوجونه بالحوراء فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب الجنان إستأذن لنا على ولي الله فإن الله قد بعثنا مهنئين فيقول الملك حتى أقول للحاجب فيعلمه مكانكم قال فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين جاؤوا يهنئون ولي الله وقد سألوني أن أستأذن لهم عليه فيقول له الحاجب إنه ليعظم علي أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو مع زوجته قال وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان فيدخل الحاجب على القيم فيقول له إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين يهنئون ولي الله فأستأذن لهم فيقوم القيم إلى الخدام فيقول لهم أن رسل
[ 69 ]
الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم يهنئون ولي الله فأعلموه مكانهم قال فيعلمونه قال فيؤذن لهم فيدخلون على ولي الله وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الذي قد وكل به فيدخل كل ملك من باب من أبواب الغرفة فيبلغونه رسالة الجبار وذلك قول الله عز وجل والملئكة يدخلون عليهم من كل باب يعني من أبواب الغرفة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. (25) والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه من بعد ما أوثقوه به من الأقرار والقبول.
القمي يعني في أمير المؤمنين وهو الذي أخذ الله عليهم في الذر وأخذ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من الرحم وغيرها ويفسدون في الارض بالظلم وتهييج الفتن أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار عذاب النار. (26) الله وحده يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسعه ويضيقه دون غيره وفرحوا بالحيوة الدنيا بما بسط لهم فيها وما الحيوة الدنيا في الاخرة في جنب الاخرة إلا متاع إلا شئ قليل يتمتع به ثم يفنى ولا يدوم كعجالة الراكب يعني أنهم اشروا (1) بما نالوا من الدنيا ولم يصرفوه فيما يستوجبون به نعيم الاخرة واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع سريع الزوال. (28) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه اية من ربه قل إن الله يضل من يشآء باقتراح الايات بعد ظهور المعجزات ويهدى إليه من أناب من أقبل إلى الحق ورجع عن العناد. (28) الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله تسكن إليه أنسابه واعتمادا عليه ورجاء منه.
1 - اشر كفرح فهو أشر واشر واشر بالفتح ويحرك واشران مرح ج اشرون واشرون واشرى واشارى (*)
[ 70 ]
العياشي عن الصادق عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تطمئن وهو ذكر الله وحجابه. والقمي الذين آمنوا الشيعة وذكر الله أمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام ألا بذكر الله تطمئن القلوب. (29) الذين آمنوا وعملوا الصلحت طوبى لهم من الطيب مصدر كبشرى
وزلفى وحسن مآب مرجع. في الكافي عن الصادق عليه السلام طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس من مؤمن إلا وفي داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شئ إلا أتاه به ذلك ولو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منه ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما ألا ففي هذا فارغبوا. والعياشي عن الباقر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلم مثله. وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام طوبى لمن تمسك بأمرنا في غيبة قائمنا فلم يزغ قلبه بعد الهداية فقيل له وما طوبى قال شجرة في الجنة أصلها في دار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وليس مؤمن إلا وفي داره غصن من أغصانها وذلك قول الله طوبى لهم وحسن مآب. والأخبار في تفسير طوبى بالشجرة التي في الجنة وذكر أوصاف تلك الشجرة كثيرة رواها القمي والعياشي وفي العيون والخصال والأحتجاج وغيرها. وفي المجمع عن الكاظم عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه سئل عن طوبى قال شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة ثم سئل عنها مرة أخرى فقال صلى الله عليه وآله وسلم في دار علي عليه السلام فقيل له في ذلك فقال إن داري ودار علي عليه السلام في الجنة بمكان واحد. (30) كذلك مثل ذلك الأرسال أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها تقدمتها
[ 71 ]
أمم ارسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليها التتلوا عليهم الذى أوحينا إليك لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن وحالهم إنهم يكفرون بالواسع الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شئ رحمته فلم يشكروا نعمه وخصوصا إرسال مثلك إليهم وإنزال مثل هذا القرآن المعجز عليهم قل هو ربى أي الرحمن خالقي
ومتولي أمري لا إله إلا هو لا يستحق العبادة إلا هو تعالى عن الشركاء عليه توكلت في نصرتي عليكم وإليه متاب مرجعي فيثيبني على مصابرتكم ومجاهدتكم. (31) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال زعزعت عن مقارها أو قطعت به الارض تصدعت من خشية الله وتشققت أو كلم به الموتى فتسمع فتجيب لكان هذا القرآن لعظم قدره وجلالة شأنه. القمي قال لو كان شئ من القرآن كذلك لكان هذا. وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيي به الموتى بل لله الامر جميعا بل لله القدرة على كل شئ أفلم ييأس الذين آمنوا قيل أي أفلم يعلم وهي لغة قوم من النخع وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه لأن اليائس عن الشئ عالم بأنه لا يكون. وفي المجمع قرأ علي وعلي بن الحسين وجعفر بن محمد عليهم السلام أفلم يتبين قيل وينسب هذه القراءة إلى جماعة من الصحابة والتابعين وهو تفسيره أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا من الكفر وسوء الأفعال قارعة (1) داهية تقرعهم من صنوف المصائب في نفوسهم وأموالهم أو تحل القارعة قريبا من دارهم فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها كالسرايا التي يبعثها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتغير أحوالهم وتختطف مواشيهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد. القمي عن الباقر عليه السلام ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة
1 - القارعة البلية التي تقرع القلب لشدة المخافة والقرع الضرب بشدة الاعتماد وقوارع الدهر دواهيه. (*)
[ 72 ]
وهي النقمة أو تحل قريبا من دارهم فتحل بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم ولا يتعظ بعضهم ببعض ولن يزالوا كذلك حتى يأتي وعد
الله الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي الله الكافرين. (32) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه والأملاء أن يترك ملأة من الزمان في أمن ودعة. والقمي أي طولت لهم الأمل ثم أهلكتهم فكيف كان عقاب عقابي إياهم. (33) أفمن هو قائم على كل نفس رقيب عليه وحافظ بما كسبت من خير وشر فلا يخفي عليه شئ من أعمالهم ولا يفوت عنده شئ من جزائهم كمن ليس كذلك وجعلوا لله شركاء قل سموهم من هم أو صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة أم تنبئونه بل أتنبؤنه بما لا يعلم في الارض بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض فإذا لم يعلمهم فإنهم ليسوا بشئ يتعلق به العلم والمراد نفي أن يكون له شركاء أم بظاهر من القول أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار كتسمية الزنجي كافورا وهذه الأساليب. في الأحتجاج ينادي بلسان فصيح إنها ليست من كلام البشربل زين للذين كفروا مكرهم تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها وصدوا عن السبيل سبيل الحق وقرئ بفتح الصاد ومن يضلل الله يخذله فما له من هاد يوفقه للهدى. (34) لهم عذاب في الحيوة الدنيا بالقتل والأسر وسائر المصائب ولعذاب الاخرة أشق لشدته ودوامه وما لهم من الله من واق من دافع. (35) مثل الجنة التى وعد المتقون صفتها التي هي مثل في الغرابة تجرى من تحتها الانهار أكلها دائم لا مقطوعة ولا ممنوعة وظلها كذلك تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكفرين النار. (36) والذين آتيناهم الكتب يفرحون بما أنزل إليك.
[ 73 ]
القمي عن الباقر عليه السلام أي يفرحون بكتاب الله إذا يتلى عليهم وإذا تلوه تفيض أعينهم دمعا من الفزع والحزن ومن الاحزاب وممن تحزب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعداوة من ينكر بعضه وهو ما يخالف شرائعهم قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به فإنكاركم إنكار لعبادة الله وتوحيده إليه أدعوا لا إلى غيره وإليه مآب وإليه مرجعي لا إلى غيره قيل يعني هذا هو المتفق عليه بين الأنبياء فأما ما عدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالعصور والامم فلا معنى لأنكاركم والمخالفة فيه وأنتم تقولون مثل ذلك. (37) وكذلك أنزلنه ومثل هذا الانزال أنزلناه مأمورا فيه بعبادة الله وتوحيده والدعوة إليه وإلى دينه حكما عربيا حكمة عربية مترجمة بلسان العرب ولئن اتبعت أهوائهم في امور يدعونك إلى أن توافقهم عليها بعد ما جاءك من العلم بنسخ ذلك ما لك من الله من ولي ينصرك ولا واق يمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم. (38) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك بشرا مثلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية نساء وأولادا كما هي لك. في الجوامع كانوا يعيرون رسول الله بكثرة تزوج النساء فقيل إن الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية. العياشي عن الصادق عليه السلام فما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا كأحد أولئك جعل الله له أزواجا وجعل له ذرية لم يسلم مع أحد من الأنبياء من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل بيته أكرم الله بذلك رسوله وفي رواية اخرى فنحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لرسول وما صح له ولم يكن في وسعه أن يأتي بآية يقترح عليه وحكم يلتمس منه إلا بإذن الله فإنه القادر على ذلك لكل أجل كتاب لكل وقت حكم يكتب على العباد ولهم ما
يقتضيه صلاحهم.
[ 74 ]
يمحوا الله ما يشآء ويثبت وقرئ بالتشديد وعنده أم الكتاب يعني أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ عن المحو والتبديل وهو جامع للكل ففيه إثبات المثبت وإثبات الممحو ومحوه وإثبات بدله ينسخ ما ينبغي نسخه ويثبت ما يقتضيه حكمته ويمحو سيئات التائب ويثبت الحسنات مكانها ويمحو من كتاب الحفظة ما لا يتعلق به جزاءا ويترك غيره مثبتا أو يثبت ما رآه في صميم قلب عبده ويمحو الفاسدات ويثبت الكائنات ويمحو قرنا ويثبت آخرين والأخير مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام رواه في المجمع وهو أحد معانيها المراد بها كلها قال وهو كقوله تعالى ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين وقوله كم أهلكنا قبلهم من القرون. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هل يمحي إلا ما كان ثابتا وهل يثبت إلا ما لم يكن. والقمي والعياشي عنه عليه السلام إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فكتبوا ما يكون من قضاء الله تعالى تلك السنة فإذا أراد الله أن يقدم شيئا أو يؤخره أو ينقص شيئا أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثم أثبت الذي أراد. وفي الكافي ما في معناه. والعياشي عن الباقر عليه السلام إن الله عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم الحديث وقد مضى في أواخر سورة البقرة نقلا من العلل. وعن الصادق عليه السلام إنه سئل عن قوله الله تعالى ادخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لكم قال كتبها لهم ثم محاها ثم كتبها لأبنائهم فدخلوها والله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب. وعنه عن أبيه عليهما السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إن المرء ليصل رحمه وما بقى من عمره إلا ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة وإن المرء ليقطع رحمه وقد بقى من عمره ثلاث وثلاثون سنة فينقصها الله إلى ثلاث سنين أو أدنى قال وكان الصادق عليه السلام يتلو هذه الاية.
[ 75 ]
وعنه عليه السلام إنه سئل عن قول الله تعالى يمحوا الله ما يشآء ويثبت وعنده أم الكتاب قال إن ذلك الكتاب كتاب يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت فمن ذلك الذي يرد الدعاء القضاء وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يرد به القضاء حتى إذا صار إلى ام الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئا. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هما كتابان كتاب سوي أم الكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وأم الكتاب لا يغير منه شئ وعن الصادق عليه السلام هما أمران موقوف ومحتوم فما كان من محتوم أمضاه وما كان من موقوف فله فيه المشية يقضي فيه ما يشاء. والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول لولا آية في كتاب الله لحدثتكم ما يكون إلى يوم القيامة فقلت له أية آية قال قول الله يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتب ومثله في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام. وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام العلم (1) علمان فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه وعلم علمه ملائكته ورسله فما علمه ملائكته ورسله فإنه سيكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده مخزون يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء ويثبت ما يشاء. أقول: وربما يعلم نادرا من علمه المخزون بعض رسله كما جاءت به الأخبار وبه يحصل التوفيق بين هذا الحديث والذي قبله وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من كتابنا
المسمى بالوافي في أبواب معرفة مخلوقات الله وأفعاله من الجزء الأول منه.
1 - بيان وذلك لان صورة الكائنات كلها منتقشة في أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ تارة وهو العالم العقلي والخلق الاول وفي كتاب المحو والاثبات أخرى وهو العالم النفسي والخلق الثاني واكثر اطلاع الانبياء والرسل على الاول وهو محفوظ من المحو والاثبات وحكمه محتوم بخلاف الثاني فانه موقوف وفي الاول اثبات المحو في الثاني واثبات الاثبات فيه ومحو الاثبات عند وقوع الحكم وانشاء امر آخر فهو مقدس عن المحو يحكم باختلاف الامور وعواقبها مفصلة مسطرة بتقدير العزيز العليم (وافي) (*)
[ 76 ]
(40) وإن ما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك وكيف ما دارت الحال أريناك بعض ما وعدناهم أو توفيناك قبله فإنما عليك البلاغ لا غير وعلينا الحساب للمجازاة لا عليك فلا تحتفل بإعراضهم (1) ولا تستعجل بعذابهم فاعلون له وهذا طلائعه (2). (41) أولم يروا أنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها بذهاب أهلها في الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني بذلك ما يهلك من القرون فسماه اتيانا. وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال فقد العلماء. والقمي قال موت علمائها وفي الكافي عن الباقر عليه السلام كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول إنه يسخى نفسي في سرعة الموت والقتل فينا قول الله تعالى أولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها وهو ذهاب العلماء. أقول: وعلى هذا التفسير يكون الأطراف جمع طرف (3) أو طرف بالتسكين بمعنى العلماء والأشراف كما ذكره في الغريبين والله يحكم لا معقب لحكمه لا راد له والمعقب الذي يعقب الشئ فيبطله وهو سريع الحساب فيحاسبهم عما قليل. (42) وقد مكر الذين من قبلهم بأنبيائهم والمؤمنين منهم فلله المكر جميعا إذ لا يؤبه بمكر دون مكره فإنه القادر على ما هو المقصود منه دون غيره.
القمي قال المكر من الله هو العذاب يعلم ما تكسب كل نفس فيعد جزاؤه فيأتيه من حيث لا يشعر وسيعلم الكفار وقرئ الكافر لمن عقبى الدار من الحزبين يعني العاقبة الممدوحه وهذا كالتفسير لمكر الله بهم. (43) ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفي بالله شهيدا بينى
1 - وما حفله وبه يحفله وما احتفل به ما بالي ق 2 - وطليعة الجيش من يبعث ليطلع طلع العدو للواحد والجميع جمعه طلايع ق 3 - الطرف محركة الناحية والطائفة من الشئ والرجل الكريم والاطراف الجمع ومن البدن اليدان والرجلان والرأس ومن الارض اشرافها وعلماؤها ومنك ابواك وأخوتك واعمامك وكل قريب محرم ق (*)
[ 77 ]
وبينكم فإنه أظهر من الحجج على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها ومن عنده علم الكتاب. في الكافي والخرايج والعياشي عن الباقر عليه السلام إيانا عنى وعلي أولنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي المجمع عن الصادق عليه السلام مثله. وفي الأحتجاج سأل رجل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عن أفضل منقبة له فقرأ الاية وقال إياي عني بمن عنده علم الكتاب. وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه سئل عن هذه الاية قال ذاك أخي علي بن أبي طالب عليه السلام. والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه قيل له هذا إبن عبد الله بن سلام يزعم أن أباه الذي يقول الله قل كفي بالله شهيدا بينى وبينكم ومن عنده علم الكتب قال كذب هو علي بن أبي طالب عليه السلام. وعنه عليه السلام نزلت في علي عليه السلام إنه عالم هذه الامة بعد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم. والقمي عن الصادق عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن الذي عنده علم من الكتاب أعلم أم الذي عنده علم ام الكتاب فقال ماكان الذي عنده علم من الكتاب عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر وقال أمير المؤمنين عليه السلام ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين. وفي الكافي عنه عليه السلام هل وجدت فيما قرأت في كتاب الله تعالى قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ثم ذكر ما يقرب مما ذكر بنحو أبسط وقال في آخره علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله عندنا.
[ 78 ]
في ثواب الأعمال والعياشي عن الصادق صلوات الله عليه من أكثر قراءة سورة الرعد لم يصبه الله بصاعقة أبدا ولو كان ناصبيا وإذا كان مؤمنا دخل الجنة بغير حساب ويشفع في جميع من يعرفه من أهل بيته وإخوانه.
[ 79 ]
سورة إبراهيم عليه السلام هي مكية إلا آيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله) إلى قوله (فبئس القرار) عدد آيها خمس وخمسون آية. بسم الله الرحمن الرحيم (1) الر كتاب أنزلنه إليك لتخرج الناس بدعوتهم إلى ما فيه من الظلمت من الكفر وأنواع الضلال إلى النور إلى الأيمان والهدى بإذن ربهم بتوفيقه وتسهيله إلى صراط العزيز الحميد بدل من قوله إلى النور.
(2) الله الذى له ما في السموات وما في الارض وقرئ الله بالرفع وويل للكافرين من عذاب شديد الويل الهلاك نقيض الوال وهو النجاة. (3) الذين يستحبون الحيوة الدنيا على الاخرة يختارونها عليها ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا يطلبون لسبيل الله اعوجاجا ليقدحوا فيها أولئك في ضلال بعيد ضلوا عن الحق ووقعوا عنه بمراحل. (4) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه إلا بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم ليبين لهم ما امروا به فيفقهوه بيسر وسرعة في الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ومن علي ربي وقال يا محمد قد أرسلت كل رسول إلى امته بلسانها وأرسلتك إلى كل أحمر وأسود من خلقي فيضل الله من يشاء بالخذلان ويهدى من يشاء بالتوفيق وهو العزيز فلا يغالب على مشيته الحكيم الذي لا يفعل ما يفعل إلا لحكمته.
[ 80 ]
(5) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله قيل بوقايعه الواقعة على الامم الماضية وأيام العرب يقال لحروبها. وفي المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام بنعم الله وآلائه. والقمي أيام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة. وفي الخصال عن الباقر عليه السلام أيام الله يوم يقوم القائم ويوم الكرة ويوم القيامة. أقول: لا منافاة بين هذه التفاسير لأن النعمة على المؤمن نقمة على الكافر وكذا الأيام المذكورة نعم لقوم ونقم لاخرين إن في ذلك لايات لكل صبار شكور يصبر على بلائه ويشكر لنعمائه. (6) وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجكم من آل
فرعون يسومونكم يكلفونكم سوء العذاب إستعبادكم بالأفعال الشاقة كما مضى في سورة البقرة ويذبحون أبنائكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم إبتلاء منه أو وفي الأنجاء نعمة. (7) وإذ تأذن ربكم واذكروا إذ أعلم أنه لئن شكرتم يا بني اسرائيل ما أنعمت عليكم من الأنجاء وغيره بالأيمان والعمل الصالح لازيدنكم نعمة إلى نعمة ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. في الكافي عن الصادق عليه السلام ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه وحمد الله ظاهرا بلسانه فتم كلامه حتى يؤمر له بالمزيد وفي المجمع ما في معناه والقمي والعياشي مثله وزادا وهو قوله تعالى لئن شكرتم لازيدنكم. وفي الكافي عنه عليه السلام من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله قبل أن يظهر شكرها على لسانه.
[ 81 ]
وعنه عليه السلام ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال الحمد لله إلا أدى شكرها وفي رواية اخرى وكان الحمد أفضل من تلك النعمة وعنه عليه السلام في تفسير وجوه الكفر الوجه الثالث من الكفر كفر النعم قال لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. (8) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الارض جميعا من الثقلين فإن الله لغنى عن شكركم حميد مستحق للحمد في ذاته وإن لم يحمده حامد محمود يحمده نفسه وتحمده الملائكة وينطق بنعمته ذرات المخلوقات فما ضررتم بالكفران إلا أنفسكم حيث حرمتموها مزيد الأنعام وعرضتموها للعذاب الشديد. (9) ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من
بعدهم لا يعلمهم إلا الله لكثرة عددهم جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم القمي أي في أفواه الأنبياء. أقول: يعني منعوهم من التكلم وهو تمثيل وفي تفسير هذه الكلمة وجوه أخر ذكرها المفسرون وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب. (10) قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والارض يدعوكم ليغفر لكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إلى وقت سماه الله وجعله آخر أعماركم قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا لا فضل لكم علينا فلم خصصتم بالنبوة دوننا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين بحجة واضحة أرادوا بذلك ما اقترحوه من الايات تعنتا وعنادا. (11) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشآء من عباده سلموا مشاركتهم في البشرية وجعلوا الموجب لأختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم بخصايص فيهم ليست في أبناء جنسهم وما كان لنا أن نأتيكم بسلطن إلا بإذن الله أي ليس إلينا الأتيان بما اقترحتموه وإنما هو أمر يتعلق بمشية الله فيخص كل نبي بنوع من الايات وعلى الله فليتوكل المؤمنون فليتوكل بالصبر على معاداتكم
[ 82 ]
عمموا للأشعار بما يوجب التوكل وهو الأيمان وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا. (12) وما لنا ألا نتوكل على الله أي أي عذر لنا في أن لا نتوكل وقد هدينا سبلنا التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون. (13) وقال الذين كفروا الرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا حلفوا على أن يكون أحد الأمرين والعود بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط فأوحى إليهم ربهم أي إلى الرسل لنهلكن الظلمين.
(14) ولنسكننكم الارض من بعدهم أي أرضهم وديارهم. القمي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آذى جاره طمعا في مسكنه ورثه الله داره وقرأ هذه الاية. وفي المجمع جاء في الحديث من آذى جاره ورثه الله داره ذلك أي إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين لمن خاف مقامي أي موقفي للحساب وخاف وعيد أي وعيدي بالعذاب. (15) واستفتحوا سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعاديهم من الفتاحة بمعنى الحكومة وخاب كل جبار عنيد في التوحيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني من أبى أن يقول لا إله إلا الله. والقمي عن الباقر عليه السلام العنيد المعرض عن الحق. (16) من ورائه جهنم من بين يدي هذا الجبار نار جهنم فإنه مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الاخرة ويسقى أي يلقى فيها ويسقى من ماء صديد. في المجمع عن الصادق عليه السلام أي ويسقى مما يسيل من الدم والقيح من فروج الزواني في النار. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقرب إليه فيكرهه فإذا ادني منه
[ 83 ]
شوي وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شرب قطع أمعاؤه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ويقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه والقمي ما يقرب منه. (17) يتجرعه يتكلف جرعه ولا يكاد يسيغه ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان أي أسبابه من الشدائد فيحيط به من جميع الجهات
وما هو بميت فيستريح ومن ورائه ومن بين يديه عذاب غليظ أي يستقبل في كل وقت عذابا أشد مما هو عليه. العياشي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين عليهم السلام إن أهل النار لما غلى الزقوم والضريع في بطونهم كغلي الحميم سألوا الشراب فأتوا بشراب غساق وصديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ حميم تغلي به جهنم منذ خلقت كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا. (18) مثل الذين كفروا بربهم صفتهم التي هي مثل في الغرابة أعمالهم كرماد اشتدت به الريح حملته وأسرعت الذهاب به. في يوم عاصف العصف اشتداد الريح وصف اليوم به للمبالغة كقولهم نهاره صائم شبه مكارمهم من الصدقة وصلة الرحم وعتق الرقاب وإغاثة الملهوف في حبوطها وذهابها هباءا منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة الله والتوجه به إليه برماد طيرته الريح العاصف لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا منها على شئ يعني لا يرون لشئ منها ثوابا ذلك أي ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون هو الضلال البعيد في غاية البعد عن الحق. (19) ألم تر أن الله خلق السموت والارض بالحق بالحكمة والغرض الصحيح ولم يخلقها عبثا باطلا وقرئ خالق السماوات إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد يعدمكم ويخلق مكانكم خلقا آخرين (20) وما ذلك على الله بعزيز بمتعذر أو متعسر.
[ 84 ]
(21) وبرزوا لله جميعا يعني يبرزون يوم القيامة وذكر بلفظ الماضي لتحقق وقوعه فقال الضعفاء ضعفاء الرأي يعني الأتباع للذين استكبروا لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغو وهم في مصباح المتهجد في خطبة الغدير لأمير المؤمنين عليه السلام
بعد تلاوته لها أفتدرون الأستكبار ما هو هو ترك الطاعة لمن امروا بطاعته والترفع على من ندبوا إلى متابعته إنا كنا لكم تبعا في تكذيب الرسل والأعراض عن نصايحهم فهل أنتم مغنون عنا دافعون عنا من عذاب الله من شئ قالوا لو هدينا الله للأيمان والنجاة من العذاب. والقمي الهدي هنا الثواب لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص منجى ومهرب من العذاب. (22) وقال الشيطان لما قضى الامر. القمي لما فرغ من أمر الدنيا من أوليائه. والقمي والعياشي عن الباقر عليه السلام كلما في القرآن وقال الشيطان يريد به الثاني إن الله وعدكم وعد الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفي لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم ولم أوف لكم بما وعدتكم وما كان لى عليكم من سلطان تسلط فاجبركم على الكفر والعصيان إلا أن دعوتكم إلا دعائي إياكم إليهما بتسويلي ووسوستي فاستجبتم لى أسرعتم اجابتي فلا تلوموني بوسوستي فإن من صرح بعداوته لا يلام بأمثال ذلك ولوموا أنفسكم حيث اغتررتم بي واطعتموني إذ دعوتكم ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم ما أنا بمصرخكم بمغيثكم من العذاب وما أنتم بمصرخي بمغيثي لا ينجي بعضنا بعضا إنى كفرت بما أشركتمون من قبل تبرأت منه واستنكرته كقوله ويوم القيمة يكفرون بشرككم. في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الكفر في هذه الاية البراءة إن الظالمين لهم عذاب أليم من تتمة كلامه أو إستيناف وفي حكاية أمثاله لطف للسامعين
[ 85 ]
وإيقاظ لهم حتى يحاسبوا أنفسهم ويتدبروا عواقبهم. (23) وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنت تجرى من تحتها الانهار
خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام. (24) ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة قولا حقا ودعاءا إلى صلاح كشجرة طيبة يطيب ثمرها كالنخلة. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن هذه الشجرة الطيبة النخلة أصلها ثابت في الأرض ضارب بعروقه فيها وفرعها في السماء. (25) تؤتي أكلها تعطي ثمرها كل حين كل وقت وقته الله لأثمارها بإذن ربها بإرادة خالقها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون لأن في ضرب الأمثال تذكيرا وتصويرا للمعاني بالمحسوسات لتقريبها من الأفهام. والعياشي عن الصادق عليه السلام هذا مثل ضربه الله لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولمن عاداهم. وفي الكافي عنه عليه السلام إنه سئل عن الشجرة في هذه الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصلها وأمير المؤمنين عليه السلام فرعها والأئمة من ذريتهما أغصانها وعلم الأئمة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها قال والله إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وأن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها وفي الأكمال والحسن والحسين ثمرها والتسعة من ولد الحسين عليهم السلام أغصانها وفي المعاني وغصن الشجرة فاطمة عليها السلام وثمرها أولادها وورقها شيعتها. وزاد في الأكمال تؤتي أكلها كل حين مايخرج من علم الأمام إليكم في كل سنة من كل فج عميق. وفي المجمع والقمي والعياشي ما يقرب من هذه الأخبار ويأتي فيه حديث آخر في سورة بني إسرائيل عند قوله تعالى والشجرة الملعونة في القرآن إن شاء الله.
[ 86 ]
ومثل كلمة خبيثة قول باطل ودعاء إلى ضلال أو فساد كشجرة خبيثة
لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل اجتثت استوصلت واخذت جثته بالكلية من فوق الارض لأن عروقها قريبة منها مالها من قرار استقرار. في المجمع عن الباقر عليه السلام إن هذا مثل بني امية. والقمي عنه عليه السلام كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء وبنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم. (27) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت الذي ثبت بالحجة والبرهان عندهم وتمكن في قلوبهم وإطمأنت إليه أنفسهم في الحيوة الدنيا ولا يزالون إذا افتتنوا في دينهم وفي الاخرة فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم ويضل الله الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالجحود والأقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن. في التوحيد عن الصادق عليه السلام يعني يضلهم يوم القيامة عن دار كرامته كما يأتي في سورة الكهف عند قوله تعالى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ويفعل الله ما يشاء من تثبيت المؤمنين وخذلان الظالمين. في الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إن الشيطان ليأتي الرجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضله عما هو عليه فيأبى الله عز وجل له ذلك وذلك قول الله عز وجل يثبت الله الذين آمنوا الاية. وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث سؤال القبر فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول الله ربي وديني الأسلام ونبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيقولان ثبتك الله فيما يحب ويرضى وهو قول الله يثبت الله الذين آمنوا الاية. وعن الصادق عليه السلام في سؤال القبر وإن كان كافرا إلى أن قال ويسلط
[ 87 ]
الله عليه في قبره الحيات تنهشه نهشا والشيطان يغمه غما قال ويسمع عذابه من خلق الله إلا الجن والأنس وإنه ليسمع خفق نعالهم ونفض أيديهم وهو قول الله عز وجل يثبت الله إلى قوله ويفعل الله ما يشاء. والعياشي والقمي ما يقرب من الحديثين. (28) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار دار الهلاك بحملهم على الكفر. (29) جهنم يصلونها وبئس القرار وبئس المقر جهنم. في الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال ما يقولون في ذلك قيل يقولون هما الأفجران من قريش بنو امية وبنوا المغيرة فقال هي والله قريش قاطبة إن الله تعالى خاطب به نبيه فقال إني فضلت قريشا على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت إليهم رسولي فبدلوا نعمتي كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. وعن الصادق عليه السلام عنى بها قريشا قاطبة الذين عادوا رسول الله ونصبوا له الحرب وجحدوا وصيه. وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام إنهم كفار قريش كذبوا نبيهم ونصبوا له الحرب والعداوة. قال وسأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام عن هذه الاية فقال هما الأفجران من قريش وبنو أمية وبنو المغيرة فأما بنو امية فمتعوا إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر. والقمي عن الصادق عليه السلام نزلت في الأفجرين من قريش بني المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم وأما بنو امية فمتعوا إلى حين ثم قال ونحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز. وفي الكافي والقمي عن أمير المؤمنين عليه السلام ما بال أقوام غيروا سنة
[ 88 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعدلوا عن وصيه ولا يتخوفون أن ينزل بهم العذاب ثم تلا هذه الاية ثم قال نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة. والعياشي عنه عليه السلام آخر الحديث وشطرا مما سبق. (30) وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله الذي هو التوحيد وقرئ بفتح الياء وليس الأضلال ولا الضلال غرضهم في إتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض قل تمتعوا إيذان بأنهم كأنهم مأمورون بالتمتع لانغماسهم فيه وأنهم لا يعرفون غيره فإن مصيركم إلى النار. (31) قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلوة أي أقيموا الصلوة يقيموا أو ليقيموا وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية العياشي مضمرا من الحقوق التي هي غير الزكوة المفروضة من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره ويفدي به نفسه ولا خلال ولا مخالة فيشفع لك خليل. والقمي أي لا صداقة. (32) الله الذى خلق السموت والارض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم تعيشون به وهو يشمل المطعوم والملبوس وغيرهما وسخر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره إلى حيث توجهتم وسخر لكم الانهار جعلها معدة لأنتفاعكم وتصرفكم وعلمكم كيفية إتخاذها. (33) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين في مرضاته يد أبان في مسيرهما لا يفتران في منافع الخلق وإصلاح ما يصلحان من الأرض والنبات والأبدان وسخر لكم الليل والنهار يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم. (34) وآتيكم من كل ما سألتموه.
في المجمع عنهما عليهما السلام إنهما قرءا من كل ما سألتموه بالتنوين
[ 89 ]
والعياشي عن الباقر عليه السلام الثوب والشئ الذي لم تسأله إياه أعطاك ولعل المراد بما سألتموه ما كان حقيقا بأن يسأل سئل أو لم يسأل وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها لا تعدوها ولا تطيقوا حصر أنواعها فضلا عن إفرادها. في الكافي عن السجاد عليه السلام إنه إذا قرأ هذه الاية يقول سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم إنه لا يدرك فشكر تعالى معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا كما علم علم العالمين إنهم لا يدركونه فجعله إيمانا علما منه أنه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته وكيف يبلغ مدى عبادته من لأمدى له ولا كيف تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا إن الانسان لظلوم للنعمة لا يشكرها كفار يكفرها. (35) وإذ قال إبرهيم رب اجعل هذا البلد بلد مكة آمنا ذا أمن لمن فيها قد سبق بيانه في سورة البقرة واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام. العياشي عن الصادق عليه السلام أنه أتاه رجل فسأله عن شئ فلم يجبه فقال له الرجل فإن كنت إبن أبيك فإنك من أبناء عبدة الأصنام فقال له كذبت إن الله أمر ابراهيم عليه السلام أن ينزل اسماعيل بمكة ففعل فقال إبراهيم عليه السلام رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام فلم يعبد أحد من ولد إسماعيل صنما ولكن العرب عبدة الأصنام وقالت بنو اسماعيل هؤلاء شفعاؤنا وكفرت ولم تعبد الأصنام. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قد حظر على من مسه الكفر تقلد مافوضه إلى أنبيائه وأوليائه بقوله لإبراهيم عليه السلام لا ينال عهدي الظلمين أي
المشركين لأنه سمى الشرك ظلما بقوله إن لشرك لظلم عظيم فلما علم إبراهيم إن عهد الله بالأمامة لا ينال عبدة الأصنام قال واجنبني وبنى أن نعبد الاصنام وفي الأمالي عن النبي صلى الله عليه وآله ما يقرب منه وقال في آخره فانتهت الدعوة إلي وإلى أخي
[ 90 ]
علي لم يسجد أحد منا لصنم قط فاتخذني الله نبيا وعليا وصيا. (36) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس صرن سببا لاضلالهم كقوله وغرتهم الحيوة الدنيا فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم. العياشي عن الصادق عليه السلام من اتقى الله منكم وأصلح فهو منا أهل البيت قيل منكم أهل البيت قال منا أهل البيت قال فيها إبراهيم فمن تبعني فإنه مني. وعن الباقر عليه السلام ومن أحبنا فهو منا أهل البيت قيل منكم قال منا والله أما سمعت قول إبراهيم فمن تبعني فإنه منى. وعن الصادق عليه السلام ومن عصاني فإنك غفور رحيم قال تقدر إن تغفر له وترحمه. (37) ربنا إنى أسكنت من ذريتي بعض ولدي وهو إسماعيل ومن ولد منه. العياشي عن الباقر عليه السلام نحن هم ونحن بقية تلك الذرية والعياشي والقمي عنه عليه السلام نحن والله بقية تلك العترة. وزاد في المجمع وكانت دعوة إبراهيم عليه السلام لنا خاصة بواد غير ذي زرع يعني وادي مكة (1) عند بيتك المحرم الذي حرمت التعرض له والتهاون به ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس بعضهم. العياشي عن الباقر عليه السلام أما إنه لم يعن الناس كلهم أنتم أولئك ونظراؤكم إنما مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود أو مثل الشعرة السوداء
1 - انما اضافت البيت إليه سبحانه لانه مالكه لا يملكه احد سواه وما عداه من البيوت قد ملكه غيره من العباد ويسأل فيقال كيف سماه بيتا والمرتد عند بيتك الذي مضى في سابق علمك كونه والثاني ان البيت قد كان قبل ذلك وانما خربه طسم وجديس وقيل انه رفعه الله الى السماء أيام الطوفان وانما سماه المحرم لانه لا يستطيع احد الوصول إليه الا بالاحرام وقيل لانه حرم فيه ما احل غي غيره من البيوت من الجماع والملابسة لشئ من الاقذار والدماء وقيل معناه العظيم الحرمة مجمع البيان (*)
[ 91 ]
في الثور الأبيض ينبغي للناس ان يحجوا هذا البيت ويعظموه لتعظيم الله إياه وإن يلقونا حيث كنا نحن الأدلاء على الله تهوى إليهم تسرع إليهم شوقا وودادا وقرئ بفتح الواو ونسبها في الجوامع إلى أهل البيت عليهم السلام من هوى كرضى إذا أحب وتعديته بالى لتضمين معنى النزوع. في الكافي عن الباقر عليه السلام ولم يعن البيت فيقول إليه فنحن والله دعوة إبراهيم عليه السلام. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام والأفئدة من الناس تهوي إلينا وذلك دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم. وفي البصاير عن الصادق عليه السلام في حديث وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون تلك النعمة فأجاب الله دعوته فجعله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ. والقمي عن الصادق عليه السلام يعني من ثمرات القلوب أي حببهم إلى الناس ليأتوا إليهم ويعودوا. وفي الغوالي عنه عليه السلام هو ثمرات القلوب. وعن الباقر عليه السلام إن الثمرات تحمل إليهم من الافاق وقد استجاب الله له حتى لا توجد في بلاد الشرق والغرب ثمرة إلا توجد فيها حتى حكي أنه يوجد فيها
في يوم واحد فواكه ربيعية وصيفية وخريفية وشتائية. وفي العلل عن الرضا عليه السلام حديث آخر سبق في سورة البقرة عند قوله وارزق أهله من الثمرات. القمي عن الصادق عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام كان نازلا في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل إغتمت سارة من ذلك غما شديدا لأنه لم يكن له منها ولد وكانت تؤذي إبراهيم عليه السلام في هاجر وتغمه فشكا إبراهيم عليه السلام
[ 92 ]
ذلك إلى الله عز وجل فأوحى الله إليه إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء إن تركتها استمتعت بها وإن أقمتها كسرتها ثم أمره أن يخرج اسماعيل وامه عنها فقال يا رب إلى أي مكان قال إلى حرمي وأمني وأول بقعة خلقتها من الأرض وهي مكة فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر واسماعيل وابراهيم عليهم السلام وكان إبراهيم عليه السلام لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال يا جبرئيل إلى ها هنا إلى هاهنا فيقول جبرئيل لا إمض امض حتى وافي مكة فوضعه في موضع البيت وقد كان إبراهيم عليه السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر فالقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها فاستظلوا تحته فلما سرحهم (1) إبراهيم ووضعهم وأراد الأنصراف عنهم إلى سارة قالت له هاجر يا إبراهيم لم تدعنا (2) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع فقال إبراهيم عليه السلام الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان حاضر عليكم ثم انصرف عنهم فلما بلغ كدا (3) وهو جبل بذي طوى (4) التفت إليهم إبراهيم عليه السلام فقال عليه السلام ربنا إنى أسكنت من ذريتي الاية ثم مضى وبقيت هاجر فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت هل في الوادي من أنيس فغاب إسماعيل عليه السلام عنها فصعدت على الصفاء ولمع لها السراب في الوادي وظنت أنه ماء فنزلت في بطن الوادي
وسعت فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء فلما غاب عنها إسماعيل عادت حتى بلغت الصفا فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجله فعدت حتى جمعت حوله رملا فإنه كان سائلا
1 - سرحت فلانا الى موضع كذا إذا ارسلته صحاح 2 - ودع الشئ ودعا إذا تركه م 3 - كدا بالمد والفتح والثنية بالعليا بمكة مما يلي المقابر وككذا بالضم والقصر الثنية السفلى مما يلي باب العمرة واما كدي بالضم وتشديد الياء فهو موضع بأسفل مكة وقد تكرر ذكر الاوليين في الحديث 4 - ذو طوى بالضم موضع بمكة ص وذو طوى مثلثة الطاء وينون عين قرب مكة ق (*)
[ 93 ]
فزمته (1) بما جعلته حوله فلذلك سميت زمزم وكان جرهم (2) نازلة بذي المجاز (3) وعرفات فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطيرو الوحش على الماء فنظرت جرهم على تعكف الطير في ذلك المكان واتبعوها حتى نظروا إلى إمرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة وقد ظهر الماء لهما فقالوا لهاجر من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي قالت أنا ام ولد إبراهيم خليل الرحمن وهذا إبنه أمره الله أن ينزلنا ها هنا فقالوا لها فتأذنين أن نكون بالقرب منكم فلما زارهم إبراهيم عليه السلام يوم الثالث قالت هاجر يا خليل الرحمان إن ها هنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا أفتأذن لهم في ذلك فقال إبراهيم عليه السلام نعم فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم فأنست هاجر وإسماعيل بهم فلما رآهم إبراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا الحديث وقد مضى تمامه في سورة البقرة. والعياشي عن الكاظم عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام لما أسكن إسماعيل عليه السلام وهاجر مكة وودعهما لينصرف عنهما بكيا فقال لهما إبراهيم عليه السلام ما يبكيكما فقد
خلفتكما في أحب الأرض إلى الله وفي حرم الله فقالت له هاجر يا إبراهيم ما كنت أرى نبيا مثلك يفعل ما فعلت قال وما فعلت قالت إنك خلفت إمرأة ضعيفة وغلاما ضعيفا لا حيلة لهما بلا أنيس من بشر ولا ماء يظهر ولا زرع قد بلغ ولا ضرع يحلب قال فرق إبراهيم ودمعت عيناه عندما سمع منها فأقبل حتى إنتهى إلى باب بيت الله الحرام فأخذ بعضادتي الكعبة ثم قال اللهم إنى أسكنت من ذريتي الاية قال فأوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام أن أصعد أبا قبيس فناد في الناس يا معشرا الخلايق إن الله يأمركم بحج هذا البيت الذي بمكة محرما من استطاع إليه سبيلا فريضة من الله فمد الله لإبراهيم عليه السلام في صوته حتى أسمع به أهل المشرق والمغرب وما بينهما من جميع ما قدر الله وقضى في أصلاب الرجال من النطف وجميع ما قدر الله وقضى في أرحام النساء إلى يوم
1 - زمه فانزم شده ق 2 - جرهم كقنفذ حي من اليمين تزوج فيه اسمعيل عليه السلام ق 3 - وذو المجاز سوق كانت لهم على فرسخ من عرفات ق (*)
[ 94 ]
القيامة فهناك وجب الحج على جميع الخلايق والتلبية من الحاج في أيام الحج هي إجابة لنداء إبراهيم عليه السلام يومئذ بالحج. وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه نظر إلى الناس يطوفون حول الكعبة فقال هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية إنما امروا أن يطوفوا بها ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ويعرضوا علينا نصرتهم ثم قرأ هذه الاية فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم. وزاد العياشي فقال آل محمد آل محمد صلوات الله عليهم ثم قال إلينا إلينا. (38) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن تعلم سرنا كما تعلم علانيتنا والمعنى إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منا بأنفسنا فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهارا لعبوديتك وإفتقارا إلى رحمتك وإستعجالا لنيل ما عندك.
