بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس الله سره) الجزء الخامس والسبعون مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان الطبعة الثانية المصححة 1403 ه. 1983 م مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان - صرب: 1457 - هاتف: 386868
[1]
بسم الله الرحمن الرحيم 49 - كتاب الغارات: (1) لابراهيم بن محمد الثقفي، عن أبي زكريا الجريري عن بعض أصحابه قال: خطبة لامير المؤمنين عليه السلام الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله انتجبه بالولاية، واختصه بالاكرام، وبعثه بالرسالة، أحب خلقه إليه. وأكرمهم عليه، فبلغ رسالات ربه، ونصح لامته، وقضى الذي عليه. اوصيكم بتقوى الله، فان تقوى الله خير ما تواصت به العباد، وأقربه من رضون الله، وخيره في عواقب الامور. فبتقوى الله امرتم، ولها خلقتم، فاخشوا الله خشية ليست بسمعة ولا تعذير (2) فانه لم يخلقكم عبثا، وليس بتارككم سدى (3) قد
أحصى أعمالكم، وسمى آجالكم، وكتب آثاركم، فلا تغرنكم الدنيا فإنها غرارة،. مغرور من اغتر بها، وإلى فناء ما هي. نسأل الله ربنا وربكم أن يرزقنا وإياكم خشية السعداء، ومنازل الشهداء ومرافقة الانبياء، فإنما نحن به وله.
(1) مخطوط. (2) عذر في الامر تعذيرا: قصر فيه بعد جهد. (3) أي لا يترككم مهملا باطلا.
[2]
50 - وبهذا الاسناد خطبة له عليه السلام: الحمد لله نحمدة تسبيحا، ونمجده تمجيدا نكبر عظمته لعز جلاله، ونهلله تهليلا، موحدا مخلصا، ونشكره في مصانعة الحسنى، أهل الحمد والثناء الاعلى، ونستغفره للحت من الخطايا، ونستعفيه من متح ذنوب البلايا (1) ونؤمن بالله يقينا في أمره، ونستهدي بالهدى العاصم المنقذ العازم بعزمات خير قدر (؟) موجب فضل عدل قضاء نافذ بفوز سابق بسعادة في كتاب كريم مكنون، ونعوذ بالله من مضيق مضائق السبل على أهلها بعد اتساع مناهج الحق لطمس آيات منير الهدى بلبس ثياب مضلات الفتن، ونشهد غير ارتياب، حال دون يقين مخلص بأن الله واحد موحد، وفي وعده، وثيق عقده، صادق قوله، لا شريك له في الامر، ولا ولي له من الذل، نكبره تكبيرا، لاإله إلا الله هو العزيز الحكيم. ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده بعيث الله لوحيه، ونبيه بعينه، ورسوله بنوره، مجيبا مذكرا مؤديا، مبقيا مصابيح شهب ضياء مبصر. وماحيا ماحقا مزهقا رسوم أباطيل خوض الخائضين، بدار اشتباك ظلمة كفر دامس، فجلا غواشي أظلام لجي راكد (2) بتفصيل آياته من بعد توصيل قوله وفصل فيه القول للذاكرين بمحكمات منه بينات، ومشتبهات يتبعها الزايغ قلبه ابتغاء التأويل
تعرضا للفتن. والفتن محيطة بأهلها. والحق نهج مستنير، من يطع الرسول يطع الله ومن يطع الله يستحق الشكر من الله بحسن الجزاء، ومن يعص الله ورسوله يعاين عسر الحساب لدى اللقاء، قضاء بالعدل عند القصاص بالحق يوم إفضاء الخلق إلى الخالق. أما بعد فمنصت سامع لواعظ نفعه إنصاته وصامت ذولب شغل قلبه بالفكر في أمر الله حتى أبصر فعرف فضل طاعته على معصيته، وشرف نهج ثوابه على احتلال من عقابه، ومخبر النائل رضاه عند المستوجبين غضبه عند تزايل الحساب. وشتى بين الخصلتين وبعيد تقارب ما بينهما، اوصيكم بتقوى الله بارئ الازواح وفالق الاصباح.
(1) الحت بتشديد التاء السقوط، والمتح استقاء الماء بالدلو، والذنوب بفتح الذال المعجمة: الدلو. (2) اللج: معظم الماء.
[3]
51 - من كتاب مطالب السؤول (1) لمحمد بن طلحة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام: ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم إن من صرحت (2) له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحم الشبهات، ألا وإن الخطايا خيل شمس (3) حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار، ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها واعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة. حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل (4) لقديما فعل، ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شئ فأقبل. لقد شغل من الجنة والنار أمامه. ساع سريع نجا، وطالب بطئ رجا، ومقصر في النار هوى، اليمين والشمال مضلة (5) والطريق الوسطى هي الجادة، عليها باقي الكتاب (6) وآثار النبوة، ومنها منفذ السنة، وإليها مصير العاقبة، هلك من ادعى، وخاب من افترى، وخسر من باع الاخرة بالاولى، ولكل نبأ مستقر وكل ما هو آت قريب.
52 - ومنه: (7) لقد جاهرتكم العبر، وزجرتم بما فيه مزدجر، وما يبلغ عن الله بعد رسل الله إلا البشر، ألا وإن الغاية أمامكم، وإن وراءكم الساعة، تحدوكم تخففوا تلحقوا، فانما ينتظر بأولكم آخركم (8).
(1) المصدر ص 28. (2) الزعيم: الضامن. والتصريح: كشف الامر وانكشافه. (3) الشموس: معرب چموش. (4) أمر يأمر - من باب تعب -: كثر. (5) أي طرفي الافراط والتفريط. (6) هو ما يبقى من أثر مشيه وموضع قدمه كانه مشى على الطريق الوسطى. وقيل باقى الكتاب هو ما لم ينسخ منه لكن الاول هو الصواب. (7) مطالب السؤول ص 33. (8) تحدوكم أي تسوقكم. وقوله " تخففوا تلحقوا " أي تخففوا بالقناعة وترك الحرص أو كناية عن عدم الركون الي الدنيا واتخاذها دار ممر لا دار مقر. والانتظار بالاول كناية - - -
[4]
53 - وقال عليه السلام يوما وقد أحدق الناس به: احذركم الدنيا فانها منزل قلعة وليست بدار نجعة (1) هانت على ربها فخلط خيرها بشرها، وحلوها بمرها، لم يضعها لاوليائه، ولا يضنن بها علي أعدائه، وهي دار ممر لا دار مستقر، والناس فيها رجلان رجل باع نفسه فأوبقها (2) ورجل ابتاع نفسه فأعتقها، إن اعذوذب منها جانب فحلا، أمر منها جانب فأوبى (3) أولها عناء، وآخرها فناء، من استغنى فيها فتن ومن اقتفر فيها حزن، من ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن أبصر فيها بصرته ومن أبصر إليها أعمته، فالانسان فيها غرض المنايا، مع كل جرعة شرق، ومع كل اكلة غصص، لا تنال منها نعمة إلا بفراق اخرى.
54 - وقال يوما في مسجد الكوفة وعنده وجوه الناس: أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئا، ويزداد الظالم فيه عتوا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا، ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا، والناس على أربعة أصناف منهم من لا يمنعه الفساد في الارض إلا مهانة نفسه وكلالة حده ونضيض وفره. ومنهم المصلت بسيفه، المعلن بشره (4) والمجلب بخيله ورجله، قد أهلك نفسه، وأوبق دينه لحطام ينتهزه أو مقنب يقوده، أو منبر يفرعه (5) ولبئس المتجر أن ترى - - - -
عن كونهم كمن سبق من الرفقة إلى بلدة لا يؤذن لهم في دخولها الا بالاجتماع ولحوق الاخرين أي لابد لكم من ترك هذه الدار ونزول دار القرار والاجتماع. (1) القلعة - بضم القاف - المال العارية أو ما لا يدوم. والنجعة - بالضم - طلب الكلاء وقوله " هانت " من المهانة. (2) أوبقها أي أهلكها وأذلها. (3) أي يبتلى بالوباء. (4) القارعة: الداهية. ونض الماء نضيضا: سال قليلا قليلا، واصلات السيف هو اعلان الشر والفساد. (5) الانتهاز: الانتظار. والمقنب: جماعة من الخيل تجتمع للغارة جمع مقانب. وفرع الجبل: صعده.
[5]
الدنيا لنفسك ثمنا، ومما لك عند الله عوضا. ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الاخرة ولا يطلب الاخرة بعمل الدنيا، قد طأمن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه (1) وزخرف من نفسه الامانة واتخذ سر الله تعالى ذريعة إلى المعصية.
ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضؤولة نفسه (2) وانقطاع سببه، فقصرته الحال على حاله، فتحلى باسم القناعة، وتزين بلباس أهل الزهادة، وليس من ذلك في مراح، ولا مغدى (3) وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد ناء، وخائف مقموع، وساكت مكعوم (4) وداع مخلص، وثكلان موجع قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة فهم في بحر اجاج، أفواههم خامرة (5) وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا، فلتكن الدنيا عندكم أصغر من حثالة القرظ، وقراضة الجلم (6). واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة فانها رفضت من كان أشغف بها منكم، فياما أغر خداعها مرضعة، وياما أضر نكالها فاطمة. 55 - وقد نقل عنه عليه السلام أنه قال وقد اجتمع حوله خلق كثير: اتقوا الله فما
(1) طأمن مقلوب طمأن أي سكن، وطأمن منه أي سكنه، وشمر ثوبه أي رفعه عن ساقيه للتنزه والاحتراز من النجاسة والقذارة. (2) الضؤولة - بالضم -: الحقارة. ورجل ضئيل أي ضعيف نحيف. (3) المراح موضع يروح القوم منه أو إليه. والمغدى اسم مكان من الغدو. (4) المقموع: المقهور. والمكعوم: الملحم. (5) خمر - كضرب ونصر -: سكت ولم يتكلم. (6) الحثالة - بالضم - ما يسقط من قشر الشعير والارز. والقرظ - بالتحريك - ورق السلم يدبغ به الاديم. وقراضة الجلم يعنى ريزه دم قيچى.
[6]
خلق امرء عبثا فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو، وما دنياه التي تحسنت له بخلف
من الاخرة التي قبحها سوء ظنه عنده، وما المغرور بزخرفها الذي بناج من عذاب ربه عند مرده إليه. 56 - وقال عليه السلام: عليكم بالعلم فانه صلة بين الاخوان، ودال على المروة وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر، ومونس في الغربة، وإن الله تعالى يحب المؤمن العالم الفقيه، الزاهد الخاشع، الحيي العليم، الحسن الخلق، المقتصد المنصف. 57 - وقال عليه السلام: من تواضع للمتعلمين وذل للعلماء ساد بعلمه، فالعلم يرفع الوضيع، وتركه يضع الرفيع، ورأس العلم التواضع، وبصره البراءة من الحسد وسمعه الفهم، ولسانه الصدق، وقلبه حسن النية، وعقله معرفة أسباب الامور، و من ثمراته التقوى، واجتناب الهوى، واتباع الهدى، ومجانبة الذنوب، ومودة الاخوان والاستماع من العلماء، والقبول منهم، ومن ثمراته ترك الانتقام عند القدرة واستقباح مقارفة الباطل، واستحسان متابعة الحق. وقول الصدق، والتجافي عن سرور في غفلة، وعن فعل ما يعقب ندامة، والعلم يزيد العاقل عقلا، ويورث متعلمه صفات حمد، فيجعل الحليم أميرا، وذا المشورة وزيرا، ويقمع الحرص، ويخلع المكر، ويميت البخل، ويجعل مطلق الوحش مأسورا (1) وبعيد السداد قريبا. 58 - وقال عليه السلام (2) العقل عقلان عقل الطبع وعقل التجربة وكلاهما يؤدي إلى المنفعة، والموثوق به صاحب العقل والدين، ومن فاته العقل والمروة فرأس ماله المعصية، وصديق كل امرء عقله، وعدوه جهله، وليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الشرين، ومجالسة العقلاء تزيد في الشرف، والعقل الكامل قاهر الطبع السوء، وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي والاخلاق والادب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب
(1) المأسور: الاسير.
(2) مطالب السؤول ص 49.
[7]
ويعمل في إزالتها. 59 - وقال عليه السلام: الانسان (1) عقل وصورة فمن أخطأه العقل ولزمته الصورة لم يكن كاملا، وكان بمنزلة من لا روح فيه، ومن طلب العقل المتعارف فليعرف صورة الاصول والفضول، فإن كثيرا من الناس يطلبون الفضول ويضعون الاصول، فمن أحرز الاصل اكتفى به عن الفضل، وأصل الامور في الانفاق طلب الحلال لما ينفق والرفق في الطلب، وأصل الامور في الدين أن يعتمد على الصلوات ويجتنب الكبائر وألزم ذلك لزوم ما لا غنى عنه طرفة عين، وإن حرمته هلك، فان جاوزته إلى الفقه والعبادة فهو الحظ، وإن أصل العقل العفاف وثمرته البراءة من الاثام، وأصل العفاف القناعة وثمرتها قلة الاحزان. وأصل النجدة القوة وثمرتها الظفر، وأصل العقل (2) القدرة وثمرتها السرور، ولا يستعان على الدهر إلا بالعقل، ولا على الادب إلا بالبحث، ولا على الحسب إلا بالوفاء، ولا على الوقار إلا بالمهابة، ولا على السرور إلا باللين، ولا على اللب إلا بالسخاء، ولا على البذل إلا بالتماس المكافأة، ولا على التواضع إلا بسلامة الصدر، وكل نجدة يحتاج إلى العقل، وكل معونة تحتاج إلى التجارب، وكل رفعة يحتاج إلى حسن احدوثة، وكل سرور يحتاج إلى أمن، وكل قرابة يحتاج إلى مودة، وكل علم يحتاج إلى قدرة، وكل مقدرة تحتاج إلى بذل، ولا تعرض لما لا يعنيك بترك ما يعنيك. فرب متكلم في غير موضعه قد أعطبه ذلك. 60 - وقال عليه السلام: لا تسترشد إلى الحزم بغير دليل العقل فتخطئ منهاج الرأي فان أفضل العقل معرفة الحق بنفسه، وأفضل العلم وقوف الرجل عند علمه، و أفضل المروة استبقاء الرجل ماء وجهه، وأفضل المال ما وقي به العرض، وقضيت به
الحقوق. 61 - وعن عبد الله بن عباس قال: ما انتفعت بكلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كانتفاعي
(1) المصدر ص 49. (2) كذا وفي بعض النسخ " أصل الفعل ".
[8]
بكتاب كتبه إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه كتب إلي: أما بعد (1) فان المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا، وما فاتك منه فلا تأس عليه جزعا، وليكن همك فيما بعد الموت. والسلام. 62 - وقال عليه السلام لجماعة: خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما صبتم مثلها (2): لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، واعلموا أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس له، فاصبروا على ما كلفتموه رجاء ما وعدتموه. 63 - وقال عليه السلام: الشئ شيئان شئ قصر عني لم ارزقه فيما مضى ولا أرجوه فيما بقي، وشئ لا أناله دون وقته ولو استعنت عليه بقوة أهل السماوات والارض، فما أعجب أمر هذا الانسان يسره درك ما لم يكن ليدركه، ولو أنه فكر لابصر ولعلم أنه مدبر، واقتصر على ما تيسر، ولم يتعرض لما تعسر، واستراح قلبه مما استوعر، فبأي هذين أفنى عمري، فكونوا أقل ما يكونون في الباطن أموالا، أحسن ما يكونون في الظاهر أحوالا، فان الله تعالى أدب عباده المؤمنين العارفين أدبا حسنا فقال: جل من قائل: " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا " (3).
64 - وقال عليه السلام: لا يكون غنيا حتى يكون عفيفا، ولا يكون زاهدا حتى يكون متواضعا، ولا يكون حليما حتى يكون وقورا، ولا يسلم لك قلبك حتى تحب للمؤمنين ما تحب لنفسك، وكفى بالمرء جهلا أن يرتكب ما نهي عنه، وكفى به عقلا
(1) المصدر ص 55. وفى النهج مثله. (2) أنضى البعير: هزله. (3) البقرة: 273.
[9]
أن يسلم عن شره، فأعرض عن الجهل وأهله، واكفف عن الناس ما تحب أن يكف عنك، وأكرم من صافاك وأحسن مجاورة من جاورك، وألن جانبك واكفف عن الاذى، واصفح عن سواء الاخلاق، ولتكن يدك العليا إن استطعت، ووطن نفسك على الصبر على ما أصابك، وألهم نفسك القنوع، واتهم الرجاء، وأكثر الدعاء تسلم من سورة الشيطان ولا تناقس على الدنيا، ولا تتبع الهوى، وتوسط في الهمة تسلم ممن يتبع عثراتك، ولا تك صادقا حتى تكتم بعض ما تعلم، احلم عن السفيه يكثر أنصارك عليه، عليك بالشيم العالية تقهر من يعاديك، قل الحق، وقرب المتقين، واهجر الفاسقين، وجانب المنافقين، ولا تصاحب الخائنين. 65 - وقال عليه السلام: قل عند كل شدة " لا حول ولا قوة إلا بالله " تكف بها وقل عند كل نعمة " الحمد لله " تزدد منها، وقل إذا أبطأت عليك الارزاق " أستغفر الله " يوسع عليك. عليك بالمحجة الواضحة التي لا تخرجك إلى عوج، و لا تردك عن منهج. الناس ثلاث: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع. مفتاح. الجنة الصبر، مفتاح الشرف التواضع، مفتاح الغنى اليقين، مفتاح الكرم التقوى. من أراد أن يكون شريفا فيلزم التواضع، عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله، الطمأنينة قبل الحزم ضد الحزم، المغتبط من حسن يقينه.
66 - وقال عليه السلام: اللهو يسخط الرحمن ويرضي الشيطان وينسى القرآن، عليكم بالصدق فان الله مع الصادقين، المغبون من غبن دينه. جانبوا الكذب فانه مجانب الايمان، والصادق على سبيل نجاة وكرامة، والكاذب على شفا هلك وهون. قولوا الحق تعرفوا به، واعملوا الحق تكونوا من أهله، وأدوا الامانة إلى من ائتمنكم، ولا تخونوا من خانكم، وصلوا أرحام من قطعكم، وعودوا بالفضل على من حرمكم، أوفوا إذا عاهدتم، واعدلوا إذا حكمتم، لا تفاخروا بالاباء، و لا تنابزوا بالالقاب، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، وافشوا السلام، و ردوا التحية بأحسن منها، وارحموا الارملة واليتيم، وأعينوا الضعيف والمظلوم وأطيبوا المكسب، وأجملوا في الطلب.
[10]
67 - وقال عليه السلام: لا راحة لحسود، ولا مودة لملول، ولا مروة لكذوب، ولا شرف لبخيل، ولا همة لمهين، ولا سلامة لمن أكثر مخالطة الناس، الوحدة راحة والعزلة عبادة، والقناعة غنية، والاقتصاد بلغة (1) وعدل السلطان خير من خصب الزمان، والعزيز بغير الله ذليل، والغني الشره فقير (2) لا يعرف الناس إلا بالاختبار، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك، وصديقك في مصيبتك، وذا القرابة عند فاقتك، وذا التودد والملق عند عطلتك (3) لتعلم بذلك منزلتك عندهم، واحذر ممن إذا حدثته ملك، وإذا حدثك غمك، وإن سررته أو ضررته سلك فيه معك سبيلك، وإن فارقك ساءك مغيبه بذكر سوأتك، وإن مانعته بهتك وافترى، وإن وافقته حسدك واعتدى، وإن خالفته مقتك ومارى (4) يعجز عن مكافأة من أحسن إليه، ويفرط على من بغى عليه، يصبح صاحبه في أجر، ويصبح هو في وزر، لسانه عليه لاله، ولا يضبط قلبه قوله، يتعلم للمراء، ويتفقه للرياء، يبادر الدنيا، ويواكل التقوى، فهو بعيد من الايمان، قريب من النفاق، مجانب للرشد، موافق للغي
فهو باغ غاو، لا يذكر المهتدين. 68 - وقال عليه السلام: (5) لا تحدث من غير ثقة فتكون كذابا، ولا تصاحب همازا فتعد مرتابا، ولا تخالط ذا فجور فترى متهما، ولا تجادل عن الخائنين فتصبح ملوما وقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشرتبن عنهم، واعلم أن من الحزم العزم واحذر اللجاج تنج من كبوته (6) ولا تخن من ائتمنك وإن خانك في أمانته، ولا
(1) الغنية - بالضم - اليسار والكفاية. والبلغة - بالضم أيضا -: ما يكفى من العيش ولا يفضل. (2) الشره: الحريص. (3) العطلة - بالضم -: البقاء بلا عمل. والمراد الفقر. (4) المماراة: المنازعة والمجادلة (5) مطالب السؤول ص 56. (6) الكبوة السقوط على الوجه.
[11]
تذع سر من أذاع سرك، ولا تخاطر بشئ رجاء ما هو أكثر منه، وخذ الفضل، و أحسن البذل، وقل للناس حسنا، ولا تتخذ عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، وساعد أخاك وإن جفاك، وإن قطعته فاستبق له بقية من نفسك، ولا تضيعن حق أخيك فتعدم إخوته، ولا يكن أشقى الناس بك أهلك، ولا ترغبن فيمن زهد فيك وليس جزاء من سرك أن تسوءه، واعلم أن عاقبة الكذب الذم، وعاقبة الصدق النجاة. 69 - ونقل عنه عليه السلام: أنه رأى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وقد تنفس الصعداء (1) فقال عليه السلام: يا جبار على م تنفسك أعلى الدنيا ؟ فقال جابر: نعم فقال له: يا جابر ملاذ الدنيا سبعة: المأكول والمشروب والملبوس والمنكوح و
المركوب والمشموم والمسموع، فألذ المأكولات العسل وهو بصق من ذبابة، وأحلى المشروبات الماء، وكفى بإباحته وسباحته على وجه الارض، وأعلى الملبوسات الديباج وهو من لعاب دودة، وأعلى المنكوحات النساء وهو مبال في مبال، ومثال لمثال، وإنما يراد أحسن ما في المرأة لاقبح ما فيها، وأعلى المركوبات الخيل وهو قواتل، وأجل المشمومات المسك وهو دم من سرة دابة، وأجل المسموعات الغناء والترنم وهو إثم، فما هذه صفته لم يتنفس عليه عاقل. قال جابر بن عبد الله: فوالله ما خطرت الدنيا بعدها على قلبي. 70 - وقال عليه السلام: في الامثال: بالصبر يناضل (2) الحدثان، الجزع من أنواع الحرمان، العدل مألوف والهوى عسوف (3) والهجران عقوبة العشق، البخل جلباب المسكنة، لا تأمنن ملولا، إزالة الرواسي أسهل من تأليف القلوب المتنافرة، من اتبع الهوى ضل، الشجاعة صبر ساعة، خير الامور أوسطها، القلب بالتعلل رهين، من ومقك
(1) الصعداء - بضم الصاد وفتح العين المهملتين - التنفس الطويل من هم أو تعب. (2) ناضله مناضلة: باراه في رمى السهام وناضل عنه: حامى وجادل ودافع عنه. وحدثان الدهر - بكسر الحاء وفتحها - نوائبه ومصائبه. (3) العسوف - بفتح العين - الشديد العسف أي الجور. والظلم.
[12]
أعتبك (1) القلة ذلة، المجاعة مسكنة، خير أهلك من كفاك، ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة، من ولع بالحسد ولم به الشؤم، كم تلف من صلف، كم قرف من سرف (2) عدو عاقل خير من صديق أحمق، التوفيق من السعادة، والخذلان من الشقاوة، من بحث عن عيوب الناس فبنفسه بدأ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، من سلم من ألسنة الناس كان سعيدا، من صحب الملوك تشاغل بالدنيا، الفقر طرف من الكفر، من وقع في ألسنة الناس هلك، من تحفظ من سقط الكلام
أفلح، كل معروف صدقة، كم من غريب خير من قريب، لو القيت الحكمة على الجبال لقلقلتها (3)، كم من غريق هلك في بحر الجهالة، وكم عالم قد أهلكته الدنيا، خير إخوانك من واساك، وخير منه من كفاك، خير مالك ما أعانك على حاجتك، خير من صبرت عليه من لابد لك منه، أحق من أطعت مرشد لا يعصيك، من أحب الدنيا جمع لغيره، المعروف فرض، والايام دول، عند تناهي البلاء يكون الفرج، من كان في النعمة جهل قدر البلية، من قل سروره كان في الموت راحته، قد ينمي القليل فيكثر، ويضمحل الكثير فيذهب. رب اكلة يمنع الاكلات، أفلج الناس حجة من شهد له خصمه بالفلج (4) السؤال مذلة، والعطاء محبة، من حفر لاخيه بئرا كان، بترديه فيها جديرا. أملك عليك لسانك، حسن التدبير مع الكفاف أكفى من الكثير مع الاسراف. الفاحشة كاسمها، مع كل جرعة شرقة، مع كل أكلة غصة، بحسب السرور يكون التنغيص، الهوى يهوي بصاحب الهوى، عدو العقل الهوى، الليل أخفى للويل صحبة الاشرار تورث سوء الظن بالاخيار، من أكثر من شئ عرف به، رب كثير هاجه صغير، رب ملوم لاذنب له، الحر حر ولو مسه الضر، ما ضل من
استرشد، ولا حار من استشار، الحازم لا يستبد برأيه، آمن من نفسك عندك من وثقت به على سرك، المودة بين الاباء قرابة بين الابناء. 71 - وقال عليه السلام: من رضي عن نفسه كثر الساخط عليه، ومن بالغ في الخصومة
أثم، ومن قصر فيها ظلم، من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته، إنه ليس لانفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها، من عظم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها، الولايات مضامير الرجال، ليس بلد أحق منك من بلد، وخير البلاد من حملك، إذا كان في الرجل خلة رائعة فانتظر أخواتها، الغيبة جهد العاجز، رب مفتون بحسن القول فيه، ما لابن آدم والفخر أوله نطفة، وآخره جيفة، لا يرزق نفسه، و لا يمنع حتفه، الدنيا تغر وتضر وتمر إن الله تعالى لم يرضها ثوابا بأوليائه ولا عقابا لاعدائه، وإن أهل الدنيا كركب بينا هم حلوا إذ صاح سائقهم فارتحلوا، من صارع الحق صرعه، القلب مصحف البصر (1) التقى رئيس الاخلاق، ما أحسن تواضع الاغنياء للفقراء طلبا لما عند الله. وأحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء إتكالا على الله. كل مقتصر عليه كاف (2) الدهر يومان يوم لك ويوم عليك، فان كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فلا تضجر، من طلب شيئا ناله أو بعضه، الركون إلى الدنيا مع ما يعاين منها جهل، والتقصير في حسن العمل مع الوثوق بالثواب عليه غبن والطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز، والبخل جامع لمساوي الاخلاق، نعم الله على العبد مجلبة لحوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء، الرغبة مفتاح النصب، والحسد مطية التعب. من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم حببها (3) لنفسه فذلك الاحمق بعينه، العفاف
(1) استعار لفظ المصحف للقلب باعتبار انتقاشه بصور ما ينبغى التكلم به في لوح الخيال وادراك الحس المشترك له من باطن فهو كالمصحف يقرأ منه. (2) أي كل ما يمكن الاقتصار عليه فهو كاف. (3) في بعض النسخ " ثم رضيها ". (*)
[14]
زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، رسولك ترجمان عقلك، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك. الناس أبناء الدنيا ولا يلام الرجل على حب أمه، الطمع ضامن غير وفي، و الاماني تعمى أعين البصائر، لا تجارة كالعمل الصالح، ولا ربح كالثواب، ولا قائد كالتوفيق، ولا حسب كالتواضع، ولا شرف كالعلم، ولا ورع كالوقوف عند الشبهة، ولا قرين كحسن الخلق، ولا عبادة كأداء الفرائض، ولا عقل كالتدبير، ولا وحدة أوحش من العجب، ومن أطال الامل أساء العمل. 72 - وسمع عليه السلام (1) رجلا من الحرورية يقرأ ويتهجد فقال: نوم على يقين خير من صلاة في شك، إذا تم العقل نقص الكلام، قدر الرجل قدر همته قيمة كل امرء ما يحسنه، المال مادة الشهوات، الناس أعداء ما جهلوه، أنفاس المرء خطاه إلى أجله. 73 - وقال عليه السلام: احذركم الدنيا فإنها خضرة حلوة، حفت بالشهوات، و تحببت بالعاجلة (2) وعمرت بالامال، وتزينت بالغرور، ولا يؤمن فجعتها، ولا يدوم حبرتها (3) ضرارة غدارة غرارة زائلة بائدة أكالة عوالة، لا تعد و إذا تناهت إلى امنية أهل الرضا بها (4) والرغبة فيها أن يكون كما قال الله عز وجل " (5) " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيما تذروه الرياح (6) على أن امرءا لم يكن فيها في حبرة إلا أعقبته بعدها عبرة ولم يلق
(1) مطالب السؤول ص 57. (2) أي صارت محبوبة للناس بكونها لذة عاجلة. والنفوس مولعة بحب العاجل. (3) الحبرة: النعمة والسرور. (4) باد أي هلك. وغاله: أهلكه. وعداه يعدوه: جاوزه. والامنية: ما يتمناه الانسان أي يريده ويأمله. (5) الكهف 45.
(6) أي غاية موافقة الدنيا لاهلها لا يجاوز المثل المضروب لها في الكتاب الكريم والمراد بالماء المطر، واختلاط النبات به دخوله في خلل النبات عند النمو، والهشيم نبت يابس مكسر. وتذروه الرياح أي تطيره فيصير كأن لم يكن.
[15]
من سرائها بطنا إلا منحته من ضرائها ظهرا (1) ولم تطله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء (2) وحري إذا أصبحت له متنصرة أن تمسى له متنكرة، فإن جانب منها اعذوذب لامرء واحلولى أمر عليه جانب فأوبي، وإن لقى امرء من غضارتها رغبا زودته من نوائبها تعبا، ولا يمسي امرء منها في جناح أمن إلا أصبح في خوافي خوف (3) غرارة غرور ما فيها، فانية فان من عليها، من أقل منها استكثر مما يؤمنه (4) ومن استكثر منها لم يدم له وزال عما قليل عنه، كم من واثق بها قد فجعته، وذي طمأنينة إليها قد صرعته، وذي خدع قد خدعته، وذي أبهة قد صيرته حقيرا، وذي نخوة قد صيرته خائفا فقيرا، وذي تاج قد أكبته لليدين و الفم. سلطانها دول، وعيشها رنق (5) وعذبها اجاج، وحلوها صبر، وغذائها سمام وأسبابها رمام (6) حيها بعرض موت وصحيحها بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام عزيزها مغلوب، وملكها مسلوب، وضيفها مثلوب، وجارها محروب (7) ثم من وراء
(1) الحبرة بالفتح: النعمة. والعبرة: الدمعة. والسراء مصدر بمعنى المسرة و والضراء: الشدة. ويختص البطن بالسراء والظهر بالضراء لان الاقبال يكون بالاول كما أن الادبار بالثاني، أو لان الترس يكون بطنه اليك وظهره إلى عدوك. (2) الطل - بالفتح -: المطر الضعيف. والديمة - بالكسر -: مطر يدوم في سكون بلا رعد وبرق. وهتنت أي انصبت. والحرى: الجدير والخليق. (3) الخوافى: ريشات من الجناح إذا ضم الطائر جناحيه خفيت. وفى المثل " ليس
القوادم كالخوافى ". (4) أي من أخذ القليل من متاعها أخذ الكثير مما يؤمنه. (5) الدولة - بالفتح - الانقلاب للزمان والجمع دول مثلثة. والرنق: الماء الكدر. (6) السمام - بالكسر - جمع سم بالضم والفتح. والسبب في اصل الحبل الذى يتوصل به إلى الماء، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى الشئ. والرمم - بالكسر - جمع رمة - بالضم - وهى قطعة جبل بالية. (7) المثلوب: الملوم، وثلبه أي عابه ولامه. والمحروب: المسلوب ماله
[16]
ذلك هول المطلع، وسكرات الموت والوقوف بين يدي الحكم العدل " ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ". ألستم في منازل من كان أطول منكم أعمارا وآثارا، وأعد منكم عديدا، و أكثف جنودا (1) وأشد منكم عتودا، تعبدوا الدنيا أي تعبد، وآثروها أي إيثار ثم ظعنوا عنها بالصغار. فهل بلغكم أن الدنيا سخت لهم بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكهم من خطب، بل قد أوهنتهم بالقوارع (2) وضعضعتهم بالنوائب، وعفرتهم للمناخر، و أعانت عليهم ريب المنون (3) فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها وأخلد إليها، حتى ظعنوا عنها لفراق أمد إلى آخر المستند، هل أحلتهم إلا الضنك ؟ أو زودتهم إلا التعب ؟ أو نورت لهم إلا الظلم، أو أعقبتهم إلا النار، فهذه تؤثرون ؟ أم على هذه تحرصون ؟ إلى هذه تطمئنون ؟ يقول الله جل من قائل: " من كان يريد الحيوة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * اولئك الذين ليس لهم في الاخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون " (4). فبئست الدار لمن لا يتهمها وإن لم يكن فيها على وجل منها، إعلموا وأنتم
لا تعلمون أنكم تاركواها لابد (5) فانما هي كما نعتها الله تعالى " لهو ولعب " واتعظوا * (الهامش) * (1) أي أكثر جنودا. (2) القوارع جمع القارعة وهى الداهية. (3) أي سلطته عليهم وريب المنون: صروف الدهر. (4) هود: 18 و 19. (5) لعل العلم المأمور به هو اليقين المستتبع وهو العمل أي أيقنوا بأنكم ستتركونها وترتحلون عنها وأنتم تعلمون ذلك لكن علما لا يترتب عليه الاثر. ويحتمل أن يكون المعنى اعلموا ذلك وأنتم من أهل العلم وشأنكم المعرفة وتمييز الخير من الشر. (6) أي يبنون بكل مكان مرتفع علما للمارة للعبث بمن يمر عليهم أو قصورا يفتخرون بها، والمصانع جمع المصنع: مأخذ الماء، وقيل قصور مشيدة وحصونا.
[17]
بالذين كانوا يبنون بكل ريع آية تعبثون ويتخذون مصانع لعلهم يخلدون (1) و اتعظوا بالذين قالوا: " من أشد منا قوة " واتعظوا باخوانكم الذين نقلوا إلى قبورهم لا يدعون ركبانا، قد جعل لهم من الضريح أكنانا ومن التراب أكفانا ومن الرفات جيرانا، فهم جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما (2) قد بادت أضغانهم فهم كمن لم يكن وكما قال الله عزوجل " فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين " (3) استبدلوا بظهر الارض بطنا، وبالسعة ضيقا، وبالاهل غربة، جاؤوها كما فارقوها بأعمالهم إلى خلود الابد كما قال عز من قائل " كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " (4). 74 - وقال (5) أيها الذام للدنيا أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك (6) فقال قائل من الحاضرين بل أنا المتجرم عليها يا أمير المؤمنين فقال له: فلم ذممتها ؟ أليست دار صدق لمن صدقها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار عافية لمن فهم عنها ؟ مسجد أحبائه، ومصلى أنبيائه، ومهبط الملائكة، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الطاعة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت بانتهائها، ونادت بانقضائها
وأنذرت ببلائها، فان راحت بفجيعة فقد غدت بمبتغى، وإن أعصرت بمكروه فقد أسفرت بمشتهى (7) ذمها رجال يوم الندامة، ومدحها آخرون، حدثتهم فصدقوا، وذكرتهم فتذكروا. فيا أيها الذام لها، المغتر بغرورها متى غرتك ؟ أم متى استذمت إليك أبمصارع
(1) الريع: المكن المرتفع. و " آية " أي علما للمارة ببنهائها. (2) الضيم: الظلم والتعدى. والضغن: الحقد، الناحية، الحضن، الميل. (3) القصص: 58. (4) الانبياء: 104. (5) مطالب السؤول ص 51. (6) تجرم على فلان إذا ادعى على ذنبا لم أفعله. (7) أعصرت: دخلت في العصر. وأسفر الصبح أي أضاء وأشرق.
[18]
آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بيديك ومرضت ؟ وأذاقتك شهدا وصبرا ؟ فان ذممتها لصبرها فامدحها لشهدها وإلا فاطرحها لا مدح ولا ذم، فقد مثلت لك نفسك حين ما يغني عنك بكاؤك ولا يرحمك أحباؤك. 75 - وقال عليه السلام: إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الاخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع (1) ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار. ألا وإنكم في أيام مهل، من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيام مهله قبل حلول أجله نفعه عمله ولم يضره أمله، ومن لم يعمل أيام مهله قبل حضور أجله ضره أمله ولم ينفعه عمله، ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه، ونحبه لاحقه (2) فلا تغرنكم الاماني. ولا يغرنكم بالله الغرور، وقد كان قبلكم لهذه الدنيا سكان، شيدوا فيها البنيان، ووطنوا الاوطان، أضحت أبدانهم (3)
في قبورهم هامدة، وأنفسهم خامدة، فتلهف المفرط منهم على ما فرط يقول: يا ليتني نظرت لنفسي، ياليتني كنت أطعت ربي. 76 - وقال عليه السلام: إن الدنيا ليست بدار قرار، ولا محل إقامة، إنما أنتم فيها كركب عرسوا وارتاحوا (4) ثم استقلوا فغدوا وراحوا، دخلوها خفافا، و ارتحلوا عنها ثقالا، فلم يجدوا عنها نزوعا، ولا إلى ما تركوا بها رجوعا، جد بهم فجدوا، وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا، حتى اخذ بكظمهم، ورحلوا إلى دار * (الهامش) * (1) آذنت أي أعلمت والايذان الاعلام. والاطلاع: الاشراف من مكان عال والمقبل على الانحدار أحرى بالوصول. والمضمار: مدة تضمير الفرس وموضعه أيضا وهو ان تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وذلك في أربعين يوما. والسباق المسابقة. (2) النحب: الموت والاجل. (3) في المصدر " أصبحت أبدانهم ". (4) عرس القوم تعريسا: نزلوا في السفر للاستراحة ثم ارتحلوا. وارتاحوا أي نشطوا وسروا واستراحوا، ولعل الصواب " فأناخوا ". واستقل القوم: ارتحلوا.
[19]
قوم لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر، قل في الدنيا لبثهم، وأعجل بهم إلى الاخرة بعثهم، وأصبحتم حلولا في ديارهم، وظاعنين على آثارهم، والمنايا بكم تسير سيرا ما فيه أين ولا بطوء، نهاركم بأنفسكم دؤوب (1) وليلكم بأرواحكم ذهوب، وأنتم تقتفون من أحوالهم حالا، وتحتذون من أفعالهم مثالا، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فانما أنتم فيها سفر حلول، والموت بكم نزول، فتلتضل فيكم مناياه، وتمضي بكم مطاياه، إلى دار الثواب والعقاب، والجزاء والحساب، فرحم الله من راقب ربه، و خاف ذنبه، وجانب هواه، وعمل لاخرته، وأعرض عن زهرة الحياة الدنيا. 77 - وقال عليه السلام: كأن قد زالت عنكم الدنيا كما زالت عمن كان قبلكم
فأكثروا عباد الله اجتهادكم فيها بالتزود من يومها القصير ليوم الاخرة الطويل. فإنها دار العمل، والدار الاخرة دار القرار والجزاء، فتجافوا عنها فان المغتر من اغتر بها، لن تعد الدنيا إذا تناهت إليها امنية أهل الرغبة فيها، المطمئنين إليها المغترين بها أن تكون كما قال الله تعالى: (2) " كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام " ألا إنه لم يصب امرء منكم من هذه الدنيا حبرة إلا أعقبتها عبرة، ولا يصبح امرء في حياة إلا وهو خائف منها أن تؤول جائحة أو تغير نعمه أو زوال عافيته، والموت من وراء ذلكم، وهول المطلع، والوقوف بين يدي الحكم العدل لتجزى كل نفس بما كسبت ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. 78 - وقال عليه السلام: مالكم والدنيا فمتاعها إلى انقطاع، وفخرها إلى وبال، وزينتها إلى زوال، ونعيمها إلى بؤس، وصحتها إلى سقم أو هرم، ومآل ما فيها إلى نفاد وشيك (3) وفناء قريب، كل مدة فيها إلى منتهى، وكل حي فيها إلى مقارنة البلى، أليس لكم في آثار الاولين وآبائكم الماضين عبرة وتبصرة إن كنتم تعقلون، ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقين، منكم
لا يبقون، أو لستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى ميت يبكى وآخر يعزى، وصريع مبتلى، وعايد يعود، ودنف بنفسه يجود (1) وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، على أثر الماضي يمضى الباقي وإلى الله عاقبة الامور.
79 - وقال عليه السلام: انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فإنها عن قليل تزيل الساكن وتفجع المترف (2) فلا تغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها، فرحم الله امرءا تفكر واعتبر، وأبصر إدبار ما قد أدبر، وحضور ما قد حضر فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن، وكأن ما هو كائن من الآخرة لم يزل وكل ما هو آت قريب، فكم من مومل مالا يدركه، وجامع مالا يأكله، ومانع مالا يتركه، ولعله من باطل جمعه، أو حق منعه، أصابه حراما، وورثه عدوانا، فاحتمل ما ضره، وباء بوزره (3) وقدم على ربه آسفالا لاهفا خسر الدنيا والاخرة وذلك هو الخسران المبين. 80 - وقال عليه السلام: الدنيا مثل الحية لين مسها، قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها، وكن آنس ما يكون إليها أوحش ما تكون منها (4) فإن صاحبها كلما اطمئن منها، إلى سرور أشخصته إلى مكروه، فقد يسر المرء بما لم يكن ليفوته وليحزن لفوات ما لم يكن ليصيبه أبدا وإن جهد، فليكن سرورك بما قدمت من عمل أو قول، ولتكن أسفك على ما فرطت فيه من ذلك، ولا تكن
(1) الصريع: المطروح على الارض. والدنف: المريض. وجاد بنفسه أي سمح بها عند الموت فكأنه يدفعها كما يدفع الانسان ماله. (2) المترف - كمكرم -: المتروك بنعمته يصنع فيها ما يشاء ولا يمنع. (3) باء يبوء إليه: رجع وباء بالحق أو بالذنب: أقر. (4) آنس حال و " ما " مصدرية وخبر كان احذر أي كن حال انسك بها أحذر اكوانك منها. وقوله " فان صاحبها - الخ " أي ان سكون صاحبها الي اللذة بها مستلزم العذاب المكروه في الاخرة.
[21]
على ما فاتك من الدنيا حزينا، وما أصابك منها فلا تنعم به سرورا، واجعل همك
لما بعد الموت فإن ما توعدون لات. 81 - وقال عليه السلام (1): انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها فانها والله عن قليل تشقي المترف، وتحرك الساكن، وتزيل الثاوي (2) صفوها مشوب بالكدر، وسرورها منسوج بالحزن، وآخر حياتها مقترن بالضعف، فلا يعجبنكم ما يغركم منها، فعن كثب تنقلون عنها (3) وكلما هو آت قريب، و " هناك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله موليهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " (4). 82 - وقال عليه السلام: احذركم الدنيا فإنها ليست بدار غبطة، قد تزينت بغرورها، وغرت بزينتها لمن كان ينظر إليها، فاعرفوها كنه معرفتها فإنها دار هانت على ربها، قد اختلط حلالها بحرامها، وحلوها بمرها، وخيرها بشرها، ولم يذكر الله شيئا اختصه منها لاحد من أوليائه ولا أنبيائه، ولم يصرفها من أعدائه، فخيرها زهيد، وشرها عتيد (5) وجمعها ينفد، وملكها يسلب، وعزها يبيد. فالمتمتعون من الدنيا تبكي قلوبهم وإن فرحوا، ويشتد مقتهم لانفسهم وإن اغتبطوا ببعض ما رزقوا، الدنيا فانية لا بقاء لها، والاخرة باقية لا فناء لها، الدنيا مقبلة، والاخرة ملجأ الدنيا، وليس للاخرة منتقل ولا منتهى، من كانت الدنيا همه اشتد لذلك غمه، ومن آثر الدنيا على الاخرة حلت به الفاقرة (6).
(1) مطالب السؤول ص 52. (2) الثاوى هو الذى قام في مكان. (3) الكثب: القرب، يقال: رماه من كثب أو عن كثب أي رماه إذ كان قريبا منه. (4) أي في ذلك المقام تختبر كل نفس ما قدمت من عمل. وقوله تعالى: " ردوا إلى الله " أي إلى جزائه، وقوله " ضل عنهم " أي بطل وهلك عنهم ما كانوا يدعونه افتراء على الله سبحانه. (5) العتيد: الحاضر المهيأ.
(6) الفاقرة: الداهية الشديدة.
[22]
83 - وقال عليه السلام: إنما الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر، فمن فنائها أنك ترى الدهر موتر قوسه، مفوق نبله، يرمي الصحيح بالسقيم، والحي بالميت و البرئ بالمتهم، ومن عنائها أنك ترى المرء يجمع مالا يأكل، ويبني مالا يسكن ويأمل مالا يدرك، ومن غيرها أنك ترى المرحوم مغبوطا والمغبوط مرحوما، ليس بينهم إلا نعيم زال أو مثلة حلت أو موت نزل، ومن عبرها أن المرء يشرف عليه أمله حتى يختطفه دونه أجله. 84 - وقال عليه السلام: اجعل الدنيا شوكا وانظر أين تضع قدمك منها فإن من ركن إليها خذلته، ومن أنس فيها أوحشته، ومن يرغب فيها أوهنته، ومن انقطع إليها قتلته، ومن طلبها أرهقته، ومن فرح بها أترحته (1) ومن طمع فيها صرعته، ومن قدمها أخرته، ومن ألزمها هانته، ومن آثرها باعدته من الاخرة ومن بعد من الاخرة قرب إلي النار، فهي دار عقوبة وزوال وفناء وبلاء، نورها ظلمة وعيشها كدر، وغنيها فقير، وصحيحها سقيم، وعزيزها ذليل، فكل منعم برغدها شقي، وكل مغرور بزينتها مفتون، وعند كشف الغطاء يعظم الندم، ويحمد الصدر أو يذم. 85 - وقال عليه السلام يأتي على الناس زمان لا يعرف فيه إلا الماحل ولا يظرف فيه إلا الفاجر (2) ولا يؤتمن فيه إلا الخائن، ولا يخون إلا المؤتمن، يتخذون الفئ مغنما، والصدقة مغرما، وصلة الرحم منا، والعبادة استطالة على الناس وتعديا وذلك يكون عند سلطان النساء، ومشاورة الاماء، وإمارة الصبيان. 86 - وقال عليه السلام: احذروا الدنيا إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الامانات، واتبعوا الشهوات، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشى
وشيدوا البناء، واتبعوا الهوى، وباعوا الدين بالدنيا، واستخفوا بالدماء وركنوا إلى الرياء، وتقاطعت الارحام، وكان الحلم ضعفا، والظلم فخرا
(1) الارهاق أن يحمل الانسان على ما لا يطيقه. وأترحه أي أحزنه. (2) الماحل: الساعي إلى السلطان. ولا يظرف أي لا ينسب إلى الظرافة.
[23]
والامراء فجرة، والوزراء كذبة، والامناء خونة، والاعوان ظلمة، و القراء فسقة، وظهر الجور، وكثر الطلاق وموت الفجأة، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنابر، ونقضت العهود، وخربت القلوب، و استحلوا المعازف، وشربت الخمور، وركبت الذكور، واشتغل النساء وشاركن أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا، وعلت الفروج السروج، ويشبهن بالرجال، فحينئذ عدوا أنفسكم في الموتى، ولا تغرنكم الحياة الدنيا فإن الناس اثنان بر تقي وآخر شقي، والدار داران لا ثالث لهما، والكتاب واحد لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ألا وإن حب الدنيا رأس كل خطيئة، وباب كل بلية ومجمع كل فتنة، وداعية كل ريبة، الويل لمن جمع الدنيا وأورثها من لا يحمده، وقدم على من لا يعذره، الدنيا دار المنافقين، وليست بدار المتقين، فلتكن حظك من الدنيا قوام صلبك، وإمساك نفسك، وتزود لمعادك. 87 - وقال عليه السلام: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت، أم إلي تشوقت، هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثة، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد، ووحشة الطريق. 88 - وقال عليه السلام: احذروا الدنيا فإن في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وأولها عناء وآخرها فناء، من صح فيها هرم، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن أتاها فاتته، ومن بعد عنها أتته، ومن نظر
إليها أعمته، ومن بصر بها بصرته، إن أقبلت غرت، وإن أدبرت ضرت. 89 - في وصفه المؤمنين (1) قال عليه السلام، المؤمنون هم أهل الفضائل هديهم السكوت، وهيئتهم الخشوع، وسمتهم التواضع (2) خاشعين، غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، رافعين أسماعهم إلى العلم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كما نزلت في الرخاء، لولا الاجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة
(1) مطالب السؤول ص 53. (2) الهدى - بالفتح -: الطريقة والسيرة. والسمت: هيئه أهل الخير.
[24]
عين، شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم، فهم كأنهم قد رأوا الجنة ونعيمها والنار وعذابها، فقلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة، وحوائجهم خفيفة، وأنفسهم ضعيفة، ومعونتهم لاخوانهم عظيمة اتخذوا الارض بساطا، وماءها طيبا، ورفضوا الدنيا رفضا، وصبروا أياما قليلة فصارت عاقبتهم راحة طويلة، تجارتهم مربحة، يبشرهم بها رب كريم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وطلبتهم فهربوا منها. أما الليل فأقدامهم مصطفة (1) يتلون القرآن يرتلونه ترتيلا، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت أنفسهم تشوقا (2) فيصيرونها نصيب أعينهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بقلوبهم وأبصارهم، فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم خوفا وفرقا (3) نحلت لها أبدانهم، وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها وصلصلة حديدها في آذانهم، مكبين على وجوههم وأكفهم، تجري دموعهم على خدودهم. يجأرون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم. وأما النهار فعلماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف فهم أمثال القداح (4) إذا نظر إليهم الناظر يقول بهم مرض، وما بهم مرض، ويقول قد خولطوا وما خولطوا (5)
إذا ذكروا عظمة الله وشدة سلطانه وذكروا الموت وأهوال القيامة وجفت قلوبهم
(1) اصطف القوم: قاموا صفوفا. (2) التطلع إلى الشئ: الاستشراف له والانتظار لوروده. (3) الفرق - بالتحريك -: الخوف. ونحلت أي هزلت وضعفت. (4) برى السهم نحته. والقداح جمع قدح بالكسر فيهما وهو السهم قبل أن يراش وينصل وهو كناية عن نحافة البدن وضعف الجسد. (5) خولط فلان في عقله إذا اختل عقله وصار مجنونا. وخالطه إذا مازجه والمعنى كما قاله بعض شراح النهج يظن الناظر بهم الجنون وما بهم من جنة بل مازج قلوبهم أمر عظيم وهو الخوف فتولهوا لاحله.
[25]
وطاشت حلومهم وذهلت عقولهم (1) فإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله بالاعمال الزاكية، لا يرضون بالقليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لانفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إن زكي أحدهم خاف الله وغايلة التزكية (2) قال: وأنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي مني، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني كما يظنون، واغفر لي مالا يعلمون. ومن علامات أحدهم أن يكون له حزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في تقوى، وفهم في فقه، وحلم في علم، وكيس في رفق، وقصد في غنى، وخشوع في عبادة وتحمل في فاقة، وصبر في شدة وإعطاء في حق، وطلب لحلال، ونشاط في هدى، وتحرج عن طمع، وتنزه عن طبع، وبر في استقامة، واعتصام بالله من متابعة الشهوات، واستعاذة به من الشيطان الرجيم، يمسي وهمه الشكر، ويصبح وشغله الفكر (3) اولئك الامنون المطمئنون الذين يسقون من كأس لا لغو فيها ولا تأثيم (4)
90 - وقال عليه السلام: المؤمنون هم الذين عرفوا أمامهم، فذبلت شفاههم وغشيت عيونهم، وشحبت ألوانهم (5) حتى عرفت في وجوههم غبرة الخاشعين. فهم عباد الله الذين مشوا على الارض هونا، واتخذوها بساطا، وترابها فراشا، فرفضوا الدنيا وأقبلوا على الاخرة على منهاج المسيح بن مريم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا، صوام الهواجر، قوام الدياجر (6) * (الهامش) * (1) وجف الشئ اضطرب، والقلب: خفق. وطاش أي ذهب عقله. والحلوم جمع حلم وهو العقل. والذهول. النسيان والغيبة. (2) الغائلة الداهية والفساد والمهلكة. وغائلة التزكية عطف على " الله " يعنى خاف الله أولا وغائلة التزكية ثانيا. (3) في بعض النسخ " يمسى وهمته الشكر ويصبح وشغله الذكر ". (4) أثمه من باب التفعيل نسبه إلى الاثم. (5) شحبت لونه: تغير من جوع أو مرض ونحوهما. (6) الهواجر جمع الهاجرة وهى شدة حرارة النهار. والديجور: الظلام.