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ولكنه يحب أن يبث إليه الحوائج فإذا دعوتم فسموا حاجتكم وما يخفي (1) على الله من شئ في الارض ولا في السماء لأنه العالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم ومن للأستغراق. (39) الحمد لله الذى وهب لى على الكبرأي وهب لي وأنا كبير السن آيس عن الولد قيد الهبة بحال الكبر استعظاما للنعمة وإظهارا لما فيه من الاية إسمعيل وإسحق قيل إنه ولد له اسماعيل لتسع وتسعين واسحاق لمأة واثنتي عشر سنة إن ربى لسميع الدعاء أي لمجيبه من قولك سمع الملك كلامي إذا إعتد به وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه حين ما وقع اليأس منه. (40) رب اجعلني مقيم الصلوة معدا لها مواظبا عليها ومن ذريتي وبعض ذريتي ربنا وتقبل دعاء عبادتي
1 - انما هو اخبار منه سبحانه بذلك وابتداء كلام من جهته لا على سبيل الحكاية عن ابراهيم بل هو اعتراض عن الجبائي قال ثم عاد الى حكاية كلام ابراهيم عليه السلام فقال الحمد لله آه م ن (*)
[ 95 ]
(41) ربنا اغفر لى ولوالدي (1). العياشي عن أحدهما عليهما السلام قال آدم وحواء وقرئ ولولدي ونسبها في الجوامع إلى أهل البيت عليهم السلام. والقمي إنما نزلت ولولدي إسماعيل وإسحق. والعياشي عن أحدهما عليهما السلام إنه كان يقرء ربنا اغفر لي ولولدي يعني اسماعيل وإسحاق. وعن الباقر عليه السلام إنه سئل عنها فقال هذه الكلمة صحفها الكتاب إنما كان استغفاره لأبيه عن موعدة وعدها إياه وإنما قال ربنا اغفر لى ولولدي يعني
إسماعيل وإسحق وللمؤمنين يوم يقوم الحساب يوم القيامة. (42) ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظلمون وعيد للظالم وتسلية للمظلوم إنما يؤخرهم يؤخر عذابهم ليوم تشخص فيه الابصار. القمي قال تبقى أعينهم مفتوحة من هول جهنم لا يقدرون أن يطرفوا. (43) مهطعين مسرعين إلى الداعي أومقبلين بأبصارهم لا يطرفون هيبة وخوفا والأهطاع الأقبال على الشئ مقنعي رؤسهم رافعيها (2) لا يرتد إليهم طرفهم بل بقيت عيونهم شاخصة لا تطرف وأفئدتهم هواء قيل خلاء أي خالية عن العقول لفرط الحيرة والدهشة لا قوة لها ولاجرأة ولا فهم. والقمي قال قلوبهم يتصدع من الخفقان
1 - واستدل اصحابنا بهذا على ما ذهبوا إليه من أن أبوي ابراهيم عليه السلام لم يكونا كافرين لانه انما يسأل المغفرة لهما يوم القيامة فلو كانا كافرين لما سأل ذلك لانه قال فلما تبين له انه عدو الله تبرأ منه فصح ان اباه الذي كان كافرا انما هو جده لامه أو عمه على الخلاف فيه ومن قال انما دعا لابيه لانه كان وعده ان يسلم فلما مات على الكفر تبرأ منه على ما روي عن الحسن فقوله فاسد لان ابراهيم انما دعا بهذا الدعاء بعد الكبر وبعد ان وهب له اسمعيل واسحق وقد تبين له في هذا الوقت عداوة ابيه الكافر لله فلا يجوز ان يقصده بدعائه مجمع البيان 2 - أي رافعي رؤوسهم الى السماء حتى لا يرى الرجل مكان قدمه من شدة رفع الرأس وذلك من هول يوم القيامة م ن (*)
[ 96 ]
(44) وأنذر الناس يا محمد يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أمهلنا إلى أمد من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك وإتباع رسلك أو لم تكونوا أقسمتم من قبل على إرادة القول ما لكم من زوال القمي لاتهلكون. (45) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي وتبين
لكم كيف فعلنا بهم بما تشاهدون في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم وضربنا لكم الامثال فلم تعتبروا. (46) وقد مكروا مكرهم المستفرغ فيه جهدهم لأبطال الحق وتقرير الباطل وعند الله مكرهم ومكتوب عنده مكرهم فهو مجازيهم عليه أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وابطالا له وإن كان مكرهم في العظم والشدة لتزول منه الجبال عن أماكنها. القمي قال مكر بني فلان وقرئ لتزول بفتح اللام والرفع. (47) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله مثل قوله إنا لننصر رسلنا كتب الله لاغلبن أنا ورسلي إن الله عزيز غالب ذو انتقام لأوليائه من أعدائه. (48) يوم تبدل الارض غير الارض والسموات يعني والسموات غير السموات من طريق العامة عن علي عليه السلام أرضا من فضة وسماوات من ذهب. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغوا من الحساب قيل إن الناس لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب فقال لهم في النار لا يشتغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب فكيف يشتغلون عنه في الحساب وفي رواية اخرى إن الله خلق ابن آدم أجوف لا بد له من الطعام والشراب أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار فقد استغاثوا والله يقول وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب. والقمي والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منهما وعن السجاد عليه السلام
[ 97 ]
تبدل الأرض غير الأرض يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرة. وفي المجمع من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبدل الله الأرض غير الأرض فيبسطها ويمدها مد الأديم (1) العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا
ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة في مثل مواضعهم من الاولى ما كان في بطنها كان في بطنها وما كان في ظهرها كان على ظهرها. وعنه عليه السلام يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء (2) كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد. وعنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية وقيل له فأين الخلق عند ذلك فقال أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه. وفي الأحتجاج عنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هذه الاية وقيل له فأين الناس يومئذ فقال في الظلمة دون المحشر وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم المتحابون في الله عز وجل يوم القيامة على أرض زبر جدة خضراء في ظل عرشه عن يمينه وكلتا يديه يمين. وفي الخصال والعياشي عن الباقر عليه السلام لقد خلق الله في الأرض منذ خلقها سبعة عوالم ليس هم من ولد آدم خلقهم من أديم الأرض فأسكنوها واحدا بعد واحد مع عالمه ثم خلق الله آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه ولا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها لعلكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة وصير الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة وصير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار
1 - عكاظ كغراب سوق بصحراء بين نخلة والطائف كانت تقوم هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوما تجتمع قبايل العرب فيتعاكظون اي يتفاخرون ويتناشدون ومنهم الاديم العكاظي ق. 2 - العفرة بياض ليس بالناصع ولكن كلون عفر الارض وهو وجهها ومنه الحديث يحشر الناس يوم القيامة على ارض بيضاء عفراء نهاية. (*)
[ 98 ]
إن الله تبارك وتعالى لا يعبد في بلاده ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه بلى
وليخلقن خلقا من غير فحول ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ويخلق لهم أرضا تحملهم وسماء تظلهم أليس الله يقول يوم تبدل الارض غير الارض والسموات وقال الله أفعيينا بالخلق الاول بل هم في لبس من خلق جديد وبرزوا (1) لله الوحد القهار لمحاسبته ومجازاته. (49) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الاصفاد. القمي قال مقيدين بعضهم إلى بعض قيل ولعله بحسب مشاركتهم في العقائد والأخلاق والأعمال. (50) سرابيلهم قمصانهم من قطران وهو ما يطلى به الأبل الجربى فيحرق الجرب والجلد وهو أسود منتن تشتعل فيه النار بسرعة وقرئ من قطران والقطر النحاس والصفر المذاب والاني المتناهي حره وتغشى وجوههم النار خص الوجوه لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه ولذلك قال تطلع على الافئدة ولأنهم لم يتوجهوا بها إلى الحق ولم يستعملوا في تدبره مشاعرهم وحواسهم التي خلقت لأجله كما تطلع على أفئدتهم لأنها فارغة عن المعرفة مملوة بالجهالات. القمي عن الباقر عليه السلام سرابيلهم من قطران قال هو الصفر الحار الذائب يقول الله إنتهى حره وتغشى وجوههم النار سربلوا ذلك الصفر فتغشى وجوههم النار. وعن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جبرئيل عليه السلام لو أن سربالا من سرابيل أهل النار علق بين السماء والأرض لمات أهل الأرض من ريحه ووهجه. وفي نهج البلاغة وألبسهم سرابيل القطران ومقطعات النيران في عذاب قد
1 - أي يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسرهم شئ وجعل ذلك برزوا لله لان حسابهم معه وان كانت الاشياء
كلها بارزة له لا يسرها عنه شئ م ن. (*)
[ 99 ]
اشتد حره وباب قد اطبق على أهله. (51) ليجزى الله كل نفس أي يفعل بهم ذلك ليجزي كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب لأنه لا يشغله حساب عن حساب وقد سبق بيانه في سورة البقرة. (52) هذا بلاغ للناس كفاية لهم في الموعظة لينصحوا ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد بالنظر والتدبر فيه وليذكر أولوا الالباب أولو العقول والنهى. والقمي هذا بلاغ للناس يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم. في ثواب الأعمال والعياشي عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة إبراهيم عليه السلام والحجر في ركعتين جميعا في كل جمعة لم يصبه فقر أبداولا جنون ولا بلوى إن شاء الله.
[ 100 ]
سورة الحجر مكية وقيل إلا قوله ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم وقوله كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين وهي تسع وتسعون آية. بسم اله الرحمن الرحيم (1) الر تلك آيات الكتب وقرآن مبين. (2) ربما وقرئ بالتخفيف يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين قالوا يا ليتنا كنا مسلمين. العياشي عن الباقر عليه السلام. والقمي عن الصادق عليه السلام إذا كان يوم القيامة نادى مناد من عند الله
لا يدخل الجنة إلا مسلم فيومئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. وفي المجمع ما في معناه. وفيه مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا إجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين ألم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار قالوا كانت لنا ذنوب فاخذنا بها فسمع الله عز اسمه ما قالوا فأمر من كان في النار من أهل الأسلام فأخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين وقد سبق حديث آخر في هذه الاية في سورة البقرة عند قوله سبحانه لا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون.
[ 101 ]
(3) ذرهم دعهم يأكلوا ويتمتعوا بدنياهم ويلههم الامل ويشغلهم توقعهم لطول الأعمال واستقامة الأحوال من الأستعداد للمعاد فسوف يعلمون سوء صنيعهم إذا عاينوا الجزاء وهذا إيذان بأنهم لا ينفعهم الوعظ ولا ينجع فيهم النصح ومبالغة في الأنذار وإلزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وتطويل الأمل. في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنما أخاف عليكم اثنتين إتباع الهوى وطول الأمل أما إتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الاخرة. وعنه عليه السلام ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل وكان يقول لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض العمل في طلب الدنيا. وعن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استحقت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظهر وإذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر. (4) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ.
(5) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون عنه. (6) وقالوا يأيها الذى نزل عليه الذكر نادوه على سبيل التهكم والأستهزاء كما دل عليه ما بعده إنك لمجنون لتقول قول المجانين حين تدعي إن الله نزل عليك الذكر أي القرآن. (7) لو ما تأتينا هلا تأتينا بالملائكة ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا إن كنت من الصدقين في دعواك. (8) ما تنزل الملئكة أي تتنزل وقرئ بضم التاء وبالنون ونصب الملائكة إلا بالحق بالحكمة والمصلحة وما كانوا إذا منظرين ممهلين يعني لا يمهلهم ساعة.
[ 102 ]
القمي قال لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا. (9) إنا نحن نزلنا الذكر رد لأنكارهم وإستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وإنا له لحافظون من التحريف والزيادة والنقصان. (10) ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين في فرقهم وطوائفهم والشيعة الفرقة إذا اتفقوا في مذهب وطريقة من شاعه إذا تبعه. (11) وما يأتيهم من رسول حكاية حال ماضية إلا كانوا به يستهزؤن كما يفعل هؤلاء وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. (12) كذلك نسلكه قيل ندخل الذكر وننظمه في قلوب المجرمين يعني نلقيه في قلوبهم مكذبا به غير مقبول وقيل الضمير للأستهزاء. (13) لا يؤمنون به بالذكر وقد خلت سنة الاولين أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم أو بأن أهلكهم حين كذبوا رسلهم فيكون وعيدا لأهل مكة.
(14) ولو فتحنا عليهم على هؤلاء المقترحين بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يصعدون إليها طول نهارهم. (15) لقالوا إنما سكرت أبصرنا سدت من الأبصار بالسحر وخيل إلينا على غير حقيقة وقرئ سكرت بالتخفيف بل نحن قوم مسحورون قد سحرنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك. (16) ولقد جعلنا في السماء بروجا في المجمع عن الصادق عليه السلام هي اثنا عشر برجا. والقمي عن الباقر عليه السلام البروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي إثنا عشر برجا.
[ 103 ]
والقمي هي منازل الشمس والقمر أقول: معنى البروج القصور العالية سميت الكواكب بها لأنها للسيارات كالمنازل لسكانها وإشتقاقه من التبرج لظهوره. في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن للشمس ثلاث مائة وستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزاير (1) العرب تنزل كل يوم فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها. أقول: وذلك لأن سير الشمس إنما يكون في كل برج من البروج الاثني عشر ثلاثين يوما تقريبا فبهذا الأعتبار ينقسم كل منها إلى ثلاثين برجا فتصير ثلاثمائة وستين وزينها للنظرين في المجمع عن الصادق عليه السلام بالكواكب النيرة. (17) وحفظنها من كل شيطان رجيم فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس أهلها ويتصرف في أمرها ويطلع على أحوالها.
(18) إلا من استرق السمع اختلسه سرا فأتبعه ولحقه شهاب مبين ظاهر للمتبصرين والشهاب شعلة نار ساطعة وقد يطلق للكواكب والسنان لما فيهما من البريق. في المجالس عن الصادق عليه السلام كان إبليس يخترق السموات السبع فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سموات وكان يخترق أربع سماوات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه وقال عمرو بن امية وكان من أرجز أهل الجاهلية انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان
1 - جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات وما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا ومن جدة الى ريف العراق عرضا م ن. (*)
[ 104 ]
الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شئ وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث. الحديث. والقمي قال لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر مقالة عمرو بن أمية ونسبها إلى وليد بن المغيرة ثم قال وكان بمكة يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تتحرك وتسير في السماء خرج إلى نادي (1) قريش فقال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود فقالوا لا فقال أخطأتم والتورية قد ولد في هذه الليلة آخر الأنبياء وأفضلهم وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجمت الشياطين وحجبوا من السماء فرجع كل واحد إلى منزله فسأل أهله فقالوا قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب بن عبد مناف الحديث. (19) والارض مددناها بسطناها وألقينا فيها راوسى جبالا ثوابت وأنبتنا
فيها من كل شئ موزون مقدر. القمي قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا موزونا. وعن الباقر عليه السلام في هذه الاية إن الله تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه ذلك لا تباع إلا وزنا. (20) وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون من المطاعم والملابس ومن (2) لستم له برازقين وجعلنا لكم من لستم له برازقين من العيال والخدم والمماليك والحيوانات وسائر ما تحسبون أنكم ترزقونه حسبانا كاذبا فإن الله يرزقكم وإياهم. (21) وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم قيل الخزائن
1 - والنادي والندوة والمنتدى مجلس القوم نهارا والمجلس ما داموا مجتمعين فيه وما يندوهم النادي ما يسعهم ق. 2 - واتى بلفظة من دون لفظة ما لانه غلب العقلاء على غيرهم م ن. (*)
[ 105 ]
عبارة عن القدرة على إيجاده. القمي قال الخزانة الماء الذي ينزل من السماء فينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء. أقول: الأول كلام من خلا عن التحصيل والثاني تمثيل للتقريب من أفهام الجمهور وتفسير في الظاهر وأما في الباطن والتأويل فالخزائن عبارة عما كتبه القلم الأعلى أولا على الوجه الكلي في لوح القضاء المحفوظ عن التبديل الذي منه يجري ثانيا على الوجه الجزئي في لوح القدر الذي فيه المحو والأثبات مدرجا على التنزيل فإلى الأول اشير بقوله وإن من شئ إلا عندنا خزآئنه وبقوله وعنده ام الكتب وإلى الثاني بقوله وما ننزله إلا بقدر معلوم ومنه ينزل ويظهر في عالم الشهادة. وعن السجاد عليه السلام إن في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر
والبحر قال وهذا تأويل قوله وإن من شئ الاية أراد عليه السلام به ما ذكرناه وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من كتابنا المسمى بعلم اليقين فإنه كاف في بيانه. (22) وأرسلنا الريح لواقح (1). القمي قال التي تلقح الأشجار. والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبوا الريح فإنها بشر وإنها نذر وإنها لواقح فاسألوا الله من خيرها وتعوذوا به من شرها فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين نفي عنهم ما أثبته لنفسه في قوله وإن من شئ إلا عندنا خزائنه أي نحن الخازنون للماء القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها ولا تقدرون على ذلك. (23) وإنا لنحن نحى ونميت ونحن الوارثون.
1 - يعني ملاقح جمع ملقحة اي تلقح الشجر والسحاب كأنها تهيجه ويقال لواقح جمع لاقح اي حوامل لانها تحمل السحاب م. (*)
[ 106 ]
القمي أي نرث الأرض ومن عليها. (24) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. العياشي عن الباقر عليه السلام المؤمنون من هذه الامة. (25) وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم. (26) ولقد خلقنا الانسان من صلصال. القمي قال هو الماء المتصلصل بالطين من حمإ مسنون قال حمأ متغير وفي حديث خلق آدم فاغترف جل جلاله غرفة من الماء فصلصلها فجمدت الحديث وقد مضى في سورة البقرة والصلصال يقال للطين اليابس الذي يصلصل أي يصوت إذا نقر وهو غير مطبوخ فإذا طبخ فهو فخار والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون يقال للمصور
وللمصبوب المفرغ وللمنتن كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير فصير إنسانا. وفي نهج البلاغة ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزبت فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول أجمدها حتى إستمسكت وأصلدها حتى صلصلت لوقت معدود وأجل معلوم ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف فيها وجوارح يختدمها وأدوات يقلبها ومعرفة يفرق بها بين الأذواق والمشام والألوان والأجناس معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة من الحر والبرد والبلة والجمود والمساءة والسرور الحديث. (27) والجان يعني أبا الجان. القمي قال أبو إبليس خلقنه من قبل من قبل خلق الأنسان من نار السموم من نار الشديد الحر النافذ في المسام. في الخصال عن الصادق عليه السلام الاباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجان ولد
[ 107 ]
مؤمنا وكافرا وابليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنما يبيض ويفرخ وولده ذكور وليس فيهم اناث. والقمي قال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون وكافرون يهود ونصارى وتختلف أديانهم والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمنون إلا واحد إسمه هام بن هيم بن لا قيس ابن إبليس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه جسيما عظيما وامرء مهولا فقال له من أنت قال أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس كنت يوم قتل قابيل هابيل غلام إبن أعوام أنهى عن الأعتصام وآمر بإفساد الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يا
محمد فقد جرت توبتي على يد نوح ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع إبراهيم عليه السلام حيث القي في النار فجعلها الله بردا وسلاما ولقد كنت مع موسى حين غرق الله فرعون ونجى بني إسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها يبشرني بك والأنبياء يقرؤونك السلام ويقولون أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم فعلمني مما أنزل الله عليك شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام علمه فقال هام يا محمد إنا لا نطيع إلا نبيا أو وصي نبي فمن هذا قال هذا أخي ووصيي ووزيري ووارثي علي بن أبي طالب عليه السلام قال نعم نجد اسمه في الكتب إليا فعلمه أمير المؤمنين عليه السلام فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام. (28) وإذ قال ربك واذكر وقت قوله للملئكة إنى خلق بشرا من صلصال من حمإ مسنون. (29) فإذا سويته عدلت خلقته ونفخت فيه من روحي حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فيحيى فقعوا له ساجدين. في العلل والقمي والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام وكان ذلك من الله
[ 108 ]
تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم الحديث وقد سبق مع صدره وذيله في سورة البقرة عند قوله تعالى إنى جاعل في الارض خليفة. وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى ونفخت فيه من روحي فقال روح إختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضله على جميع الأرواح فنفخ منه في آدم. وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال إن الله خلق خلقا
وخلق روحا ثم أمر ملكا فنفخ فيه فليست بالتي نقصت من الله شيئا هي من قدرته. وفيه وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل كيف هذا النفخ فقال إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق إسمه من الريح وإنما اخرجت على لفظة الروح لأن الروح مجانس الريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفي بيتا من البيوت فقال بيتي وقال رسول من الرسل خليلي وأشباه ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر. أقول: لما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب ويفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن جعل تعليقه بالبدن نفخا فهو تمثيل لما به تحصل الحياة وذلك لأن الروح ليس من عالم الحس والشهادة وإنما هو من عالم الملكوت والغيب والبدن بمنزلة قشر وغلاف وقالب له وإنما حيوته به وهو الخلق الاخر المشار إليه بقوله سبحانه ثم أنشأناه خلقا آخر أي خلقا لا يشبه هذا الخلق. العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن الروح فقال هي من قدرته من الملكوت ومما يدل على ذلك ما سبق من الأخبار في سورة آل عمران عند قوله سبحانه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء. وفي البصائر عن الصادق عليه السلام مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا اخرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به وقال إن الأرواح لا تمازج البدن ولا
[ 109 ]
تداخله إنما هي كالكلل للبدن محيطة به. وفي الأحتجاج عنه عليه السلام الروح لا توصف بثقل ولا خفة وهي جسم رقيق البس قالبا كثيفا فهي بمنزلة الريح في الزق فإذا نفخت فيه إمتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها ولا ينقصه خروجها وكذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن
قيل أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق قال بل هو باق إلى يوم ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم اعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها وذلك أربعمائة سنة نسيت فيها الخلق وذلك بين النفختين. وقال عليه السلام أيضا إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيئ في ضيق وظلمة والبدن يصير ترابا الحديث. وروى إنه قال وبها يؤمر البدن وينهى ويثاب ويعاقب وقد تفارقه ويلبسها الله سبحانه غيره كما تقتضيه حكمته قوله عليه السلام وقد تفارقه ويلبسها الله غيره صريح في أنها مفارقة عن البدن مستقلة وأن ليس المراد بها الروح البخاري وأما اطلاق الجسم عليها فلأن نشأة الملكوت أيضا جسمانية من حيث الصورة وإن كانت روحانية من جهة المعنى غير مدركة بهذه الحواس وأما قوله فهي بمنزلة الريح في الزق فهي تمثيل لما به يحصل الحيوة وبيان لمعنى نفخها في البدن كما مرت الأشارة إليه آنفا. وليعلم أن الأرواح متعددة في بدن الأنسان ويزيد عددها بزيادة صاجها في الفضل والشرف كما إستفاض به الأخبار عن الأئمة الأطهار ففي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه جاء رجل إليه فقال يا أمير المؤمنين إن اناسا زعموا أن العبد لا يزني وهو مؤمن ولا يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي ويدعو دعائي ويناكحني واناكحه ويوارثني واوارثه وقد خرج من الأيمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال أمير المؤمنين عليه السلام صدقت (1) سمعت
1 - بيان صدقت على البناء للمفعول أي صدقوك فيما زعموا وليس بالذي يخرج من دين الله ان قيل قد ثبت ان = (*)
[ 110 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول والدليل عليه كتاب الله خلق الله عز وجل الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث (1) منازل وذلك قول الله عز وجل في الكتاب أصحاب الميمنة
وأصحاب المشأمة والسابقون فأما ما ذكره من أمر (2) السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح روح القدس وروح الأيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين وبها علموا الأشياء وبروح الأيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم وبروح الشهوة أصابوا الذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شواب [ شباب ] النساء وبروح البدن دبوا ودرجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم قال قال الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ثم قال في جماعتهم وأيدهم بروح منه يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم جعل الله فيهم أربعة أرواح روح الأيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى يأتي عليه حالات فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات فقال أما اوليهن فهو كما قال الله عز وجل ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا فهذا ينتقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلوة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار ولا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الأيمان وليس يضره شيئا ومنهم من ينتقص
= الانسان انما يبعث على ما مات عليه فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا قلت لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا فلما رال ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم تحصل له المعرفة اصلا فانه ليس في ذاته شئ ليبرز له (وافي). 1 - ثلاث منارل عبارة عن ثلاث مراتب مذكورة للارواح الثلاثة وحاصل الجواب ان مرتكب الكبيرة بدون الاصرار ليس داخلا في اصحاب المشأمة فان المذكور في مرتبتهم انهم يصرون على الحنث العظيم فهم داخلون في اصحاب الميمنة.
2 - امر بفتح الميم وتشديد المهملة أي أقوى وأعقل مأخوذة من المرة بالكسر وهي القوة وشدة العقل. (*)
[ 111 ]
منه روح القوة ولا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها ولم يقم ويبقى روح البدن فيه فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لأن الله عز وجل هو الفاعل به وقد يأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فتشجعه روح القوة ويزين له روح الشهوة ويقوده روح البدن حتى يوقعه في الخطيئة فإذا لامسها نقص من الأيمان وتفصى منه فليس يعود فيه حتى يتوب فإذا تاب تاب الله عليه وإن عاد أدخله الله نار جهنم فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عز وجل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعرفون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والولاية في التوراة والأنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك إنك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الأيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال إن هم كالانعام لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن فقال السائل أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين. وروي عن كميل بن زياد أنه قال سألت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عليا فقلت يا أمير المؤمنين اريد أن تعرفني نفسي قال يا كميل وأي الأنفس تريد أن اعرفك قلت يا مولاي هل هي إلا نفس واحدة قال يا كميل إنما هي أربعة النامية النباتية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الألهية ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد والحسية الحيوانية لها خمس قوى
سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة والكلية الألهية لها خمس
[ 112 ]
قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه هي التي مبدؤها من الله وإليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل. (30) فسجد الملائكة كلهم أجمعون. (31) إلا إبليس أبى أن يكون مع السجدين. (32) قال يا إبليس مالك أن لا تكون مع السجدين. (33) قال لم أكن لاسجد لا يصح مني وينافي حالي وأنا ملك روحاني أن أسجد لبشر جسماني كثيف خلقته من صلصال من حمإ مسنون وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها غرته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقة النار واستوهن خلق الصلصال وقد سبق جوابه في سورة الأعراف مع كلمات اخر. (34) قال فاخرج منها من المنزلة التي أنت عليها في السماء وزمرة الملائكة فإنك رجيم مطرود من الخير والكرامة وقد سبق في معنى الرجيم حديث في الأستعاذة. (35) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين فإنه منتهى أمد اللعن. (36) قال رب فانظرني فأمهلني إلى يوم يبعثون أراد أن يجد فسحة في الأغواء ونجاة من الموت وقد سبق في سببه حديث في سورة الأعراف. (37) قال فإنك من المنظرين. (38) إلى يوم الوقت المعلوم. في العلل عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال يوم الوقت المعلوم يوم
ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى والثانية. والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عنه فقال اتحسب أنه يوم يبعث فيه الناس إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم.
[ 113 ]
والقمي عنه عليه السلام قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصخرة التي في بيت المقدس. أقول: يعني عند الرجعة. (39) قال رب بما أغويتني بسبب إغوائك إياي وهو تكليفه إياه بما وقع في الغي لازينن لهم المعاصي في الارض ولاغوينهم أجمعين. (40) إلا عبادك منهم المخلصين الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب فلا يعمل فيهم كيدي وقرئ بكسر اللام أي الذين أخلصوا نفوسهم لك. (41) قال هذا صراط علي أي هذا طريق حق علي أن اراعيه مستقيم لا إنحراف عنه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي المخلصين وقرئ علي على وزن فعيل بالرفع. ونسبها في المجمع إلى الصادق عليه السلام ويفسر بعلو الشرف. وفي الكافي عنه عليه السلام هذا صراط علي مستقيم وهذا يحتمل الأضافة أيضا. والعياشي عن السجاد عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام. (42) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (1) بيان
لما أجمله العياشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلم أنه سئل عن تفسيره فقال قال الله إنك لا تملك أن تدخلهم جنة ولا نارا. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والله ما أراد بهذا إلا الأئمة وشيعتهم. والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه. (43) وإن جهنم لموعدهم أجمعين لموعد الغاوين المتبعين (2)
1 - لانه إذا قبل منه صار له عليه سلطان بعدوله عن الهدى الى ما يدعوه إليه من اتباع الهوى وقيل ان الاستثناء منقطع والمراد لكن من اتبعك من الغاوين جعل لك على نفسه سلطانا. 2 - أي موعد إبليس ومن تبعه. (*)
[ 114 ]
القمي عن الباقر عليه السلام وقوفهم على الصراط. (44) لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم. القمي قال يدخل في كل باب أهل ملة. وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام إن للنار سبعة أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون وباب يدخل منه المشركون والكفار ومن لم يؤمن بالله طرفة عين وباب يدخل منه بنو امية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد وهو باب لظى وهو باب سعير وهو باب الهاوية يهوي بهم سبعين خريفا فكلما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا ثم هوى بهم هكذا سبعين خريفا فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلدين وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وأنه لأعظم الأبواب وأشدها حرا ثم قال والباب الذي يدخل منه بنو امية هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار فيه حطما لا يسمع لهم واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون. وعن أمير المؤمنين عليه السلام سبعة أبواب النار مطابقات. وفي المجمع عنه عليه السلام إن جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق
بعض ووضع إحدى يديه على الاخرى فقال هكذا وإن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية وقال وفي رواية أسفلها الهاوية وأعلاها جهنم. والقمي سبع درجات ثم ذكر تفصيلها مبسوطا بنحو آخر ولم يذكر أصحابها. (45) إن المتقين في جنات وعيون. (46) ادخلوها بسلم آمنين على إرادة القول. (47) ونزعنا ما في صدورهم من غل.
[ 115 ]
القمي العداوة إخوانا على سرر متقبلين. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنتم والله الذين قال الله ونزعنا ما في صدورهم الاية وفي رواية والله ما اراد بهذا غيركم. (48) لا يمسهم فيها نصب تعب وعناء وما هم منها بمخرجين فإن تمام النعمة بالخلود. (49) نبئ عبادي أنى أنا الغفور الرحيم. (50) وأن عذابي هو العذاب الاليم فارجوا رحمتي وخافوا عذابي. (51) ونبئهم عن ضيف إبرهيم. (52) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما نسلم عليك سلاما قال إنا منكم وجلون خائفون وذلك لأنهم امتنعوا عن الأكل كما سبق في سورة هود. (53) قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم. العياشي عن الباقر عليه السلام الغلام العليم هو إسماعيل من هاجر. وعن الصادق عليه السلام فمكث إبراهيم عليه السلام بعد
البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله بإسمعيل مرة بعد اخرى بعد ثلاث سنين. (54) قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه فبم تبشرون فإنه مما لا يتصور وقوعه عادة. (55) قالوا بشرناك بالحق بما يكون لا محالة يقينا فلا تكن من القانطين من الايسين من ذلك فإنه تعالى قادر عليه فإنه كما يفعل بالأسباب الجلية يفعل بالأسباب الخفية. (56) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون أي المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال قدرته وقرئ يقنط بكسر النون. (57) قال فما خطبكم بعد البشارة أيها المرسلون.
[ 116 ]
(58) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يعني قوم لوط إنهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين كذا في العلل والعياشي عن الباقر عليه السلام. وفي العلل عنه عليه السلام قال ولم يزل لوط وإبراهيم عليهما السلام يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط وكانت لإبراهيم عليه السلام ولوط منزلة من الله عز وجل شريفة وأن الله عز وجل كان إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته مودة إبراهيم عليه السلام وخلته ومحبة لوط فيراقبهم فيؤخر عذابهم قال فلما اشتد أسف الله على قوم لوط وقدر عذابهم وقضى أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلي به مصابه بهلاك قوم لوط فبعث الله رسلا إلى إبراهيم عليه السلام يبشرونه باسمعيل فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سراقا فلما رأته الرسل فزعا مذعورا قالوا سلاما قال سلام إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا رسل ربك نبشرك بغلام عليم قال والغلام العليم هو اسمعيل من هاجر فقال إبراهيم عليه السلام للرسل أبشرتموني على أن مسنى الكبر الايات.
والعياشي عنه عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى لما قضى عذاب قوم لوط وقدره أحب أن يعوض إبراهيم عليه السلام من عذاب قوم لوط بغلام عليم يسلي به مصابه بهلاك قوم لوط الحديث كما ذكر. (59) إلا آل لوط إنا لمنجوهم وقرئ بالتخفيف أجمعين. (60) إلا امرأته قدرناها وقرئ بالتخفيف إنها لمن الغابرين الباقين مع الكفرة لتهلك معهم. العياشي عن الصادق عليه السلام يا ويح القدرية إنما يقرؤون هذه الاية إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ويحهم من قدرها إلا الله تبارك وتعالى. (61) فلما جاء آل لوط المرسلون. (62) قال إنكم قوم منكرون تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشر.