[26]
يضمحل عندهم كل فتنة، وينجلي عنهم كل شبهة، اولئك أصحابي فاطلبوهم في أطراف الارضين، فإن لقيتم منهم أحدا فاسألوه أن يستغفر لكم. - 91 وقال عليه السلام (1): شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا المتوازرون في أمرنا، الذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروه، سلم لمن خالطوه، اولئك هم السائحون الناحلون، الزابلون، ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم (2) متغيرة ألوانهم، مصفرة وجوههم كثير بكاؤهم جارية دموعهم. يفرح الناس ويحزنون، وينام الناس ويسهرون، إذا شهدوا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا خطبوا الابكار لم يزوجوا، قلوبهم محزونة
وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، ذبل الشفاه من العطش خمص البطون من الجوع، عمش العيون من السهر، الرهبانية عليهم لايحة، والخشية لهم لازمة، كلما ذهب منهم سلف خلف في موضعه خلف، اولئك الذين يردون القيامة وجوههم كالقمر ليلة البدر. تغبطهم الاولون والاخرون، ولا خوف عليهم ولا يحزنون. 92 - وقال عليه السلام: المؤمن يرغب فيما يبقى ويزهذ فيما يفنى، يمزج الحلم بالعلم، والعلم بالعمل، بعيد كسله، دائم نشاطه، قريب أمله، حي قلبه، ذاكر لسانه، لا يحدث بما لا يؤتمن عليه الاصدقاء، ولا يكتم شهادة الاعداء، لا يعمل شيئا من الخير رياء ولا يتركه حياء، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، إن كان في الذاكرين لم يكتب في الغافلين، وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين، ويعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، ويحسن إلى من أساء إليه، لا يعزب حلمه، ولا يعجل فيما يريبه، بعيد جهله، لين قوله، قريب معروفه، غائب منكره صادق كلامه، حسن فعله مقبل خيره، مدبر شره، في الزلازل وقور، وفي المكاره * (الهامش) * (1) مطالب السؤول ص 53. (2) نحل جسمه أي سقم، والناحل الرقيق الجسم من مرض أو تعب. وذبل النبات: قل ماؤه وذهبت نضارته. والذبل: اليابسة الشفه. والخميصة أي الضامرة.
[27]
صبور، وفي الرخاء شكور، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب، ولا يدعي ما ليس له، ولا يجحد حقا عليه، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه، ولا يضيع ما استحفظ، ولا يرغب فيما لا تدعوه الضرورة إليه، لا يتنابز بالالقاب، ولا يبغي على أحد، ولا يهزء بمخلوق، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصائب، مؤدب بأداء الامانات، مسارع إلى الطاعات، محافظ على الصلوات، بطئ في المنكرات.
لا يدخل على الامور بجهل، ولا يخرج، عن الحق بعجز، إن صمت فلا يغمه الصمت، وإن نطق لا يقول الخطأ، وإن ضحك فلا تعلو صوته سمعه، ولا يجمح به الغضب (1) ولا تغلبه الهوى، ولا يقهره الشح، ولا تملكه الشهوة، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ينصت إلى الخير ليعمل به، ولا يتكلم به ليفخر على ما سواه، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، يتعب نفسه لاخرته ويعصي هواه لطاعة ربه، بعده عمن تباعد منه نزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس بعده بكبر، ولا قربه خديعة، مقتد بمن كان قبله من أهل الايمان، إمام لمن بعده من البررة المتقين. 93 - وقال عليه السلام: طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الاخرة، اولئك قوم اتخذوا أرض الله مهادا، وترابها وسادا، وماءها طيبا، وجعلوا الكتاب شعارا والدعاء دثارا، وإن الله أوحى إلى عبده المسيح عليه السلام أن قل لبني إسرائيل لا تدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكف نقية، وأعلمهم أني لا اجيب لاحد منهم دعوة، ولاحد من خلقي قبله مظلمة. 94 - وقال عليه السلام: المؤمن وقور عند الهزاهز، ثبوت عند المكاره، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الاعداء، ولا يتحامل للاصدقاء (2)، الناس منه راحة ونفسه منه في تعب، العلم خليله، والعقل قرينه * (الهامش) * (1) جمح الفرس: تغلب على راكبه ولا ينقاد له. (2) أي لا يحتمل الوزر لاجلهم، أو يتحمل عنهم مالا يطيق الاتيان به من الامور المشاقة فيعجز عنها.
[28]
والحلم وزيره، والصبر أميره، والرفق أخوه، واللين والده. 95 - وقوله عليه السلام لنوف البكالي: أتدري يا نوف من شيعتي ؟ قال: لا والله، قال:
شيعتي الذبل الشفاه، الخمص البطون، الذين تعرف الرهبانية في وجوههم، رهبان بالليل، أسد بالنهار، الذين إذا جنهم الليل ائتزروا على أوساطهم، وارتدوا على أطرافهم (1) وصفوا أقدامهم، وافترشوا جباههم، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك أعناقهم (2) وأما النهار فحلماء علماء كرام نجباء أبرار أتقياء، يا نوف شيعتي من لم يهر هرير الكلب، ولم يطمع طمع الغراب، ولم يسأل الناس ولو مات جوعا، إن رأى مؤمنا أكرمه، وإن رأى فاسقأهجره، هؤلاء والله شيعتي. 96 - قال نوف: عرضت لي حاجة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فاستتبعت إليه جندب بن زهير والربيع بن خثيم وابن أخيه همام بن عبادة بن خثيم وكان من أصحاب البرانس المتعبدين فأقبلنا إليه فألفيناه حين خرج يؤم المسجد فأفضى ونحن معه إلى نفر متدينين قد أفاضوا في الاحدوثات تفكها وهم يلهى بعضهم بعضا، فأسرعوا إليه قياما وسلموا عليه، فرد التحية، ثم قال: من القوم ؟ فقالوا اناس من شيعتك يا أمير المؤمنين، فقال لهم: خيرا، ثم قال: يا هؤلاء مالي لا أرى فيكم سمة شيعتنا، وحلية أحبتنا ؟ ! فأمسك القوم حياء، فأقبل عليه جندب والربيع فقالا له: ماسمة شيعتك يا أمير المؤمنين ؟ فسكت فقال همام - كان عابدا مجتهدا - أسألك بالذي أكرمكم أهل البيت وخصكم وحباكم لما أنبأتنا بصفة شيعتك ؟ فقال: لا تقسم فسأنبئكم جميعا ووضع يده على منكب همام وقال:
(1) أي يشدون المئزر على وسطهم احتياطا لستر العورة فانهم كانوا لا يلبسون السراويل أو المراد شد الوسط بالازار كالمنطقة ليجمع الثياب. وقيل هو كناية عن الاهتمام في العبادة. (قاله المؤلف) وقوله " وارتدوا على أطرافهم " أي يلبسون الرداءة أو يشدونها على أطرافهم ويشتملون بها. (2) جأر إلى الله: تضرع ورفع صوته بالبكاء. (*)
[29]
شيعتنا هم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل، الناطقون بالصواب مأكولهم القوت، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، بخعوا لله تعالى بطاعته (1) وخضعوا له بعبادته، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين أسماعهم على العلم بدينهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء، رضوا عن الله تعالى بالقضاء، فلولا الاجال التي كتب الله تعالى لهم لم تستقر أرواحهم في أبدانهم طرفة عين، شوقا إلى لقاء الله والثواب، وخوفا من أليم العقاب، عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون. وهم والنار كمن رآها فهم فيها معذبون، صبروا أياما قليلة، فأعقبتهم راحة طويلة، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وطلبتهم فأعجزوها، أما الليل فصافون أقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا، يعظون أنفسهم بأمثاله، ويستشفون لدائهم بدوائه تارة، وتارة يفترشون جباههم وأنفسهم وركبهم وأطراف أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم، يمجدون جبارا عظيما ويجأرون إليه في فكاك أعناقهم، هذا ليلهم، وأما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء، براهم خوف باريهم (2) فهم كالقداح تحسبهم مرضى وقد خولطوا وما هم بذلك، بل خامرهم من عظمة ربهم، وشدة سلطانه ما طاشت له قلوبهم، وذهلت منه عقولهم، فإذا اشتاقوا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالاعمال الزكية، لا يرضون له بالقليل، ولا يستكثرون له الجزيل فهم لانفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون. يرى لاحدهم قوة في دين، وحزما في لين (3) وإيمانا في يقين، وحرصا على
(1) بخع نفسه - بتقديم الباء على الخاء المعجمة المفتوحة -: أنهكها وكاد يهلكها من غم أو غضب. وبخع - بكسر الخاء - بالحق: أقر وأذعن. (2) أي نحتهم خوف ربهم، فانما يخشى الله من عباده العلماء. والقداح جمع القدح
بالكسر فيهما: السهم. (3) الحزم في اللين أن يكون لينه حزما وفى موضعه، لا عن مهانة وذلة.
[30]
علم، وفهما في فقه، وعلما في حلم، وكيسا في قصد، وقصدا في غنى، وتجملا في فاقة، وصبرا في شدة، وخشوعا في عبادة، ورحمة في مجهود، وإعطاء في حق ورفقا في كسب، وطلبا من حلال وتعففا في طمع، وطمعا في غير طبع، ونشاطا في هدى، واعتصاما في شهوة، وبرا في استقامة، لا يغره ما جهله، ولا يدع إحصاء ما عمله، يستبطئ نفسه في العمل وهو من صالح عمله على وجل، يصبح وشغله الذكر ويمسي وهمه الشكر، يبيت حذرا من سنة الغفلة، ويصبح فرحا بما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يطعها سؤلها مما إليه تسره، رغبته فيما يبقى، وزهادته فيما يفنى، قد قرن العلم بالعمل والعمل بالحلم، ويظل دائما نشاطه، بعيدا كسله، قريبا أمله، قليلا زلله، متوقعا أجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ربه، قانعة نفسه، عازبا جهله، محرزا دينه، ميتا داؤه، كاظما غيظه، صافيا خلقه آمنا منه جاره، سهلا أمره، معدوما كبره، متينا صبره، كثيرا ذكره. لا يعمل شيئا من الخير رياء، ولا يتركه حياء. اولئك شيعتنا وأحبتنا ومنا ومعنا، آها وشوقا إليهم. فصاح همام صيحة ووقع مغشيا عليه، فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا - رحمه الله تعالى - فغسل وصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام ونحن معه. فشيعته عليه السلام هذه صفتهم وهي صفة المؤمنين. وتقدم بعضها. 97 - وقال عليه السلام: الجنة التي أعدها الله تعالى للمؤمنين خطافة لابصار الناظرين فيها درجات متفاضلات، ومنازل متعاليات، لا يبيد نعيمها ولا يضمحل
حبورها ولا ينقطع سرورها ولا يظعن مقيمها ولا يهرم خالدها ولا يبؤس ساكنها، آمن سكانها من الموت فلا يخافون، صفالهم العيش، ودامت لهم النعمة في أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم. على فرش موزونة وأزواج مطهرة وحور عين كأنهن اللؤلؤ المكنون، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة
[31]
" والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ". أقول: قد مضى في كتاب الايمان والكفر في باب المؤمن وصفاته خبر همام وطلبه عنه عليه السلام ذكر صفات المؤمن وأنه عليه السلام قال الخطبة بمسجد الكوفة بعدة طرق من كتب عديدة ولكن بينها أنواع من الاختلافات، وكذلك بينها وبين هذا الخبر فلا تغفل، ثم قد سبق في ذلك الباب كلام ابن أبي الحديد من كون همام هذا هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة، والمذكور هنا ينافيه كما لا يخفى. 98 - جع، (1) جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: جئتك لاسأل عن أربعة مسائل، فقال عليه السلام: سل وإن كان أربعين. فقال: أخبرني ما الصعب وما الاصعب ؟ وما القريب وما الاقرب ؟ وما العجب وما الاعجب ؟ وما الواجب وما الاوجب ؟. فقال عليه السلام: الصعب المعصية، والاصعب فوت ثوابها، والقريب كل ما هو آت والاقرب هو الموت، والعجب هو الدنيا وغفلتنا فيها أعجب، والواجب هو التوبة، وترك الذنوب هو الاوجب. 99 - قيل: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال: جئتك من سبعمائة فرسخ لاسألك عن سبع كلمات فقال عليه السلام: سل ما شئت، فقال الرجل: أي شئ أعظم من السماء ؟ وأي شئ أوسع من الارض ؟ وأي شئ أضعف من اليتيم ؟ وأي شئ
أحر من النار ؟ وأي شئ أبرد من الزمهرير ؟ وأي شئ أغنى من البحر ؟ وأي شئ أقسى من الحجر ؟ قال أمير المؤمنين عليه السلام: البهتان على البرئ أعظم من السماء والحق أوسع من الارض، ونمائم الوشاة أضعف من اليتيم (2) والحرص أحر من النار، وحاجتك إلى البخيل أبرد من الزمهرير، والبدن القانع أغنى من البحر، وقلب الكافر أقسى من الحجر. 100 - ختص (3) روى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: المفتخر بنفسه أشرف
(1) جامع الاخبار ص 161. الفصل السادس والتسعون. (2) الواشى هو النمام عند الامير أو الحاكم أو السلطان وجمعه الوشاة. (3) الاختصاص: 188.
[32]
من المفتخر بأبيه لاني أشرف من أبي والنبي صلى الله عليه وآله أشرف من أبيه وإبراهيم أشرف من تارخ. 101 - قيل: وبم الافتخار ؟ قال: بإحدى ثلاث: مال ظاهر، أو أدب بارع أو صناعة لا يستحي المرء منها. 102 - قيل: لامير المؤمنين عليه السلام: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ قال: أصبحت آكل وأنتظر أجلي. 103 - قيل له عليه السلام: فما تقول في الدنيا ؟ قال: فما أقول في دار أولها غم، وآخرها الموت، من استغنى فيها افتقر، ومن افتقر فيها حزن، في حلالها حساب وفي حرامها النار. 104 - قيل: فمن أغبط الناس ؟ قال: جسد تحت التراب قد أمن من العقاب ويرجو الثواب. 105 - وقال عليه السلام: من زار أخاه المسلم في الله ناداه الله أيها الزائر طبت
وطابت لك الجنة. 106 - وقال عليه السلام: ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله علي ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة. 107 - وقال عليه السلام: ثلاثة يضحك الله إليهم يوم القيامة: رجل يكون على فراشه مع زوجته وهو يحبها فيتوضأ ويدخل المسجد فيصلي ويناجي ربه، ورجل أصابته جنابة ولم يصب ماء فقام إلى الثلج فكسره ثم دخل فيه واغتسل، ورجل لقى عدوا وهو مع أصحابه وجاءهم مقاتل فقاتل حتى قتل.108 - وقال عليه السلام: التعزية تورث الجنة. 109 - وقال عليه السلام: إذا حملت بجوانب سرير الميت خرجت من الذنوب كما ولدتك أمك. 110 - وقال عليه السلام: من اشترى لعياله لحما بدرهم كان كمن أعتق نسمة من ولد إسماعيل.
[33]
111 - وقال عليه السلام: من شرب من سؤر أخيه تبركا به خلق الله بينهما ملكا يستغفر لهما حتى تقوم الساعة. 112 - وقال عليه السلام: في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء. 113 - ختص: (1) محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن بعض رجاله عن أبي الجارود يرفعه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أوقف نفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، وكل حديث جاوز اثنين فشى، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا، وعليك بإخوان الصدق فكثر في اكتسابهم عدة عند الرخاء، وجندا عند البلاء، وشاور حديثك
الذين يخافون الله، وأحبب الاخوان على قدر التقوى، واتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر، إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن حتى لا يطمعن في المنكر. 114 - ما (2) عن جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن أيوب بن نوح، عن الشارب بن ذراع (3) عن أخيه يسار، عن حمران، عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام، عن جابر بن عبد الله قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام في جماعة من أصحابه أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا وتصرفها بأهلها فذمها رجل فذهب في ذمها كل مذهب فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الذام للدنيا، أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ فقال: بل أنا المتجرم عليها يا أمير المؤمنين، قال: فبم تذمها ؟ أليست منزل صدق لمن صدقها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار عافية لمن فهم عنها، ومساجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، ورجوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنت ببينها، ونادت بانقطاءها، ونعت نفسها وأهلها
(1) المصدر ص 226 وفيه محمد بن الحسن. (2) الامالى ج 2 ص 207. (3) في المصدر " بشار بن ذراع ".
[34]
فمثلت ببلائها البلى، وشوقت بسرورها إلى السرور، تخويفا وترغيبا فابتكرت بعافية، وراحت بفجيعة، فذمها رجال فرطوا غداة الندامة، وحمدها آخرون اكتسبوا فيه الخير، فيا أيها الذام للدنيا، المغتر بغرورها ! متى استذمت إليك أو متى غرتك ؟ أم بمضاجع آبائك من البلى، أم بمصارع امهاتك تحت الثرى، كم مرضت بيديك، وعالجت بكفيك، تلتمس لهم الشفاء، وتستوصف لهم الاطباء، لم تنفعهم بشفاعتك، ولم تسعفهم في طلبتك، مثلت لك - ويحك - الدنيا بمصرعهم مصرعك، و
بمضجعهم مضجعك، حين لا يغني بكاؤك، ولا ينفعك أحباؤك. ثم التفت إلى أهل المقابر فقال: يا أهل التربة، ويا أهل القربة أما المنازل فقد سكنت، وأما الاموال فقد قسمت، وأما الازواج فقد نكحت، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: والله لو أذن لهم في الكلام لاخبروكم أن خير الزاد التقوى. 115 - ما (1) عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبيد الله بن الحسين العلوي، عن محمد بن علي بن حمزة العلوي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الهيبة خيبة (2) والفرصة خلسته، والحكمة ضالة المؤمن فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها. 116 - ما (3) عن أحمد بن محمد بن الصلت، عن ابن عقدة، عن محمد بن عيسى الضرير، عن محمد بن زكريا المكي، عن كثير بن طارق، عن زيد، عن أبيه علي ابن الحسين عليهما السلام قال: خطب علي بن أبي طالب عليه السلام بهذه الخطبة في يوم الجمعة فقال: الحمد لله المتوحد بالقدم والازلية الذي ليس له غاية في دوامه، ولا له أولية، أنشأ صنوف البرية لا عن اصول كانت بدية (4) وارتفع من مشاركة الانداد
(1) الامالى ج 2 ص 237 و 238. (2) يعنى من تهيب أمرا خاب من ادراكه. والخلسة - بضم الخاء -: الفرصة المناسبة وفى المثل " الخلسة سريعة الفوت بطيئة العود " ويأتى نظيره عن قريب. (3) الامالى ج 2 ص 315. (4) البدء والبديئة: اول الحال والنشأة.
[35]
وتعالى عن اتخاذ صاحبة وأولاد، هو الباقي بغير مدة، والمنشئ لا بأعوان، لا بآلة فطر، ولا بجوارح صرف ما خلق، لا يحتاج إلى محاولة التفكير، ولا مزاولة مثال ولا تقدير، أحدثهم على صنوف من التخطيط والتصوير، لا بروية ولا ضمير، سبق علمه في كل الامور، ونفذت مشيته في كل ما يريد في الازمنة والدهور، وانفرد
بصنعة الاشياء فأتقنها بلطائف التدبير، سبحانه من لطيف خبير، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. 117 - كتاب الغارات (1) لابراهيم بن محمد الثقفي، عن عبد الرحمن بن نعيم عن أشياخ من قومه إن عليا عليه السلام كان كثيرا ما يقول في خطبته: أيها الناس إن الدنيا قد أدبرت وآذنت أهلها بوداع، وإن الاخرة قد أقبلت وآذنت باطلاع، ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا، ألا وإن السبق الجنة، والغاية النار، ألا وإنكم في إيام مهل من ورائه أجل يحثه عجل، فمن عمل في أيام مهله قبل حضور أجله نفعه عمله، ولم يضره أمله، ألا وإن الامل يسهي القلب ويكذب الوعد ويكثر الغفلة ويورث الحسرة، فاعزبوا عن الدنيا (2) كاشد ما أنتم عن شئ تعزبون، فإنها من ورود صاحبها منها في غطاء معنى، وافزعوا إلى قوام دينكم بإقامة الصلاة لوقتها و أداء الزكاة لاهلها (3) والتضرع إلى الله والخشوع له، وصلة الرحم، وخوف المعاد وإعطاء السائل، وإكرام الضيف، وتعلموا القرآن واعملوا به، واصدقوا الحديث وآثروه، وأوفوا بالعهد إذا عاهدتم وأدوا الامانة إذا ائتمنتم، وارغبوا في ثواب الله وخافوا عقابه فاني لم أر كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها، فتزودوا من الدنيا ما تحوزوا به أنفسكم غدا من النار، واعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز أهل الخير بالخير.
(1) مخلوط. (2) عزب: بعد وغاب وخفى. (3) في بعض النسخ " أداء الزكاة لمحلها ".
[36]
16 - * (باب) * * " (ما جمع من جوامع كلم) " *
أمير المؤمنين صلى الله عليه وعلى ذريته: وقد جمع الجاحظ من علماء العامة مائة كلمة من مفردات كلامه عليه السلام، وهي رسالة معروفة شايعة، وقد جمع بعض علمائنا أيضا كلماته عليه السلام في كتاب نثر اللالي، والسيد الرضي - رحمه الله - قد أورد كلماته عليه السلام في مطاوي نهج البلاغة، ولا سيما في أواخره، وكذا في كتاب خصائص الائمة عليهم السلام، ثم جمع بعده الامدي من أصحابنا أيضا كثيرا من ذلك في كتاب الغرر والدرر، وهو كتاب مشهور متداول. ثم قد أوردها مع كلمات النبي وسائر الائمة عليهم السلام جماعة اخرى من العامة والخاصة أيضا في مؤلفاتهم ومنهم الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول، والحسين بن محمد بن الحسن في كتاب النزهة الناظر، والشهيد في كتاب الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة، وكذا الشيخ علي بن محمد الليثي الواسطي في كتاب عيون الحكم والمواعظ وخيرة المتعظ والواعظ، الذي قد سمينا بكتاب العيون والمجاسن، وهو يشتمل على كثير من كلماته، وكلمات باقي الائمة عليهم السلام. وقد جمع الشيخ سعد بن عبد القاهر أيضا من علمائنا بين كلمات النبي صلى الله عليه وآله المذكور في كتاب الشهاب للقاضي القضاعي من العامة وبين كلماته عليه السلام المذكورة في النهج في كتاب مجمع البحرين ونحن قد أوردنا كل كلام له عليه السلام وله خبر في باب يناسبه في مطاوي هذا الكتاب أعني كتابنا بحار الانوار بقدر الامكان والان لنذكر شطرا صالحا من ذلك إن شاء الله تعالى. 1 - ف (1): قال عليه السلام: من كنوز الجنة البر وإخفاء العمل والصبر على
(1) التحف ص 200.
[37]
الرزايا (1) وكتمان المصائب.
2 - وقال عليه السلام: حسن الخلق خير قرين، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه. 3 - وقال عليه السلام: الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره، ولم يشغل الحلال شكره. 4 - وكتب عليه السلام: إلى عبد الله بن عباس (2): أما بعد فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلته من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها. ومانلته من الدنيا فلا تكثرن به فرحا، وما فاتك منها فلا تأسفن عليه حزنا، وليكن همك فيما بعد الموت. 5 - وقال عليه السلام: في ذم الدنيا: أولها عناء وآخرها فناء (3)، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب. من صح فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، من ساعاها فاتته (4) ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن نظر بها بصرته (5). 6 - وقال عليه السلام: احبب حبيبك هونا ما عسى أن يعصيك يوما ما (6) وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. 7 - وقال عليه السلام: لاغنى مثل العقل، ولا فقر أشد من الجهل. 8 - وقال عليه السلام: قيمة كل امرء ما يحسن.
(1) الرزايا: جمع الرزية: المصيبة العظيمة. (2) منقول في النهج بادنى اختلاف. (3) العناء: النصب والتعب. (4) " ساعاها " أي غالبها في السعي، وفى كنز الفوائد " فاتنه ". (5) أي نظرها بعين الحقيقة نظر تأمل وتفكر. وفى كنز الفوائد " ومن نظر إليها ألهته ومن تهاون بها نصرته ". (6) الهون: الرفق، السهل، السكينة والمراد احببه حبا مقتصدا لا افراط فيه. وأبغضه
بغضا مقتصدا.
[38]
9 - وقال عليه السلام: قرنت الهيبة بالخيبة (1). والحياء بالحرمان. والحكمة ضالة المؤمن فليطلبها ولو في أيدي أهل الشر. 10 - وقال عليه السلام: لو أن حملة العلم حملوه بحقه لاحبهم الله وملائكته وأهل طاعته من خلقه، ولكنهم حملوه لطلب الدنيا، فمقتهم الله وهانوا على الناس. 11 - وقال عليه السلام: أفضل العبادة الصبر، والصمت، وانتظار الفرج. 12 - وقال عليه السلام: إن للنكبات غايات لابد أن تنتهي إليها، فإذا حكم على أحدكم بها فليطأ طألها ويصبر حتى تجوز (2) فإن إعمال الحيلة فيها عند إقبالها زائد في مكروهها. 13 - وقال عليه السلام للاشتر: يا مالك احفظ عني هذا الكلام وعه. يا مالك بخس مروته من ضعف يقينه. وأزرى بنفسه من استشعر الطمع (3) ورضي [ب] الذل من كشف [عن] ضره. وهانت عليه نفسه من اطلع على سره. وأهلكها من أمر عليه لسانه (4). الشره جزار الخطر، من أهوى إلى متفاوت خذلته الرغبة (5) البخل عار، والجبن منقصة، والورع جنة، والشكر ثروة، والصبر شجاعة والمقل غريب في بلده (6)، والفقر يخرس الفطن عن حجته (7)، ونعم القرين
(1) الهيبة. المخافة. والخيبة: عدم الظفر بالمطلوب. وقد مر آنفا. (2) طأطأ: خفض وخضع. (3) أي احتقرها. يقال: أزرى به أي عابه ووضع من حقه. (4) أمر لسانه أي جعله أميرا على نفسه. (5) - الشره: اشد الحرص وطلب المال مع القناعة. والجزار: الذباح. والمتفاوت:
المتباعد وفى كنز الفوائد " إلى متفاوت الامور " وفى النهج " من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيل " أي من طلب تحصيل المتباعدات وضم بعضها إلى بعض لم ينجح فيها فخذلته الحيل والرغبة فيما يريد. (6) المقل: الفقير. وفى النهج " في بلدته ". (7) الفطن. - بفتح فكسر -: الفاطن أي صاحب الفطنة والحذاقة.
[39]
الرضى، الادب حلل جدد (1)، ومرتبة الرجل عقله، وصدره خزانة سره والتثبت حزم، والفكر مرآه صافية، والحلم سجية فاضلة، والصدقة دواء منجح (2)، وأعمال القوم في عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم، والاعتبار تدبر صلح (3)، والبشاشة فخ المودة. 14 - وقال عليه السلام: الصبر من الايمان كمنزلة الرأس من الجسد، فمن لا صبر له لا إيمان له. 15 - وقال عليه السلام: أنتم في مهل، من ورائه أجل، ومعكم أمل يعترض دون العمل، فاغتنموا المهل، وبادروا الاجل، وكذبوا الامل، وتزودوا من العمل، هل من خلاص ؟ أو مناص ؟ أو فرار ؟ أو مجاز ؟ أو معاذ ؟ أو ملاذ ؟ أولا ؟ فأنى تؤفكون. 16 - وقال عليه السلام: اوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة للطالب الراجي، وثقة للهارب اللاجي، استشعروا التقوى شعارا باطنا، واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة، وتسلكوا به طرق النجاة، وانظروا إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق، فإنها تزيل الثاوي الساكن (4). وتفجع المترف الامن، لا يرجى منها ماولى فأدبر، ولا يدرى ما هو آت منها فيستنظر وصل الرخاء منها بالبلاء، والبقاء منها إلى الفناء، سرورها مشوب بالحزن، والبقاء منها إلى الضعف والوهن.
17 - وقال عليه السلام: إن الخيلاء من التجبر، والتجبر من النخوة، والنخوة من التكبر، وإن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل، إن المسلم أخ المسلم
(1) الحلل: جمع الحلة - بالضم -: كل ثوب جديد. والجدد: جمع جديد. (2) انجحت حاجته: قضيت، والرجل: فاز وظفر بها. (3) كذا والصحيح " والاعتبار منذر صالح " كما في النهج. والفخ. المصيدة أي آلة يصاد بها. وفى النهج " والبشاشة حبالة المودة " والحبالة - بالضم - شبكة الصيد. (4) الثاوى: القائم. يعنى أن الدنيا تزيل من اقام بها واتخذها وطنا.
[40]
فلا تخاذلوا ولا تنابزوا فإن شرايع الدين واحدة، وسبله قاصدة، فمن أخذ بها لحق، ومن فارقها محق، ومن تركها مرق (1). ليس المسلم بالكذوب إذا نطق ولا بالمخلف إذا وعد، ولا بالخائن إذا ائتمن. 18 - وقال عليه السلام: العقل خليل المؤمن، والحلم وزيره، والرفق والده، واللين أخوه. ولا بد للعاقل من ثلاث: أن ينظر في شأنه، ويحفظ لسانه، ويعرف زمانه، ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفافة مرض البدن وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. 19 - وقال عليه السلام: إن للمؤمن ثلاث ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، و ساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل. و ليس للعاقل أن يكون شاخصا إلا في ثلاث: مرمة لمعاشه (2) وخطوة لمعاده أو لذة في غير محرم. 20 - وقال عليه السلام: كم مستدرج بالاحسان إليه (3) وكم من مغرور بالستر عليه، وكم من مفتون بحسن القول فيه، وما ابتلى الله عبدا بمثل الاملاء له (4).
قال الله عزوجل: " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " (5). 21 - وقال عليه السلام: ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحسن بشرك (6) ويكون استغناؤك عنهم في
(1) محق: هلك. ومرق: خرج من الدين بضلالة أو بدعة. (2) رممت الشئ - بالتئقيل -: اصلحته. والمرمة: الاصلاح. (3) استدرجه الله من حيث لا يعلم بالانعام والاحسان إليه، وهو يعصى الله ولا يعلم أن ذلك بلاغا للحجة عليه واقامة للمعذرة في أخذه. (4) الاملاء: الامهال. (5) سورة آل عمران: 178. (6) البشر - بالكسر -: بشاشة الوجه. والنزاهة: العفة والبعد عن المكروه.
[41]
نزاهة عرضك وبقاء عزك. 22 - وقال عليه السلام: لا تغضبوا، ولا تعضبوا (1) افشوا السلام، وأطيبوا الكلام. 23 - وقال عليه السلام: الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسوا إذا ألطف. 24 - وقال عليه السلام ألا اخبركم بالفقيه حق الفقيه ؟ من لم يرخص الناس في معاصي الله، ولم يقنطهم من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه، ولا خير في عبادة ليس فيها نفقه، ولا خير في علم ليس فيه تفكر ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر. 25 - وقال عليه السلام: إن الله إذا جمع الناس نادى فيهم مناد أيها الناس إن أقربكم اليوم من الله أشدكم منه خوفا، وإن أحبكم إلى الله أحسنكم له عملا وإن أفضلكم عنده منصبا أعملكم (2) فيما عنده رغبة، وإن أكركم عليه أتقاكم. 26 - وقال عليه السلام: عجبت لاقوام يحتمون الطعام مخافة الاذى كيف
لا يحتمون الذنوب مخافة النار ؟ (3) وعجبت ممن يشتري المماليك بماله كيف لا يشتري الاحرار بمعروفه فيملكهم ؟ ثم قال: إن الخير والشر لا يعرفان إلا بالناس، فإذا أردت أن تعرف الخير (4) فاعمل الخير تعرف أهله، وإذا أردت أن تعرف الشر فاعمل الشر تعرف أهله. 27 - وقال عليه السلام: إنما أخشى عليكم اثنين: طول الامل، واتباع الهوى أما طول الامل فينسي الاخرة، وأما اتباع الهوى، فانه يصد عن الحق. 28 - وسأله رجل بالبصرة عن الاخوان فقال: الاخوان صنفان: إخوان الثقة وإخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم الكهف والجناح (5) والاهل و
(1) في بعض النسخ " ولا تغضبوا " والصحيح كما في المتن " ولا تعضبوا " أي لا تقطعوا. (2) في بعض النسخ " أعلمكم ". (3) يحتمون أي يتقون. (4) في بعض النسخ " أن تعمل الخير ". (5) المكاشرة - مفاعلة من كشر كضرب - وكشر الرجل عن أسنانه أي أبدى وأظهر - - - -
[42]
المال، فإن كنت من أخيك على حد الثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافاه (1) وعاد من عاداه، واكتم سره وعيبه، وأظهر منه الحسن إعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريب الاحمر، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن منهم لذتك، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان. 29 - وقال عليه السلام: لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعدي صديقك. 30 - وقال عليه السلام: لا تصرم أخاك على ارتياب ولا تقطعه دون استعتاب (2). 31 - وقال عليه السلام: ينبغي للمسلم أن يجتنب مؤاخاة ثلاثة: الفاجر (3)
والاحمق، والكذاب. فأما الفاجر فيزين لك فعله، ويحب أنك مثله، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك، فمقارنته جفاء وقسوة، ومدخله عار عليك (4). وأما الاحمق فإنه لا يشير عليك بخير، ولا يرجه لصرف السوء عنك ولو جهد نفسه (5) وربما أراد نفعك فضرك، فموته خير من حياته، وسكوته خير من نطقه، و بعده خير من قربه. وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش، ينقل حديثك و ينقل إليك الحديث، كلما أقنى أحدوثة مطاها باخرى مثلها (6) حتى أنه
- - - - ويكون في الضحك. والمكاشر: المتبسم في وجه. والكهف: الملجأ. ورواه الصدوق في الخصال وفيه " فهم الكف والجناح والاصل والاهل والمال " والجناح من الانسان: اليد: لانه بمنزلة جناح الطائر. (1) صافى فلانا: أخلص له الود. (2) لا تصرم أي لا تقطع. والاستعتاب: الاسترضاء. (3) رواه الكليني رحمه الله في الكافي ج 2 ص 639 وفيه " الماجن الفاجر ". (4) في الكافي " مقاربته جفاء ". و " مدخله " أي زيارته ومواجهته. (5) في الكافي " ولو أجهد نفسه ". (6) مطا يمطو، أسرع في سيره، ومطا بالقوم: مد بهم في السير، وفى الكافي " مطرها " وفى بعض نسخه " مطها ".
[43]
يحدث بالصدق فلا يصدق، يغري بين الناس بالعداوة (1) فيثبت الشحناء في الصدور. فاتقوا الله وانظروا لانفسكم. 32 - وقال عليه السلام: لا عليك (2) أن تصحب ذا العقل وإن لم تجمد كرمه (3) ولكن انتفع بعقله واحترس من سيئ أخلاقه، ولا تدعن صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله، ولكن انتفع بكرمه بعقلك، وافرر الفرار كله من اللئيم الاحمق.
33 - وقال عليه السلام: الصبر ثلاثة: الصبر على المصيبة، والصبر على الطاعة والصبر عن المعصية. 34 - وقال عليه السلام: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبدا، قيل: وما هن ؟ قال: العجلة، واللجاجة، والعجب والتواني. 35 - وقال عليه السلام: الاعمال ثلاثة: فرائض وفضائل ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله ومشيئته وبرضاه وبعلمه وقدره، يعملها العبد فينجو من الله بها. وأما الفضائل فليس بأمر الله لكن بمشيئته وبرضاه وبعلمه وبقدره، يعملها العبد فيثاب عليها. وأما المعاصي فليس بأمر الله ولا بمشيئته ولا برضاه، لكن بعلمه وبقدره يقدرها لوقتها فيفعلها العبد باختياره فيعاقبه الله عليها، لانه قد نهاه عنها فلم ينته. 36 - وقال عليه السلام: يا أيها الناس إن لله في كل نعمة حقا، فمن أداه زاده ومن قصر عنه خاطر بزوال النعمة وتعجل العقوبة، فليراكم الله من النعمة وجلين كما يراكم من الذنوب فرقين (4). 37 - وقال عليه السلام: من ضيق عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك حسن نظر
(1) يغرى أي القى بينهم العداوة والشحناء: العداوة والبغضاء امتلات منها النفس من شحن أي ملاء. وفى الكافي " يفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور ". (2) أي لا بأس بك ولا حرج. (3) جمدت يده: بخل. (4) " وجلين " أي خائفين. " فرفين " أي فزعين.
[44]
من الله [له] فقد ضيع مأمولا. ومن وسع عليه في ذات يده فلم يظن أن ذلك استدراج من الله فقد أمن مخوفا (1).
38 - وقال عليه السلام يا أيها الناس سلوا الله اليقين وارغبوا إليه في العافية فإن أجل النعم العافية، وخير مادام في القلب اليقين، والمغبون من غبن دينة والمغبوط من حسن يقينه. 39 - وقال عليه السلام: لا يجد رجل طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 40 - وقال عليه السلام: ما ابتلي المؤمن بشئ هو أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وماهن ؟ قال: المواساة في ذات يده، والانصاف من نفسه، وذكر الله كثيرا، أما إني لا أقول لكم: سبحان الله والحمد لله، ولكن ذكر الله عند ما أحل له، وذكر الله عند ما حرم عليه. 41 - وقال عليه السلام: من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيه يكفيه، و من لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شئ يكفيه. 42 - وقال عليه السلام: المنية لا الدنية، والتجلد لا التبلد (2) والدهر يومان: فيوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فلا تحزن، فبكليهما ستختبر. 43 - وقال عليه السلام: أفضل على من شئت يكن أسيرك. 44 - وقال عليه السلام: ليس من أخلاق المؤمن الملق ولا الحسد إلا في طلب -
(1) ذات يده: ما يملكه. ومأمولا أي ما أمل ورجا. أي من كان في ضيق بحسب المال ولم يظن ان ذلك احسانا من الله وامتحانا منه فقد ضيع أجرا مأمولا، وهكذا إذا لم يظن أن نعمته استدرجا منه فقد أمن من مكر الله. (2) المنية: الموت أي يكون الموت ولا يكون ارتكاب الدنية. والتجلد: تكلف الجلد - محركة - والصبر عليه. والتبلد: ضد التجلد والتلهف. ونظير هذا الكلام منقول في النهج وفيه " والتقلل ولا التوسل ". (*)
[45]
العلم. 45 - وقال عليه السلام: أركان الكفر أربعة: الرغبة والرهبة والسخط والغضب. 46 - وقال عليه السلام: الصبر مفتاح الدرك. والنجح عقبى من صبر (1) ولكل طالب حاجة وقت يحركه القدر. 47 - وقال عليه السلام: اللسان معيار، أطاشة الجهل (2) وأرجحه العقل. 48 - وقال عليه السلام: من طلب شفا غيظ بغير حق أذاقه الله هوانا بحق. إن الله عدوا ماكره. 49 - من قال عليه السلام: ما حار من استخار، ولا ندم من استشار (3). 50 - وقال عليه السلام: عمرت البلدان بحب الاوطان. 51 - وقال عليه السلام: ثلاث من حافظ عليها سعد: إذا ظهرت عليك نعمة فأحمد الله، وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله، وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول: " لا حول ولا قوة إلا بالله ". 52 - وقال عليه السلام: العلم ثلاثة: الفقه للاديان، والطب لابدان، والنحو للسان. 53 - وقال عليه السلام: حق الله في العسر الرضى والصبر، وحقه في اليسر الحمد والشكر. 54 وقال عليه السلام: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. وكم من شهوة ساعة قد أورثت حزنا طويلا. والموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لب فيها فرحا، ولا لعاقل لذة. 55 - وقال عليه السلام: العلم قائد، والعمل سائق، والنفس حرون (4). 56 - وقال عليه السلام: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجوا، فإن موسى عليه السلام
(1) النجح - بالضم -: الفوز والظفر. (2) أطاشه أي خفه. وبالفارسية " يعنى سبك ميكند اورا ".
(3) الحور - بالفتح -: التحير والرجوع إلى النقصان. (4) الحرون من الخيل: الذى لا ينقاد لراكبه فإذا استدرجريه وقف.
[46]
خرج يقتبس لاهله نارا فكلمه الله ورجع نبيا. وخرت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام. وخرجت سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين. 57 - وقال عليه السلام: الناس بامرائهم أشبه منهم بآبائهم. 58 - وقال عليه السلام: أيها الناس اعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج (1) من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه. الناس أبناء ما يحسنون، وقدر كل امرء ما يحسن، فتكلموا في العلم تبين أقداركم. 59 - وقال عليه السلام: رحم الله امرء راغب ربه (2) وتوكف ذنبه، وكابر هواه، وكذب مناه، زم نفسه من التقوى بزمام، وألجمها من خشية ربها بلجام، فقادها إلى الطاعة بزمامها، وقدعها عن المعصية بلجامها (3) رافعا إلى المعاد طرفه، متوقعا في كل أوان حتفه، دائم الفكر، طويل السهر، عزوفا عن الدنيا، كدوحا لاخرته (4)، جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته، ودواء [داء] جواه (5)، فاعتبر وقاس، فوتر الدنيا والناس، يتعلم للتفقه والسداد، قد وقر قلبه ذكر المعاد، فطوى مهاده (6) وهجر وساده، قد عظمت فيما عند الله رغبته، واشتدت منه رهبته، يظهر دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم، أولئك ودائع الله في بلاده المدفوع بهم عن عباده، لو أقسم أحدهم على الله لابره، آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
(1) ازعجه فانزعج: أقلقه وقلعه من مكانه فقلق وانقلع. (2) في بعض النسخ " راقب دينه ". والتوكف: التجنب. والمكابرة: المعاندة والمغالبة.
(3) قدع الفرس باللجام: كبحه أي جذبه به لتقف وتجرى. (4) سهر سهرا - كفرح - إذا لم ينم ليلا. عزفت نفسه عن الشئ: انصرفت وزهدت فيه. والكدح: السعي في مشقة وتعب. (5) الجوى: الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن. (6) طوى نقيض نشر. والمهاد: الفراش. وهجره أي تركه وأعرض عنه.
[47]
60 - وقال عليه السلام: وكل الرزق بالحمق، ووكل الحرمان بالعقل، ووكل البلاء بالصبر. 61 - وقال عليه السلام: للاشعث (1) يعزيه بأخيه عبد الرحمن: إن جزعت فحق عبد الرحمن وفيت، وإن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى عليك القضاء وأنت محمود، وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم (2) فقال الاشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتدري ما تأويلها ؟ فقال الاشعث: لانت غاية العلم ومنتهاه فقال عليه السلام: أما قولك: " إنا لله " فإقرار منك بالملك. وأما قولك " وإنا إليه راجعون " فإقرار منك بالهلك (3). 62 - وركب عليه السلام يوما فمشى معه قوم فقال عليه السلام لهم: أما علمتم أن مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي، انصرفوا. 63 - وقال عليه السلام: الامور ثلاثة: أمر بان لك رشده فاتبعه (4) وأمر بان
(1) الظاهر هو اشعث بن قيس المكنى بأبى محمد ذكروه في جملة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان اسر بعد النبي " ص " في ردة أهل ياسر وعفا عنه أبو بكر وزوجه اخته ام فروة وكانت عوراء فولدت له محمد. وكان أشعث سكن الكوفة وهو عامل عثمان على آذربيجان، وكان أبا زوجة عمر بن عثمان وكتب أمير المؤمنين عليه السلام إليه بعد فتح البصرة فسار وقدم على على عليه السلام وحضر صفين، ثم صار خارجيا ملعونا. وقال ابن
أبى الحديد كل فساد كان في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وكل اضطراب فأصله الاشعث، و هو الذى شرك في دمه عليه السلم، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام. (2) في النهج عزاه عن ابن له قال: " يا اشعث ان تحزن على ابنك فقد استحقت منك ذلك الرحم. وان تصبر ففى الله من كل مصيبة خلف. يا أشعث ان صبرت جرى عليك القدر وانت مأجور، وان جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزوريا أشعث ابنك سرك وهو بلاء وفتنة و حزنك وهو ثواب ورحمة ". (3) الهلك - بالضم -: الهلاك. (4) في بعض النسخ " فارتكبه ".
[48]
لك غيه فاجتنبه، وأمر أشكل عليك فرددته إلى عالمه (1). 64 - وقال له عليه السلام: جابر يوما: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام: وبنا من نعم الله ربنا مالا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فلا ندري ما نشكر، أجميل ما ينشر أم قبيح ما يستر. 65 - وعزى عبد الله بن عباس، عن مولود صغير مات له، فقال عليه السلام: لمصيبة في غيرك لك أجرها أحب إلي من مصيبة فيك لغيرك ثوابها، فكان لك الاجر لابك، وحسن لك العزاء لا عنك، وعوضك الله عنه مثل الذي عوضه منك. 66 - وقيل له: ما التوبة النصوح ؟ فقال عليه السلام: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، والقصد على أن لا يعود (2). 67 - وقال عليه السلام: إنكم مخلوقون اقتدارا، ومربوبون اقتسارا (3) ومضمنون أجداثا، وكائنون رفاتا، ومبعوثون أفرادا ومدينون حسابا، فرحم الله عبدا اقترب فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وعمر فاعتبر، وحذر فازدجر، وأجاب
فأناب، وراجع فتاب، واقتدى فاحتذى (4)، فباحث طلبا، ونجا هربا، وأفاد ذخيرة وأطاب سريرة، وتأهب للمعاد، واستظهر بالزاد ليوم رحيله (5) ووجه سبيله، و حال حاجته، وموطن فاقته، فقدم أمامه لدار مقامه، فمهدوا لانفسكم، فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا حواني الهرم ؟ وأهل بضاضة الصحة (6) إلا نوازل السقم، وأهل مدة البقاء إلا مفاجأة الفناء، واقتراف الفوت، ودنو الموت ؟ !.
(1) في بعض النسخ " فرده إلى عالمه ". (2) في بعض النسخ " العقد على أن لا يعود ". (3) في بعض النسخ [انتشارا]. والاقتسار: عدم الاختيار، أي رباهم الله من عند كونهم أجنة في بطون أمهاتهم إلى كبرهم من غير اختيار منهم. وفى بعض النسخ " ومضمون أحداثا. (4) الاحتذاء: الاقتداء أي أتى بكل ما للاقتداء من معنى. (5) استظهر بالزاد: استعان به. (6) الحوانى جمع حين. والبضاضة: رقة اللون وصفاؤه.
[49]
68 - وقال عليه السلام: اتقوا الله تقية من شمر تجريدا وجد تشميرا، وانكمش في مهل، وأشفق في وجل (1) ونظر في كثرة المال، وعاقبة الصبر، ومغبة المرجع (2) فكفى بالله منتقما ونصيرا، وكفى بالجنة ثوابا ونوالا (3) وكفى بالنار عقابا و نكالا، وكفى بكتاب الله حجيجا وخصيما (4). 69 - وسأله رجل عن السنة والبدعة والفرقة والجماعة. فقال عليه السلام: أما السنة فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله. وأما البدعة فما خالفها (5) وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا، وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا. وقال صلى الله وعليه وآله (6): " لا يرجو العبد إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم (7) والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد.
70 - وقال له رجل: أوصني. فقال عليه السلام: اوصيك أن لا يكونن لعمل الخير عندك غاية في الكثرة، ولا لعمل الاثم عندك غاية في القلة. 71 - وقال له آخر: أوصني، فقال عليه السلام: لا تحدث نفسك بفقر ولا طول عمر. 72 - وقال عليه السلام: إن لاهل الدين غلامات يعرفون بها: صدق الحديث وأداء الامانة، ووفاء بالعهد، وصلة للارحام، ورحمة للضعفاء، وقلة مؤاتاة
(1) التشمير: السرعة والخفة. وانكمش أي أسرع وجد فيه. والمهل - بفتح فسكون وبالتحريك - مصدر بمعنى الرفق والامهال. (2) المغبة - بفتح الميم والغين وتشديد الباء -: العاقبة. (3) النوال: العطاء والنصيب. (4) الحجيج: المغالب باظهار الحجة. (5) في بعض النسخ " فمن خالفها ". (6) كذا في جميع النسخ. (7) في الكافي عن أبى عبد الله عليه السلام قال: " للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول: الله أعلم وليس لغير العالم أن يقول ذلك. ج 1 ص 42.
[50]
للنساء (1) وبذل المعروف، وحسن الخلق، وسعة الحلم، واتباع العلم، وما يقرب من الله زلفى، وطوبى لهم وحسن مآب. 73 - وقال عليه السلام: ما أطال [ال] عبد الامل إلا أنسا [ه] العمل. 74 - وقال عليه السلام: ابن آدم أشبه شئ بالمعيار: إما ناقص بجهل، أو راجح بعلم. 75 - وقال عليه السلام: سباب المؤمن فسق، وقتاله كفر، وحرمة ماله
كحرمة دمه. 76 - وقال عليه السلام: ابذل لاخيك دمك ومالك، ولعدوك عدلك، وإنصافك وللعامة بشرك وإحسانك، تسلم على الناس يسلموا عليك. 77 - وقال عليه السلام: سادة الناس في الدنيا الاسخياء، وفي الاخرة الاتقياء. 78 - وقال عليه السلام: الشئ شيئان: فشئ غيري لم أرزقه فيما مضى، ولا آمله فيما بقي، وشئ لا أناله دون وقته، ولو أجلبت عليه بقوة السماوات والارض فبأي هذين أفنى عمري. 79 - وقال عليه السلام: إن المؤمن إذا نظر اعتبر، وإذا سكت تفكر، وإذا تكلم ذكر، وإذا استغنى شكر، وإذا أصابته شدة صبر، فهو قريب الرضى، بعيد السخط يرضيه عن الله اليسير، ولا يسخطه الكثير، ولا يبلغ بنيته إرادته في الخير، ينوي كثيرا من الخير ويعمل بطائفة منه، ويتلهف على ما فاته من الخير كيف لم يعمل به (2). والمنافق إذا نظر لها، وإذا سكت سها، وإذا تكلم لغا (3) وإذا استغنى طغا، وإذا أصابته شدة ضغا (4) فهو قريب السخط بعيد الرضي، يسخط على الله اليسير، ولا
(1) المواتاة: المطاوعة. (2) تلهف أي حزن عليه وتحسر. (3) " لها " أي لعب. " سها " أي غفل ونسى وذهب قلبه إلى غيره. و " لغا " أي خطأ وتكلم من غير تفكر وروية. (4) " ضغا " أي تذلل وضعف.