[ 117 ]
(63) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون من عذاب الله. (64) وأتيناك بالحق لتنذر قومك بالعذاب وإنا لصادقون. (65) فأسر سر ليلا بأهلك يالوط بقطع من اليل إذا مضى نصف الليل واتبع أدبارهم وكن على أثرهم لتكون عينا عليهم فلا يتخلف أحد منهم ولا يلتفت منكم أحد إلى ما ورآه وامضوا حيث تؤمرون حيث أمرتم بالذهاب إليه. (66) وقضينا إليه إلى لوط ذلك الامر منهم يفسره ما بعده أن دابر هؤلاء آخرهم مقطوع يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد مصبحين داخلين في الصبح. (67) وجاء أهل المدينة مدينة سدوم يستبشرون بأضياف لوط طمعا فيهم. (68) قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون بفضيحة ضيفي فإن من أسى إلى
ضيفه فقد أسى إليه. (69) واتقوا الله في ركوب الفاحشة ولا تخزون ولا تذلوني من الخزي بمعنى الهوان أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء. (70) قالوا أو لم ننهك عن العالمين قد سبق عن الباقر عليه السلام إن المراد به النهي عن ضيافة الناس وإنزالهم. (71) قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين قد سبق تفسيره. (72) لعمرك. القمي أي وحياتك يا محمد قال فهذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأنبياء إنهم لفي سكرتهم يعمهون لفي غوايتهم التي أزالت عقولهم يتحيرون فكيف يسمعون النصح. (73) فأخذتهم الصيحة صيحة جبرئيل مشرقين داخلين في وقت شروق الشمس.
[ 118 ]
(74 فجعلنا عاليها عالي قريتهم سافلها وصارت منقلبة بهم وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل من طين متحجر. (75) إن في ذلك لايات للمتوسمين للمتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشئ بسمته. (76) وإنها قيل وإن آثارها لبسبيل مقيم ثابت يسلكه الناس ولم يندرس بعدوهم يبصرون تلك الاثار وهو تنبيه لقريش كقوله وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وفي المجمع قد صح عن النبي عليه السلام أنه قال إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقال إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ثم قرأ هذه الاية. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في
قوله تعالى إن في ذلك لايات للمتوسمين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتوسم وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون. وفيه والعياشي عنه عليه السلام في هذه الاية قال هم الأئمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله في هذه الاية. وعن الصادق أنه سئل عن هذه الاية فقال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم. وزاد القمي والسبيل طريق الجنة وعنه عليه السلام وإنها لبسبيل مقيم قال لا يخرج منا أبدا. وفي البصائر عن الباقر عليه السلام ليس مخلوق إلا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس مجوبا عن الأئمة عليهم السلام من آل محمد صلوات الله عليهم ثم ليس يدخل عليهم أحد إلا عرفوه مؤمن أو كافر ثم تلا هذه الاية. وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين
[ 119 ]
يديه أحد من خلق الرحمان إلا عرفه صالح هو أم طالح وفيه آيات للمتوسمين وهو السبيل المقيم، والعياشي عنه عليه السلام في الأمام عليه السلام آية للمتوسمين وهو السبيل المقيم ينظر بنور الله وينطق عن الله لا يعزب عنه شئ مما أراد. (77) إن في ذلك لاية للمؤمنين. (78) وإن كان وإنه كان أصحب الايكة يعني الغيضة وهي الشجرة المتكاثفة لظالمين هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعث الله إليهم فكذبوه فاهلكوا بالظلة. (79) فانتقمنا منهم بالأهلاك وإنهما يعني سدوم والأيكة لبإمام مبين
لبطريق واضح يؤم ويتبع ويهتدي. (80) ولقد كذب أصحب الحجر المرسلين يعني ثمود كذبوا صالحا والحجر واديهم وهو ما بين المدينة والشام وكانوا يسكنونها. (81) وآتيناهم آياتنا كالناقة وسقيها وشربها ودرها فكانوا عنها معرضين. (82) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين من الأنهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لفرط غفلتهم. (83) فأخذتهم الصيحة مصبحين. (84) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من بناء البيوت الوثيقة وإستكثار الأموال والعدد. (85) وما خلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق فلا يلائم استمرار الفساد ودوام الشر فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض وإن الساعة لاتية فينتقم الله لك فيها ممن يكذبك فاصفح الصفح الجميل. في العيون عن الرضا عليه السلام يعني العفو من غير عتاب. (86) إن ربك هو الخلق الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم العليم
[ 120 ]
بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل إليه ليحكم بينكم. (87) ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم المثاني من التثنية أو الثناء. في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم فافرد الأمتنان علي بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم.
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم إنما سميت المثاني لأنها تثني في الركعتين وعن أحدهما عليهما السلام إنه سئل عنها فقال فاتحة الكتاب يثنى فيها لقول. وكذا في المجالس عن السجاد عليه السلام. وفي المجمع عن علي والباقر والصادق عليهم السلام. والقمي إنها الفاتحة وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعطيت السور الطوال مكان التوراة واعطيت المئين مكان الأنجيل واعطيت المثاني مكان الزبور. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل زاد الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم. وفي التوحيد والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا قال الصدوق (طاب ثراه) قوله نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا وأخبر امته إنا لا نفرق حتى نرد حوضه.
[ 121 ]
أقول: لعلهم عليهم السلام إنما عدوا سبعا باعتبار أسمائهم فإنها سبعة وعلى هذا فيجوز أن يجعل المثاني من الثناء وأن يجعل من التثنية باعتبار تثنيتهم مع القرآن وأن يجعل كناية عن عددهم الأربعة عشر بأن يجعل نفسه واحدا منهم بالتغاير الأعتباري بين المعطي والمعطى له. (88) لا تمدن عينيك لا تطمح ببصرك طموح راغب إلى ما متعنا به أزواجا
منهم أصنافا من الكفار فإنه مستحقر في جنب ما اوتيته ولا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا فيتقوى بهم الأسلام وأهله واخفض جناحك للمؤمنين وتواضع لمن معك من المؤمنين وارفق بهم وطب نفسا عن إيمان الأغنياء والأقوياء. في الكافي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اوتي القرآن فظن إن أحدا من الناس اوتي أفضل مما اوتي فقد عظم ما حقر الله وحقر ما عظم الله. والقمي عنه عليه السلام لما نزلت هذه الاية لا تمدن عينيك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يتعز (2) بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ومن رمي ببصره ما في يدي غيره كثر همه ولم يشف غيظه ومن لم يعلم أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ومن أصبح على الدنيا حزينا أصبح على الله ساخطا ومن شكا مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه ومن دخل النار من هذه الامة ممن قرأ القرآن فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا ومن أتى ذا ميسرة فتخشع له طلب ما في يديه ذهب ثلثا دينه وفي المجمع كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينظر إلى ما يستحسن من الدنيا. (89) وقل إنى أنا النذير المبين انذركم ببيان وبرهان إن عذاب الله نازل بكم إن لم تؤمنوا وابين لكم ما تحتاجون إليه وما أرسلت به إليكم.
1 - العزاء ممدودا الصبر يقال عزى يعزى من باب تعب صبر على ما نابه واراد بالتعزي بعزاء الله التصبر والتسلي عند المصيبة وشعاره ان يقول انا لله وانا إليه راجعون ومعنى بعزاء الله بتعزية الله اياه فاقام الاسم مقام المصدر م. (*)
[ 122 ]
(90) كما أنزلنا على المقتسمين. (91) الذين جعلوا القرآن عضين قيل أي أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على اليهود والنصارى الذين جعلوا القرآن أجزاء وأعضاء وقالوا العنادهم بعضه حق موافق
للتوراة والأنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وقيل مثل العذاب الذي أنزلنا عليهم. والقمي قال قسموا القرآن ولم يؤلفوه على ما أنزله الله والعياشي عنهما عليهما السلام إنهما سئلا عن هذه الاية فقالا هم قريش وعن أحدهما عليهما السلام في الذين أبرزوا القرآن عضين قالوا هم قريش. (92) فوربك لنسألنهم أجمعين. (93) عما كانوا يعملون فيجازيهم عليه. (94) فاصدع بما تؤمر فاجهر به وأظهره. العياشي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال نسختها فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين فلا تلتفت إلى ما يقولون. (95) إنا كفيناك المستهزئين بقمعهم وإهلاكهم. (96) الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون عاقبة أمرهم في الدارين. في الأكمال عن الصادق عليه السلام إكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره وعلي عليه السلام معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما امر فظهر فأظهر أمره قال وفي خبر آخر ثلاث سنين. والعياشي عنه عليه السلام قال إكتتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة سنين ليس يظهر وعلي عليه السلام معه وخديجة ثم أمره الله أن يصدع بما يؤمر فظهر فجعل يعرض نفسه على قبايل العرب فإذا أتاهم قالوا كذاب إمض عنا.
[ 123 ]
والقمي نزلت بمكة بعد أن نبئ رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاث سنين وذكر الحديث بأبسط مما في الأكمال قال وكان المستهزؤون برسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم خمسة الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحرث بن طلاطلة الخزاعي. والعياشي عن الباقر عليه السلام قال كان المستهزؤون خمسة من قريش وذكر هؤلاء ثم قال فلما قال الله إنا كفيناك المستهزئين علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه قد أخزاهم فأماتهم الله بشر ميتة. وفي الأحتجاج عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام في حديث فأما المستهزؤن فقال الله إنا كفيناك المستهزئين فقتل الله خمستهم كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد فأما الوليد بن المغيرة فمر بنبل الرجل من خزاعة قد راشه (1) ووضعه في الطريق فأصابه شظية (2) منه فقطع أكحله (3) حتى أدماه فمات وهو يقول قتلني رب محمد وأما العاص بن وائل السهمي فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة فمات وهو يقول قتلني رب محمد وأما الأسود ابن عبد يغوث فإنه خرج يستقبل إبنه زمعة فاستظل بشجرة فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة فقال لغلامه إمنع هذا عني فقال ما أرى أحدا يصنع بك شيئا إلا نفسك فقتله وهو يقول قتلني رب محمد وأما الأسود بن المطلب فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عليه أن يعمى بصره وأن يثكله ولده فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع فأتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي وبقي حتى أثكله الله ولده وأما الحرث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا فرجع إلى أهله فقال أنا الحرث فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول قتلني رب محمد.
1 - راش السهم يريشه الزق عليه الريش كريشه ق. 2 - والشظية القوس وعظم الساق وكل فلقة من شئ. قاموس. 3 - والاكحل عرق في وسط الذراع يكثر فصده. نهاية. أو عرق الحياة ق. (*)
[ 124 ]
قال وروي أن الأسود بن عبد يغوث أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب الماء حتى إنشقت بطنه فمات وهو يقول قتلني رب محمد كل ذلك في ساعة واحدة وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم فأتاه جبرئيل عليه السلام عن الله من ساعته فقال يا محمد السلام يقرأ عليك السلام وهو يقول فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين يعني أظهر أمرك لأهل مكة وادعهم إلى الأيمان قال يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني قال له إنا كفيناك المستهزئين قال يا جبرئيل كانوا الساعة بين يدي قال قد كفيتهم فأظهر أمره عند ذلك. والقمي بعد ما ذكر المستهزئين وكيفية كفايتهم قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام على الحجر فقال يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله آمركم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكوا به العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة فاستهزؤوا منه وقالوا جن محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب. (97) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون من تكذيبك والطعن فيك وفي القرآن. في الكافي عن الصادق عليه السلام يعني فيما يذكره في فضل وصيه. (98) فسبح بحمد ربك وكن من السجدين فافزع إلى الله فيما نابك بالتسبيح والتحميد والصلاة يكفك الهم ويكشف عنك الغم. في الكافي عن الصادق عليه السلام عليك بالصبر في جميع امورك فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بالصبر والرفق فصبر حتى نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره فأنزل الله عز وجل ولقد نعلم أنك يضيق صدرك
الاية.
[ 125 ]
وفي المجمع كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أحزنه أمر فزع إلى الصلوة. (99) واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ودم على عبادة ربك حتى يأتيك الموت يعني ما دمت حيا وفضل قراءة هذه السورة سبق في آخر سورة إبراهيم عليه السلام.
[ 126 ]
سورة النحل أربعون آية من أولها مكية والباقي من قوله (والذين هاجروا في الله) إلى آخر السورة مدنية وقيل مكية كلها غير ثلاث آيات (وإن عاقبتم) إلى آخر السورة عدد آياتها مأة وثمان وعشرون آية. بسم الله الرحمن الرحيم (1) أتى أمر الله فلا تستعجلوه قيل كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قيام الساعة وإهلاك الله إياهم كما فعل يوم بدر استهزاءا وتكذيبا ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت والمعنى إن الأمر الموعود به بمنزلة الاتي المتحقق من حيث أنه واجب الوقوع فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم عنه. القمي قال نزلت لما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزل عليهم العذاب فأنزل الله أتى أمر الله فلا تستعجلوه. والعياشي عن الصادق عليه السلام إذا أخبر الله إن شيئا كائن فكأنه قد كان سبحانه (1) وتعالى عما يشركون تبرأ وجل أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم وقرئ بالتاء
1 - هذه كلمة تنزيه لله تعالى عما لا يليق به وبصفاته وتنزيه له من ان يكون له شريك في عبادته اي جل وتقدس وتنزه من ان يكون له شريك تعالى وتعظم وارتفع من جميع صفات النقص. (*)
[ 127 ]
(2) ينزل الملائكة بالروح بما يحيى به القلوب الميتة بالجهل من الوحي والقرآن. القمي يعني بالقوة التي جعلها الله فيهم. وعن الباقر عليه السلام يقول بالكتاب والنبوة وقرئ ينزل من أنزل وينزل على المبني للمفعول والتشديد من أمره من ملكوته على من يشآء من عباده. في البصائر عن الباقر عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية فقال جبرئيل الذي نزل على الأنبياء والروح يكون معهم ومع الأوصياء لا يفارقهم يفقههم ويسددهم من عند الله. الحديث. ويأتي كلام آخر في الروح في سورة بني إسرائيل إن شاء الله وقد سبق تمام تحقيقه في سورة الحجر أن أنذروا بأن اعلموا من أنذرت بكذا إذا أعلمته أنه لا إله إلا أنا فاتقون. (3) خلق السموت والارض بالحق تعالى عما يشركون. (4) خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين. القمي قال خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا. (5) والانعام الأزواج الثمانية خلقها لكم فيها دف ء. القمي ما تستدفئون به مما يتخذ من صوفها ووبرها ومنافع نسلها ودرها وظهورها وإثارة الأرض وما يعوض بها ومنها تأكلون أي تأكلون مما يؤكل منها كاللحوم والشحوم والألبان. (6) ولكم فيها جمال زينة حين تريحون تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي وحين تسرحون تخرجونها بالغداة إلى المرعى فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين
ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأ البطون حافلة الضروع ثم تأوى إلى الحظاير حاضرة لأهلها. (7) وتحمل أثقالكم أحمالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إن لم تكن فضلا عن
[ 128 ]
أن تحملوها على ظهوركم إليه إلا بشق الانفس إلا بكلفة ومشقة إن ربكم لرؤف رحيم حيث رحمكم بخلقها لأنتفاعكم بها وسهولة الأمر عليكم. (8) والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون. القمي قال العجائب التي خلقها الله في البر والبحر. (9) وعلى الله قصد السبيل هداية الطريق المستقيم الموصل إلى الحق ونحوه إن علينا للهدى ومنها جائر حائد عن القصد ولو شاء لهديكم أجمعين إلى القصد. (10) هو الذى أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر ومنه يكون نبات فيه تسيمون ترعون مواشيكم. (11) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون فيستدلون بها على عظمة خالقها وكمال قدرته وحكمته وقرئ ننبت بالنون. (12) وسخر لكم اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم بأن هيأها لمنافعكم مسخرات بأمره وقرئ برفع النجوم ومسخرات وبرفع الشمس والقمر أيضا إن في ذلك لايات لقوم يعقلون جمع الايات هنا وذكر العقل دون الفكر لأن في الاثار العلوية أنواعا من الدلالة ظاهرة للعقلاء على عظمة الله. (13) وما ذرأ لكم في الارض وسخر لكم ما خلق لكم في الأرض من حيوان ونبات ومعدن مختلفا ألوانه أي أصنافه فإنها تتخالف باللون غالبا إن في ذلك لاية لقوم يذكرون.
(14) وهو الذى سخر لكم البحر ذلله بحيث تتمكنون من الأنتفاع به بالركوب والأصطياد والغوص لتأكلوا منه لحما طريا هو السمك وتستخرجوا منه حلية تلبسونها (1) كاللؤلؤ والمرجان وترى الفلك السفن مواخر فيه جواري فيه تشقه بحيازيمها من المخر
1 - أي يتزينون بها وتلبسونها نساءكم ولولا تسخيره سبحانه ذلك لما قدرتم على الدنو منه والغوص فيه. م ن. (*)
[ 129 ]
وهو شق الماء وقيل صوت جري الفلك ولتبتغوا من فضله من سعة رزقه بركوبها للتجارة ولعلكم تشكرون أي تعرفون نعمة الله فتقومون بحقها. (15) وألقى في الارض رواسي جبالا ثوابت أن تميد بكم كراهة أن تميل بكم وتضطرب. في الخصال عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار فخرت وزخرت وقالت أي شئ يغلبني فخلق الله الفلك فأدارها به وذللها ثم إن الأرض فخرت وقالت أي شئ يغلبني فخلق الله الجبال فاثبتها في ظهرها أوتادا منعها من أن تميد بما عليها فذلت الأرض واستقرت. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الله جعل الأئمة عليهم السلام أركان الأرض أن تميد بأهلها. وفي الأكمال عن الباقر عليه السلام لو أن الأمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله وأنهارا وجعل فيها أنهارا وسبلا لعلكم تهتدون إلى مقاصدكم. (16) وعلامات هي معالم الطرق وكل ما يستدل به المارة من جبل وسهل وغير ذلك وبالنجم هم يهتدون بالليل في البراري والبحار. في الكافي والمجمع والقمي والعياشي في أخبار كثيرة عنهم عليهم السلام نحن العلامات والنجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنجم هم يهتدون هو الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر. وعن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال ظاهر وباطن الجدي يبني عليه القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر لأنه لا يزول.
[ 130 ]
أقول: يعني معناه الظاهر الجدي والباطن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. (17) أفمن يخلق كمن لا يخلق يعني الأصنام أفلا تذكرون فتعرفوا فساد ذلك. (18) وإن تعدوا (1) نعمة الله لا تحصوها لا تضبطوا عددها فضلا أن تطيقوا القيام بشكرها إن الله لغفور حيث يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكرها رحيم لا يقطعها لتفريطكم فيه ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها. (19) والله يعلم ما تسرون وما تعلنون من عقايدكم وأعمالكم وهو وعيد. (20) والذين يدعون من دون الله والالهة الذين تعبدونهم من دونه وقرئ تدعون بالتاء لا يخلقون شيئا وهم يخلقون. (21) أموات (2) غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ولا يعلمون وقت بعثهم أو بعث عبدتهم فكيف يكون لهم وقت جزاء على عبادتهم. (22) إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالاخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون. (23) لا جرم حقا أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون فيجازيهم وهو وعيد إنه لا يحب المستكبرين.
القمي والعياشي عن الباقر عليه السلام لا يؤمنون بالاخرة يعني بالرجعة قلوبهم منكرة يعني كافرة وهم مستكبرون يعني عن ولاية علي عليه السلام إنه لا يحب المستكبرين يعني عن ولاية علي عليه السلام.
1 - معناه وان اردتم تعداد نعم الله سبحانه عليكم ومعرفة تفاصيلها لم يمكنكم احصاؤها ولا تعديدها وانما يمكنكم ان تعرفوا مجملها. من. 2 - اكد كونها امواتا بقوله غير احياء لنفي الحياة عنها على الاطلاق فان من الاموات من سبقت له حالة في الحياة وله حالة منتظرة من الحياة بخلاف الاصنام فانه ليس لها حياة سابقة ولا منتظرة وقال اموات ولم يقل موات وان كان الاموات جمع الميت الذي كان فيه حياة فزالت لانهم صوروا الاصنام على صور العقلاء وهيأتهم وعاملوها معاملة العقلاء تسمية واعتقادا ولذلك قال لا يخلقون شيئا وهم يخلقون مجمع البيان. (*)
[ 131 ]
والعياشي مر الحسين بن علي عليهما السلام على مساكين قد بسطوا كساء لهم وألقوا كسرا فقالوا هلم يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فثنى وركه فأكل معهم ثم تلا إن الله لا يحب المستكبرين. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام من ذهب يرى أن له على الاخر فضلا فهو من المستكبرين فقيل إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا بالمعاصي فقال هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف تحاسب أما تلوت قصة سحرة موسى عليه السلام. (24) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الاولين أحاديث الأولين وأباطيلهم. (25) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون أي قالوا ذلك إضلالا للناس وصدا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحملوا أوزار ضلالتهم كاملة وبعض أوزار من أضلوهم لأن الضال والمضل شريكان هذا
يضله وهذا يطاوعه على إضلاله بغير علم يعني يضلون من لا يعلم أنهم ضلال وإنما لم يعذر الجاهل لأن عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل. العياشي عن الباقر عليه السلام ماذا أنزل ربكم في علي عليه السلام قالوا أساطير الاولين شجع أهل الجاهلية في جاهليتهم ليحملوا أوزارهم ليستكملوا الكفر يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم يعني كفر الذين يتولونهم. والقمي يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام وآثام كل من اقتدى بهم وهو قول الصادق عليه السلام والله ما اهريقت محجمة من دم ولا قرع عصا بعصا ولا غصب فرج حرام ولا أخذ مال من غير حله إلا وزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص عن أوزار العاملين شئ. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل اجورهم من غير أن ينقص من اجورهم شئ وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع عليه فإن عليه مثل أوزار من تبعه من غير أن ينقص من أوزارهم.
[ 132 ]
(26) قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد من الأساطين التي بنوا عليها فخر عليهم السقف من فوقهم هذا تمثيل لاستيصالهم بمكرهم والمعنى أنهم سووا منصوبات ليمكروا الله بها فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين فأتى البنيان من جهة الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا ومن أمثالهم من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا والمراد بإتيان الله إتيان أمره من القواعد أي من جهة القواعد وأتهم العذاب من حيث لا يشعرون لا يحتسبون ولا يتوقعون وفي الجوامع والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه قرأ فأتى الله بيتهم وزاد العياشي يعني بيت مكرهم. وعن الباقر عليه السلام كان بيت غدر يجتمعون فيه إذا أرادوا الشر.
والقمي عنه عليه السلام بيت مكرهم أي ماتوا فألقاهم الله في النار قال وهو مثل لأعداء آل محمد صلوات الله عليهم. وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث فإتيانه بنيانهم من القواعد إرسال العذاب. (27) ثم يوم القيمة يخزيهم يذلهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم تعادون المؤمنين وتخاصمونهم في شأنهم وقرئ بكسر النون أي تشاققونني لأن مشاقة المؤمنين مشاقة الله قال الذين أوتوا العلم أي الأنبياء والعلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد فيشاقونهم ويتكبرون عليهم إن الخزى اليوم والسوء الذلة والعذاب على الكفرين إظهارا للشماتة وزيادة في الأهانة. القمي الذين أوتوا العلم الأئمة عليهم السلام يقولون لأعدائهم أين شركاؤكم ومن أطعتموهم في الدنيا. (28) الذين تتوفيهم الملائكة أي ملائكة العذاب كما سبق بيانه في سورة النساء عند نظير هذه الاية وقرئ بالياء ظالمي أنفسهم بأن عرضوها للعذاب المخلد فألقوا السلم فسالموا وأخبتوا حين عاينوا الموت ما كنا نعمل من سوء جحدوا ما وجد
[ 133 ]
منهم من الكفر والعدوان في الدنيا بلى رد عليهم اولو العلم إن الله عليم بما كنتم تعملون فهو يجازيكم عليه وهذا ايضا من الشماتة وكذلك. (29) فادخلوا أبواب جهنم كل صنف بابها المعد له خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين جهنم. (30) وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا أطبقوا الجواب على السؤال معترفين بالأنزال بخلاف الجاحدين إذ قالوا أساطير الاولين وليس من الأنزال في شئ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة مكافأة في الدنيا ولدار الاخرة خير أي
ولثوابهم في الاخرة خير منها وهو عدة للذين إتقوا ويجوز أن يكون بما بعده من تتمة كلامهم بدلا وتفسيرا لخير ولنعم دار المتقين. (31) جنات عدن إقامة وخلود يدخلونها تجرى من تحتها الانهار لهم فيها ما يشاؤن من أنواع المشتهيات وقد مضى في شأن جنات عدن أخبار في سورة التوبة كذلك يجزى الله المتقين. في الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام عليكم بتقوى الله فإنها تجمع الخير ولا خير غيرها ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا والاخرة قال الله عز وجل وقيل للذين اتقوا وتلا هذه الاية. والعياشي عن الباقر عليه السلام ولنعم دار المتقين. (32) الذين تتوفهم الملائكة أي ملائكة الرحمة كما سبق بيانه في سورة النساء طيبين ببشارة الملائكة إياهم بالجنة يقولون سلام عليكم سلامة لكم من كل سوء ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. القمي في قوله طيبين قالوا هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم وفي الأمالي عن أمير المؤمنين عليه السلام ليس من أحد من الناس يفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلين يصير إلى الجنة أم النار أعدو هو لله أو ولي فإن كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة وشرع له طرقها ونظر إلى ما أعد الله له فيها ففرغ من كل شغل ووضع عنه كل ثقل وإن كان عدوا لله فتحت له أبواب النار وشرع له طرقها ونظر إلى ما أعد
[ 134 ]
الله له فيها فاستقبل كل مكروه ونزل كل شرور وكل هذا يكون عند الموت وعنده يكون بيقين قال الله تعالى الذين تتوفهم الملائكة ظالمي أنفسهم الاية. (33) هل ينظرون هل ينتظر الذين لا يؤمنون بالاخرة إلا أن تأتيهم الملائكة ملائكة العذاب لقبض أرواحهم وقرئ بالياء أو يأتي أمر ربك.
القمي من العذاب والموت وخروج القائم عليه السلام كذلك مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله بتدميرهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بكفرهم ومعاصيهم المؤدية إليه. (34) فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن وأحاط بهم جزاؤه والحيق لا يستعمل إلا في الشر. القمي ما كانوا به يستهزؤون من العذاب في الرجعة. (35) وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم أشركوا بالله وحرموا ما أحل الله وارتكبوا ما حرم الله فلما نبهوا على قبح أعمالهم نسبوها إلى الله وقالوا لو شاء الله لم نفعلها فهل على الرسل إلا البلاغ المبين إلا الابلاغ الموضح للحق. (36) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله وفقهم للأيمان لكونهم من أهل اللطف ومنهم (1) من حقت عليه الضلالة إذ خذلهم ولم يوفقهم لتصميمهم على الكفر فسيروا في الارض. والعياشي عن الباقر عليه السلام ما بعث الله نبيا قط إلا بولايتنا والبراءة من أعدائنا وذلك قوله تعالى ولقد بعثنا الاية إلى قوله من حقت عليه الضلالة يعني بتكذيبهم والقمي أي في أخبار من هلك قبله فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين من
1 - ومنهم من اعرض عما دعاه إليه الرسول فخذله الله فثبت عليه الضلالة ولزمته فلا يؤمن قط وقيل معناه وجبت عليه الضلالة وهي العذاب والهلاك وقيل معناه ومنهم من حقت عليه عقوبة الضلالة وقد سمى الله سبحانه العقاب ضلالا بقوله ام المجرمين في ضلال وسعر. مجمع البيان. (*)
[ 135 ]
عاد وثمود وغيرهم لعلكم تعتبرون. (37) إن تحرص يا محمد على هديهم فإن الله لا يهدى من يضل من يخذله
وما لهم من ناصرين من ينصرهم. (38) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت قيل يعني الذين أشركوا كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه بلى يبعثهم وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون إنهم يبعثون إما لعدم علمهم بأنه من مواجب الحكمة وإما لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه. (39) ليبين لهم أي يبعثهم ليبين لهم الذى يختلفون فيه وهو الحق وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين فيما كانوا يزعمون. (40) إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وقرئ بفتح النون بيان لأمكان البعث هذا ما قاله المفسرون في تفسير هذه الايات. وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه قال لأبي بصير ما تقول في هذه الاية فقال إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله لا يبعث الموتى قال فقال تبا لمن قال هذا سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى قال قلت جعلت فداك فأوجدنيه قال فقال لي يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قبايع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون بعث فلان وفلان وفلان من قبور وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون يا معشر الشيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة قال فحكى الله قولهم فقال وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت. والقمي عنه عليه السلام إنه قال ما يقول الناس في هذه الاية قيل يقولون نزلت في الكفار قال إن الكفار لا يحلفون بالله وإنما نزلت في قوم من امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم قيل لهم ترجعون بعد الموت قبل يوم القيامة فيحلفون أنهم لا يرجعون فرد الله
[ 136 ]
عليهم فقال ليبين لهم الذى يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين يعني في الرجعة يردهم فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين منهم. والعياشي عنه عليه السلام إنه قال ما يقول الناس في هذه الاية قيل يقولون لا قيامة ولا بعث ولا نشور فقال كذبوا والله إنما ذلك إذا قام القائم وكر معه المكرون فقال أهل خلافكم قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة وهذا من كذبكم تقولون رجع فلان وفلان لا والله لا يبعث الله من يموت ألا ترى أنه قال وأقسموا بالله جهد أيمانهم كانت المشركون أشد تعظيما لللات والعزى من أن يقسموا بغيرها فقال الله بلى وعدا عليه حقا ليبين لهم الذى يختلفون فيه الايات الثلاث. (41) والذين هاجروا في الله في حقه ولوجهه من بعد ما ظلموا قيل لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمهاجرون ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة والمحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه لنبوئنهم في الدنيا حسنة مبأة حسنة وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب ولاجر الاخرة أكبر مما تعجل لهم في الدنيا لو كانوا يعلمون (1). (42) الذين صبروا على أذى الكفار ومفارقة الوطن وعلى ربهم يتوكلون يفوضون إليه الأمر كله. (43) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم رد لقولهم الله أعظم من أن يرسل إلينا بشرا مثلنا وقد سبق بيان الحكمة فيه في سورة الأنعام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولعله اشير إلى مثل ذلك بقوله فاسألوا أهل الذكر يعني وجه الحكمة فيه فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. في الكافي والقمي والعياشي عنهم عليهم السلام في أخبار كثيرة أن رسول الله
1 - أي لو كان الكفار يعلمون ذلك وقيل معناه لو علم المؤمنون تفاصيل ما اعد الله لهم في الجنة لازدادوا سرورا
وحرصا على التمسك بالدين م ن. (*)
[ 137 ]
الذكر وأهل بيته المسؤولون وهم أهل الذكر وزاد في العيون عن الرضا عليه السلام قال الله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله فالذكر رسول الله ونحن أهله. وفي البصائر عن الباقر عليه السلام والكافي عن الصادق عليه السلام الذكر القرآن وأهله آل محمد صلوات الله عليهم وزاد في الكافي أمر الله بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال وسمى الله القرآن ذكرا فقال وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم. وفيه والعياشي عن الباقر عليه السلام إن من عندنا يزعمون أن قول الله فاسئلوا أهل الذكر أنهم اليهود والنصارى قال إذا يدعونكم إلى دينهم ثم قال بيده إلى صدره نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون. وفي العيون عن الرضا عليه السلام مثله وزاد العياشي قال: وقال الذكر القرآن. وفي الكافي عن السجاد عليه السلام على الأئمة من الفرض ما ليس على شيعتهم وعلى شيعتنا ما ليس علينا أمرهم الله أن يسألونا قال فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فأمرهم أن يسألونا وليس علينا الجواب إن شئنا أجبنا وإن شئنا أمسكنا ومثله عن الباقر والرضا عليهما السلام. أقول: المستفاد من هذه الأخبار أن المخاطبين بالسؤال هم المؤمنون دون المشركين وأن المسؤل عنه كل ما أشكل عليهم دون كون الرسل رجالا وهذا إنما يستقيم إذا لم يكن وما أرسلنا ردا للمشركين أو كان فاسألوا كلاما مستأنفا أو كانت الاية مما غير نظمه ولا سيما إذا علق قوله بالبينت والزبر بقوله أرسلنا فإن هذا الكلام بينهما وأما أمر
المشركين بسؤال أهل البيت عن كون الرسل رجالا لا ملائكة مع عدم إيمانهم بالله ورسوله فمما لا وجه له إلا أن يسألوهم عن بيان وجه الحكمة فيه وفيه ما فيه. (44) بالبينت والزبر قيل أي أرسلناهم بالمعجزات والكتب كأنه جواب قائل
[ 138 ]
بم أرسلوا وأنزلنا إليك الذكر أي القرآن كما سبق آنفا سمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه لتبين للناس ما نزل إليهم مما امروا به ونهوا عنه ولعلهم يتفكرون وإرادة أن يتأملوا فيه فيتنبهوا للحقايق والمعارف. (45) أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض كما خسف بقارون أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون بغتة كما فعل بقوم لوط. (46) أو يأخذهم في تقلبهم إذا جاؤوا وذهبوا في متاجرهم وأعمالهم فما هم بمعجزين. (47) أو يأخذهم على تخوف على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون أو على تنقص بأن ينقصهم شيئا بعد شئ في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته. القمي قال على تيقظ وبالجملة هو خلاف قوله من حيث لا يشعرون. والعياشي عن الصادق عليه السلام هم أعداء الله وهم يمسخون ويقذفون ويسيحون في الأرض. وفي الكافي عن السجاد عليه السلام في كلام له في الوعظ والزهد في الدنيا ولا تكونوا من الغافلين المايلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن الله يقول في محكم كتابه أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الارض الاية فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما توعد به القوم الظالمين في الكتاب والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره فإن ربكم لرءوف رحيم
حيث لا يعاجلهم بالعقوبة. (48) أولم يروا إلى ما خلق الله من شئ إستفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنايع فما بالهم لم يتفكروا فيها ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه وقرئ أو لم تروا بالتاء يتفيؤا ظلاله يعني أولم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة وقرئ تتفيؤ
[ 139 ]
بالتاء عن اليمين والشمائل عن إيماننا وشمائلنا وتوحيد بعض وجمع بعض باعتبار اللفظ والمعنى سجدا لله وهم داخرون مستسلمين له منقادين وهم صاغرون لأفعال الله فيها. القمي قال تحويل كل ظل خلقه الله هو سجود لله قيل ويجوز أن يكون المراد بقوله وهم داخرون أن الأجرام أنفسها أيضا داخرة صاغرة منقادة لله سبحانه فيما يفعل فيها وإنما جمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء. (49) ولله يسجد ما في السموت وما في الارض ينقاد من دابة بيان لهما لأن الدبيب هي الحركة الجسمانية سواء كانت في أرض أو سماء والملئكة ممن لا مكان له. والقمي قال الملائكة ما قدر الله لهم تمرون فيه وهم لا يستكبرون عن عبادته. (50) يخافون ربهم من فوقهم يخافونه وهو فوقهم بالقهر وهو القاهر فوق عباده ويفعلون ما يؤمرون. في المجمع قد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لله ملائكة في السماوات السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافة الله لا تقطر من دموعهم قطرة إلا صار ملكا فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا ما عبدناك حق عبادتك قال بعض أهل المعرفة إن أمثال هذه الايات يدل على أن العالم كله في مقام الشهود والعبادة ألا كل مخلوق له قوة التفكر وليس إلا النفوس الناطقة الأنسانية والحيوانية خاصة من حيث أعيان أنفسهم لا من حيث هياكلهم فإن هياكلهم
كساير العالم في التسبيح له والسجود فأعضاء البدن كلها مسبحة ناطقة ألا تراها تشهد على النفوس المسخرة لها يوم القيامة من الجلود والأيدي والأرجل والألسنة والسمع والبصر وجميع القوى فالحكم لله العلي الكبير ويأتي زيادة بيان لهذا المقام في سورة النور إن شاء الله. (51) وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله وحد أكد العدد في الموضعين
[ 140 ]
دلالة على العناية به فإنك لو قلت إنما هو إله لخيل أنك أثبت الألهية لا الوحدانية فاياي فارهبون كأنه قيل ف ءنا هو فإياي فارهبون لا غير. (52) وله ما في السموت والارض خلقا وملكا وله الدين الطاعة واصبا. العياشي عن الصادق عليه السلام قال واجبا أفغير الله تتقون. (53) وما بكم من نعمة فمن الله. القمي النعمة الصحة والسعة والعافية. وعن الصادق عليه السلام من لم يعلم أن لله عليه نعمة إلا في مطعم أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون فما تتضرعون إلا إليه والجور رفع الصوت بالدعاء والأستغاثة. (54) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون. (55) ليكفروا بما آتيناهم من نعمة الكشف عنهم كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة وإنكار كونها من الله فتمتعوا فسوف تعلمون تهديد ووعيد. (56) ويجعلون لما لا يعلمون لالهتهم التي لا علم لها أو لا علم لهم بها نصيبا مما رزقناهم (1) من الزروع والأنعام. القمي كانت العرب يجعلون للأصنام نصيبا في زرعهم وإبلهم وغنمهم فرد الله
عليهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون من أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها وهو وعيد لهم على ذلك. (57) ويجعلون لله البنات. القمي قالت قريش الملائكة هم بنات الله سبحنه (2) تنزيه له من قولهم أو
1 - يتقربون إليه بذلك كما يجب ان يتقرب الى الله تعالى وهو ما حكى الله عنهم في سورة الانعام من الحرث وغير ذلك وقولهم هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا م ن. 2 - فقد جعلوا لله ما يكرهونه لانفسهم وهذا غاية الجهل م ن. (*)
[ 141 ]
تعجب منه ولهم ما يشتهون يعني البنين. (58) وإذا بشر أحدهم بالانثى اخبر بولادتها ظل صار وجهه مسودا من الكآبة والحياء من الناس وهو كظيم مملو غيظا من المرأة. (59) يتوارى من القوم يستخفي منهم من سوء ما بشر به أيمسكه محدثا نفسه متفكرا في أن يتركه على هون ذل أم يدسه في التراب أم يخفيه فيه ويئده (1) ألا ساء ما يحكمون حيث يجعلون لمن تعالى عن الولد ما هذا محله عندهم (2). (60) للذين لا يؤمنون بالاخرة مثل السوء صفة السوء وهي الحاجة إلى الولد والأستظهار بالذكور وكراهة الاناث ووأدهن خشية الأملاق والعار ولله المثل الاعلى وهي الصفات الألهية والغنى عن الصاحبة والولد والنزاهة عن صفات المخلوقين وهو العزيز الحكيم المتفرد بكمال القدرة والحكمة. (61) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم بكفرهم ومعاصيهم ما ترك عليها على الأرض من دابة قط بشؤم ظلمهم أو من دابة ظالمة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى كي يتوالدوا فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. (62) ويجعلون لله ما يكرهون أي ما يكرهونه لأنفسهم من البنات والشركاء
في الرياسة والأستخفاف بالرسل وأراذل الأموال وتصف ألسنتهم الكذب مع ذلك. القمي يقول ألسنتهم الكاذبة أن لهم الحسنى أي عند الله كقول قائلهم ولئن رجعت إلى ربي أن لي عنده للحسنى لا جرم أن لهم النار رد لكلامهم وإثبات لضده وأنهم مفرطون مقدمون إلى النار معجلون وقرئ بكسر الراء من الأفراط في المعاصي. القمي أي معذبون.