[51]
يرضيه الكثير، ينوي كثيرا من الشر ويعمل بطائفة منه، ويتلهف على ما فاته من الشر كيف لم يعمل به. 80 - وقال عليه السلام: الدنيا والاخرة عدوان متعاديان، وسبيلان مختلفان،
من أحب الدنيا ووالاها أبغض الاخرة وعاداها، مثلهما مثل المشرق والمغرب، والماشي بينهما لا يزداد من أحدهما قربا إلا ازداد من الاخر بعدا. 81 - وقال عليه السلام: من خاف الوعيد قرب عليه البعيد (1) ومن كان من قوت الدنيا لا يشبع لم يكفه منها ما يجمع. ومن سعى للدنيا فاتته، ومن قعد عنها أتته إنما الدنيا ظل ممدود إلى أجل معدود، رحم الله عبدا سمع حكما فوعى، ودعي إلى الرشاد فدنا، وأخذ بحجزة ناج هاد فنجا (2) قدم صالحا، وعمل صالحا، [قدم] مذخورا، واجتنب محذورا، رمى غرضا (3) [وقدم عوضا]، كابر هواه، وكذب مناه، جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عذة وفاته (4) لزم الطريقة الغراء والمحجة البيضاء، واغتنم المهل، وبادر الاجل، وتزود من العمل. 82 - وقال عليه السلام لرجل: كيف أنتم ؟ فقال: نرجو ونخاف، فقال عليه السلام: من رجا شيئا طلبه، ومن خاف شيئا هرب منه، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما خاف منه، وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو. 83 - وقال عليه السلام لعباية بن ربعي: (5) وقد سأله عن الاستطاعة التي تقوم
(1) الوعيد يستعمل في الشر كما أن الوعد يستعمل في الخير غالبا. (2) الحجزة - كغرفة -: معقد الازار، واستعير لهدى الهادى، ولزوم قصده والاقتداء به. (3) الغرض - بالتحريك -: الهدف الذى يرمى إليه. وكابر: عاند وغالب. (4) العدة - بالضم - الاستعداد وما أعددته. وفى الخبر " استعدوا للموت " أي اطلبوا العدة للموت وهى التقوى. والغراء: البيضاء. (5) هو عباية بن عمرو بن ربعى الاسدي من أصحاب أمير المؤمنين والحسن عليهما - السلام بل من خواصهما ومعتمد عليه في الحديث. (*)
[52]
ونقعد ونفعل: إنك سألت عن الاستطاعة فهل تملكها من دون الله أو مع الله، فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إن قلت: تملكها مع الله قتلتك، وإن قلت: تملكها دون الله قتلتك، [ف] قال عباية: فما أقول ؟ قال عليه السلام: تقول: إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن ملكك إياها كان ذلك من عطائه، و إن سلبكها كان ذلك من بلائه، فهو المالك لما ملكك، والقادر على ما عليه أقدرك (1). 84 - قال الاصبغ بن نباتة (2): سمعت أمير المؤمنين عليه السلام: يقول: أحدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أن يعيه، ثم أقبل علينا، فقال عليه السلام: ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان أجود وأمجد من أن يعود في عقابه يوم القيامة، ولا ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان أمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة، ثم قال عليه السلام: وقد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله وتلا هذه الاية: " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (3) وضم يده ثلاث مرات ويقول: " ويعفو عن كثير ". 85 - وقال عليه السلام: أول القطيعة السجا، ولا تأس أحدا إذا كان ملولا (4)
(1) في بعض النسخ " والقادر لما عليه قدرك ". (2) اصبغ بن نباتة المجاشعى كان من خاصة أمير المؤمين عليه السلام وعمر بعده و روى عهده لمالك الاشتر الذى عهد إليه أمير المؤمنين عليه السلام لما ولاه مصر، وروى أيضا وصية أمير المؤمنين إلى ابنه محمد الحنفية وكان يوم صفين على شرطة الخميس وكان شيخا شريفا ناسكا عابدا وكان من ذخائر على عليه السلام ممن قد بايعه على الموت، وهو من فرسان أهل العراق وكان عند سلمان رضى الله عنه وقت وفاته وبكائه على أمير المؤمنين " ع " عند بابه لما ضربه ابن ملجم لعنه الله ودخوله عليه - وهو معصوب الرأس بعمامة صفراء وقد نزف
الدم واصفر وجه - مشهور. (3) سورة الشورى: 30. (4) السجا: الستر، سجا الليل يسجو: ستر بظلمته. وفى النهج " ولا تأمنن ملولا "
[53]
أقبح المكافات المجازاة بالاساءة. 86 - وقال عليه السلام: أول إعجاب المرء بنفسه فساد عقله. من غلب لسانه أمنه من لم يصلح خلائقه كثرث بوائقه (1) من ساء خلقه مله أهله، رب كلمة سلبت نعمة، الشكر عصمة من الفتنة، الصيانة رأس المروة، شفيع المذنب خضوعه، أصل الحزم الوقوف عند الشبهة، في سعة الاخلاق كنوز الارزاق. 87 - وقال عليه السلام: المصائب بالسوية مقسومة بين البرية، لا ييأس لذنبك وباب التوبة مفتوح، الرشد في خلاف الشهوة، تأريخ المنى الموت، النظر إلى البخيل يقسي القلب، النظر إلى الاحمق يسخن العين (2)، السخاء فطنة، واللوم تغافل. 88 - وقال عليه السلام: الفقر الموت الاكبر، وقلة العيال أحد اليسارين وهو نصف العيش، والهم نصف الهرم، وما عال امر اقتصد (3)، وما عطب امرء استشار والصنيعة لا تصلح إلا عند ذي حسب أو دين، والسعيد من وعظ بغيره، والمغبون لا محمود ولا مأجور، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى. 89 - وقال عليه السلام: اصطنعوا المعروف (4) تكسبوا الحمد. واستشعروا الحمد يؤنس بكم [العقلاء]. ودعوا الفضول يجانبكم السفهاء، وأكرموا الجليس تعمر ناديكم (5)، وحاموا عن الخليط يرغب في جواركم، وأنصفوا الناس من أنفسكم يوثق بكم، وعليكم بمكارم الاخلاق فإنها رفعة، وإياكم والاخلاق الدنية فإنها تضع الشريف وتهدم المجد. 90 - وقال عليه السلام: اقنع تعز.
(1) الخلائق: جمع خليقة: الطبيعة. والبوائق جمع بائقة: الشر والغائلة والداهية (2) سخنت عينه: نقيض قرت. (3) أي ما افتقر امرء ان أخذ بالاقتصاد. وفى النهج " ما أعال ". وما عطب أي ما هلك. (4) اصطنعوا: اعطوا واحسنوا واكرموا. (5) النادى: المجلس جمعه أندية.
[54]
91 - وقال عليه السلام: الصبر جنة من الفاقة. والحرص علامة الفقر. والتجمل اجتناب المسكنة. والموعظة كهف لمن لجأ إليها. 92 - وقال عليه السلام: من كساه العلم ثوبه اختفى عن الناس عيبه. 93 - وقال عليه السلام: لا عيش لحسود. ولا مودة لملوك. ولا مروة لكذوب. 94 - وقال عليه السلام: تروح إلى بقاء عزك بالوحدة. 95 - وقال عليه السلام: كل عزيز داخل تحت القدرة فذليل. 96 - وقال عليه السلام: أهلك الناس اثنان: خوف الفقر وطلب الفخر. 97 - وقال عليه السلام: أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة، وباب كل بلية، وقران كل فتنة، وداعي كل رزية (1). 98 - وقال عليه السلام: جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكرة فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرة، وسكوته فكرة، و كلامه ذكرا، وبكى على خطيئته، وأمن الناس من شره. 99 - وقال عليه السلام: ما أعجب هذا الانسان مسرور بدرك ما لم يكن ليفوته محزون على فوت ما لم يكن ليدركه ولو أنه فكر لابصر، وعلم أنه مدبر، وأن
الرزق عليه مقدر، ولا قتصر على ما تيسر، ولم يتعرض لما تعسر (2). 100 - وقال عليه السلام إذا طاف في الاسواق ووعظهم قال: يا معشر التجار قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين (3) وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتخافوا عن الظلم (4) وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا " وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم
(1) الرزية: المصيبة. (2) في بعض النسخ " لا قتصر على ما يتيسر، ولم يتعرض لما يتعسر ". (3) أي تغاربوا بالمشترى وامضوا المعاملة. (4) في بعض النسخ " تجافوا ".
[55]
ولا تعثوا في الارض مفسدين ". 101 - وسئل أي شئ مما خلق الله أحسن ؟ فقال عليه السلام: الكلام. فقيل: أي شئ مما خلق الله أقبح ؟ قال: الكلام، ثم قال: بالكلام ابيضت الوجوه، وبالكلام اسودت الوجوه. 102 - وقال عليه السلام: قولوا الخير تعرفوا [به] واعملوا به تكونوا من أهله. 103 - وقال عليه السلام: إذا حضرت بلية فاجعلوا أموالكم دون أنفسكم، وإذا نزلت نازلة فاجعلوا أنفسكم دون دينكم، واعلموا أن الهالك من هلك دينه، و الحرب من سلب دينه (1)، ألا وإنه لافقر بعد الجنة، ولا غنى بعد النار. 104 - وقال عليه السلام: لا يجد عبد طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده (2). 105 - وقال عليه السلام: ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاه الكذاب، إنه يكذب حتى يجيئ بالصدق فما يصدق.
106 - وقال عليه السلام: أعظم الخطايا اقتطاع مال امرء مسلم بغير حق (3). 107 - وقال عليه السلام: من خاف القصاص كف عن ظلم الناس. 108 - وقال عليه السلام: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد. 109 - وقال عليه السلام: العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به شركاء ثلاثة. 110 - وقال عليه السلام: الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن [جميل] و أحسن من ذلك الصبر عندما حرم الله عليك. والذكر ذكران: ذكر عند المصيبة حسن جميل وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم [الله] عليك فيكون ذلك حاجزا.
(1) الحرب الذى سلب ماله وترك بلا شئ. (2) الهزل في الكلام: ضد الجد أي المزح والهذى. (3) اقتطع مال فلان أي أخذه لنفسه.
[56]
111 - وقال عليه السلام: اللهم لا تجعل بي حاجة إلى أحد من شرار خلقك، وما جعلت بي من حاجة فاجعلها إلى أحسنهم وجها، وأسخاهم بها نفسا، وأطلقهم بها لسانا وأقلهم علي بها منا. 112 - وقال عليه السلام: طوبى لمن يألف الناس ويألفونه على طاعة الله. 113 - وقال عليه السلام: إن من حقيقة الايمان أن يؤئر العبد الصدق حتى نفر عن الكذب حيث ينفع. ولا يعد المرء بمقالته علمه. 114 - وقال عليه السلام: أدوا الامانة ولو إلى قاتل ولد الانبياء (1). 115 - وقال عليه السلام: التقوى سنخ الايمان. 116 - وقال عليه السلام: ألا إن الذل في طاعة الله أقرب إلى العز من التعاون
بمعصية الله. 117 - وقال عليه السلام: المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الاخرة وقد جمعها الله لاقوام. 118 - وقال عليه السلام: مكتوب في التوارة في صحيفتين، إحديهما: من أصبح على الدنيا حزينا فقد أصبح لقضاء الله ساخطا، ومن أصبح من المؤمنين يشكو مصيبة نزلت به إلى من يخالفه على دينه فإنما يشكو ربه إلى عدوه. ومن تواضع لغني طلبا لما عنده ذهب ثلثا دينه (2) ومن قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن يتخذ آيات الله هزوا. وقال: في الصحيفه الاخرى: من لم يستشر يندم، ومن يستأثر من الاموال يهلك (3) والفقر الموت الاكبر. 119 - وقال عليه السلام: الانسان لبه لسانه، وعقله دينه، ومروته حيث يجعل
(1) في كنز الفوائد " إلى قاتل الانبياء ". (2) لان الخضوع لغير الله اذاء عمل لغيره واستعظام المال ضعف في اليقين فلم يبق الا الاقرار باللسان. (3) استأثر بالمال: اختص نفسه به واختاره.
[57]
نفسه، والرزق مقسوم، والايام دول، والناس إلى آدم شرع سواء (1). 120 - وقال عليه السلام لكميل بن زياد: رويدك لا تشهر (2) واخف شخصك لا تذكر، تعلم تعلم. واصمت تسلم، لا عليك إذا عرفك دينه لا تعرف الناس ولا يعرفونك. 121 - وقال عليه السلام: ليس الحكيم من لم يدار من لا يجد بدا من مداراته. 122 - وقال عليه السلام: أربع لو ضربتم فيهن أكباد الابل (3) لكان ذلك يسيرا: لا يرجون أحد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي أن يقول: لا أعلم إذا
هو لم يعلم، ولا يستكبر أن يتعلم إذا لم يعلم. 123 - وكتب إلى عبد الله بن العباس أما بعد فاطلب ما يعنيك واترك ما لا يعنيك، فإن في ترك مالا يعنيك درك ما يعنيك، وإنما تقدم على ما أسلفت لا على ما خلفت. وابن ما تلقاه غدا على ما تلقاه. السلام. 124 - وقال عليه السلام: إن أحسن ما يألف به الناس قلوب أودائهم، ونفوا به الضغن عن قلوب أعدائهم: حسن البشر عند لقائهم، والتفقد في غيبتهم، والبشاشة بهم عند حضورهم. 125 - وقال عليه السلام: لا يجد عبد طعم الايمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه. 126 - وقال عليه السلام: يا رب ما أشقى جد من لم يعظم في عينه وقلبه ما رأى من ملكك وسلطانك في جنب ما لم تر عينه وقلبه من ملكك وسلطانك. وأشقى منه من لم يصغر في عينه وقلبه ما رأى وما لم يرمن ملكك وسلطانك في جنب عظمتك وجلالك، لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. 127 - وقال عليه السلام: إنما الدنيا فناء وعناء وغير وعبر فمن فنائها أنك
(1) " دول " أي لا ثبات فيها ولا قرار. والشرع - بكسر فسكون وبفتحتين -: المثل. (2) رويدك - مصدر - أي امهل. (3) ضرب أكباد الابل في طلب الشئ كناية من أن يرحل إليه.
[58]
ترى الدهر موترا قوسه مفوقا نبله (1) لا تخطئ سهامه، ولا تشفي جراحه، يرمي الصحيح بالسقم، والحي بالموت، ومن عنائها أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله لا ما لا حمل ولا بناء نقل، ومن غيرها أنك ترى المغبوط مرحوما، والمرحوم مغبوطا، ليس بينهم إلا نعيم زال وبؤس نزل، ومن
عبرها أن المرء يشرف على أمله فيتخطفه أجله، فلا أمل مدروك، ولا مؤمل متروك فسبحان [الله] ما أعز سرورها وأظمأ ريها وأضحى فيئها، فكأن ما كان من الدنيا لم يكن وكأن ما هو كائن قد كان. [و] أن الدار الاخرة هي دار المقام ودار القرار وجنة ونار. صار أولياء الله إلى الاجر بالصبر وإلى الامل بالعمل. 128 - وقال عليه السلام: من أحب السبل إلى الله جرعتان: جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة حزن تردها بصبر. ومن أحب السبل إلى الله قطرتان: قطرة دموع في جوف الليل، وقطرة دم في سبيل الله، ومن أحب السبل إلى الله خطوتان: خطوة امرء مسلم يشد بها صفا في سبيل الله، وخطوة في صلة الرحم [وهي] أفضل من خطوة يشد (2) بها صفا في سبيل الله. 129 - وقال عليه السلام: لا يكون الصديق لاخيه صديقا حتى يحفظه في نكبته وغيبته وبعد وفاته. 130 - وقال عليه السلام: إن قلوب الجهال تستفزها الاطماع، وترهنها المنى وتستعلقها الخدائع (3).
(1) موترا قوسه: مشد وترها. " مفوقا نبله " أي موضع فوقته في الوتر ليرمى به. والفوق: موضع الوتر من رأس السهم حيث يقع الوتر. (2) في بعض النسخ [يشهد] في الموضعين. (3) " تستفزها " أي تستخفها وتخرجها من مقرها و " ترهنها المنى " في الكافي " ترتهنها " وهى اراده مالا يتوقع حصوله، أو المراد بها ما يعرف للانسان من أحاديث النفس، وتسويل الشيطان. أي تأخذها وتجعلها مشغولة بها ولا تتركها الا بحصول ما تتمناه، كما أن الرهن لا ينفك الا بأداء المال وقوله: " تستعلقها " بالعين المهملة ثم القاف أي تصيدها وتربطها - - - -
[59]
131 - وقال عليه السلام: من استحكمت [لي] فيه خصلة من خصال الخير اغتفرت
ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، مفارقة الدين مفارقة الامن، ولا حياة مع مخافة وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس [إلا] بالاموات (1). 132 - وقال عليه السلام: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ومن كتم سره كانت الخيرة في يده (2). 133 - قال عليه السلام: إن الله يعذب ستة بستة: العرب بالعصبية، والدهاقين بالكبر، والامراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل. 134 - وقال عليه السلام: أيها الناس اتقوا الله، فإن الصبر على التقوى أهون من الصبر على عذاب الله. 135 - وقال عليه السلام: الزهد في الدنيا قصر الامل وشكر كل نعمة والورع عن كل ما حرم الله. 136 - وقال عليه السلام: إن الاشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتج منهما الفقر (3).
- - - - بالحبال من قولهم: " علق الوحش بالحبالة " إذا تعوق وتشب فيها. وفى بعض النسخ بالقافين أي تجعلها الخدائع منزعجة منقلعة من مكانها. وفى بعضها بالغين المعجمة ثم القاف من قولهم: " استغلقني في بيعه " أي لم يجعل لى خيارا في رده. (قاله المؤلف) (1) كذا. وفى الكافي ج 1 ص 27 " عن امير المؤمنين عليه السلام من استحكمت لى فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واعتفرت فقد ما سواها، ولا أغتقر فقد عقل ولا دين، لان مفارقة الدين مفارقة الامن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة، وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس الا بالاموات ". واستحكمت أي أثبتت وصارت ملكة راسخة: واحتملته أي قبلته ورحمته على تلك الخصلة. وقوله " لا يقاس الا بالاموات " ذلك لعدم اطلاعه على وجوه مفاسده ومصالحه وعدم اهتدائه إلى دفع مضاره وجلب منافعه.
(2) الخيرة: الخيار وذلك لان من أسر عزيمة فله الخيار بخلاف من أفشاها. (3) في بعض النسخ من المصدر " بينهما الفقر ".
[60]
137 - وقال عليه السلام: ألا إن الايام ثلاثة: يوم مضى لا ترجوه، ويوم بقي لا بد منه (1) ويوم يأتي لا تأمنه، فالامس موعظة، واليوم غنيمة، وغدا لا تدري من أهله، أمس شاهد مقبول، واليوم أمين مؤد، وغد يجعل بنفسك سريع الظعن (2) طويل الغيبة، أتاك ولم تأته. أيها الناس إن البقاء بعد الفناء، ولم تكن إلا وقد ورثنا من كان قبلنا، ولنا وارثون بعدنا، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه واسلكوا سبل الخير، ولا تستوحشوا فيها لقلة أهلها، واذكروا حسن صحبة الله لكم فيها، ألا وإن العواري اليوم، والهبات غدا، وإنما نحن فروع لاصول قد مضت فما بقاء الفروع بعد اصولها، أيها الناس إنكم إن آثرتم الدنيا على الاخرة أسرعتم إجابتها إلى العرض الادنى، ورحلت مطايا آمالكم إلى الغاية القصوى، يورد مناهل عاقبتها الندم، وتذيقكم ما فعلت بالامم الخالية، والقرون الماضية، من تغير الحالات، وتكون المثلات. 138 - وقال عليه السلام: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف ولكل شئ زكاة وزكاة البدن الصيام، وأفضل عمل المرء انتظاره فرج الله، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، استنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة، ما عال امرء اقتصد، والتقدير نصف العيش، والتودد نصف العقل، والهم نصف الهرم، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن حزن والديه عقهما ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله ينزل الرزق على قدر المصيبة، فمن قدر رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، والامانة تجر الرزق، والخيانة تجر الفقر، ولو أراد الله بالنملة
صلاحا ما أنبت [لها] جناحا. 139 - وقال عليه السلام: متاع الدنيا حطام وتراثها كباب، بلغتها أفضل من
(1) في بعض النسخ من المصدر " لا تدمنه " أي لا تدومه. (2) الطعن: الرحلة.
[61]
أثرتها، وقلعتها أركن من طمأنينتها (1) حكم بالفاقة على مكثرها، واعين بالراحة من رغب عنها، من راقه رواؤها (2) أعقبت ناظريه كمها (3) ومن استشعر شعفها ملات قلبه أشجانا، لهن رقص على سويداء قلبه كرقيص الزبدة على أعراض المدرجة (4) هم يحزنه، وهم يشغله (5) كذلك حتى يؤخذ بكظمه، ويقطع أبهراه، ويلقى هاما للقضاء، طريحا هينا على الله مداه (6) وعلى الابرار ملقاه (7) وإنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار، ويسمع فيها باذن النفث (8).
(1) الحطام - كغراب -: ما تكسر من يبس النبات. والكباب - كغراب -: الكثير من الابل والغنم والتراب والطين اللازب وأمثالها. والبلغة: الكفاف. والاثرة - كقصبة -: الاختيار واختصاص المرء بالشئ دون غيره. والقلعة: الرحلة. (2) في بعض نسخ المصدر " من راقه زبرجها " وفى بعضها " من فاقه رواها ". وراقه الشى: أعجبه، والرواء - بضم الراء -: حسن المنظر، والزبرج: الزينة وكل شئ حسن والذهب. (3) الكمه. - محركة -: العمى. (4) في بعض النسخ " من استشعف برواها " والشعف - محركة -: الولوع وشدة التعلق وغلبة الحب. وفى بعض نسخ الحديث والنهج " ومن استشعر الشعف بها ". والاشجان: الاحزان، والرقص الغليان والاضطراب، واستعار عليه السلام لفظ الرقص لتعاقب الاحزان والهموم واضطرابهما في قلبه. والزبدة ما يستخرج من اللبن بالمخض.
(5) في بعض نسخ المصدر " هم يعمره وهم يسفره ". (6) الكظم - بالضم والتحريك -: مخرج النفس. والابهران: العرقان اللذان يخرجان من القلب. والهامة: الجثة. والمدى: الغاية والمنتهى. وفى النهج " هينا على الله فناؤه وعلى الاخوان القاؤه " أي طرحه في قبره. (7) الملقى: الموضع. (8) " يقتات " في بعض النسخ " بقبات " وهو تصحيف من النساخ. وفى النهج " ويسمع فيها باذن المقت والابغاض ". ولعله هو الصحيح.
[62]
140 - وقال عليه السلام: تعلموا الحلم فإن الحلم خليل المؤمن ووزيره، والعلم دليله، والرفق أخوه، والعقل رفيقه، والصبر أمير جنوده. 141 - وقال عليه السلام لرجل تجاوز الحد في التقشف (1): يا هذا أما سمعت قول الله: " وأما بنعمة ربك فحدث (2) " فوالله لا بتذالك نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال. 142 - وقال لابنه الحسن عليهما السلام: اوصيك بتقوى الله، وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها، واوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم والحلم عند الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الامر، والتعهد للقرآن، وحسن الجوار، والامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصى الله فيه. 143 - وقال عليه السلام: قوام الدنيا بأربعة: بعالم مستعمل لعلمه، وبغني باذل لمعروفه، وبجاهل لا يتكبر أن يتعلم، وبفقير لا يبيع آخرته بدنيا غيره، وإذا عطل العالم علمه، وأمسك الغني معروفه، وتكبر الجاهل أن يتعلم، وباع الفقير آخرته بدنيا غيره فعليهم الثبور.
144 - وقال عليه السلام: من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق بأن لا ينزل به مكروه أبدا، قيل: وماهن يا أمير المؤمنين ؟ قال: العجلة، واللجاجة والعجب، والتواني. 145 - وقال عليه السلام: اعلموا عباد الله أن التقوى حصن حصين، والفجور حصن ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا (3) وبالصبر على طاعة الله ينال ثواب الله، وباليقين تدرك الغاية القصوى، عباد الله إن الله لم يحظر على أوليائه ما فيه نجاتهم (4) إذ دلهم عليه، ولم يقنطهم من رحمته
(1) تقشف الرجل في لباسه إذا لم يتعاهد النظافة. (2) سورة الضحى: 11. (3) الحمة: السم. وحمة البرد: شدته. (4) لم يحظر أي لم يمنع. وفى بعض نسخ المصدر " ما فيه تجارتهم ".
[63]
لعصيانهم إياه إن تابوا إليه. 146 - وقال: الصمت حكم، والسكوت سلامة، والكتمان طرف من السعادة. 147 - وقال عليه السلام: تذل الامور للمقدور حتى تصير الافة في التدبير (1). 148 - وقال عليه السلام: لا يتم مروة الرجل حتى يتفقه [في دينه] ويقتصد في معيشته، ويصبر على النائبة إذا نزلت به، ويستعذب مرارة إخوانه. 149 - وسئل عليه السلام ما المروة ؟ فقال: لا تفعل شيئا في السر تستحيي منه في العلانية. 150 - وقال عليه السلام: الاستغفار مع الاصرار ذنوب مجددة. 151 - وقال عليه السلام: سكنوا في أنفسكم معرفة ما تعبدون حتى ينفعكم ما
تحركون من الجوارج بعبادة من تعرفون. 152 - وقال عليه السلام: المستأكل بدينه حظه من دينه ما يأكله. 153 - وقال عليه السلام: الايمان قول مقبول (2) وعمل معمول وعرفان بالعقول. 154 - وقال عليه السلام: الايمان على أربعة أركان التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لامر الله، والرضى بقضاء الله، وأركان الكفر أربعة: الرغبة والرهبة والغضب والشهوة (3). 155 - وقال عليه السلام: من زهد في الدنيا، ولم يجزع من ذلها، ولم ينافس في عزها (4) هداه الله بغير هداية من مخلوق، وعلمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في
(1) وفى النهج " تذل الامور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير ". وأيضا في موضع آخر منه " يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الافة في التدبير ". والتقدير: القياس. (2) وفى بعض النسخ " مقول ". (3) وفى الكافي ج 2 ص 47، 289 بتقديم وتأخير. (4) نافس فلانا في الامر: فاخره وباراه فيه.
[64]
صدره، وأجراها على لسانه. 156 - وقال عليه السلام: إن لله عبادا عاملوه بخالص من سره، فشكر لهم بخالص من شكره، فأولئك تمر صحفهم يوم القيامة فرغا (1) فإذا وقفوا بين يديه ملا هالهم من سر ما أسروا إليه. 157 - وقال عليه السلام: ذللوا أخلاقكم بالمحاسن وقودوها إلى المكارم، وعودوا أنفسكم الحلم، واصبروا على الايثار على أنفسكم فيما تحمدون عنه، ولا تداقوا الناس وزنا بوزن (2) وعظموا أقداركم بالتغافل عن الدني من الامور، وأمسكوا
رمق الضعيف (3) بجاهكم وبالمعونة له إن عجزتم عما رجاه عندكم، ولا تكونوا بحاثين عما غاب عنكم (4) فيكثر عائبكم (5)، وتحفظوا من الكذب، فإنه من أدنى الاخلاق قدرا وهو نوع من الفحش، وضرب من الدناءة، وتكرموا بالتعامي عن الاستقصاء - وروي بالتعامس من الاستقصاء - (6). 158 - وقال عليه السلام: كفى بالاجل حرزا إنه ليس أحد من الناس إلا ومعه حفظة من الله يحفظونه أن لا يتردى في بئر، ولا يقع عليه حائط، ولا يصيبه سبع، فإذا جاء أجله خلوا بينه وبين أجله. أقول: وجدت في مناقب ابن الجوزي (7) فصلا في كلام أمير المؤمنين عليه السلام فأحببت إيراده قال: قال أبو نعيم في الحلية: 1 - حدثنا عمربن محمد، حدثنا الحسين بن محمد بن عفير، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا خلف بن تميم حدثنا عمر بن الرحال، عن العلاء بن المسيب، عن
(1) فرغا أي خاليا فارغا. (2) أي لا تحاسبهم بالدقة في الامور ولا تستقصهم فيها. (3) في بعض نسخ المصدر " من الضعيف ". والجاه: القدر والشرف. (4) في بعض نسخ المصدر " بحانين ". (5) في بعض النسخ " فيكبر غائبكم ". (6) تعامى فلان: اظهر من نفسه العمى والمراد التغافل عنه. والتعامس: التغافل. (7) المصدر ص 77 مع اختلاف كثير.
[65]
عبد خير قال: قال لي أمير المؤمنين عليه السلام: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك [وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله]. ولا خير في الدنيا إلا لاحد رجلين: رجل
أذنب ذنبا فهو يتدارك ذلك بتوبة، أو رجل يسارع في الخيرات. ولا يقل عمل في تقوى، وكيف يقل ما يتقبل. 2 - وقال أبو نعيم: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: كتب إلي أحمد بن إبراهيم بن هشام الدمشقي حدثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد بن عوانة، عن ابن حرث، عن ابن عجلان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: شيع أمير المؤمنين عليه السلام جنازة فلما وضعت في لحدها عج أهلها (1) وبكوا فقال: ما تبكون ؟ أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لاذهلهم ذلك عن البكاء عليه أما والله إن له إليهم لعودة، ثم عودة، حتى لا يبقي منهم أحدا، ثم قام فيهم فقال: اوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الامثال، ووقت لكم الاجال، وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها [وأبصارا لتجلوا عن غشاها] وأفئدة تفهم ما دهاها [في تركيب صورها وما أعمرها] فإن الله لم يخلقكم عبثا، ولم يضرب عنكم الذكر صفحا، بل أكرمكم بالنعم السوابغ [وأرفدكم بأوفر الروافغ، وأحاط بكم الاحصاء، وأرصد لكم الجزاء في السراء والضراء]. فاتقوا الله عباد الله، وجدوا في الطلب، وبادروا بالعمل قبل [مقطع النهمات (2) و] هاذم اللذات (3) ومفرق الجماعات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجائعها، غرور حائل [وشبح فائل (4)]، وسناد مائل، ونعيم زائل.
(1) عج يعج عجا: صاح ورفع صوته. (2) النهمة: بلوغ الهمة والشهوة في الشئ، يقال " له في هذا الامر نهمة " أي شهوة و " قضى منه نهمته " أي شهوته. (3) الهاذم بالذال المعجمة بمعنى الهادى ويستعمل مع الموت. (4) الشبح: الشخص. وما ينظر بالعين من ابل وغنم وبناء. والفائل - فاعل عن فال يفيل رأيه: أخطأ وضعف. (*)
[66]
وجيد عاطل. فاتعظوا عباد الله بالعبر [واعتبروا بالايات والاثر] وازدجروا بالنذر [وانتفعوا بالمواعظ] فكأن قد علقتكم مخالب المنية [وأحاطت بكم البلية وضمكم بيت التراب] ودهمتكم مفظعات الامور بنفخة الصور، وبعثرة القبور وسياقة المحشر، وموقف الحساب في المنشر، وبرز الخلائق حفاة عراة، وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد، ونوقش الناس على القليل والكثير، والفتيل والنقير (1) وأشرقت الارض بنور ربها، ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون " فارتجت (2) لذلك اليوم البلاد، وخشع العباد وناد المناد من مكان قريب، وحشرت الوحوش، وزوجت النفوس [مكان مواطن الحشر، وبدت الاسرار، وهلكت الاشرار، وارتجت الافئدة، فنزلت بأهل النار من الله سطوة مجيحة، وعقوبة منيحة (3)] وبرزت الجحيم، لها كلب ولجب، وقصيف رعد (4) وتغيظ ووعيد، قد تأجج جحيمها (5) وغلا حميمها. فاتقوا الله عباد الله تقية [من كنع فخنع] (6) وجل و [رحل] وحذر فأبصر وازدجر، فاحتث طلبا (7) ونجا هربا، وقدم للمعاد، واستظهر من الزاد وكفى بالله منتقما، وبالكتاب خصيما [وحجيجا]، وبالجنة ثوابا [ونعيما] وبالنار وبالا وعقابا، وأستغفر الله لي ولكم.
(1) النقير. النكتة في ظهر النواة. وهو كناية عن القليل. (2) ارتج البحر: اضطراب. (3) المجيحة: المهلكة والمستأصلة - والمنيحة أي الشديدة المحرقة. (4) الكلب: الشدة، واللجب: صوت الهياج واضطراب الامواج. وقصيف الرعد: شدة صوته. (5) التأجج: التلهب والاضطرام.
(6) كنع أي جبن وهرب. وخنع أي خضع وذل. وجل أي خرج من بلده. (7) احتث على الامر واحتثه: حضه ونشطه على فعله.
[67]
قلت (1): قد رفعت إلينا ألفاظا من هذا الكتاب يشتمل على فصل الخطاب حذفنا إسنادها طلبا للاختصار وخوفا للاكثار. 3 - قوله عليه السلام: الدنيا دار ممر، والاخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم، ولغيرها خلقتم، إن الجنازة إذا حملت قال الناس: ماذا ترك ؟ وقالت الملائكة ماذا قدم ؟ فقدموا بعضا يكن لكم ولا تؤخروا كلا يكن عليكم. 4 - وقال عليه السلام: إذا رأيتم الله تتابع نعمه عليكم وأنتم تعصونه فاحذروه. 5 - وقال عليه السلام: من كفارة الذنوب العظام إغاثة الملهوف، والتنفس عن المكروب. 6 - وقال عليه السلام: إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى. 7 - وقال عليه السلام: من أطال الامل أساء العمل، وسيئة تسوؤك خير من حسنة تسرك. 8 - وقال عليه السلام: الدهر يخلق الابدان (2) ويجدد الامال، ويقرب المنية ويباعد الامنية، من ظفر به تعب، ومن فاته نصب. 9 - وقال عليه السلام: عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. 10 - وقال عليه السلام: لكان في الارض أمانان فرفع أحدهما وهو رسول الله صلى الله عليه وآله فتمسكوا بالاخر وهو الاستغفار قال تعالى " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم - الاية ". 11 - وقال عليه السلام: من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس،
ومن عمل لاخرته كفاه الله أمر دنياه، ومن كان له في نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ. 12 - وقال عليه السلام: كم من مستدرج بالاحسان إليه، ومغرور بالستر عليه ومفتون بحسن القول فيه، وشتان بين عملين عمل تذهب لذته ويبقى تبعته، وعمل
(1) القائل هو سبط ابن الجوزى قاله في المناقب ص 78. (2) خلق الثوب - بكسر اللام -: بلى.
[68]
تذهب مؤونته وتبقى أجره. 13 - وقال عليه السلام: استنزلوا الرزق بالصدقة، فمن أيقن بالخلف جاد بالعطاء. 14 - وقال عليه السلام: من اعطى أربعا لم يحرم أربعا: من اعطى الدعاء لم يحرم الاجابة، ومن اعطى التوبة لم يحرم القبول، ومن اعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومن اعطى الشكر لم يحرم الزيادة، وقال: مصداق ذلك في كتاب الله قال الله تعالى في الدعاء " ادعوني أستجب لكم " وقال في التوبة " إنما التوبة على الله للذين يعلمون السوء بجهالة - الاية " وقال في الاستغفار " ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله - الاية " وقال في الشكر " لئن شكرتم لازيدنكم ". 15 - وقال عليه السلام: الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على الفعل، والثاني العزم على الترك وأن لا يعود، والثالث تأدية الحقوق ليلقى الله تعالى وليس عليه تبعة، والرابع أن يعمد إلى كل فريضة فيؤدي حقها والخامس أن يذيب اللحم الذي نبت منه السحت بالهموم والاحزان حتى يكتسي لحما آخر من الحلال، والسادس أن يذيق جسمه ألم الطاعة كما أذاقه لذة المعصية. 16 - وقال صلوات الله عليه: لا تكن ممن يريد الاخرة بعمل الدنيا أو بغير
عمل، ويؤخر التوبة بطول الامل، يقول في الدنيا قول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين، إن اعطى منها لم يشبع، وإن ملك الكثير لم يقنع، يأمر بالمعروف ولا يأتمر، وينهى ولا ينتهي، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم، ويبغض العاصين وهو أحدهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الله منه، تعجبه نفسه إذا عوفي ويقنط إذا ابتلي، إن أصابه بلاء دعا مضطرا، وإن ناله رخاء أعرض مغترا، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط، يقدم المعصية ويسوف التوبة، يصف العبر ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو من القول مكثر، ومن العمل مقل، يناقش فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى
[69]
المغنم مغرما، والمغرم مغنما، يخشى الموت ولا يبادر الفوت، يستعظم من معاصي غيره ما يستقله من معاصي نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحتقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللغو مع الاغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء يرشد غيره ويغوي نفسه " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ". 17 - وقال عليه السلام: من أصبح على الدنيا حزينا أصبح لقضاء الله ساخطا ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به إلى مخلوق مثله فإنما يشكو ربه، ومن أتى غنيا يتواضع له لاجل دنياه ذهب ثلثا دينه. قالوا: ومعنى هذا أن المرء إنسان بجسده وقلبه ولسانه والتواضع يحتاج فيه إلى استعمال الجسد واللسان فإن أضاف إلى ذلك القلب ذهب جميع دينه. 18 - وقال عليه السلام: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة الاحرار. 19 - وقال عليه السلام: احذروا نفار النعم فماكل شارد بمردود (1).
20 - وقال عليه السلام: أفضل الاعمال ما اكرهت عليه نفسك. 21 - وقال عليه السلام: لو لم يتواعد الله عباده على معصيته لكان الواجب ألا يعصى شكرا لنعمه، ومن ههنا أخذ القائل - وقيل إنها لامير المؤمنين عليه السلام: هب البعث لم تأتنا رسله * وجاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق * حياء العباد من المنعم (2) 22 - وقال عليه السلام: ما أكثر العبر: وما أقل المعتبرين. 23 - وقال عليه السلام: أقل ما يلزمك لله تعالى ألا تستعينوا بنعمه على معاصيه. 24 - وقال عليه السلام: المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة، وليس الامس عودة، ولا أنت من غد على ثقة، وكل لكل مفارق
(1) نفار النعم: النعم الزائلة. ونفورها بعدم أداء الحق منها. والشارد: النافر. (2) جحم النار: أوقدها، وجحمة النار توقدها، وضرمت النار: اشتعلت.
[70]
وبه لا حق، فاستعدوا ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. واصبروا على عمل لا غنى لكم عن ثوابه، وارجعوا عن عمل لا صبر لكم على عقابه فإن الصبر على الطاعة أهون من الصبر على العذاب، وإنما أنتم نفس معدود، وأمل ممدود، وأجل محدود، ولابد للاجل أن يتناهى، وللنفس أن يحصى، وللعمل أن يطوى " وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ". 25 - وقال عليه السلام: اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم. 26 - وقال عليه السلام: كم من مؤمل مالا يبلغه، وبان مالا يسكنه مما سوف يتركه ولعله من باطل جمعة، أصابه حراما، واحتمل منه آثاما، وربما استقبل الانسان يوما ولم يستدبره، ورب مغبوط في أول يومه قامت بواكيه في آخره، ومن ههنا أخذ القائل: يا راقد الليل مسرورا بأوله * إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
أفنى القرون التي كانت مسلطة * من الحوادث إقبالا وإدبارا يا من يكابد دنيا لا بقاء لها * يمسي ويصبح تحت الارض سيارا كم قد أبادت صروف الدهر من ملك * قد كان في الارض نفاعا وضرارا 27 - وقال عليه السلام: الزهد كله في كلمتين من القرآن قال الله تعالى: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم " فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالاتي فهو الزاهد. 28 - وقال عليه السلام: أفضل الزهد إخفاؤه. 29 - وقال عليه السلام: أخذوا من الله ما حذركم من نفسه، واخشوه خشية يظهر أثرها عليكم، واعملوا بغير رياء ولا سمعة فان من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له. 30 - وقال عليه السلام: يوشك أن يفقد الناس ثلاثا: درهما حلالا، ولسانا صادقا، وأخا يستراح إليه. 31 - وقال عليه السلام: استعدوا للموت فقد أظلكم غمامه، وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا وانتهوا فما بينكم وبين الجنة والنار سوى الموت، وإن غاية تنقصها اللحظة
[71]
وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، وإن غائبا يحدوه الجديدان لحري بسرعة الاوبة (1). فرحم الله عبدا سمع حكمة فوعى، ودعي إلى خلاص نفسه فدنا، واستقام على الطريقة فنجا، وأحب ربه، وخاف ذنبه، وقدم صالحا، وعمل خالصا، واكتسب مذخورا، واجتنب محذورا، ورمى غرضا، وأحرز عوضا، وكابد هواه، وكذب مناه، وجعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة عند وفاته، ركب الطريق الغراء، ولزم المحجة البيضاء واغتنم المهل، وبادر الاجل، وتزود من العمل.
32 - وقال عليه السلام في صفة الدنيا: دار أولها عناء، وآخرها فناء، وحلالها فيه حساب، وحرامها فيه عقاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن سعى إليها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته. 33 - وقال عليه السلام: من لم يقنعه اليسير (2) لم ينفعه الكثير. 34 - وقال عليه السلام: عليك بمداراة الناس، وإكرام العلماء، والصفح عن زلات الاخوان فقد أدبك سيد الاولين والاخرين بقوله صلى الله عليه وآله " اعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأعط من حرمك ". 35 - وقال عليه السلام: وقد مر على المقابر قال: السلام عليكم يا أهل القبور أنتم لنا سلف، ونحن لكم خلف، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أما المساكن فسكنت وأما الازواج فنكحت، وأما الاموال فقسمت، هذا خبر ما عندنا، فليت شعري ما خبر ما عندكم، ثم قال: أما إنهم إن نطقوا لقالوا: وجدنا التقوى خير زاد.
(1) " غاية تنقصها اللحظة " الغاية هي الاجل و " تنقصها " أي نتقص أمد الانتهاء إليها وكل لحظة تمر فهى تنقص في الامد بيننا وبين الاجل. والساعة تهدم ركنا من ذلك الامد وما كان كذلك فهو جدير بقصر المدة. والمراد بالغائب: الموت. ويحدوه أي يسوقه. والمراد بالجديدان: الليل والنهار. والاوبة: الرجوع. (2) في المصدر " من لم ينفعه اليسير ".
[72]
36 - وقال كميل بن زياد: سمع أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - قائلا ينشد أبيات الاسود بن يعفر: ماذا اؤمل بعد آل محرق * تركوا منازلهم وبعد إباد فقال: هلا قرأتم " كم تركوا من جنات وعيون - الاية " (1).
[37 - وقال عليه السلام: العجب ممن يدعو ويستبطئ الاجابة وقد سد طريقها بالمعاصي]. 38 - وقال عليه السلام في وصف التائبين: غرسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم وقلوبهم وسقوها بمياه الندم، فأثمرت لهم السلامة، وأعقبتهم الرضا والكرامة. 39 - وقال عليه السلام في صفة الاولياء: قال أبو نعيم: حدثنا عبد الله محمد، حدثنا أبويحيى الرازي، حدثنا هناد، عن ابن الفضيل، عن الحسن البصري قال: قال أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - طوبى لمن عرف الناس ولم يعرفه الناس اولئك مصابيح الهدى، بهم يكشف الله عن هذه الامة كل فتنة مظلمة، اولئك سيدخلهم الله في رحمة منه وفضل. ليسوا بالمذاييع البذر (2) ولا الجفاة المرائين. المذياع الذي لا يكتم السر. 40 - وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا علي بن الجعدي، أخبرنا عمرو بن شمر عن السدي، عن أبي أراكة قال: صليت مع أمير المؤمنين عليه السلام صلاة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه، ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح أو رمحين (3) قلب يده وقال لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى اليوم شيئا يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا، بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتو الله سجدا وقياما، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم
وأقدامهم (1) فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجر في يوم ريح عاصف وهملت عيونهم (2) حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين، ثم نهض فما
رئي مفترا حتى (3) ضربه اللعين ابن ملجم. 41 - وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام يومأ قد وصف المؤمن فقال: حزنة في قلبه وبشره في وجهه، وأوسع الناس صدرا، وأرفعهم قدرا، يكره الرفعة، ولا يحب السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته مشغول بما ينفعه، صبور شكور، قلبه بذكر الله معمور، سهل الخليقة لين العريكة. 42 - وفي رواية، عن أبي أراكة، وعن ابن عباس أيضا قالا: سمعنا أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - يقول: أما بعد فإن الله سبحانه خلق الخلائق حين خلقهم وهو غني عن طاعتهم، ولا يتضرر بمعصيتهم لانه سبحانه لا تضره معصية من عصاه، ولا ينفعه طاعة من أطاعه واتقاه، فالمتقون في هذه الدار هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، وعيشهم التواضع، غضوا أبصارهم عن المحارم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع، ولولا الرجاء لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى جزيل الثواب، وخوفا من وبيل العقاب (4) عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم في الجنة كمن قد رآها منعمون وفي النار كمن قد رآها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، أجسادهم نحيفة وحاجاتهم خفيفة صبروا اياما يسيرة فأعقبهم راحة طويلة. أما الليل فصافون أقدامهم تالين كلام ربهم يحبرونه تحبيرا (5) ويرتلونه
(1) المراوحة بين العملين أن يعمل هذا مرة، وهذا مرة، والمراوحة بين الرجلين أن يقوم على كل مرة. (2) ماديميد: - تحرك. والريح العاصف: الشديدة. وهملت عينه: فاضت دموعا. (3) فتر يفتر تفتيرا - سكن بعد حدة ولان بعد شدة. (4) الوبيل: الشديد.
(5) حبر الكلام أو الخط أو الشعر: حسنه وزينه.
[74]
ترتيلا، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا، وتطلعت نفوسهم إليها شوقا وهلعا (1) وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم، ومثلوا زفير جهنم في آذانهم، فهم مفترشون جباههم وركبهم وأطراف أقدامهم يجأرون إلى الله في فك رقابهم. وأما النهار فعلماء حلماء بررة أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فحسبهم مرضى وما بالقوم مرض، ويقول: قد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون في أعمالهم بالقليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لانفسهم متهون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكى أحدهم خاف أشد الخوف يقول: أنا أعلم بنفسي من غيري اللهم فلا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي مالا يعلمون، ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وورعا في يقين، وحزما في علم، وعزما في حلم، وقصدا في غنا، وخشوعا في عبادة، وتجملا في فاقة، وصبرا في شدة، وطلبا للحلال، وتحرجا عن الطمع. يعمل الاعمال الصالحة على وجل ويجتهد في إصلاح ذات البين، يمسي وهمه الشكر، ويصبح وشغله الفكر، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه وفي الزلازل صبور، وفي المكاره وقور، وفي الرضا شكور، لا ينابز بالالقاب [ولا يعرف العاب] ولا يؤذي الجار، ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق إن بغي عليه صبر ليكون الله تعالى هو المنتقم له، نفسه منه في عناء والناس منه في راحة، أتعب نفسه لاخراه وزهد في الفاني شوقا إلى مولاه. 43 - قال عليه السلام في صفة الفقيه قال أبو نعيم: حدثنا أبي، حدثنا أبو جعفر محمد ابن إبراهيم بن الحكم، عن يعقوب، عن إبراهيم الدورقي، عن شجاع بن الوليد
عن زياد بن خيثمة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - قال: ألا إن الفقيه كل الفقيه هو الذي لم يقنط الناس من رحمة الله تعالى ولا يؤمنهم من عذابه. ولا يرخص لهم في معصيته، ولا يدع القرآن رغبة في غيره
(1) الهلع - بكسر اللام -: الحزين.
[75]
ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. 44 - وسأله رجل عن المروة فقال عليه السلام: إطعام الطعام، وتعاهد الاخوان وكف الاذى عن الجيران، ثم قرأ " إن الله يأمر بالعدل والاحسان - الاية " (1). 45 - ومن وصاياه عليه السلام أخبرنا عبد الوهاب بن عبد الله المقري، أخبرنا محمد ابن ناصر، أخبرنا عبد القادر بن يوسف، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حدثنا إسحاق بن سعد بن الحسن بن سفيان النسوي، حدثنا جدي الحسن بن سفيان، حدثنا حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن سفيان، عن السري بن إسماعيل، عن عامر الشعبي قال: قال أمير المؤمنين - كرم الله وجهه: يا أيها الناس خذوا عني هذه الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد الا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحي إذا لم يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، واعلم أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس له. وقد بلغني أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبيائه أنه ليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما احب فيتحولون إلى ما أكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون، ليس من أهل دار ولا قرية يكونون لي على ما أكره فيتحولون إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما يكرهون إلى ما يحبون. 46 - ذكر وصيته عليه السلام لكميل بن زياد: أخبرنا عبد الوهاب بن علي الصوفي
أخبرنا علي بن محمد بن عمر، أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب التميمي، أخبرنا أحمد بن علي بن الباد، أخبرنا حبيب بن الحسن القزاز، حدثنا موسى بن إسحاق الانصاري، حدثنا ضرار بن ضمرة (2) حدثنا عاصم بن حميد، حدثنا أبو حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد قال: أخذ بيدي أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس فتنفس الصعداء.
(1) النحل: 9. (2) في المصدر " ضرار بن صرد " وكذا في الحلية.
[76]
ثم قال: يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. يا كميل: العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على الانفاق، والمال يزول، ومحبة العالم دين يدان به، وبه يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد مماته، المال تنقصه النفقة، العلم حاكم، والمال محكوم عليه. يا كميل مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ثم قال: آه آه إن ههنا علما جما لو أصبت له حملة وأشار بيده إلى صدره ثم قال: أللهم بلى قد أصبت لقنا غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده، وبحججه على كتابه، أو معاند لاهل الحق ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لاذا ولا ذاك، بل منهوما باللذات، سلس القياد للشهوات، مغري بجمع الاموال والادخار، ليس من الدين في شئ، أقرب
شبها بالبهائم السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، أللهم بلى لن تخلو الارض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله على عباده اولئك هم الاقلون عددا الاعظمون عند الله قدرا، بهم يحفظ الله دينه حتى يؤدونه إلى نظرائهم، ويزرعونه في قلوب أشباههم (وفي رواية بهم يحفظ الله حججه) هجم بهم العلم على حقيقة الامر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى، اولئك خلفاء الله في أرضه، ودعاته إلى دينه آه ثم آه واشوقاه إلى رؤيتهم، واستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم. 47 - وصيته لبنيه عليه وعليهم السلام، وبه قال أبو حمزة الثمالي حدثنا إبراهيم بن سعيد، عن الشعبي، عن ضرار بن ضمرة قال: أوصى أمير المؤمنين عليه السلام
[77]
بنيه فقال: يا بني عاشروا الناس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم، ثم قال: اريد بذاكم أن تهشوا لطلقتي * وأن تكثروا بعدي الدعاء على قبري وأن يمنحوني في المجالس ودهم * وإن كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري 48 - وقال ابن عباس: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أوصني فقال: لا تحدث نفسك بفقر، ولا بطول عمر. 49 - وقال عليه السلام وقد سئل عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله من رواية الشعبي عن ضرار بن ضمرة وعبد خير قالا: قيل له: ما سبب اختلاف الناس في الحديث فقال الناس أربعة: منافق مظهر للاسلام، وقلبه يأبى الايمان، لا يتحرج عن الكذب كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا، فلو علم الناس حاله ما أخذوا عنه، ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذوا بقوله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصف ثم إنهم عاشوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار
بالزور والبهتان، فولوهم الاعمال وجعلوهم على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا وإنما هم تبع للملوك إلا من عصمه الله تعالى ورجل سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قولا أو رآه يعمل عملا، ثم غاب عنه ونسخ ذلك القول والفعل، ولم يعلم، فلو علم أنه نسخ ما حدث به، ولو علم الناس أيضا أنه نسخ لما نقلوه عنه. ورجل سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول قولا فوهم فيه، ولو علم أنه وهم فيه لما حدث عنه ولا عمل به، ورجل لم يكذب ولم يغب حدث بما سمع وعمل به. فأما الاول فلا اعتبار بروايته، ولا يحل الاخذ عنه، وأما الباقون فينزعون إلى غاية ويرجعون إلى نهاية، ويسقون من قليب واحد وكلامهم أشرق بنور النبوة ضياؤه ومن الشجرة المباركة اقتبست ناره. وفي رواية إنه قال: في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله في عهده حتى قام خطيبا فقال: من كذب علي [متعمدا] فليتبوء مقعده
[78]
من النار، وإنما يأتيك الحديث أربعة رجال ليس لهم خامس. وذكرهم، قلت وقد روي عن رسول الله صلى الله وعليه وآله هذا الحديث وهو قوله " من كذب علي عامدا فليتبوء مقعده من النار " عدة من الصحابة منهم العشرة (1) فأما الطريق إلى أمير المؤمنين فأنبأ غير واحد عن عبد الاول الصوفي أنبأ ابن المظفر الداودي، أنبأ ابن أعين أنبأ السرخسي، أنبأ الفربري، أنبأ البخاري، أنبأ علي بن الجعد، أنبأ شعبة عن منصور، عن ربعي بن خراش قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: " من كذب علي " وذكر متفق عليه وقد أخرجه أحمد في المسند والجماعة. 50 - كشف (2): ذكر محمد بن طلحة أخبارا رواها الجواد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: بعثني النبي صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقال لي وهو يوصيني: يا علي
ما حار من استخار، ولا ندم من استشار، يا علي عليك بالدلجة (3) فإن الارض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار، يا على اغد باسم الله فإن الله عزوجل بارك لامتي في بكورها. 51 - وقال عليه السلام: من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة. 52 - وعنه عليه السلام: وقد سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وآله " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار " فقال خاص للحسن والحسين. 53 - وعنه، عن علي عليه السلام قال في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام: ابن آدم أشبه شئ بالمعيار، إما راجح بعلم - وقال مرة بعقل - أو ناقص بجهل. 54 - وعنه عن علي عليه السلام: قال لابي ذر - رضي الله عنه - إنما غضبت لله عزوجل فارج من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، والله لو كانت السماوات والارضون رتقا على عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا، لا يؤنسنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل.
(1) في المصدر " مائة وعشرون من الصحابة ذكرتهم في كتابي المترجم بحق اليقين ". (2) كشف الغمة ج 3 ص 135 في احوال الامام التاسع أبى جعفر الجواد عليه السلام. (3) الدلجة: السير في الليل.