1 - الذي كان من عادة العرب وهو ان احدهم كان يحفر حفيرة صغيرة فإذا ولد له انثى جعلها فيها وحثى عليها التراب حتى تموت تحته وكان يفعلون ذلك مخافة الفقر عليهن فيطمع غير الاكفاء فيهن. م ن. 2 - وقيل معناه ساء ما يحكمونه في قتل البنات من مساواتهن للبنين في حرمة الولادة ولعل الجارية خير من الغلام وروي عن ابن عباس لو اطاع الله الناس في الناس لما كان الناس لانه ليس احد الا ويحب ان يولد له ذكر ولو كان الجميع ذكورا لما كان لهم اولاد فيفنى الناس. (*)
[ 142 ]
(63) تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فأصروا على قبايحها وكفروا بالمرسلين فهو وليهم اليوم قرينهم أو ناصرهم يعني لا ناصر لهم ولهم عذاب أليم. (64) وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذى اختلفوا فيه من المبدأ والمعاد والحلال والحرام وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. (65) والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الارض بعد موتها أنبت فيها أنواع النبات بعد يبسها إن في ذلك لاية لقوم يسمعون سماع تدبر وإنصاف. (66) وإن لكم في الانعام لعبرة (1) يعبر بها من الجهل إلى العلم نسقيكم مما في بطونه تذكير الضمير هاهنا بإعتبار اللفظ وتأنيثه في سورة المؤمنون بإعتبار المعنى لكونه اسم جمع من بين فرث ودم لبنا يكتنفانه خالصا صافيا لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث ولا يشوبانه شيئا (2).
القمي قال الفرث ما في الكرش سائغا للشاربين سهل المرور في حلقهم. في الكافي عن الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس أحد يغص بشرب اللبن لأن الله عز وجل يقول لبنا خالصا سائغا للشاربين. (67) ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا قيل خمرا. والقمي الخل والعياشي عن الصادق عليه السلام إنها نزلت قبل آية التحريم فنسخت بها وفيه دلالة على أن المراد به الخمر وقد جاء بالمعنيين جميعا وعلى إرادة الخمر لا يستلزم حلها في وقت لجواز أن يكون عتابا ومنة قبل بيان تحريمها ومعنى النسخ نسخ
1 - العبرة بالكسر اسم من الاعتبار وهو الاتعاظ وهو ما يفيده الفكر الى ما هو الحق من وجوب ترك الدنيا والعمل للاخرة واشتقاقها من العبور لان الانسان ينتقل فيا من أمر الى امر. م. 2 - عن ابن عباس قال إذا استقر العلف في الكرش صار اسفله فرثا واعلاه دما واوسطه لبنا فيجري الدم في العروق واللبن في الضرع ويبقي الفرث كما هو فذلك قوله من بين فرث ودم لبنا خالصا لا يشوبه الدم ولا الفرث. مجمع البيان. (*)
[ 143 ]
السكوت فلا ينافي ما جاء في أنها لم تكن حلالا قط وفي مقابلتها بالرزق الحسن تنبيه على قبحها ورزقا حسنا كالتمر والزبيب والدبس إن في ذلك لاية لقوم يعقلون. (68) وأوحى ربك إلى النحل ألهمها وقذف في قلوبها فإن صنعتها الأنيقة ولطفها في تدبير أمرها ودقيق نظرها شواهد بينة على أن الله سبحانه وتعالى أودعها علما بذلك. القمي قال وحى إلهام. والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله أن اتخذى من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون يعرش الناس من كرم أو سقف. (69) ثم كلي من كل الثمرات من كل ثمرة تشتهيها حلوها ومرها فاسلكي سبل ربك الطرق التي ألهمك في عمل العسل ذللا مذللة ذللها وسهلها لك أو أنت
منقادة لما أمرتك به يخرج من بطونها شراب يعني العسل فإنه مما يشرب مختلف ألوانه أبيض وأصفر وأحمر وأسود فيه شفاء للناس. في الكافي والخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام لعق العسل شفاء من كل داء ثم تلا هذه الاية قال وهو مع قراءة القرآن ومضغ اللسان يذيب البلغم. وفي العيون عنه عليه السلام ثلاثة يزدن في الحفظ ويذهبن بالبلغم وذكر هذه الثلاثة. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن يكن في شئ شفاء ففي شرطة الحجام وفي شربة عسل. وعنه عليه السلام لا تردوا شربة عسل من أتاكم بها وقد سبق في أول سورة النساء حديث في الأستشفاء به في المجمع في النحل والعسل وجوه من الأعتبار منها إختصاصه بخروج العسل من فيه ومنها جعل الشفاء من موضع السم فإن النحل يلسع ومنها ما ركب الله من البدايع والعجايب فيه وفي طباعه ومن أعجبها أن جعل سبحانه لكل فئة منه يعسوبا هو أميرها يقدمها ويحامي عنها ويدبر أمرها ويسوسها وهي
[ 144 ]
تتبعه وتقتفي أثره ومتى فقدته اختل نظامها وزال قوامها وتفرقت شذر (1) مذر وإلى هذا المعنى فيما أخال. أشار علي أمير المؤمنين عليه السلام في قوله أنا يعسوب المؤمنين. والقمي عن الصادق عليه السلام نحن والله النحل الذي أوحى الله إليه أن اتخذى من الجبال بيوتا أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة ومن الشجر يقول من العجم ومما يعرشون يقول من الموالي والذي يخرج من بطونها شراب مختلف ألونه أي العلم الذي يخرج منا إليكم. والعياشي عنه عليه السلام النحل الأئمة والجبال العرب والشجر الموالي عتاقه ومنها يعرشون يعني الأولاد والعبيد ممن لم يعتق وهو يتولى الله ورسوله والأئمة والثمرات
المختلفة ألوانه فنون العلم الذي قد يعلم الأئمة شيعتهم فيه شفاء للناس والشيعة هم الناس وغيرهم الله أعلم بهم ما هم ولو كان كما تزعم أنه العسل الذي يأكله الناس إذا ما أكل منه ولا شرب ذو عاهة إلا شفي لقول الله تعالى فيه شفاء للناس ولا خلف لقول الله وإنما الشفاء في علم القرآن وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة لأهله لا شك فيه ولا مرية وأهله أئمة الهدى الذين قال الله ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون. (70) والله خلقكم (2) ثم يتوفيكم بآجال مختلفة ومنكم من يرد إلى أرذل العمر أخسه وأحقره يعني الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوة والعقل. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام هو خمس وسبعون سنة. والقمي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام إذا بلغ العبد مأة سنة فذلك أرذل العمر.
1 - تفرقوا شذر مذر بالتحريك والنصب شذر مذر إذا ذهبوا في كل وجه. ص. 2 - اي اوجدكم وانعم عليكم بضروب النعم الدينية والدنيوية م ن. (*)
[ 145 ]
وفي الخصال مثله قال وقد روي أن أرذل العمر أن يكون عقله مثل عقل ابن سبع سنين لكى لا يعلم بعد علم شيئا. القمي قال إذا كبر لا يعلم ما علمه قبل ذلك. وفي الكافي في حديث الأرواح ذكر هذه الاية ثم قال فهذا ينقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلوة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار ولا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الأيمان وليس يضره شيئا إن الله عليم بما ينبغي ويليق
بكم من مقادير الأعمار قدير على أن لا يعمركم بذلك. (71) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فمنكم غني ومنكم فقير ومنكم موال يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك احالهم على خلاف ذلك فما الذين فضلوا برادي رزقهم بمعطي رزقهم على ما ملكت أيامنهم على مماليكهم فهم فيه سواء قيل معناه أن الموالي والمماليك الله رازقهم جميعا فهم في رزقه سواء فلا يحسب الموالي أنهم يرزقون المماليك من عندهم وإنما هو رزق الله أجراه إليهم على أيديهم وقيل معناه فلم يردوا الموالي ما رزقوه على مماليككم حتى يتساووا في المطعم والملبس وقيل بل معناه إن الله جعلكم متفاوتين في الرزق فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم فأنتم لا تسوون بينكم وبينهم فيما أنعم الله عليكم ولا تجعلون لكم فيه شركاء ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيده له شركاء في الالوهية وتوجهون في العبادة والقرب إليهم كما توجهون إليه أفبنعمة الله يجحدون فجعل ذلك من جملة جحود النعمة وقرئ بالخطاب. القمي قال لا يجوز للرجل أن يخص نفسه بشئ من المأكول دون عياله وفي الجوامع يحكى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إنما هم إخوانكم فأكسوهم مما تكتسون وأطعموهم مما تطعمون فما رأى عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت.
[ 146 ]
(72) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا من جنسكم لتأنسوا بها وليكون أولادكم مثلكم. والقمي يعني خلق حواء من آدم وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة. العياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال الحفدة بنو البنت ونحن حفدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي رواية اخرى عنه عليه السلام بنين
وحفدة قال هم الحفدة وهم العون يعني البنين. وفي المجمع عنه عليه السلام هم أختان الرجل على بناته. والقمي قال الأختان. أقول: ومعنى الحافد المسرع في الخدمة والطاعة ورزقكم من الطيبت من اللذائذ أي بعضها أفبالباطل يؤمنون قيل هو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وشفاعتها وبنعمة الله هم يكفرون بنعمة الله المشاهدة التي لا شبهة فيها قيل كفرهم بها إضافتهم إياها إلى الأصنام أو تحريمهم ما أحل الله وقيل يريد بنعمة الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن والأسلام أي هم كافرون بها منكرون لها. (73) ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والارض شيئا يعني لا يملك أن يرزق شيئا من مطر ونبات ولا يستطيعون أن يملكوه أولا استطاعة لهم قيل ويجوز أن يكون الضمير للكفار يعني ولا يستطيعون هم مع أنهم أحياء شيئا من ذلك فكيف بالجماد. (74) فلا تضربوا لله الامثال فلا تجعلوا له مثلا تشركون به أو تقيسونه عليه فإن ضرب المثل تشبيه حال بحال قيل كانوا يقولون إن عبادة عبيد الملك أدخل في التعظيم من عبادته إن الله يعلم كنه الأشياء وضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون (1)
1 - وان من كان الها فهو منزه عن الشركاء وانتم لا تعلمون ذلك بل تجهلونه ولو تفكرتم لعلمتم وقيل معناه والله يعلم ما عليكم من الضرة في عبادة غيره وانتم لا تعلمون ولو علمتم لتركتم عبادتها. من. (*)
[ 147 ]
(75) ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون قيل معناه إذا لم يستويا هذان مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية فكيف يستوي الأصنام التي هي أعجز المخلوقات
والغني القادر على كل شئ ويجوز أن يكون تمثيلا للكافر المخذول والمؤمن الموفق أو الجاهل والعالم المعلم الحمد لله لا يستحقه غيره فضلا عن العبادة لأن النعم كلها منه بل أكثرهم لا يعلمون فيضيفون النعم إلى غيره ويشركون به. العياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام قالا المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده قيل فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق قال بيد السيد ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ أفشئ الطلاق وفي معناه أخبار اخر. (76) وضرب الله مثلا (1) رجلين أحدهما أبكم ولد أخرس لا يفهم ولا يفهم لا يقدر على شئ من الصنايع والتدابير لنقصان عقله وهو كل ثقل وعيال على مولاه على من يلي أمره ويعوله أينما يوجهه حيثما يرسله مولاه في أمر لا يأت بخير بنجح (2) وكفاية مهم هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل ومن كان سليم الحواس نفاعا كافيا ذا رشد وديانة فهو يأمر الناس بالعدل والخير وهو على صراط مستقيم وهو في نفسه على دين قويم وسيرة صالحة وهذا المثل مثل سابقه في الأحتمالات. القمي الذي يأمر بالعدل أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام. (77) ولله غيب السموات والارض ما غاب منهما عن العباد وخفي علمه وما أمر الساعة في سرعته وسهولته إلا كلمح البصر كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها أو (3) هو أقرب لأنه يقع دفعة إن الله على كل شئ قدير فيقدر على أن يحيي الخلايق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجا.
1 - اي بين الله مثلا فيه بيان المقصود تقريبا للخطاب الى افهامهم ثم ذكر ذلك المثل فقال عبدا مملوكا لا يقدر من امره على شئ ومن رزقناه رزقا حسنا يريد وحرا رزقناه وملكناه مالا ونعمة م ن. 2 - النجح والنجاح الظفر بالحوائج. ص. 3 - أو للتخيير أو بمعنى بل. (*)
[ 148 ]
(78) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة وركب فيكم هذه الأدوات لأزالة الجهل الذي ولدتم عليه وإكتساب العلم والعمل به لعلكم تشكرون كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه. (79) ألم يروا إلى الطير وقرئ بالتاء مسخرات مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المواتية له في جو السماء في الهواء المتباعد من الأرض ما يمسكهن فيه إلا الله فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون لأنهم هم المنتفعون بها. (80) والله جعل لكم من بيوتكم سكنا موضعا تسكنون فيه وقت إقامتكم وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا يعني الخيم والمضارب المتخذة من الأدم والوبر والصوف والشعر تستخفونها تجدونها خفيفة يخف عليكم حملها ونقلها ووضعها وضربها يوم ظعنكم ترحالكم وسفركم وقرئ بفتح العين ويوم إقامتكم نزولكم ومن حضركم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها الصوف للضأن والوبر للأبل والشعر للمعز أثاثا ما يلبس ويفرش ومتعا ينتفع به إلى حين إلى مدة من الزمان. القمي في رواية أبي الجارود أثاثا قال المال ومتاعا قال المنافع إلى حين بلاغها. (81) والله جعل لكم مما خلق من الشجر والجبال والأبنية وغيرها ظلالا تتقون به حر الشمس. القمي قال ما يستظل به وجعل لكم من الجبال أكنانا مواضع تسكنون بها من الغيران والبيوت المنحوتة فيها وجعل لكم سرابيل ثيابا من القطن والكتان والصوف وغيرها تقيكم الحر إكتفي بذكر أحد الضدين لدلالته على الاخر ولأن وقاية الحر كانت عندهم أهم وسرابيل تقيكم بأسكم يعني الدروع والجواشن والسربال يعم كل ما يلبس كذلك كإتمام هذه النعم التي تقدمت يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون
أي تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به وتنقادون لحكمه.
[ 149 ]
(82) فإن تولوا أعرضوا ولم يقبلوا منك فإنما عليك البلاغ المبين وقد بلغت واعذرت. (83) يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون. القمي عن الصادق عليه السلام نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده وبنا فاز من فاز. وفي الكافي عنه عن أبيه عن جده عليهم السلام في هذه الاية قال لما نزلت إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الاية إجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة فقال بعضهم لبعض ما تقولون في هذه الاية فقال بعضهم إن كفرنا بهذه الاية نكفر بسائرها وإن آمنا فهذا ذل حين يسلط علينا ابن أبي طالب عليه السلام فقالوا قد علمنا أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم صادق فيما يقول ولكنا لا نتولاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا قال فنزلت هذه الاية يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها يعرفون يعني ولاية علي عليه السلام. والعياشي عن الكاظم عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال عرفوه ثم أنكروه. (84) ويوم نبعث من كل أمة شهيدا وهو نبيها وإمامها القائم مقامه يشهد لهم وعليهم بالايمان والكفر. في المجمع والقمي عن الصادق عليه السلام لكل زمان وامة إمام تبعث كل امة مع إمامها ثم لا يؤذن للذين كفروا في الأعتذار إذ لا عذر لهم فدل بترك الأذن على أن لا حجة لهم ولا عذر ولا هم يستعتبون يسترضون أي لا يقال لهم ارضوا ربكم من العتبى وهو الرضا.
(85) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب ثقل عليهم فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون يمهلون.
[ 150 ]
(86) وإذا رأى الذين أشركوا شركائهم من الأصنام والشياطين قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك نعبدهم أو نطيعهم فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون يعني كذبهم الذين عبدوهم بإنطاق الله إياهم في أنهم شركاء الله وأنهم ما عبدوهم حقيقة وإنما عبدوا أهواءهم كقوله كلا سيكفرون بعبادتهم وألقوا والقى الذين ظلموا إلى الله يومئذ السلم الأستسلام والأنقياد لامره وضل عنهم وضاع عنهم وبطل ما كانوا يفترون من أن لله شركاء وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم. (88) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله بالمنع عن الأسلام والحمل على الكفر زدناهم عذابا لصدهم فوق العذاب المستحق لكفرهم (1) بما كانوا يفسدون بكونهم مفسدين الناس بصدهم. القمي قال كفروا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدوا عن أمير المؤمنين. (89) ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك يا محمد شهيدا على هؤلاء. القمي يعني من الأئمة على هؤلاء يعني على الأئمة عليهم السلام فرسول الله شهيد على الأئمة عليهم السلام وهم شهداء على الناس. أقول: وقد سبق تحقيق هذا المعنى في سورة البقرة والنساء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا (2) بيانا بليغا لكل شئ (3) وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.
1 - وقيل زدناهم الافاعي والعقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال. م ن.
2 - اي بيانا لكل امر مشكل ومعناه ليبين كل شئ يحتاج إليه من امور الشرع فانه ما من شئ يحتاج الخلق إليه في امر من لمور دينهم الا وهو مبين في الكتاب اما بالتضيص عليه وبالاحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي والحجج القائمين مقامه أو اجماع الامة فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفادا من القرآن. م ن. 3 - اي ونزلنا عليك القرآن دلالة الى الرشد ونعمة على الخلق لما فيه من الشرايع والاحكام أو لانه يؤدي الى نعم الاخرة وبشرى للمسلمين اي بشارة لهم بالثواب الدائم والنعيم المقيم. م ن. (*)
[ 151 ]
العياشي عن الصادق عليه السلام نحن والله نعلم ما في السموات وما في الأرض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك ثم قال إن ذلك في كتاب الله ثم تلا هذه الاية. وعنه عليه السلام قال الله لموسى وكتبنا له في الالواح من كل شئ فعلمنا إنه لم يكتب لموسى الشئ كله وقال الله لعيسى عليه السلام ليبين لهم الذى يختلفون فيه وقال لمحمد عليه السلام وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتب تبيانا لكل شئ. وفي الكافي عنه عليه السلام إني لأعلم ما في السموات وما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون ثم سكت هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب الله عز وجل إن الله يقول فيه تبيان كل شئ. وعنه عليه السلام إن الله أنزل في القرآن تبيان كل شئ حتى والله ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا انزل في القرآن إلا أنزله الله فيه. (90) إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذى القربى وإعطاء الأقارب ما يحتاجون إليه وينهى عن الفحشاء ما جاوز حدود الله والمنكر ما ينكره العقول
والبغى التطاول على الناس بغير حق في المعاني والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام العدل الأنصاف والأحسان التفضل. والقمي قال العدل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله والأحسان أمير المؤمنين والفحشاء والمنكر والبغي فلان وفلان وفلان. والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله إلا أنه قال الفحشاء الأول والمنكر الثاني والبغي الثالث قال وفي رواية سعد عنه عليه السلام العدل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن أطاعه فقد عدل والاحسان علي عليه السلام فمن تولاه فقد أحسن
[ 152 ]
والمحسن في الجنة وإيتاء ذى القربى قرابتنا أمر الله العباد بمودتنا وإيتائنا ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي من بغى علينا أهل البيت ودعا إلى غيرنا. وعن الصادق عليه السلام إنه قرئ عنده هذه الاية فقال اقرأ كما أقول لك إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذى القربى حقه قيل إنا لا نقرأ هكذا في قراءة زيد قال ولكنا نقرؤها هكذا في قراءة علي عليه السلام قيل فما يعني بايتاء ذي القربى حقه قال أداء إمام إلى إمام بعد إمام وينهى عن الفحشاء والمنكر قال ولاية فلان يعظكم لعلكم تذكرون تتعظون في روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماع التقوى في قوله إن الله يأمر بالعدل والاحسان الاية قيل لو لم يكن في القرآن غير هذه الاية لصدق عليه أنه تبيان لكل شئ. (91) وأوفوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا شاهدا ورقيبا إن الله يعلم ما تفعلون في نقض الأيمان والعهود. في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام لما نزلت ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وكان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلموا على علي عليه
السلام بإمرة المؤمنين فكان مما أكد الله عليهم في ذلك اليوم قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما قوما فسلما عليه بإمرة المؤمنين فقالا أمن الله أو من رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الله ومن رسوله فأنزل الله تعالى ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون يعني به قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما وقولهما أمن الله أو من رسوله. والعياشي ما يقرب منه. (92) ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد قوة من بعد إحكام (1) وفتل أنكاثا جمع نكث (2) بالكسر وهو ما ينكث فتله.
1 - احكمه اتقنه وضعه عن الفساد. ق. 2 - من النكث اي النقض. (*)
[ 153 ]
القمي عن الباقر عليه السلام التي نقضت غزلها إمرأة من بني تميم بن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تميم بن لوي ابن غالب كانت حمقاء وتغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته فقال الله كالتى نقضت غزلها الاية قال إن الله تبارك وتعالى أمر بالوفاء ونهى عن نقض العهد فضرب لهم مثلا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم دخلا وخيانة ومكرا وخديعة وذلك لأنهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة والناس يسكنون إلى عهدهم والدخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر وأصله يدخل الشئ ما لم يكن منه أن تكون أمة هي أربى من أمة يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة وهي كفرة قريش أزيد عددا وأوفر مالا من امة يعني جماعة المؤمنين إنما يبلوكم الله به إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتوفون بعهد الله أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم وليبين لكم يوم القيمة ما كنتم فيه تختلفون وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
(93) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة مسلمة مؤمنة ولكن يضل من يشاء بالخذلان ويهدى من يشاء بالتوفيق ولتسألن عما كنتم تعملون سؤال تبكيت ومجاراة (1). (94) ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي عنه فتزل قدم عن محجة الأسلام بعد ثبوتها عليها أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على الهدى يقال زل قدم فلان في أمر كذا إذا عدل عن الصواب والمراد أقدامهم وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة وتذوقوا السوء في الدنيا بما صددتم عن سبيل الله بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها لأنهم لو نقضوا العهد وارتدوا لاتخذ نقضها سنة يستن بها ولكم عذاب عظيم في الاخرة. في الجوامع عن الصادق عليه السلام نزلت هذه الايات في ولاية علي عليه
السلام والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلموا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين. وفي الكافي والقمي عنه عليه السلام إنه قرأ أن تكون أئمة هي أزكى من ائمتكم فقيل إنا نقرؤها هي أربى من أمة فقال وما أربى وأومأ بيده فطرحها قال إنما يبلوكم الله به يعني بعلي عليه السلام يختبركم بعد ثبوتها يعني بعد مقالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي عن سبيل الله يعني به عليا. وزاد القمي لجعلكم أمة واحدة قال على مذهب واحد وأمر واحد ولكن يضل من يشاء يعذب بنقض العهد ويهدى من يشآء قال يثيب. والعياشي ما يقرب منه. وعنه عليه السلام التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا عائشة هي نكثت
إيمانها. (95) ولا تشتروا بعهد الله ولا تستبدلوا عهد الله وبيعة رسول الله ثمنا قليلا عرضا يسيرا من متاع الدنيا إنما عند الله من الثواب على الوفاء بالعهد هو خير لكم إن كنتم تعلمون. (96) ما عندكم من متاع الدنيا ينفد أي ينقضي ويفنى وما عند الله من خزائن رحمته باق لا ينفد ولنجزين وقرئ بالنون الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. (97) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة طيبة في الدنيا يعيش عيشا طيبا. القمي قال القنوع بما رزقه الله. وفي نهج البلاغة أنه عليه السلام سئل عنها فقال هي القناعة وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنها القناعة والرضا بما قسم الله ولنجزينهم أجرهم
[ 155 ]
بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعة. (98) فإذا قرأت القرآن إذا أردت قراءته فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم فاسأل الله أن يعيذك من وساوسه لئلا يوسوسك في القراءة. العياشي عن الصادق عليه السلام قيل له كيف أقول قال تقول أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم قال الرجيم أخبث الشياطين. وفي قرب الأسناد عن سدير قال صليت المغرب خلف أبي عبد الله عليه السلام فتعوذ بإجهار أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون ثم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وروت العامة عن ابن مسعود قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا
أقرأنيه جبرئيل عن القلم عن اللوح المحفوظ وقد سبق تفسير الأستعاذة في أول الكتاب. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي إلا تستعيذ. (99) إنه ليس له سلطان تسلط وولاية على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون فإنهم لا يطيعون أوامره. (100) إنما سلطانه على الذين يتولونه يحبونه ويطيعونه والذين هم به مشركون. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال يسلط والله على المؤمن على بدنه ولا يسلط على دينه قد سلط على أيوب فشوه خلقه ولم يسلط على دينه وقال الذين هم به مشركون يسلط على أبدانهم وعلى أديانهم. والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال ليس له أن يزيلهم عن الولاية فأما الذنوب وأشباه ذلك فإنه ينال منهم كما ينال من غيرهم والقمي مثله.
[ 156 ]
(101) وإذا بدلنا آية مكان آية بالنسخ والله أعلم بما ينزل من المصالح فلعل ما يكون مصلحة في وقت يكون مفسدة في آخر وهو إعتراض لتوبيخ الكفار على قولهم أو حالهم قالوا أي الكفار إنما أنت مفتر متقول على الله تأمر بشئ ثم يبدو لك فتنهي عنه. القمي قال كانوا إذا نسخت آية قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت مفتر فرد الله عليهم بل أكثرهم لا يعلمون حكمة الأحكام ولا يميزون الخطأ من الصواب. (102) قل نزله روح القدس يعني جبرئيل عليه السلام من ربك بالحق متلبسا بالحكمة
ليثبت الذين آمنوا على الأيمان بأنه كلام الله فإنهم إذا سمعوا الناصح وتدبروا ما فيه من رعاية الصلاح والحكمة رسخت عقائدهم واطمأنت قلوبهم وهدى وبشرى للمسلمين المنقادين لحكمه. القمي عن الباقر عليه السلام روح القدس هو جبرئيل والقدس الطاهر ليثبت الذين آمنوا هم آل محمد صلوات الله عليهم. العياشي عن الصادق عليه السلام أن الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم يخلق خلقا أقرب إليه منها وليست بأكرم خلقه عليه فإذا أراد الله أمرا ألقاه إليها فالقته إلى النجوم فجرت به. (103) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه يضيفون إليه التعليم ويميلون قولهم عن الأستقامة إليه وقرئ بفتح الياء والحاء أعجمى غير بين وهذا القرآن لسان عربي مبين (1) ذو بيان وفصاحة. القمي لسان الذي يلحدون إليه هو لسان أبي فكيهة مولى ابن الحضرمي كان أعجمي اللسان وكان قد إتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به وكان من
1 - يعني إذا كانت العرب يعجز عن الاتيان بمثله وهو بلغتهم فكيف يأتي الاعجمي بمثله م ن. (*)
[ 157 ]
أهل الكتاب فقالت قريش هذا والله يعلم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم علمه بلسانه. (104) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يصدقون إنها من عند الله لا يهديهم الله لا يلطف بهم ويخذلهم ولهم عذاب أليم في الاخرة. - 105) إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم عنه هذا رد لقولهم إنما أنت مفتر يعني إنما يليق إفتراء الكذب لمن لا يؤمن بالله لأن الأيمان يمنع الكذب وأولئك هم الكاذبون.
(106) من كفر بالله (1) من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان لم تتغير عقيدته ولكن من شرح بالكفر صدرا اعتقده وطاب به نفسا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إذ لا جرم أعظم من جرمه. القمي إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان فهو عمار بن ياسر أخذته قريش بمكة فعذبوه بالنار حتى أعطاهم بلسانه ما أرادوا وقلبه مطمئن بالأيمان وقوله ولكن من شرح بالكفر صدرا فهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن لؤي قال وكان عاملا لعثمان بن عفان على مصر. أقول: قصة عمار على ما روته المفسرون في شأن نزول هذه الاية إن قريشا أكرهوه وأبويه ياسر وسمية على الأرتداد فأبى أبواه فقتلوهما وهما أول قتيلين في الأسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل يا رسول الله إن عمارا كفر فقال كلا إن عمارا أملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الأيمان بلحمه ودمه فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح عينيه وقال مالك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت. وفي الكافي قيل للصادق عليه السلام إن الناس يروون أن عليا عليه السلام
1 - قال الزجاج من كفر بالله في موضع رفع على البدل من الكاذبين ولا يجوز ان يكون رفعا بالابتداء لانه لا خبر ها هنا للابتداء فان قوله من كفر بالله بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ليس بكلام تام وقوله فعليهم غضب من الله خبر قوله من شرح بالكفر صدرا وقال الكوفيون من كفر شرط وجوابه يدل عليه جواب من شرح فكأنه قيل من كفر فعليه غضب من الله م ن. (*)
[ 158 ]
قال على منبر الكوفة أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرأوا مني فقال ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام. قال إنما قال إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني وإني
لعلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل لا تبرؤوا مني فقال له السائل أرأيت أن اختار القتل دون البراءة فقال والله ما ذاك عليه وما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكره أهل مكة وقلبه مطمئن بالأيمان فأنزل الله فيه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالاءيمن فقال له النبي صلى الله عليه وآله عندها يا عمار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا. والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله. وعن الصادق عليه السلام إنه سئل مد الرقاب أحب إليك أم البراءة من علي عليه السلام فقال الرخصة أحب إلي أما سمعت قول الله في عمار إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان. (107) ذلك بأنهم استحبوا الحيوة الدنيا على الاخرة بسبب أنهم آثروها عليها وأن الله لا يهدي القوم الكافرين أي الكافرين في علمه إلى ما يوجب ثبات الأيمان. (108) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فامتنعت عن إدراك الحق وأولئك هم الغفلون الكاملون في الغفلة إذ غفلوا عن التدبر في عاقبة أمرهم. (109) لا جرم أنهم في الاخرة هم الخسرون إذ ضيعوا أعمارهم بصرفها فيما أفضى إلى العذاب الدائم. العياشي عن الصادق عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو أصحابه فمن أراد الله به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ومن أراد به شرا طبع على قلبه فلا يسمع ولا يعقل وهو قوله تعالى أولئك الذين طبع الله الاية. (110) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا عذبوا في الله واكرهوا على الكفر فاعطوا بعض ما اريد منهم ليسلموا من شرهم كعمار وقرئ بفتح الفاء والتاء ثم
[ 159 ]
جاهدوا وصبروا على الجهاد وما أصابهم من المشاق إن ربك من بعدها من بعد الأفتتان والجهاد والصبر لغفور لما فعلوا من قبل رحيم ينعم عليهم مجازاة على مشاقهم لغفور خبر إن الاولى والثانية جميعا ونظير هذا التكرير في القرآن كثير وثم لتباعد حال هؤلاء من حال أولئك. (111) يوم تأتى كل نفس تجدل عن نفسها أي ذاتها تحتج عنها وتعتذر لها وتسعى في خلاصها لا يهمها شأن غيرها فتقول نفسي نفسي وتوفي كل نفس ما عملت جزاء ما عملت وهم لا يظلمون. (112) وضرب الله مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فكفروا بها فأنزل الله بهم نقمته قرية كانت آمنة مطمئنة لا يزعج أهلها خوف يأتيها رزقها رغدا واسعا من كل مكان من نواحيها فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف وقرء بنصب الخوف إستعار الذوق لأدراك أثر الضرر واللباس لما غشيهم وإشتمل عليهم من الجوع بما كانوا يصنعون. القمي قال نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البليان وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هو ألين لنا فكفروا بأنعم الله واستخفوا بنعمة الله فحبس الله عليهم البليان فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه. والعياشي عن الصادق عليه السلام كان أبي يكره أن يمسح يده بالمنديل وفيه شئ من الطعام تعظيما له إلا أن يمصها أو يكون إلى جانبه صبي فيمصها له قال وإني أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقده فيضحك الخادم ثم قال إن أهل قرية ممن كان قبلكم كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا فقال بعضهم لبعض لو عمدنا إلى شئ من هذا النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من الحجارة قال فلما فعلوا ذلك بعث الله على أرضهم دوابا أصغر من الجراد فلم تدع لهم شيئا خلقه الله إلا أكلته من شجر أو غيره
فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا على الذي كانوا يستنجون به فأكلوه وهي القرية التي قال
[ 160 ]
الله ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة إلى قوله بما كانوا يصنعون. (113) ولقد جائهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون. (114) فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون. (115) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم قد سبق تفسيره في سورة البقرة. (116) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام. القمي هو ما كانت اليهود يقولون ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا. قيل: أي لا تحللوا ولا تحرموا بمجرد قول ينطق به ألسنتكم من غير حجة ونص ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم هذا كقولهم وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر لتفتروا على الله الكذب من قبيل التعليل الذي لا يتضمنه الغرض إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. (117) متاع قليل أي ما يفترون لأجله منفعة قليلة تنقطع عن قريب ولهم عذاب أليم في الاخرة. في التوحيد عن الصادق عليه السلام إذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عنها كان خارجا من الأيمان وساقطا عنه إسم الأيمان وثابتا عليه إسم الأسلام فإن تاب واستغفر عاد إلى الأيمان ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والأستحلال فإذا قال للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك
فعندنا يكون خارجا من الأيمان والأسلام إلى الكفر وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار الحديث.
[ 161 ]
(118) وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل أي في سورة الأنعام بقوله وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر الاية وما ظلمناهم بالتحريم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه وفيه دلالة على أن التحريم عليهم كان للعقوبة لا للمضرة. (119) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة جاهلين غير متدبرين للعاقبة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها من بعد التوبة لغفور لذلك السوء رحيم يثيب على الأنابة. (120) إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا. في الكافي عن الصادق عليه السلام والامة واحد فصاعدا كما قال الله وتلا الاية. والقمي عن الباقر عليه السلام وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره فكأنه امة واحدة وأما قانتا فالمطيع وأما الحنيف فالمسلم. والعياشي عن الصادق عليه السلام شئ فضله الله به وعن الكاظم عليه السلام لقد كانت الدنيا وما كان فيها إلا واحد يعبد الله ولو كان معه غيره إذا لأضافه إليه حيث يقول إن إبرهيم كان أمة الاية فعبر بذلك ما شاء الله ثم إن الله آنسه باسمعيل وإسحق فصاروا ثلاثة ولم يك من المشركين تكذيب لقريش فيما كانوا يزعمون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام. (121) شاكرا لانعمه لأنعم الله معترفا بها روي أنه كان لا يتغذى إلا مع
ضيفه اجتبيه اختاره وهديه إلى صراط مستقيم إلى الطريق الواضح. (122) وآتيناه في الدنيا حسنة بأن حببه إلى الناس حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ورزقه أولادا طيبة وعمرا طويلا في السعة والطاعة وإنه في الاخرة لمن الصالحين لمن أهل الجنة كما سأله بقوله وألحقني بالصالحين. (123) ثم أوحينا إليك يا محمد أن اتبع ملة إبرهيم حنيفا وما كان من
[ 162 ]
المشركين قيل في ثم هذه تعظيم لمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإعلام بأن أفضل ما أوتي خليل الله من الكرامة إتباع نبينا ملته حيث دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام لا طريق للأكياس (1) من المؤمنين أسلم من الأقتداء لأنه المنهج الأوضح قال الله عز وجل ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبرهيم حنيفا فلو كان لدين الله تعالى مسلك أقوم من الأقتداء لندب أولياءه وأنبياءه إليه. والعياشي عن الحسين بن علي عليهما السلام ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشعيتنا وساير الناس منها براء. (124) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. القمي وذلك أن موسى عليه السلام أمر قومه أن يتفرغوا لله كل سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم وهم الذين اختلفوا فيه. أقول: قد سبقت قصتهم في سورة الأعراف. (125) ادع إلى سبيل ربك بالحكمة بالمقالة المحكمة الصحيحة الموضحة للحق المزيحة للشبهة هذا للخواص والموعظة الحسنة الخطابات المقنعة والعبر النافعة التي لا يخفي عليهم إنك تناصحهم بها وتنفعهم فيها وهذا للعوام وجادلهم (2) بالتى هي
أحسن بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة وهذا للمعاندين والجاحدين. في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام يعني بالقرآن.