[79]
55 - وعنه عن علي عليه السلام إنه قال لقيس بن سعد وقد قدم عليه من مصر: يا قيس إن للمحن غايات لابد أن تنتهي إليها فيجب على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها، فإن مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها. 56 - وعنه عليه السلام قال: من وثق بالله أراه السرور، ومن توكل عليه كفاه الامور، والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا مؤمن أمين، والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو. والدين عز، والعلم كنز، والصمت نور، وغاية الزهد
الورع، ولا هدم للدين مثل البدع، ولا أفسد للرجال من الطمع، وبالراعي تصلح الرعية، وبالدعاء تصرف البلية، ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر، ومن عاب عيب، ومن شتم اجيب، ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى. 57 - وقال عليه السلام: أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحة والغنى والعلم والتوفيق. 58 - وقال: إن لله عبادا يخصهم بالنعم ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها عنهم وحو لها إلى غيرهم. 59 - وقال: ما عظمت نعمة الله على أحد إلا عظمت عليه مؤونة الناس، فمن لم يحتمل تلك المؤونة عرض النعمة للزوال. 60 - وقال عليه السلام: أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجه إليه لان لهم أجره وفخره، وذكره، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدء فيه بنفسه فلا يطلبن شكر ما صنع إلى نفسه من غيره. 61 - وقال عليه السلام: من أمل إنسانا فقد هابه، ومن جهل شيئا عابه، والفرصة خلسة، ومن كثر همه سقم جسده، والمؤمن لا يشتفي غيظه، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه. وقال في موضع آخر: عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه. 62 - وقال عليه السلام: من استغنى بالله افتقر الناس إليه، ومن اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا.
[80]
63 - وقال عليه السلام: عليكم بطلب العلم فإن طلبه فريضة، والبحث عنه نافلة وهو صلة بين الاخوان، ودليل على المروة، وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر وانس في الغربة.
64 - وقال عليه السلام: العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع، ومن عرف الحكمة لم يصبر عن الازدياد منها، الجمال في اللسان والكمال في العقل. 65 - وقال عليه السلام: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الايمان والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الادب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والايثار زينة الزهد، وبذل المجهود زينة النفس، وكثرة البكاء زينة الخوف، والتقلل زينة القناعة، وترك المن زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة. وترك ما لا يعني زينة الورع. 66 - وقال عليه السلام: حسب المرء من كمال المروة تركه مالا يجمل به. ومن حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره. ومن عقله حسن رفقه، ومن أدبه أن لا يترك مالا بد له منه. ومن عرفانه علمه بزمانه، ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه، ومن حسن خلقه كفه أذاه، ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه، وإخراجه حق الله من ماله، ومن إسلامه تركه مالا يعنيه وتجنبه الجدال والمراء في دينه، ومن كرمه ايثاره على نفسه، ومن صبره قلة شكواه، ومن عقله إنصافه من نفسه، ومن حلمه تركه الغضب عند مخالفته، ومن إنصافه قبوله الحق إذا بان له، ومن نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه، ومن حفظه جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيونك ومن رفقه تركه عذلك عند غضبك بحضرة من تكره (1) ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤونة أذاك، ومن صداقته كثرة موافقته وقلة مخالفته، ومن صلاحه شدة خوفه من ذنوبه، ومن شكره معرفة إحسان من أحسن إليه، ومن تواضعه
(1) العذل - محركة -: الملامة.
[81]
معرفته بقدره، ومن حكمته علمه بنفسه، ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره، وعنايته بإصلاح عيوبه. 67 - وقال عليه السلام: لن يستكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه. 68 - وقال عليه السلام: الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة والثاني العفة وقوامها في الشهوة، والثالث القوة وقوامها في الغضب. والرابع العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس. 69 - وقال عليه السلام: العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء. 70 - وقال عليه السلام: يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم. 71 - وقال عليه السلام: أقصد العلماء للمحجة الممسك عند الشبهة، والجدل يورث الرياء (1) ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الحيل، والطامع في وثاق الذل، ومن أحب البقاء فليعد للمصائب قلبا صبورا. 72 - وقال عليه السلام: العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم. 73 - وقال عليه السلام: الصبر على المصيبة مصيبة على الشامت بها. 74 - وقال عليه السلام: التوبة على أربعة دعائم: ندم بالقلب، واستغفار باللسان وعمل بالجوارح، وعزم أن لا يعود، وثلاث من عمل الابرار إقامة الفرائض واجتناب المحارم واحتراس من الغفلة في الدين، وثلاث يبلغن بالعبد رضوان الله: كثرة الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة، وأربع من كن فيه استكمل الايمان: من أعطى لله ومنع في الله وأحب لله وأبغض فيه، وثلاث من كن فيه لم يندم: ترك العجلة والمشورة والتوكل عند العزم على الله عزوجل. 75 - وقال عليه السلام: لو سكت الجاهل ما اختلف الناس. 76 - وقال عليه السلام: مقتل الرجل بين لحييه، والرأي مع الاناة، وبئس
الظهير الرأي الفطير (2).
(1) في بعض نسخ المصدر " يورث الشك ". (2) الفطير: كل ما أعجل عن ادراكه يقال: " اياك والرأى الفطير " أي بديهى - - - -
[82]
77 - وقال عليه السلام: ثلاث خصال تجتلب بهن المحبة: الانصاف في المعاشرة والمواساة في الشدة والانطواع، والرجوع على قلب سليم (1). 78 - وقال عليه السلام: فساد الاخلاق بمعاشرة السفهاء وصلاح الاخلاق بمنافسة العقلاء، والخلق أشكال فكل يعمل على شاكلته، والناس إخوان، فمن كانت إخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة، وذلك قوله تعالى " الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " (2). 79 - وقال عليه السلام: من استحسن قبيحا كان شريكا فيه. 80 - وقال عليه السلام: كفر النعمة داعية المقت، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك. 81 - وقال عليه السلام: لا يفسدك الظن على صديق وقد أصلحك اليقين له. ومن وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه، استصلاح الاخيار بإكرامهم والاشرار بتأديبهم، والمودة قرابة مستفادة، وكفى بالاجل حرزا، ولا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثمانية عشر سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه وما أنعم الله عزوجل على عبد نعمة فعلم أنها من الله إلا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إلا غفر الله له قبل أن يستغفره. 82 - وقال عليه السلام: الشريف كل الشريف من شرفه علمه، والسؤدد حق السؤدد (3) لمن اتقى الله ربه، والكريم (4) من أكرم عن ذل النار وجهه.
- - - - من غير روية. (1) الانطواع: الانقياد. والقياس الانطياع بالياء. (2) الزخرف: 67. (3) السؤدد: القدر الرفيع، كرم المنصب، السيادة. (4) كذا والظاهر سقط " كل الكريم " من قلم الناسخ.
[83]
83 - وقال عليه السلام: من أمل فاجرا كان أدنى عقوبته الحرمان. 84 - وقال عليه السلام: اثنان عليلان أبدا: صحيح محتم، وعليل مخلط (1). موت الانسان بالذنوب أكثر من موته بالاجل، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر. 85 - وقال عليه السلام: لا تعاجلوا الامر قبل بلوغة فتندموا، ولا يطولن عليكم الامد فتقسوا قلوبكم، وارحموا ضعفاءكم، واطلبوا الرحمة من الله بالرحمة لهم. من كتاب مطالب السؤول (2). 86 - من كلامه عليه السلام غرك عزك، فصار قصار ذلك ذلك، فاخش فاحش فعلك فعلك بهذا تهدا. 87 - ومن كلامه عليه السلام: العالم حديقة سياحها الشريعة، والشريعة سلطان تجب له الطاعة، والطاعة سياسة يقوم بها الملك، والملك راع يعضده الجيش، والجيش أعوان يكفلهم المال، والمال رزق يجمعه الرعية، والرعية سواد يستعبدهم العدل والعدل أساس به قوام العالم. 88 - نهج (3): قال عليه السلام: الاقاويل محفوظة والسرائر مبلوة (4) وكل نفس بما كسبت رهينة، والناس منقوصون مدخولون إلا من عصم الله (5) سائلهم متعنت، ومجيبهم متكلف، يكاد أفضلهم رأيا يرده عن فضل رأيه الرضا والسخط، ويكاد أصلبهم عودا تنكؤه اللحظة، وتستحيله الكلمة الواحدة (6). معاشر الناس اتقوا الله
(1) احتمى المريض: امتنع ومنه اتقاه. وخلط المريض - من باب التفعيل -: أكل ما يضره. (2) المصدر ص 61. (3) المصدر أبواب الحكم تحت رقم 343. (4) بلاها الله واختبرها وعلمها. يريد أن ظاهر الاعمال وخفيها معلوم لله. (5) منقوصون: أي مغبونون. أو مأخوذون عن رشدهم وكمالهم. ومدخولون أي مغشوشون مصابون بالدخل - محركة - وهو مرض العقل والقلب. (6) أصلبهم: أي أثبتهم قدما في دينه. وتنكؤه - كتمنعه - أي تسيل جرحه وتأخذ بقلبه. واللحظة: النظرة إلى مشتهى. وتسحيلة: تحوله عما هو عليه، أراد اللحظة والكلمة ممن تستهويه الدنيا وتسحيله لغيره.
[84]
فكم من مؤمل ما لا يبلغه، وبان ما لا يسكنه وجامع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه. أصابه حراما واحتمل به آثاما، فباء بوزره، وقدم على ربه آسفا لاهفا، قد خسر الدنيا والاخرة، ذلك هو الخسران المبين. 89 - وقال عليه السلام: (1) المنية ولا الدنية ؟ والتقلل ولا التوسل (2) ومن لم يعط قاعدا لم يعط قائما، والدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر. 90 - وقال عليه السلام: (3) مسكين ابن آدم: مكتوم الاجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنه العرقة (4). 91 - كنز الكراجكى: (5) وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام مر على المدائن فلما رأى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه: جرت الرياح على رسوم ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أفلا قلتم " كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين * فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين " (6). 92 - من كتاب مطالب السؤول (7) لكمال الدين محمد بن طلحة: من
(1) النهج أبواب الحكم تحت رقم 396. (2) المنية: الموت. والدنية: التذلل والنفاق. والتقليل: الاكتفاء بالقليل. يعنى الشريف يرضى بالقليل ولا يتوسل إلى الناس أو الدنيا. (3) النهج أبواب الحكم تحت رقم 419. (4) البقة: حيوان عدسي مفرطح، خبيث الرائحة، لذاع. وشرق بريقه غص. والعرقة واحدة العرق. (5) المصدر ص 145. (6) الدخان: 25 إلى 29. (7) المصدر ص 61.
[85]
نظمه عليه السلام: دليلك أن الفقر خير من الغنى * وأن قليل المال خير من المثري (1) لقاؤك مخلوقا عصى الله بالغنى * ولم تر مخلوقا عصى الله بالفقر وقوله: لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الوفات قليل وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل وقوله: علل النفس بالكفاف وإلا * طلبت منك فوق ما يكفيها
ما لما قد مضى ولا للذي لم * يأت من لذة لمستحليها إنما أنت طول مدة ما * عمرت كالساعة التي أنت فيها وقوله عليه السلام يرثى رسول الله صلى الله عليه وآله: أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه آسى على هالك ثوى رزينا رسول الله فينا فلن نرى * بذاك عديلا ما حيينا من الرزى وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم معقل فيها حصين من العدى وكنا بمرآه نرى النور والهدى * صباح مساء راح فينا أو اغتدى فقد غشيتنا ظلمة بعد موته * نهارا وقد زادت على ظلمة الدجى فياخير من ضم الجوانح والحشا * ويا خير ميت ضمه التراب والثرى كأن امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قدسما (2) وضاق فضاء الارض عنهم برحبه * لفقد رسول الله إذ قيل قد مضى فقد نزلت للمسلمين مصيبة * كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهى وفي كل وقت للصلاة يهيجه * بلال ويدعو باسمه كل من دعا
(1) المثرى من الثروة وهو كثير المال. (2) في المصدر " والبحر قد طمى " وراجع في شرح مشكل هذه الاشعار أواخر ج 12.
[86]
ويطلب أقوام مواريث هالك * وفينا مواريث النبوة والهدى وقد نقلت (1) هذه المرثية عنه بزيادة اخرى فما رأيت إسقاطها فأثبتها على صورتها وهي هذه: أمن بعد تكفين النبي ودفنه * بأثوابه آسى على ميت ثوى لقد غاب في وقت الظلام لدفنه * عن الناس من هو خير من وطئ الحصا
رزينا رسول الله فينا فلن نرى * لذاك عديلا ما حيينا من الرزى رزينا رسول الله فينا ووحيه * فخير خيار ما رزينا ولا سوى فمثل رسول الله إذ حان يومه * لفقدانه فليبك يا عيش من بكى وكان لنا كالحصن من دون أهله * لهم معقل منه حصين من العدى وكنا برؤياه نرى النور والهدى * صباح مساء راح فينا أو اغتدى فقد غشيتنا ظلمة بعد موته * نهارا فقد زادت على ظلمة الدجى وكنا به شم الانوف بنجوة * على موضع لا يستطاع ولا يرى فيا خير من ضم الجوانح والحشا * وياخير ميت ضمه التراب والثرى كأن امور الناس بعدك ضمنت * سفينة موج البحر والبحر قد طمى وهم كالاسارى من توقع هجمة * من الشر يرجو من رجاها على شفا وضاق فضاء الارض عنهم برحبه لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى فيالانقطاع الوحي عنا بنوره * إذا أمرنا أعشى لفقدك أو دجى لقد نزلت بالمسلمين مصيبة * كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا فيا حزننا إنا رزينا نبينا * على حين تم الدين واشتدت القوى فلن يستقل الناس تلك مصيبة * ولن يجبر العظم الذي منهم وهى كأنا لاولى شبهة سفر ليلة * أضلوا الهدى لا نجم فيها ولا ضوا فيامن لامر اعترانا بظلمة ؟ * وكنت له بالنور فينا إذا اعترى
(1) من كلام المؤلف أو أحد تلاميذه لان ما يأتي من المراثى إلى قوله " الاطرق الناعي " ليس في مطالب السؤول.
[87]
فتجلو العمى عنا فيصبح مسفرا * لنا الحق من بعد الرخا مسفر اللوا وتجلو بنور الله عنا ووحيه * عمى الشرك حتى يذهب الشك والعمى
تطاول ليلى أنني لا أرى له * شبيها ولم يدرك له الخلق منتهى وفي كل وقت للصلاة يهيجه * بلال ويدعو باسمه كل من دعا يذكرني رؤيا الرسول بدعوة * ينوه فيها باسمه كل من دعا فولى أبا بكر إمام صلاتنا * وكان الرضا منا له حين يجتبى أبى الصبر إلا أن يقوم مقامه * وخاف بأن يقلب الصبر والعنا (1) وقوله عليه السلام يرثيه صلى الله عليه وآله (2): ألا طرق الناعي بليل فراعني * وأرقني لما استهل مناديا فقلت له لما رأيت الذي أتى * أغير رسول الله إذ كنت ناعيا فحقق ما أشفقت منه ولم يبل * وكان خليلي عزنا وجماليا فوالله ما أنساك أحمد ما مشت * بى العيس في أرض تجاوزن واديا وكنت متى أهبط من الارض تلعة * أرى أثرا منه جديدا وعافيا شديد جري الصدر نهد مصدر * هو الموت معذور عليه وعاديا ومما نقل عنه عليه السلام قوله - وقيل هما لغيره -: زعم المنجم والطبيب كلاهما * أن لا معاد فقلت ذاك إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر * أو صح قولي فالوبال عليكما ومما نقل عنه عليه السلام قوله: ولي فرس للخير بالخير ملجم * ولي فرس للشر بالشر مسرج فمن رام تقويمي فإني مقوم * ومن رام تعويجي فإني معوج ومما نقل عنه عليه السلام قوله: ولو أني اطعت حملت قومي * على ركن اليمامة والشأم
(1) كذا، وما أدرى من أي كتاب نقلها هنا من نقلها مع لحن الالفاظ وتكرارها و ما دس فيها من زيادة بعض الابيات. (2) مطالب السؤول ص 62. (*)
[88]
ولكني متى أبرمت أمرا * تتازعني أقاويل الطغام وقوله يرثي عمه حمزة لما قتل باحد: أتاني أن هندا حل صخر * دعت دركا وبشرت الهنودا فإن تفخر بحمزة يوم ولى * مع الشهداء محتسبا شهيدا فإنا قد قتلنا يوم بدر * أبا جهل وعتبة والوليدا وشيبة قد قتلنا يوم احد * علي أثوابه علقا جسيدا فبوء في جهنم شر دار * عليه لم يجد عنها محيدا فما سيان من هو في حميم * يكون شرابه فيها صديدا ومن هو في الجنان يدر فيها عليه الرزق مغتبطا حميدا وقوله: ألا أيها الموت الذي ليس تاركي * أرحني فقد أفنيت كل خليل أراك بصيرا بالذين أحبهم * كانك تسعى نحوهم بدليل وقوله أيضا فيه يرثيه: رأيت المشركين بغوا علينا * ولجو في الغواية والضلال وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا * غداة الروع بالاسل النبال فان يبغوا ويفتخروا علينا * بحمزة فهو في غرف العوالي فقد أودى بعتبة يوم بدر * وقد أبلى وجاهد غير آل وقد غادرت كبشهم جهادا * بحمد الله طلحة في المجال فخر لوجهه ورفع عنه * رقيق الحد حودث بالصقال وحضر لديه إنسان فقال: يا أمير المؤمنين أسألك أن تخبرني عن واجب وأوجب وعجب وأعجب، وصعب وأصعب، وقريب وأقرب ؟ فما انبجس بيانه بكلماته ولاخنس
لسانه في لهواته حتى أجابه عليه السلام بأبياته وقال: توب رب الورى واجب عليهم * وتركهم للذنوب أوجب والدهر في صرفه عجيب * وغفلة الناس فيه أعجب
[89]
والصبر في النائبات صعب * لكن فوت الثواب أصعب وكلما يرتجى قريب * والموت من كل ذاك أقرب فياما أوضح لذوي الهداية جوابه المتين، ويا ما أفصح عند اولى الدراية نظم خطابه المستبين، فلقد عبر اسلوبا من علم البيان مستوعرا عند المتأدبين، ومهد مطلوبا من حقيقه الايمان مستعذبا عند المقربين. وقال عليه السلام: إذا أقبلت الدنيا فأنفق منها فإنها لا بقى، وإذا ما أدبرت فأنفق منها فإنها لا تفنى وأنشد: لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة * فليس ينقصها التبذير والسرف وإن تولت فأحرى أن تجود بها * فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف وقوله عليه السلام: إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * على الخلق طرا أنها تتقلب فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب وقوله عليه السلام: أصم عن الكلم المحفظات * وأحلم والحلم بي أشبه وإني لا ترك بعض الكلام * لئلا اجاب بما أكره إذا ما اجتررت سفاه السفيه * علي فإني إذن أسفه فلا تغترر برواء الرجال * وإن زخرفوا لك أو موهوا فكم من فتى تعجب الناظرين * له ألسن وله أوجه
وقوله عليه السلام: أتم الناس أعلمهم بنقصه * وأقمعهم لشهوته وحرصه فلا تستغل عافية بشئ * ولا تسترخصن داء لرخصه 93 - الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة: (1): قال أمير المؤمنين عليه السلام: العفو عن المقر لا عن المصر، وما أقبح الخشوع عند الحاجة، والجفاء عند الغناء
(1) مخطوط.
[90]
بلاء الانسان من اللسان، اللسان سبع إن خلى عنه عقر العافية، والعافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله، وواحد في ترك مجالسته السفهاء، والعاقل من رفض الباطل، عماد الدين الورع، وفساده الطمع. 94 - دعوات الراوندي (1): قال أمير المؤمنين عليه السلام: كيف يكون حال من يفنى ببقائه، ويسقم بصحته، ويؤتى ما منه يفر. وقال عليه السلام: في كل جرعة شرقة، ومع كل اكلة غصة، وقال: الناس في أجل منقصوص وعمل محفوظ. نهج (2): قال: عيبك مستور ما أسعدك جدك. 95 - كنز الكراجكى (3): قال أمير المؤمنين عليه السلام: من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق، من كسل لم يؤد حق الله، من عظم أوامر الله أجاب سؤاله، من تنزه عن حرمات الله سارع إليه عفو الله، ومن تواضع قلبه لله لم يسأم بدنه من طاعة الله، الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، ليس مع قطيعة الرحم نماء، ولا مع الفجور غنى، عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، تصفية العمل خير من العمل، عند الخوف يحسن العمل، رأس الدين صحة اليقين، أفضل ما لقيت الله به نصيحة من قلب وتوبة من ذنب، إياكم والجدال فإنه يورث الشك في دين الله، بضاعة الاخرة كاسدة
فاستكثروا منها في أوان كسادها، دخول الجنة رخيص، ودخول النار غال، التقي سابق إلى كل خير، من غرس أشجار التقى جنى ثمار الهدى، الكريم من أكرم عن ذل النار وجهه، ضاحك معترف بذنبه أفضل من باك مدل على ربه، من عرف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن نظر في عيوب الناس ورضيها لنفسه فذاك الاحمق بعينه، كفاك أدبك لنفسك ما كرهته
(1) مخطوط. (2) المصدر باب الحكم والمواعظ تحت رقم 51. والجد - بالفتح -: الحظ أي ما دامت الدنيا مقبلة عليك. (3) المصدر ص 128.
[91]
لغيرك، اتعظ بغيرك ولا تكن متعظا بك، لا خير في لذة تعقب ندامة، تمام الاخلاص تجنب المعاصي، من أحب المكارم اجتناب المحارم، جهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه، من أحبك نهاك، ومن أبغضك أغراك، من أساء استوحش، من عاب عيب ومن شتم اجيب، ادوا الامانة ولو إلى قاتل الانبياء، الرغبة مفتاح العطب، والتعب مطية النصب، والشر داع إلى التقحم في الذنوب، ومن تورط في الامور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمدرجات النوائب، من لزم الاستقامة لزمته السلامة. 96 - وقال عليه السلام: (1) العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الامارة والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الادب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والايثار زينة الزهد، وبذل المجهود زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، ترك مالا يعني زينة الورع. 97 - ومن بديع كلامه عليه السلام (2): إن رجلا قطع عليه خطبته وقال
له صف لنا الدنيا فقال: أولها عناء وآخرها بلاء، حلالها حساب، حرامها عقاب من صح فيها أمن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقره فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها ألهته، ومن تهاون بها نصرته، ثم عاود إلى مكانه من خطبته. 98 - كنز الكراجكى (3): عن أمير المؤمنين عليه السلام: الجواد من بذل ما يضن بنفسه. من كرم أصله حسن فعله. وقال عليه السلام (4): أزرى بنفسه من استشعر الطمع، من أهوى إلى متفاوت الامور خذلته الرغبة، أشرف الغنى ترك المنى، من ترك الشهوات كان حرا، الحرص مفتاح التعب وداع إلى التقحم في الذنوب، والشره جامع لمساوي العيوب الحرص علامة الفقر، من أطلق طرفه كثر أسفه، قل ما تصدقك الامنية، رب
(1) الكنز ص 138. (2) المصدر ص 160. (3) المصدر ص 163. (4) المصدر ص 163.
[92]
طمع كاذب، وأمل خائب، من لجأ إلى الرجاء سقطت كرامته، همة الزاهد مخالفة الهوى والسلو عن الشهوات، ما هدم الدين مثل البدع، ولا أفسد الرجل مثل الطمع، إياك والاماني فإنها بضائع النوكى (1) لن يكمل العبد حقيقة الايمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه، من تيقن أن الله سبحانه يراه وهو يعمل بمعاصيه فقد جعله أهون الناظرين. 99 - وقال عليه السلام: (2) إياكم وسقطات الاسترسال فإنها لا تستقال (3). 100 - وقال عليه السلام: (4) صديق كل إنسان عقله، وعدوه جهله، والعقول ذخائر، والاعمال كنوز، والنفوس أشكال فما تشاكل منها اتفق، والناس إلى أشكالهم أميل.
101 - وقال عليه السلام: (5) الفكرة مرآة صافية، والاعتبار منذر ناصح، من تفكر اعتبر، ومن اعتبر اعتزل، ومن اعتزل سلم، العجب ممن خاف العقاب فلم يكف ورجا الثواب فلم يعمل، الاعتبار يقود إلى الرشاد، كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو، وكل صمت ليس فيه فكر فسهو، وكل نظر ليس فيه اعتبار فلهو. 102 - وتروى (6) هذه الابيات عن أمير المؤمنين عليه السلام: إذا كنت تعلم أن الفراق * فراق الحياة قريب قريب وأن المعد جهاز الرحيل * ليوم الرحيل مصيب مصيب وإن المقدم ما لا يفوت * على ما يفوت معيب معيب
(1) النوكى جمع أنوك وهو الاحمق. (2) الكنز ص 194. (3) الاسترسال في الكلام: الاتساع والانبساط. واستقاله عثرته: سأله أن ينهضه من سقوطه. (4) المصدر ص 194. (5) المصدر ص 255. (6) المصدر ص 271.
[93]
وأنت على ذاك لا ترعوي * فأمرك عندي عجيب عجيب 103 - قال أمير المؤمنين عليه السلام (1): مازالت نعمة عن قوم، ولا غضارة عيش إلا بذنوب اجترحوها، إن الله ليس بظلام للعبيد. 104 - وقال عليه السلام: (2) المرء حيث يجعل نفسه، من دخل مداخل السوءاتهم من عرض نفسه التهمة فلا يلومن من أساء به الظن، من أكثر من شئ عرف به
من مزح استخف به، من اقتحم البحر غرق، المزاح يورث العداوة، من عمل في السر عملا يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، ما ضاع امرء عرف قدره اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا كان أم وضيعا، من تعدى الحق ضاق مذهبه، من جهل شيئا عاداه، أسوء الناس حالا من لم يثق بأحد لسوء ظنه، ولم يبق به أحد لسوء فعله، لا دليل أنصح من استماع الحق، من نظف ثوبه قل همه، الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا لوطف. حسن الاعتراف يهدم الاقتراف، أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته، أحسن إذا أحببت أن يحسن إليك، إذا جحد الاحسان حسن الامتنان، العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم، من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصر عنها خصم، لا تظهر العداوة لمن لا سلطان لك عليه. 105 - وقال عليه السلام: الهم نصف الهرم، والسلامة نصف الغنيمة. 106 - أعلام الدين (3): قال أمير المؤمنين عليه السلام: أفضل رداء تردى به الحلم وإن لم تكن حليما فتحلم فإنه من تشبه بقوم أوشك أن يكون منهم. قال عليه السلام: الناس في الدنيا صنفان: عامل في الدنيا للدنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلفه الفقر، ويأمنه على نفسه، فيفني عمره في منفعة غيره وآخر عمل في الدنيا لما بعدها، فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمله فأصبح ملكا لا يسأل الله تعالى شيئا فيمنعه.
(1) الكنز ص 271. (2) المصدر ص 283. (3) مخطوط.
[94]
107 - وقال عليه السلام: عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب وفاته الغنى الذي إياه طلب، يعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الاخرة
حساب الاغنياء، وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة، وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله، وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت، وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرة وهو يرى النشأة الاولى، وعجبت لعامر الدنيا دار الفناء، وهو نازل دار البقاء. 108 - وقال عليه السلام: الفقيه كل الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله، ولا يؤمنهم من مكر الله، ولا يؤيسهم من روح الله، ولا يرخص لها في معاصي الله. 17. * (باب) * * " (ما صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام في العدل) " * * " (في القسمة ووضع الاموال في مواضعها) " * 1 - ف (1): أما بعد أيها الناس فإنا نحمد ربنا وإلهنا وولي النعمة علينا ظاهرة وباطنة، بغير حول منا ولا قوة إلا امتنانا علينا وفضلا ليبلونا أنشكر أم نكفر فمن شكر زاده، ومن كفر عذبه. وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له أحدا صمدا. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والانعام نعمة أنعم بها ومنا وفضلا صلى الله عليه وآله. فأفضل الناس - أيها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم عند الله خطرا أطوعهم لامر الله وأعملهم بطاعة الله وأتبعهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وأحياهم لكتاب الله فليس لاحد من خلق الله عندنا فضل إلا بطاعة الله، وطاعة رسوله، واتباع كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وآله هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد نبي الله وسيرته فينا، لا يجهلها إلا جاهل مخالف معاند عن الله عزو جل، يقول الله: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر
(1) التحف ص 183 ومنقول في النهج.
[95]
وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقيكم (1) " فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله، يقول الله في كتابه: " إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (2). وقال: " وأطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فإن الله لا يحب الكافرين (3) ". ثم صاح بأعلى صوته: يا معاشر المهاجرين والانصار، ويا معاشر المسلمين أتمنون على الله وعلى رسوله بإسلامكم، ولله ولرسوله المن عليكم إن كنتم صادقين. ثم قال: ألا إنه من استقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن، وأقسام الاسلام، ليس لاحد على أحد فضل إلا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وأوليائه وأحبائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ثم قال: ألا إن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها، وأصبحت تعظكم وترميكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها. فلا يغرنكم عاجلها فقد حذرتموها ووصفت لكم وجربتموها، فأصبحتم لا تحمدون عاقبتها. فسابقوا - رحمكم الله - إلى منازلكم التي امرتم أن تعمروها فهي العامرة التي لا تخرب أبدا، والباقية التي لا تنفد رغبكم الله فيها ودعاكم إليها، وجعل لكم الثواب فيها. فانظروا يا معاشر المهاجرين والانصار، وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وجاهدتم عليه فيما فضلتم به أبالحسب والنسب ؟ أم بعمل وطاعة، فاستتموا نعمه عليكم - رحمكم الله - بالصبر لانفسكم والمحافظة على
(1) سورة الحجرات: 14. (2) سورة آل عمران: 31.
(3) مضمون مأخوذ من الاية 32 سورة آل عمران.
[96]
من استحفظكم الله من كتابه. ألا وإنه لا يضركم تواضع شئ من دنياكم بعد حفظكم وصية الله والتقوى، ولا ينفعكم شئ حافظتم عليه من أمر دنياكم بعد تضييع ما امرتم به من التقوى، فعليكم عباد الله بالتسليم لامره والرضا بقضائه والصبر على بلائه. فأما هذا الفئ فليس لاحد فيه على أحد أثرة (1) قد فرغ الله عزوجل من قسمه فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله، به أقررنا، وعليه شهدنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا. فسلموا - رحمكم الله - فمن لم يرض بهذا فليتول كيف شاء، فإن العامل بطاعة الله، والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه " اولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، " اولئك هم المفلحون " ونسأل الله ربنا وإلهنا أن يجعلنا وإياكم من أهل طاعته، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم. 2 - ف (2): لما رأت طائفة من أصحابه بصفين ما يفعله معاوية بمن انقطع إليه وبذله لهم الاموال - والناس أصحاب دنيا - قالوا لامير المؤمنين عليه السلام: أعط هذا المال، وفضل الاشراف ومن تخوف خلافه وفراقه. حتى إذا استتب (3) لك ما تريد عدت إلى أحسن ما كنت عليه من العدل في الرعية والقسم بالسوية (4). فقال: أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الاسلام والله لا أطور به ماسمر به سمير (5) وما أم نجم في السماء نجما (6) ولو كان مالهم
(1) الاثرة - محركة -: الاختيار واختصاص المرء باحسن شئ دون غيره. (2) التحف ص 185. (3) استتب: استقام واطرد واستمر.
(4) رواه الشيخ أبو على ابن الشيخ في أماليه مع اختلاف يسير أشرنا إلى بعضها. (5) لا أطور به: لا أقاربه. والسمير: الدهر أي لا أقاربه مدى الدهر ولا أفعله أبدا. وفى الامالى (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور والله لا افعلن ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم والله لو كان مالى لواسيت بينهم وكيف وانما هو أموالهم). (6) أم: قصد أي ما قصد نجم نجما.
[97]
مالي لسويت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم. ثم أزم طويلا ساكتا (1)، ثم قال: من كان له مال فإياه والفساد، فإن إعطاءك المال في غير وجهه تبذير (2) وإسراف وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله (3). ولم يضع امرء ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه شكرهم وكان خيره لغيره، فإن بقي معه منهم من يريه الود. ويظهر له الشكر، فإنما هو ملق وكذب (4) وإنما يقرب لينال من صاحبه مثل الذي كان يأتي إليه قبل، فان زلت بصاحبة النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فأشر خليل وآلم خدين (5) مقالة جهال مادام عليهم منعما، وهو عن ذات الله بخيل، فأي حظ أبور وأخس من هذا الحظ ؟ !. وأي معروف أضيع وأقل عائدة من هذا المعروف ؟ !. فمن أتاه مال فليصل به القرابة، وليحسن به الضيافة، وليفك به العاني (6) والاسير وليعن به الغارمين وابن السبيل والفقراء والمهاجرين، وليصبر نفسه على الثواب والحقوق، فإنه يحوز بهذه الخصال شرفا في الدنيا (7) ودرك فضائل الاخرة.
(1) أزم: امسك. (2) في بعض النسخ " في غيره تبذير " وفى الامالى " في غير حقه تبذير ". (3) في الامالى " وهو وان كان ذكرا لصاحبه في الدنيا والاخرة فهو يضيعه عند الله ".
(4) ملق - بفتح فكسر ككذب مصدر -: التودد والتذلل والاظهار باللسان من الاكرام والود ما ليس في القلب. وفى الامالى " وكان لغيره ودهم فان بقى معه من يوده يظهر له الشكر - الخ ". (5) كذا ولعله ألام فصحف والخدين: الحبيب والصديق. (6) العانى: السائل. (7) في الامالى " فان النور بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ".
[98]
18. * (باب) * * " (ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام عند وفاته) " * جا، ما (1): عن المفيد، عن عمر بن محمد المعروف بابن الزيات، عن محمد بن همام الاسكافي، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن سلامة الغنوي، عن محمد بن الحسن العامري، عن أبي معمر، عن أبي بكر بن عياش، عن الفجيع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله وابن عمه وصاحبه أول وصيتي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وخيرته، اختاره بعلمه، وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم، عالم بما في الصدور ثم إني اوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا كان ذلك يا بني ألزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، واوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلها، والصمت عند الشبهة، والاقتصاد والعدل في الرضا والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة
المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم، والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الامل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا فإنك رهين موت، وغرض بلاء، وصريع سقم، واوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا اعرض شئ من أمر الاخرة فابدء به، وإذا عرض شئ من أمر الدنيا فتأن حتى تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغير جليسه، وكن لله يا بني عاملا وعن الخنى زجورا (2) وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، وواخ الاخوان في الله
وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك. وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك كيلا تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع الممارات ومجاراة من لا عقل له ولا علم، واقصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه، وألزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لاهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر وأكثر من الدعاء فاني لم آلك يا بني نصحا، وهذا فراق بيني وبينك. واوصيك بأخيك محمد خيرا فإنه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبي له. وأما أخوك الحسين فهو ابن امك ولا اريد الوصاة بذلك (1)، والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم وأن يكف الطغاة والبغاة عنكم، والصبر الصبر
حتى ينزل الله الامر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 2 - ف (2): وصيته عليه السلام عند الوفاة: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب. أوصى المؤمنين بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وصلى الله على محمد وسلم. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين. ثم إني اوصيك يا حسن وجميع ولدي، وأهل بيتي، ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم " وإن المبيرة وهي الحالقة للدين (3) فساد ذات البين،
(1) في أمالى الطوسى " ولا ازيد الوطأة بذلك ". (2) التحف ص 197. وفى الكافي باب صدقات النبي " ص ". (3) في الكافي " من عامة الصلاة والصيام. وان المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين ".
[100]
ولا قوة إلا بالله. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الايتام (1) لا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لاكل مال اليتيم النار ". الله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العلم (2) به غيركم. الله الله في جيرانكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا.
وأدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف (3). الله الله في الصلاة، فإنها خير العمل، إنها عماد دينكم. الله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب ربكم. الله الله في صيام شهر رمضان، فإن صيامه جنة من النار. الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معائشكم. الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه. الله الله في ذرية نبيكم، لا تظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على المنع عنهم. الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يأووا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم، والمؤوي للمحدثين. الله الله في النساء وما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم أن قال: " اوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم ". الصلاة، الصلاة، الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم
(1) في الكافي " لا يغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم ". (2) في الكافي " إلى العمل به ". (3) " من أمه " أي من قصده.
[101]
وبغي عليكم (1). قولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم. عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبادر، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، واتقوا الله إن الله شديد العقاب، وحفظكم الله من أهل بيت وحفظ نبيكم فيكم (2)
استودعكم الله وأقرأ عليكم السلام، ورحمة الله وبركاته. ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله حتى مضى. 19. * (باب) * * " (مواعظ الحسن بن على عليهما السلام) " * 1 - مع (3): الطالقاني، عن محمد بن سعيد بن يحيي، عن إبراهيم بن الهيثم، عن امية البلدي، عن أبيه، عن المعافى بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح ابن هاني، عن أبيه شريح قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ابنه الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا بني ما العقل ؟ قال: حفظ قلبك ما استودعته، قال: فما الحزم ؟ قال: أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك، قال: فما المجد ؟ قال: حمل المغارم وابتناء المكارم، قال: فما السماحة ؟ قال: إجابة السائل وبذل النائل (4)، قال: فما الشح ؟ قال: أن ترى القليل سرفا، وما أنفقت تلفا، وقال: فما الرقة ؟ قال: طلب اليسير، ومنع الحقير، قال: فما الكلفة ؟ قال: التمسك بمن لا يؤمنك، والنظر فيما لا يعنيك، قال: فما الجهل ؟ قال: سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها
(1) في الكافي " يكفيكم الله من أذاكم وبغى عليكم ". (2) أي حفظ رعايته وامتثال أمره. وفى الكافي بتقديم " نبيكم " على " فيكم ". (3) معاني الاخبار ص 401. (4) النائل: ما ينال.
[102]
والامتناع عن الجواب، ونعم العون الصمت في مواطن كثيرة وإن كنت فصيحا. ثم أقبل على الحسين ابنه عليهما السلام فقال له: يا بني ما السؤدد ؟ قال: اصطناع - العشيرة واحتمال الجريرة، قال: فما الغنى ؟ قال: قلة أمانيك، والرضا بما يكفيك ؟
قال: فما الفقر ؟ قال: الطمع وشدة القنوط، قال: فما اللؤم ؟ قال: احراز المرء نفسه، وإسلامه عرسه، قال: فما الخرق ؟ قال: معاداتك أميرك، ومن يقدر على ضرك ونفعك. ثم التفت إلى الحارث الاعور فقال: يا حارث علموا هذه الحكم أولادكم فإنها زياده في العقل والحزم والرأي. 2 - ف (1): أجوبة الحسن بن علي عليهما السلام عن مسائل سأله عنها أمير المؤمنين عليه السلام أو غيره في معان مختلفة. قيل له عليه السلام: ما الزهد ؟ قال: الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا. قيل: فما الحلم ؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس. قيل: ما السداد ؟ قال: دفع المنكر بالمعروف قيل: فما الشرف ؟ قال: إصطناع العشيرة وحمل الجريرة. قيل: فما النجدة ؟ (2) قال: الذب عن الجار والصبر في المواطن والاقدام عند الكريهة. قيل: فما المجد ؟ قال: أن تعطي في الغرم (3) وأن تعفو عن الجرم. قيل: فما المروة ؟ قال: حفظ الدين وإعزاز النفس ولين الكنف (4) وتعهد الصنيعة وأداء الحقوق، والتحبب إلى الناس. قيل فما الكرم ؟ قال: الابتداء بالعطية قبل
المسألة وإطعام الطعام في المحل (1) قيل: فما الدنيئة ؟ قال: النظر في اليسير ومنع
الحقير. قيل: فما اللؤم ؟ قال: قلة الندى وأن ينطق بالخنى (2). قيل: فما السماح ؟ قال: البذل في السراء والضراء. قيل: فما الشح ؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا. قيل: فما الاخاء ؟ قال: الاخاء في الشدة والرخاء. قيل: فما الجبن ؟ قال: الجرأة على الصديق والنكول عن العدو. قيل: فما الغنى ؟ قال: رضى النفس بما قسم لها وإن قل. قيل: فما الفقر ؟ قال: شره النفس إلى كل شئ. قيل: فما الجود ؟ قال: بذل المجهود. قيل: فما الكرم ؟ قال: الحفاظ في الشدة والرخاء (3) قيل: فما الجرأة ؟ قال: مواقفة الاقران (4). قيل: فما المنعة ؟ قال: الشدة البأس ومنازعة أعز الناس (5). قيل: فما الذل ؟ قال: الفرق عند المصدوقة (6). قيل: فما الخرق ؟ قال: مناواتك أميرك ومن يقدر على ضرك (7). قيل: فما السناء ؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح (8). قيل: فما الحزم ؟ قال: طول الاناة والرفق بالولاة والاحتراس
(1) المحل - بالفتح -: الشدة والجدب. يقال: زمان ما حل أي مجدب. (2) اللؤم - مصدر من لؤم الرجل لؤما وملاءمة - كان دنى الاصل شحيح النفس فهو لئيم. والندى - كعمي -: الجود والفضل والخير. والخنى - مقصورا -: الفحش في الكلام. (3) الحفاظ - ككتاب -: الذب عن المحارم والمنع لها والمحافظة على العهد والوفاء والتمسك بالود. (4) في بعض النسخ " قيل: فما الجزاء ". والمواقفة - بتقديم القاف -: المحاربة، يقال: واقفه في الحرب أو الخصومة أي وقف كل منهما مع الاخر. (5) المنعة: العز والقوة. ولعل المراد بالبأس والمنازعة: الجهاد في الله أو الهيبة في أعين الناس. وبأعز الناس أقواهم. (6) الفرق - محركة -: الخوف والفزع. والمصدوقة: الصدق. (7) المناواة: المعاداة.
(8) السناء - بالمهملة ممدودا -: الرفعة.
[104]
من جميع الناس (1). قيل: فما الشرف ؟ قال: موافقة الاخوان وحفظ الجيران. قيل: فما الحرمان ؟ قال: تركك حظك وقد عرض عليك. قيل: فما السفه ؟ قال: اتباع الدناة ومصاحبة الغواة. قيل: فما العي (2) ؟ قال: العبث باللحية وكثرة التنحنح عند المنطق. قيل: فما الشجاعة ؟ قال: مواقفة الاقران والصبر عند الطعان. قيل فما الكلفة ؟ قال: كلامك فيما لا يعنيك. قيل: وما السفاه (3) ؟ قال: الاحمق في ماله المتهاون بعرضه. قيل: فما اللؤم ؟ قال: إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه (4). 3 - ف (5): ومن حكمه عليه السلام: أيها الناس إنه من نصح لله وأخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم، ووفقه الله للرشاد، وسدده للحسنى، فإن جار الله آمن محفوظ، وعدوه خائف مخذول، فاحترسوا من الله بكثرة الذكر، واخشوا الله بالتقوى، وتقربوا إلى الله بالطاعة فإنه قريب مجيب، قال الله تبارك وتعالى: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (6) " فاستجيبوا لله وآمنوا به، فإنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعاظم، فإن رفعة الذين يعلمون عظمة الله أن يتواضعوا و [عز] الذين يعرفون ما جلال الله أن يتذللوا [له] وسلامة الذين يعلمون ما قدرة الله أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم
(1) الاناة: الوقار والحلم. وفى بعض النسخ " الاناة ". (2) العى: العجر في الكلام. (3) السفاه - بالكسر -: الجهل وأيضا جمع سفيه. (4) العرس - بالكسر -: حليلة الرجل ورحلها.
(5) التحف ص 227 ومضمون هذا الخبر مروى في روضة الكافي عن أمير المؤمنين (ع) في خطبته التى خطبها بذى قار ولا عجب أن يشتبه الكلامان لان مستقاهما من قليب ومفرغهما من ذنوب كما قال المعصوم عليه السلام. (6) سورة البقرة 182.
[105]
بعد المعرفة، ولا يضلوا بعد الهدى (1). واعلموا علما يقينا أنكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى (2) ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حق تلاوته حتى تعرفوا الذي حرفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلف، ورأيتم الفرية على الله والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي. ولا يجهلنكم الذين لا يعلمون. والتمسوا ذلك عند أهله، فإنهم خاصة نور يستضاء بهم، وأئمة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن جهلهم (3) وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه. وقد خلت لهم من الله سنة (4) ومضى فيهم من الله حكم، إن في ذلك لذكرى للذاكرين، واعقلوه إذا سمعتموه عقل رعايته ولا تعقلوه عقل روايته، فإن رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، والله المستعان. 4 - ف (5): وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني: 1 - قال عليه السلام: ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم. 2 - وقال عليه السلام: اللؤم أن لا تشكر النعمة. 3 - وقال عليه السلام لبعض ولده: يا بني لا تواخ أحدا حتى تعرف موارده
(1) في بعض النسخ " ولا ينكرن أنفسهم بعد المعرفة ولا يضلن بعد الهدى ". (2) في بعض النسخ " حتى تعرفوا بصبغة الهدى ".
(3) كذا. ولعل الضمير في " جهلهم " راجع إلى المخالفين كما يظهر من السياق والمعنى أخبركم حلمهم عن جهل مخالفيهم. أو عن عدم جهلهم أوانه تصحيف " جهدهم ". وفى الروضة " هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حكمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم الخ ". (4) في بعض النسخ " من الله سبقة ". (5) التحف 333.
[106]
ومصادره فإذا استنبطت الخبرة (1) ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة. 4 - وقال عليه السلام: لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتكل على القدر اتكال المستسلم فإن ابتغاء الفضل من السنة، والاجمال في الطلب من العفة، وليست العفة بدافعة رزقا، ولا الحرص بجالب فضلا، فإن الرزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المآثم. 5 - وقال عليه السلام: القريب من قربته المودة وإن بعد نسبه، والبعيد من باعدته المودة وإن قرب نسبه، لا شئ أقرب من يد إلى جسد، وإن اليد تفل فتقطع وتحسم (2). 6 - وقال عليه السلام: من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن (3) أنه في غير الحال التي اختارها الله له. 7 - وقال عليه السلام: الخير الذي لا شر فيه: الشكر مع النعمة، والصبر على النازلة. 8 - وقال عليه السلام لرجل أبل من علة (4): إن الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره (5).
9 - وقال عليه السلام: العار أهون من النار. 10 - وقال عليه السلام عند صلحه لمعاوية: إنا والله ماثنانا عن أهل الشام بالسلامة
(1) الخبرة - مصدر -: الاختيار والعلم عن تجربة. والعشرة - بالكسر - المخالطة والصحبة. (2) تفل: تكسر وتثلم. و " تحسم " أصله القطع والمراد به تتابع بالمكواة حتى يبرد. (3) في بعض النسخ " يتميز ". (4) أبل من مرضه: برئ منه. (5) الاقالة: فسخ البيع وأقالك الله أي غفر لك وتجاوز عنك.
[107]
والصبر، فثبت السلامة (1) بالعداوة والصبر بالجزع، وكنتم في مبداكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم وقد أصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. 11 - وقال عليه السلام: ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه. 12 - وقيل له: فيك عظمة فقال عليه السلام: بل في عزة قال الله: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (2) ".
(1) فيه تصحيف والصحيح " فسلبت السلامة " كما في اسد الغابة ج 2 ص 13 وهذه الخطبة تكشف الغطاء عن سر صلح الامام المجتبى سبط المصطفى عليهما آلاف التحية والثناء. مختارها في هذا الكتاب وكتاب الملاحم والفتن للسيد بن طاووس رحمة الله وتمامها في كتاب اسد الغابة قد يعجبنى ذكرها بنصها: قال الجزرى: " أخبرنا أبو محمد القاسم بن على بن الحسن الدمشقي اجازة أخبرنا أبى أخبرنا أبو السعود، حدثنا أحمد بن محمد بن العجلى، أخبرنا محمد بن محمد ابن أحمد العكبرى، أخبرنا محمد بن أحمد بن خاقان، أخبرنا أبو بكر بن دريد قال:
قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله عزوجل: انا والله ماثنانا عن أهل الشأم شك ولا ندم وانما كنا نقاتل أهل الشأم بالسلامة والصبر، فسلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فاصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وانا لكم كما كنا ولستم لنا كما كنتم، ألا وقد اصبحتم، بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثاره، فاما الباقي فخاذل، وأما الباكى فثائر، ألا وان معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزولا نصفة، فان اردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزوجل بظباء السيوف، وان أردتم الحياة قبلناه واخذنا لكم الرضى ". فناداه القوم من كل جانب: البقية البقية فلما أفردوه امضى الصلح ". انتهى، وقوله: " البقية البقية " تحذير يعنى احفظ البقية. (2) المنافقون: 8. وفى نسخة " فيكم " مكان " فيك ". ورواه الساروى في المناقب وفيه: " فيك عظمة ".
[108]
13 - وقال عليه السلام في وصف أخ كان له صالح (1): كان من أعظم الناس في عيني، صغر الدنيا في عينه (2) كان خارجا من سلطان الجهالة، فلا يمد يدا إلا على ثقة لمنفعة، كان لا يشتكي ولا يتسخط ولا يتبرم، كان أكثر دهره صامتا، فإذا قال بذ القائلين (3) كان ضعيفا مستضعفا، فإذا جاء الجد فهو الليث عاديا (4). كان إذا جامع العلماء على أن يستمع أحرص منه على أن يقول، كان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، كان لا يقول مالا يفعل، ويفعل مالا يقول، كان إذا عرض له أمر ان لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما من هواه فخالفه، كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله. 14 - وقال عليه السلام: من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخا مستفادا، وعلما مستطرفا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدله على الهدى، أو ترده عن ردى، وترك الذنوب حياء أو خشية.
(1) رواه الكليني (ره) في الكافي عن الحسن بن على عليهما السلام بنحو أبسط. وأورده الرضى (ره) في النهج عن أمير المؤمنين عليه السلام هكذا " وقال (ع) كان لى فيما مضى اخ في الله - الخ " قال ابن ميثم: ذكر هذا الفصل ابن المقفع في ادبه ونسبه إلى الحسن ابن على عليهما السلام والمشار إليه قيل: أبو ذر الغفاري وقيل: هو عثمان بن مظعون انتهى. وقيل: لا يبعد أن يكون المراد به أباه عليه السلام عبر عنه عليه السلام هكذا لمصلحة. (2) أي كان أعظم الصفات التى صارت سببا لعظمته في عينى هو أن صغر الدنيا في عينه، والصغر كعنب وقفل: خلاف الكبر وبمعنى الذل والهوان وهو خبر " كان " وفاعل " عظم " ضمير الاخ وضمير " به " عائد إلى الموصول والباء للسببية. (3) يتبرم أي لا يتسأم ولا يتضجر ولا يغتم. وبذ القائلين. أي غلبهم وسبقهم وفاقهم. (4) " كان ضعيفا مستضعفا " كناية عن تواضعه ولين كلامه وسجاحة أخلاقه. " فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا " الليث: الاسد وهو كناية عن التصلب في ذات الله وترك المداهنة في أمر الدين واظهار الحق وفى لفظ الجد بعد ذكر الضعف أشعار بذلك. ولعل المراد البسالة في الحرب والشجاعة.
[109]
15 - ورزق غلاما فأتته قريش تهنيه فقالوا: يهنيك الفارس، فقال عليه السلام: أي شئ هذا القول ؟ ولعله يكون راجلا، فقال له جابر: كيف نقول يا ابن رسول الله ؟ فقال عليه السلام: إذا ولد لاحدكم غلام ؟ فأتيتموه فقولوا له: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، بلغ الله به أشده (1) ورزقك بره. 16 - وسئل عن المروة ؟ فقال عليه السلام: شح الرجل على دينه، وإصلاحه ماله، وقيامه بالحقوق. 17 - وقال عليه السلام: إن أبصر الابصار ما نفذ في الخير مذهبه. وأسمع الاسماع ما وعى التذكير وانتفع به. أسلم القلوب ما طهر من الشبهات.
18 - وسأله رجل أن يخيله (2) قال عليه السلام: إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب، أو تغتاب عندي أحدا. فقال له الرجل: ائذن لي في الانصراف، فقال عليه السلام: نعم إذا شئت. 19 - وقال عليه السلام: إن من طلب العبادة تزكى لها، إذا أضرت النوافل بالفريضة فارفضواها، اليقين معاذ للسلامة، من تذكر بعد السفر اعتد، ولا يغش العاقل من استنصحه، بينكم وبين الموعظة حجاب العزة، قطع العلم عذر المتعلمين (3)، كل معاجل يسأل النظرة (4)، وكل مؤجل يتعلل بالتسويف. 20 - وقال عليه السلام: اتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وتجاه الهرب، وبادروا العمل قبل مقطعات النقمات (5) وهاذم اللذات، فإن الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجيعها ولا تتوقى في مساويها، غرور حائل، وسناد مائل (6)، فاتعظوا
(1) وفى بعض النسخ " رشده ". ورواه الكليني في الكافي قسم الفروع. (2) في بعض النسخ " يعظه " مكان يخيله أي يغيره وهو أيضا كناية عن الموعظة. (3) كذا وفى كلام أبيه عليه السلام في النهج " المعللين ". (4) النظرة: الامهال والتأخير. (5) النقمات: جمع نقمة: اسم من الانتقام. (6) السناد - ككتاب -: النافة الشديدة القوية. ومن الشئ عماده.