1 - الكيس كفلس العقل والفطنة وجودة القريحة وقيل الكيس مخفف من كيس مثل هين وهين والاول اصح لان الكيس مصدر كاس كباع والكيس بالتثقيل اسم فاعل وجمعه اكياس مثل جيد واجياد م. 2 - أي ناظرهم بالقرآن وباحسن ما عندك من الحجج وتقديره بالكلمة التي هي احسن والمعنى افتل المشركين واصرفهم عما هم عليه من الشرك بالرفق والسكينة ولين الجانب في النصيحة ليكونوا اقرب الى الاجابة فان الجدل هو فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج وقيل هو ان يجادلهم على قدر ما يحتملونه كما جاء في الحديث امرنا معاشر الانبياء ان نكلم الناس على قدر عقولهم مجمع البيان. (*)
[ 163 ]
وفي الأحتجاج وتفسير الأمام عليه السلام عند قوله تعالى قل هاتوا برهنكم إن كنتم صادقين من سورة البقرة ذكر عند الصادق عليه السلام الجدال في الدين وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام نهوا عنه فقال الصادق عليه السلام لم ينه مطلقا ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقوله تعالى ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فالجدال بالتي هي أحسن قد أمر به العلماء بالدين والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله على شيعتنا وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى قال الله تعالى تلك أمانيهم قل هاتوا برهنكم إن كنتم صادقين فجعل علم الصدق والأيمان بالبرهان وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن قيل يا ابن رسول الله فما الجدال بالتي هي أحسن والتي ليست بأحسن قال أما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجادل مبطلا فيورد عليك باطلا فلا ترده بحجة قد نصبها الله تعالى ولكن تجحد حقا يريد بذلك المبطل أن يعين به باطله فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك فيه حجة لأنك
لا تدري كيف المخلص منه فذلك حرام على شعيتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف في يده حجة له على باطله وأما الضعفاء فتغتم قلوبهم لما يرون من ضعف المحق في يد المبطل وأما الجدال بالتي هي أحسن وهو ما أمر الله به نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحياء الله تعالى له فقال الله له حاكيا عنه وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيى العظام وهى رميم وقال الله في الرد عليه قل يا محمد يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذى جعل لكم من الشجر الاخضر نارا إلى آخر السورة فأراد الله من نبيه أن يجادل المبطل الذي قال كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم فقال الله قل يحييها الذى أنشأها أول مرة أفيعجز من ابتدائه لا من شئ أن يعيده بعد أن يبلى بل إبتداؤه أصعب عندكم من إعادته ثم قال الذى جعل
[ 164 ]
لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أي إذا كمن [ تكن خ ل ] النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب يستخرجها فعرفكم أنه على إعادة ما بلى أقدرتم ثم قال أو ليس الذى خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إذا كان خلق السموات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي فكيف جوزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ولم تجوزوا منه ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي فقال الصادق عليه السلام فهذا الجدال بالتي هي أحسن لأن فيها قطع عذر الكافرين وإزالة شبهتهم وأما الجدال بغير التي هي أحسن فإن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرق بينه وبين باطل من تجادله وإنما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق فهذا هو المحرم لأنك مثله جحد هو حقا وجحدت أنت حقا آخر إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين أي ليس عليك أن تهديهم ولا أن تردهم عن الضلالة وإنما عليك البلاغ فمن كان فيه خير كفاه البرهان
والوعظ ومن لا خير فيه عجزت عنه الحيل فكأنك تضرب منه في حديد بارد. (126) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. القمي وذلك أن المشركين يوم احد مثلوا بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين استشهدوا فيهم حمزة فقال المسلمون أما والله لئن أدالنا الله عليهم لنمثلن بأخيارهم فذلك قول الله تعالى وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به يعني بالاموات. وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم احد من له علم بعمي حمزة فقال الحارث بن الصمت أنا أعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام أطلب يا علي عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره أن يرجع إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان لئن أمكنني
[ 165 ]
الله من قريش لأمثلن سبعين رجلا منهم فنزل عليه جبرئيل فقال وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل أصبر. والعياشي عن الصادق عليه السلام لما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صنع بحمزة بن عبد المطلب قال اللهم لك الحمد واليك المشتكى وأنت المستعان على ما أرى ثم قال لئن ظفرت لأمثلن وامثلن قال فانزل الله وإن عاقبتم الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبر أصبر. (127) واصبر وما صبرك إلا بالله إلا بتوفيقه وتثبيته ولا تحزن عليهم على أصحابك وما فعل بهم فإن الله نقلهم إلى دار كرامته ولا تك في ضيق مما يمكرون في
ضيق صدر من مكرهم وقرئ بكسر الضاد. (128) إن الله مع الذين اتقوا الشرك والمعاصي والذين هم محسنون في أعمالهم. في ثواب الأعمال والعياشي عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة النحل في كل شهر كفى المغرم في الدنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان اللهم ارزقنا بحق محمد وآله.
[ 166 ]
سورة الأسراء هي مكية وقيل إلا خمس آيات وقيل إلا ثمان وعدد آيها مأة وإحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم (1) سبحن الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله أي إلى ملكوت المسجد الأقصى الذي هو في السماء كما يظهر من الأخبار الاتية لنريه من آياتنا إنه هو السميع لأقوال عبده البصير لأفعاله. القمي عن الباقر عليه السلام إنه كان جالسا في المسجد الحرام فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلى إسمعيل الجعفي فقال أي شئ يقول أهل العراق في هذه الاية يا عراقي قال يقولون أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس فقال ليس كما يقولون ولكنه اسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم. والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن المساجد التي لها الفضل فقال المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قيل والمسجد الأقصى فقال ذاك في السماء إليه
أسرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال مسجد الكوفة أفضل منه.
[ 167 ]
وفي الكافي عنه عليه السلام إنه سئل كم عرج برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال مرتين. والكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أتى جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبراق أصغر من البغل وأكبر من الحمار مضطرب الأذنين عينيه في حافره وخطاه مد بصره. وزاد في الكافي فإذا إنتهى إلى جبل قصرت يداه وطالت رجلاه فإذا هبط طالت يداه وقصرت رجلاه أهدب (1) العرف (2) الأيمن له جناحان من خلفه. وفي العيون عن النبي صلى الله عليه وآله إن الله تعالى سخر لي البراق وهي دابة من دواب الجنة ليست بالقصير ولا بالطويل فلو أن الله أذن لها لجالت الدنيا والاخرة في جرية واحدة وهي أحسن الدواب لونا. والقمي عن الصادق عليه السلام جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الاخر عليه ثيابه فتضعضعت (3) البراق فلطمها جبرئيل ثم قال اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فترقت به ورفعته إرتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل عليه السلام يريه الايات من السماء والأرض قال صلى الله عليه وآله وسلم فبينا أنا في مسيرتي إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم نادى مناد عن يساري يا محمد فلم أجبه ولم ألتفت إليه ثم استقبلتني إمرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انتظرني حتى أكلمك فلم ألتفت إليها ثم سرت
فسمعت صوتا أفزعني فجاوزته فنزل بي جبرئيل فقال صل فصليت فقال لي تدري أين صليت فقلت لا فقال صليت بطيبة (4) وإليها مهاجرك ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم
1 - هدب الشجرة كفرح طال اغصانها وتدلت كاهدبت ق. 2 - وفي حدبيث ابن جبير ما اكلت لحما اطيب من مغرفة البرذون اي منبت عرفه من رقبته نهاية. 3 - ضعضعه هدمه حتى الارض وتضعضعت اركانه اي اتضعت م. 4 - وطيبة على وزن شيبة اسم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله صحاح. (*)
[ 168 ]
قال لي إنزل فصل فنزلت وصليت فقال لي أتدري أين صليت فقلت لا فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي أنزل فصل فنزلت وصليت فقال لي أتدري أين صليت فقلت لا فقال صليت ببيت لحم وبيت لحم بناحية بيت المقدس حيث ولد عيسى بن مريم عليهما السلام ثم ركبت فمضينا حتى إنتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فيمن شاء الله من أنبياء الله فقد جمعوا إلي وأقيمت الصلاة ولا أشك إلا وجبرئيل سيتقدمنا فلما استووا أخذ جبرئيل بعضدي فقدمني وأممتهم ولا فخر ثم أتاني الخازن بثلاثة أوان إناء فيه لبن وإناء فيه ماء وإناء فيه خمر وسمعت قائلا يقول إن أخذ الماء غرق وغرقت امته وإن أخذ الخمر غوى وغوت امته وإن أخذ اللبن هدى وهديت امته قال فأخذت اللبن وشربت منه فقال لي جبرئيل هديت وهديت امتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته فقلت لا ولم ألتفت إليه فقال ذلك داعي اليهود ولو أجبته لتهودت امتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت فقلت ناداني مناد عن يساري فقال لي أو أجبته فقلت لا ولم ألتفت إليه فقال ذلك داعي النصارى ولو أجبته لتنصرت امتك من بعدك ثم قال ماذا استقبلك فقلت لقيت إمرأة كاشفة عن ذراعيها
عليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد إنتظرني حتى اكلمك فقال أو كلمتها فقلت لم اكلمها ولم ألتفت إليها فقال تلك الدنيا ولو كلمتها لاختارت امتك الدنيا على الاخرة ثم سمعت صوتا أفزعني فقال لي جبرئيل تسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها على شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين إستقرت قالوا فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبض قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال اسمعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله تعالى إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فقال يا جبرئيل من هذا معك فقال محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال وقد بعث قال نعم ثم
[ 169 ]
فتح الباب فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت السماء الدنيا فما لقيني ملك إلا ضاحك مستبشر حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر خلقا أعظم منه كريه المنظر ظاهر الغضب فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا أنه لم يضحك ولم أر فيه من الأستبشار مما رأيت فيمن ضحك من الملائكة فقلت من هذا يا جبرئيل فإني قد فزعت منه فقال يجوز أن يفزع منه فكلنا نفزع منه إن هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على أعداء الله وأهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك ولكنه لا يضحك فسلمت عليه فرد السلام علي وبشرني بالجنة فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم أمين ألا تأمره أن يريني النار فقال له جبرئيل يا مالك أر محمدا النار فكشف عنها غطاء وفتح بابا منها فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت وارتفعت حتى ظننت لتتناولني مما رأيت فقلت يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاءها فأمرها فقال ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه ثم مضيت فرأيت رجلا أدما
جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا أبوك آدم عليه السلام فإذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيبة وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة المطففين على رأس سبع عشرة آية كلا إن كتاب الابرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إلى آخرها قال فسلمت على أبي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالأبن الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس على مجلس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه وإذا بيده لوح من نور ينظر إليه مكتوب فيه كتابا ينظر فيه لا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه به كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح فقلت يا جبرئيل أدنني منه حتى اكلمه فأدناني منه فسلمت عليه وقال له جبرئيل هذا نبي الرحمة الذي أرسله الله إلى العباد فرحب بي وحياني بالسلام
[ 170 ]
وقال إبشر يا محمد فإني أرى الخير كله في امتك فقلت الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي فقال جبرئيل هو أشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا يقبض روحه قال نعم قلت ويراهم حيث كانوا ويشهدهم بنفسه فقال نعم. فقال ملك الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني عليها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا أتصفحه كل يوم خمس مرات وأقول إذا بكى أهل البيت على ميتهم لا تبكوا عليه فإن لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفي بالموت طامة (1) يا جبرئيل فقال جبرئيل إن ما بعد الموت أطم وأطم من الموت قال ثم مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيب فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من
أمتك يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجيبا نصف جسده نارا ونصفه الاخر ثلجا فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادى بصوت رفيع ويقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف [ يا مؤلفا خ ل ] بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا ملك وكله الله بأكناف (2) السموات وأطراف الأرضين وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرضين من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق ملكين يناديان في السماء أحدهما يقول اللهم أعط كل منفق (3) خلفا والاخر يقول اللهم أعط كل ممسك تلفا ثم مضيت فإذا أنا بأقوام
1 - الطامة الدهية لانها تطم على كل شئ اي تعلوه من طم الامر اعلاه م. 2 - الكنف بالتحريك الجانب والناحية والاكناف الجوانب والنواحي م. 3 - وفي الخبر اللهم اعط كل منفق خلفا أي عوضا عاجلا مالا أو دفع سوء واجلا ثوابا فكم من منفق قلما يقع به الخلف المالي م. (*)
[ 171 ]
لهم مشافر (1) كمشافر الأبل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يرضخ (2) رؤسهم بالصخر فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين ينامون عن صلوة العشاء ثم مضيت فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ثم مضيت فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون عليها النار غدوا وعشيا ويقولون ربنا متى تقيم الساعة قال ثم مضيت فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن (3) فقلت
من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتد غضب الله على إمرأة ادخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم وأكل خزائنهم قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوههم كيف شاء ليس شئ من أطباق أجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية بأصوات مختلفة أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم فقال كما ترى خلقوا إن الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتها خوفا لله وخشوعا فسلمت عليهم فردوا علي إيماءا برؤوسهم ولا ينظرون إلي من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيا وهو خاتم النبوة وسيدهم أفلا تكلموه قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل
1 - المشفر من البعير بفتح الميم وكسرها والشين مفتوحة فيها كالجحفلة من القرس وغيره من ذي الحافر والشفة من الانسان م. 2 - الرضخ الدق والكسر ومنه ضخت رأسه بالحجارة م. 3 - الثدي بالفتح وسكون المهملة وخفة الياء يذكر ويؤنث وهو للمرأة والرجل والجمع ثد وثدي بكسر الثاء وربما جاء على ثد اء كسهم وسهام م. (*)
[ 172 ]
أقبلوا علي بالسلام وأكرموني وبشروني بالخير لي ولأمتي قال ثم صعدنا إلى السماء الثانية فإذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرئيل قال إبنا الخالة يحيى وعيسى عليهما السلام فسلمت عليهما وسلما علي واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح الله ويحمده بأصوات مختلفة ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا
جبرئيل فقال هذا أخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح وإذا فيها ملائكة من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية وقال لهم جبرئيل في أمري ما قال للاخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الاخرون ثم صعدنا إلى السماء الرابعة وإذا فيها رجل فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا إدريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السموات فبشروني بالخير لي ولامتي ثم رأيت ملكا جالسا على سرير تحت يديه سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه هو فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا أعظم منه حوله ثلة من أمته فأعجبني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل فقال هذا المجيب في قومه هارون بن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة عليهم الخشوع مثل ما في السموات ثم صعدنا إلى السماء السادسة وإذا فيها رجل أدم طويل كأنه من شعرة ولو أن عليه قميصين لنفذ شعره فيهما وسمعته يقول يزعم بنو إسرائيل إني أكرم ولد آدم على الله وهذا رجل أكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرئيل فقال أخوك موسى بن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السموات قال ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما
[ 173 ]
مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر امتك بالحجامة وإذا فيها رجل اشمط (1) الرأس واللحية جالس على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب بيت المعمور في جوار الله فقال يا محمد هذا أبوك إبراهيم عليه السلام وهذا محلك ومحل من إتقى من امتك ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أولى
الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين فسلمت عليه وسلم علي وقال مرحبا بالنبي الصالح والأبن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السموات فبشروني بالخير لي ولأمتي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلألأ يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ترعد فلما فرغت ورأيت هؤلاء سألت جبرئيل فقال إبشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله على ما صنع إليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل وتعجبي فقال جبرئيل يا محمد أتعظم ما ترى إنما هذا خلق من خلق ربك فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربك أن بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل وبيننا وبينه أربعة حجب حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من ماء قال ورأيت من العجائب التي خلق الله وسخر به على ما أراد ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ورأسه عند العرش وملكا من ملائكة الله تعالى خلقه الله كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ثم أقبل مصعدا حتى خرج من الهواء إلى السماء السابعة وإنتهى فيها مصعدا حتى إنتهى قرنه إلى قرب العرش وهو يقول سبحان ربي حيث ما كنت لا تدري أين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في السحر نشر جناحيه وخفق (2) بهما وصرخ (3) بالتسبيح يقول سبحان الله الملك القدوس سبحان الله الكبير المتعال لا إله إلا الله الحي القيوم
1 - الشمط - بالتحريك - بياض شعر الرأس مخالط السواد. 2 - وخفق الطائر إذا طار وخفقاته اضطراب جتاحيه م. 3 - والصراخ بالضم الصوت والتصرخ تكلف الصرخ وفي الحديث كان يقوم من الليل إذا سمع صوت الصارخ يعني بذلك الديك لانه كثير الصراخ بالليل م. (*)
[ 174 ]
وإذا قال ذلك سبحت ديوك الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت بالصراخ فإذا
سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلها ولذلك الديك زغب (1) أخضر وريش أبيض كأشد بياض ما رأيته قط وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة ما رأيتها قط قال ثم مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيها ركعتين ومعي اناس من أصحابي عليهم ثياب جدد وآخرين عليهم ثياب خلقان (2) فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة فإذا على حافتيها (3) بيوتي وبيوت أزواجي وإذا ترابها كالمسك فإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة فقلت لمن أنت يا جارية فقالت لزيد بن حارثة فبشرته بها حين أصبحت وإذا بطيرها كالبخت (4) وإذا رمانها مثل الدلى (5) العظام وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل فقال هذه شجرة طوبى قال الله تعالى طوبى لهم وحسن مآب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها فقال هو سرادقات الحجب التي إحتجب الله تبارك وتعالى بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش وكل شئ فيه فانتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا الورقة منها تظل امة من الأمم فكنت منها كما قال الله تعالى قاب قوسين أو أدنى فناداني آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون قال القمي قد كتبنا ذلك في سورة البقرة. أقول: وقد نقلناه عنه هناك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا
[ 175 ]
رب أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني فقال الله وقد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا إليك قال وعلمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت اللهم أن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك وذنبي أصبح
مستجيرا بمغفرتك وذلي أصبح مستجيرا بعزك وفقري أصبح متسجيرا بغناك ووجهي البالي أصبح مستجيرا بوجهك الباقي الذي لا يفني وأقول ذلك إذا أمسيت ثم سمعت الأذان فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال الله أكبر الله أكبر فقال الله صدق عبدي أنا أكبر فقال أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي أنا الله لا إله غيري فقال أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله فقال صدق عبدي أن محمدا عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته فقال حي على الصلوة حي على الصلوة فقال صدق عبدي دعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا كانت كفارة لما مضى من ذنوبه فقال حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني ربي إني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلوة وفرضتها عليك وعلى امتك فقم بها أنت في امتك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنحدرت حتى مررت على إبراهيم عليه السلام فلم يسألني عن شئ حتى إنتهيت إلى موسى عليه السلام فقال ما صنعت يا محمد فقلت قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلوة وفرضتها عليك وعلى امتك فقال موسى يا محمد إن امتك آخر الأمم وأضعفها وإن ربك لا يرد عليك شيئا وإن امتك لا تستطيع أن تقوم بها فإرجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك فرجعت إلى ربي حتى إنتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت علي وعلى امتي خمسين صلوة ولا اطيق ذلك ولا امتي فخفف عني فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال إرجع إلى ربك لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى عليه السلام فأخبرته فقال ارجع وفي كل رجعة أرجع إليه أخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى عليه السلام وأخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني
[ 176 ]
خمسا فرجعت إلى موسى وأخبرته فقال لا تطيق فقلت قد أستحييت من ربي ولكن أصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر ومن هم من امتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا وإن لم يعمل كتبت له واحدة ومن هم من أمتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وإن لم يعملها لم أكتب عليه فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الامة خيرا فهذا تفسير قول الله عزوجل سبحان الذى أسرى بعبده الاية. وفي المجالس عن الصادق عليه السلام لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق فأتيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلى بها ورده فمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رجوعه بعير (1) لقريش وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك الماء وأهرق باقيه فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لقريش إن الله تعالى قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم وإني مررت بعير في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيرا لهم فشربت من مائهم وأهرقت باقي ذلك فقال أبو جهل قد أمكنتكم الفرصة فسألوه كم الأساطين فيها والقناديل فقالوا يا محمد أن هاهنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه فجاء جبرئيل عليه السلام فعلق صورة بيت المقدس تجاه (2) وجهه فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه فلما أخبرهم قالوا حتى يجئ العير ونسألهم عما قلت فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق (3) فلما كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبيناهم كذلك إذ أطلعت عليهم العير حين طلع القرص يقدمها جمل أورق
1 - العير بالكسر القافلة مؤنثة والابل تحمل الميرة بلا واحد من لفظها أو كل ما امتير عليه ابلا كانت أو حميرا أو بغالا ج كعنبات ويسكن ق.
2 - ووجاهك وتجاهك مثلثين تلقاء وجهك ق. 3 - الاورق من الابل ما في لونه بياض الى سواد وهو من أطيب الابل لحما لا سيرا ولا عملا ق. (*)
[ 177 ]
فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا لقد كان هذا ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماءا فأصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا. والقمي ما يقرب منه وفي كشف الغمة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال خاطبني بلغة علي بن أبي طالب عليه السلام فألهمت أن قلت يا رب خاطبتني أم علي فقال يا أحمد أنا شئ ليس كالأشياء ولا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كي ما يطمئن قلبك والأخبار في قصة المعراج كثيرة من أرادها فليطلبها في مواضعها وفيها أسرار لا يعثر عليها إلا الراسخون في العلم. (2) وآتينا موسى الكتاب (1) وجعلناه هدى لبنى إسرائيل ألا تتخذوا (2) وقرئ بالياء من دوني وكيلا ربا تكلون إليه أموركم. (3) ذرية من حملنا مع نوح (3) نصبه على الأختصاص أو النداء إنه كان عبدا شكورا كثير الشكر. في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل ما عنى بقوله إنه كان عبدا شكورا فقال كلمات بالغ فيهن قيل وما هن قال كان إذا أصبح قال أصبحت أشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فإنها منك وحدك لا شريك لك فلك الحمد على ذلك ولك الشكر كثيرا كان يقولها إذا أصبح ثلاثا وإذا أمسى ثلاثا. وفي الفقيه والعلل والقمي والعياشي ما يقرب منه على إختلاف في ألفاظ الذكر وعدده.
(4) وقضينا إلى بنى إسرائيل وأوحينا إليهم وحيا مقضيا مبتوتا في
1 - اي وجعلنا التورية حجة وبيانا وارشادا لبني اسرائيل يهتدون به مجمع البيان. 2 - اي امرناهم لا يتخذوا من دوني معتمدا يرجعون إليه في النوائب وقيل ربا يتوكلون عليه من. 3 - أي أولاد من حملنا مع نوح في السفينة فأنجيناهم من الطوفان م ن. (*)
[ 178 ]
الكتاب في التوراة لتفسدن (1) في الارض مرتين إفسادتين ولتعلن علوا كبيرا (2). (5) فإذا جاء وعد أوليهما وعد عقاب اوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا. في الجوامع عن علي عليه السلام أنه قرأ عبيدا لنا أولي بأس شديد ذوي قوة وبطش في الحرب شديد فجاسوا ترددوا لطلبكم خلال الديار وسطها للقتل والغارة والسبي وكان وعدا مفعولا وكان وعد عقابهم لابد أن يفعل. (6) ثم رددنا لكم الكرة الدولة والغلبة عليهم على الذين بعثوا عليكم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلنكم أكثر نفيرا مما كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه والمجتمعون للذهاب إلى العد. (7) إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم (3) لأن ثوابه لها وإن أسأتم فلها فإن وبالها عليها. في الجوامع عن علي عليه السلام ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه وتلا الاية قيل وإنما ذكر باللام إزدواجا. وفي العيون عن الرضا عليه السلام وإن أسأتم فلها رب يغفر فإذا جاء وعد الاخرة وعد عقوبة المرة الاخرة ليسوؤا وجوهكم بعثناهم ليسوؤا وجوهكم ليجعلوها بادية آثار المساءة فيها فحذف لدلالة ذكره أولا عليه وقرئ ليسوء على التوحيد أي الوعد أو البعث وبالنون وليدخلوا المسجد (4) كما دخلوه أول مرة وليتبروا وليهلكوا ما علوا ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم تتبيرا.
1 - اي حقا لا شك فيه ان اخلافكم سيفسدون في البلاد التي يسكنونها كرتين وهي بيت المقدس واراد بالفساد الظلم واخذ المال وقتل الانبياء وسفك الدماء م ن. 2 - أي ولتستكبرن ولتظلمن الناس ظلما عظيما والعلو نظير العتو هنا وهو الجرأة على الله تعالى والتعرض لسخطه م ن. 3 - معناه ان احسنتم في اقوالكم وافعالكم فتفع احسانكم عائد عليكم وثابه واصل اليكم تنصرون على اعدائكم الدنيا وتثابون في العقبى م ن. 4 - أي بيت المقدس ونواحيه فكنى بالمسجد وهو المسجد الاقصى عن البلد كما كنى بالمسجد الحرام عن الحرم ومعناه ليستولوا على البلد لانه لا يمكنهم دخول المسجد الا بعد الاستيلاء م ن. (*)
[ 179 ]
(8) عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم نوبة أخرى عدنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا محبسا لا يقدرون الخروج منها أبدا والعامة فسروا الأفسادتين بقتل زكريا ويحيى والعلو الكبير بإستكبارهم عن طاعة الله وظلمهم الناس والعباد أولى بأس بخت نصر وجنوده ورد الكرة عليهم برد بهمن بن إسفنديار اسراءهم إلى الشام وتمليكه دانيال عليهم ووعد الاخرة بتسليط الله الفرس عليهم مرة اخرى. وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه فسر الأفسادتين بقتل علي بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام والعلو الكبير بقتل الحسين عليه السلام والعباد أولى بأس بقوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وترا (1) لال محمد صلوات الله عليهم إلا قتلوه ووعد الله بخروج القائم عليه السلام ورد الكرة عليهم بخروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب حين كان الحجة القائم بين أظهرهم. وزاد العياشي ثم يملكهم الحسين عليه السلام حتى يقع حاجباه على عينيه.
والعياشي عنه عليه السلام أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه ويزيد بن معوية وأصحابه فيقتلهم حذوا القذة بالقذة ثم تلا هذه الاية ثم رددنا. وفي رواية أخرى للعياشي عن الباقر عليه السلام إن العباد أولى بأس هم القائم وأصحابه والقمي وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب أي أعلمناهم ثم إنقطعت مخاطبة بني إسرائيل وخاطب الله أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال لتفسدن في الارض مرتين يعني فلانا وفلانا وأصحابهما ونقضهم العهد ولتعلن علوا كبيرا يعني ما إدعوه من الخلافة فإذا جاء وعد أولاهما يعني يوم الجمل بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد يعني أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه فجاسوا خلال
1 - الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا وترة ص. (*)
[ 180 ]
الديار أي طلبوكم وقتلوكم وكان وعدا مفعولا يعني يتم ويكون ثم رددنا لكم الكرة عليهم يعني لبني أمية على آل محمد وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا من الحسن والحسين عليهما السلام ابني علي وأصحابهما وسبوا نساء آل محمد صلوات الله عليهم فإذا جاء وعد الاخرة يعني القائم وأصحابه ليسوؤا وجوهكم يعني يسود وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأمير المؤمنين عليه السلام وليتبروا ما علوا تتبيرا أي يعلو عليكم فيقتلوكم ثم عطف على آل محمد فقال عسى ربكم أن يرحمكم أي ينصركم على عدوكم ثم خاطب بني امية فقال وإن عدتم عدنا يعني إن عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد صلوات الله عليهم وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا حبسا يحصرون فيها. (9) إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم للطريقة التي هي أقوم الطرق وأشد استقامة. في الكافي عن الصادق عليه السلام أي يدعو وعنه عليه السلام يهدي إلى
الأمام عليه السلام. والعياشي مقطوعا مثله. وعن الباقر عليه السلام يهدي إلى الولاية. وفي المعاني عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده السجاد عليهما السلام الأمام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا فقيل ما معنى المعصوم قال هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن والقرآن يهدي إلى الأمام وذلك قول الله عز وجل إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا. (10) وأن الذين لا يؤمنون بالاخرة أعتدنا لهم عذابا أليما يعني يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم. (11) ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير مثل دعائه بالخير وكان الانسان
[ 181 ]
عجولا في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام وأعرف طريق نجاتك وهلاكك كيلا تدعوا الله بشئ عسى فيه هلاكك وأنت تظن أن فيه نجاتك قال الله تعالى ويدع الانسان الاية. والعياشي عنه عليه السلام قال لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه وثب ليقوم قبل أن يستتم خلقه فسقط فقال الله عز وجل وكان الانسان عجولا. (12) وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتطلبوا في بياض النهار أسباب معايشكم ولتعلموا بإختلافهما ومقاديرهما عدد السنين والحساب وكل شئ تفتقرون إليه في أمر الدين والدنيا فصلناه تفصيلا بيناه بيانا غير ملتبس في نهج البلاغة وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها وقمرها آية ممحوة من ليلها وأجراهما في مناقل مجراهما وقدر مسيرهما في
مدارج مدرجهما ليتميز بين الليل والنهار بهما وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما. وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور قال لما خلقهما الله عز وجل أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ولا علم الصائم كم يصوم ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول الله عز وجل وجعلنا الليل والنهار آيتين الاية. وفي الأحتجاج قال ابن الكوا لأمير المؤمنين عليه السلام أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء أما سمعت الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة. وعن الصادق عليه السلام لما خلق الله القمر كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو السواد الذي ترونه. والعياشي ما يقرب من الحديثين.
[ 182 ]
(13) وكل إنسان ألزمناه طائره عمله وما قدر له كأنه طير له من عش الغيب ووكر القدر في عنقه لزوم الطوق في عنقه. العياشي عنهما عليهما السلام. والقمي قال قدره الله الذي قدر عليه. والقمي عن الباقر عليه السلام خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل ونخرج له يوم القيمة كتابا هي صحيفة عمله. أقول: هي بعينها نفسه التي رسخت فيها آثار أعماله بحيث انتقشت بها يلقيه منشورا لكشف الغطاء وقرئ يلقاه بالتشديد والبناء للمفعول.
(14) اقرأ كتابك على إرادة القول كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتى كأنه فعله في تلك الساعة فلذلك قالوا يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. (15) من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا تحمل نفس حاملة وزرا وزرت نفس اخرى بل إنما تحمل وزرها وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا يبين الحجج ويمهد الشرايع فيلزمهم الحجة. في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة قال لا قيل فهل كلفوا المعرفة قال لا على الله البيان لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. (16) وإذا أردنا أن نهلك قرية وإذا تعلقت إرادتنا بإهلاك قوم بدنو وقته المقدر أمرنا مترفيها متنعميها ففسقوا فيها. القمي كثرنا جبابرتها. والعياشي عن الباقر عليه السلام أمرنا مشددة ميمه تفسيره كثرنا وقال لا قرأتها مخففة وعنه عليه السلام أمرنا أكابرها.
[ 183 ]
وفي المجمع عنه عليه السلام إنه قرأ أمرنا بتشديد الميم وعن علي عليه السلام إنه قرئ آمرنا على وزن عامرنا يقال آمرت الشئ وآمرته فأمر إذا كثرته وفي الحديث خير المال سكة مابورة (1) ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج والسكة النخل والمهرة الفرس وقيل تخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور فحق عليها القول يعني كلمة العذاب فدمرناها تدميرا أهلكناها. (17) وكم أهلكنا وكثيرا أهلكنا من القرون من بعد نوح كعاد وثمود
وكفي بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها. (18) من كان يريد العاجلة النعمة الدنيوية مقصورا عليها همته عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والأرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه ولا كل أحد جميع ما يهواه وليعلم إن الأمر بالمشيئة ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا مطرودا من رحمة الله. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم معنى الاية من كان يريد ثواب الدنيا بعمله الذي إفترضه الله عليه لا يريد به وجه الله والدار الاخرة عجل له ما يشاء الله من عرض الدنيا وليس له ثواب في الاخرة وذلك إن الله سبحانه يؤتيه ذلك ليستعين به على الطاعة فيستعمله في معصية الله فيعاقبه الله عليه. (19) ومن أراد الاخرة وسعى لها سعيها حقها من السعي وهو الأتيان بما أمر به والأنتهاء عما نهي عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم وفائدة اللام إعتبار النية والأخلاص وهو مؤمن إيمانا لا شرك فيه ولا تكذيب فأولئك كان سعيهم مشكورا من الله مقبولا عنده مثابا عليه. روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن أراد الاخرة فليترك زينة الحياة الدنيا
(20) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك كل واحد من الفريقين نتفضل عليه بالعطاء مرة بعد أخرى نجعل الانف منه مددا للسالف لا نقطعه فنرزق المطيع والعاصي جميعا وما كان عطاء ربك محظورا ممنوعا لا يمنع العاصي لعصيانه. (21) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الدنيا وللاخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا أي التفاوت في الاخرة أكثر.
في المجمع روي أن ما بين أعلى درجات الجنة وأسفلها مثل ما بين السماء والأرض. والعياشي عن الصادق عليه السلام لا تقولن الجنة واحدة إن الله يقول ومن دونهما جنتان ولا تقولن درجة واحدة إن الله يقول درجات بعضها فوق بعض إنما تفاضل القوم بالأعمال قيل له إن المؤمنين يدخلان الجنة فيكون أحدهما أرفع مكانا من الاخر فيشتهي أن يلقى صاحبه قال من كان فوقه فله أن يهبط ومن كان تحته لم يكن له أن يصعد لأنه لم يبلغ ذلك المكان ولكنهم إذا أحبوا ذلك وإستهووه إلتقوا على الأسرة وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يرتفع العباد غدا في الدرجات وينالون الزلفي من ربهم على قدر عقولهم. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إن الثواب على قدر العقل. (22) لا تجعل مع الله إلها آخر الخطاب لكل أحد أو للرسول والمراد به أمته كما قاله القمي فتقعد مذموما مخذولا يعني إذا فعلت ذلك بقيت ما عشت مذموما على ألسنة العقلاء مخذولا لا ناصر لك وإنما عبر عن ذلك بالقعود لأن في القعود معنى الذل والعجز والهوان يقال قعد به الضعف. (23) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وأمر أمرا مقطوعا به بأن لا تعبدوا إلا إياه لأن غاية التعظيم لا يحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الأنعام ويجوز أن يكون أن مفسرة ولا ناهية ويأتي فيه حديث بعد ثماني عشرة آية وبالوالدين إحسانا أن تحسنوا أو أحسنوا بالوالدين إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش إما يبلغن إما أن
[ 185 ]
الشرطية زيدت عليها ما للتأكيد ولهذا صح لحوق النون عندك الكبر في كنفك وكفالتك أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف إن أضجراك ولا تنهرهما ولا تزجرهما. القمي أي لا تخاصمهما وقل لهما قولا كريما حسنا جميلا.
(24) واخفض لهما جناح الذل جناحك الذليل أو جعل الذل جناحا للمبالغة أي تذلل لهما وتواضع من الرحمة من فرط رحمتك عليهما لأفتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله إليهما وقل رب ارحمهما وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية كما ربياني صغيرا جزاء لرحمتهما علي وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما هذا الأحسان فقال أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا وإن كانا مستغنيين أليس الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما قال إن أضجراك فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما إن ضرباك وقل لهما قولا كريما قال إن ضرباك فقل لهما غفر الله لكما فذلك منك قول كريم واخفض لهما جناح الذل من الرحمة قال لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ولا تقدم قدامهما. وعنه عليه السلام لو علم الله شيئا أدنى من أف لنهى عنه وهو من أدنى العقوق. وزاد في الكافي ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما. وعن الكاظم عليه السلام سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حق الوالد على ولده قال لا يسميه باسمه ولا يمشي بين يديه ولا يجلس قبله ولا يستسب له. وفي الجوامع إن النبي صلى الله عليه وآله قال رغم أنفه ثلاث مرات قالوا من يا رسول الله قال من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ولم يدخل الجنة.
[ 186 ]
وعن حذيفة أنه إستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قتل أبيه وهو
في صف المشركين فقال دعه يله غيرك. (25) ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للاوابين غفورا. العياشي عن الصادق عليه السلام هم التوابون المتعبدون. وفي المجمع عنه عليه السلام الأواب التواب المتعبد الراجع عن ذنبه. وعنه عليه السلام صلاة أربع ركعات تقرأ في كل ركعة خمسين مرة قل هو الله أحد. (26) وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل قيل في تفسير العامة وصى سبحانه بغير الوالدين من القرابات والمساكين وأبناء السبيل بأن تؤتى حقوقهم بعد أن وصى بهما وقيل فيه أن المراد بذي القربى قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والقمي يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزلت في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك والمسكين من ولد فاطمة وأبن السبيل من آل محمد صلوات الله عليهم وولد فاطمة عليها السلام وأورد في سورة الروم قصة فدك مفصلة في تفسير نظير هذه الاية. وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام في حديث له مع المهدي إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فدك وما وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وآت ذا القربى حقه ولم يدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هم فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل ربه فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة عليها السلام فدعاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك فقالت قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك الحديث. وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث له مع المأمون والاية الخامسة قول الله تعالى وآت ذا القربى حقه خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم
[ 187 ]
على الامة فلما نزلت هذه الاية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ادعوا لي فاطمة عليها السلام فدعيت له فقال يا فاطمة قالت لبيك يا رسول الله فقال هذه فدك هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين فقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك. والعياشي عن الصادق عليه السلام لما أنزل الله وآت ذا القربى حقه والمسكين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا جبرئيل قد عرفت المسكين من ذو القربى قال هم أقاربك فدعا حسنا وحسينا وفاطمة عليهم السلام فقال إن ربي أمرني أن أعطيكم مما أفاء الله علي قال اعطيكم فدك مع أخبار أخر في هذا المعنى. وفي الأحتجاج عن السجاد عليه السلام إنه قال لبعض الشاميين أما قرأت هذه الاية وآت ذا القربى حقه قال نعم قال فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أن يؤتيهم حقهم. وفي المجمع عنه عليه السلام برواية العامة ما في معناه. وعن أبي سعيد الخدري أنه لما نزلت هذه الاية أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام فدك. وبالجملة الأخبار في هذا المعنى مستفيضة وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث ثم قال جل ذكره وآت ذا القربى حقه وكان علي عليه السلام وكان حقه الوصية التي جعلت له والأسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة. أقول: لا تنافي بين هذا الحديث والأحاديث السابقة ولا بينهما وبين تفسيري العامة ولا بين تفسيريهم كما يظهر للمتدبر العارف بمخاطبات القرآن ومعنى الحقوق ومن الذي له الحق ومن الذي لا حق له والحمد لله ولا تبذر تبذيرا بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الأسراف وأصل التبذير التفريق في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه مر بسعد وهو يتوضأ فقال ما هذا السرف يا سعد قال أفي الوضوء سرف
قال نعم وإن كنت على نهر جار.
[ 188 ]
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل إتق الله ولا تسرف ولا تقتر وكن بين ذلك قواما إن التبذير من الأسراف قال الله ولا تبذر تبذيرا. والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال من أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذر ومن أنفق في سبيل الله فهو مقتصد. وعنه عليه السلام إنه سئل أفيكون تبذير في حلال قال نعم. وعنه عليه السلام أنه دعا برطب فأقبل بعضهم يرمي بالنوى فقال عليه السلام لا تفعل إن هذا من التبذير وأن الله لا يحب الفساد. وفي المجالس عنه عليه السلام في قول الله ولا تبذر تبذيرا قال لا تبذر في ولاية علي عليه السلام. (27) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين أمثالهم السالكين طريقتهم وهذا هو غاية الذم وكان الشيطان لربه كفورا مبالغا في الكفر فينبغي أن لا يطاع. (28) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرتك بإيتاء حقوقهم حياءا من الرد لتبتغي الفضل من ربك والسعة التي يمكنك معها البذل فقل لهم قولا لينا وعدهم عدة جميلة فوضع الأبتغاء موضع فقد الرزق لأن فاقد الرزق مبتغ له. وفي المجمع والعياشي روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لما نزلت هذه الاية إذا سئل ولم يكن عنده ما يعطي قال يرزقنا الله وإياكم من فضله. (29) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك (1) ولا تبسطها كل البسط (2) تمثيل لمنع الشحيح وإسراف المبذر نهى عنهما وأمر بالأقتصاد بينهما الذي هو الكرم والجود فتقعد ملوما محسورا.
1 - أي لا تكن ممن لا يعطي شيئا ولا يهب فتكون بمنزلة من يده مغلولة الى عنقه لا يقدر على الاعطاء والبذل وهذا مبالغة في النهي عن الشح والامساك. 2 - أي ولا تعطي أيضا جميع ما عندك فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شئ وهذا كناية عن الاسراف. (*)
[ 189 ]
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلا أعطاه فأرسلت إليه إمرأة إبنا لها فقالت إنطلق إليه فاسأله فإن قال ليس عندنا شئ فقل اعطني قميصك قال فأخذ قميصه وأعطاه فأدبه الله على القصد فقال ولا تجعل يدك الاية. وفي الكافي عنه عليه السلام في حديث ثم علم الله نبيه كيف ينفق وذلك أنه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فتصدق بها فأصبح وليس عنده شئ وجاء من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل وإغتم هو حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيما رقيقا فأدب الله نبيه بأمره فقال ولا تجعل يدك الاية يقول قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال. وعنه عليه السلام في هذه الاية قال الأحسار الفاقة. والعياشي عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الاية الأحسار الأقتار والقمي قال كان سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يرد أحدا يسأله شيئا عنده فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شئ فقال يكون إن شاء الله فقال يا رسول الله أعطني قميصك فأعطاه قميصه فأنزل الله ولا تجعل الاية فنهاه الله أن يبخل ويسرف ويقعد محسورا من الثياب فقال الصادق عليه السلام المحسور العريان. وفي التهذيب والعياشي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك قال ضم يديه فقال هكذا ولا تبسطها كل البسط قال بسط راحته وقال
هكذا. (30) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسعه ويضيقه بحسب المصلحة إنه كان بعباده خبيرا بصيرا فيعلم مصالحهم وما ينبغي لهم وما لا ينبغي كما ورد في الحديث القدسي وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وقال وإني لأعلم بمصالح
[ 190 ]
عبادي وتمام الحديث يطلب في الكافي وفي نهج البلاغة وقدر الأرزاق فكثرها وقللها وقسمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها ومعسورها وليختبر بذلك الشكر والصبر من غنيها وفقيرها. (31) ولا تقتلوا أولادكم (1) خشية إملاق. القمي يعني مخافة الفقر والجوع فإن العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك. والعياشي عن الصادق عليه السلام الحاج لا يملق أبدا قيل ما الأملاق فقال الأفلاس ثم تلا هذه الاية نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ذنبا كبيرا وقرئ بفتح الخاء والطاء وهو ضد الصواب أو بمعنى الخطاء وبالكسر والمد وهو إما لغة فيه أو مصدر. (32) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة قبيحة زائدة على حد القبح وساء سبيلا (2). القمي عن الباقر عليه السلام يقول معصية ومقتا فإن الله يمقته ويبغضه قال وساء سبيلا وهو أشد النار عذابا والزنا من أكبر الكباير. وفي الفقيه والخصال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في وصيته له يا علي في الزنا ست خصال ثلاث منها في الدنيا وثلاث في الاخرة فأما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل
الفناء ويقطع الرزق وأما التي في الاخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النار وعنه عليه السلام إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل. (33) ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق إلا بإحدى ثلاث كفر بعد الأيمان وزنا بعد إحصان وقتل مؤمن عمدا ومن قتل مظلوما غير مستوجب للقتل فقد
1 - وانما نهاهم الله عن ذلك لانهم كانوا يئدون البنات يدفنوهن أحياء. 2 - فيه إشارة الى ان العقل يقبح الزنا من حيث انه لا يكون للولد نسب إذ ليس بعض الزناة اولى به من بعض فيؤدي الى قطع الانساب وابطال المواريث وابطال صلة الرحم وحقوق الاباء على الاولاد وذلك مسنكر في العقول. (*)
[ 191 ]
جعلنا لوليه لمن يلي أمره بعد وفاته سلطانا تسلطا بالمؤاخذة فلا يسرف في القتل وقرئ بالتاء إنه كان منصورا. القمي يعني ينصر ولد المقتول على القاتل. وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية قيل فما هذا الأسراف الذي نهى الله عنه قال نهى أن يقتل غير قاتله أو يمثل بالقاتل قيل فما معنى قوله إنه كان منصورا قال وأي نصرة أعظم من أن يدفع القاتل إلى أولياء المقتول فتقتله ولا تبعة تلزمه من قتله في دين ولا دنيا. وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيهم شاؤوا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد إن الله عز وجل يقول ومن قتل مظلوما إلى قوله فلا يسرف في القتل. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفا. (34) ولا تقربوا مال اليتيم فضلا عن أن تتصرفوا فيه إلا بالتى هي أحسن إلا بالطريقة التي هي أحسن وهي حفظه عليه حتى يبلغ أشده.
في الفقيه عن الصادق عليه السلام إنقطاع يتم اليتيم الأحتلام وهو أشده وعنه عليه السلام إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة سنة وجب عليه ما وجب على المحتلمين إحتلم أو لم يحتلم كتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شئ إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها. والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب منه وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا. في الخصال عن الصادق عليه السلام ثلاث لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة وعد منها الوفاء بالعهد.
[ 192 ]
(35) وأوفوا الكيل إذا كلتم ولا تبخسوا فيه وزنوا بالقسطاس المستقيم بالميزان السوي وقرئ بكسر القاف. القمي عن الباقر عليه السلام هو الميزان الذي له لسان ذلك خير وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة. (36) ولا تقف ولا تتبع. القمي أي لا تقل ما ليس لك به علم. القمي قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بهت (1) مؤمنا أو مؤمنة اقيم في طينة (2) خبال أو يخرج مما قال إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية يسئل السمع عما سمع والبصر عما نظر إليه والفؤاد عما عقد عليه. والكافي وفي الفقيه والقمي والعياشي عنه عليه السلام قال له رجل إن لي جيرانا ولهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فاطيل الجلوس إستماعا
مني لهن فقال الصادق عليه السلام لا تفعل فقال والله ما هو شئ آتيه برجلي إنما هو سماع أسمعه باذني فقال له الصادق عليه السلام تالله أنت أما سمعت الله يقول إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فقال الرجل كأني لم أسمع بهذه الاية من كتاب الله من عربي ولا عجمي لا جرم إني قد تركتها وأنا أستغفر الله الحديث. وفي العلل عن السجاد عليه السلام ليس لك أن تتكلم بما شئت لأن الله
1 - بهته كمنعه بهتا وبهتا وبهتانا قال عليه ما لم يفعل ق. 2 - قوله في طينة خبال بفتح خاء وباء موحدة وفسرت بصديد اهل النار وما يخرج من فروج الزناة فيجمع ذلك في قدر جهنم م. (*)
[ 193 ]
يقول ولا تقف ما ليس لك به علم ولأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو صمت فسلم وليس لك أن تسمع ما شئت لأن الله عز وجل يقول إن السمع والبصر الاية. وفي مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام ومن نام بعد فراغه من أداء الفرائض والسنن والواجبات من الحقوق فذلك نوم محمود وإني لا أعلم لأهل زماننا هذا إذا أتوا بهذه الخصال أسلم من النوم لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة أحوالهم وأخذوا شمال الطريق والعبد إن إجتهد أن لا يتكلم كيف يمكنه أن لا يسمع إلا ما له مانع من ذلك وأن النوم من أحد تلك الالات قال الله عز وجل إن السمع والبصر وتلا الاية. (37) ولا تمش في الارض مرحا ذا مرح وهو الأختيال. القمي أي بطرا وفرحا إنك لن تخرق الارض لن تجعل فيها خرق لشدة وطأتك القمي أي لن تبلغها كلها ولن تبلغ الجبال طولا بتطاولك.
القمي أي لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال قيل هو تهكم بالمختال وتعليل للنهي بأن الأختيال حماقة مجردة لا يعود بجدوى ليس في التذلل في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لمحمد بن الحنفية وفرض على الرجلين أن تثقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص فقال عز وجل ولا تمش في الارض مرحا. (38) كل ذلك إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة من قوله ولا تجعل مع الله إلها آخر وعن إبن عباس إنها المكتوبة في ألواح موسى كان سيئه يعني المنهي عنه وقرئ سيئة عند ربك مكروها مبغوضا. (39) ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه ورأس الحكمة وملاكها فتلقى في جهنم ملوما تلوم نفسك مدحورا مبعدا عن رحمة الله. القمي فالمخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى للناس.
[ 194 ]
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أدخله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق ولن يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسنا إلى قوله إنه كان بعباده خبيرا بصيرا أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على إجتراح شئ مما نهى عنه وأنذر نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وتلا الايات إلى قوله ملوما مدحورا. (40) أفأصفيكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا.
القمي هو رد على قريش فيما قالوا إن الملائكة هي بنات الله إنكم لتقولون قولا عظيما بإضافة الولد إليه ثم بتفضيل أنفسكم عليه حيث تجلعون له ما تكرهون ثم يجعل الملائكة الذين هم من أشرف خلق الله دونهم. (41) ولقد صرفنا كررنا الدلائل وفصلنا العبر في هذا القرآن ليذكروا ليتعظوا ويعتبروا وما يزيدهم إلا نفورا عن الحق. القمي قال إذا اسمعوا القرآن ينفروا عنه ويكذبوه. (42) قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا لطلبوا إلى مالك الملك سبيلا بالتقرب والطاعة كما يأتي في هذه السورة أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب. (43) سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا. (44) تسبح له وقرء بالتاء السموات السبع والارض ومن فيهن وإن من
1 - فيعلموا الحق وحذف ذكر الدلائل والعبر لدلالة الكلام عليه وعلم السامع به مجمع البيان. (*)
[ 195 ]
شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام تنقض الجدر تسبيحها. وعنه عليه السلام ما من طير يصاد إلا بتضييعه التسبيح وعن الباقر عليه السلام إنه سئل أتسبح الشجرة اليابسة فقال نعم أما سمعت خشب البيت كيف ينقض وذلك تسبيحه لله فسبحان الله على كل حال. أقول: وذلك لأن نقصانات الخلايق دلائل كمالات الخالق وكثراتها واختلافاتها شواهد وحدانيته وإنتفاء الشريك عنه والضد والند كما قال أمير المؤمنين عليه السلام بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له
الحديث فهذا تسبيح فطري وإقتضاء ذاتي نشأ عن تجل تجلى لهم فأحبوه وابتعثوا إلى الثناء عليه من غير تكليف وهي العبادة الذاتية التي أقامهم الله فيها بحكم الأستحقاق الذي يستحقه جل جلاله ويأتي زيادة بيان لهذا في سورة النور إن شاء الله إنه كان حليما لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم غفورا لمن تاب منكم. (45) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة حجابا مستورا عن الحسن من قدرة الله يحجبك عنهم. (46) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه أي يمنعهم أن يفقهوه تكنها وتحول دونها عن إدراك الحق وقبوله وفي آذانهم وقرا يمنعهم عن استماعه وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده غير مشفوع به آلهتهم ولوا على أدبارهم نفورا هربا من استماع التوحيد ونفرة. في الكافي عن الصادق عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل إلى منزله وإجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته فتولي قريش فرارا فأنزل الله عز وجل في ذلك وإذا ذكرت ربك الاية. والقمي قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى تهجد بالقرآن
[ 196 ]
ويستمع له قريش لحسن صوته فكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فروا عنه. والعياشي عنه عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى بالناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم فتخلف من خلفه من المنافقين عن الصفوف فإذا جازها في السورة عادوا إلى مواضعهم وقال بعضهم لبعض إنه ليردد إسم ربه ترددا إنه ليحب ربه فأنزل الله وإذا ذكرت ربك الاية. (47) نحن أعلم بما يستمعون به بسببه من اللغو والأستهزاء بالقرآن إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى متناجون إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا
رجلا مسحورا قد سحر به فجن واختلط عليه عقله. (48) انظر كيف ضربوا لك الامثال مثلوك بالساحر والشاعر والكاهن والمجنون فضلوا عن الحق فلا يستطيعون سبيلا إليه. (49) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ترابا وغبارا وانتثر لحومنا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا على الأنكار والأستبعاد. العياشي عن الصادق عليه السلام جاء ابي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته (1) ثم قال يا محمد إذا كنا عظاما ورفاتا (2) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا فأنزل الله تعالى قل من يحيى العظام وهى رميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. (50) قل جوابا لهم كونوا حجارة أو حديدا. (51) أو خلقا مما يكبر في صدوركم فإنه يقدر على إعادتكم أحياءا. القمي عن الباقر عليه السلام الخلق الذي يكبر في صدوركم الموت فسيقولون من يعيدنا قل الذى فطركم أول مرة فإن من يقدر على الأنشاء كان على الأعادة
1 - الفت الدق والكسر بالاصابع والشق في الصخرة ق. 2 - الرفات ما يكسر ويبلى من كل شئ ويكثر بناء فعال في كل ما يحطم ويرضض يقال حطام ودقاق وتراب وقال المبرد كل شئ مدقوق مبالغ في دقه حتى انسحق فهو رفات. (*)
[ 197 ]
أقدر فسينغضون (1) إليك رؤسهم فيحركون نحوك رؤوسهم تعجبا واستهزاءا ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا فإن كل من هو آت قريب. (52) يوم يدعوكم فتستجيبون أي يوم يبعثكم فتبعثون منقادين استعار لهما الدعاء والأستجابة للتنبيه على سرعتهما وتيسر أمرهما بحمده حامدين لله على كمال قدرته.
في الجوامع روي أنهم ينفضون (2) التراب عن رؤوسهم ويقولون سبحانك اللهم وبحمدك وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وتستقصرون مدة لبثكم. (53) وقل لعبادي يعني المؤمنين يقولوا التى هي أحسن أي يقولوا للمشركين الكلمة التي هي أحسن ولا يخاطبوهم بما يغيظهم ويغضبهم إن الشيطان ينزغ بينهم يهيج بينهم المراء والشر فلعل المخاشنة (3) بهم يفضي إلى العناد وإزدياد الفساد إن الشيطان كان للانسان عدوا مبينا ظاهر العداوة. (54) ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم قيل هي تفسير للتي هي أحسن وما بينهما إعتراض أي يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا يصرحوا بأنهم من أهل النار فإن لك يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله وما أرسلناك عليهم وكيلا موكولا إليك أمرهم تجبرهم على الأيمان وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالأحتمال منهم. (55) وربك أعلم بمن في السموت والارض وأحوالهم فيختار منهم لنبوته وولايته من يستأهل لهما وهو رد لأستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا وأن يكون الفقراء أصحابه ولقد فضلنا بعض النبين على بعض وآتينا داود زبورا.
1 - يقال انغض رأسه ينغضه ونغض برأسه ينغضه نغضا إذا حركه قالوا والنغض تحريك الرأس بارتفاع وانخفاض م ن. 2 - نفضت الثوب والشجر انفضه نفضا حركته لينتفض. 3 - خشن ككرم خشنا وخشانة ضد لان وخاشنه ضد لاينه. (*)
[ 198 ]
في الكافي عن الصادق عليه السلام سادة النبيين والمرسلين خمسة وهم أولوا العزم من الرسل وعليهم دارت الرحى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جميع الأنبياء.
وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى فضل أنبياءه المرسلين على الملائكة المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلن والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من ولدك وأن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا الحديث. (56) قل ادعوا الذين زعمتم أنها آلهة من دونه كالملائكة والمسيح وعزير فلا يملكون فلا يستطيعون كشف الضر عنكم كالمرض والفقر والقحط ولا تحويلا ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم. (57) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة هؤلاء الالهة يبتغون إلى الله القربة بالطاعة أيهم أقرب أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه كسائر العباد فكيف يزعمون أنهم آلهة إن عذاب ربك كان محذورا حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الملائكة والرسل. (58) وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب في اللوح المحفوظ مسطورا مكتوبا. في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية فقال هو الفناء بالموت. والعياشي عن الباقر عليه السلام إنما أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأمم فمن مات فقد هلك. وعن الصادق عليه السلام قال بالقتل والموت وغيره. (59) وما منعنا أن نرسل بالايات التي اقترحتها قريش إلا أن كذب بها الاولون إلا تكذيب الأولين الذين هم أمثالهم كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذبوا بها كما
[ 199 ]
كذب أولئك وإستوجبوا العذاب العاجل المستأصل ومن حكمته سبحانه في هذه الأمة أن لا يعذبهم بعذاب الأستيصال تشريفا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم كما قال وما كان
الله ليعذبهم وأنت فيهم. القمي عن الباقر عليه السلام إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم سأله قومه أن يأتيهم بآية فنزل جبرئيل وقال إن الله يقول وما منعنا أن نرسل بالايات إلا أن كذب بها الاولون وكنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم فلذلك أخرنا عن قومك الايات وآتينا ثمود الناقة بسؤالهم مبصرة آية بينة فظلموا بها فظلموا أنفسهم بسبب عقرها وما نرسل بالايات إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الاخرة فإن أمر من بعثت إليهم مؤخر إلى يوم القيامة. (60) وإذ قلنا لك أوحينا إليك إن ربك أحاط بالناس فهم في قبضة قدرته وقيل يعني بقريش أي أهلكهم من أحاط بهم العدو أي أهلكهم يعني بشرناك بوقعة بدر ونصرتك عليهم وهو قوله سيهزم الجمع ويولون الدبر سيغلبون ويحشرون إلى جهنم فجعله سبحانه كأنه قد كان على عادته في إخباره وما جعلنا الرؤيا التى أريانك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن عطف على الرؤيا ونخوفهم بأنواع التخويف فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا إلا عتوا متجاوزا عن الحد. العياشي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رآى إن رجالا من بني تيم وعدي على المنابر يردون الناس عن الصراط القهقرى قيل والشجرة الملعونة قال هم بنو امية. وعن الصادق عليه السلام مثله إلا أنه قال رأى أن رجالا على المنابر يردون الناس ضلالا زريق وزفر. أقول: وهما كنايتان عن الأولين وتيم وعدي جداهما قال. وفي رواية اخرى عنه عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد
[ 200 ]
رأى رجالا من نار على منابر من نار يردون الناس على أعقابهم القهقري قال ولسنا نسمي أحدا وفي أخرى إنا لا نسمي الرجال بأسمائهم ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله رآى قوما على منبره يضلون الناس بعده عن الصراط القهقري وفي رواية اخرى قال رأيت الليلة صبيان بني امية يرقون على منبري هذا فقلت يا رب معي فقال لا ولكن بعدك وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوما كئيبا حزينا فقال له علي عليه السلام ما لي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا فقال وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي وبني امية يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الأسلام القهقري فقلت يا رب في حياتي أو بعد موتي فقال بعد موتك. أقول: معنى هذا الخبر مستفيض بين الخاصة والعامة إلا أن العامة رووا تارة أنه رآى قوما من بني امية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال هو حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وأخرى أن قرودا تصعد منبره وتنزل فساءه ذلك واغتم به. والقمي قال نزلت لما رأى النبي صلى الله عليه وآله في نومه كأن قرودا تصعد منبره فساءه ذلك وغمه غما شديدا فأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا (1) فيها والشجرة الملعونة كذا نزلت وهم بنو امية والعياشي عن الباقر عليه السلام وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن يعني بني امية ومضمرا أنه سئل عن هذه الاية فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله نام فرآى إن بني امية يصعدون منبره يصدون الناس كلما صعد منهم رجل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الذلة والمسكنة فاستيقظ جزوعا من ذلك فكان الذين رآهم إثنى عشر رجلا من بني أمية فأتاه جبرئيل بهذه الاية ثم قال جبرئيل إن بني امية لا يملكون شيئا إلا ملك أهل البيت ضعفيه. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال إن معاوية
وابنه سيليانها بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحد بعد
1 - يقال عمه في طغيانه عمها من باب تعب إذا تردد متحيرا ومنه عامه وعمه اي متحير جائر عن الطريق فالعمه في الرأي خاصة م. (*)
[ 201 ]
واحد تكملة إثنى عشر إمام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله صلى الله عليه وآله على منبره يردون الأمة على أدبارهم القهقر عشرة منهم من بني امية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة وفي مقدمة الصحيفة السجادية عن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذته نعسة (1) وهو على منبره فرآى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردون الناس على أعقابهم القهقري فاستوى رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا والحزن يعرف في وجهه فأتاه جبرئيل بهذه الاية وما جعلنا الرؤيا التى أريناك الاية يعني بني امية قال يا جبرئيل أعلى عهدي يكونون وفي زمني قال لا ولكن تدور رحى الأسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا ثم تدور رحى الأسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا ثم لابد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثم ملك الفراعنة قال وأنزل الله في ذلك إنا أنزلنه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ب ليلة القدر خير من ألف شهر تملكها بنو امية ليس فيها ليلة القدر قال فاطلع الله نبيه أن بني امية تملك سلطان هذه الامة وملكها طول هذه المدة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله بزوال ملكهم وهم في ذلك مستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم. أقول: وإنما اري صلى الله عليه وآله رد الناس عن الأسلام القهقرى لأن الناس كانوا يظهرون الأسلام وكانوا يصلون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من
الأسلام شيئا فشيئا كالذي يرتد عن الصراط السوي القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رآى نفسه في الجحيم. وفي الأحتجاج عن الحسن بن علي عليهما السلام في حديث أنه قال لمروان بن الحكم أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك (2) ولا سببت أباك ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه
1 - النعاس بالضم وأول النوم وهي ريح لطيفة تأتي من قبل الدماغ تغطي العين ولا تصل الى القلب فإذا وصلت إليه كان نوما وقد نعست بالفتح انعس نعاسا ونعس ينعس من باب قتل ورجل ناعس اي وسنان م. 2 - سبه قطعه وطعنه في السبة اي الاست وشتمه سبا ق. (*)
[ 202 ]
محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لك ولأبيك من قبلك وما زادك الله يامروان بما خوفك إلا طغيانا كبيرا وصدق الله وصدق رسوله بقول الله تعالى والشجرة الملعونة في القرآن وخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وجعل أهل الكتاب القائمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الايات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه. أقول: وفي قوله سبحانه فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا لطافة لا تخفي. (61) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس قال ءأسجد (1) لمن خلقت طينا قد سبق تفسيره.
(62) قال أرأيتك هذا الذى كرمت على يعني أخبرني هذا الذي كرمته علي أي فضلته وإخترته علي لم إخترته علي وأنا خير منه فحذف للأختصار لئن أخرتن إلى يوم القيامة كلام مبتدأ واللام للقسم لاحتنكن (2) ذريته إلا قليلا أي لأستأصلنهم بالأغواء ولأستولين عليهم إلا قليلا لا أقدر أن اقاوم سكينتهم. (63) قال اذهب إمض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه
1 - فهو استفهام بمعنى الانكار اي كيف اسجد له وانا افضل منه واصلي اشرف من اصله وفي هذا دلالة على ان ابليس فهم من ذلك تفضيل آدم على الملائكة ولولا ذلك لما كان لامتناعه عن السجود وجه وانما جاز ان يأمرهم سبحانه بالسجود لادم ولم يجر ان يأمرهم بالعبادة له لان السجود يترتب في التعظيم بحسب ما يراد به وليس كذلك العبادد التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع لانه يترتب في التعظيم لجنسه يبين ذلك انه لو سجد ساهيا لم يكن له منزلة في التعظيم على قياس غيره من افعال الجوارح م ن. 2 - الاحتناك الاقتطاع من الاصل يقال احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم إذا استقصاه فاخذه كله واحتنك الجراد الزرع إذا اكله وقيل انه من قولهم حنك الدابة إذا جعل في حنكها الاسفل حبلا يقودها به م ن. (*)
[ 203 ]
وقد سبق في هذا المعنى حديث في سورة الأعراف فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب جزاء موفورا مكملا. (64) واستفزز واستخف من استطعت منهم أن تستفزه والفز الخفيف بصوتك بدعائك إلى الفساد وأجلب عليهم وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح بخيلك ورجلك بفرسانك وراجليك فأجسرهم عليهم تمثيل لتسلطه على من يغويه بمن صوت على قوم فاستفزهم من أماكنهم وأجلب عليهم بجنده حتى إستأصلهم وشاركهم في الاموال بحملها على كسبها وجمعها من الحرام وانفاقها فيما لا ينبغي والاولاد. في الكافي والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي (1) قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا
ما قيل له فإن فتشته لم تجده إلا لغية (2) أو شرك شيطان قيل يا رسول الله وفي الناس شرك شيطان فقال أما تقرء قول الله عز وجل وفي الاموال والاولاد. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قرء هذه الاية ثم قال إن الشيطان ليجئ حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها ويحدث كما يحدث وينكح كما ينكح قيل بأي شئ يعرف ذلك قال بحبنا وبغضنا فمن أحبنا كان نطفة العبد ومن أبغضنا كان نطفة الشيطان. وعنه عليه السلام إن ذكر إسم الله تعالى تنحى الشيطان وإن فعل ولم يسم أدخل ذكره وكان العمل منهما جميعا والنطفة واحدة. وعنه عليه السلام إنه سئل عن النطفتين اللتين للادمي والشيطان إذا اشتركا فقال ربما خلق من أحدهما وربما خلق منهما جميعا.
1 - البذي كرضي الرجل الفاحش وبذوت عليهم وابذيتهم من البذاء وهو الكلام القبيح ق. 2 - قال المصنف ره في الوافي بيان لغية بكسر المعجمة وتشديد المثناة التحتانية الزنا يقال فلان لغية في مقابلة فلان لرشدة بكسر الراء ومعنى مشاركة الشيطان للانسان في الاموال حمله اياه على تحصيلها من الحرام وانفاقها فيما لا يجوز وعلى ما لا يجوز من الاسراف والتقتير والبخل والتبذير ومشاركته في الاولاد ادخاله معه في النكاح إذا لم يسم الله والنطفة واحدة. (*)
[ 204 ]
والقمي قال ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان فإذا إشترى به الأماء ونكحهن وولد له فهو شرك الشيطان كل ما تلد منه ويكون مع الرجل إذا جامع ويكون الولد من نطفته ونطفة الرجل إذا كان حراما. والعياشي عن الباقر عليه السلام مثله. وعنه عليه السلام إذا زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره ثم عملا جميعا ثم يختلط النطفتان فيخلق الله منهما فيكون شرك الشيطان والأخبار في هذا المعنى كثيرة وعدهم (1) المواعيد الكاذبة كشفاعة الالهة وتأخير التوبة لطول الأمل وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا إعتراض والغرور تزيين الخطإ بما يوهم أنه صواب. (65) إن عبادي يعني المخلصين بقرينة الأضافة إلى نفسه ولقوله إلا عبادك منهم المخلصين ليس لك عليهم سلطان أي لا تقدر أن تغويهم لأنهم لا يغترون بك وكفي بربك وكيلا لهم يتوكلون عليه في الأستعاذة منك فيحفظهم من شرك. العياشي مضمرا في هذه الاية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام ونحن نرجو أن تجري لمن أحب الله من عباده. في نهج البلاغة فاحذروا عدو الله أن يغويكم بداءه وأن يستفزكم بخيله ورجله قال فلعمر الله لقد فخر على أصلكم ووقع في حسبكم ودفع في نسبكم وأجلب بخيله عليكم وقصد برجله سبيلكم يقتنصونكم (2) بكل مكان ويضربون منكم كل بنان لا تمتنعون بحيلة ولا تدفعون بعزيمة في حومة ذل وحلقة ضيق وعرصة موت وجولة بلاء. (66) ربكم الذى يزجى هو الذي يجري لكم الفلك في البحر (3) لتبتغوا من فضله الريح وأنواع الأمتعة التي لا تكون عندكم إنه كان بكم رحيما حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل لكم ما تعسر من أسبابه. (67) وإذا مسكم الضر في البحر خوف الغرق ضل من تدعون ذهب عن
1 - وهذا زجر وتهديد في صورة الامر م. 2 - قنصه يقنصه صاده ق. 3 - بما خلق الرياح وبإن جعل الماء على وجه يمكن جري السفن فيه لتبتغوا من فضله اي لتطلبوا من فضل الله تعالى بركوب السفن على وجه الماء فيما فيه صلاح دنياكم من التجارة أو صلاح دينكم من الغزو مجمع البيان. (*)
[ 205 ]
خواطركم كل من تدعونه في حوادثكم إلا إياه وحده فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده وقد سبق في هذا المعنى حديث في سورة الفاتحة فلما نجيكم من الغرق إلى البر أعرضتم عن التوحيد وإتسعتم في كفران النعمة وكان الانسان كفورا كالتعليل للأعراض.
(68) أفأمنتم أنجوتم من الغرق فأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أن يقلبه الله وأنتم عليه فإن من قدر أن يهلككم في البحر بالغرق قدر أن يهلككم في البر بالخسف وغيره وقرئ بالنون فيه وفي الأربعة التي بعده وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم كما وصلوا إلى الساحل كفروا وأعرضوا أو يرسل عليكم حاصبا ريح تحصب أي ترمي بالحصاة ثم لا تجدوا لكم وكيلا يحفظكم من ذلك فإنه لا راد لفعله. (69) أم أمنتم أن يعيدكم فيه في البحر تارة أخرى بتقوية دواعيكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر فيرسل عليكم قاصفا من الريح التي لا تمر بشئ إلا قصفته أي كسرته. القمي عن الباقر عليه السلام هي العاصف فيغرقكم بما كفرتم بسبب إشراككم أو كفرانكم نعمة الأنجاء ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا مطالبا يتبعنا بانتصار أو صرف. (70) ولقد كرمنا بنى آدم بالعقل والمنطق والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض وتسخير سائر الحيوانات والتمكن إلى الصناعات إلى غير ذلك مما لا يحصى وحملنهم في البر والبحر على الدواب والسفن ورزقناهم من الطيبات المستلذات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا في الأمالي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية يقول فضلنا بني آدم على سائر الخلق وحملنهم في البر والبحر يقول على الرطب واليابس ورزقناهم من الطيبت يقول من طيبات الثمار كلها وفضلناهم يقول ما من دابة ولا طائر إلا وهي تأكل وتشرب بفيها لا ترفع بيدها إلى فيها طعاما ولا شرابا إلا ابن آدم فإنه يرفع إلى فيه بيده طعامه فهذا من التفضيل.
[ 206 ]
والعياشي عن الباقر عليه السلام وفضلناهم على كثير قال خلق كل شئ منكبا غير الأنسان خلق منتصبا.
والقمي عنه عليه السلام إن الله لا يكرم روح كافر ولكن الله يكرم أرواح المؤمنين وإنما كرامة النفس والدم بالروح والرزق الطيب هو العلم وعن أمير المؤمنين عليه السلام في صورة الادميين إنها أكرم صورة على الله. (71) يوم ندعوا كل أناس بإمامهم بمن ائتموا به من نبي أو وصي أو شقي. في الكافي عن الصادق عليه السلام قال بإمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه. والقمي عن الباقر عليه السلام في هذه الاية قال يجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قومه وعلي عليه السلام في قومه والحسن عليه السلام في قومه والحسين عليه السلام في قومه وكل من مات بين ظهراني قوم جاؤوا معه. والعياشي ما يقرب من معناه. وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الاية قال المسلمون يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم أجمعين فقال أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيكذبون ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم فمن والاهم وإتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ. وفي المجالس عن الحسين عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال إمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه وإمام دعا إلى ضلالة فأجابوه إليها هؤلاء في الجنة وهؤلاء إلى النار وهو قوله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير. والعياشي عن الصادق عليه السلام سيدعى كل اناس بإمامهم أصحاب الشمس بالشمس وأصحاب القمر بالقمر وأصحاب النار بالنار وأصحاب الحجارة بالحجارة.
[ 207 ]
وفي المحاسن عنه عليه السلام أنتم والله على دين الله ثم تلا هذه الاية ثم قال علي عليه السلام إمامنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمامنا وكم من إمام يجئ يوم القيامة يلعن أصحابه ويلعنونه. وفي المجمع عنه عليه السلام ألا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة فدعى كل قوم إلى من يتولونه وفزعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفزعتم إلينا فإلى أين ترون أين تذهب بكم إلى الجنة ورب الكعبة قالها ثلاثا فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم مبتهجين بما يرون فيه ولا يظلمون فتيلا ولا ينقصون من اجورهم أدنى شئ والفتيل المفتول الذي في شق النواة. (72) ومن كان في هذه أعمى أعمى القلب لا يبصر رشده ولا يهتدي إلى طريق النجاة فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا لا يهتدي إلى طريق الجنة. في التوحيد عن الباقر عليه السلام في هذه الاية من لم يدله خلق السموات والأرض وإختلاف الليل والنهار ودوران الفلك والشمس والقمر والايات العجيبات على أن وراء ذلك أمر أعظم منه فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا. وفي العيون عن الرضا عليه السلام إياك وقول الجهال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل وتقدس موجود في الاخرة للحساب والثواب والعقاب وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص وإهتضام لم يوجد في الاخرة أبدا ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون وذلك قوله عز وجل من كان في هذه أعمى فهو في الاخرة أعمى وأضل سبيلا يعني أعمى عن الحقائق الموجودة. وفي الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام أشد العمى من عمي من فضلنا وناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا إلا أن دعوناه إلى الحق ودعاه من سوانا إلى الفتنة والدنيا فأتاهما ونصب البراءة منا والعداوة.
وفي الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية
[ 208 ]
فقال ذلك الذي يسوف نفسه الحج يعني حجة الأسلام حتى يأتيه الموت. (73) وإن كادوا ليفتنونك قاربوا بمبالغتهم أن يوقعوك في الفتنة بالأستنزال عن الذى أوحينا إليك أي عن حكمه لتفتري علينا غيره غير ما أوحينا إليك. القمي قال يعني في أمير المؤمنين عليه السلام. والعياشي ما في معناه في الاية الاتية وإذا لاتخذوك خليلا ولو اتبعت مرادهم لأظهروا خلتك. القمي يعني لاتخذوك صديقا لو أقمت غيره. (74) ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم. العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصناما من المسجد وكان منها صنم على المروة وطلبت إليه قريش أن يتركه وكان مسخا فهم بتركه ثم أمر بكسره فنزلت. وفي المجمع قيل لما نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا. (75) إذا لاذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات قيل أي عذاب النار وعذاب الاخرة ضعف ما يعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر وكان أصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات يعني مضاعفا فاقيمت الصفة مقام الموصوف وأضيفت كما يضاف موصوفها ثم لا تجد لك علينا نصيرا يدفع عنك. في العيون عن الرضا عليه السلام في حديث المأمون في عصمة الأنبياء حيث
سأله عن قوله تعالى عفا الله عنك لم أذنت لهم قال هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة خاطب الله تعالى بذلك نبيه والمراد به امته وكذلك قوله عز وجل لئن أشركت ليحبطن
[ 209 ]
عملك ولتكونن من الخاسرين وقوله تعالى لولا أن ثبتنك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما عاتب الله نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن مثل قوله ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا عنى بذلك غيره. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الزنديق الذي سأله عن أشياء من القرآن وكان في جملة ما سأل عنه عليه السلام هذه الاية وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تعالى من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فإن الله جعل لكل نبي عدوا من المشركين ثم ذكر عليه السلام مساعي أعدائه في تغيير ملته وتحريف كتابه الذي جاء به وإسقاط ما فيه من فضل ذوي الفضل وكفر ذوي الكفر منه وتركهم منه ما قدروا أنه لهم وهو عليهم وزيادتهم فيه ما ظهر به تناكره وتنافره ثم قال والذي بدا في الكتاب من الأزراء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فرية الملحدين وقد مضى هذا الحديث على وجهه وبيان الحديث السابق عليه المروي من الكافي والعياشي في المقدمة السادسة من هذا الكتاب مع ما هو التحقيق في هذا الباب. (76) وإن كادوا ليستفزونك ليزعجونك بمعاداتهم من الارض. القمي يعني أهل مكة ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا يعني لو خرجت لا يبقون بعد خروجك إلا زمانا قليلا. القمي يعني حتى قتلوا ببدر قيل وكان ذلك بعد الهجرة بسنة وقرئ خلفك.