[110]
عباد الله بالعبر، واعتبروا بالاثر، وازدجروا بالنعيم (1) وانتفعوا بالمواعظ، فكفى بالله معتصما ونصيرا، وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما (2) وكفى بالجنة ثوابا، وكفى بالنار عقابا ووبالا. 21 - وقال عليه السلام: إذا لقى أحدكم أخاه فليقبل موضع النور من جبهته. 22 - ومر عليه السلام في يوم فطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم
فقال: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه (3) فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وقصر آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه، والمسيئ مشغول بإساءته، ثم مضى. 5 - ف (4): موعظة منه عليه السلام: إعلموا أن الله لم يخلقكم عبثا، وليس بتارككم سدى، كتب آجالكم، وقسم بينكم معائشكم، ليعرف كل ذي لب منزلته، وأن ما قدر له أصابه، وما صرف عنه فلن يصيبه، قد كفاكم مؤونة الدنيا، وفرغكم لعبادته، وحثكم على الشكر، وافترض عليكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى باب كل توبة، ورأس كل حكمة، وشرف كل عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتقين. قال الله تبارك وتعالى: " إن للمتقين مفازا (5) ". وقال: " وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون (6) " فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن، ويسدده في
(1) كذا، والظاهر " بالنقم ". (2) الحجيج: المغالب باظهار الحجة. (3) المضمار: المدة والايام التى تضمر فيها للسباق. وموضع السباق أيضا. (4) التحف ص. 232 (5) سورة النبأ: 32. (6) سورة الزمر: 61.
[111]
أمره، ويهيئ له رشده، ويفلجه بحجته، ويبيض وجهه، ويعطيه رغبته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا.
6 - كشف (1): عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: لا أدب لمن لا عقل له، ولا مروة لمن لا همة له، ولا حياء لمن لا دين له، ورأس العقل معاشرة الناس بالجميل، وبالعقل تدرك الداران جميعا، ومن حرم من العقل حرمهما جميعا. وقال عليه السلام: علم الناس علمك وتعلم علم غيرك فتكون قد أتقنت علمك وعلمت ما لم تعلم. وسئل عليه السلام عن الصمت فقال: هو ستر العمى، وزين العرض، وفاعله في راحة وجليسه آمن. وقال عليه السلام: هلاك الناس في ثلاث: الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس، والحرص عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل. وقال عليه السلام: لا تأت رجلا إلا أن ترجو نواله وتخاف يده، أو يستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، أو تصل رحما بينك وبينه. وقال عليه السلام: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك فقال لي: أتجزع فقلت: وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه فقال عليه السلام: ألا اعلمك خصالا أربع إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة وإن أنت ضيعتهن فاتك الداران، يا بني لا غنى أكبر من العقل، ولا فقر مثل الجهل، ولا وحشة أشد من العجب، ولا عيش ألذ من حسن الخلق. [فهذه سمعت عن الحسن يرويها عن أبيه عليهما السلام فاروها إن شئت في مناقبه أو مناقب أبيه] (2). وقال عليه السلام: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد. وقال عليه السلام: اجعل ما طلبت من الدنيا فلن تظفر به بمنزلة ما لم يخطر ببالك، واعلم أن مروة القناعة والرضا أكثر من مروة الاعطاء، وتمام الصنيعة خير من ابتدائها
(1) كشف الغمة ج 2 ص 196. (2) بين القوسين كلام الاردبيلى في (كشف) ولا يناسب هذا الكتاب.
[112]
وسئل عن العقوق فقال: أن تحرمهما وتهجرهما (1). وروي أن أباه عليا عليه السلام قال له: قم فاخطب لاسمع كلامك، فقام فقال: الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده، أما بعد فإن القبور محلتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، إن عليا باب من دخله كان مؤمنا، ومن خرج عنه كان كافرا. فقام إليه علي عليه السلام فالتزمه فقال: بأبي أنت وامي " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ". ومن كلامه عليه السلام: يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا، ومن ارض بما قسم الله سبحانه تكن غنيا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا، إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا، ويأملون بعيدا، أصبح جمعهم بوارا وعملهم غرورا، ومساكنهم قبورا، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود، والكافر يتمتع، وكان عليه السلام يتلو بعد هذه الموعظة: " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ". ومن كلامه عليه السلام إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور، فليجل جال بضوئه وليلجم الصفة فإن التلقين (2) حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور. 7 - د (3): قال عليه السلام: العقل حفظ قلبك ما استودعته، والحزم أن تنتظر فرصتك، وتعاجل ما أمكنك، والمجد حمل المغارم وابتناء المكارم، والسماحة
إجابة السائل، وبذل النائل، والرقة طلب اليسير ومنع الحقير، والكلفة
(1) يعنى الوالدين. (2) كذا وفى المصدر " وليلجم الصفة قلبه فان التفكير حياة القلب البصير " والصواب كما في الكافي ج 2 ص 599 " فليجل جال بصره، وليبلغ الصفة نظره فان التفكر حياة قلب البصير ". (3) مخطوط.
[113]
التمسك لمن لا يؤاتيك، والنظر بما لا يعنيك، والجهل وإن كنت فصيحا. وقال عليه السلام: ما فتح الله عزوجل على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الاجابة، ولا فتح الرجل باب عمل فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه باب المزيد. وقيل له عليه السلام: كيف أصبحت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: أصبحت ولي رب فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي لا أجد ما احب، ولا أدفع ما أكره، والامور بيد غيري، فإن شاء عذبني وإن شاء عفا عني، فأي فقير أفقر مني ؟. وقال عليه السلام: المعروف ما لم يتقدمه مطل، ولا يتبعه من، والاعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد. وسئل عليه السلام عن البخل: فقال: هو أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا، وقال عليه السلام: من عدد نعمه محق كرمه. وقال عليه السلام: الوحشة من الناس على قدر الفطنة بهم. وقال عليه السلام: الوعد مرض في الجود، والانجاز دواؤه. وقال عليه السلام: الانجاز دواء الكرم. وقال عليه السلام: لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا.
وقال عليه السلام: المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة الصامت. وقال عليه السلام: المسؤول حر حتى يعد ومسترق المسؤول حتى ينجز (1). وقال عليه السلام: المصائب مفاتيح الاجر. وقال عليه السلام: النعمة محنة فإن شكرت كانت نعمة، فإن كفرت صارت نقمة. وقال عليه السلام: الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود. وقال عليه السلام: لا يعرف الرأي إلا عند الغضب. وقال عليه السلام: من قل ذل، وخير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع.
(1) " يعد " مضارع من وعد، والمسترق هو السائل يعنى هو الذى يطلب الرق.
[114]
وقال عليه السلام: كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيك. 8 - د: روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن عليه السلام: قم فاخطب لاسمع كلامك فقام وقال: الحمد لله الذي من تكلم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم. أما بعد فإن القبور محلتنا، والقيامة موعدنا، والله عارضنا، وإن عليا باب من دخله كان آمنا، ومن خرج منه كان كافرا، فقام إليه عليه السلام فالتزمه وقال: بأبي أنت وامي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. 9 - د: اعتل أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة فخرج الحسن عليه السلام يوم الجمعة فصلى الغداة بالناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله، ثم قال: إن الله لم يبعث نبيا إلا اختار له نفسا ورهطا وبيتا والذي بعث محمدا بالحق لا ينقص أحد من حقنا إلا نقصه الله من علمه، ولا يكون علينا دولة إلا كانت لنا عاقبة، ولتعلمن نبأه بعد حين.
10 - د: قال مولينا الحسن عليه السلام: إن الله عزوجل أدب نبيه أحسن الادب فقال: " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (1) " فلما وعى الذي أمره قال تعالى: " ما آتيكم الرسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا (2) " فقال لجبرئيل عليه السلام: وما العفو ؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، فلما فعل ذلك أوحى الله إليه " إنك لعلى خلق عظيم (3) ". وقال: السداد دفع المنكر بالمعروف، والشرف اصطناع العشيرة وحمل الجريرة، والمروة العفاف وإصلاح المرء ماله، والرقة النظر في اليسير ومنع الحقير، واللؤم إحراز المرء نفسه وبذله عرسه، السماحة البذل في العسر واليسر، الشح أن ترى ما في يديك شرفا، وما أنفقته تلفا، الاخاه الوفاء في الشدة
(1) الاعراف: 199. (2) الحشر: 7. (3) القلم: 4.
[115]
الرخاء، الجبن الجرأة على الصديق والنكول عن العدو، والغنيمة في التقوى والزهادة في الدنيا في الغنيمة البادرة، الحلم كظم الغيظ، وملك النفس الغنى بما قسم الله لها وإن قل فإنما الغنى غني النفس، الفقر شدة النفس في كل شئ، المنعة شدة البأس ومنازعة أشد الناس، الذل التضرع عند المصدوقة الجرأة مواقفة الاقران، الكلفة كلامك فيما لا يعنيك، والمجد أن تعطي في العدم وأن تعفو عن طول الاناة، والاقرار بالولاية، والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم، السرور موافقة الاخوان وحفظ الجيران، السفه اتباع الدناة ومصاحبة الغواة، الغفلة تركك المسجد وطاعتك المفسد، الحرمان ترك حظك وقد عرض عليك، السفيه الاحمق في ماله، المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحرم بأمر عشيرته هو السيد.
11 - الدرة الباهرة (1): قال الحسن بن علي عليهما السلام: المعروف ما لم يتقدمه مطل ولم يتعقبه من، والبخل أن يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا، من عدد نعمه محق كرمه، الانجاز دواء الكرم، لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا، التفكر حياة قلب البصير، أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا صاقت بالمذنب المعذرة. 12 - اعلام الدين (2): قال الحسن بن علي عليهما السلام: المصائب مفاتيح الاجر. وقال عليه السلام: تجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عرفت. وقال عليه السلام: عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة. وقال عليه السلام: أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة. وقيل له عليه السلام: فيك عظمة قال: لا بل في عزة قال الله تعالى: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين (3) ".
(1) مخطوط. (2) مخطوط. (3) المنافقون: 8.
[116]
وقال عليه السلام: صاحب الناس مثل ما تحب أن يصاحبوك به. وكان يقول عليه السلام: ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك، فخذ مما في يديك لما بين يديك، فإن المؤمن يتزود وإن الكافر يتمتع، وكان ينادي مع هذه الموعظة " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ". 20. * (باب) *
* " (مواعظ الحسين بن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما) " * 1 - لى (1): ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل، عن الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال: سئل الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال: أصبحت ولي رب فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما احب، ولا أدفع ما أكره، والامور بيد غيري، فإن شاء عذبني وإن شاء عفا عني، فاي فقير أفقر مني ؟. 2 - ف (2): عن الحسين عليه السلام في قصار هذه المعاني: 1 - قال عليه السلام: في مسيره إلى كربلا (3): إن هذه الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، فلم يبق منها إلا صبابة كصابة الاناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل (4)، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينتهى
(1) المجالس: المجلس التاسع والثمانون ص 362. (2) التحف ص 245. (3) ذلك في موضع يقال: ذى حسم ونقل هذا الكلام الطبري في تاريخه " عن عقبة ابن أبى العيزار قال: قام الحسين عليه السلام بذى حسم فحمد الله واثنى عليه ثم قال: " أما بعد انه قد نزل من الامر ما قد ترون.. الخ " مع اختلاف يسير. (4) الصبابة - بالضم -: بقية الماء في الاناء. والمرعى: الكلاء. والوبيل: الوخيم.
[117]
عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا الحياة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم (1) يحوطونه مادرت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء (2) قل الديانون 2 - وقال عليه السلام لرجل اغتاب عنده رجلا: يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام
كلاب النار. 3 - وقال عنده رجل: إن المعروف إذا اسدي إلى غير أهله ضاع (3) فقال الحسين عليه السلام: ليس كذلك، ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر تصيب البر والفاجر. 4 - وقال عليه السلام: ما أخذ الله طاقة أحد إلا وضع عنه طاعته، ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته. 5 - وقال عليه السلام: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبداة الاحرار، وهي أفضل العبادة. 6 - وقال له رجل: ابتداء كيف أنت عافاك الله ؟ فقال عليه السلام له: السلام قبل الكلام عافاك الله، ثم قال عليه السلام: لا تأذنوا لاحد حتى يسلم. 7 - وقال عليه السلام: الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر. 8 - وكتب إلى عبد الله بن العباس حين سيره عبد الله بن الزبير (4) إلى
(1) في بعض النسخ " لغو على ألسنتهم ". (2) محص الله الرجل: اختبره. (3) اسدي إليه: أحسن إليه. والوابل: المطر الشديد. (4) انما وقع هذا التسيير بعد قتل المختار الناهض الوحيد لطلب ثار الامام السبط المفدى فالكتاب هذا لا يمكن أن يكون للحسين السبط عليه السلام ولعله لولده الطاهر على بن الحسين السجاد سلام الله عليهما فاشتبه على الراوى على بن الحسين بالحسين بن على صلوات الله عليهم.
[118]
اليمن: أما بعد بلغني أن ابن الزبير سيرك إلى الطائف فرفع الله لك بذلك ذكرا
وحط به عنك وزرا وإنما يبتلى الصالحون. ولو لم توجر إلا فيما تحت لقل الاجر (1)، عزم الله لنا ولك بالصبر عند البلوى، والشكر عند النعمى (2) ولا أشمت بنا ولا بك عدوا حاسدا أبدا، والسلام. 9 - وأتاه رجل فسأله فقال عليه السلام: إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو حمالة مقطعة (3)، فقال الرجل: ما جئت إلا في إحديهن، فأمر له بمائة دينار. 10 - وقال لابنه علي بن الحسين عليهما السلام: أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله عزوجل. 11 - وسأله رجل عن معنى قول الله: " وأما بنعمة ربك فحدث (4) " قال عليه السلام: أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه. 12 - وجاءه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة فقال عليه السلام: يا أخا الانصار صن وجهك عن بذلة المسألة (5) وارفع حاجتك في رقعة، فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله، فكتب: يا أبا عبد الله إن لفلان علي خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه ينظرني إلى ميسرة، فلما قرأ الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة (6) فيها ألف دينار، وقال عليه السلام له: أما خمسمائة فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة: إلى
(1) في بعض النسخ " لقاء الاجر ". (2) والنعمى: الدعة والراحة وخفض العيش. (3) الغرم: أداء شئ لازم، وما يلزم أداؤه، والضرر والمشقة. والفادح: الصعب المثقل. والمدقع: الملصق بالتراب. والحمالة: الدية والغرامة والكفالة. (4) سورة الضحى: 11. (5) البذلة: ترك الصون.
(6) الصرة - بالضم فالتشديد -: ما يصر فيه الدراهم والدينار.
[119]
ذي دين، أو مروة، أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، وأما ذوالمروة فإنه يستحيي لمروته، وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك. 13 - وقال عليه السلام: الاخوان أربعة: فأخ لك وله، وأخ لك، وأخ عليك وأخ لا لك ولا له. فسئل عن معنى ذلك ؟ فقال عليه السلام: الاخ الذي هو لك وله فهو الاخ الذي يطلب بإخائه بقاء الاخاء ولا يطلب بإخائه موت الاخاء، فهذا لك وله لانه إذا تم الاخاء طابت حياتهما جميعا، وإذا دخل الاخاء في حال التناقص بطل جميعا. والاخ الذي هو لك فهو الاخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الاخاء، فهذا موفر (1) عليك بكليته. والاخ الذي هو عليك فهو الاخ الذي يتربص بك الدوائر (2) ويغشي السرائر، ويكذب عليك بين العشائر، وينظر في وجهك نظر الحاسد، فعليه لعنة الواحد. والاخ الذي لا لك ولا له فهو الذي قد ملاه الله حمقا فأبعده سحقا (3) فتراه يؤثر نفسه عليك ويطلب شحا ما لديك. 14 - وقال عليه السلام: من دلائل علامات القبول: الجلوس إلى أهل العقول. ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر (4) ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه، وعلمه بحقائق فنون النظر. 15 - وقال عليه السلام: إن المؤمن اتخذ الله عصمته، وقوله مرآته. فمرة ينظر في نعت المؤمنين، وتارة ينظر في وصف المتجبرين، فهو منه في لطائف، ومن نفسه في تعارف، ومن فطنته في يقين، ومن قدسه على تمكين (5).
(1) في بعض النسخ " موفور عليك ".
(2) الدوائر. النوائب، يقال: دارت الدوائر أي نزلت الدواهي والنوائب. (3) أي فابعده الله من رحمته بعدا. (4) الممارة: المجادلة والمنازعة. وفى بعض النسخ " لغير أهل الفكر ". (5) أي ومن طهارة نفسه على قدرة وسلطنة.
[120]
16 - وقال عليه السلام: إياك وما تعتذر منه، فإن المؤمن لا يسيئ ولا يعتذر والمنافق كل يوم يسيئ ويعتذر. 17 - وقال عليه السلام: للسلام سبعون حسنة، تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد. 18 - وقال عليه السلام: البخيل من بخل بالسلام. 19 - وقال عليه السلام: من حاول امرا (1) بمعصية الله كان أفوت لما يرجو، وأسرع لما يحذر (2). 3 - ف (3) موعظة منه عليه السلام: أوصيكم بتقوى الله واحذركم أيامه وأرفع لكم أعلامه، فكان المخوف قد أفد بمهول وروده، ونكير حلوله، وبشع مذاقه، فاعتلق مهجكم (4) وحال بين العمل وبينكم، فبادروا بصحة الاجسام في مدة الاعمار كأنكم ببغتات طوارقه (5) فتنقلكم من ظهر الارض إلى بطنها، ومن علوها إلى سفلها، ومن انسها إلى وحشتها، ومن روحها وضوئها إلى ظلمتها، ومن سعتها إلى ضيقها، حيث لا يزار حميم، ولا يعاد سقيم، ولا يجاب صريخ. أعاننا الله وإياكم على أهوال ذلك اليوم، ونجانا وإياكم من عقابه، وأوجب لنا ولكم الجزيل من ثوابه. عباد الله فلو كان ذلك قصر مرماكم ومدى مظعنكم (6) كان حسب العامل
(1) في بعض النسخ " من حاول أمرءا ". (2) في بعض النسخ " أسرع لمجئ ما يحذر ".
(3) التحف ص 239. (4) أفد - كفرح -: عجل ودنا وأزف. والمهول: ذوالهول. وبشع: ضد حسن وطيب أي كريه الطعم والرائحة. والمهج - كغرف -: جمع مهجة - كغرفة -: الدم، أو دم القلب والمراد به الروح. (5) بغتات: جمع بغتة. والطوارق: جمع الطارقة: الداهية. (6) القصر: الجهد والغاية. والمرمى: مصدر ميمى أو مكان الرمى وزمانه. والمدى: الغاية والمنتهى. ويذهل: ينسى ويسلو - من الذهول -: الذهاب عن الامر - - - - -
[121]
شغلا يستفرغ عليه أحزانه، ويذهله عن دنياه، ويكثر نصبه لطلب الخلاص منه، فكيف وهو بعد ذلك مرتهن باكتسابه، مستوقف على حسابه، لا وزير له يمنعه، ولا ظهير عنه يدفعه، ويومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، قل انتظروا إنا منتظرون. اوصيكم بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب، ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه، فإن الله تبارك وتعالى لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله. 4 - كشف (1): خطب الحسين عليه السلام فقال: أيها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا، واكسبوا الحمد بالنجح، ولا تكتسبوا بالمطل ذما، فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأته، فإنه أجزل عطاء وأعظم أجرا، واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما (2)، واعلموا أن المعروف مكسب حمدا، ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا
جميلا تسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا (3) مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الابصار. أيها الناس من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة، وإن أوصل الناس من وصل من
- - - - بدهشة. أي لو كانت الدنيا آخر أمركم وليس وراءها شئ لجدير بأن الانسان يجد ويتعب ويسعى لطلب الخلاص من الموت وتبعاته ويشغل عن غيره. (1) كشف النعمة ج 2 ص 241. (2) حار يحور حورا: رجع. (3) السمج: القبيح.
[122]
قطعه، والاصول على مغارسها بفروعها تسموا، فمن تعجل لاخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والاخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين. 5 - وخطب عليه السلام (1) فقال: إن الحلم زينة، والوفاء مروة، والصلة نعمة، والاستكبار صلف (2) والعجلة سفه، والسفه ضعف، والغلو ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شر، ومجالسة أهل الفسق ريبة. 6 - كشف (3): وأما شعر الحسين عليه السلام فقد ذكر الرواة له شعرا ووقع إلي شعره عليه السلام بخط الشيخ عبد الله بن أحمد بن الخشاب النحوي (ره) وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى: أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبد الله الحسين عليهما السلام إنما هو ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانه وأماكنه، ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمن بن نجبة الخزاعي وكان
عارفا بأمر أهل البيت عليهم السلام ومنهم: المسيب بن رافع المخزومي وغيره رجال كثير ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع (4) هذه الابيات فقلت له اكتبنيها فقال لي: ما أحسن رداءك هذا، وكنت قد اشتريته يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فاكتبنيها وهي: قال أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى عليه السلام: ذهب الذين احبهم * وبقيت فيمن لا احبه في من أراه يسبني * ظهر المغيب ولا اسبه
(1) المصدر ج 2 ص 242. (2) الصلف مجاوزة القدر في الظرف والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا. (3) المصدر ج 2 ص 245. (4) بفتح السين موضع بقرب المدينة.
[123]
يبغى فسادي ما استطاع * وأمره مما أربه حنقا يدب إلى الضراء * وذاك مما لا أدبه ويرى ذباب الشر من * حولي يطن ولا يذبه وإذا خبا وغر الصدور * فلا يزال به يشبه (1) أفلا يعيج بعقله * أفلا يتوب إليه لبه (2) أفلا يرى أن فعله * مما يسور إليه غبه حسبي بربي كافيا * ما أختشى والبغي حسبه ولقل من يبغى عليه * فما كفاه الله ربه (3) وقال عليه السلام:
إذا ما عضك الدهر فلا تجنح إلى خلق * ولا تسأل سوى الله تعالى قاسم الرزق فلو عشت وطوفت من الغرب إلى الشرق * لما صادفت من يقدر أن يسعد أو يشقى وقال عليه السلام: الله يعلم أن ما يبدي يزيد لغيره * وبأنه لم يكتسبه بغيره وبميره (4) لو أنصف النفس الخؤن لقصرت من سيره * ولكان ذلك منه أدنى شره من خيره كذا بخط ابن الخشاب " شره " بالاضافة، وأظنه وهما منه لانه لا معنى له على الاضافة، والمعنى أنه لو أنصف نفسه أدنى الانصاف شره على المفعولية. من خيره أي صار ذا خير. قال عليه السلام: إذا استنصر المرء امرءا لا يدي له * فناصره والخاذلون سواء
(1) خبا أي سكن. ووغر الصدور: حرها. ويشبه أي يشعله ويوقده. (2) يعيج أي يقيم ويرجع. ويثوب أي يرجع، واللب: العقل. (3) في بعض النسخ " الا كفاه الله ربه ". (4) غار الرجل. وغار لهم. ومار لهم، ومار بهم وهى الغيرة والميرة.
[124]
أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه * وليس على الحق المبين طخاء (1) أليس رسول الله جدي ووالدي * أنا البدران خلا النجوم خفاء ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا * صباحا ومن بعد الصباح مساء ينازعني والله بيني وبينه * يزيد وليس الامر حيث يشاء فيا نصحاء الله أنتم ولاته * وأنتم على أديانه امناء بأي كتاب أم بأية سنة * تناولها عن أهلها البعداء وهي طويلة، وقال عليه السلام: (2) أنا الحسين بن علي بن أبي * طالب البدر بأرض العرب
ألم تروا وتعلموا أن أبي * قاتل عمرو ومبير مرحب ولم يزل قبل كشوف الكرب * مجليا ذلك عن وجه النبي أليس من أعجب عجب العجب * أن يطلب الابعد ميراث النبي " والله قد أوصى بحفظ الاقرب " وقال عليه السلام: (3) ما يحفظ الله يصن * ما يضع الله يهن من يسعد الله يلن * له الزمان إن خشن أخي اعتبر لا تغترر * كيف ترى صرف الزمن يجزى بما اوتي من * فعل قبيح أو حسن أفلح عبد كشف * الغطاء عنه ففطن وقر عينا من رأى * إن البلاء في اللسن فماز من ألفاظه * في كل وقت ووزن
(1) الطخاء: السحاب المرتفع، وما في السماء طخية - بالضم - أي شئ من السحاب. والطخياء: الليلة المظلمة وظلام طاخ. (2) الكشف: ج 2 ص 248. (3) المصدر: ج 2 ص 248.
[125]
وخاف من لسانه * عزبا حديدا فخزن ومن يكن معتصما * بالله ذي العرش فلن يضره شئ ومن * يعدى على الله ومن من يأمن الله يخف * وخائف الله أمن وما لما يثمره الخوف من الله ثمن
يا عالم السر كما * يعلم حقا ما علن صلى على جدي أبي القاسم ذي النور المنن أكرم من حي ومن * لفف ميتا في كفن وامنن علينا بالرضى * فأنت أهل للمنن وأعفنا في ديننا من * كل خسر وغبن ما خاب من خاب كمن * يوما إلى الدنيا ركن طوبى لعبد كشفت * عنه غبابات الوسن والموعد الله وما * يقض به الله يكن وهي طويلة، وقال عليه السلام (1): أبي علي وجدي خاتم الرسل * والمرتضون لدين الله من قبلي والله يعلم والقرآن ينطقه * إن الذي بيدي من ليس يملك لي ما يرتجى بامرء لا قائل عذلا * ولا يزيغ إلى قول ولا عمل ولا يرى خائفا في سره وجلا * ولا يحاذر من هفو ولا زلل يا ويح نفسي ممن ليس يرحمها * أما له في كتاب الله من مثل أماله في حديث الناس معتبر * من العمالقة العادية الاول يا أيها الرجل المغبون شيمته * إني ورثت رسول الله عن رسل أأنت أولى به من آله فبما * ترى اعتللت وما في الدين من علل وفيها أبيات اخر.
(1) الكشف: ج 2 ص 249.
[126]
وقال عليه السلام: يا نكبات الدهر دولي دولي * وأقصري إن شئت أو أطيلي (1)
منها: رميتني رمية لا مقيل * بكل خطب فادح جليل وكل عبء أيد ثقيل * أول ما رزئت بالرسول وبعد بالطاهرة البتول * والوالد البر بنا الوصول وبالشقيق الحسن الجليل * والبيت ذي التأويل والتنزيل وزورنا المعروف من جبريل * فما له في الزرء من عديل ما لك عني اليوم من عدول * وحسبي الرحمن من منيل قال: تم شعر مولينا الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وهو عزيز الوجود. 7 - جع (2): روي أن الحسين بن علي عليهما السلام جاءه رجل وقال: أنا رجل عاص ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال عليه السلام: افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت، فأول ذلك: لا تأكل زرق الله واذنب ما شئت، والثاني: اخرج من ولاية الله واذنب ما شئت، والثالث: اطلب موضعا لا يراك الله واذنب ما شئت، والرابع: إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت، والخامس: إذا أدخلك مالك في النار فلا تدخل في النار واذنب ما شئت. 8 - ختص (3): قال الصادق عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام أن رجلا من أهل الكوفة كتب إلى الحسين بن علي عليهما السلام: يا سيدي أخبرني بخير الدنيا والاخرة فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله امور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس والسلام. 9 - الدرة الباهرة (4): قال الحسين بن علي عليهما السلام: إن حوائج الناس إليكم
(1) دال الايام: دارت. ودال الزمان: انقلب من حال إلى حال.
(2) جامع الاخبار الفصل 89 وفيه عن علي بن الحسين. (3) الاختصاص ص 225. (4) مخطوط.
[127]
من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم. وقال عليه السلام: اللهم لا تستدرجني بالاحسان، ولا تؤدبني بالبلاء. وقال عليه السلام: من قبل عطاءك فقد أعانك على الكرم. وقال عليه السلام: مالك إن لم يكن لك كنت له، فلا تبق عليه فإنه لا يبقى عليك وكله قبل أن يأكلك. 10 - كنز الكراجكى (1): قال الحسين بن علي عليهما السلام يوما لابن عباس: لا تتكلمن فيما لا يعنيك فإني أخاف عليك الوزر، ولا تتكلمن فيما يعنيك حتى ترى للكلام موضعا، فرب متكلم قد تكلم بالحق فعيب، ولا تمارين حليما ولا سفيها، فان الحليم يقليك، والسفيه يؤذيك، ولا تقولن في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلا ما تحب أن يقول فيك إذا تواريت عنه، واعمل عمل رجل يعلم أنه مأخوذ بالاجرام، مجزي بالاحسان، والسلام. وبلغه عليه السلام كلام نافع بن جبير (2) في معاوية وقوله: " إنه كان يسكته الحلم وينطقه العلم "، فقال: بل كان ينطقه البطر ويسكته الحصر. 11 - أعلام الدين (3) قال الحسين بن علي عليهما السلام: اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتتحول إلى غيركم، واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين، ويفوق العالمين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا قبيحا مشوها تنفر منه القلوب وتغض دونه الابصار، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله تعالى عنه كرب
الدنيا والاخرة، من أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين. وتذاكروا العقل عند معاوية فقال الحسين عليه السلام: لا يكمل العقل إلا باتباع الحق، فقال معاوية: ما في صدوركم إلا شئ واحد. وقال عليه السلام: لا تصفن لملك دواء فإن نفعه لم يحمدك وإن ضره اتهمك.
(1) المصدر: ص 194. (2) ابن مطعم يكنى أبا محمد أو أبا عبد الله مات سنة 99. (3) مخطوط.
[128]
وقال عليه السلام: رب ذنب أحسن من الاعتذار منه. وقال عليه السلام: مالك إن لم يكن لك كنت له منفقا، فلا تنفقه بعدك فيكن ذخيرة لغيرك وتكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه، اعلم. أنك لا تبقى له، ولا يبقى عليك، فكله قبل أن يأكلك. وكان عليه السلام يرتجز يوم قتل ويقول: الموت خير من ركوب العار * والعار خير من دخول النار والله من هذا وهذا جار وقال عليه السلام: دراسة العلم لقاح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل، والشرف التقوى، والقنوع راحة الابدان، ومن أحبك نهاك، ومن أبغضك أغراك. وقال عليه السلام: من أحجم عن الرأي وعييت به الحيل كان الرفق مفتاحه (1). 21. * (باب) * * " (وصايا على بن الحسين عليهما السلام ومواعظه وحكمه) " * 1 - ف (2): من كلامه عليه السلام في الزاهدين: إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الاخرة تركهم كل خليط
وخليل، ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون. ألا وإن العامل لثواب الاخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الاخذ للموت أهبته (3) الحاث على العمل قبل فناء الاجل، ونزول ما لابد من لقائه، وتقديم الحذر قبل الحين (4) فإن الله عزوجل يقول: " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا
فيما تركت (1) " فلينزلن أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور إلى الدنيا، النادم على ما فرط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته. واعلموا عباد الله ! أنه من خاف البيات تجافى عن الوساد، وامتنع من الرقاد (2) وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا، فكيف - ويحك - يا ابن آدم من خوف بيات سلطان رب العزة ؟ وأخذه الاليم وبياته لاهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا (3) بالليل والنهار، فذلك البيات الذي ليس منه منجى، ولا دونه ملتجأ، ولا منه مهرب. فخافوا الله أيها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى، فإن الله يقول: " ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (4) ". فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها، وتذكروا ضرر عاقبة الميل إليها، فإن زينتها فتنة وحبها خطيئة. واعلم - ويحك - يا ابن آدم أن قسوة البطنة، وفترة الميلة، وسكر الشبع، وغرة الملك (5) مما يثبط ويبطئ عن العمل وينسي الذكر، ويلهي عن اقتراب الاجل، حتى كأن المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب (6) وأن العاقل عن
الله، الخائف منه، العامل له ليمرن نفسه ويعودها الجوع، حتى ما تشتاق إلى الشبع، وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان (7).
(1) المؤمنون: 100. (2) البيات: الهجوم على الاعداء ليلا. وتجافي: تنحى، والوسادة - بالتثليث: المخدة والمتكاء. والرقاد: النوم. (3) المنايا: جمع المنية أي الموت. وطوارق المنية: دواهي الموت. (4) سورة ابراهيم: 18. (5) البطنة - بالكسر -: الامتلاء الشديد من الاكل. وفى بعض النسخ " نشوة البطنة وفطرة الميلة " والميلة: الرغبة. وفى بعض النسخ " عزة الملك " والعزة: الحمية والغلبة. (6) الخبل - بالتحريك -: اصابة الجنون وفساد في العقل. (7) تضمير الفرس أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده عن القوت وذلك في أربعين يوما.
[130]
فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمل ثوابه، وخاف عقابه (1)، فقد لله أنتم أعذرو أنذر وشوق وخوف، فلا أنتم إلى ما شوقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون، ولا أنتم مما خوفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون (2) وقد نبأكم الله في كتابه أنه: " من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون (3) ". ثم ضرب لكم الامثال في كتابه وصرف الايات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم (4) " فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا، فاتقوا الله واتعظوا بمواعظ الله. وما أعلم إلا كثيرا منكم قد نهكته (5) عواقب المعاصي فما حذرها، وأضرت بدينه فما مقتها. أما تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال: " اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد
كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الاخرة عذاب شديد. ومغفرة من الله ورضوان وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (6) ". وقال: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم اولئك هم الفاسقون (7) ".
(1) الخاف: الشديد الخوف. (2) تنكلون: تنكصون وتخافون. (3) سورة الانبياء: 94. (4) سورة التغابن: 15. (5) نهكه: بالغ في عقوبته. ونهك العمى فلانا: هزلته وأضنته. وفى بعض النسخ " لقد هلكته ". (6) سورة الحديد: 20 - 21. (7) سورة الحشر: 18 - 19.
[131]
فاتقوا الله عباد الله وتفكروا واعملوا لما خلقتم له، فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى، قد عرفكم نفسه، وبعث إليكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه، فيه حلاله وحرامه، وحججه وأمثاله، فاتقوا الله فقد احتج عليكم ربكم فقال: ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين (1): فهذه حجة عليكم فاتقوا الله ما استطعتم فإنه لا قوة إلا بالله ولا تكلان إلا عليه وصلى الله على محمد [نبيه] وآله. 2 - ف (2): كتابه عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري يعظه (3).
(1) سورة البلد: 8 - 10. (2) التحف ص. 274 (3) محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبد الله بن شهاب الزهري على ما يظهر من كتب التراجم من المنحرفين عن أمير المؤمنين وأبنائه عليهم السلام كان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير وجده عبيدالله مع المشركين يوم بدر، وكان هو أكثر عمره عاملا لبنى مروان ويتقلب في دنياهم، جعله هشام بن عبد الملك معلم أولاده وأمره أن يملى على أولاده أحاديث فأملى عليهم أربعمائة حديث. وأنت خبير بأن الذى خدم بنى امية منذ خمسين سنة ما مبلغ علمه وماذا حديثه ومعلوم أن كل ما أملى من هذه الاحاديث هو ما يروق هؤلاء ولا يكون فيه شئ من فضل على عليه السلام وولده. ومن هنا أطراه علماؤهم ورفعوه فوق منزلته بحيث تعجب ابن حجر من كثرة ما نشره من العلم. روى ابن أبى الحديد في شرح النهج على ما حكاه صاحب تنقيح - المقال (ره) - عن جرير بن عبد الحميد عن محمد بن شيبة قال: شهدت الزهري وعروة بن الزبير في مسجد النبي صلى الله عليه وآله جالسان يذكران عليا عليه السلام ونالا منه فبلغ ذلك على بن الحسين عليهما السلام فجاء حتى وقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة فان أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لابي على أبيك، وأما أنت يا زهرى فلو كنت بمكة لاريتك كرامتك. وفى رجال الشيخ الطوسى والعلامة وابن داود والتفرشى أنه عدو، وفى المحكى عن السيد بن طاووس في التحرير الطاووسي أن سفيان بن سعيد والزهرى عدوان متهمان. وبالتأمل في رسالة الامام عليه السلام يعلم صدق ما قلناه.
[132]
كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك، فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك، وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وعرفك من سنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله، فرض لك في كل نعمة أنعم بما عليك وفي كل حجة احتج
بها عليك الفرض فما قضى إلا ابتلى شكرك في ذلك، وأبدى فيه فضله عليك (1) فقال: " لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (2) ". فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها، وعن حججه عليك كيف قضيتها، ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير ولا راضيا منك بالتقصير، هيهات هيهات ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال: " لتبيننه للناس ولا تكتمونه (3) " واعلم أن أدنى ما كتمت وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دعيت، فما أخوفني أن تكون تبوء بإثمك غدا مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا، ولم ترد باطلا حين أدناك، وأحببت من حاد الله (4) أو ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم،
(1) في بعض النسخ " فرضى لك في كل نعمة أنعم بها عليك وفى كل حجة أحتج بها عليك الفرض بما قضى الا ابتلى شكرك. الخ ". (2) سورة ابراهيم: 7. (3) سورة آل عمران: 187. (4) في بعض النسخ " وأجبت من حاد الله ".
[133]
واختلاف الخاصة والعامة إليهم. فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك، فيكف ما خربوا عليك. فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك
وحاسبها حساب رجل مسؤول. وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الادنى ويقولون سيغفر لنا (1) " إنك لست في دار مقام. أنت في دار قد آذنت برحيل، فما بقاء المرء بعد قرنائه. طوبى لمن كان في الدنيا على وجل، يا بؤس لمن يموت وتبقى ذنوبه من بعده. احذر فقد نبئت، وبادر فقد اجلت، إنك تعامل من لا يجهل، وإن الذي يحفظ عليك لا يغفل، تجهز فقد دنا منك سفر بعيد، وداو ذنبك فقد دخله سقم شديد. ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك (2) لكني أردت أن ينعش الله ما [قد] فات من رأيك، ويرد إليك ما عزب من دينك (3) وذكرت قول الله تعالى في كتابه: " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (4) ". أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب (5). أنظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت، أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه، أم هل تراهم
(1) سورة الاعراف: 168. (2) عنفه: لامه وعتب عليه ولم يرفق به. وينعش الله ما فات أي يجبر ويتدارك. (3) عزب - بالعين المهملة والزاى المعجمة -: بعد. (4) سورة الذاريات: 55. (5) الاعضب: المكسور القرن. ولعل المراد: بقيت كاحد قرنى الاعضب. والعضباء: الشاة المكسورة القرن.
[134]
ذكرت خيرا علموه (1) وعلمت شيئا جهلوه، بل حظيت (2) بما حل من حالك في
صدور العامة وكلفهم بك، إذ صاروا يقتدون برأيك، ويعملون بأمرك. إن أحللت أحلوا وإن حرمت حرموا، وليس ذلك عندك، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم فيما لديك ذهاب علمائهم وغلبة الجهل عليك وعليهم، وحب الرئاسة وطلب الدنيا منك ومنهم. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة، قد ابتليتهم وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم مما رأوا، فتاقت نفوسهم (3) إلى أن يبلغوا من العلم ما بلغت، أو يدركوا به مثل الذي أدركت، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه، وفي بلاء لا يقدر قدره. فالله لنا ولك وهو المستعان. أما بعد فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسما لهم (4) لاصقة بطونهم بظهورهم، ليس بينهم وبين الله حجاب، ولا تفتنهم الدنيا ولا يفتنون بها، رغبوا فطلبوا، فما لبثوا أن لحقوا، فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ مع كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك، فكيف يسلم الحدث في سنه، الجاهل في علمه، المأفون في رأيه (5)، المدخول في عقله. إنا لله وإنا إليه راجعون. على من المعول ؟ وعند من المستعتب ؟ نشكو إلى الله بثنا (6) وما نرى فيك، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك. فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا، وكيف إعظامك لمن
(1) في بعض النسخ " أم هل ترى ذكرت خيرا علموه وعملت شيئا جهلوه ". وفى بعضها " أم هل تراه ذكرا خيرا عملوه وعملت شيئا جهلوه ". (2) من الحظ. رجل حظى إذا كان ذا منزلة. (3) تافت: اشتافت. (4) الاسمال: جمع سمل - بالتحريك -: الثوب الخلق البالى. (5) المأفون: الذى ضعف رأيه. والمدخول في عقله: الذى دخل في عقله الفساد. (6) المعول: المعتمد والمستغاث. واستعتبه: استرضاه. والبث: الحال، الشتات، أشد الحزن. (*)
[135]
جعلك بدينه في الناس جميلا، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا، وكيف قربك أو بعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا. مالك لا تنتبه من نعستك، وتستقيل من عثرتك، فتقول: والله ما قمت لله واحدا أحييت به له دينا أو أمت له فيه باطلا، فهذا شكرك من استحملك (1) ما أخوفني أن تكون كمن قال الله تعالى في كتابه: " أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (2) " استحملك كتابه، واستودعك علمه فأضعتها، فنحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به، والسلام. 3 - ف (3): وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني: 1 - وقال عليه السلام: الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين. 2 - وقال عليه السلام: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا. 3 - وقيل له: من أعظم الناس خطرا (4) ؟ فقال عليه السلام: من لم ير الدنيا خطرا لنفسه. 4 - وقال بحضرته رجل: اللهم أغنني عن خلقك (5). فقال عليه السلام: ليس هكذا: إنما الناس بالناس، ولكن قل: اللهم أغنني عن شرار خلقك. 5 - وقال عليه السلام: من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس (6). 6 - وقال عليه السلام: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل. 7 - وقال عليه السلام: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل،
(1) استحملك: سألك أن يحمل. وفى بعض النسخ " من استعملك ". أي سألك أن يعمل. (2) سورة مريم: 59. (3) التحف ص 278.
(4) الخطر - بالتحريك -: الخطير أي ذو قدر ومقام. (5) في بعض النسخ " من خلقك ". (6) في بعض النسخ " كان " موضع " فهو ".
[136]
فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير (1). 8 - وقال عليه السلام: كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك. 9 - وقال عليه السلام: الخير كله صيانة الانسان نفسه. 10 - وقال عليه السلام لبعض بنيه: يا بني إن الله رضيني لك ولم يرضك لي، فأوصاك بي ولم يوصني بك، عليك بالبر تحفة يسيرة. 11 - وقال له رجل: ما الزهد ؟ فقال عليه السلام: الزهد عشرة أجزاء (2): فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضى. وإن الزهد في آية من كتاب الله: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم (3) ". 12 - وقال عليه السلام: طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة، ومذهبة للحياء، واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر. وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر. 13 - وقال عليه السلام: إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا، وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا، وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله (4)، وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله.
(1) رواه الكليني في الكافي ج 2 ص 338 وفيه بعد قوله: " على الكبير ": " أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا، وما
يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا ". (2) رواه الكليني في الكافي ج 2 ص 129 باسناده عن هاشم بن بريد عن أبيه أن رجلا سأل على بن الحسين عليهما السلام عن الزهد فقال: عشرة أشياء. الحديث. وفى ص 62: عنه عليه السلام أيضا وفيه عشرة أجزاء وهكذا رواه الصدوق في الخصال. (3) سورة الحديد: 23. (4) وكذا في الكافي والفقيه. وفى بعض النسخ " أسعاكم على عياله ".
[137]
14 - وقال عليه السلام لبعض بنيه: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقال: يا أبه من هم (1) ؟ قال عليه السلام: إياك ومصاحبة الكذاب، فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد، ويبعد لك القريب. وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك باكلة (2) أو أقل من ذلك، وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. وإياك ومصاحبة الاحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله (3). 15 - وقال عليه السلام: إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه (4). 16 - وقال عليه السلام ابن آدم ! إنك لا تزال بخير ما كان واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا، والحذر لك دثارا (5). ابن آدم ! إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل، فأعد له جوابا (6).
(1) في الكافي ج 2 ص 641 " يا أبه من هم عرفنيهم ". (2) الاكلة - بضم الهمزة -: اللقمة.
(3) رواه الكليني (ره) في الكافي ج 2 ص 641 وفيه: فانى وجدته ملعونا في كتاب الله عزوجل في ثلاثة مواضع: قال الله عزوجل: " فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمى أبصارهم ". وقال عزوجل: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ". وقال في البقرة: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون ". (4) رواه الصدوق (ره) في الخصال والكليني (ره) في الكافي ج 2 ص 240 وفيهما " ان المعرفة بكمال دين المسلم ". (5) ورواه المفيد (ره) في أماليه وفيه " والحزن دثارا ". وهكذا في أمالى الشيخ. (6) في الامالى " ابن آدم انك ميت ومبعوث بين يدى الله. الخ.
[138]
17 - وقال عليه السلام: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بالتفقه. ألا وإن أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله. 18 - وقال عليه السلام: المؤمن من دعائه على ثلاث: إما أن يدخر له، وإما إن يعجل له، وإما أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه. 19 - وقال عليه السلام: إن المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر ولا يأتي، إذا قام إلى الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر (1) يمسي وهمه العشاء ولم يصم (2) ويصبح وهمه النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط عمله بحمله، يجلس ليعلم (3) وينصت ليسلم، لا يحدث بالامانة الاصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئا من الحق رئاء، ولا يتركه حياء. إن زكي خاف مما يقولون، ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا يضره جهل من جهله.
20 - ورأى عليه السلام عليلا قد برئ فقال عليه السلام له: يهنئك الطهور من الذنوب إن الله قد ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره.
(1) رواه الكليني في الكافي ج 2 ص 396 عن أبى حمزة عنه عليه السلام وفيه " يأمر بما لا يأتي وإذا قام إلى الصلاة اعترض، قلت: يا ابن رسول الله وما الاعتراض ؟ قال: الالتفات. وإذا ركع ربض - الخ ". والربوض استقرار الغنم وشبهه على الارض وكأن المراد انه يسقط نفسه على الارض من قبل أن يرفع رأسه من الركوع كاسقاط الغنم عند ربوضه. والنقر التقاط الطائر الحب بمنقاره. أي خف السجود. ورواه الصدوق رحمه الله في الامالى المجلس 74 بتقديم وتأخير مع زيادة. (2) العشاء - بالفتح: الطعام الذى يتعشى به. (3) رواه الكليني في الكافي ج 2 ص 231 وفيه " يصمت ليسلم وينطق ليغنم، لا يحدث أمانته الاصدقاء ولا يكتم شهادته من البعداء - إلى أن قال -: لا يغره قول من جهله ويخاف أحصاء ما عمله ".
[139]
21 - وقال عليه السلام: خمس لو رحلتم فيهن لانضيتموهن (1) وما قدرتم على مثلهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي الجاهل إذا سئل عما لا يعلم أن يتعلم. والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. 22 - وقال عليه السلام: يقول الله: يا ابن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس. ابن آدم ! إعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس. ابن آدم ! اجتنب مما حرمت عليك تكن من أورع الناس. 23 - وقال عليه السلام: كم من مفتون بحسن القول فيه، وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج بالاحسان إليه.
24 - وقال عليه السلام: يا سوأتاه لمن غلبت إحداته عشراته. - يريد أن السيئة بواحدة، والحسنة بعشرة -. 25 - وقال عليه السلام: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة. وإن الاخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الاخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا، والراغبين في الاخرة، لان الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطا، والتراب فراشا، والمدر وسادا، والماء طيبا، وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا. اعلموا أنه من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الحسنات وسلا عن الشهوات (2) ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله من ذنوبه، وراجع عن المحارم. ومن زهد
(1) أنضت الدابة: هزلتها الاسفار. والظاهر أن الضمير راجع إلى المطية التى تفهم من فحوى الكلام، وقد مضى هذا الكلام أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام كرارا، وفى بعض النسخ " لو دخلتم فيهن لا بعتموهن ". ورواه الصدوق في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام بدون قوله " لا نضيتموهن ". (2) سلا عن الشئ: نسيه وهجره. واشفق: خاف وحذر. ورواه الكليني في الكافي ج 2 ص 132 بادنى تفاوت.
[140]
في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم يكرهها. وإن لله عزوجل لعبادا قلوبهم معلقة بالاخرة وثوابها، وهم كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، فاولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة، وذلك أن قلوبهم عن الناس مشغولة بخوف الله فطرفهم عن الحرام مغضوض، وحوائجهم إلى الناس خفيفة، قبلوا اليسير من الله في المعاش وهو القوت، فصبروا أياما قصارى لطول الحسرة يوم القيامة.
26 - وقال له رجل: إني لاحبك في الله حبا شديدا، فنكس عليه السلام رأسه (1) ثم قال: اللهم إني أعوذ بك أن احب فيك وأنت لي مبغض. ثم قال له: احبك للذي تحبني فيه. 27 - وقال عليه السلام: إن الله ليبغض البخيل السائل الملحف. 28 - وقال عليه السلام: رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا، يأكل ويشرب وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطة يصلى بها نار جهنم (2). 29 - وقال عليه السلام: إن من أخلاق المؤمن الانفاق على قدر الاقتار (3). والتوسع على قدر التوسع، وإنصاف الناس من نفسه، وابتداؤه إياهم بالسلام. 30 - وقال عليه السلام: ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس واغتيابهم، وإشغاله نفسه بما ينفعه لاخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته. 31 - وقال عليه السلام: نظر المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة. 32 - وقال عليه السلام: ثلاث من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله (4) وأظله الله يوم القيامة في ظل عرشه، وآمنه من فزع اليوم الاكبر: من أعطى من نفسه
(1) نكس رأسه: طأطأه وخفضه. (2) في بعض النسخ " يصله بها في نار جهنم ". (3) الاقتار: القلة والتضيق في الرزق. (4) كنف الله - بالتحريك -: ظله وحضنه.
[141]
ما هو سائلهم لنفسه، ورجل لم يقدم يدا ولا رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته. ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه، وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن عيوب الناس.
33 - وقال عليه السلام: ما من شئ أحب إلى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج، وما [من] شئ أحب إلى الله من أن يسأل. 34 - وقال لابنه محمد عليهما السلام: افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن بأهل كنت أنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره (1). 35 - وقال عليه السلام: مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح (2) وآداب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة الامر تمام العز، واستنماء المال تمام المروة (3) وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الاذى من كمال العقل. وفيه راحة للبدن عاجلا وآجلا (4). 36 - وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا قرأ هذه الاية: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها (5) " يقول عليه السلام: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا
(1) رواه الكليني في الروضة وفيها " وان لم يكن أهله كنت أنت أهله ". (2) في الكافي " مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ". (3) في الكافي " طاعة ولاة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروة ". (4) قال الفيض - رحمه الله -: في كلامه عليه السلام ترغيب إلى المعاشرة مع الناس والمؤانسة بهم واستفادة كل فضيلة من أهلها وزجر عن الاعتزال والانقطاع اللذين هما منبت النفاق ومغرس الوسواس والحرمان عن المشرب الاتم المحمدى والمقام المحمود الجمعى، والموجب لترك كثير من الفضائل والخيرات وفوت السنن الشرعية وآداب الجمعة والجماعات وانسداد أبواب مكارم الاخلاق. (5) سورة ابراهيم: 37. أي لا تحصروها ولا تطيقوا عد أنواعها فضلا من أفرادها فانها غير متناهية. قاله البيضاوى.
[142]
المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم بأنه لا يدركه، فشكر عزوجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفته، وجعل معرفتهم بالتقصير شكرا، كما جعل علم العالمين أنهم لا يدركونه إيمانا، علما منه أنه قد [ر] وسع العباد فلا يجاوزون ذلك. 37 - وقال عليه السلام: سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا، سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا. 4 - ما (1): عن الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام وهو يقول: عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة، والعجب كل العجب لمن شك في الله وهو يرى الخلق، والعجب كل العجب لمن أنكر الموت وهو يموت في كل يوم وليلة، والعجب كل العجب لمن نكر النشأة - الاخرى، وهو يرى النشأة الاولى، والعجب كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء. 5 - الدرة الباهرة (2): قال علي بن الحسين عليهما السلام: خف الله تعالى لقدرته عليك، واستحي منه لقربه منك، ولا تعادين أحدا وإن ظننت أنه لا يضرك ولا تزهدن صداقة أحد، وإن ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى ترجو صديقك، ولا تدري متى تخاف عدوك، ولا يعتذر إليك أحد إلا قبلت عذره، وإن علمت أنه كاذب، وليقل عيب الناس على لسانك. وقال عليه السلام: من عتب على الزمان طالت معتبته. وقال عليه السلام: ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه، ومن اتكل على حسن اختيار الله عزوجل له لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله تعالى له.
(1) الامالى ج 2 ص 277. (2) مخطوط.
[143]
وقال عليه السلام: الكريم يبتهج بفضله، واللئيم يفتخر بملكه. 6 - لى (1): عن أبيه، عن الحميري، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يعظ الناس يزهدهم في الدنيا، ويرغبهم في أعمال الاخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وحفظ عنه وكتب، وكان يقول: أيها الناس اتقول الله واعلموا أنكم إليه ترجعون " فتجد كل نفس ما عملت - في هذه الدنيا - من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه " ويحك ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه، ابن آدم إن أجلك أسرع شئ إليك، قد أقبل نحوك حثيثا (2) يطلبك، ويوشك أن يدركك، وكأن قد أوفيت أجلك، وقبض الملك روحك، وصرت إلى منزل وحيدا فرد إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك، ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تبعده، وعن نبيك الذي ارسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولاه، ثم عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته، وفيما أتلفته، فخذ حذرك وانظر لنفسك، وأعد للجواب قبل الامتحان، والمسألة والاختبار، فإن تك مؤمنا تقيا عارفا بدينك، متبعا للصادقين، مواليا لاولياء الله لقاك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب فأحسنت الجواب، فبشرت بالجنة والرضوان من الله والخيرات الحسان واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودحضت حجتك، وعييت عن الجواب (3)
وبشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب، بنزل من حميم وتصلية جحيم (4).
(1) المجلس السادس والسبعون ص 301. (2) الحثيث: السريع. اقتحم المنزل: هجمه، والامر: رمى نفسه فيه بشدة ومشقة. (3) التلجلج: التردد في الكلام. والدحض: الابطال، والعى: العجز عن الكلام. (4) النزل - بضم النون: ما يعد للضيف. والحميم النار.
[144]
فاعلم ابن آدم إن من وراء هذا ما هو أعلم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة " ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " ويجمع الله فيه الاولين والاخرين ذلك يوم ينفخ في الصور وتبعثر فيه القبور، ذلك يوم الازفة إذ القلوب لدى الجناجر كاظمين (1) ذلك يوم لا تقال فيه عثرة، ولا تؤخذ من أحد فيه فدية، ولا تقبل من أحد فيه معذرة، ولا لاحد فيه مستقبل توبة، ليس إلا الجزاء بالحسنات، والجزاء بالسيئات، فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان عمل من المؤمنين في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده. فاحذروا أيها الناس من المعاصي والذنوب فقد نهاكم الله عنها وحذركموها في الكتاب الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وشدة أخذه عند ما يدعوكم إليه الشيطان اللعين من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله يقول: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (2) " فاشعروا قلوبكم - لله أنتم - خوف الله، وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه، كما قد خوفكم من شديد العقاب، فإنه من خاف شيئا حذره، ومن حذر شيئا نكله، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا فتكونوا من الذين مكروا السيئات، وقد قال الله تعالى " أفامن الذين مكروا
السيئات أن يخسف الله بهم الارض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤف رحيم (3) ". فاحذروا ما قد حذركم الله، واتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب، تالله لقد وعظتم بغيركم، وإن السعيد من وعظ بغيره، ولقد أسمعكم الله في الكتاب ما فعل
(1) أزف الرحيل: قرب. وفى المصدر " لدى الحناجر كاظمة ". (2) الاعراف: 201. والطائف: الخيال أو الوسوسة ما يقال له بالفارسية " خيال " (3) النحل: 44 إلى 47. وتقلبهم أي إذا كانوا في اسفارهم أو مشغولين في تجاراتهم. وقوله " على تخوف " أي تنقص شيئا فشيئا حتى يهلك الجمبع.
[145]
بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: " وكم أهلكنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين * فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون (يعني يهربون) * لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون (فلما آتيهم العذاب) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين (1) " وأيم الله إن هذه لعظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم. ثم رجع إلى القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب. فقال: " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين (2) " فإن قلتم أيها الناس: إن الله إنما عنى بهذا أهل الشكر فكيف ذاك وهو يقول: " ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (3) " ؟. اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين وإنما تنشر الدواوين لاهل الاسلام، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله لم يختر
هذه الدنيا وعاجلها لاحد من أوليائه، ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها، وظاهر بهجتها، وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم أيهم أحسن عملا لاخرته، وأيم الله لقد ضرب لكم فيها الامثال، وصرف الايات لقوم يعقلون، فكونوا أيها المؤمنون من القوم الذين يعقلون ولا قوة إلا بالله، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله يقول وقوله الحق " إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض - الاية (4) " فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون، ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله قد قال لمحمد نبيه صلى الله عليه وآله ولاصحابه
(1) الانبياء: 12 إلى 15. وفى المصحف " وكم قصمنا " وقوله: " اترفتم " أي متعتم. وقوله " خامدين " أي ميتين كخمود النار إذا طفئت. (2) الانبياء: 46 وقوله: " نفحة " أي وقعة خفيفة. (3) الانبياء: 47. (4) يونس: 24.
[146]
" ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار (1) " ولا تركنوا إلى زهرة الحياة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان، فإنها دار قلعة وبلغة، ودار عمل، فتزودوا الاعمال الصالحة منها قبل أن تخرجوا منها، وقبل الاذن من الله في خرابها، فكأن قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها. وأسأل الله لنا ولكم العون على تزود التقوى، والزهد فيها، جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا، والراغبين العاملين لاجل ثواب الاخرة فإنما نحن به وله. ف (2) مرسلا مثله.
7 - لى (3) عن عبد الله بن النصر التيمي، عن جعفر بن محمد المالكي، عن عبد الله بن محمد بن عمرو الاطروش، عن صالح بن زياد، عن عبد الله بن ميمون السكري، عن عبد الله بن معز الاودي، عن عمران بن سليم، عن سويد بن غفلة، عن طاووس اليماني قال: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راكع وساجد فتأملته فإذا هو علي بن الحسين عليهما السلام فقلت: يا نفس رجل صالح من أهل بيت النبوة والله لاغتمن دعاءه فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته ورفع باطن كفيه إلى السماء وجعل يقول: " سيدي سيدي هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة، وعيناي بالرجاء ممدودة، وحق لمن دعاك بالندم تذللا أن تجيبه بالكرم تفضلا، سيدي أمن أهل الشقاء فاطيل بكائي ؟ أم من أهل السعادة خلقتني فابشر رجائي (4)، سيدي الضرب المقامع خلقت أعضائي ؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي ؟ سيدي لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت أول الهاربين منك، لكني أعلم أني لا أفوتك، سيدي لو أن عذابي مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه، غير أني أعلم أنه
(1) هود: 113. ولا تركنوا أي لا تميلوا. (2) التحف: ص 249. (3) المجلس التاسع والثلاثون ص 132. (4) كذا.
[147]
لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص منه معصية العاصين، سيدي ما أنا وما خطري ؟ هب لي بفضلك، وجللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهلك، إلهي وسيدي ارحمني مصروعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي، وارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي، وارحمني محمولا قد تناول الاقرباء أطراف جنازتي، وارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي ووحدتي ". قال طاووس: فبكيت حتى علا نحيبي فالتفت إلي فقال: ما يبكيك يا يماني
أو ليس هذا مقام المذنبين ؟ فقلت: حبيبي حقيق على الله أن لا يردك، وجدك محمد صلى الله عليه وآله، قال: فبينا نحن كذلك إذ أقبل نفر من أصحابه فالتفت إليهم فقال: معاشر أصحابي اوصيكم بالاخرة، ولست اوصيكم بالدنيا، فإنكم بها مستوصون، وعليها حريصون. وبها مستمسكون، معاشر أصحابي إن الدنيا دار ممر، والاخرة دار مقر، فخذوا من ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، أما رأيتم وسمعتم ما استدرج به من كان قبلكم من الامم السالفة والقرون الماضية، لم تروا كيف فضح مستورهم، وأمطر مواطر الهوان عليهم بتبديل سرورهم بعد خفض عيشهم، ولين رفاهيتهم، صاروا حصائد النقم، ومدارج المثلاث، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. 8 - ما (1): عن المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن الثمالي قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: ابن آدم لا يزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا، والحزن لك دثارا، ابن آدم إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزوجل ومسؤول فأعد جوابا. 9 - ل (2): عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن
(1) الامالى ج 1 ص 114. (2) الخصال ج 1 ص 12.
[148]
محبوب، عن ابن عطية، عن الثمالي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بتفقه، ألا وإن أبغض الناس إلى الله عزوجل من يقتدي بسنة إمام
ولا يقتدي بأعماله. 10 - ل (1): عن أبيه، عن سعد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات: الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، ثم قال: إن نجوت يا ابن آدم عند الموت فأنت أنت، وإلا هلكت، وإن نجوت يا ابن آدم حين توضع في قبرك فأنت أنت وإلا هلكت، وإن نجوت يا ابن آدم في مقام القيامة فأنت أنت وإلا هلكت، وإن نجوت يا آدم حين يحمل الناس على الصراط فأنت أنت وإلا هلكت، وإن نجوت يا ابن آدم حين يقوم الناس لرب العالمين فأنت أنت وإلا هلكت، ثم تلا: " ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (2) " قال: هو القبر وإن لهم فيه لمعيشة ضنكا، والله إن القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ثم أقبل على رجل من جلسائه فقال له: قد علم ساكن السماء ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الرجلين أنت وأي الدارين دارك. كتاب الغايات (3) لجعفر بن أحمد القمي (ره) مرسلا مثله. 11 - ف (4): موعظة وزهد وحكمة: كفانا الله وإياكم كيد الظالمين، وبغي الحاسدين، وبطش الجبارين،
(1) الخصال ج 1 ص 59. (2) المؤمنون: 100. (3) مخطوط. (4) التحف: ص 252. ورواه الكليني في الروضة والمفيد في المجالس.
[149]
أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في الدنيا، المائلون إليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد، وهشيمها البائد غدا (1) واحذروا ما حذركم الله منها، وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها، ولا تركنوا إلى ما في هذه الدنيا ركون من أعدها دارا وقرارا، بالله إن لكم مما فيهما عليها دليلا (2) من زينتها، وتصريف أيامها، وتغيير انقلابها ومثلاتها، وتلاعبها بأهلها، إنها لترفع الخميل (3) وتضع الشريف، وتورد النار أقواما غدا، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه (4). وإن الامور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن (5) وحوادث البدع، وسنن الجور، وبوائق الزمان، وهيبة السلطان، ووسوسة الشيطان لتدبير القلوب عن نيتها (6) وتذهلها عن موجود الهدى (7) ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله عزوجل فليس يعرف تصرف أيامها، وتقلب حالاتها، وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصمه الله، ونهج سبيل الرشد، وسلك طريق القصد. ثم استعان على ذلك بالزهد، فكرر الفكر، واتعظ بالعبر وازدجر، فزهد في عاجل بهجة الدنيا،
(1) الهامد: البالى المسود المتغير واليابس من النبات والشجر. والهشيم: اليابس متكسر من كل شجر وكلاء، أصله المكسور. والبائد: الهالك. (2) في الروضة وامالي المفيد " ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان " وفى الروضة " والله لكم مما فيها عليها لدليلا وتنبيها من تصريف أيامها ". (3) الخميل: الخامل وهو الساقط الذى لا نباهة له. (4) في بعض النسخ " لمتنبه ". (5) في بعض النسخ الروضة " ملمات الفتن " وفى الامالى " مضلات الفتن ". (6) في بعض النسخ " لمثبطة القلوب " وفى بعضها وفى الامالى " ليذر القلوب عن تنبيهها " وفى بعض النسخ " لتثبط القلوب عن نيتها " وفى الروضة " لتثبط القلوب عن
تنبيهها ". (7) من اضاقة الصفة إلى الموصوف. وفى الامالى " عن وجود الهدى ".
[150]
وتجافى عن لذاتها، ورغب في دائم نعيم الاخرة، وسعى لها سعيها، وراقب الموت، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين، فعند ذلك نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة النظر (1) وأبصر حوادث الفتن، وضلال البدع، وجور الملوك الظلمة، فقد لعمري استدبرتم من الامور الماضية في الايام الخالية من الفتن المتراكمة، والانهماك فيها ما تستدلون به [على] تجنب الغواة وأهل البدع والبغي والفساد في الارض بغير الحق. فاستعينوا بالله، وارجعوا إلي طاعته وطاعة من هو أولى بالطاعة من طاعة من اتبع واطيع. فالحذر الحذر من قبل الندامة والحسرة، والقدوم على الله، والوقوف بين يديه. وتالله ما صدر قوم قط عن معصية الله إلا إلى عذابه، وما آثر قوم قط الدنيا على الاخرة إلا ساء منقلبهم وساء مصيرهم. وما العلم بالله (2) والعمل بطاعته إلا إلفان مؤتلفان، فمن عرف الله خافه، فحثه الخوف على العمل بطاعة الله، وإن أرباب العلم واتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا إليه وقد قال الله: " إنما يخشى الله من عباده العلمؤا (3) " فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله، واشتغلوا في هذه الدنيا بطاعة الله، واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله، فإن ذلك أقل للتبعة، وأدنى من العذر وأرجا للنجاة. فقدموا أمر الله وطاعته وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها ولا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت، وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة أولي الامر منكم، واعلموا أنكم عبيدالله ونحن معكم، يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم، فاعدوا الجواب قبل الوقوف
والمسألة والعرض على رب العالمين " يومئذ لا تكلم نفس إلا بإذنه ". واعلموا أن الله لا يصدق كاذبا، ولا يكذب صادقا، ولا يرد عذر مستحق،
(1) في بعض النسخ والروضة " بعين قرة ". (2) في بعض النسخ والامالي " وما العز بالله ". (3) سورة فاطر: 25.
[151]
ولا يعذر غير معذور، بل لله الحجة على خلقه بالرسل والاوصياء بعد الرسل. فاتقوا الله واستقبلوا من إصلاح أنفسكم (1) وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها، لعل نادما قد ندم على ما فد فرط بالامس في جنب الله، وضيع من حق الله (2) واستغفروا الله وتوبوا إليه، فإنه يقبل التوبة، ويعفوا عن السيئات، ويعلم ما تفعلون، وإياكم وصحبة العاصين، ومعونة الظالمين، ومجاورة الفاسقين. احذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم، واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر ولي الله في نار تلتهب، تأكل أبدانا [قد غابت عنها أرواحها] غلبت عليها شقوتها [فهم موتى لا يجدون حر النار (3)] فاعتبروا يا اولى الابصار واحمدوا الله على ما هداكم. واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله إلى غير قدرته وسيرى الله عملكم ثم إليه تحشرون فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين. 12 - جا (4): عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف عن ابن مهزيار، عن ابن محبوب، عن ابن عطية، عن الثمالي قال: ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن الحسين عليهما السلام إلا ما بلغني عن علي بن أبي طالب عليه السلام. ثم قال أبو حمزة: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته، قال أبو حمزة: فقرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن
الحسين عليهما السلام وكتبتها فيها وأتيته به فعرضته عليه فعرفه، وصححه وكان فيها بسم الله الرحمن الرحيم كفانا الله وإياكم كيد الظالمين - إلى آخر الخبر.
(1) في الروضة " في اصلاح أنفسكم ". (2) في الروضة " من حقوق الله ". (3) ما بين القوسين في الموضعين كان في هامش بعض نسخ المصدر. وفى الروضة " فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار ". (4) مجالس المفيد ص 116.
[152]
13 - جا (1): عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن صفوان، عن ابن حازم، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من خطوة أحب إلى الله من خطوتين: خطوة يسد بها صفا في سبيل الله تعالى، وخطوة إلى ذي رحم قاطع يصلها، وما من جرعة أحب إلى الله من جرعتين: جرعة غيظ يردها مؤمن بحلم، وجرعة جزع يردها مؤمن بصبر. وما من قطرة أحب إلى الله من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله، وقطرة دمع في سواد الليل من خشية الله. كتاب الغايات (2) عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول: مامن خطوة - إلى آخر الحديث. 14 - جا (3): عن أحمد الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن أبي معروف، عن ابن مهزيار، عن ابن حديد، عن علي بن النعمان رفعه قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: ويح من غلبت واحدته عشرته، وكان أبو عبد الله عليه السلام يقول: المغبون من غبن عمره ساعة بعد ساعة، وكان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أظهر اليأس من الناس فإن ذلك من الغنى، وأقل طلب الحوائج إليهم فان ذلك فقر حاضر، وإياك وما يعتذر منه، وصل صلاة مودع، وإن استطعت أن تكون اليوم
خيرا منك أمس وغدا خيرا منك اليوم فافعل. 15 - جا (4): بهذا الاسناد، عن ابن مهزيار، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن ابن فرقد، عن الزهري، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: ويل لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: من قال: لا إله إلا الله فلن يلج ملكوت السماء حتى يتم قوله بعمل صالح، ولا دين لمن دان الله بطاعة الظالم، ثم قال: وكل القوم ألهاهم التكاثر حتى زاروا المقابر.
(1) مجالس المفيد ص 5. (2) مخطوط. (3) المصدر ص 108. (4) المصدر ص 109.
[153]
16 - جا (1): بهذا الاسناد، عن ابن مهزيار، عن ابن محبوب، عن الثمالي قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول: من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس، ومن اجتنب ما حرم الله عليه فهو من أعبد الناس ومن أورع الناس، ومن قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس. 17 - عم (2): روي أن علي بن الحسين عليهما السلام رأى يوما الحسن البصري وهو يقص عند الحجر الاسود فقال له عليه السلام أترضى يا حسن نفسك للموت ؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب ؟ قال: لا، قال: فثم دار للعمل غير هذه الدار ؟ قال: لا، قال: فلله في أرضه معاذ غير هذا البيت ؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن الطواف. وقيل له: يوما إن الحسن البصري قال: ليس العجب ممن هلك كيف هلك ؟ وإنما العجب ممن نجا كيف نجا، فقال عليه السلام: أنا أقول: ليس العجب ممن نجا كيف نجا وأما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله.
18 - كشف (3): عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا تلا هذه الاية " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (4) " يقول اللهم ارفعني في أعلى درجات هذه الندبة، وأعني بعزم الارادة، وهبني حسن المستعقب من نفسي، وخذني منها حتى تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك، وارزقني قلبا ولسانا يتجاريان في ذم الدنيا وحسن التجافي منها حتى لا أقول إلا صدقا (5) وأرني مصاديق إجابتك بحسن توفيقك حتى أكون في كل حال حيث أردت.
(1) مجالس المفيد ص 109 (2) اعلام الورى ص 255. (3) كشف النعمة ج 2 ص 306. (4) التوبة: 119. (5) في المصدر " الا صدقت ".
[154]
فقد قرعت بي باب فضلك فاقة (1) * بحد سنان نال قلبي فتوقها وحتى متى أصف محن الدنيا ومقام الصديقين، وانتحل عزما من إرادة مقيم بمدرجة الخطايا أشتكى ذل ملكة الدنيا وسوء أحكامها علي وقد رأيت وسمعت لو كنت أسمع في أداة فهم أو أنظر بنور يقظه. وكلا الاقي نكبة وفجيعة * وكأس مرارات ذعافا أذوقها (2) وحتى متى أتعلل بالاماني وأسكن إلى الغرور واعبد نفسي للدنيا على غضاضة سوء الاعتداد من ملكاتها، وأنا أعرض لنكبات الدهر علي أتربص اشتمال البقاء، وقوارع الموت تختلف حكمي في نفسي ويعتدل حكم الدنيا. وهن المنايا أي واد سلكته * عليها طريقي أو علي طريقها وحتى متى تعدني الدنيا فتخلف، وأئتمنها فتخون، لا تحدث جدة إلا
بخلوق جدة (3)، ولا تجمع شملا إلا بتفريق شمل حتى كأنها غيرى محجبة ضنا تغار علي الالفة، وتحسد أهل النعم. فقد آذنتني بانقطاع وفرقة * وأومض لي من كل افق بروقها (4) ومن أقطع عذرا من مغذ سيرا (5) يسكن إلى معرس غفلة بأدواء نبوة الدنيا (6) ومرارة العيش، وطيب نسيم الغرور، وقد أمرت تلك الحلاوة على القرون الخالية وحال ذلك النسيم هبوات (7) وحسرات، وكانت حركات فسكنت، وذهب كل عالم بما فيه.
(1) في بعض النسخ " قد فزعت إلى باب فضلك فاقة ". (2) الذعاف - كغراب: السم. (3) الجدة بتشديد الدال -: الخرقة. جدة الثوب: كونه جديدا. (4) أومض البرق: لمع خفيفا وظهر. (5) أغذ في السير: أسرع. (6) التعريس: النزول في السفر في موضع للاستراحة ثم الارتحال عنه والموضع معرس. والنبوة: ما ارتفع من الارض يقال هو يشكو نبوة الزمان وجفوته. (7) الهبوات: جمع الهبوة: الغبار.
[155]
فما عيشة إلا تزيد مرارة * ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها فكيف يرقا دمع لبيب أو يهدأ طرف متوسم (1) على سوء أحكام الدنيا وما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات، وسكون الحركات، وكيف يسكن إليها من يعرفها وهي تفجع الاباء بالابناء، وتلهى الابناء عن الاباء، تعدمهم أشجان قلوبهم (2) وتسلبهم قرة عيونهم. وترمي قساوات القلوب بأسهم * وجمر فراق لا يبوخ حريقها (3)
وما عسيت أن أصف عن محن الدنيا، وأبلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب ولست أذكر منها إلا قتيلا أفنته، أو مغيب ضريح تجافت عنه (4) فاعتبر أيها السامع بهلكات الامم، وزوال النقم، وفظاعة ما تسمع وترى من سوء آثارها في الديار الخالية، والرسوم الفانية، والربوع الصموت (5). وكم عاقل أفنت فلم تبك شجوه (6) * ولابد أن تفنى سريعا لحوقها فانظر بعين قلبك إلى مصارع أهل البذخ (7) وتأمل معاقل الملوك، ومصانع الجبارين (8)، وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء (9) وجاهرتهم بالمنكرات
(1) رقأ الدمع: سكن وجف. وهدأ: سكن. (2) الاشجان جمع الشجن وهو الهم والحزن. (3) باخ النار أي سكن وخمد. (4) تجافى: أي تنحى ولم يلزم مكانه - وبالفارسية يعنى پهلو خالي كرد. (5) أي الدور الخاليات. (6) في المصدر " وكم عالم أفنت ". والشجو: الهم والحزن، والحاجة يقال " له عندي شجو " أي حاجة، والشوط من البكاء. (7) البذخ: الترفع والتكبر. (8) معاقل الملوك يحتمل أن يكون المراد كبراء الملوك وسادتهم ويحتمل أن يكون المراد القصور والحصون. ويحتمل كليهما. وقوله " مصانع الجبارين " معناه القصور والقرى والحصون والدور. (9) عركته الدنيا أي حنكه. والكلا كل جمع الكلكل: الصدر أو ما بين الترقوتين.
[156]
وسحبت عليهم أذيال البوار، وطحنتهم طحن الرحى للحب، واستودعتهم هوج
الرياح (1) تسحب عليهم أذيالها فوق مصارعهم في فلوات الارض. فتلك مغانيهم وهذي قبورهم (2) * توارثها أعصارها وقبورها أيها المجتهد في آثار من مضى من قبلك من امم السالفة، توقف وتفهم، وانظر أي عز ملك أو نعيم انس أو بشاشة ألف إلا نغصت أهله قرة أعينهم، وفرقتهم أيدي المنون، فألحقتهم بتجافيف التراب فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصالا في الارض هامدون (3). وآليت لا تبقى الليالي بشاشة (4) * ولا جدة إلا سريعا خلوقها وفي مطالع أهل البرزخ، وخمود تلك الرقدة، وطول تلك الاقامة طفيت مصابيح النظر، واضمحلت غوامض الفكر، وذم الغفول أهل العقول، وكم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات فنوهت بأسماء الملوك، وهتفت بالجبارين (5) ودعوت الاطباء والحكماء، وناديت معادن الرسالة والانبياء، أتململ تململ السليم (6) وأبكي بكاء الحزين، انادي ولات حين مناص (7). سوى أنهم كانوا فبانوا وأنني * على جدد قصد سريعا لحوقها وتذكرت مراتب الفهم، وغضاضة فطن العقول، بتذكر قلب جريح،
(1) الهوج جمع الهوجاء وهى من الرياح التى لا تستوى في هبوبها وتقلع البيوت. (2) المغانى: المواضع والمنازل. (3) الهامد: البالى. (4) آليت أي حلفت. والبشاشة السرور والابتهاج. (5) طمس الشئ: درس وانمحى، ونوه الشئ من باب التفعيل - رفعه، أو دعاه برفع الصوت، أو رفع ذكره. وهتف الحمامة أي صاتت أو مدت صوتها. وهتفت الحمامة: ناحت. (6) تململ أي تقلب على فراشه مرضا أو غما. والسليم: اللديغ أو الجريح المشرف على الموت.
(7) المناص: الخلاص الغضاضة: الذلة والمنقصة.
[157]
فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة، ومن عجب كيف يسكن إليها من يعرفها، وقد استذهلت عقله بسكونها، وتزين المعاذير وخسأت أبصارهم عن عيب التدبير، وكلما تراءت الايات ونشرها من طي الدهر، عن القرون الخالية الماضية، وحالهم ومآلهم، وكيف كانوا وما الدنيا وغرور الايام. وهل هي إلا لوعة من ورائها * جوى قاتل أو حتف نفس يسوقها (1) وقد أغرق في ذم الدنيا الادلاء على طرق النجاة من كل عالم، فبكت العيون شجن القلوب فيها دما، ثم درست تلك المعالم فتنكرت الاثار، وجعلت في برهة من محن الدنيا وتفرقت ورثة الحكمة، وبقيت فردا كقرن الاعضب (2) وحيدا أقول فلا أجد سميعا، وأتوجع فلا أجد مشتكى. وإن أبكهم أجرض وكيف تجلدي * وفي القلب مني لوعة لا اطيقها (3) وحتى متى أتذكر حلاوة مذاق الدنيا، وعذوبة مشارب أيامها، وأقتفي آثار المريدين، وأتنسم أرواح الماضين (4) مع سبقهم إلى الغل والفساد، وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الاخلاء، فزادني جليل الخطب لفقدهم جوى وخانني الصبر حتى كأنني أول ممتحن، أتذكر معارف الدنيا وفراق الاحبة. فلو رجعت تلك الليالي كعهدها * رأت أهلها في صورة لا تروقها فمن أخص بمعاتبتي ؟ ومن أرشد بندبتي، ومن أبكى، ومن أدع أشجو بهلكة الاموات، أم بسوء خلف الاحياء، وكل يبعث حزني ويستأثر بعبراتي ومن يسعدني فأبكي وقد سلبت القلوب لبها، ورق الدمع، وحق للداء أن يذوب على طول مجانبة الاطباء، وكيف بهم وقد خالفوا الامرين، وسبقهم زمان الهادين، ووكلوا إلى أنفسهم يتنسكون في الضلالات في دياجير الظلمات.
(1) الجوى. الحرقة وشدة الحزن وتطاول المرض. (2) الاعضب: الظبى الذى انكسر احد قرينه. (3) أجرض أي أهلك. واللوعة: الحرق وألمه. (4) في بعض النسخ " أرواح الصالحين ".
[158]
حيارى وليل القوم داج نجومه * طوامس لا تجري بطئ خفوقها (1) وقال عليه السلام: (2) من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم. وقال عليه السلام: إن الجسد إذا لم يمرض يأشر، ولا خير في جسد يأشر (3). وقال عليه السلام: فقد الاحبة غربة. وقال عليه السلام: من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس. 10 - كتاب نثر الدرر (4) لمنصور بن الحسن الابي: نظر علي بن الحسين عليهما السلام إلى سائل يبكي فقال: لو أن الدنيا كانت في كف هذا، ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي عليها. وسئل عليه السلام: - لم - اوتم النبي صلى الله عليه وآله من أبويه ؟ فقال: لئلا يوجب عليه حق المخلوق (5). وقال لابنه: يا بني إياك ومعاداة الرجال فإنه لن يعدمك (6) مكر حليم أو مفاجأة لئيم. وبغله عليه السلام قول نافع بن جبير (7) في معاوية حيث قال: كان يسكته الحلم وينطقه العلم، فقال: كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه البطر. وقيل له: من أعظم الناس خطرا قال: من لم ير للدنيا خطرا لنفسه. قال وروي لنا الصاحب (ره)، عن أبي محمد الجعفري، عن أبيه، عن عمه جعفر، عن أبيه عليهم السلام قال: قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام: ما أشد بغض
(1) خفق النجم: غاب. والليل: ذهب أكثره. والطائر: طار. الرجل في البلاد: ذهب. (2) كشف الغمة ج 2 ص 314. (3) أشر يأشر أي بطر ومرح. (4) مخطوط. (5) يعنى في وجوب الاطاعة. (6) في كتاب نزهة الناظر للحلواني ص 32 " فانك لن تعدم ". (7) نافع بن جبير بن مطعم النوفلي يكنى أبا محمد أو أبا عبد الله المدنى مات سنة تسع وتسعين.
[159]
قريش لابيك ؟ قال: لانه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار، قال ثم جرى ذكر المعاصي فقال: عجبت لمن يحتمي عن الطعام لمضرته، ولا يحتمي من من الذنب لمعرته (1). وقيل له عليه السلام: كيف أصبحت قال: أصبحنا خائفين برسول الله وأصبح جميع أهل الاسلام آمنين به. وسمع عليه السلام رجلا كان يغشاه (2) يذكر رجلا بسوء، فقال: إياك والغيبة فإنه إدام كلاب النار. ومما أورد محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من كلامه عليه السلام قال: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله، وسعة رحمة الله عزوجل. خف الله عزوجل لقدرته عليك، واستحي منه لقربه منك، إذا صليت صل صلاة مودع، وإياك وما يعتذر منه، وخف الله خوفا ليس بالتعذير. وقال عليه السلام: إياك والابتهاج بالذنب فان الابتهاج به أعظم من ركوبه.
وقال عليه السلام: هلك من ليس له حكيم يرشده، وذل من ليس له سفيه يعضده. 19 - ضه: (3): قال علي بن الحسين عليهما السلام: مليك عزيز لا يرد قضاؤه * عليم حكيم نافذ الامر قاهر عنا كل ذي عز لعزة وجهه * فكل عزيز للمهيمن صاغر (4) لقد خشعت واستسلمت وتضاءلت (5) * لعزة ذي العرش الملوك الجبابر وفي دون ما عاينت من فجعاتها * إلى رفضها داع وبالزهد آمر
(1) المعرة: الاثم والمساءة، والاذى والجناية. (2) غشى يغشى غشيا. الامر فلانا: غطاه وحل به، والمكان: أتاه. (3) روضة الواعظين ص 523. (4) عنا يعنو له أي خضع وذل. (5) تضاءل أي صغر وضعف وتصاغر وتقاصر. وفى المصدر " تصغرت "
[160]
فجد ولا تغفل فعيشك زائل * وأنت إلى دار المنية صائر ولا تطلب الدنيا فإن طلابها * فإن نلت منها غبها لك ضائر 20 - ختص (1): قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين عليهما السلام يشكو إليه حاله فقال: مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا، فأما المصيبة الاولى فاليوم الذي ينقص من عمره، قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يرده شئ، والثانية أنه يستوفى رزقه، فان كان حلالا حوسب عليه، وإن كان حراما عوقب عليه، قال: والثالثة أعظم من ذلك قيل: وما هي قال: مامن يوم يمسي إلا وقد دنى من الاخرة مرحلة لا يدري على الجنة أم على النار. وقال: أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امه. قالت الحكماء:
ما سبقه إلى هذا أحد. 21 - اعلام الدين (2) قال علي بن الحسين عليهما السلام: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسعة رحمة الله. وقال عليه السلام: خف الله تعالى لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك. وقال عليه السلام: لا تعادين أحدا وإن ظننت أنه لا يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك فإنه لا تدري متى تخاف عدوك، ومتى ترجو صديقك. وإذا صليت فصل صلاة مودع. وقال عليه السلام في جواب من قال: إن معاوية يسكته الحلم وينطقه العلم، فقال: بل كان يسكته الحصر وينطقه البطر. وقال عليه السلام: لكل شئ فاكهة وفاكهة السمع الكلام الحسن. وقال عليه السلام: من رمى الناس بما فيهم رموه بما ليس فيه، ومن لم يعرف داءه
(1) الاختصاص ص 342. (2) مخطوط.
[161]
أفسده دواؤه. وقال عليه السلام لولده محمد الباقر عليه السلام: كف الاذى رفض البذاء (1)، واستعن على الكلام بالسكوت، فإن للقول حالات تضر، فاحذر الاحمق. وقال عليه السلام: لا تمتنع من ترك القبيح وإن كنت قد عرفت به ولا تزهد في مراجعة الجهل، وإن كنت قد شهرت بخلافه وإياك والرضا بالذنب فإنه أعظم من ركوبه، والشرف في التواضع، والغنى في القناعة. وقال عليه السلام: ما استغنى أحد بالله إلا افتقر الناس إليه.
وقال عليه السلام: خير مفاتيح الامور الصدق، وخير خواتيمها الوفاء. وقال عليه السلام: كل عين ساهرة (2) يوم القيامة إلا ثلاث عيون: عين سهرت في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين فاضت من خشية الله. وقال عليه السلام: الكريم يبتهج بفضله، واللئيم يفتخر بملكه. وقال عليه السلام: إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار. وقال عليه السلام: من اتكل على حسن اختيار الله عزوجل لم يتمن أنه في حال غير حال التي اختارها الله له. قيل: تشاجر هو عليه السلام وبعض الناس في مسائل من الفقه فقال عليه السلام: يا هذا إنك لو صرت إلى منازلنا لاريناك آثار جبرئيل في رحالنا، أفيكون أحد أعلم بالسنة منا. وقال عليه السلام: إذا صلى تبرز إلى مكان خشن يتخفى ويصلى فيه، وكان كثير البكاء، قال: فخرج يوما في حر شديد إلى الجبال ليصلي فيه فتبعه مولى له، وهو ساجد على الحجارة وهي خشنة حارة وهو يبكي فجلس مولاه حتى فرغ فرفع رأسه فكأنه قد غمس رأسه ووجهه في الماء من كثرة الدموع فقال له مولاه: يا مولاي أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ فقال: ويحك إن يعقوب نبي بن نبي كان له
(1) البذاء: الكلام القبيح والفحش. (2) العين الساهرة هي العين التى لم تنم ليلا.
[162]
اثنى عشر ولدا فغيب عنه واحد منهم فبكى حتى ذهب بصره واحد ودب ظهره وشاب رأسه من الغم، وكان ابنه حيا يرجو لقاءه، فإني رأيت أبي وأخي وأعمامي وبني عمي ثمانية عشر مقتلين صرعى تسفي عليهم الريح فكيف ينقضي حزني وترقأ عبرتي.
22. * (باب) * * " (وصايا الباقر عليه السلام) " * 1 - ف (1): وصيته عليه السلام لجابر بن يزيد الجعفي (2) روي عنه عليه السلام أنه قال له: يا جابر اغتنم من أهل زمانك خمسا: إن حضرت لم تعرف. وإن غبت لم تفتقد. وإن شهدت لم تشاور. وإن قلت لم يقبل قولك. وإن خطبت لم تزوج. واوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن. وإن كذبت فلا تغضب. وإن مدحت فلال تفرح. وإن ذممت فلا تجزع. وفكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله عزوجل عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس. وإن كنت على خلاف على قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك. واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا: إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرك
(1) التحف ص 284. (2) الجعفي - على زنة الكرسي -: نسبة إلى جعف بن سعد العشيرة بن مذحج أبى حى باليمن. وهو جابر بن يزيد بن الحرث بن عبد يغوث الجعفي من اصحاب الباقر والصادق عليها السلام وخدم الامام أبا جعفر عليه السلام سنينا متوالية مات رحمه الله في أيام الصادق عليه السلام سنة ثمان وعشرين ومائة.
[163]
ذلك ولكن أعرض نفسك على [ما في] كتاب الله، فإن كنت سالكا سبيله، زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه، خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك. وإن كنت مبائنا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك. إن
المؤمن معنى بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها (1) ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش (2) ويقيل الله عثرته فيتذكر، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف، وذلك بأن الله يقول: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (3) " يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس (4) وتعرضا للعفو، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف، و احذر خفي التزين (5) بحاضر الحياة، وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل (6) وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم، واستبق خالص الاعمال ليوم الجزاء، وانزل ساحة
(1) الاود - محركة -: العوج. وقد يأتي بمعنى القوة. (2) نعشه الله: رفعه وأقامه وتداركه من هلكة وسقطة. وينعش أي ينهض - وينشط. (3) سورة الاعراف: 200. والطائف فاعل من طاف يطوف أي الخيال والوسوسة. (4) أزرى على النفس: عابها وعاتبها. ويحتمل أن يكون: ازدراء - من باب الافتعال - أي احتقارا واستخفافا. (5) وفى بعض النسخ " خفى الرين " أي الدنس. (6) جازف في كلامه: تكلم بدون تبصر وبلا روية. وجازف في البيع: بايعه بلا كيل ولا وزن ولا عدد، وجازف بنفسه: خاطر بها.
[164]
القناعة باتقاء الحرص (1) وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة، واستجلب حلاوة
الزهادة بقصر الامل، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس، وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض، واطلب راحة البدن بإجمام القلب (2) وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخطأ، وتعرض لرقة القلب بكثرة الذكر في الخلوات، واستجلب نور القلب بدوام الحزن، وتحرز من إبليس بالخوف الصادق، وإياك والرجاء الكاذب، فإنه يوقعك في الخوف الصادق وتزين لله عزوجل بالصدق في الاعمال، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال، و إياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكي، وإياك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب، وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه، فإليه يلجأ النادمون، واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار، وتعرض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة، واستعن على حسن المراجعة بخالص الدعاء والمناجات في الظلم، و تخلص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق واستقلال كثير الطاعة، واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر، وتوسل إلى عظيم الشكر بخوف زوال النعم، واطلب بقاء العز بإماتة الطمع، وادفع ذل الطمع بعز اليأس، واستجلب عز اليأس ببعد الهمة، وتزود من الدنيا بقصر الامل، وبادر بإنتهاز البغية (3) عند إمكان الفرصة، ولا إمكان كالايام الخالية مع صحة الابدان، وإياك والثقة بغير المأمون فإن للشر ضراوة كضراوة الغذاء. (4) واعلم أنه لا علم كطلب السلامة، ولا سلامة كسلامة القلب، ولا عقل كمخالفة الهوى. ولا خوف كخوف حاجز، ولا رجاء كرجاء معين، ولا فقر
(1) في بعض النسخ " وانزل ساعة القناعة بانفاء الحرص ". (2) الجمام - بالفتح -: الراحة. وأجم نفسه أي أتركها. (3) البغية: مصدر بغى الشئ أي طلبه. وانتهاز البغية: اغتنامها والنهوض إليها مبادرا.
(4) الضراوة: الاعتياد، مصدر ضرى بالشئ: أي اعتاده.
[165]
كفقر القلب، ولا غنى كغنى النفس، ولا قوة كغلبة الهوى، ولا نور كنور اليقين ولا يقين كاستصغارك الدنيا، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك، ولا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق، ولا شرف كبعد الهمة، ولا زهد كقصر الامل، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات (1) ولا عدل كالانصاف، ولا تعدي كالجور، ولا جور كموافقة الهوى، ولا طاعة كأداء الفرائض، ولا خوف كالحزن، ولا مصيبة كعدم العقل، ولا عدم عقل كقلة اليقين، ولا قلة يقين كفقد الخوف، ولا فقد خوف كقلة الحزن على فقد الخوف، ولا مصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها، ولا فضيلة كالجهاد، ولا جهاد كمجاهدة الهوى، ولا قوة كرد الغضب، ولا معصية كحب البقاء (2) ولاذل كذل الطمع، وإياك والتفريط عند إمكان الفرصة، فإنه ميدان يجري لاهله بالخسران. 2 - ف (3): ومن كلامه عليه السلام لجابر أيضا خرج يوما وهو يقول: أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب، فقلت: جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك كل هذا علي الدنيا ؟ فقال عليه السلام: لا يا جابر ولكن حزن هم الاخرة، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الايمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو، وإن الدار الاخرة لهي الحيوان. يا جابر إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا. واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة، وأن أبناء الاخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون، أهل العلم والفقه، وأهل فكرة واعتبار واختبار، لا يملون من ذكر الله.
(1) المنافسة: المفاخرة والمباراة.
(2) يعنى البقاء في هذه الدنيا الدنية لاستلزامه البعد عن جوار الرب تعالى. (3) التحف ص 286 ورواه الكليني في الكافي ج 2 ص 133 عن ابى عبد الله المؤمن عن جابر " قال: دخلت على ابى جعفر عليه السلام فقال: يا جابر والله انى لمحزون و انى لمشغول القلب... الخ " ورواه على بن عيسى الاربلي في كشف الغمة أيضا مع اختلاف.
[166]
واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الاغنياء، أغناهم القليل من الدنيا فمؤونتهم يسيرة، إن نسيت الخير ذكروك، وإن عملت به أعانوك. أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم وقدموا طاعة ربهم أمامهم، ونظروا إلى سبيل الخير وإلى ولاية أحباء الله فأحبوهم، وتولوهم واتبعوهم. فأنزل نفسك من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ثم انتبهت (1) من رقدتك وليس في يدك شئ، وإني إنما ضربت لك مثلا (2) لتعقل وتعمل به إن وفقك الله له. فاحفظ يا جابر ما استودعك (3) من دين الله وحكمته: وانصح لنفسك، وانظر ما الله عندك في حياتك، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك، وانظر فإن تكن الدنيا عندك على [غير] ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم (4)، فلرب حريص على أمر من امور الدنيا قد ناله، فلما ناله كان عليه وبالا وشقي به، ولرب كاره لامر من امور الاخرة قد ناله فسعد به. 3 - ف (5): ومن كلامه عليه السلام في أحكام السيوف سأله رجل من شيعته عن
(1) في بعض النسخ " استنبهت " وفى الكافي والكشف " استيقظت ". (2) في الكافي " هذا مثلا ". (3) في بعض النسخ " ما استودعتك " وفى الكافي والكشف " ما استرعاك ". (4) قال الفيض رحمه الله: أي ان تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتكون تطمئن
إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الاخرة بروحك تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا بك حتى يأتيك الموت. وليست في - بعض النسخ لفظة " غير " وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في معناه. والاستعتاب الاسترضاء. (5) التحف ص 288 ورواه الكليني (ره) في الكافي ج 5 ص 8 عن على بن ابراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد وعلى بن محمد القاسانى عن المنقرى عن حفص بن غياث عن أبى عبد الله عليه السلام قال: " سأل رجل عن حروب أمير المؤمنين عليه السلام وكان القائل من محبينا فقال: بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف - الخ ". ورواه شيخ الطائفة (ره) أيضا في التهذيب ص 46 من المجلد الثاني والصدوق (ره) في الخصال.
[167]
حروب أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال عليه السلام له: بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة لا تغمد (1) حتى تضع الحرب أو زارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا (2). وسيف مكفوف (3) وسيف منها مغمود، سله إلى غيرنا وحكمه إلينا. فأما السيوف الثلاثة الشاهرة: فسيف على مشركي العرب قال الله عزوجل " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد (4) ". " فإن تابوا (أي آمنوا) وأقاموا الصلوة وآتوا الزكوة فإخوانكم في الدين (5) " هؤلاء لا يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام وأموالهم فيئ، وزراريهم سبي على ماسن رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه سبي وعفا وقبل الفداء. والسيف الثاني على أهل الذمة قال الله سبحانه: " وقولوا للناس حسنا (6) " نزلت هذه الاية في أهل الذمة ونسخها قوله: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين
(1) الشاهرة: المجردة من الغمد. وقوله. " حتى تضع الحرب أوزارها " أي ينقضى. والاوزار: الآلات والاثقال. ولعل طلوع الشمس من مغربها كناية عن أشراط الساعة وقيام القيامة. كما قاله الفيض رحمه الله في الوافى. (2) قوله: " كسبت في ايمانها خيرا " أي لا ينفع يومئذ نفسا غير مقدمة ايمانها أو مقدمة ايمانها غير كاسبة في ايمانها خيرا. (3) في بعض النسخ " وسيف ملفوف " وكذا في تفسيره. ومغمود أي مستور في غلافه. وسله: اخراجه من غلافه. (4) سورة التوبة: 5. (5) سورة التوبة: 11. (6) سورة البقرة: 78.
[168]
اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (1) " فمن كان منهم في دار الاسلام فلن يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم فيئ. وذراريهم سبي، فإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم، وحرمت أموالهم، وحلت لنا مناكحهم (2) ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم، ولم تحل لنا مناكحتهم، ولم يقبل منهم إلا دخول دار الاسلام (3) والجزية أو القتل. والسيف الثالث على مشركي العجم كالترك والديلم والخزر (4) قال الله عزوجل في أول السورة التي يذكر فيها الذين كفروا فقص قصتهم ثم قال: " فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم (5) فشدوا الوثاق * فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها (6) " فأما قوله: " فإما منا بعد " يعني بعد السبي منهم " وإما فداء " يعني المفاداة بينهم وبين أهل الاسلام، فهؤلاء لن يقبل منهم إلا القتل أو الدخول في الاسلام ولا يحل لنا نكاحهم (7) ماداموا في دار الحرب.
وأما السيف المكفوف فسيف على أهل البغي والتأويل قال الله: " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما (صلحا) فإن بغت إحديهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله (8) " فلما نزلت هذه الاية قال رسول
(1) سورة التوبة: 30. (2) في الكافي والتهذيب " مناكحتهم ". (3) فيهما " يعنى الترك والديلم والخزر - بالتحريك والخاء المعجمة والزاى ثم الراء -: جيل من الناس ضيقة العيون. (4) فيهما " الا الدخول في دار الاسلام ". (5) أي أكثرتم قتلهم واغلظتموهم. من الثخن. (6) سورة محمد: 4. (7) فيهما " مناكحتهم ". (8) سورة الحجرات: 9، وهذه الاية أصل في قتال المسلمين ودليل على وجوب قتال أهل البغى وعليها بنى أمير المؤمنين عليه السلام قتال الناكثين والقاسطين والمارقين واياها عنى رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال لعمار بن ياسر: " تقتلك الفئة الباغية ".
[169]
الله صلى الله عليه وآله: إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، فسئل النبي صلى الله عليه وآله من هو ؟ فقال: خاصف النعل، يعني أمير المؤمنين عليه السلام، و قال عمار بن ياسر: " قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثا (1) وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا السعفات من هجر (2) لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ". وكانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين عليه السلام مثل ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة يوم فتحها فإنه لم يسب لهم ذرية وقال: من أغلق
بابه فهو آمن، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة نادى فيهم لا تسبوا لهم ذرية ولا تدففوا على جريح (3) ولا تتبعوا مدبرا ومن أغلق بابه، وألقى سلاحه فهو آمن. والسيف المغمود فالسيف الذي يقام به القصاص قال الله عزوجل: " النفس بالنفس والعين بالعين (4) " فسله إلى أولياء المقتول، وحكمه إلينا. فهذه السيوف التي بعث الله بها محمدا صلى الله عليه وآله فمن جحدها أو جحد واحدا منها أو شيئا من سيرها وأحكامها فقد كفر بما أنزل الله تبارك وتعالى على محمد نبيه صلى الله عليه وآله.
(1) يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين. (2) السعف - بالتحريك -: جريدة النخل أو ورقه قيل مادامت بالخوص فإذا زال عنها قيل: جريدة، وأكثر ما يقال إذا يبست وإذا كانت رطبة فهى شطبة. والهجر - بالتحريك -: بلدة باليمن. واسم لجميع أرض البحرين. وانما خص هجر لبعد المسافة أو لكثرة النخل بها. (3) دفف على الجريح: أجهزه عليه وأتم قتله، وفى بعض النسخ " ولا تذيعوا على جريح " وفى الكافي والتهذيب " لا تجهزوا على جريح " والاجهاز على الجريح: اتمام قتله والاسراع فيه. (4) سورة المائدة: 47.
[170]
4 - ف (1): موعظة: وحضره ذات يوم جماعة من الشيعة فوعظهم وحذرهم وهم ساهون لاهون، فأغاظه ذلك فأطرق مليا، ثم رفع رأسه إليهم، فقال: إن كلامي لو وقع طرف منه في قلب أحدكم لصار ميتا. ألا يا أشباحا بلا أرواح، و ذبابا بلا مصباح كأنكم خشب مسندة (2) وأصنام مريدة، ألا تأخذون الذهب
من الحجر ؟ ألا تقتبسون الضياء من النور الازهر، ؟ ألا تأخذون اللؤلؤ من البحر ؟ خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها، فإن الله يقول: " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله (3) ". ويحك يا مغرور ألا تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف مضاعفة من جواد كريم، آتاك الله عند مكافأة (4)، هو مطعمك وساقيك وكاسيك ومعافيك وكافيك وساترك ممن يراعيك، من حفظك في - ليلك ونهارك، وأجابك عند اضطرارك، وعزم لك على الرشد في اختبارك. كأنك قد نسيت ليالي أوجاعك وخوفك دعوته فاستجاب لك، فاستوجب بجميل صنيعه الشكر، فنسيته فيمن ذكر، وخالفته فيما أمر. ويلك إنما أنت لص من لصوص الذنوب (5) كلما عرضت لك شهوة أو
(1) التحف ص 291. (2) شبههم عليه السلام في عدم الانتفاع بهم بالخشب المسندة إلى الحائط والاصنام المنحوتة من الخشب وان كانت هياكلهم معجبة وألسنتهم ذلقة. وفى بعض النسخ " و اصنام مربذة ". (3) سورة الزمر: 18. (4) اشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة: 261. " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ". (5) اللص - بالكسر -: فعل الشئ في ستر - ومنه قيل للسارق: لص. وجمعه لصوص.
[171]
ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه، فارتكبته كأنك لست بعين الله،
أو كأن الله ليس لك بالمرصاد، يا طالب الجنة ما أطول نومك وأكل مطيتك، وأوهى همتك (1) فلله أنت من طالب ومطلوب، ويا هاربا من النار ما أحث مطيتك إليها، وما أكسبك لما يوقعك فيها. انظروا إلي هذه القبور سطورا بأفناء الدور، تدانوا في خططهم (2) وقربوا في مزارهم، وبعدوا في لقائهم، عمروا فخربوا، وأنسوا فأوحشوا، وسكنوا فازعجوا، وقطنوا فرحلوا (3) فمن سمع بدان بعيد وشاحط قريب (4)، وعامر مخرب، وآنس موحش، وساكن مزعج، و قاطن مرحل غير أهل القبور ؟. يا ابن الايام الثلاث: يومك الذي ولدت فيه، ويومك الذي تنزل فيه قبرك ويومك الذي تخرج فيه إلى ربك، فياله من يوم عظيم. يا ذوي الهيئة المعجبة، والهيم المعطنة (5) مالي أرى أجسامكم عامرة وقلوبكم دامرة، أوما والله لو عاينتم ما أنتم ملاقوه، وما أنتم إليه صائرون لقلتم: " يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (6) " وقال جل من قائل: " بل بدالهم ما كانوا يخفون - ولوا ردوا لعادوا لمما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (7) ".
(1) أوهى فلانا: أضعفه وجعله واهيا. (2) الخطط: جمع خطة - بالكسر -: ما يخيطه الانسان من الارض ليعلم أنه قد أحتازها ليبنيها دارا. والارض التى تنزلها ولم ينزلها نازل قبلك - وبالضم -: الامر والخصلة. (3) القاطن: المقيم. (4) الشاحط: البعيد. (5) الهيم: الابل العطاش. العطن - بالنحريك -: وطن الابل ومبركها حول الماء. وأعطنت الابل: حبسها عند الماء فبركت بعد الورود. وعطنت الابل: رويت ثم بركت.
(6) سورة الانعام: 27. (7) سورة الانعام. 28.