(77) سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا أي سن الله ذلك سنة وهو أن يهلك كل امة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم ولا تجد لسنتنا تحويلا تغييرا. (78) أقم الصلوة لدلوك الشمس لزوالها إلى غسق الليل إلى ظلمته وهي انتصافه وقرآن الفجر صلاته إن قرآن الفجر كان مشهودا بملائكتي الليل والنهار.
[ 210 ]
وفي الكافي والفقيه والتهذيب والعياشي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عما فرض الله من الصلوة فقال خمس صلوات في الليل والنهار فقيل هل سماهن وبينهن في كتابه فقال نعم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق اليل ودلوكها زوالها ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن وغسق الليل إنتصافه ثم قال وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا فهذه الخامسة. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن أفضل المواقيت في صلوة الفجر فقال مع طلوع الفجر إن الله يقول وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا يعني صلوة الفجر يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها له ملائكة الليل وملائكة النهار. والعياشي عنهما عليهما السلام في هذه الاية قال جمعت الصلوة كلهن ودلوك الشمس زوالها وغسق الليل إنتصافه. وقال إنه ينادي مناد من السماء كل ليلة إذا إنتصف الليل من رقد عن صلاة العشاء إلى هذه الساعة فلا نامت عيناه وقرآن الفجر قال صلاة الصبح وأما قوله كان مشهودا قال تحضره ملائكة الليل والنهار وفي معنى هذه الأخبار أخبار كثيرة. (79) ومن اليل فتهجد به وبعض الليل فاترك الهجود للصلاة بالقرآن نافلة لك فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة. في التهذيب عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن النوافل فقال فريضة
ففزع السامعون فقال عليه السلام إنما أعني صلوة الليل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يقول ومن الليل فتهجد به نافلة لك في الخصال فيما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا يا علي ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا لقاء الأخوان والأفطار من الصيام والتهجد في آخر الليل. وفي العلل عن الصادق عليه السلام عليكم بصلوة الليل فإنها سنة نبيكم ودأب الصالحين قبلكم ومطردة الداء عن أجسادكم.
[ 211 ]
وعن السجاد عليه السلام إنه سئل ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها قال لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره والأخبار في فضل صلوة الليل لا تحصى تطلب من مواضعها عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه أهل المحشر ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين فيحمده أهل السموات وأهل الأرض فذلك قوله عز وجل عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فطوبى لمن كان له في ذلك اليوم حظ ونصيب وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ولا نصيب. والعياشي عن أحدهما عليهما السلام في قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال هي الشفاعة. وفي روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو المقام الذي أشفع لامتي قال وقال صلى الله عليه وآله وسلم إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من امتي فيشفعني الله فيهم والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي. والقمي عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم لو قد قمت المقام المحمود تشفعت في أبي وامي وعمي وأخ لي كان في الجاهلية. وعنه عليه السلام إنه سئل عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة فقال أملج الناس يوم القيامة العرق فيقولون إنطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا فيأتون آدم فيقولون له إشفع لنا عند ربك فيقول إن لي ذنب وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحا فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهوا إلى عيسى عليه السلام فيقول عليكم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول إنطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمن ويخر ساجدا فيمكث ما شاء الله فيقول إرفع رأسك وإشفع تشفع وسل تعط وذلك قوله تعالى
[ 212 ]
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا. والعياشي عنه وعن الكاظم عليهما السلام ما يقرب منه وعن الصادق عليه السلام حديثا في ذلك فيه بسط وتفصيل لهذا المعنى يطلب منه. (80) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا حجة تنصرني. القمي نزلت يوم فتح مكة لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخولها أنزل الله قل يا محمد أدخلني مدخل صدق الاية وقيل أي أدخلني في جميع ما أرسلتني به إدخالا مرضيا وأخرجني إخراجا مرضيا يحمد عاقبته. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكرا قال نعم قيل ما هو قال يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه ومنه قوله تعالى سبحان الذى سخر لنا هذا الاية وقوله رب أنزلنى منزلا مباركا الاية وقوله رب أدخلني مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق الاية.
وفي المحاسن عنه عليه السلام إذا دخلت مدخلا تخافه فاقرأ هذه الاية رب أدخلني مدخل صدق الاية وإذا عاينت الذي تخافه فاقرأ آية الكرسي. (81) وقل جاء الحق وزهق الباطل جاء الأسلام وذهب الشرك إن الباطل كان زهوقا مضمحلا. في الأمالي عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة والأصنام حول الكعبة وكانت ثلاثمائة وستين صنما فجعل يطعنها بمخصرة في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وما يبدئ الباطل وما يعيد فجعلت تنكب لوجهها. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الاية إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل.
[ 213 ]
وفي الخرائج عن حكيمة لما ولد القائم كان نظيفا مفروغا منه وعلى ذراعه الأيمن مكتوب جاء الحق الاية. (82) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين في معانيه شفاء الأرواح وفي ألفاظه شفاء الأبدان ولا يزيد الظالمين إلا خسارا لتكذيبهم وكفرهم به (1). العياشي عن الصادق عليه السلام في حديث مر صدره في سورة النحل إنما الشفاء في علم القرآن لقوله وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة لأهله لا شك فيه ولا مرية وأهله أئمة الهدى الذين قال الله ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. وعن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولا يزيد الظالمين آل محمد حقهم إلا خسارا في طب الأئمة عن الصادق عليه السلام ما اشتكى أحد من المؤمنين شكاية قط وقال بإخلاص نية ومسح موضع العلة وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا إلا عوفي من
تلك العلة أية علة كانت ومصداق ذلك في الاية حيث يقول شفاء ورحمة للمؤمنين. وعنه عليه السلام لا بأس بالرقية (2) والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله وهل شئ أبلغ من هذه الأشياء من القرآن أليس الله يقول وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين. (83) وإذا أنعمنا على الانسان بالصحة والسعة أعرض عن ذكر الله ونأى بجانبه لوى عطفه وبعد بنفسه عنه كأنه مستغن مستبد بأمره 481 وإذا مسه الشر من مرض أو فقر كان يؤسا شديد اليأس من روح الله. (84) قل كل يعمل على شاكلته على ما تشاكل حاله في الهدى والضلالة فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا.
1 - ويحتمل ان يريد ان القرآن يظهر حيث سرائرهم وما يأتمرون به من الكيد والمكر بالنبي فيفتضحون بذلك م ن. 2 - الرقية بالضم العوذة والنشرة بالضم رقية يعالج بها المجنون والمريض ق. (*)
[ 214 ]
في الكافي عن الصادق عليه السلام النية أفضل من العمل ألا وإن النعمة هي العمل ثم تلا قل كل يعمل على شاكلته يعني على نيته. وفيه والعياشي عنه عليه السلام إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا قل كل يعمل على شاكلته. وفي الفقيه والتهذيب والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عن الصلوة في البيع والكنايس فقال صل فيها قلت أصلي فيها وإن كانوا يصلون فيها قال نعم أما تقرأ القرآن قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا صل إلى القبلة ودعهم.
(85) ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى. في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مع الأئمة عليهم السلام وهو من الملكوت. والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل عنها فقال خلق عظيم أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد صلى الله عليه وآله ومع الأئمة يسددهم وليس كلما طلب وجد وعنهما عليهما السلام في هذه الاية إنما الروح خلق من خلقه له نصر وقوة وتأييد يجعله في قلوب المؤمنين والرسل وعن أحدهما عليهما السلام في هذه الاية سئل ما الروح قال التي في الدواب والناس قيل وما هي قال هي من الملكوت من القدرة. أقول: قد سبق تمام الكلام في معنى الروح في سورة الحجر فلا نعيده وما ذكر في الأخبار أخبار عما يتميز به عن غيره وما أبهم في الاية حقيقته فلا منافاة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
[ 215 ]
القمي إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الروح فقال الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا قالوا نحن خاصة قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذان يا محمد تزعم إنك لم تؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتيت القرآن وأوتينا التوراة وقد قرأت ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا فأنزل الله ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمت الله يقول علم الله أكثر من ذلك وما أوتيتم كثير فيكم قليل عند الله. والعياشي عن الباقر عليه السلام في قول الله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا قال تفسيرها في الباطن أنه لم يؤت العلم إلا اناس يسير فقال وما أوتيتم من العلم إلا
قليلا منكم. وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام في حديث قال ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به فلذلك قال وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فليس له شبه ولا مثل ولا عدل. (86) ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ذهبنا بالقرآن ومحوناه عن المصاحف والصدور ثم لا تجد لك به علينا وكيلا (1) من يتوكل علينا باسترداده وإعادته محفوظا مستورا. (87) إلا رحمة من ربك إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك إن فضله كان عليك كبيرا (2). (88) قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في البلاغة وحسن النظم وجزالة (3) المعنى لا يأتون بمثله وفيهم العرباء وأرباب البيان
1 - اي لو فعلنا ذلك لم تجد علينا وكيلا يستوي ذلك منا وقيل معناه ولو شئنا لمحونا هذا القرآن من صدرك وصدر امتك حتى لا يوجد له اثر ثم لا تجد حفيظا يحفظه عليك ويحفط ذكره على قلبك. 2 - عظيما إذا اختارك للنبوة وخصك بالقرآن فقابله بالشكر وقال ابن عباس يريد حيث جعلك سيد ولد آدم وختم بك النبيين واعطاك المقام المحمود. 3 - الجزل الكثير من الشئ الجزيل جمع كجبال والكريم المعطاء والعاقل الاصيل الرأي وهي جزلة وجزلاء وخلاف لركيك من الالفاظ جزل كفرح وهو اجزل وهي جزلاء ككرم وعظم وفلان صار ذا رأي جيد. (*)
[ 216 ]
وأهل التحقيق ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولو تظاهروا على الأتيان به. في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الله تعالى نزل هذا القرآن بهذه الحروف التي يتداولها جميع العرب ثم قال قل لئن اجتمعت الاية. وفي الخرايج في اعلام الصادق عليه السلام إن ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من
الدهرية إتفقوا على أن يعارض كل واحد منهم ربع القرآن وكانوا بمكة وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل فلما حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم عليه السلام قال أحدهم إني لما رأيت قوله يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء كففت عن المعارضة وقال الاخر وكذا أنا لما وجدت قوله فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا أيست عن المعارضة وكانوا يسترون ذلك إذ مر عليهم الصادق عليه السلام فإلتفت إليهم وقرأ عليهم قل لئن اجتمعت الانس والجن الاية فبهتوا. (89) ولقد صرفنا كررنا بوجوه مختلفة زيادة في التقرير والبيان للناس في هذا القرآن من كل مثل يعني من كل معنى كالمثل في غرابته ووقوعه موقعا في الأنفس فأبى أكثر الناس إلا كفورا إلا جحودا. في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل بهذه الاية هكذا فأبى أكثر الناس بولاية علي عليه السلام إلا كفورا. (90) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا عينا قالوه عنادا ولجاجا وتعنتا وإقتراحا بعد ما لزمتهم الحجة ببيان إعجاز القرآن وإنضمام غيره من المعجزات إليه. (91) أو تكون لك جنة بستان من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا. (92) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا قطعا يعنون قوله تعالى وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم وقرئ بفتح السين أو تأتى بالله
[ 217 ]
والملائكة قبيلا كثيرا أو مقابلا أي وهم مقابلون لنا نشاهدهم ونعاينهم. (93) أو يكون لك بيت من زخرف من ذهب وأصله الزينة أو ترقى في السماء في معارجها ولن نؤمن لرقيك لصعودك وحدك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه فيه
تصديقك قل سبحان ربى تنزيها لله من أن يتحكم عليه أحد ويأتي بما يقترحه الجهال وقرء قال أي الرسول هل كنت إلا بشرا رسولا كسائر الرسل وقد كانوا لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الايات على ما يلائم حال قومهم وليس أمر الايات إلي إنما هو إلى الله وهو العالم بالمصالح فلا وجه لطلبكم إياها مني. القمي عن الباقر عليه السلام ينبوعا أي عينا لك جنة أي بستان تفجيرا أي من تلك العيون كسفا وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إنه سيسقط من السماء كسفا لقوله وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم قال والقبيل الكثير والزخرف الذهب كتابا يقرؤه يقول من الله إلى عبد الله بن أبي أمية إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم صادق وإني أنا بعثته ويجيئ معه أربعة من الملائكة يشهدون أن الله هو كتبه فأنزل الله قل سبحان ربى الاية. وفي الأحتجاج وتفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة عند قوله سبحانه أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل عن أبيه عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قاعدا ذات يوم بمكة بفناء (10) الكعبة إذا اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم الوليد بن المغيرة المخزومي وأبو البختري بن هشام وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل السهمي وعبد الله بن أبي امية المخزومي وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدى إليهم عن الله أمره ونهيه فقال المشركون بعضهم لبعض لقد
1 - فناء الدار ككساء ما اتسع من امامها ج افنية وفنى ق. (*)
[ 218 ]
استفحل (1) أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعظم خطبه (2) فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته (3) وتوبيخه والأحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ولعله ينزع (4) عما هو فيه من غيه (5) وباطله وتمرده (6) وطغيانه (7) فإن إنتهى وإلا عاملناه
بالسيف الباتر قال أبو جهل فمن الذي يلي كلامه ومجادلته قال عبد الله بن أبي امية المخزومي أنا إلى ذلك أفما ترضاني له قرنا (8) حسيبا (9) ومجادلا كفيا قال أبو جهل بلى فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي امية فقال يا محمد لقد إدعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هايلا زعمت أنك رسول رب العالمين وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسولا له بشرا مثلنا يأكل كما نأكل ويمشي في الأسواق كما نمشي فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال عظيم خطر له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث الينا ملكا لا بشرا مثلنا ما أنت يا محمد إلا رجلا مسحورا ولست بنبي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل بقي من كلامك شئ فقال بلى لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجل من بيننا مالا وأحسنه حالا فهلا نزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل بقي من كلامك شئ فقال بلى لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه فإنها
1 - حفل القوم واحتفلوا اي اجتمعوا واحتشدوا ص. 2 - وهذا خطب جليل اي امر عظيم وجل الخطب عظم الامر والشأن م. 3 - التبكيت كالتقريع والتعنيف وبكته بالحجة غلبه ص. 4 - نزع عن الامر نزعا اي انتهى عنها ص. 5 - غوى يغوي غيا وغواية ولا يكسر فهو غاو وغوي وغيان ضل وغواه غيره واغواه وغواه ق. 6 - مرد كنصر وكرم مرودا ومرادة فهو مارد ومريد ومتمرد اقدم وعتا أو هو ان يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف ج مردة ومرداء ومرده قطعه وفرق عرضه. 7 - طغى كرضي طغيا وطغيانا بالضم والكسر جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر واسرف في المعاصي والظلم ق.
8 - القرن مثلك في السن تقول هو على قرني اي على سني ص. 9 - حسبك الله اي انتقم الله عنك وكفي بالله حسيبا اي محاسبا أو كافيا ق. (*)
[ 219 ]
ذات حجارة وعرة (1) وجبال تكشح (2) أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنك قلت لنا وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فلعلنا نقول ذلك ثم قال أو تأتى بالله والملائكة قبيلا تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى فإنك قلت لنا كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ثم قال أو ترقى في السماء أي تصعد في السماء ولن نؤمن لرقيك لصعودك حتى تنزل علينا كتبا نقرؤه من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي امية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنه رسولي وصدقوه في مقاله فإنه من عندي ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله أبقي شئ من كلامك يا عبد الله قال أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ما بقي شئ وقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كانت لك حجة وآتنا بما سألناك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم أنت السامع لكل صوت والعالم بكل شئ تعلم ما قاله عبادك فأنزل الله عليه ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الاسواق إلى قوله قصورا وأنزل عليه يا محمد فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك الاية وأنزل عليه يا محمد وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما ما ذكرت من إني آكل الطعام كما تأكلون وساق الحديث كما يأتي في سورة الفرقان إن شاء الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وأما قولك هذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير المال عظيم الحال له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم
1 - الوعر ضد السهل كالوعر والواعر والوعير والاوعر ق. 2 - كشحه على الامر اضمره وستره. (*)
[ 220 ]
عبيده فإن الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنك ولا حسبانك ولا بإقتراحك بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود يا عبد الله إنما بعث الله نبيه ليعلم الناس دينهم ويدعوهم إلى ربهم ويكد نفسه في ذلك إناء الليل ونهاره فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها وعبيد وخدم يسترونه على الناس أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ أو ما ترى الملوك إذا إحتجبوا كيف يجري القبايح والفساد من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون يا عبد الله إنما بعثني الله ولا مال لي ليعرفكم قدرته وقوته وأنه هو الناصر لرسوله لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته وهذا أبين في قدرته وفي عجزكم وسوف يظفرني الله بكم فاوسعكم قتلا وأسرا ثم يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما قولك لي ولو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده وساق الحديث كما مضى في سورة الأنعام ثم ساق الحديث بما يأتي في سورة الفرقان والزخرف ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأما قولك لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا إلى آخر ما قلته فإنك إقترحت على محمد رسول الله رب العالمين أشياء منها لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته ورسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بمالا حجة فيه ومنها لو جاءك به لكان معه هلاكك وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الأيمان بما لا يهلكون بها وإنما إقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم بما يقترحون ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول
رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ومنها ما قد إعترفت على نفسك إنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ومن كان كذلك فدواؤه عذاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه. وأما قولك يا عبد الله لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا بمكة هذه فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكشح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون فإنك سألت هذا وأنت
[ 221 ]
جاهل بدلايل الله يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيا أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكشحتها فأجريت فيها عيونا إستنبطتها قال بلى قال وهل لك فيها نظراء قال بلى قال أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء قال لا قال فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لو فعله على نبوته فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس وأما قولك يا عبد الله أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الانهار خلالها تفجيرا أو ليس لك ولأصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا أفصرتم أنبياء بهذا قال لا قال فما بال إقتراحكم على رسول الله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلت على صدقه بل لو تعاطاها لدل تعاطيه إياها على كذبه لأنه حينئذ يحتج بما لا حجة فيه ويختدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ورسول رب العالمين يجل ويرتفع عن هذا. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا عبد الله وأما قولك أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا فإنك قلت وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا
سحاب مركوم فإن في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم وإنما تريد بهذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهلكك ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك ولكنه يقيم عليك حجج الله وليس حجج الله لنبيه وحده على حسب إقتراح عباده لأن العباد جهال بما يجوز من الصلاح وبما لا يجوز منه وبالفساد وقد يختلف اقتراحهم ويتضاد حتى يستحيل وقوعها لو كان إلى اقتراحاتهم لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ويقترح غيرك أن لا يسقط عليكم السماء بل أن يرفع الأرض إلى السماء ويقع عليها وكان ذلك يتضاد ويتنافي ويستحيل وقوعه والله لا يجري تدبيره على ما يلزمه المحال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب إقتراحاتهم وإنما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبه العليل أو كرهه فأنتم المرضى والله طبيبكم فإن أنفذتم لدوائه شفاكم وإن تمردتم عليه أسقمكم وبعد
[ 222 ]
فمتى رأيت يا عبد الله مدعى حق من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكامهم فيما مضى بينة على دعواه على حسب إقتراح المدعي عليه إذا ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حق ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا صادق ولا كاذب فرق ثم قال يا عبد الله وأما قولك أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعانيه فإن هذا من المحال الذي لا خفاء فيه إن ربي عز وجل ليس كالمخلوقين يجئ ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به فقد سألتم بهذا المحال وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد يا عبد الله أو ليس لك ضياع وجنان [ خيال ] بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها قال بلى قال أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك قال بسفراء قال أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبد الله ابن أبي امية فنشاهده فتسمع [ ونسمع خ ل ] ما تقولون عنه شفاه أكنت تسوغهم
هذا أو كان يجوز لهم عندك ذلك قال لا قال فما الذي يجب على سفراءك أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم قال بلى قال يا عبد الله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك فقال قم معي فإنهم قد إقترحوا علي مجيئك أليس يكون هذا لك مخالفا وتقول له إنما أنت رسول لا مشير ولا آمر قال بلى قال فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا يسوغ أكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم فكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم إلى ربه بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل ذلك لرسول لك إلى أكرتك وقوامك هذه حجة قاطعة لأبطال جميع ما ذكرته في كل ما إقترحته. أما قولك يا عبد الله أو يكون لك بيت من زخرف وهو الذهب أما بلغك أن لعزيز مصر بيوتا من زخرف قال بلى قال أفصار بذلك نبيا قال لا قال فكذلك لا يوجب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لو كان له نبوة ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله وأما قولك يا عبد الله أو ترقى في السماء ثم قلت ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه يا عبد الله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها
[ 223 ]
وإذا اعترفت على نفسك إنك لا تؤمن إذا صعدت فكذلك حكم النزول ثم قلت حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ومن بعد ذلك لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك فأنت يا عبد الله مقر بأنك تعاند بعد حجة الله عليك فلا دواء لك إلا تأديبه على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية وقد أنزل الله تعالى علي كلمة جامعة لبطلان كل ما إقترحته فقال الله تعالى قل يا محمد سبحان ربى هل كنت إلا بشرا رسولا ما أبعد ربي أن يفعل الأشياء على قدر ما يقترحه الجهال بما يجوزوبما لا يجوز وهل كنت إلا بشرا رسولا لا يلزمني إلا إقامة حجة الله التي أعطاني وليس لي أن آمر على ربي ولا أنهى ولا أشير فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخالفيه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه
عليه. (94) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا وما منعهم الأيمان بعد ظهور الحق إلا إنكارهم أن يرسل الله بشرا. (95) قل جوابا لشبهتهم لو كان في الارض ملائكة يمشون كما يمشي بنو آدم مطمئنين ساكنين فيها لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا لتمكنهم من الأجتماع به والتلقي عنه وأما الأنس فعامتهم عماة عن إدراك الملك والتلقف منه فإن ذلك مشروط بنوع من التناسب والتجانس وليس إلا لمن يصلح للنبوة. (96) قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم على إني رسول إليكم وإني قد قضيت ما علي من التبليغ إنه كان بعباده خبيرا بصيرا بعلم أحوالهم الباطنة والظاهرة فيجازيهم عليه وفيه تسلية للرسول وتهديد للكفار. (97) ومن يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه يهدونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا قال يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة
[ 224 ]
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام على وجوههم قال على جباههم عميا وبكما وصما لا يبصرون ما يقر أعينهم ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم ولا ينطقون بما ينفعهم ويقبل منهم لأنهم في الدنيا لم يستبصروا بالايات والعبر وتصاموا عن إستماع الحق وأبوا أن ينطقوا به مأويهم جهنم كلما خبت انطفت بأن أكلت جلودهم ولحومهم زدناهم سعيرا توقدا بأن نبدل جلودهم ولحومهم فتعود ملتهبة متسعرة بهم كأنهم لما كذبوا بالأعادة بعد الأفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الأعادة والأفناء وإليه أشار
بقوله. (98) ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أي فنفنيهم ونعيدهم ليزيد ذلك تحسرهم على التكذيب بالبعث. القمي والعياشي عن السجاد عليه السلام إن في جهنم واديا يقال له السعير إذا خبت جهنم فتح سعيرها وهو قوله تعالى كلما خبت زدناهم سعيرا أي كلما انطفت. (99) أو لم يروا أو لم يعلموا أن الله الذى خلق السموات والارض قادر على أن يخلق مثلهم فانهم ليسوا أشد خلقا منهن كما قال ءأنتم أشد خلقا أم السماء ولا الأعادة أصعب عليه من الأبداء كما قال بل هو أهون عليه وجعل لهم أجلا لا ريب فيه هو الموت القيامة فأبى الظالمون مع وضوح الحق إلا كفورا إلا جحودا. (100) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربى خزائن أرزاق الله ونعمه على خلقه إذا لامسكتم خشية الانفاق لبخلتم مخافة النفاد بالأنفاق إذ لا أحد إلا ويختار النفع لنفسه ولو آثر غيره بشئ فإنما يؤثره بعوض يفوقه فلا جواد إلا الله الذي يعطي بغير عوض وكان الانسان قتورا بخيلا لأن بناء أمره على الحاجة والضنة بما يحتاج إليه وملاحظة العوض فيما يبذل. القمي في هذه الاية قال لو كانت الأمور بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة الفناء وكان الانسان قتورا أي بخيلا. (101) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات.
[ 225 ]
في الخصال عن الصادق عليه السلام هي الجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان والبحر والحجر والعصا ويده. والعياشي عن الباقر عليه السلام والقمي مثله. وفي قرب الأسناد عن الكاظم عليه السلام وقد سأله نفر من اليهود عنها فقال العصا وإخراجه يده من جيبه بيضاء والجراد والقمل والضفادع والدم ورفع الطور
والمن والسلوى آية واحدة وفلق البحر قالوا صدقت. وفي المجمع أن يهوديا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الايات فقال هي أن لا تشركوا به شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببرئ إلى سلطان ليقتل ولا تسحروا ولا تأكلوا الربوا ولا تقذفوا المحصنة ولا تولوا للفرار يوم الزحف وعليكم خاصة يا يهود أن لا تعتدوا في السبت فقبل يده وقال أشهد أنك نبي فاسأل بنى إسرائيل إذ جاءهم قيل يعني فاسأل يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون إذ جاءهم أو عن الايات ليظهر للمشركين صدقك ويتسلى نفسك ويزداد يقينك فهو إعتراض وإذ جاءهم متعلق بآياتنا فقال له فرعون إنى لاظنك يا موسى مسحورا سحرت فتخبط عقلك. (102) قال لقد علمت يا فرعون وقرئ بضم التاء ما أنزل هؤلاء يعني الايات إلا رب السموات والارض بصائر بينات تبصرك صدقي ولكنك معاند وإني لاظنك يا فرعون مثبورا مصروفا عن الخير [ الحق ] أو هالكا قابل ظنه المكذوب بظنه الصحيح. في المجمع روي أن عليا عليه السلام قال في علمت والله ما علم عدو الله ولكن موسى عليه السلام هو الذي علم فقال لقد علمت. أقول: يعني إنه بضم التاء ليس بفتحها. (103) فأراد أن يستفزهم من الارض أن يستخف موسى عليه السلام وقومه وينفيهم من الارض بالأستيصال وفي رواية القمي من أرض مصر فأغرقناه
[ 226 ]
ومن معه جميعا فاستفززناه وقومه بالأغراق. القمي عن الباقر عليه السلام أراد أن يخرجهم من الأرض وقد علم فرعون وقومه ما أنزل تلك الايات إلا الله.
أقول: وهذه الرواية دليل فتح التاء. (104) وقلنا من بعده من بعد فرعون وإغراقه لبنى إسرائيل اسكنوا الارض التي أراد أن يستفزكم منها فإذا جاء وعد الاخرة جئنا بكم لفيفا مختلطين ثم نحكم بينكم واللفيف الجماعات من قبائل شتى. القمي عن الباقر عليه السلام لفيفا يقول جميعا وفي رواية اخرى من كل ناحية. (105) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل أي وما أنزلنا القرآن إلا بالحق وما نزل إلا بالحق وما أرسلناك إلا مبشرا للمطيع بالثواب ونذيرا للعاصي بالعقاب. (106) وقرآنا فرقناه نزلناه منجما. في المجمع عن علي عليه السلام فرقناه بالتشديد لتقرأه على الناس على مكث على مهل وتؤدة فإنه أيسر للحفظ وأعون في الفهم ونزلناه تنزيلا على حسب الحوادث. (107) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم بالقرآن لا يزيد كمالا وإمتناعكم عنه لا يورثه نقصانا إن الذين أوتوا العلم من قبله أي العلماء الذين قرؤا الكتب السابقة وعرفوا حقيقة الوحي وإمارات النبوة وتمكنوا من التمييز بين المحق والمبطل. القمي يعني أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله إذا يتلى عليهم القرآن يخرون للاذقان سجدا يسقطون على وجوههم تعظيما لأمر الله وشكرا لأنجاز وعده في تلك الكتب ببعثه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل وإنزال القرآن عليه.
[ 227 ]
(108) ويقولون سبحان ربنا عن خلف الوعد إن
كان وعد ربنا لمفعولا إنه كان وعده كائن لا محالة. (109) ويخرون للاذقان يبكون كرره لإختلاف الحالين وهما خرورهم للشكر وإنجاز الوعد حال كونهم ساجدين وخرورهم لما أثر فيهم من المواعظ حال كونهم باكين وذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الأرض من وجه الساجد. والقمي فسر الأذقان بالوجوه ومعنى اللام الأختصاص لأنهم جعلوا أذقانهم ووجوههم للسجود والخرور ويزيدهم سماع القرآن خشوعا لما يزيدهم علما ويقينا. (110) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن سموا الله بأي الأسمين شئتم فإنهما سيان في حسن الأطلاق والمعنى بهما واحد أيا ما تدعوا فله الاسماء الحسنى أي أي هذين الأسمين سميتم وذكرتم فهو حسن فوضع موضعه فله الاسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه فإنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الأسمان لأنهما منها وما مزيدة مؤكدة للشرط والضمير في له للمسمى لأن التسمية له لا للاسم ومعنى كون أسمائه أحسن الأسماء إستقلالها بمعاني التمجيد والتعظيم والتقديس ودلالتها على صفات الجلال والأكرام قيل نزلت حين سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعوا إلها آخر وقيل قالت له اليهود إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة فنزلت ولا تجهر بصلوتك يعني بقراءتها ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا. القمي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لا تسمع نفسك واقرأ بين ذلك. وعن الباقر عليه السلام فيها الأجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك والأخفات أن لا تسمع من معك إلا يسيرا. والعياشي عن الصادق عليه السلام الجهر بها رفع الصوت والمخافتة ما لم تسمع أذناك وما بين ذلك قدر ما تسمع أذنيك.
[ 228 ]
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام المخافتة ما دون سمعك والجهر أن ترفع صوتك شديدا وعنه عليه السلام إنه سئل أعلى الأمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا قال ليقرأ قراءة وسط ثم تلا هذه الاية. والعياشي عنهما عليهما السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان بمكة جهر صوته فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه فأنزلت هذه الاية عند ذلك. وعن الباقر عليه السلام إنه قال للصادق عليه السلام يا بني عليك بالحسنة بين السيئتين تمحوهما قال وكيف ذلك يا أبة قال مثل قول الله ولا تجهر الاية ومثل قوله ولا تجعل يدك مغلولة الاية ومثل قوله والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا الاية فأسرفوا سيئة واقتروا سيئة وكان بين ذلك قواما حسنة فعليك بالحسنة بين السيئتين. أقول: أراد عليه السلام أمره بالتوسط في الامور كلها ليسلم من الأفراط والتفريط. وعن الباقر عليه السلام في هذه الاية إنها نسختها فاصدع بما تؤمر وعنه عليه السلام تفسيرها ولا تجهر بولاية علي عليه السلام ولا بما أكرمته به حتى آمرك بذلك ولا تخافت بها يعني لا تكتمها عليا عليه السلام وإعلمه بما أكرمته به وإبتغ بين ذلك سبيلا سلني أن أذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خم. (111) وقل (1) الحمد لله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل. القمي قال ولم يذل فيحتاج إلى ناصر ينصره وكبره تكبيرا. في الكافي عن الصادق قال رجل عنده الله أكبر فقال الله أكبر من أي شئ فقال من كل شئ فقال عليه السلام حددته فقال الرجل كيف أقول قال قل الله أكبر من أن يوصف وفي رواية اخرى فقال وكان ثمة شئ فيكون أكبر منه فقيل
1 - قيل ان في هذه الاية ردا على اليهود والنصارى حين قالوا اتخذ الله الولد وعلى مشركي العرب حيث قالوا لبليك لا
شريك لك الا شريكا هو لك وعلى الصابئين والمجوس حين قالوا لولا اولياء الله لذل الله مجمع البيان. (*)
[ 229 ]
وما هو قال أكبر من أن يوصف وفي التهذيب عنه عليه السلام أنه أمر من قرأ هذه الاية أن يكبر ثلاثا. وفي الفقيه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام يا علي أمان لأمتي من السرق قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن إلى آخر السورة. وفي ثواب الأعمال والمجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة بني إسرائيل في كل ليلة جمعة لم يمت حتى يدرك القائم عجل الله تعالى فرجه ويكون مع أصحابه عليه السلام.
[ 230 ]
سورة الكهف مكية قال ابن عباس إلا آية واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم فإنها نزلت بالمدينة في قصة عيينة بن حصين عدد آيها مائة وإحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم (1) الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب يعني القرآن علم الله سبحانه عباده كيف يحمدونه على أجل نعمه عليهم الذي هو سبب نجاتهم ولم يجعل له عوجا باختلال في اللفظ وتناقض في المعنى والعوج بالكسر في المعاني كالعوج بالفتح في الأعيان. (2) قيما جعله مستقيما معتدلا لا إفراط فيه ولا تفريط. القمي قال هذا مقدم ومؤخر لأن معناه الذى أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا فقدم حرف على حرف لينذر بأسا شديدا أي لينذر الذين كفروا عذابا شديدا من لدنه صادرا من عنده.
العياشي البأس الشديد علي عليه السلام وهو من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله قاتل معه عدوه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا هو الجنة. (3) ماكثين فيه أبدا بلا إنقطاع. (4) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا. القمي يعني قريشا حيث قالوا إن الملائكة بنات الله واليهود والنصارى في قولهم
[ 231 ]
عزير ابن الله والمسيح ابن الله. (5) ما لهم (1) به وبما يقولون من علم ولا لابائهم الذين يقلدونهم فيه بل يقولونه عن جهل مفرط وتوهم كاذب كبرت كلمة عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والأشراك تخرج من أفواههم إستعظام لأجترائهم على إخراجها من أفواههم إن يقولون إلا كذبا. (6) فلعلك باخع نفسك. القمي عن الباقر عليه السلام يقول قاتل نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث بهذا القرآن أسفا متعلق بباخع نفسك وهو فرط الحزن والغضب كأنهم إذ ولوا عن الأيمان فارقوه فشبهه بمن فارقته أعزته فهو يتحسر على آثارهم ويقتل نفسه تلهفا على فراقهم. (7) إنا جعلنا ما على الارض زينة لها ما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارفها لنبلوهم أيهم أحسن عملا في تعاطيه وهو من زهد فيه ولم يغتر به وقنع منه بالكفاف. (8) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا. القمي يعني خرابا وعن الباقر عليه السلام قال لا نبات فيها وهو تزهيد في الدنيا وتنبيه على المقصود من حسن العمل. وفي الكافي عن السجاد عليه السلام إن الله لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من
أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لاخرته. (9) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم في إبقاء حياتهم على تلك الحال مدة مديدة كانوا من آياتنا عجبا القمي يقول قد آتيناك من الايات ما هو أعجب منه قال وهم فتية كانوا في الفترة بين عيسى بن مريم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وأما الكهف والرقيم فهما لوحان من نحاس مرقوم مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس الملك وكيف كان
1 - أي ليس لهؤلاء ولا لاسلافهم علم بهذا القول الشنيع وإنما يقولون ذلك عن جهل وتقليد من غير حجة. (*)
[ 232 ]
أمرهم وحالهم والعياشي عن الصادق عليه السلام هم قوم فقدوا وكتب ملك ذلك الديار بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من رصاص فهو قوله أصحاب الكهف والرقيم. والقمي عنه عليه السلام كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران النضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط والعاص بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله عليه وآله فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا سلوه عن ثلاث مسائل فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن إدعى علمها فهو كاذب قالوا وما هذه المسائل قالوا سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأول فخرجوا وغابوا وناموا كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا وكم كان عددهم وأي شئ كان معهم من غيرهم وما كان قصتهم واسألوه عن موسى حين أمره الله عز وجل أن يتبع العالم ويتعلم منه من هو وكيف يتبعه وما كان قصته معه واسألوه عن طائف طاف مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو وكيف كان قصته ثم أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث المسائل وقالوا لهم إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه قالوا فما المسألة الرابعة قالوا سلوه متى تقوم
الساعة فإن إدعى علمها فهو كاذب فإن قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب رضى الله عنه فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب فقال أبو طالب سلوه عما بدا لكم فسألوه عن الثلاث المسائل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله غدا اخبركم ولم يستثن فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما حتى إغتم النبي صلى الله عليه وآله وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به وفرحت قريش واستهزؤوا وآذوا وحزن أبو طالب عليه السلام فلما كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل عليه السلام بسورة الكهف فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لقد أبطأت فقال إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله تعالى فأنزل الله عز وجل أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا ثم قص قصتهم فقال إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فقال الصادق عليه السلام إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته
[ 233 ]
إلى عبادة الأصنام فمن لم يجبه قتله وكانوا هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عز وجل وكل الملك بباب المدينة وكلاء ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام فخرج هؤلاء بعلة الصيد وذلك إنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم فقال الصادق عليه السلام لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة حمار بلعم بن باعورا وذئب يوسف عليه السلام وكلب أصحاب الكهف فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا من دين ذلك الملك فلما أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم فألقى الله عز وجل عليهم النعاس كما قال الله تبارك وتعالى فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا فناموا حتى أهلك الله عز وجل الملك وأهل مملكته وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون ثم انتبهوا فقال بعضهم لبعض كم نمنا هاهنا فنظروا إلى الشمس قد إرتفعت فقالوا نمنا يوما أو بعض يوم ثم قالوا لواحد منهم خذ هذا الورق
وادخل المدينة متنكرا لا يعرفونك فاشتر لنا طعاما فإنهم إن علموا بنا وعرفونا قتلونا أو ردونا في دينهم فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها ورآى قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم فقالوا له من أنت ومن أين جئت فأخبرهم فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا على باب الكهف وأقبلوا يتطلعون فيه فقال بعضهم هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم وقال بعضهم هم خمسة وسادسهم كلبهم وقال بعضهم هم سبعة وثامنهم كلبهم وحجبهم الله عز وجل بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكون أصحاب دقيانوس شعروا بهم فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل وأنهم آية للناس فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ثم قال الملك ينبغي أن نبني ها هنا مسجدا ونزوره فإن هؤلاء قوم مؤمنون فلهم في كل سنة نقلتان ينامون ستة أشهر على جنوبهم الأيمن وستة أشهر على جنوبهم الأيسر والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف. (10) إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو وهيئ لنا من أمرنا من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار رشدا نصير بسببه راشدين مهتدين.