[172]
5 - ف (1): وروى عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني. 1 - وقال عليه السلام: صانع المنافق بلسانك، وأخلص مودتك للمؤمن، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته. 2 - وقال عليه السلام: ما شيب شئ بشئ أحسن من حلم بعلم (2). 3 - وقال عليه السلام: الكمال كل الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة. 4 وقال عليه السلام: والله المتكبر ينازع الله رداءه. 5 - وقال عليه السلام: يوما لمن حضره ما المروة ؟ فتكلموا، فقال: صلى الله عليه وآله: المروة أن لا تطمع فتذل، وتسأل فتقل (3) ولا تبخل فتشتم، ولا تجهل فتخصم، فقيل: ومن يقدر على ذلك ؟ فقال عليه السلام: من أحب أن يكون كالناظر في الحدقة (4) والمسك في الطيب، وكالخليفة في يومكم هذا في القدر. 6 - وقال يوما رجل عنده: اللهم أغننا عن جميع خلقك. فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تقل هكذا، ولكن قل: اللهم أغننا عن شرار خلقك، فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه. 7 - وقال عليه السلام: قم بالحق واعتزل مالا يعنيك، وتجنب عدوك، واحذر صديقك من الاقوام إلا الامين من خشي الله، ولا تصحب الفاجر، ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمر الذين يخشون الله. 8 - وقال عليه السلام: صحبة عشرين سنة قرابة. 9 - وقال عليه السلام: إن استطعت أن لا تعامل أحدا إلا ولك الفضل عليه فافعل.
(1) التحف ص 292. (2) الشوب: الخلط. (3) يقل الرجل: قل ماله. (4) الناظر: سواد الاصغر الذى فيه انسان العين. والحدقة. سواد العين الاعظم.
[173]
10 - وقال عليه السلام: ثلاثة من مكارم الدنيا والاخرة: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك. وتحلم إذا جهل عليك. 11 - وقال عليه السلام: الظلم ثلاثة: ظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يدعه الله، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك بالله، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله، وأما الظلم الذي لا يدعه الله فالمدائنة بين العباد (1). 12 - وقال عليه السلام: ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أولم تقض إلا ابتلي بالسعي في حاجة فيما يأثم عليه ولا يوجر، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها فيما أسخط الله. 13 - وقال عليه السلام: في كل قضاء الله خير للمؤمن. 14 - وقال عليه السلام: إن الله كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة و أحب ذلك لنفسه. إن الله جل ذكره يحب أن يسأل ويطلب ما عنده. 15 - وقال عليه السلام: من لم يجعل له من نفسه واعظا، فإن مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا. 16 - وقال عليه السلام: من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه. 17 - وقال عليه السلام: كم من رجل قد لقى رجلا فقال له: كب الله عدوك (2) وماله من عدو إلا الله.
18 - وقال عليه السلام: ثلاثة لا يسلمون: الماشي إلى الجمعة، والماشي خلف جنازة وفي بيت الحمام. 19 - وقال عليه السلام: عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد. 20 - وقال عليه السلام: لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا لمن فوقه ولا محقرا لمن دونه.
(1) المدائنة من الدين أي ظلم العباد عند المعاملة (2) كب فلانا: صرعه. وقلبه على رأسه.
[174]
21 - وقال عليه السلام: ما عرف الله من عصاه وأنشد: تعصي الاله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لاطعته * إن المحب لمن أحب مطيع 22 - وقال عليه السلام: إنما مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الافعي أنت إليه محوج (1) وأنت منها على خطر. 23 - وقال عليه السلام: ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبدا حتى يرى وبالهن: البغي. وقطيعة الرحم. واليمين الكاذبة يبارز الله بها، وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم وإن القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون (2) وإن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها (3) 24 - وقال عليه السلام: لا يقبل عمل إلا بمعرفة. ولا معرفة إلا بعمل. ومن عرف دلته معرفته علي العمل. ومن لم يعرف فلا عمل له. 25 - وقال عليه السلام: إن الله جعل للمعروف أهلا من خلقه، حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله، ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ويسر لهم قضاءه كما يسر الغيث للارض المجدبة ليحييها ويحيي أهلها (4) وإن الله جعل للمعروف أعداء
من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله. وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم وحظر عليهم قضاءه كما يحظر الغيث عن الارض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها وما يعفو الله عنه أكثر. 26 - وقال عليه السلام: اعرف المودة في قلب أخيك بما له في قلبك.
(1) أحوج إليه: افتقر. وأحوجه: جعله محتاجا. (2) " يثرون " أي يكثرون مالا. يقال: ثرا الرجل: كثر ماله. (3) " ليذران " أي ليدعان ويتركان من وذره أي ودعه. " بلاقع " جمع بلقع -: الارض القفر. (4) المجدبة: ذو جدب وهو ضد الخصب ويأتى ايضا بمعني الماحل.
[175]
27 - وقال عليه السلام: الايمان حب وبغض (1). 28 - وقال عليه السلام: والله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الامانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والايتام، و صدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الالسن عن الناس إلا من خير، وكانوا امناء عشائرهم في الاشياء. 29 - وقال: عليه السلام: أربع من كنوز البر: كتمان الحاجة، وكتمان الصدقة، وكتمان الوجع، وكتمان المصيبة. 30 - وقال عليه السلام: من صدق لسانه زكي عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهله زيد في عمره. 31 - وقال عليه السلام: إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر، من كسل لم يؤد حقا، ومن ضجر لم يصبر على حق.
32 - وقال عليه السلام: من استفاد أخا في الله على إيمان بالله ووفاء بإخائه طلبا لمرضات الله فقد استفاد شعاعا من نور الله، وأمانا من عذاب الله، وحجة يفلج بها يوم القيامة (2) وعزا باقيا، وذكرا ناميا، لان المؤمن من الله عزوجل لا موصول ولا مفصول، قيل له عليه السلام: ما معني لا موصول ولا مفصول ؟ قال: لا موصول به إنه هو ولا مفصول منه إنه من غيره. 33 - وقال عليه السلام: كفى بالمرء غشا لنفسه أن يبصر من الناس ما يعمي عليه من أمر نفسه، أو يعيب غيره (3) بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
(1) المراد الحب في الله والبغض فيه كما جاء في الاحاديث. (2) يفلج أي يفوز ويظفر ويغلب بها. وفلج الحجة: أثبتها. وفلج الرجل: ظفر بما طلب، وعلى خصمه: غلبه. - وعلى القوم فاز. (3) في بعض النسخ " أو يعير غيره ".
[176]
34 - وقال عليه السلام: التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه، وأن تسلم على من لقيت، وأن تترك المراء وإن كنت محقا. 35 - وقال عليه السلام: إن المؤمن أخ المؤمن لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسئ به الظن. 36 - وقال عليه السلام: لابنه: اصبر نفسك على الحق، فإنه من منع شيئا في - حق اعطي في باطل مثليه. 37 - وقال عليه السلام: من قسم له الخرق حجب منه الايمان (1). 38 - وقال عليه السلام: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. 39 - وقال عليه السلام: إن لله عقوبات في القلوب والابدان: ضنك في المعيشة ووهن في العبادة. وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
40 - وقال عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الصابرون ؟ فيقوم فئام من الناس (2). ثم ينادي مناد أين المتصبرون ؟ فيقوم فئام من الناس. قلت: جعلت فداك ما الصابرون والمتصبرون ؟ فقال عليه السلام الصابرون على أداء الفرائض، والمتصبرون على ترك المحارم. 41 - وقال عليه السلام: يقول الله: ابن آدم ! اجتنب ما حرمت عليك تكن من أورع الناس. 42 - وقال عليه السلام: أفضل العبادة عفة البطن والفرج. 43 - وقال عليه السلام: البشر الحسن (3) وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة، و قربة من الله. وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من الله. 44 - وقال عليه السلام: ما تذرع إلي بذريعة، ولا توسل بوسيلة هي أقرب له
(1) الخرق: ضعف العقل والرأى، الجهل، الحمق، ضد الرفق. (2) الفئام - ككتاب -: الجماعة من الناس. وفسر في خطب أمير المؤمنين عليه السلام بمائة ألف. (3) البشر - بالكسر - طلاقة الوجه وبشاشته. والمقت: البغض.
[177]
مني إلى ما يحب من يد سالفة مني إليه أتبعتها اختها ليحسن حفظها وربها، لان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل (1) وما سمحت لي نفسي برد بكر الحوائج. 45 - وقال عليه السلام: الحياء والايمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه. 46 - وقال عليه السلام: إن هذه الدنيا تعاطاها البر والفاجر، وإن هذا الدين لا يعطيه الله إلا أهل خاصته (2). 47 - وقال عليه السلام: الايمان إقرار وعمل. والاسلام إقرار بلا عمل. 48 - وقال عليه السلام: الايمان ما كان في القلب. والاسلام ما عليه التناكح
والتوارث وحقنت به الدماء. والايمان يشرك الاسلام، والاسلام لا يشرك الايمان. 49 - وقال عليه السلام: من علم باب هدى فله مثل أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئا. ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به، ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا. 50 - وقال عليه السلام: ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلا في طلب العلم (3). 51 - وقال عليه السلام: للعالم إذا سئل عن شئ وهو لا يعلمه أن يقول: الله أعلم، وليس لغير العالم أن يقول ذلك، وفي خبر آخر يقول: لا أدري لئلا يوقع
(1) الظاهر أن المراد التتابع في الاحسان والعمل وفى حديث آخر عن الصادق عليه السلام " قال: ما من شئ أسر إلى من يد اتبعها الاخرى لان منع الاواخر يقطع لسان شكر الاوائل " ذكره الابى. (2) التعاطى: التناول. وتناول ما لا يحق. والتنازع في الاخذ والقيام به. وفى بعض النسخ " لا يعطيه الا أهل الله خاصة ". (3) الملق - بالتحريك -: التملق وهو الود واللطف وأن يعطى في اللسان ما ليس في القلب.
[178]
في قلب السائل شكا. 52 - وقال عليه السلام: أول من شق لسانه بالعربية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكان لسانه على لسان أبيه وأخيه، فهو أول من نطق بها وهو الذبيح. 53 - وقال عليه السلام: ألا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه يبعد السلطان والشيطان
منكم ؟ فقال أبو حمزة: بلى، أخبرنا به حتى نفعله، فقال عليه السلام: عليكم بالصدقة فبكروا بها، فإنها تسود وجه إبليس وتكسر شرة السلطان الظالم عنكم في يومكم ذلك (1). وعليكم بالحب في الله والتودد (2) والموازرة على العمل الصالح، فإنه يقطع دابرهما - يعني السلطان والشيطان -. وألحوا في الاستغفار، فإنه ممحاة للذنوب. 54 - وقال عليه السلام: إن هذا اللسان مفتاح كل خير وشر، فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم علي ذهبه وفضته، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " رحم الله مؤمنا أمسك لسانه من كل شر، فإن ذلك صدقة منه على نفسه (3) " ثم قال عليه السلام: لا يسلم أحد من الذنوب حتى يخزن لسانه. 55 - وقال عليه السلام: من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه، فأما الامر الظاهر منه مثل الحدة والعجلة، فلا بأس أن تقوله. وإن البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه (4).
(1) الشرة - بالكسر فالفتح مشددة -: الشر والغضب والحدة. (2) وفى بعض النسخ " المودة ". (3) في الكافي ج 2 ص 114 عن على بن ابراهيم باسناده عن الحلبي رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أمسك لسانك فانها صدقة تصدق بها على نفسك ثم قال: ولا يعرف عبد حقيقة الايمان حتى يخزن من لسانه " أقول: قوله: " فانها " أي الامساك والتأنيث بتأويل الخصلة. (4) رواه الكليني (ره) في الكافي ج 2 ص 358 باسناده عن الصادق عليه السلام والصدوق في معاني الاخبار أيضا عنه عليه السلام. والحدة - بالكسر -: ما يعترى الانسان من الغضب والنزق. والعجلة - بالتحريك -. السرعة والمبادرة في الامور من غير تأمل.
[179]
56 - وقال عليه السلام: إن أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره (1). 57 - وقال عليه السلام: عليكم بالورع والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الامانة إلى من ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا، فلو أن قاتل علي بن أبي طالب عليه السلام ائتمنني على أمانة لاديتها إليه. 58 - وقال عليه السلام: صلة الارحام تزكي الاعمال، وتنمي الاموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب، وتنسئ في الاجل (2). 59 - وقال عليه السلام: أيها الناس إنكم في هذه الدار أغراض تنتضل فيكم المنايا، لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله، فأية اكلة ليس فيها غصص ؟ أم أي شربة ليس فيها شرق ؟ (3) استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه (4)، فان اليوم غنيمة، وغدا لا تدري لمن هو، أهل الدنيا سفر (5) يحلون عقد رحالهم في غيرها، قد خلت منا اصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد أصله، أين الذين كانوا أطول أعمارا منكم ؟ وأبعد آمالا ؟. أتاك يا ابن آدم مالا ترده، وذهب عنك مالا يعود، فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا. مالك منه إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك ؟ ! (6) وتقربك من
(1) رواه الكليني (ره) في الكافي ج 2 ص 300 باسناده عن الصادق عليه السلام. (2) " تزكى الاعمال " أي تنميها في الثواب أو تطهرها أو تصيرها مقبولة. والنساء - بالفتح -: التأخير (3) غص غصصا بالطعام: اعترض في حلقه شئ منه فمنعه التنفس. وشرق بالماء أو بريقه: غص. (4) الظعن: الرحال والسير. (5) السفر - بالفتح فالسكون - جمع سافر، أي المسافرون.
(6) الحمام - ككتاب -: قضاء الموت وقدره أي تقربك إلى موتك. واخترم: أهلك. والسواد المخترم: الشخص الذى مات. يقال: اخترمهم الدهر وتخرمهم أي افتطعهم واستأصلهم.
[180]
أجلك ؟ ! فكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم. فعليك بذات نفسك ودع ما سواها واستعن بالله يعنك (1). 60 - وقال عليه السلام: من صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأه، ومن أضعف كان شكورا ومن شكر كان كريما، ومن علم أنه ما صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك، واعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده. 61 - وقال عليه السلام: إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية، ويحميه عن الدنيا كما يحمي الطيب المريض. 62 - وقال عليه السلام: إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبعض. ولا يعطي دينه إلا من يحب. 63 - وقال عليه السلام: إنما شيعة علي عليه السلام المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون لاحياء أمرنا، الذين إذا غضبوا لم يظلموا، وإذا رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا. 64 - وقال عليه السلام: الكسل يضر بالدين والدنيا. 65 - وقال عليه السلام: لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا. ولو يعلم المسؤول ما في المنع ما منع أحد أحدا. 66 - وقال عليه السلام: إن لله عبادا ميامين مياسير، يعيشون ويعيش الناس في -
أكنافهم، وهم في عباده مثل القطر. ولله عباد ملاعين مناكيد، لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل الجراد لا يقعون على شئ إلا أتوا عليه (2).
(1) في بعض النسخ " يغنك ". (2) الميامين: جمع ميمون بمعنى ذو اليمن والبركة. والمياسير: جمع موسر بمعنى الغنى وذو اليسر. والمناكيد جمع نكد - بفتح الكاف وكسره وسكونه -: عسر، قليل الخير. وأتوا عليه أي أهلكوه وأفنوه.
[181]
67 - وقال عليه السلام: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف، ويحب الحيي الحليم العفيف المتعفف (1). 68 - وقال عليه السلام: إن الله يحب إفشاء السلام. 6 - ل (2): عن الطالقاني، عن محمد بن جرير الطبري، عن أبي صالح الكناني، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن شريك، عن هشام بن معاذ قال: كنت جليسا لعمر بن عبد العزيز حيث دخل المدينة فأمر مناديه فنادى من كانت له مظلمة أو ظلامة فليأت الباب فأتى محمد بن علي عليهما السلام - يعني الباقر - عليه السلام فدخل إليه مولاه مزاحم فقال: إن محمد بن علي بالباب فقال له: أدخله يا مزاحم، قال: فدخل وعمر يمسح عينيه من الدموع فقال له محمد بن علي عليهما السلام: ما أبكاك يا عمر ؟ فقال هشام: أبكاه كذا وكذا يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال محمد بن علي عليهما السلام: يا عمر إنما الدنيا سوق من الاسواق منها خرج قوم بما ينفعهم ومنها خرجوا بما يضرهم، وكم من قوم قد ضرهم بمثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت، فاستوعبوا فخرجوا من الدنيا ملومين لما لم يأخذوا لما أحبوا من الاخرة عدة،
ولا مما كرهوا جنة، قسم ما جمعوا من لا يحمدهم، وصاروا إلى من لا يعذرهم فنحن والله محقون أن ننظر إلى تلك الاعمال التي كنا نغبطهم بها فنوافقهم، وننظر إلى تلك الاعمال التي كنا نتخوف عليهم منها، فنكف عنها فاتق الله، واجعل في قلبك اثنتين تنظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك، وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت على ربك فابتغ به البدل
(1) يقال: ألحف في المسألة الحافا إذا ألح فيها ولزمها، وهو موجب لبغض الرب حيث أعرض عن الغنى الكريم وسأل الفقير اللئيم. وأنشد بعضهم: الله يبغض ان تركت سؤاله * وبنو آدم حين يسأل يغضب (2) الخصال ج 1 ص 51.
[182]
ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت (1) على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك، واتق الله يا عمر، وافتح الابواب، وسهل الحجاب، وانصر المظلوم، ورد المظالم (2). ثم قال: ثلاث من كن فيه استكمل الايمان بالله، فجثا عمر على ركبتيه وقال: إيه يا أهل بيت النبوة فقال: نعم يا عمر من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له، فدعا عمر بدواة في قرطاس وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما رد عمربن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي فدك. 7 - ما (3): عن المفيد، عن ابن قولويه، عن الكليني، عن علي، عن أبيه، عن اليقطيني، عن يونس، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: دخلنا على أبي جعفر عليه السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه وقلنا له: أوصنا يا ابن رسول الله فقال: ليعن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس على أعناقنا،
وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده، وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فإذا كنتم كما اوصيناكم، لم تعدوا إلى غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا وإن أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا. 8 - ما (4): عن الفحام، عن عمه، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن عثمان بن زيد، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: خدمت سيد الانام أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام ثمانية عشرة سنة فلما أردت الخروج ودعته فقلت له:
(1) السلعة: المتاع. وبار السوق أو السلعة أي كسد. (2) في المصدر " الظالم ". (3) الامالى ج 1 ص 236. (4) المصدر: ج 1 ص 302
[183]
أفدني، فقال: بعد ثمانية عشر سنة يا جابر ؟ قلت: نعم إنكم بحر لا ينزف ولا يبلغ قعره (1) قال: يا جابر بلغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنه لا قرابة بيننا و بين الله عزوجل، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة له، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا. يا جابر من هذا الذي سأل الله فلم يعطه ؟ أو توكل عليه فلم يكفه ؟ أو وثق به فلم ينجه ؟. يا جابر أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته تريد التحول وهل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك فاستيقظت وأنت على فراشك غير راكب. ولا أحد يعبأ بها، أو كثوب لبسته، أو كجارية وطئتها.
يا جابر الدنيا عند ذوي الالباب كفيئ الظلال. لا إله إلا الله إعزاز لاهل دعوته، الصلاة بيت الاخلاص وتنزيه عن الكبر، والزكاة تزيد في الرزق، و الصيام والحج تسكين القلوب، القصاص والحدود حقن الدماء، وحبنا أهل البيت نظام الدين، وجعلنا الله وإياكم من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. 9 - مع (2): عن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي عن هارون بن الجهم، عن المفضل بن صالح، عن سعد الاسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاث درجات وثلاث كفارات وثلاث موبقات (3) وثلاث منجيات فأما الدرجات فافشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام، و أما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات، والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات والمحافظة على الصلوات، وأما الموبقات فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات فخوف الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى و
(1) لا ينزف أي لا يفنى ماؤها على كثرة الاستقاء. (2) معاني الاخبار: ص 314 ورواه في الخصال ج 1 ص 41 بسند آخر. (3) الموبقة: المهلكة، والموبقات المهلكات من المعاصي والذنوب.
[184]
الفقر، وكلمة العدل في الرضا والسخط. قال: مصنف هذا الكتاب (ره) (1) روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: الشح المطاع سوء الظن بالله عزوجل، وأما السبرات فجمع سبرة وهو شدة البرد، وبها سمي الرجل سبرة. 10 - سن (2): عن أبان، عن عبد الرحمن بن سيابة، عن أبي النعمان، عن أبي جعفر عليه السلام قال: العجب كل العجب للشاك في قدرة الله وهو يرى خلق
الله، والعجب كل العجب للمكذب بالنشأة الاخرى وهو يرى النشأة الاولى، والعجب كل العجب للمصدق بدار الخلود وهو يعمل لدار الغرور، والعجب كل العجب للمختال الفخور، الذي خلق من نطفة ثم يصير جيفة، وهو فيما بين ذلك ولا يدري كيف يصنع به. 11 - جا (3): عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن ابن حديد، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي النعمان العجلي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا أبا النعمان لا تحققن علينا كذبا فتسلب الحنيفية، يا أبا النعمان لا تستأكل بنا الناس فلا تزيدك الله بذلك إلا فقرا، يا أبا النعمان لا ترأس فتكون ذنبا، يا أبا النعمان إنك موقوف ومسؤول لا محالة، فإن صدقت صدقناك، وإن كذبت كذبناك، يا أبا النعمان لا يغرك الناس عن نفسك فإن الامر يصل إليك دونهم، ولا تقطعن نهارك بكذا وكذا فإن معك من يحفظ عليك، وأحسن فلم أر شيئا أسرع دركا ولا أشد طلبا من حسنة لذنب قديم. 12 - كشف (4): من كتاب الحافظ بن عبد العزيز عن الحجاج بن أرطاة
(1) يعنى الصدوق. (2) المحاسن ص 242 تحت رقم 230. (3) مجالس المفيد: ص 108، المجلس الثالث والعشرون. (4) كشف الغمة ج 2 ص 333 إلى 362.
[185]
قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا ابن أرطاة كيف تواسيكم ؟ قلت: صالح يا أبا جعفر، قال: يدخل أحدكم يده في كيس أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه ؟ قلت: أما هذا فلا، فقال له: لو فعلتم ما احتجتم. 13 - عن أبي حمزة الثمالي قال: حدثني أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام
قال: لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا تصاحبهم في طريق. وقد سبق ذكره في - أخبار أبيه عليهما السلام (1). 14 - وعن حسين بن حسن قال: كان محمد بن علي عليهما السلام يقول: سلاح اللئام قبيح الكلام. 15 - وعن جابر الجعفي قال: قال لي محمد بن علي عليهما السلام: يا جابر إني لمحزون، وإني لمشتغل القلب، قلت: وما حزنك وما شغل قلبك ؟ قال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه، يا جابر ما الدنيا وما عسى أن يكون، إن هو إلا مركب ركبته، أو ثوب لبسته، أو امرأة أصبتها، يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا للبقاء فيها، ولم يأمنوا قدوم الاخرة عليهم، ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا ثواب الابرار، وإن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة، وأكثرهم لك معونة، إن نسيت ذكروك، وإن ذكرت أعانوك، قوالين بحق الله عزوجل، قوامين بأمر الله، وقطعوا محبتهم لمحبة ربهم، ونظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم، وتوحشوا من الدنيا بطاعة مليكهم، وعلموا أن ذلك منظور إليه من شأنهم، فأنزل الدنيا بمنزلة نزلت به وارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شئ، احفظ الله ما استرعاك من دينه وحكمته. 16 - وفى كتاب حلية الاولياء عن خلف بن حوشب، عن أبي جعفر محمد ابن علي عليهما السلام قال: الايمان ثابت في القلب، واليقين، خطرات، فيمر اليقين
(1) راجع ص 137 والكافي ج 2 ص 641
[186]
بالقلب فيصير كأنه زبر الحديد، ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالبة.
وعنه عليه السلام أنه قال: ما دخل قلب امرء شئ من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك، قل ذلك أو كثر. 17 - وعن سفيان الثوري قال: سمعت منصورا يقول: سمعت محمد بن علي ابن الحسين عليهم السلام يقول: الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أقطناه. 18 - وعن زيد بن خيثمة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الصواعق يصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تصيب الذاكر. 19 - وعن ثابت، عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله تعالى " اولئك يجزون الغرفة بما صبروا " (1) قال: الغرفة: الجنة، بما صبروا على الفتن في الدار الدنيا. 20 - وعن أبي حمزة الثمالي، وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا " (2) قال: بما صبروا على الفقر ومصائب الدنيا. 21 - وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: شيعتنا من أطاع الله. 22 - وعن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام قال: إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق. 23 - وعن ابن المبارك قال: قال محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام: من أعطى الخلق والرفق فقد اعطي الخير والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته، ومن حرم الخلق والرفق كان ذلك سبيلا إلى كل شر وبلية إلا من عصمه الله. 24 - وعن يوسف بن يعقوب، عن أخيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: شيعتنا ثلاثة أصناف صنف يأكلون الناس بنا، وصنف كالزجاج ينم (3) وصنف كالذهب الاحمر
(1) الفرقان: 76. (2) الدهر: 13.
(3) يعنى لا يكتم السر وأذاع ما في باطنه من الاسرار.
[187]
كلما ادخل النار ازداد جودة. 25 - وعن الاصمعي قال محمد بن علي عليهما السلام لابنه: يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر، إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق. 26 - وعن حجاج، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أشد الاعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، وإنصافك [الناس من نفسك] ومواساة الاخ في المال. 27 - قال الابي في كتاب نثر الدرر (1) قال عليه السلام لابنه جعفر عليه السلام: إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئا، فلعل رضاه فيه، وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا، فلعل سخطه فيه، وخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعل الولي ذلك. 28 - واجتمع عنده ناس من بني هاشم وغيرهم فقال: اتقوا الله شيعة آل محمد، وكونوا النمرقة الوسطى، يرجع إليكم الغالي، ويلحق بكم التالي، قالوا له: وما الغالي ؟ قال: الذي يقول فينا مالا نقوله في أنفسنا، قالوا: فما التالي ؟ قال: التالي الذي يطلب الخير فيزيد به خيرا، والله ما بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله من حجة، ولا يتقرب إليه إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله يعمل بطاعته نفعته ولايتنا أهل البيت، ومن كان منكم عاصيا لله يعمل معاصيه لم تنفعه ولايتنا ويحكم لا تغتروا - ثلاثا -. (2) 29 - وقال عليه السلام: إن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الاحرار. 30 - وقال عليه السلام لابنه: يا بني إذا أنعم الله عليك بنعمة فقل: الحمد لله، وإذا حزنك أمر فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا أبطأ عنك رزق فقل: أستغفر الله.
31 - وقال ابن حمدون في تذكرته: قال محمد بن علي عليهما السلام: توقى الصرعة خير من سؤال الرجعة.
(1) راجع كشف الغمة ج 2 ص 360. (2) أي قالها ثلاث مرات.
[188]
32 - وقيل له: من أعظم الناس قدرا ؟ قال: من لم يرى الدنيا لنفسه قدرا. 33 - وقال أبو عثمان الجاحظ: جمع محمد صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في - كلمتين فقال: صلاح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال: ثلثان فطنة، وثلث تغافل. 34 - الدرة الباهرة (1): قال الباقر عليه السلام: إن الله خبأ ثلاثة في ثلاثة: خبأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئا، فلعل رضاه فيه. وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا، فلعل سخطه فيه. وخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا، فلعله الولي. 35 - وقال عليه السلام: الغلبة بالخير فضيلة، وبالشر قبيحة. 36 - وقيل له عليه السلام: من أعظم الناس قدرا ؟ فقال: من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا. 37 - وقال عليه السلام: ما يأخذ المظلوم من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم. 38 - وقال عليه السلام: من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه. 39 - اعلام الدين (2): قال: محمد بن علي الباقر عليهما السلام كن لما لا ترجو أرجا منك لما ترجو فإن موسى عليه السلام خرج ليقتبس نارا فرجع نبيا مرسلا. 40 - وقال لبعض شيعته: إنا لا نغني عنكم من الله شيئا إلا بالورع، وإن
ولايتنا لا تدرك إلا بالعمل، وإن أشد الناس يوم القيامة حسرة من وصف عدلا وأتى جورا. 41 - وقال عليه السلام: إذا علم الله تعالى حسن نية من أحد اكتنفه بالعصمة. 42 - وقال عليه السلام: صانع المنافق بلسانك وأخلص ودك للمؤمنين، وإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته.
(1) و (2) مخطوط.
[189]
43 - وقال عليه السلام: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه، إن على كل حق نورا، وما خالف كتاب الله فدعوه، إن أسرع الخير ثوابا البر، وإن أسرع الشر عقوبة البغي، وكفى بالمرء عيبا أن ينظر إلى ما يعمى عنه من نفسه، ويعير الناس بما لا ينفيه عن نفسه، أو يتكلم بكلام لا يعنيه. 44 - وقال عليه السلام: من عمل بما يعلم علمه الله ما لم يعلم. 45 - واجتمع عنده جماعة من بني هاشم وغيرهم فقال لهم: اتقوا الله شيعة آل محمد وكونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق بكم التالي، قالوا له: وما الغالي ؟ قال الذي يقول فينا مالا نقوله في أنفسنا، قالوا: وما التالي ؟ قال: الذي يطلب الخير فيزيد به خيرا، إنه والله ما بيننا وبين الله من قرابة، ولا لنا عليه حجة، ولا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله يعمل بطاعته نفعته ولايتنا أهل البيت، ومن كان منكم عاصيا لله يعمل بمعاصيه لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا. 46 - وقال لبعض شيعته وقد أراد سفرا فقال له: أوصني فقال: لا تسيرن سيرا وأنت خاف، ولا تنزلن عن دابتك ليلا إلا ورجلاك في خف، ولا تبولن
في نفق، ولا تذوقن بقلة ولا تشمها حتى تعلم ما هي، ولا تشرب من سقاء حتى تعرف ما فيه، ولا تسيرن إلا مع من تعرف، واحذر من لا تعرف. 47 - وقيل له عليه السلام: من أعظم الناس قدرا فقال: من لا يبالي في يد من كانت الدنيا. 48 - وقال عليه السلام تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعلمه صدقة، وبذله لاهله قربة، والعلم ثمار الجنة، وانس في الوحشة، وصاحب في الغربة، ورفيق في الخلوة، ودليل على السراء، وعون على الضراء، ودين عند الاخلاء، وسلاح عند الاعداء، يرفع الله به قوما فيجعلهم في الخير سادة، وللناس أئمة، يقتدى بفعالهم، ويقتص
[190]
آثارهم، ويصلي عليهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه. 23. * (باب) * * " (مواعظ الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ووصاياه) " * * " (وحكمه) " * 1 - لى (1): عن ابن ادريس، عن أبيه، عن محمد بن أبي الصهبان، عن محمد ابن زياد، عن أبان الاحمر، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه جاء إليه رجل فقال له: بأبي أنت وامي يا ابن رسول الله علمني موعظة. فقال له عليه السلام: إن كان الله تبارك وتعالى قد تكفل بالرزق فاهتمامك لماذا ؟ وإن كان الرزق مقسوما فالحرص لماذا، وإن كان الحساب حقا فالجمع لماذا، وإن كان الثواب عن الله حقا فالكسل لماذا، وإن كان الخلف من الله عزوجل حقا فالبخل لماذا،
وإن كان العقوبة من الله عزوجل النار فالمعصية لماذا، وإن كان الموت حقا فالفرح لماذا، وإن كان العرض على الله حقا فالمكر لماذا، وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا، وإن كان الممر على الصراط حقا فالعجب لماذا، وإن كان كل شئ بقضاء وقدر فالحزن لماذا، وإن كانت الدنيا فانية فالطمأنينة إليها لماذا ؟ !. ل (2): عن ابن وليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان مثله، وفيه بعد قوله " فالمعصية لماذا ": " وإن كان الموت حقا فالفرج لماذا " وليس فيه، " وإن كان الشيطان عدوا فالغفلة لماذا ". 2 - لى (3) عن العطار، عن أبيه، عن الاشعري، عن الجاموراني، عن ابن أبي عثمان، عن محمد بن أبي حمزة، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله -
(1) المجلس الثاني ص 5. (2) الخصال ج 2 ص 61. (3) المجلس الثالث والاربعون ص 148.
[191]
الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال: تبع حكيم حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات فلما لحق به قال له: يا هذا ما أرفع من السماء، وأوسع من الارض، وأغنى من البحر، وأقسى من الحجر، وأشد حرارة من النار، وأشد بردا من الزمهرير، وأثقل من الجبال الراسيات. فقال له: يا هذا الحق أرفع من السماء، والعدل أوسع من الارض، وغنى النفس أغنى من البحر، وقلب الكافر أقسى من الحجر، والحريص الجشع أشد حرارة من النار، واليأس من روح الله عزوجل أشد بردا من الزمهرير والبهتان على البرئ أثقل من الجبال الراسيات. ل (1): عن ما جيلويه، عن محمد العطار مثله. كتاب الغايات (2) للشيخ جعفر بن أحمد القمي مرسلا مثله.
3 - لى (3) عن جعفر بن الحسن، عن محمد بن جعفر بن بطة، وعن البرقي عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إن أحق الناس بأن يتمنى للناس الغنى البخلاء لان الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم، وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الصلاح أهل العيوب لان الناس إذا صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم، وإن أحق الناس بأن يتمنى للناس الحلم أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى، عن سفههم، فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس، وأصبح أهل العيوب يتمنون معايب الناس، وأصبح أهل السفه يتمنون سفه الناس. وفي الفقر الحاجة إلى البخيل وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب، وفي السفة المكافأة بالذنوب. 4 - ب (4): عن ابن سعد، عن الازدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كم من نعمة الله عزوجل على عبده في غير عمله، وكم من مؤمل أملا والخيار في غيره، وكم من ساع إلى حتفه وهو مبطئ عن حظه.
(1) الخصال ج 2 ص 5. (2) مخطوط. (3) المجلس الحادى والستون ص 233. (4) قرب الاسناد ص 19.
[192]
ما - (1): عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى عن مسكان، عن بكر بن محمد عن الصادق عليه السلام مثله. 5 - ل (2): عن ما جيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن ابن معروف، عن أبي شعيب يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال، أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشد الناس
اجتهادا من ترك الذنوب. 6 - ل (3): عن القاسم بن محمد السراج، عن محمد بن أحمد الضبي، عن محمد ابن عبد العزيز الدينوري، عن عبيدالله بن موسى العبسي، عن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أوصني فقال لي: يا سفيان لا مروة لكذوب، ولا أخ لملوك، ولا راحة لحسود، ولا سؤدد لسيئ الخلق، فقلت: يا ابن رسول الله زدني، فقال لي: يا سفيان ثق بالله تكن مؤمنا، وارض بما قسم الله لك تكن غنيا، وأحسن مجاورة من جاورت تكن مسلما، ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره، وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزوجل. قلت: يا ابن رسول الله زدني فقال: لي: يا سفيان من أراد عزا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، و هيبة بلا سلطان فلينتقل عن ذل معصية الله إلى عز طاعته، قلت: زدني يا ابن رسول الله، فقال لي: يا سفيان أمرني والدي عليه السلام بثلاث ونهاني عن ثلاث فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ومن لا يملك لسانه يندم، ثم أنشدني: عود لسانك قول الخير تحظ به * إن اللسان لما عودت معتاد موكل بتقاضي ما سننت له * في الخير والشر كيف تعتاد
(1) الامالى ج 1 ص 132. (2) الخصال ج 1 ص 11. (3) المصدر ج 1 ص 8.
[193]
7 - فس (1) عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن - غياث قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حفص ما منزلة الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها، يا حفص: إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد
عاملون، وإلى ماهم صائرون، فحلم عنهم عند أعمالهم السيئة، لعلمه السابق فيهم، فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت، ثم تلا قوله: تلك الدار الاخرة - الاية " (2) وجعل يبكي ويقول: ذهب والله الاماني عند هذه الاية. ثم قال فازوا والله الابرار، أتدري من هم ؟ هم الذين لا يؤذون الذر، كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا، يا حفص إنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، ومن تعلم وعلم وعمل بما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلم لله، وعمل لله، وعلم لله. قلت: جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا ؟ فقال: فقد حد الله في كتابه فقال عزوجل " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم " (3) إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله، وأخوفهم له أعلمهم به، وأعلمهم به أزهدهم فيها. فقال له رجل يا ابن رسول الله أوصني فقال: اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش. 8 - ل (4): عن أبيه، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن يعقوب بن - يزيد، عن محمد بن جعفر (5) بإسناده قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ليس للبحر جار، ولا للملك صديق، ولا للعافية ثمن، وكم من منعم عليه وهو لا يعلم.
(1) تفسير على بن ابراهيم ص 493. (2) القصص: 83. وتمام الاية " نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ". (3) الحديد: 23. (4) الخصال ج 1 ص 106. (5) يعنى محمد بن جعفر الخزاز من أصحاب الرضا عليه السلام.
[194]
9 - ل (1): ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: خمس من خمسة محال: النصيحة من الحاسد محال، والشفقة من العدو محال، والحرمة من الفاسق محال، والوفاء من المرأة محال، والهيبة من الفقير محال. 10 - ل (2): عن أبيه، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن موسى بن عمر، عن أبي علي بن راشد، رفعه إلى الصادق عليه السلام أنه قال: خمس هن كما أقول: ليست لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملوك وفاء، ولا لكذاب مروة، ولا يسود سفيه. 11 - ل (3): عن أبيه، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن الجاموراني، عن درست، عن أبي خالد السجستاني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمس خصال من لم تكن فيه خصلة منها فليس فيه كثير مستمتع: أولها الوفاء، والثانية التدبير، والثالثة الحياء، والرابعة حسن الخلق، والخامسة - وهي تجمع هذه الخصال - الحرية. 12 - (4): وقال عليه السلام خمس خصال من فقد منهن واحدة لم يزل ناقص العيش، زائل العقل، مشغول القلب فأولها صحة البدن، والثانية الامن، والثالثة السعة في الرزق، والرابعة الانيس الموافق، قلت: وما الانيس الموافق ؟ قال: الزوجة الصالحة، والولد الصالح، والخليط الصالح، والخامسة - وهي تجمع هذه الخصال - الدعة. 13 - ل (5): عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن الاشعري، عن الجاموراني عن أبي عثمان، عن أحمد بن عمر الحلال، عن يحيى الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: سبعة يفسدون أعمالهم: الرجل الحليم ذو العلم الكثير لا يعرف
(1) الخصال ج 1 ص 129. (2) المصدر ج 1 ص 130.
(3) و (4) المصدر ج 1 ص 136. (5) المصدر ج 2 ص 5.
[195]
بذلك ولا يذكر به، والحكيم الذي يدين ماله كل كاذب منكر لما يؤتى إليه، والرجل الذي يأمن ذا المكر والخيانة، والسيد الفظ الذي لا رحمة له، و الام التي لا تكتم عن الولد السر وتفشي عليه، والسريع إلى لائمة إخوانه، والذي يجادل أخاه مخاصما له. 14 - ل (1): عن العطار، عن أبيه، عن الاشعري، عن الجاموراني، عن ابن أبي عثمان، عن أحمد بن عمر، عن يحيى الحلبي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يطمعن ذوالكبر في الثناء الحسن، ولا الخب في كثرة الصديق، ولا السيئ الادب في الشرف، ولا البخيل في صلة الرحم، ولا المستهزئ بالناس في صدق المودة، ولا القليل الفقه في القضاء، ولا المغتاب في السلامة، ولا الحسود في راحة القلب، ولا المعاقب على الذنب الصغير في السؤدد، ولا القليل التجربة المعجب برأيه في رئاسة. 15 - ل (2): عن المفسر أحمد بن الحسن الحسيني، عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: كتب الصادق عليه السلام إلى بعض الناس: إن أردت أن يختم بخير عملك حتى تقبض وأنت في أفضل الاعمال فعظم لله حقه أن تبذل نعمائه في معاصيه، وأن تغتر بحلمه عنك. وأكرم كل من وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا ثم ليس عليك صادقا كان أو كذابا إنما لك نيتك وعليه كذبه. 16 - ما (3): عن المفيد، عن ابن قولويه، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن البرقي عن شريف بن سابق، عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس
فيه إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا، وأول تحفة المؤمن أن يغفر الله له ولمن تبع جنازته، ثم قال: يا فضل لا يأتي المسجد من كل قبيلة إلا وافدها، ومن كل أهل
(1) المصدر ج 2 ص 53. (2) لم أجده. (3) الامالى ج 1 ص 45.
[196]
بيت إلا نجيبها، يا فضل لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخل الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به فيصرف الله عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عزوجل. ثم قال: قال رسول الله: " ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد فائدة الاسلام مثل أخ يستفيده في الله: ثم قال: يا فضل لا تزهدوا في فقراء شيعتنا فإن الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر، ثم قال: يا فضل إنما سمي المؤمن مؤمنا لانه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه، ثم قال: أما سمعت الله تعالى يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة: " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم (1) ". 17 - ما (2): عن المفيد، عن حسن بن حمزة الحسني، عن علي بن إبراهيم في كتابه على يد أبي نوح الكاتب، عن أبيه، عن ابن بزيع، عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال لاصحابه: اسمعوا مني كلاما هو خير لكم من الدهم الموقفة (3) لا يتكلم أحدكم بما لا يعنيه، وليدع كثيرا من الكلام فيما يعنيه، حتى يجد له موضعا، فرب متكلم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه، ولا يمارين أحدكم سفيها ولا حليما فإنه من مارى حليما أقصاه، ومن مارى سفيها أرداه، واذكروا أخاكم إذا غاب عنكم بأحسن ما تحبون أن
تذكروا به إذا غبتم عنه، واعملوا عمل من يعلم أنه مجازى بالاحسان مأخوذ بالاجترام. 18 - ما (4): عن المفيد، عن ابن قولويه، عن الكليني، عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن زياد، عن رفاعة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلامل يقول: أربع في التوراة وإلى جنبهن أربع: من أصبح على الدنيا
(1) الشعراء: 100. (2) الامالى ج 1 ص 229. (3) الدهم جمع أدهم: أجود الفرس. ودابة موقفة التى في قوائمها خطوط سود. (4) الامالى ج 1 ص 233 ورواه المفيد في المجالس ص 111.
[197]
حزينا فقد أصبح على ربه ساخطا، ومن أصبح يشكر مصيبة نزلت به فإنما يشكر ربه، ومن أتى غنيا فتضعضع له ليصيب من دنياه فقد ذهب ثلثا دينه، ومن دخل النار ممن قرأ القرآن فإنما هو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا، والاربع التي إلى جنبهن كما تدين تدان، ومن ملك استأثر، ومن لم يستشر ندم، والفقر هو الموت الاكبر. 19 - ما (1): باسناد أبي قتادة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ليس لحاقن رأي، ولا لملوك صديق، ولا لحسود غنى، وليس بحازم من لم ينظر في العواقب والنظر في العواقب تلقيح للقلوب. 20 - ما (2)، عن جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن هودة، عن إبراهيم ابن إسحاق، عن عبد الله بن حماد الانصاري، عن عبد العزيز بن محمد قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام وأنا عنده فقال له جعفر: يا سفيان إنك رجل مطلوب وأنا رجل تسرع إلي الالسن، فسل عما بد الك، فقال:
ما أتيتك يا ابن رسول الله إلا لاستفيد منك خيرا، قال: يا سفيان إني رأيت المعروف لايتم إلا بثلاث: تعجيله وستره وتصغيره، فإنك إذا عجلته هنأته وإذا سترته أتممته وإذا صغرته عظم عند من تسديه إليه، يا سفيان إذا أنعم الله على أحد منكم بنعمة فليحمد الله عزوجل، وإذا استبطئ الرزق فليستغفر الله، وإذا حزنه أمر قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا سفيان ثلاث أيما ثلاث: نعمت العطية الكلمة الصالحة يسمعها المؤمن فينطوي عليها حتى يهديها إلى أخيه المؤمن. وقال عليه السلام: المعروف كاسمه وليس شئ أعظم من المعروف إلا ثوابه، وليس كان من يحب أن يصنع المعروف يصنعه، ولا كل من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب إليه.
(1) الامالى ج 1 ص 307. (2) المصدر ج 2 ص 94.
[198]
21 - ع (1): عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن اليقطيني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لحمران: يا حمران انظر إلى من هو دونك، ولا تنظر إلي من هو فوتك في المقدرة، فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك. واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين. و اعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذي المؤمنين واغتيابهم، ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل أضر من العجب. 22 - ع (2): عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن
عبد العظيم الحسني، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن الفضل، عن خاله محمد بن سليمان عن رجل، عن محمد بن علي عليهما السلام أنه قال لمحمد بن مسلم: لا تغرنك الناس من نفسك فإن الامر يصل إليك دونهم، ولا تقطع النهار عنك كذا وكذا، فإن معك من يحصي عليك، ولا تستصغرن حسنة تعملها فإنك تراها حيث تسرك، ولا تستصغرن سيئة تعمل بها فإنك تراها حيث تسوؤك، وأحسن فإني لم أر شيئا قط أشد طلبا ولا أسرع دركا من حسنة محدثة لذنب قديم. جا (3) عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن فضالة، عن عبد الله بن زيد، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. وزاد في آخره: إن الله جل اسمه يقول: " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (4) ".
(1) علل الشرائع الباب الثاني والخمسون بعد الثلاثمائة ص 559. (2) المصدر الحديث التاسع والاربعون من الباب الاخر ص 599. وهذا اشتباه من جامع الكتاب حيث أورد حديث باقر عليه السلام في هذا الباب. (3) المجالس ص 108. (4) هود: 114.
[199]
23 - مع (1): عن ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه، عن محمد بن - سنان، عن المفضل، عن ابن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إعلم أن الصلاة حجزة الله في الارض فمن أحب أن يعلم ما يدرك من نفع صلاته فلينظر فإن كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز، ومن أحب أن يعلم ماله عند الله فليعلم مالله عنده، ومن خلا بعمل فلينظر فيه فإن كان حسنا جميلا فليمض عليه، وإن كان سيئا قبيحا فليجتنبه فان الله عزوجل أولى
بالوفاء والزيادة. من عمل سيئة في السر فليعمل حسنة في السر، ومن عمل سيئة في العلانية فليعمل حسنة في العلانية. 24 - سن (2): عن حماد بن عيسى، عن عبد الحميد الطائي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كتب معي إلى عبد الله بن معاوية وهو بفارس: من اتقى الله وقاه، ومن شكره زاده، ومن أقرضه جزاه. 25 - سن (3): عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن أبي اسامة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بتقوى الله، والورع، والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الامانة، وحسن الخلق، وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، وعليكم بطول الجود والركوع فإن أحدكم إذا طال الركوع يهتف إبليس من خلفه، وقال: يا ويلتاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت. 26 - ص (4): عن الصدوق رحمه الله بإسناده، عن ابن سنان، عن الصادق عليه السلام قال: لا تمزح فيذهب نورك، ولا تكذب فيذهب بهاؤك، وإياك وخصلتين: الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقا، قال:
(1) معاني الاخبار: ص 236. (2) المحاسن للبرقي ص 3 تحت رقم 2. (3) المصدر: ص 18 تحت رقم 50. (4) قصص الانبياء مخطوط.
[200]
وكان المسيح عليه السلام يقول: من كثر همه سقم بدنه، ومن ساء خلقه عذب نفسه، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر كذبه ذهب بهاؤه، ومن لاحى الرجال ذهب مروته. 27 - مص (1): قال الصادق عليه السلام أفضل الوصايا وألزمها أن لا تنسى ربك،
وأن تذكره دائما، ولا تعصيه، وتعبده قاعدا وقائما، ولا تغتر بنعمته، واشكره أبدا، ولا تخرج من تحت أستار عظمته وجلاله فتضل، وتقع في ميدان الهلاك، وإن مسك البلاء والضر، وأحرقتك نيران المحن واعلم أن بلاياه محشوة بكراماته الابدية، ومحنه مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين، فيالها من مغنم لمن علم ووفق لذلك. 28 - روى أن رجلالا استوصى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لا تغضب قط، فإن فيه منازعة ربك فقال: زدني، قال إياك وما يعتذر فيه فإن فيه الشرك الخفي فقال: زدني، فقال: صار صلاة مودع فإن فيها الوصلة والقربي، فقال: زدني، فقال عليه السلام استحي من الله استحياءك من صالحي جيرانك فإن فيها زيادة اليقين، وقد أجمع الله تعالى ما يتواصى به المتواصون من الاولين والاخرين في خصلة واحدة وهي التقوى، قال الله عزوجل: " ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله (2) " وفيه جماع كل عبادة صالحة، وصل من وصل إلى الدرجات العلى، والرتبة القصوى، وبه عاش من عاش مع الله بالحياة الطيبة، والانس الدائم، قال الله عزوجل: " إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر (3) ". 29 - كشف (4): قال محمد بن طلحة قال: مالك بن أنس قال: جعفر عليه السلام
(1) مصباح الشريعة ص 50 الباب الثالث والسبعون. (2) النساء: 131. (3) القمر: 54. (4) كشف الغمة ج 2 ص 368.
[201]
يوما لسفيان الثوري: يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من
الحمد والشكر على الله قال الله عزوجل في كتابه العزيز: " لئن شكرتم لازيدنكم (1) " وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله عزوجل قال في كتابه " استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين (2) " يعني في الدنيا " ويجعل لكم جنات " يعني في الاخرة. يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله " فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة. 30 - وقال ابن أبي حازم (3) كنت عند جعفر بن محمد عليهما السلام إذا جاء آذنه فقال: سفيان الثوري بالباب، فقال: ائذن له، فدخل فقال له جعفر: يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود، فقال سفيان: حدثني حتى أسمع وأقوم، فقال جعفر: حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومن حزنه أمر فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قام سفيان قال جعفر: خذها يا سفيان ثلاثا وأي ثلاث. 31 - وكان يقول عليه السلام: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله وتصغيره وستره. 32 - وسئل عليه السلام لم حرم الله الربا ؟ قال: لئلا يتمانع الناس المعروف. 33 - وذكر بعض أصحابه (4) قال: دخلت على جعفر عليه السلام وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منه أن قال: يا بني اقبل وصيتي
(1) ابراهيم: 7. (2) نوح: 10 إلى 12. (3) كشف الغمة ج 2 ص 358. (4) المصدر: ج 2 ص 369. (*)
[202]
واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا، يا بني إنه من قنع بما قسم الله له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم الله عزوجل اتهم الله تعالى في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زله نفسه، يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لاخيه بئرا سقط فيها، ومن دخل مداخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني قل الحق لك وعليك، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال. يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن وللمعادن اصولا وللاصول فروعا وللفروع ثمرا، ولا يطيب ثمر إلا بفرع ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل إلا بمعدن طيب. يا بني إذا زرت فزر الاخيار ولا تزر الفجار، فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى عليه السلام: فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن مات. 34 - ونقل أنه (1) كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا عليه السلام ففقده فسئل عنه فقال له رجل - يريد أن يستنقص به -: إنه نبطي فقال جعفر عليه السلام: أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، وكرمه تقواه، والناس في آدم مستوون، فاستحيا ذلك القائل. 35 - وقال سفيان الثوري: سمعت جعفر الصادق عليه السلام يقول: عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها، فإن يكن في شئ فيوشك أن يكون في الخمول فإن طلبت في خمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت، فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون
في التخلي، فإن طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف -
(1) الكشف: ج 2 ص 370.
[203]
الصالح، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشغل بها. 36 - وقال الحافظ (1) عبد العزيز: وقال إبراهيم بن مسعود قال: كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد عليهما السلام يخاطبه ويعرفه بحسن حال فتغيرت حاله فجعل يشكو إلى جعفر عليه السلام فقال: فلا تجزع وإن اعسرت يوما * فقد أيسرت في زمن طويل ولا تيأس فأن اليأس كفر * لعل الله يغني عن قليل ولا تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولى بالجميل 37 - (2) وعن عبد الله بن أبي يعفور، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: بني الانسان على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة والكذب. 38 - وقال الحافظ (3) عبد العزيز: روي عن جابر بن عون قال: قال رجل لجعفر بن محمد عليهما السلام: إنه وقع بيني وبين قوم منازعة في امور وإني اريد أن أتركه فيقال لي: إن تركك له ذل، فقال جعفر بن محمد عليهما السلام: إن الذليل هو الظالم. 39 - وعن إسماعيل بن جعفر بن محمد، عن جده عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. 40 - وقال الحافظ (4) أبو نعيم: روي عن محمد بن بشير، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أوحى الله تعالى إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك. 41 - (5) وعن الاصمعي قال: قال جعفر بن محمد عليهما السلام: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، وزكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل
(1) الكشف: ج 2 ص 374. (2) المصدر: ج 2 ص 375. (3) المصدر: ج 2 ص 377. (4) المصدر ج 2 ص 395. (5) المصدر ج 2 ص 396.