[ 234 ]
(11) فضربنا على آذانهم أي ضربنا عليها حجابا يمنع السماع يعني أنمناهم إنامة لا ينبههم منها الأصوات في الكهف سنين عددا ذوات عدد. (12) ثم بعثناهم أيقظناهم لنعلم ليقع علمنا الأزلي على المعلوم بعد وقوعه ويظهر لهم أي الحزبين المختلفين أحصى لما لبثوا أمدا ضبط أمدا لزمان لبثهم أو أضبط له. (13) نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قال لرجل ما الفتى عندكم فقال له الشاب فقال لا الفتى المؤمن إن أصحاب الكهف
كانوا شيوخا فسماهم الله فتية بإيمانهم. والعياشي عنه عليه السلام مثله إلا أنه قال كانوا كلهم كهولا وزاد من آمن بالله واتقى فهو الفتى آمنوا بربهم وزدنهم هدى بالتوفيق والتثبيت. (14) وربطنا على قلوبهم أي قويناها وشددنا عليها حتى صبروا على هجر الأوطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والارض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا قولا ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرطا في الظلم. القمي عن الباقر عليه السلام يعني جورا على الله تعالى إن قلنا إن له شريكا أقول: قالوه سرا من الكفار ليس كما زعمه المفسرون أنهم جهروا به بين يدي دقيانوس الجبار وما فعلوه أعظم أجرا. ففي الكافي عن الصادق عليه السلام إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الأيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين. وفيه والعياشي عنه عليه السلام ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف إن كانوا ليشهدون الأعياد ويشدون الزنانير فأعطاهم الله أجرهم مرتين. والعياشي عنه عليه السلام إن أصحاب الكهف أسروا الأيمان وأظهروا الكفر وكانوا على إجهار الكفر أعظم أجرا منهم على الأسرار بالأيمان وعنه عليه السلام إنه ذكر أصحاب الكهف فقال لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فقيل له ما كلفهم قومهم فقال كلفوهم الشرك بالله العظيم فأظهروا لهم الشرك وأسروا الأيمان حتى جاءهم الفرج وعنه
[ 235 ]
عليه السلام خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق فأخذ هذا على هذا وهذا على هذا ثم قالوا أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد وعنه عليه السلام إنه ذكر أصحاب الكهف فقال كانوا صيارفة كلام ولم يكونوا صيارفة دراهم.
(15) هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون هلا يأتون عليهم على عبادتهم بسلطان بين ببرهان ظاهر وهو تبكيت لأن الأتيان بالحجة على ذلك محال فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا بنسبة الشرك إليه. أقول: في هذه الاية دلالة على أنهم كانوا يسرون الأيمان وكذا فيما بعدها. (16) وإذ اعتزلتموهم خطاب بعضهم لبعض وما يعبدون إلا الله وإعتزلتم معبوديهم أو عبادتهم إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ما ترتفقون به أي تنتفعون به وقرئ بفتح الميم وكسر الفاء وكان جزمهم بذلك لشدة وثوقهم بفضل الله وقوة يقينهم بالله. (17) وترى الشمس لو رأيتهم إذا طلعت تزاور تميل وقرئ بتشديد الزاي وتزور بتشديد الراء كتحمر عن كهفهم ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم ولعل الكهف كان جنوبيا ذات اليمين أي جهة يمين الكهف وإذا غربت تقرضهم تقطعهم وتصرم عنهم ذات الشمال جهة شمال الكهف وهم في فجوة منه وهم في متسع من الكهف يعني في وسط بحيث ينالهم برد النسيم وروح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس لا في طلوعها ولا في غروبها ذلك من آيات الله من يهد الله بالتوفيق فهو المهتد ثناء عليهم ومن يضلل من يخذله فلن تجد له وليا مرشدا من يليه ويرشده. في التوحيد والمعاني عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية فقال إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته ويهدي أهل الأيمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال الله عز وجل ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء وقال إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجرى من تحتهم الانهار في جنات النعيم.
[ 236 ]
(18) وتحسبهم أيقاظا القمي عن الباقر عليه السلام قال ترى أعينهم مفتوحة وهم رقود
نيام ونقلبهم في رقدتهم ذات اليمين وذات الشمال في كل عام مرتين كما سبق كي لا تأكل الأرض ما يليها من أبدانهم على طول الزمان وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد بالفناء وقد سبق حديث الكلب لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا لهربت منهم ولملئت منهم رعبا خوفا يملأ صدرك وقرئ لملئت بالتشديد ورعبا بالتثقيل قيل وذلك لما ألبسهم الله من الهيبة. العياشي عن الباقر عليه السلام إن ذلك لم يعن به النبي صلى الله عليه وآله إنما عني به المؤمنين بعضهم لبعض لكنه حالهم التي هم عليها. (19) وكذلك بعثناهم وكما أنمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا ليتساءلوا بينهم ليسأل بعضهم بعضا فيتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقينا إلى يقينهم ويستبصروا به أمر البعث قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم بناء على غالب ظنهم المستفاد من النوم المعتاد قالوا ربكم أعلم بما لبثتم قيل قالوا ذلك لما رأوا من طول أظفارهم وشعورهم ثم لما علموا أن الأمر ملتبس لا طريق لهم إلى العلم به أخذوا فيما يهمهم وقالوا فابعثوا أحدكم بورقكم هذه قرئ بسكون الراء إلى المدينة والورق الفضة فلينظر أيها أزكى طعاما القمي يقول أيها أطيب طعاما. وفي المحاسن عنهما عليهما السلام أزكى طعاما التمر. أقول: ويستفاد منه أن البارز في أيها راجع إلى الأطعمة دون المدينة المراد بها أهلها كما فهمه الجمهور فليأتكم برزق منه وليتلطف وليتكلف اللطف في التخفي والتنكر حتى لا يعرف كما سبق في حديث القمي ويفسره قوله ولا يشعرن بكم أحدا. (20) إنهم إن يظهروا عليكم إن يظفروا بكم يعني أهل المدينة يرجموكم يقتلوكم بالرجم وهي أخبث قتلة أو يعيدوكم في ملتهم يصيروكم إليها كرها ولن تفلحوا إذا أبدا إن دخلتم في ملتهم. (21) وكذلك أعثرنا عليهم وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم إطلعنا عليهم
1 - أي لو رأيتهم لحسبتهم منتبهين وهم رقود أي نائمون. (*)
[ 237 ]
أهل مدينتهم. القمي وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف ليعلموا ليعلم الذين إطلعناهم على حالهم أن وعد الله بالبعث حق وأن الساعة لاتية لا ريب فيها بأنها كائنة لأن حالهم في نومهم وانتباههم كحال من يموت ويبعث. وفي الحديث النبوي كما تنامون تستيقظون وكما تموتون تبعثون. وفي حديث آخر النوم أخ الموت. وفي الأحتجاج عن الصادق عليه السلام في حديث وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق إذ يتنازعون أعثرنا عليهم حين يتنازعون بينهم أمرهم أمر دينهم وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول تبعثان معا ليرتفع الخلاف ويتبين إنهما تبعثان معا كذا قيل وكان في حديث الأحتجاج ايماء إلى ذلك وقيل أمرهم أي أمر الفتية حين توفاهم ثانيا وكان بعضهم يقول ماتوا وبعضهم يقول ناموا كنومهم أول مرة وقد سبق في حديث القمي وكيف كان فقالوا ابنوا عليهم بناينا حين توفاهم ثانيا ربهم أعلم بهم إعتراض قال الذين غلبوا على أمرهم من المسلمين وملكهم لنتخذن عليهم مسجدا يصلي فيه المسلمون ويتبركون بمكانهم. (22) سيقولون ثلثة رابعهم كلبهم يعني أهل المدينة وملكهم كما سبق في حديث القمي. وقيل بل يعني بهم الخائضين في قصتهم في عهد نبينا صلى الله عليه وآله من أهل الكتاب والمؤمنين ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب يرمون رميا بالخبر الخفي. والقمي ظنا بالغيب ما يستفتونهم ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربى أعلم
بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل روت العامة عن علي عليه السلام وهم سبعة وثامنهم كلبهم ويدل عليه من طريق الخاصة ما روي في روضة الواعظين عن الصادق عليه السلام أنه يخرج مع
[ 238 ]
القائم من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسلمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا فلا تجادل أهل الكتاب في شأن الفتية إلا جدالا ظاهرا غير متعمق فيه وهو أن تقص عليهم بما أوحى إليك من غير تجهيل لهم والرد عليهم ولا تستفت فيهم منهم أحدا. القمي يعني يقول حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم ولا تسأل أحدا من أهل الكتاب عنهم. (23) ولا تقولن لشئ تعزم عليه إنى فاعل ذلك غدا. (24) إلا أن يشاء الله إلا متلبسا بمشيته قائلا إن شاء الله واذكر ربك إذا نسيت يعني إذا نسيت الأستثناء فاستثن إذا ذكرت. وفي الجوامع عن الصادق عليه السلام ما لم ينقطع الكلام. وفي الكافي عنه عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت قال ذلك في اليمين إذا قلت والله لا أفعل كذا وكذا فإذا ذكرت إنك لم تستثن فقل إن شاء الله. والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه في عدة روايات. وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام الأستثناء في اليمين متى ما ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا ثم تلا هذه الاية. وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسى أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال لهم تعالوا غدا احدثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيل عنه أربعين يوما ثم أتاه فقال ولا تقولن لشئ الاية.
والعياشي عنه عن أبيه عن أمير المؤمنين عليهم السلام مثله. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في قول الله عز وجل ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما إن الله عز وجل لما قال لادم وزوجته لا تقربا هذه الشجرة ولا تأكلا
[ 239 ]
منها فقالا نعم يا ربنا لا نقربها ولا نأكل منها ولم يستثنيا في قولهما نعم فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما قال وقد قال الله عز وجل لنبيه في الكتاب ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله أن لا أفعله فتسبق مشية الله في أن لا أفعله فلا أقدر على أن أفعله فلذلك قال الله عز وجل واذكر ربك إذا نسيت أي إستثن مشية الله في فعلك. والعياشي عنه عليه السلام قال قال الله عز وجل ولا تقولن إلى آخر الحديث كما ذكر في الكافي. وعنه عليه السلام إن آدم لما أسكنه الله الجنة فقال له يا آدم لا تقرب هذه الشجرة فقال نعم ولم يستثن فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله فقال ولا تقولن لشئ إنى فاعل إلى قوله إذا نسيت ولو بعد سنة. قال في المجمع الوجه فيه إنه إذا إستثنى بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الأستثناء بعد إنفصال الكلام في الكلام وإبطال الحنث وسقوط الكفارة في اليمين. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه أمر بكتاب في حاجة فكتب ثم عرض عليه ولم يكن فيه إستثناء فقال كيف رجوتم أن يتم هذا وليس فيه إستثناء انظروا كل موضع لا يكون فيه إستثناء فاستثنوا فيه وفي التهذيب ما يقرب منه وزاد ثم دعا بالدوات فقال الحق فيه إن شاء الله فألحق فيه في كل موضع إن شاء الله وقل عسى أن يهدين ربى لاقرب من هذا رشدا قيل أي يهديني لشئ آخر بدل هذا المنسي أقرب منه رشدا وأدنى خيرا ومنفعة أو لما هو ظهر دلالة على إني نبئ من نبأ أصحاب الكهف.
(25) ولبثوا في كهفهم ثلثمأة سنين وقرء بالأضافة وازدادوا تسعا يعني ثلثمأة وتسعا. (26) قل الله أعلم بما لبثوا بمدة لبثهم من الذين إختلفوا فيها [ فيهم خ ل ] من أهل الكتاب والحق ما أخبر الله به وهو ما ذكر في المجمع روي أن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه السلام عن مدة لبثهم فأخبر بما في القرآن فقال إنا نجد في كتابنا ثلثمأة فقال علي عليه السلام ذلك بسني الشمس وهذا بسني القمر.
[ 240 ]
والقمي عطف على الخبر الأول الذي حكى عنهم أنهم يقولون ثلثة رابعهم كلبهم فقال ولبثوا في كهفهم ثلثمأة سنين وإزدادوا تسعا وهو حكاية عنهم ولفظه خبر والدليل على أنه حكاية عنهم قوله قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والارض يختص بعلمه أبصر به وأسمع ما أبصره وأسمعه ذكره بصيغة التعجب للدلالة على أن أمره في الأدراك خارج عن حد ما عليه إدراك كل مبصر وسامع إذ لا يحجبه شئ ولا يتفاوت دونه لطيف وكثيف وصغير وكبير وخفي وجلي ما لهم ما لأهل السماوات والأرض من دونه من ولى يتولى امورهم ولا يشرك في حكمه في قضائه أحدا منهم وقرئ بالتاء والجزم. (27) واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك من القرآن لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا ملتجأ وموئلا يقال التحد إلى كذا إذا مال إليه. (28) واصبر نفسك احبسها مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي في طرفي النهار أو في مجامع أوقاتهم. العياشي عنهما عليهما السلام إنما عنى بهما الصلاة وقرئ بالغدوة يريدون وجهه رضاه وطاعته ولا تعد عيناك عنهم ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم من أبناء الدنيا تريد زينة الحيوة الدنيا في مجالسة أهل الغنى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا بالخذلان واتبع هواه وكان أمره فرطا إفراطا وتجاوزا للحد ونبذا للحق وراء ظهره القمي نزلت في سلمان الفارسي (رضى الله عنه) كان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره وردائه وكان كساءا
من صوف فدخل عيينة بن حصين على النبي صلى الله عليه وآله وسلمان عنده فتأذى عيينة بريح كساء سلمان وقد كان عرق فيه وكان يوما شديد الحر فعرق في الكساء فقال يا رسول الله إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا وحزبه من عندك فإذا نحن خرجنا فدخل من شئت فأنزل الله عز وجل ولا تطع من أغفلنا قلبه الاية وهو عيينة بن حصين بن حذيفة بن بدر الفزاري. وفي المجمع نزلت في سلمان وأبي ذر وصهيب وخباب وغيرهم من فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وذلك أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله عيينة بن حصين والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا يا رسول الله إن جلست في صدر
[ 241 ]
المجلس ونحيت عنا هؤلاء وروايح صنانهم (1) وكانت عليهم جباب (جمع جبة) الصوف جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك فلا يمنعنا من الدخول عليك إلا هؤلاء فلما نزلت الاية قام النبي صلى الله عليه وآله يلتمسهم فأصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله عز وجل فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من امتي معهم المحيى ومعهم المماة. (29) وقل الحق من ربكم هو الحق من ربكم أو الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فلم يبق إلا إختياركم لنفوسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة وفي طريق الهلاك. العياشي عن الصادق عليه السلام قال وعيد إنا أعتدنا أعددنا وهيئنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وإن يستغيثوا من العطش يغاثوا بماء كالمهل كدردي الزيت وقيل كالنحاس المذاب يشوى الوجوه إذا قدم ليشرب من فرط حرارته بئس الشراب المهل وساءت النار مرتفقا متكئا من المرفق وهو يشاكل قوله وحسنت مرتفقا.
في الكافي عن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الاية هكذا وقل الحق من ربكم في ولاية علي عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين على آل محمد نارا. والقمي عن الصادق عليه السلام مثله وقال المهل الذي يبقى في أصل الزيت المغلى. (30) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا. (31) أولئك لهم جنات عدن تجرى من تحتهم الانهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق مما رق من الديباج وما غلظ منه متكئين فيها على الارائك على السرر كما هو هيئة المتنعمين.
1 - أصن اللحم: إذا أنتن والصنان: زفر الابط. (*)
[ 242 ]
القمي عن الباقر عليه السلام الارائك السرر عليها الحجال نعم الثواب الجنة ونعيمها وحسنت الأرائك مرتفقا. أقول: وكأن الثياب الخضر كناية عن أبدانهم المثالية البرزخية المتوسطة بين سواد هذا العالم وبياض العالم الأعلى فإن الخضرة مركبة من سواد وبياض والرقة والغلظة كنايتان عن تفاوتهما في مراتب اللطافة. (32) واضرب لهم مثلا للكافر والمؤمن رجلين حال رجلين القمي قال نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا الثمار كما حكى الله عز وجل وفيهما نخل وزرع وماء وكان له جار فقير فافتخر الغني على الفقير جعلنا لاحدهما جنتين بستانين من أعناب من الكروم وحففنهما بنخل وجعلنا النخل محيطة بهما وجعلنا بينهما وسطهما زرعا ليكون كل منهما جامعا للأقوات والفواكه على شكل حسن وترتيب أنيق. (33) كلتا الجنتين آتت أكلها ثمرها ولم تظلم منه ولم تنقص من اكلها شيئا
كما يكون في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبا وفجرنا خلالهما نهرا ليدوم شربهما ويزيد بهاؤهما. (34) وكان له ثمر أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كاثره وقرئ بفتحتين وبضم الثاء وسكون الميم فقال لصحابه وهو يحاوره وهو يراجعه في الكلام من حار إذا رجع أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أولادا وأعوانا. (35) ودخل جنته بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها وهو ظالم لنفسه ضار لها بعجبه وكفره قال ما أظن أن تبيد أن تفني هذه يعني هذه الجنة أبدا لطول أمله وتمادي غفلته وإغتراره بمهلته. (36) وما أظن الساعة قائمة كائنة ولئن رددت إلى ربى بالبعث كما زعمت لاجدن خيرا منها منقلبا مرجعا وعاقبة وقرئ منهما. (37) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذى خلقك من تراب فإنه أصل
[ 243 ]
مادتك ومادة أصلك ثم من نطفة فإنها مادتك القريبة ثم سويك رجلا ثم عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال. (38) لكنا هو الله ربى أصله لكن أنا وقرئ بالألف في الوصل والوقف جميعا ولا أشرك بربي أحدا. (39) ولولا إذ دخلت جنتك قلت وهلا قلت عند دخولها ما شاء الله كائن إقرار بأنها وما فيها بمشية الله إن شاء الله أبقاها وإن شاء أبادها لا قوة إلا بالله وقلت لا قوة إلا بالله إعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله وإن ما تيسر لك من عمارتها وتدبيرها فبمعونته واقتداره إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. (40) فعسى ربى أن يؤتين خيرا من جنتك في الدنيا أو في الاخرة لأيماني ويرسل عليها على جنتك لكفرك حسبانا من السماء مرامي من عذابه كصاعقة ونحوها.
وقيل هو بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها فتصبح صعيدا زلقا أرضا ملساء يزلق عليها باستيصال نباتها وأشجارها. القمي محترقا. (41) أو يصبح ماؤها غورا غائرا في الأرض فلن تستطيع له طلبا. (42) وأحيط بثمره وأهلك أمواله حسبما أنذره صاحبه من أحاط به العدو فإنه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه ونظيره أتى إذا أهلكه في المجمع وفي الخبر إن الله عز وجل أرسل عليها نارا فأهلكها وغار ماؤها فأصبح يقلب كفيه ظهرا لبطن تلهفا وتحسرا على ما أنفق فيها وهى خاوية ساقطة على عروشها يعني سقطت عروش كرومها على الأرض وسقطت الكروم فوقها ويقول يا ليتنى لم أشرك بربي أحدا كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يهلك الله بستانه. (43) ولم تكن له فئة وقرئ بالياء ينصرونه بدفع الأهلاك أورد المهلك من دون
[ 244 ]
الله فإنه القادر على ذلك وحده وما كان منتصرا ممتنعا عن انتقام الله منه. (44) هنالك في ذلك المقام وتلك الحال. وقيل في الاخرة الولاية لله الحق النصرة له وحده لا يقدر عليها غيره وقرئ بالكسر أي السلطان والملك وقرئ الحق بالرفع صفة للولاية هو خير ثوابا وخير عقبا (1) أي لأوليائه وقرئ عقبا بالسكون. (45) واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا ما تشبهه في زهرتها وسرعة زوالها كماء هو كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض تكاثف بسببه والتف حتى خالط بعضه بعضا فأصبح هشيما مهشوما مكسورا تذروه الريح تفرقه فيصير كأن لم يكن وكان الله على كل شئ من الأنشاء والأفناء مقتدرا.
(46) المال والبنون زينة الحيوة الدنيا ويفنى عن قريب والباقيات الصالحات وأعمال الخير والبر التي تبقى ثمرتها أبد الاباد خير عند ربك من المال والبنين ثوابا عائدة وخير أملا لأن صاحبها ينال في الاخرة ما كان يأمل بها في الدنيا. في التهذيب والعياشي عن الصادق عليه السلام إن كان الله عز وجل قال المال والبنون زينة الحياة الدنيا إن الثمانية ركعات يصليها العبد آخر الليل زينة الاخرة. والعياشي عنه عليه السلام إن الباقيات الصالحات هي الصلاة فحافظوا عليها. وفي المجمع عنه عليه السلام هي الصلوات الخمس. وعنه عليه السلام إن من الباقيات الصالحات القيام لصلاة الليل. وروى إبن عقده عنه عليه السلام إنه قال لحصين بن عبد الرحمن لا تستصغر مودتنا فإنها من الباقيات الصالحات. والعياشي عنه عليه السلام قال قال رسول الله خذوا جنتكم قالوا يا رسول الله عدو حضر فقال لا ولكن خذوا جنتكم من النار فقالوا بم نأخذ جنتنا يا رسول الله قال
1 - أي عاقبته طاعته خير من عاقبة طاعر غيره. (*)
[ 245 ]
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فإنهن يأتين يوم القيامة ولهن مقدمات ومؤخرات وهن الباقيات الصالحات. وفي المجمع بطريق العامة مثله. والقمي قال الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ذكر في سورة مريم. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام مر رسول الله صلى الله عليه وآله برجل يغرس غرسا في حايط له فوقف عليه وقال ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى قال بلى فدلني يارسول الله فقال إذا أصبحت وأمسيت فقل سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر فإن لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات. (47) ويوم نسير الجبال نسيرها في الجو ونجعلها هباء منبثا وقرئ بالتاء والبناء للمفعول وترى الارض بارزة بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها وحشرناهم وجمعناهم إلى الموقف فلم نغادر فلم نترك منهم أحدا. (48) وعرضوا على ربك صفا ترى جماعتهم كما يرى كل واحد منهم لا يحجب أحد أحدا. في الأحتجاج عن الصادق عليه السلام هم يومئذ عشرون ومأة ألف صف في عرض الأرض لقد جئتمونا كما خلقنكم أول مرة أي قيل لهم لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة أو المعنى لقد جئتمونا عراة لا شئ معكم من المال والولد لقوله ولقد جئتمونا فرادى كما سبق في سورة الأنعام بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا وقتا لأنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به. (49) ووضع الكتاب صحايف الأعمال فترى المجرمين مشفقين مما فيه خائفين من الذنوب ويقولون يا ويلتنا ينادون هلكتهم مالهذا الكتاب تعجيبا من شأنه لا يغادر صغيرة هنة صغيرة ولا كبيرة عبارة عن الأحاطة بالجميع إلا أحصيها إلا عدها
[ 246 ]
وضبطها ووجدوا ما عملوا حاضرا مكتوبا في الصحف ولا يظلم ربك أحدا فيكتب عليه ما لم يفعل أو لا ينقص ثواب محسن ولا يزيد في عقاب مسئ. القمي قال يجدون ما عملوا كله مكتوبا. والعياشي عن الصادق عليه السلام إذا كان يوم القيامة دفع إلى الأنسان كتابه ثم قيل اقرأ فيقرأ ما فيه فيذكره فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم إلا ذكره كأنه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا يا ويلتنا الاية.
(50) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لاءدم فسجدوا إلا إبليس قد سبق تفسيره (ذكره خ ل) في سورة البقرة قيل كرره في مواضع لكونه مقدمة للامور المقصود بيانها في تلك المحال وهكذا كل تكرير في القرآن كان من الجن ففسق عن أمر ربه فخرج عن أمره بترك السجود أفتتخذونه أبعد ما وجد منه تتخذونه وذريته أولياء من دوني وتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا من الله إبليس وذريته. (51) ما أشهدتهم خلق السموات والارض ما أحضرت إبليس وذريته خلق السموات والأرض إعتضادا بهم ولا خلق أنفسهم ولا احضرت بعضهم خلق بعض وما كنت متخذ المضلين عضدا أعوانا يعني فما لكم تتخذونهم شركائي في العبادة أو الطاعة أو المعنى ما أشهدت المشركين خلق ذلك وماخصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا اتبعهم الناس كما يزعمون فلا تلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني ويعضده قراءة من قرأ وما كنت على خطاب الرسول. والعياشي عن الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال اللهم أعز الأسلام بعمر الخطاب وبأبي جهل بن هشام فأنزل الله هذه الاية يعنيهما. أقول: ويمكن التوفيق بين التفسيرين بتعميم الشياطين الجن والأنس. وفي الكافي عن الجواد عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا
[ 247 ]
بوحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة عليهم السلام فمكثوا ألف دهرثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمرها إليهم الحديث. (52) ويوم يقول أي يقول الله وقرئ بالنون نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم شركائي أضاف الشركاء إليه على زعمهم توبيخا لهم والمراد ما عبد من دونه من الجن
والأنس وغيرهما فدعوهم فنادوهم للأغاثة فلم يستجيبوا لهم فلم يغيثوهم وجعلنا بينهم بين الكفار وآلهتهم موبقا مهلكا يشتركون فيه وهو واد من أودية جهنم القمي أي سترا وقيل البنين بمعنى الوصل أي جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة. (53) ورأى المجرمون النار فظنوا فأيقنوا أنهم مواقعوها مخالطوها واقعون فيها ولم يجدوا عنها مصرفا معدلا في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني أيقنوا أنهم داخلوها في الاحتجاج عنه عليه السلام وقد يكون بعض ظن الكفار يقينا وذلك قوله ورأى المجرمون النار الاية أي أيقنوا أنهم مواقعوها. (54) ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان أكثر شئ يتأتى منه الجدل جدلا خصومة بالباطل. (55) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى ويستغفروا ربهم من ذنوبهم إلا أن تأتيهم سنة الاولين وهي الأهلاك والأستيصال أو يأتيهم العذاب عذاب الاخرة قبلا عيانا وقرئ بضمتين. (56) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل مثل قولهم للأنبياء ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شآء الله لانزل ملائكة واقتراحهم الايات بعد ظهور المعجزات إلى غيرذلك ليدحضوا به ليزيلوا بالجدال الحق عن مقره ويبطلوه واتخذوا آياتى وما أنذروا هزوا إستهزاء. (57) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه أي القرآن فأعرض عنها فلم يتدبرها ولم يتذكرها ونسى ما قدمت يداه من الكفر والمعاصي فلم يتفكر في عاقبتهما إنا جعلنا على قلوبهم أكنة تعليل لأعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم أن يفقهوه تمنعهم
[ 248 ]
أن يفقهوه وتذكير الضمير وإفراده للمعنى وفي آذانهم وقرا يمنعهم أن يسمعوه حق إستماعه وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا فلا يجوز منهم اهتداء البتة لا
تحقيقا لأنهم لا يفقهون ولا تقليلا لأنهم لا يسمعون. (58) وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب فلا يؤاخذهم عاجلا مع إستحقاقهم العذاب بل لهم موعد يعني يوم القيامة وقيل يوم بدر لن يجدوا من دونه موئلا ملجأ ومنجا. (59) وتلك القرى قرى عاد وثمود وأضرابهم أهلكناهم لما ظلموا مثل ظلم قريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي وجعلنا لمهلكهم لأهلاكهم وقرئ بكسر اللام وبفتح الميم واللام أي لهلاكهم موعدا وقتا معلوما لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فليعتبروا بهم ولا يغتروا بتأخر العذاب عنهم. القمي أي يوم القيامة يدخلون النار. (60) وإذ قال موسى لفته. في الأكمال والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام وهو يوشع بن نون قيل هو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه لا أبرح لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين ملتقى بحري فارس والروم وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر أو أمضى حقبا أو أسير زمانا طويلا. القمي عن الباقر عليه السلام الحقب ثمانون سنة. والقمي لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته فأنزل الله عز وجل وإذ قال موسى لفتيه قال وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليما فأنزل الله عليه الألواح وفيها كما قال الله تعالى وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه قال في نفسه ما خلق الله خلقا أعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل أدرك موسى فقد
[ 249 ]
هلك وأعلمه إن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلا أعلم منك فسر إليه وتعلم من علمه فنزل جبرئيل على موسى وأخبره وذل موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب وقال لوصيه يوشع إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه فتزود يوشع حوتا مملوحا وخرجا. وفي العلل والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب من صدر هذا الحديث. والعياشي عنه عليه السلام قال بينا موسى قاعد في ملأ من بني إسرائيل إذ قال له رجل ما أرى أحدا أعلم بالله منك قال موسى ما أرى فأوحى الله إليه بل عبدي الخضر فسأل السبيل إليه فكان له آية الحوت إن إفتقده وكان من شأنه ما قص الله. (61) فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما تركاه لذهولهما عنه أو ذهابه عنهما فاتخذ سبيله يعني الحوت في البحر سربا مسلكا. القمي فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحي الحوت ودخل في الماء فمضى موسى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا. والعياشي ذكر قصة الحوت بنحوين آخرين فتارة عنه عليه السلام إنه شواه ثم حمله في مكتل (1) ثم إنطلقا يمشيان فإنتهيا إلى شيخ مستلقي معه عصاه موضوعة إلى جانبه وعليه كساء إذا قنع رأسه خرجت رجلاه وإذا غطى رجليه خرج رأسه قال فقام موسى عليه السلام يصلي وقال ليوشع أحفظ علي قال فقطرت قطرة من السماء في المكتل فاضطرب الحوت ثم جعل يثب من المكتل إلى البحر وهو قوله فاتخذ سبيله في البحر سربا قال ثم أنه جاء طير فوقع على ساحل البحر (شاطئ خ ل) ثم أدخل منقاره فقال يا موسى ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر
الحديث.
1 - المكتل - كمنبر -: الزنبيل الكبير. (*)
[ 250 ]
وتارة عنهما عليهما السلام لما كان من أمر موسى عليه السلام ما كان اعطي مكتل فيه حوت مملح قيل له هذا يدلك على صاحبك عند مجمع البحرين صخرة عندها عين لا يصيب منها شئ ميتا إلا حي يقال له عين الحياة فانطلقا حتى بلغا الصخرة فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين فاضطرب في يده حتى خدشه وتفلت منه ونسيه الفتى. في الأكمال عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل وأما قولك أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنها العين التي ببيت المقدس تحت الحجر وكذبوا وهي عين الحيوان التي إنتهى موسى وفتاه فغسل فيها السمكة المالحة فحييت وليس من ميت يصيبه ذلك الماء إلا حي وكان الخضر في مقدمة ذي القرنين يطلب عين الحياة فوجدها وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين. (62) فلما جاوزا مجمع البحرين قال لفتيه آتنا غداءنا ما نتغدى به لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا أي عناء. العياشي عن الصادق عليه السلام وإنما أعيى حيث جاز الوقت. (63) قال أرايت يعني أرأيت ما دهاني إذ اوينا إلى الصخرة فإنى نسيت الحوت تركته وفقدته أو نسيت ذكر حاله وما رأيت منه لك وما أنسانيه وقرئ بضم الهاء إلا الشيطان أن أذكره أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان واتخذ سبيله في البحر عجبا. (64) قال ذلك ما كنا نبغ نطلب لأنه إمارة المطلوب. القمي قال ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فارتدا على
آثارهما فرجعا في الطريق الذي جاءا منه قصصا يقصان قصصا أي يتبعان آثارهما إتباعا. (65) فوجدا عبدا من عبادنا وهو الخضر عليه السلام كما استفاض به الأخبار عنهم عليهم السلام.
[ 251 ]
القمي وكان في الصلاة فقعد موسى حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما. والعياشي عن الصادق عليه السلام في الحديث السابق فرجع موسى عليه السلام فقص أثره حتى إنتهى إليه وهو على حاله مستلقي فقال له موسى السلام عليك فقال السلام عليك يا عالم بني إسرائيل قال ثم وثب فأخذ عصاه بيده فقال له موسى إني قد امرت أن أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. وفي روايته الاخرى عنهما عليهما السلام فلما رجعا وجدا الحوت قد خر في البحر فاقتصا الأثر حتى أتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر إما متكئا وإما جالس فسلم عليه موسى عليه السلام فعجب من السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام قال من أنت قال أنا موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال نعم قال فما حاجتك قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا قال إني وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت أنت بأمر لا اطيقه ثم حدثه العالم عن آل محمد صلوات الله عليهم وعما يصيبهم صلوات الله عليهم من البلاء حتى إشتد بكاؤهما ثم حدثه عن فضل آل محمد صلوات الله عليهم حتى جعل موسى عليه السلام يقول ياليتني كنت من آل محمد عليهم السلام وحتى ذكر فلانا وفلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه وذكر له تأويل هذه الاية ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة حين أخذ الميثاق عليهم. والقمي عن الرضا عليه السلام أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزاير
البحر إما جالس وإما متكئا الحديث كما ذكره العياشي. وفي العلل عن الصادق عليه السلام إن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله إلى قومه فدعاهم إلى توحيده والأقرار بأنبيائه ورسله وكتبه وكانت آيته إنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا إهتزت خضراء وإنما سمى خضرا لذلك وكان إسمه بليا بن ملكا بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح آتيناه رحمة من عندنا هي الوحي والنبوة وعلمناه من لدنا علما قيل أي بما يختص بنا من العلم وهو علم الغيوب.
[ 252 ]
في المجمع عن الصادق عليه السلام قال كان عنده علم لم يكتب لموسى عليه السلام في الألواح وكان موسى عليه السلام يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته وأن جميع العلم كتب له في الألواح. (66) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا وقرئ بفتحتين. (67) قال إنك لن تستطيع معى صبرا. في العلل عن الصادق عليه السلام قال الخضر إنك لن تستطيع معى صبرا لأني وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت بعلم لا اطيقه قال موسى عليه السلام بل أستطيع معك صبرا فقال الخضر إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره. (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. (69) قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا قال فلما إستثنى المشية قبله. والعياشي عن أحدهما عليهما السلام. في حديث له ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى إلى العالم وسأله
الصحبة ليتعلم منه العلم ويرشده فلما أن سأل العالم ذلك علم العالم أن موسى لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصير معه فعند ذلك قال العالم وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فقال له موسى عليه السلام وهو خاضع له يستلطفه على نفسه كي يقبله ستجدني إن شاء الله الاية. وعن الصادق عليه السلام كان موسى عليه السلام أعلم من الخضر. وفي الكافي عنه عليه السلام لو كنت بين موسى عليه السلام والخضر لأخبرتهما إني أعلم منهما وأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى عليه السلام والخضر عليه السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة.
[ 253 ]
(70) قال فإن اتبعتنى فلا تسئلني وقرئ بالنون الثقيلة عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا. القمي عن الرضا عليه السلام يقول لا تسألني عن شئ أفعله ولا تنكره علي حتى اخبرك أنا بخبره قال نعم. (71) فانطلقا على الساحل يطلبان السفينة حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها وقرئ بالأسناد إلى الأهل لقد جئت شيئا إمرا عظيما. القمي هو المنكر وكان موسى عليه السلام ينكر الظلم فأعظم ما رأى. (72) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا. (73) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمرى عسرا ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر على متابعتك. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله كانت الأولى من موسى عليه السلام نسيانا.
(74) فانطلقا أي بعد ما خرجا من السفينة حتى إذا لقيا غلاما فقتله من غير ترو واستكشاف حال قال أقتلت نفسا زكية طاهرة من الذنوب وقرئ زاكية بغير نفس من غير أن قتلت نفسا فتقاد (1) بها لقد جئت شيئا نكرا أي منكرا وقرئ بضمتين. في العلل عن الصادق عليه السلام فغضب موسى عليه السلام وأخذ بتلبيبه وقال أقتلت الاية قال الخضر إن العقول لا تحكم على أمر الله بل أمر الله يحكم عليها فسلم لما ترى مني واصبر عليه فقد كنت علمت إنك لن تستطيع معى صبرا. (75) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا قيل زاد لك فيه مكافحة بالعتاب على رفض الوصية ووسما بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والأستنكاف ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الأستنكار ثاني مرة.