[204]
كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش، والتودد نصف العقل، وقلة العيال أحد - اليسارين، من حزن والديه فقد عقهما، ومن ضرب بيده [على فخذه] عند المصيبة فقد حبط أجره، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، والله عزوجل ينزل الصبر على قدر المصيبة، وينزل الرزق على قدر المؤونة، ومن قدر معيشته رزقه الله، ومن بذر معيشته حرمه الله. 42 - وعن بعض أصحاب جعفر عليه السلام قال: دخلت عليه وموسى عليه السلام بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني اقبل وصيتي واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا. يا بني من قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا، ومن لم يرض بما قسم له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة غيره استعظم زله نفسه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره. يا بني من كشف حجاب غيره تكشف عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لاخيه بئرا سقط فيها، ومن دخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم. يا بني إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك، وإياك والدخول فيمالا يعنيك
فتذل، يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين أقرانك. يا بني كن لكتاب الله تاليا، وللاسلام فاشيا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، ولمن قطعك واصلا، ولمن سكت عنك مبتدئا، ولمن سألك معطيا، وإياك والنميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المعترض لعيوب الناس كمنزلة الهدف. يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه، فإن للجود معادن، وللمعادن اصولا، وللاصول فروعا، وللفروع ثمرا، ولا يطيب ثمر إلا بفرع، ولا فرع إلا بأصل، ولا أصل ثابت إلا بمعدن طيب.
[205]
يا بني إذا زرت فز الاخيار ولا تزر الفجار فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها وشجرة لا يخضر ورقها وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى عليه السلام: فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن توفي. 43 - (1) وعن عنبسة الخثعمي وكان من الاخيار قال: سمعت جعفر بن - محمد عليهما السلام يقول: إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. 44 - وقال عليه السلام: إذا بلغك عن أخيك شئ يسوؤك فلا تغتم به فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت وإن كانت على غير ما يقول: كانت حسنة لم تعلمها، قال: وقال موسى عليه السلام: يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير، قال: ما فعلت ذلك لنفسي. 45 - وقال الابي (2): سئل جعفر بن محمد عليهما السلام لما صار الناس يكلبون أيام الغلاء على الطعام ويزيد جوعهم على العادة في الرخص ؟ قال: لانهم بنو الارض فإذا قحطت قحطوا وإذا خصبت خصبوا. 46 - وشكى إليه عليه السلام رجل جاره فقال: اصبر عليه، فقال: ينسبني الناس
إلى الذل فقال: إنما الذليل من ظلم. وقال عليه السلام: أربعة أشياء القليل منها كثير: النار والعداوة والفقر والمرض. 47 - (3) وقال عليه السلام إذا أقبلت الدنيا على المرء أعطته محاسن غيره، و إذا أعرضت عنه سلبته محاسن نفسه. 48 - (4) ومر به عليه السلام رجل وهو يتغدى فلم يسلم فدعاه إلى الطعام فقيل له: السنة أن يسلم ثم يدعى، وقد ترك السلام على عمد، فقال: هذا فقه عراقي فيه بخل.
(1) الكشف: ج 2 ص 398. (2) المصدر: ج 2 ص 414. والآبي: عز الدين ابن زينب الحسن بن أبى طالب اليوسفي تلميذ المحقق ومن أعلام القرن السابع. (3) المصدر: ج 2 ص 416. (4) المصدر: ج 2 ص 417.
[206]
49 - وقال عليه السلام: القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق. 50 - وقال عليه السلام: من أنصف من نفسه رضي حكما لغيره. 51 - وقال عليه السلام: (1) أكرموا الخبز فإن الله أنزل له كرامة، قيل: وما كرامته قال: أن لا يقطع، ولا يوطأ، وإذا حضر لم ينتظر به غيره (2). 52 - وقال عليه السلام: حفظ الرجل أخاه بعد وفاته في تركته كرم. 53 - وقال عليه السلام: ما من شئ أسر إلي من يد أتبعها الاخرى لان منع الاواخر بقطع لسان شكر الاوائل. 54 - وقال عليه السلام: إني لاملق أحيانا فاتاجر الله بالصدقة (3). 55 - وقال عليه السلام: لا يزال العز قلقا حتى يأتي دارا قد استشعر أهلها اليأس
مما في أيدي الناس فيوطنها. 56 - وقال عليه السلام: إذا دخلت إلى منزل أخيك فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدور. 57 - وقال عليه السلام: كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان. 58 - واشتكى مرة فقال: اللهم اجعله أدبا لاغضبا. 59 - وقال عليه السلام: البنات حسنات والبنون نعم، والحسنات يثاب عليها والنعم مسؤول عنها. 60 - وقال عليه السلام: إياك وسقطة الاسترسال فانها لا تستقال. 61 - وقيل له عليه السلام: ما طعم الماء ؟ قال: طعم الحياة. 62 - وقال عليه السلام: من لم يستحى من العيب ويرعوى (4) عند الشيب ويخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه. 63 - وقال عليه السلام: وإن خير العباد من يجتمع فيه خمس خصال: إذا أحسن
(1) الكشف: ج 2 ص 417. (2) في المصدر " سواه ". (3) أملق الرجل أنفق ماله حتى قل. (4) ارعوى من الجهل: كف عنه.
[207]
استبشر، وإذا أساء استغفر، وإذا اعطى شكر، وإذا ابتلى صبر، وإذا ظلم غفر. 64 - وقال عليه السلام: إياكم وملاحاة الشعراء (1) فانهم يضنون بالمدح ويجودون بالهجاء. وقال عليه السلام: إني لا سارع إلى حاجة عدوي خوفا أن أرده فيستغني عني. 65 - كان عليه السلام يقول: اللهم إنك بما أنت له أهل من العفو أولى مني بما أنا أهل له من العقوبة.
66 - وأتاه عليه السلام أعرابي وقيل: بل أتى أباه الباقر عليه السلام فقال: أرأيت الله حين عبدته فقال: ما كنت لاعبد شيئا لم أره، قال: كيف رأيته ؟ قال: لم تره الابصار بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقيقة الايمان، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، معروف بالايات، منعوت بالعلامات، هو الله الذي لا إله إلا هو، فقال الاعرابي، الله أعلم حيث يجعل رسالته. 67 - وقال عليه السلام: يهلك الله ستا بست الامراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر، والتجار بالخيانة، وأهل الرستاق بالجهل، والفقهاء بالحسد. 68 - وقال عليه السلام: منع الموجود سوء ظن بالمعبود. 69 - وقال عليه السلام: صلة الارحام منسأة في الاعمار، وحسن الجوار عمارة للدنيا، وصدقة السر مثراة للمال. 70 - وقال له أبو جعفر (2): يا أبا عبد الله ألا تعذرني من عبد الله بن حسن وولده يبثون الدعاة ويريدون الفتنة، قال: قد عرفت الامر بيني وبينهم فإن أقنعتك مني آية من كتاب الله تعالى تلوتها عليك ؟ قال: هات، قال: " لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون (3) "
وقال: كفاني وقبل بين عينيه. 71 - وقال: عليه السلام لرجل أحدث سفرا يحدث الله لك رزقا وألزم ما عودت منه الخير.
72 - قال عليه السلام: دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الاخرة بأعمالهم ليجازوا، فقال: " يا أيها الذين آمنوا " " يا أيها الذين كفروا ". 73 - وقال عليه السلام: من أيقظ فتنة فهو اكلها. 74 - وقال عليه السلام: إن عيال المرء اسراؤه، فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على اسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة. 75 - وكان عليه السلام يقول: السريرة إذا صلحت قويت العلانية. 76 - وقال عليه السلام: ما يصنع العبد أن يظهر حسنا ويسر سيئا، أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس كذلك، والله عزوجل يقول: " بل الانسان على نفسه بصيرة (7) ". 77 - وقال له أبو حنيفة: يا أبا عبد الله ما أصبرك على الصلاة فقال: ويحك يا نعمان أما علمت أن الصلاة قربان كل تقي: وأن الحج جهاد كل ضعيف، و لكل شئ زكاة وزكاة البدن الصيام، وأفضل الاعمال انتظار الفرج من الله، الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، فاحفظ هذه الكلمات يا نعمان: استنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا المال بالزكاة، وما عال امرء اقتصد، والتقدير نصف العيش: والتودد نصف العقل، والهرم نصف الهم، وقلة العيال أحد اليسارين، من أحزن والديه فقد عقهما، ومن ضرب يده على فخذه عند المصيبة حبط أجره، والصنيعة لا يكون صنيعة إلا عند ذي حسب ودين، والله ينزل الرزق على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، ولو أراد الله بالنمل خيرا ما أنبت لها جناحا.
(1) الاكل جمع اكلة وهى اللقمة. (4) القيامة: 14.
[209]
زاد ابن حمدون في روايته ومن قدر معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله ولم يورد " ولو أراد الله بالنملة ". 78 - وقيل له عليه السلام: ما بلغ بك من حبك موسى ؟ قال: وددت أن ليس لي ولد غيره حتى لا يشركه في حبي له أحد. 79 - وقال: ثلاثة اقسم بالله أنها الحق: ما نقص مال من صدقه ولا زكاة، ولا ظلم أحد بظلامة فقدر أن يكافي بها فكظمها إلا أبدله الله مكانها عزا، ولا فتح عبد على نفسه باب مسألة إلا فتح عليه باب فقر. 80 - وقال عليه السلام: ثلاثة لا يزيد الله بها المرء المسلم إلا عزا: الصفح عمن ظلمه والاعطاء لمن حرمه، والصلة لمن قطعه. 81 - وقال عليه السلام: من اليقين ألا ترضى الناس بما يسخط الله، ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله، ولا تحمدهم على ما رزق الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يصرفه كره كاره، ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه الرزق كما يدركه الموت. 82 - وقال عليه السلام: مروة الرجل في نفسه نسب لعقبه وقبيلته. 83 - وقال عليه السلام: من صدق لسانه زكي عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره بأهل بيته زيد في عمره. 84 - وقال عليه السلام: خذ من حسن الظن بطرف تروح به قلبك ويروح به أمرك (1). 85 - وقال عليه السلام: المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر مما له. 86 - ومن تذكرة ابن حمدون قال الصادق عليه السلام: تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والائتلاء (2) على الله عزوجل هلكة، والاصرار أمن، ولا
يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
(1) في الكشف: ج 2 ص 420 " ويرخ به أمرك ". (2) أي الحكم والحتم.
[210]
87 - وقال عليه السلام: ما كل من أراد شيئا قدر عليه، ولا كل من قدر على شئ وفق له، ولا كل من وفق أصاب له موضعا، فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والاصابة فهناك تجب السعادة. 88 - وقال عليه السلام: صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة قال الله تعالى " والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب (1) ". 89 - وقال عليه السلام (2) وقد قيل بحضرته: جاور ملكا أو بحرا، فقال هذا الكلام محال والصواب لا تجاور ملكا ولا بحرا لان الملك يؤذيك، والبحر لا يرويك. 90 - وسئل عليه السلام: عن فضيلة لامير المؤمنين عليه السلام لم يشركه فيها غيره، قال: فضل الاقربين بالسبق، وسبق الابعدين بالقرابة. 91 - وعنه عليه السلام قال: " بسم الله الرحمن الرحيم " تيجان العرب. 92 - وقال عليه السلام: صحبة عشرين يوما قرابة. 93 - كا من الروضة (3) علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها، وتعاهدها والعمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها. قال: وحدثني الحسن بن محمد، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن القاسم ابن الربيع الصحاف عن إسماعيل بن مخلد السراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله عليه السلام إلى أصحابه:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة (5) والوقار والسكينة،
(1) الرعد: 21. (2) يعنى الآبى المترجم في ص 205. (3) المصدر الحديث الاول. (4) معطوف على ابن فضال لان ابراهيم بن هاشم أحد رواته. (5) الدعة: الخفض والطمأنينة.
[211]
وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة (1) أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وإياكم ومماظتهم، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم، فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر و لولا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا (2) بكم وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة، وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم، غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق و بصركموه ولم يجعلهم من أهله فتحاملونهم وتصبرون عليهم ولا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شئ (3) وحيلهم ووسواس بعضهم إلى بعض فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق، يعصمكم الله من ذلك. فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم إلا من خير وإياكم أن تذلقوا (4) ألسنتكم
(1) المجاملة: المعاملة بالجميل. والضيم: الظلم. والمماظة بالمعجمة -: شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم. وقوله " بالتقية " متعلق بدينوا. وما بينهما معترض.
(2) السطو: القهر. أي وثبوا عليكم وقهروكم. (3) اعلم أن الحديث - كما قاله المؤلف - قد اختل نظمه وترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات وتأخير بعضها. وفى بعض النسخ المصححة التى رآها المؤلف قوله " لا صبر لهم " متصل بقوله (في ص 221) " من اموركم " هكذا " ولا صبر لهم على شئ من اموركم تدفعون أنتم السيئة - الخ ". وهو الصواب. اه. هذا. وقد يخطر بالبال من اختلاط بعض فصوله واندماج بعض جمله واختلاف نسخه أن أصل الكتاب صدر من الامام عليه السلام لكن لم يخل عن تصرف بعض الرواة أو الناسخين الاولين بتفسير بعض الجمل وادخاله في المتن. (4) " تذلقوا " في أكثر نسخ المصدر " تزلقوا " بالزاى المعجمة.
[212]
بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان، فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم، من أن تذلقوا ألسنتكم به فإن ذلق اللسان فيما يكرهه الله وفيما ينهى عنه (1) مرداة للعبد عند الله ومقت من الله وصمم وبكم و عمي يورثه الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله " صم بكم عمى فهم لا يعقلون (2) " يعني لا ينطقون " ولا يؤذن لهم فيعتذرون ". وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها ولم يتب إلى الله ولم ينزع عنها، وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة له، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه وأجيبو الله إلى ما دعاكم إليه (3) لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله، وإياكم أن تشره
أنفسكم إلى شئ مما حرم الله عليكم فإن من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاهل الجنة أبد الابدين. واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته، فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها، ويل لاولئك، ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم، وأسوء حالهم عند ربهم يوم القيامة، استجيروا الله أن يجيركم في مثالهم أبدا، وأن
(1) في بعض النسخ " وما نهى عنه ". والمرادة بغير الهمزة مفعلة من الردى بمعنى الهلاك وفى بعضها " أن تزلقوا ألسنتكم " بالزاى. (2) البقرة: 167. (3) زاد في بعض النسخ " لتفلحوا وتنجحوا من عذاب الله ". والشره: غلبة الحرص.
[213]
يبتليكم بما ابتلاهم به، ولا قوة لنا ولكم إلا به. فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به فإنه لا يتم الامر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم (1) وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا فتصبروا وتعركوا بجنوبكم (2) وحتى يستذلوكم ويبغضوكم، وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحملوه منهم، تلتمسون بذلك وجه الله والدار الاخرة، وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الاذى في الله عزوجل يجترمونه (3) إليكم، وحتى يكذبوكم بالحق، ويعادوكم فيه، ويبغضكم عليه، فتصبروا على ذلك منهم، ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل عليه السلام على نبيكم، سمعتم قول الله عزوجل لنبيكم صلى الله عليه وآله: " فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم " (4) ثم قال: وإن
يكذبوك " فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واذوا (5) " فقد كذب نبي الله والرسل من قبله واوذوا مع التكذيب بالحق، فإن سركم (6) أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الاصل - أصل الخلق - من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الاصل، ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله " وجعلنا منهم
(1) قال المؤلف: لعل المراد: اتقوا الله ولا تتركوا التقوى عن الشرك والمعاصي عند ارادة اتمام ما أعطاكم من دين الحق، ثم بين عليه السلام الاتمام بانه انما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم. فالمراد الامر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن وذكر فائدة الابتلاء بانه سبب لتمام الايمان فلذا يبتليكم. (2) يقال: عرك الاذى بجنبه أي احتمله. (3) في القاموس: اجترم عليهم واليهم جريمة: جنى جناية. (4) الاحقاف: 35. وفيها " ولقد ". (5) الانعام: 34. (6) في النسخة المصححة التى أومأ إليها المؤلف قوله " ان سركم " متصل بما سيأتي في آخر الرسالة " أن تكونوا مع نبى الله محمد صلى الله عليه وآله إلى آخر الرسالة.
[214]
أئمة يدعون إلى النار (1) " فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه، فانه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه، فاستوجب سخط الله فأكبه الله على وجهه في النار. وقال: أيتها العصابة المرحومة المفلحة إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ورأي ولا مقائيس قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلا لا يسع أهل القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى
ولا رأى ولا مقائيس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة (2) فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، واولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لانهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الامر حراما، وجعلوا ما حرم الله في كثير من الامر حلالا، فذلك أصل ثمرة أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله عزوجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد ما قبض الله عزوجل رسوله صلى الله عليه وآله وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله فما أحد أجر أعلى الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك، وزعم أن ذلك يسعه والله إن الله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد صلى الله عليه وآله
(1) القصص: 41 وفيها " وجعلناهم ائمة يدعون ". (2) أي عالم الارواح.
[215]
وبعد موته، هل يستطيع اولئك أعد الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد صلى الله عليه وآله أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه، فإن قال: نعم فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيدا، وإن قال: لا لم يكن لاحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقائيسه فقد أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قال
الله - وقوله الحق -: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (1) ". وذلك لتعلموا أن الله يطاع ويتبع أمره في حياة محمد صلى الله عليه وآله وبعد قبض الله محمدا صلى الله عليه وآله وكما لم يكن لاحد من الناس مع محمد صلى الله عليه وآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لامر محمد صلى الله عليه وآله فكذلك لم يكن لاحد من الناس بعد محمد صلى الله عليه وآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه. وقال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة (2) فإن الناس قد شهروكم بذلك. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد [الله] عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فإن الله أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ذكره من
(1) آل عمران: 144. (2) اعلم أن رفع اليدين في تكبير الافتتاح لا خلاف في أنه مطلوب للشارع بين العامة والخاصة. والمشهور بين الاصحاب الاستحباب وذهب السيد - ره - من علمائنا إلى الوجوب، وأما الرفع في سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين أيضا استحبابه. وقال الثوري وأبو حنيفة والنخعي: لا رفع الا عند الافتتاح وذهب السيد - ره - إلى الوجوب في جميع التكبيرات. ولما كان في زمانه عليه السلام عدم استحباب الرفع أشهر بين العامة فلذا منع الشيعة عن ذلك لئلا يشهروا بذلك فيعرفونهم. (قاله المؤلف).
[216]
المؤمنين.
واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن الله لا يدرك شئ من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن وباطنه فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه - وقوله الحق - " وذروا ظاهر الاثم وباطنه (1) " واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه، واتبعوا آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته، فخذوا بها، ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم " فإن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها " وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم (2) وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو ؟ إنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب الله، ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولاوليائه، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال: أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته وآثار الائمة الهداة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده وسنتهم، فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لانهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله: المداومة على العمل في اتباع الاثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع
(1) الانعام: 120 (2) جواب للامر أي انكم إذا جاملتم الناس عشتم مع الامن وعدم حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم فيما أمركم به من التقية. في بعض نسخ المصدر " تجمعون " فيكون حالا عن ضميري الخطاب أي ان أجمعوا طاعة الله مع المجاملة، لا بأن تتابعوهم في المعاصي وتشاركوهم في دينهم بل بالعمل بالتقية فيما أمركم الله فيه بالتقية (قاله المؤلف). (*)
[217]
واتباع الاهواء (1) ألا إن اتباع الاهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار، ولن ينال شئ من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا لان الصبر والرضا من طاعة الله، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره. وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم (2) وعليكم بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله، والله له حاقر ماقت، وقد قال أبونا رسول الله صلى الله عليه وآله: " أمرني ربي بحب المساكين المسلمين [منهم] " واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس، والله له أشد مقتا، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم، فإن الله أمر رسوله صلى الله عليه وآله بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين. وإياكم والعظمة والكبر فإن الكبر رداء الله عزوجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة. وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فانها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغي صير الله بغيه على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه، ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله، وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد، وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعوا الله عليكم ويستجاب له فيكم، فان أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول: " إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة " وليعن بعضكم بعضا، فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول: " إن معاونة المسلم
(1) هذا من قبيل المماشاة مع الخصم أي لو كان البدعة تنفع ويرضى الرحمن بها على فرض المحال كان اتباع السنة أنفع. (2) " اياكم " عطف على المؤمنين.
[218]
خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام " إياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه (1) بالشئ يكون لكم قبله وهو معسر، فإن أبانا رسول اله صلى الله عليه وآله كان يقول: " ليس للمسلم أن يعسر مسلما، ومن أنظر معسرا أظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ". وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والاجل، وإنه من أخر من حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه، ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب الله لكم بقيته، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الاضعاف الكثيرة التي لا يعلم عددها ولاكنه فضله إلا الله رب العالمين. وقال: اتقوا الله أيتها العصابة وإن استطعتم ألا يكون منكم محرج الامام (2)
(1) عسر الغريم يعسره: طلب منع على عسرته. كأعسره. (القاموس) (2) " محرج الامام " في الصحاح: أحرجه إليه: ألجأه. وفيه: سعى به إلى الوالى إذا وشى به يعنى نمه وذمه عنده. وقال المؤلف: الظاهر أن المراد لا تكونوا محرج الامام أي بأن تجعلوه مضطرا إلى شئ لا يرضى به، ثم بين عليه السلام بان المحرج هو الذى يذم أهل الصلاح عند الامام ويشهد عليهم بفساد وهو كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند الامام فيلزم الامام أن يلعنهم فإذا لعنهم. وهم غير مستحقين لذلك تصير
اللعنة عليهم رحمة وترجع اللعنة إلى الواشى الكاذب الذى ألجأ الامام إلى ذلك، أو المراد أنه ينسب الواشى إلى أهل الصلاح عند الامام شيئا بمحضر جماعة يتقى منهم الامام فيضطر الامام إلى أن يلعن من نسب إليه ذلك تقية، ويحتمل أن يكون المراد أن محرج الامام هو من يسعى بأهل الصلاح إلى أئمة الجور ويجعلهم معروفين عند أئمة الجور بالتشيع فيلزم أئمة الحق لرفع الضرر عن أنفسهم وعن أهل الصلاح أن يلعنوهم ويتبرؤوا منهم فيصير اللعنة إلى الساعين وأئمة الجور معا وعلى هذا المراد باعدء الله أئمة الجور. وقوله: " إذا - - -
[219]
فإن محرج الامام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الامام، المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، واعلموا أنه من نزل بذلك المنزل عند الامام فهو محرج الامام فإذا فعل ذلك عند الامام أحرج الامام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه من المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته فإذا لعنهم لاحراج أعداء الله الامام صارت لعنته رحمة من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن ملائكته ورسله على اولئك. واعلموا أيتها العصابة إن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل، وقال: من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا [حقا] فليتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرء إلى الله من عدوهم، ويسلم لما انتهى إليه من فضلهم لان فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الائمة الهداة وهم المؤمنون قال: " اولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا (1) " فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الائمة فكيف بهم وفضلهم، ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله
قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فلم يبق شئ مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله (2). فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شئ من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين، وهو من
- - - - فعل ذلك عند الامام " يؤيد المعنى الاول. هذه من الوجوه التى خطر بالبال والله أعلم ومن صدر عنه صلوات الله عليه انتهى. (1) النساء: 69. (2) أي في الفواحش. فقوله " اجتناب الفواحش " يشمل اجتناب جميع المحرمات وقوله " فمن دان الله " أي عبد الله فيما بينه وبين ربه أي مختفيا. ولا ينظر إلى غيره، ولا يلتفت إلى من سواه.
[220]
المؤمنين حقا. وإياكم والاصرار على شئ مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله تعالى: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (1) " (إلى ههنا رواية قاسم بن - الربيع) (2) يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا في تركهم ذلك الشئ فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه فذلك معنى قول الله عزوجل: " ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ". واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهي عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شئ من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار. واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا، ولا قوة إلا بالله.
وقال عليه السلام: وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم. واعلموا أن الاسلام هو التسليم والتسليم هو الاسلام، فمن سلم فقد أسلم، ومن لم يسلم فلا إسلام له، ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الاحسان فليطع الله فانه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الاحسان، وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها فانه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الاساءة إلى نفسه وليس بين الاحسان والاساءة منزلة، فلاهل الاحسان عند ربهم الجنة، ولاهل الاساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه، اعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه.
(1) آل عمران: 145. (2) أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص و اسماعيل.
[221]
واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضى الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد عليهم السلام ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر. واعلموا أن المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله قال للمنافقين - وقوله الحق -: " إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (1) " ولا يفرقن (2) أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس أخرجه الله من صفة الحق، ولم يجعله من أهلها فإن من لم يجعله الله من أهل صفة الحق فاولئك هم شياطين الانس والجن وإن لشياطين الانس حيلة ومكرا وخدايع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل
الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والانكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله: " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء (3) " ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الانس ومكرهم من اموركم تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم خير عندهم، لا يحل لكم أن تظهروهم على اصول دين الله فانهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه، ورفعوه عليكم، وجهدوا على هلاككم، واستقبلوكم بما تكرهون، ولم يكن لكم النصفة منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل فانه لا ينبغي لاهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل لان الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، ألم يعرفوا وجه قول الله في كتابه إذ يقول:
(1) النساء: 145. (2) الفرق - محركة -: الخوف وفى أكثر النسخ " لا يعرفن ". (3) النساء: 88.
[222]
" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار (1) " أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى - وله المثل الاعلى - وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة (2) لاهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا. فمهلا مهلا يا أهل الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمة، أحبوا في الله من وصف صفتكم، وأبغضوا في الله من خالفكم،
وابذلوا مودتكم ونصيحتكم [لمن وصف صفتكم] ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغا [ل] كم الغوائل هذا أدبنا أدب الله فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا به. وإياكم والتجبر على الله، واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله، فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولكم إلا بالله. وقال عليه السلام: إن العبد إذا كان خلقه الله في الاصل - أصل الخلق - مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه ومن كره الله إليه الشر وباعده عنه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته، وحسن خلقه، وطلق وجهه، وصار عليه وقار الاسلام وسكينته وتخشعه، وورع عن محارم الله، واجتنب مساخطه، ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم، وترك مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شئ، وإن العبد إذا كان الله خلقه في الاصل - أصل الخلق - كافرا (3) لم يمت حتى يحبب إليه الشر، ويقر به منه، فإذا حبب إليه
(1) ص: 28. (2) العرضة: الحيلة. (3) ظاهر هذا الكلام هو الجبر الباطل في مذهب أهل البيت عليهم السلام وسلب الاختيار ومخالف لصريح القرآن قوله تعالى: " فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " فيجب تأويله أو التوقف ورد علمه إلى أهله.
[223]
الشر وقربه منه ابتلى بالكبر والجبرية (1) فقسا قلبه وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فحشه وقل حياؤه، وكشف الله سره، وركب المحارم فلم ينزع عنها، وركب
معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر. سلوا الله العافية واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله، صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الاخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته فإن الله أمر بولاية الائمة الذين سماهم الله في كتابه في قوله: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا (2) " وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الائمة من آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله ليحق عليهم كلمة العذاب، وليتم (3) أن تكونوا مع نبي الله محمد صلى الله عليه وآله والرسل من قبله، فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين، ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم، وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدى الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته، فانكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم. واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للاسلام فإذا أعطاه ذلك أنطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا، وإذا لم يرد الله تعالى بعبد
(1) الجبرية - بكسر الجيم والراء وسكون الباء. وبكسر الباء أيضا وبفتح الجيم وسكون الباء -: التكبر. والعريكة: الطبيعة. (2) الانبياء: 73. (3) هذا موضع آخر من مواضع الاختلاف في النسخ وفى النسخة التى أشرنا إليها هكذا " وليتم أمر الله فيهم الذى خلقهم له في الاصل " إلى آخر ما مر في ص 213. (*)
[224]
خيرا وكله إلى نفسه، وكان صدره صيقا حرجا فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه، فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للاسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم، ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين. من سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا، ألم يستمع قول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذبوبكم (1) " والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله، ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا، ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله، ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار، والحمد لله رب العالمين. 94 - كا (2) عن علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن الحسين، وحميد بن زياد، عن الحسن بن محمد الكندي جميعا، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن رجل من أصحابه قال: قرأت جوابا من أبي عبد الله عليه السلام إلى رجل من أصحابه: أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإياك أن تكون ممن تخاف على العباد من ذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه فإن الله عزوجل لا يخدع عن جنته، ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله. 95 - كا (3): عن علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن -
(1) آل عمران: 31. (2) الكافي ج 8 ص 49. تحت رقم 9. (3) المصدر: ج 8 ص 128 تحت رقم 98.
[225]
داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قال: إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا، وما عليك إن لم يثن الناس عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى، إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: " لا خير في الدنيا إلا لاجد رجلين: رجل يزداد فيها كل يوم إحسانا، ورجل يتدارك منيته بالتوبه، وأنى له بالتوبة، فوالله أن لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله عزوجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف حقنا أو رجا الثواب بنا، ورضي بقوته نصف مد كل يوم، وما يستر به عورته، وما أكن به رأسه وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا (1) وكذلك وصفهم الله عزوجل حيث يقول: " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة (2) " وما الذي أتوا به أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون ألا يقبل منهم، وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين، ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا. ثم قال: إن قدرت على أن لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تصنع ولا تداهن. ثم قال، نعم صومعة المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه، إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عزوجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه ومن ذهب يرى أن له على الاخر فضلا فهو من المستكبرين، فقلت له: إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذ رآه مرتكبا للمعاصي ؟ فقال: هيهات
هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف تحاسب أما تلوت قصة سحرة موسى عليه السلام ؟. ثم قال: كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه، وكم من مستدرج بستر الله عليه، وكم من مفتون بثناء الناس عليه، ثم قال: إني لارجو النجاة
(1) أي هم راضون بما قدر لهم من التقية في الدنيا ولا يريدون أكثر من ذلك حذرا من أن يصير سببا لطغيانهم (منه رحمه الله). (2) المؤمنون: 60.
[226]
لمن عرف حقنا من هذه الامة إلا لاحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوى، والفاسق المعلن. ثم قال: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " (1) ثم قال: يا حفص الحب أفضل من الخوف، ثم قال: والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا، ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى. فبكى رجل فقال: أتبكي لو أن أهل السماوات والارض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عزوجل أن ينجيك من النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك [ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس لله عزوجل في تلك الحال]. ثم قال: يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا، يا حفص قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من خاف الله كل لسانه ". ثم قال: بينا موسى بن عمران يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصة فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى قل له: لا تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك. ثم قال: مر موسى بن عمران عليه السلام برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من حاجته وهو ساجد على حاله، فقال له موسى عليه السلام: لو كانت حاجتك بيدي
لقضيتها لك، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما احب. 96 - د (2): قال السفيان الثوري للصادق عليه السلام: لا أقوم حتى تحدثني فقال عليه السلام له: أما إني احدثك وما كثرة الحديث لك بخير، يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها، فإن الله عزوجل قال في كتابه " لئن شكرتم لازيدنكم " (3) فإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله تعالى قال: " استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدارا. ويمددكم
(1) آل عمران: 31. (2) العدد القوية، مخطوط. (3) ابراهيم: 7.
[227]
بأموال وبنين (يعني في الدنيا) ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا (1) " يعني في الاخرة، يا سفيان إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنة، فعقد سفيان بيده وقال: ثلاثا وأي ثلاث، قال مولانا الصادق عليه السلام: عقلها والله ولينفعنه بها. 97 (ين (2): عن فضالة، عن أبي المغرا، عن زيد الشحام، عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشئ حتى آخذ به قال: اوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد، وإياك أن تطمع إلى من فوقك، وكفى بما قال الله عزوجل لرسوله: " ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم (3) " وقال: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا (4) " فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله فإنما كان قوته من الشعير، وحلواؤه من التمرو وقيده من السعف إذا وجده (5) إذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصائبك برسول الله صلى الله عليه وآله فإن الخلائق
لم يصابوا بمثله قط. 98 - ين: عن فضالة، عن الفضيل بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أوصني قال: اوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الامانة، وحسن الصحابة لمن صحبك، وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد ولا تمتنع من شئ تطله من ربك، ولا تقول هذا مالا أعطاه، وداع فإن الله يفعل ما يشاء. 99 - ين: عن فضالة، عن بشر الهذلي، عن عجلان أبي صالح قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أنصف الناس من نفسك. وواسهم من مالك، وارض لهم بما ترضى
(1) نوح: 10 - 12. (2) مخطوط. (3) التوبة: 87. (4) طه: 131. (5) الوقيد والوقاد والوقود كلها بمعنى، يعني ما توقد به النار.
[228]
لنفسك، واذكر الله كثيرا، وإياك والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد إلى الله حقه، وإذا ضجرت لم تؤد إلى أحد حقه. 100 - من خط الشهيد رحمه الله قيل للصادق عليه السلام: على ما ذا بنيت أمرك ؟ فقال: على أربعة أشياء: علمت أن عملي لا يعمله غيري فاجتهدت، وعلمت أن الله عزوجل مطلع علي فاستحييت، وعلمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأننت، وعلمت أن آخر أمري الموت فاستعددت. 101 - وقال عليه السلام: إذا أراد الله بعبد خزيا أجرى فضيحته على لسانه. 102 - الدرة الباهرة: (1) قال الصادق عليه السلام: من كان الحزم حارسه، والصدق جليسه، عظمت بهجته، وتمت مروته، ومن كان الهوى مالكه، والعجز راحته،
عاقاه عن السلامة، وأسلماه إلى الهلكة. 103 - وقال عليه السلام: جاهل سخي أفضل من ناسك بخيل. 104 - وقال عليه السلام: اللهم إنك بما أنت له أهل من العفو أولى بما أنا له أهل من العقوبة. 105 - وقال عليه السلام: من سئل فوق قدره استحق الحرمان، العز أن تذل للحق، إذا لزمك، من أمك فأكرمه، ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه، أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم دونه، ولم يصفح عمن اعتذر إليه، حشمة الانقباض أبقى للعرض وانس التلافي (2)، الهوى يقظان والعقل نائم، لا تكونن أول مشير، وإياك والرأي الفطير، وتجتنب ارتجال الكلام مروة الرجل في نفسه نسب لعقبه وقبيلته. 106 - وقيل في مجلسه عليه السلام: جاور ملكا أو بحرا فقال: هذا كلام محال، والصواب لا تجاور ملكا ولا بحرا لان الملك يؤذيك، والبحر لا يرويك، إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم - قاله في القضاء والقدر -. من أمل رجلا هابه، ومن قصر عن شئ عابه.
(1) مخطوط. (2) كذا.
[229]
107 - ف (1) ومن كلامه عليه السلام سماه بعض الشيعة نثر الدرر: 1 - الاستقصاء فرقة الانتقاد عداوة، قلة الصبر فضيحة، إفشاء السر سقوط، السخاء فطنة، اللوم تغافل. 2 - ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا والاخرة بغيته (2): من اعتصم بالله، ورضي بقضاء الله، وأحسن الظن بالله. 3 - ثلاثة من فرط فيهن كان محروما: استماحة جواد، ومصاحبة عالم،
واستمالة سلطان. 4 - ثلاثة تورث المحبة: الدين، والتواضع، والبذل. 5 - من برئ من ثلاثة نال ثلاثة: من برئ من الشر نال العز، ومن برئ من الكبر نال الكرامة، ومن برئ من البخل نال الشرف. 6 - ثلاثة مكسبة للبغضاء: النفاق. والظلم. والعجب. 7 - ومن لم تكن فيه خصلة من ثلاثة لم يعد نبيلا (3): من لم يكن له عقل يزينه أو جدة تغنيه (4) أو عشيرة تعضده. 8 - ثلاثة تزري بالمرء (5): الحسد. والنميمة. والطيش. 9 - ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاث مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب. ولا الشجاع إلا عند الحرب. ولا أخ إلا عند الحاجة. 10 - ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى: من إذا حدث كذب. وإذا وعد أخلف. وإذا ائتمن خان. 11 - احذر من الناس ثلاثة: الخائن. والظلوم. والنمام، لان من خان
(1) التحف: 315. (2) البغية: ما يرغب فيه ويطلب أي المطلوب. (3) النبيل: ذوالنجابة. (4) الجدة - مصدر وجد يجد، كعدة -: الغنى والقدرة. (5) ازرى به: عابه ووضعه من حقه. والطيش: النزق والخفة.
[230]
لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك. ومن نم إليك سينم عليك. 12 - لا يكون الامين أمينا حتى يؤتمن على ثلاثة فيؤديها: على الاموال والاسرار والفروج. وإن حفظ اثنين وضيع واحدة فليس بأمين.
13 - لا تشاور أحمق، ولا تستعن بكذاب، ولا تثق بمودة ملوك، فان الكذاب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب، والاحمق يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما تريد والملوك أوثق ما كنت به خذلك، وأوصل ما كنت له قطعك. 14 - أربعة لا تشبع من أربعة: أرض من مطر، وعين من نظر، وانثى من ذكر، وعالم من علم. 15 - أربعة تهرم قبل أوان الهرم: أكل القديد، والقعود على النداوة، والصعود في الدرج. ومجامعة العجوز (1). 16 - النساء ثلاث: فواحدة لك، وواحدة لك وعليك. وواحدة عليك لا لك، فأما التي هي لك فالمرأة العذراء، وأما التي هي لك وعليك فالثيب. وأما التي هي عليك لالك فهي المتبع التي لها ولد من غيرك. 17 - ثلاث من كن فيه كان سيدا: كظم الغيظ، والعفو عن المسيئ، والصلة بالنفس والمال. 18 - ثلاثة لا بد لهم من ثلاث: لابد للجواد من كبوة، وللسيف من نبوة، وللحليم من هفوة (2). 19 - ثلاثة فيهن البلاغة: التقرب من معنى البغية، والتبعد من حشو الكلام والدلالة بالقليل على الكثير. 20 - النجاة في ثلاث: تمسك عليك لسانك. ويسعك بيتك. وتندم على خطيئتك. 21 - الجهل في ثلاث: في تبدل الاخوان، والمنابذة بغير بيان (3) والتجسس
(1) القديد: اللحم المقدد. يقال: قدداللحم أي جعله قطعا وجففه. (2) الكبوة: السقطة، المرة من كبا يكبو كبوا لوجهه: انكب على وجهه. ونبا ينبو نبوة السيف: كل ولم يقطع. والهفوة: الزلة والسقطة. (3) المنابذة: المخالفة والمفارقة، يقال: نابذه أي خالفه وفارقه عن عداوة ولعل
المراد: المخالفة بلا جهة وعلة.
[231]
عما لا يعني. 22 - ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر. والنكث. والبغي. وذلك قول الله: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (1) ". " فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم وقومهم أجمعين (2) " وقال جل وعز: " ومن نكث فإنما ينكث على نفسه (3) ". وقال: " يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحيوة الدنيا (4). 23 - ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمة: وقلة الحيلة، و ضعف الرأي. 24 - الحزم في ثلاثة (5): الاستخدام للسلطان، والطاعة للوالد، والخضوع للمولى. 25 - الانس في ثلاث: في الزوجة الموافقة، والولد البار، والصديق المصافي (6). 26 - من رزق ثلاثا نال ثلاثا وهو الغنى الاكبر: القناعة بما اعطي، واليأس مما في أيدي الناس، وترك الفضول. 27 - لا يكون الجواد جوادا إلا بثلاثة: يكون سخيا بماله على حال اليسر والعسر، وأن يبذله للمستحق، ويرى أن الذي أخذه من شكر الذي اسدي إليه (7) أكثر مما أعطاه.
(1) فاطر: 41. لا يحيق أي لا يحيط. (2) النمل: 52. (3) الفتح: 10.
(4) يونس: 24. (5) الحزم: ضبط الرجل أمره والحذر من فواته والاخذ فيه بالثقة. (6) صافى فلانا: أخلص له الود. (7) في بعض النسخ: يسدى إليه ".
[232]
28 - ثلاثة لا يعذر المرء فيها: مشاورة ناصح، ومداراة حاسد، والتحبب إلى الناس. 29 - لا يعد العاقل عاقلا حتى يستكمل ثلاثا: إعطاء الحق من نفسه على حال الرضا والغضب، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه، واستعمال الحلم عند العثرة. (1) 30 - لا تدوم النعم إلا بعد ثلاث (2): معرفة بما يلزم الله سبحانه فيها، وأداء شكرها، ولا يعيب فيها. 31 - ثلاث من ابتلي بواحدة منهن تمنى الموت: فقر متتابع، وحرمة فاضحة، وعدو غالب. 32 - من لم يرغب في ثلاث ابتلي بثلاث: من لم يرغب في السلامة ابتلي بالخذلان، ومن لم يرغب في المعروف ابتلي بالندامة. ومن لم يرغب في الاستكثار من الاخوان ابتلي بالخسران. 33 - ثلاث يجب على كل إنسان تجنبها: مقارنة الاشرار، ومحادثة النساء، ومجالسة أهل البدع. 34 - ثلاثة تدل على كرم المرء: حسن الخلق، وكظم الغيظ، وغض الطرف. 35 - من وثق بثلاثة كان مغرورا: من صدق بما لا يكون، وركن إلى من
لا يثق به، وطمع في ما لا يملك. 36 - ثلاثة من استعملها أفسد دينه ودنياه: من [أ] ساء ظنه، وأمكن من سمعه، وأعطى قياده حليلته (3). 37 - أفضل الملوك من اعطي ثلاث خصال: الرأفة، والجود والعدل.
(1) العثرة: الزلة. والسقطة. (2) في بعض النسخ " الا بثلاث ". (3) القياد: حبل يقاد به. والحليلة: الزوجة.
[233]
38 - وليس يحب للملوك أن يفرطوا في ثلاث (1): في حفظ الثغور، وتفقد المظالم، واختيار الصالحين لاعمالهم. 39 - ثلاث خلال (2) تجب للملوك على أصحابهم ورعيتهم: الطاعة لهم، والنصيحة لهم في المغيب والمشهد، والدعاء بالنصر والصلاح. 40 - ثلاثة تجب على السلطان للخاصة والعامة: مكافأة المحسن بالاحسان ليزدادوا رغبة فيه. وتغمد ذنوب المسيئ ليتوب ويرجع عن غيه (3) وتألفهم جميعا بالاحسان والانصاف. 41 - ثلاثة أشياء من احتقرها من الملوك وأهملها تفاقمت عليه: خامل قليل الفضل شذ عن الجماعة (4)، وداعية إلى بدعة جعل جنته الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهل بلد جعلوا لانفسهم رئيسا يمنع السلطان من إقامة الحكم فيهم. 42 - العاقل لا يستخف بأحد. وأحق من لا يستخف به ثلاثة: العلماء، والسلطان، والاخوان، لانه من استخف بالعلماء أفسد دينه، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، ومن استخف بالاخوان أفسد مروته.
43 - وجدنا بطانة السلطان ثلاث طبقات (5): طبقة موافقة للخير وهي بركة عليها وعلى السلطان وعلى الرعية. وطبقة غايتها المحاماة على ما في أيديها فتلك لا محمودة ولا مذمومة، بل هي إلى الدم أقرب. وطبقة موافقة للشر وهي مشؤومة مذمومة عليها وعلى السلطان.
(1) يفرطوا فيه: يقصروا وأظهروا العجز فيه. (2) الخلال - بالكسر -: جمع خلة. و - بالفتح -: الخصلة. (3) في بعض النسخ " عن عتبه ". (4) تفاقم الامر: عظم ولم يجر على استواء. والخامل: الساقط الذى لا نباهة له. وشذ عنهم أي انفرد واعتزل. (1) البطانة: الخاصة.
[234]
44 - ثلاثة أشياء يحتاج الناس طرا إليها: الامن والعدل والخصب (1). 45 - ثلاثة تكدر العيش: السلطان الجائر، والجار السوء والمرأة البذية (2). 46 - لا تطيب السكنى إلا بثلاث: الهواء الطيب، والماء الغزير العذب، والارض الخوارة (3). 47 - ثلاثة تعقب الندامة: المباهاة، والمفاخرة، والمعازة (4). 48 - ثلاثة مركبة في بني آدم: الحسد، والحرص، والشهوة. 49 - من كانت فيه خلة من ثلاثة انتظمت فيه ثلاثتها في تفخيمه وهيبته وجماله: من كان له ورع، أو سماحة، أو شجاعة. 50 - ثلاث خصال من رزقها كان كاملا: العقل، والجمال، والفصاحة. 51 - ثلاثة تقضى لهم بالسلامة إلى بلوغ غايتهم: المرأة إلى انقضاء حملها والملك إلى أن ينفد عمره، والغائب إلى حين إيابه.
52 - ثلاثة تورث الحرمان: الالحاح في المسألة، والغيبة، والهزء (5). 53 - ثلاثة تعقب مكروها: حملة البطل (6) في الحرب في غير قرصة وإن رزق الظفر، وشرب الدواء من غير علة وإن سلم منه، والتعرض للسلطان وإن ظفر الطالب بحاجته منه. 54 - ثلاث خلال يقول كل إنسان إنه على صواب منها: دينه الذي يعتقده، وهواه الذي يستعلى عليه، وتدبيره في اموره.
(1) الخصب - بالكسر -: كثرة العشب والخير. وفى بعض النسخ " والخضب " أي سفح الجبل وجانبه وصوت القوس. والاول أظهر. (2) البذية: السفيه والتى أفحش في منطقها. (3) الغزير: الكثير. وأرض خوارة: السهلة اللينة. (4) المعازة: المعارضة في العز. (5) الهزء - بالفتح والضم -: الاستهزاء والاستخفاف. (6) الحملة - بفتح فسكون -، الكرة في الحرب.
[235]
55 - الناس كلهم ثلاث طبقات: سادة مطاعون وأكفاء متكافون (1) واناس متعادون. 56 - قوام الدنيا بثلاثة أشياء: النار، والملح، الماء. 57 - من طلب ثلاثة بغير حق حرم ثلاثة بحق: من طلب الدنيا بغير حق حرم الاخرة بحق، ومن طلب الرئاسة بغير حق حرم الطاعة له بحق، ومن طلب المال بغير حق حرم بهاؤه له بحق. 58 - ثلاثة لا ينبغي للمرء الحازم أن يقدم عليها: شرب السم للتجربة وإن نجا منه. وإفشاء السر إلى القرابة الحاسد وإن نجا منه. وركوب البحر وإن
كان الغنى فيه. 59 - لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليه في أمر دنياهم وآخرتهم فإن عدموا ذلك كانوا همجا (2): فقيه عالم ورع. وأمير خير مطاع. وطبيب بصير ثقة. 60 - يمتحن الصديق بثلاث خصال، فإن كان مؤاتيا فيها (3) فهو الصديق المصافي وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدة: تبتغي منه مالا، أو تأمنه على مال، أو تشاركه في مكروه. 61 - إن يسلم الناس من ثلاثة أشياء كانت سلامة شاملة: لسان السوء. ويد السوء. وفعل السوء. 62 - إذا لم تكن في المملوك خصلة من ثلاث فليس لمولاه في إمساكه راحة: دين يرشده. أو أدب يسوسه (4). أو خوف يردعه.
(1) المتكافون والمتكافئون: المتساوون. (2) الهمج - بالتحريك -: السفلة والحمقى والرعاع من الناس، يقال: قوم همج أي لا خير فيهم. (3) آتاه مؤاتاة: وافقه. والمصافي: المخلص لك الود. والرخاء: سعة العيش. (4) ساس يسوس سياسة الامر. قام به. - والقوم دبرهم وتولى أمرهم. - وفلان قد ساس أي أدب.
[236]
63 - إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير. وغيرة بتحصن (1). 64 - كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب وهو: أن يكون حاذقا بعمله، مؤديا للامانة فيه، مستميلا لمن استعمله (2).
65 - ثلاث من ابتلي بواحدة منهن كان طائح العقل (3): نعمة مولية. وزوجة فاسدة (4). وفجيعة بحبيب. 66 - جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع، لكل واحدة منهن فضيلة ليست للاخرى: السخاء بالنفس، والانفة من الذل (5)، وطلب الذكر، فإن تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله، والموسوم بالاقدام في عصره. وإن تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد إقداما. 67 - ويجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء: شكرهما على كل حال. وطاعتهما فيما يأمرانه وينهيانه عنه في غير معصية الله. ونصيحتهما في السر والعلانية وتجب للولد على والده ثلاث خصال: إختياره لوالدته. وتحسين اسمه. والمبالغة في تأديبه (6). 68 - تحتاج الاخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها وإلا تباينوا وتباغضوا وهي: التناصف. والتراحم. ونفي الحسد (7).
(1) في بعض النسخ " بحسن " أي تزين به أو صار حسنا. (2) أي عطوفا عليه. واستماله: أماله واستعطفه. (3) طاح يطوح وطاح يطيح: تاه وأشرف على الهلاك. (4) في بعض النسخ " مفسدة ". (5) الانفة: اسم من أنف - كتعب -: كرهه وترفع وتنزه عنه. (6) في بعض نسخ المصدر " وتجب للولد على والدته ثلاث خصال ". (7) يقال: تناصفوا أي أنصف بعضهم بعضا. وتراحموا: رحم بعضهم بعضا.
[237]
69 - إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم
وشماتة الاعداء بهم وهي: ترك الحسد فيما بينهم، لئلا يتحزبوا فيتشتت أمرهم. والتواصل ليكون ذلك حاديا (1) لهم على الالفة، والتعاون لتشملهم العزة. 70 - لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحسن خلقة معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها. ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهن: صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته (2) ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة (3) والهيئة الحسنة لها في عينه. 71 - لا يتم المعروف إلا بثلاث خلال: تعجيله، وتقليل كثيره، وترك الامتنان به. 72 - والسرور في ثلاث خلال: في الوفاء، ورعاية الحقوق، والنهوض في النوائب. 73 - ثلاثة يستدل بها على إصابة الرأي (4): حسن اللقاء، وحسن الاستماع، وحسن الجواب. 74 - الرجال ثلاثة: عاقل. وأحمق. وفاجر، فالعاقل إن كلم أجاب وإن نطق أصاب، وإن سمع وعى. الاحمق إن تكلم عجل، وإن حدث ذهل وإن حمل على القبيح فعل. والفاجر إن ائتمنته خانك وإن حدثته شأنك.
(1) أي يحدوهم ويسيرهم. ويحتمل أن يكون " هاديا ". وقد يقرء في بعض النسخ " حاويا ". (2) حاطه حياطة: حفظه وتعهده. (3) الخلابة - بكسر الخاء -: الحذيعة باللسان أو بالقول الطيب. (4) كذا. والظاهر " أصالة الرأى ". (*)
[238]
75 - الاخوان ثلاثة: فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت فهو العاقل. والثاني في معنى الداء وهو الاحمق. والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب. 76 - ثلاثة أشياء تدل على عقل فاعلها: الرسول على قدر من أرسله، والهدية على قدر مهديها، والكتاب على قدر [عقل] كاتبه. 77 - العلم ثلاثة: آية محكمة، وفريضة عادلة، وسنة قائمة. 78 - الناس ثلاثة: جاهل يأبى أن يتعلم، وعالم قد شفه علمه، وعاقل يعمل لدنياه وآخرته (1). 79 - ثلاثة ليس معهن غربة: حسن الادب، وكف الاذى، ومجانبة الريب. 80 - الايام ثلاثة: فيوم مضى لا يدرك، ويوم الناس فيه، فينبغي أن يغتنموه. وغدا إنما في أيديهم أمله (2). 81 - من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الايمان: حلم يرد به جهل الجاهل. وورع يحجزه عن طلب المحارم. وخلق يداري به الناس. 82 - ثلاث من كن فيه استكمل الايمان، من إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق. وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل. ومن إذا قدر عفا. 83 - ثلاث خصال يحتاج إليها صاحب الدنيا: الدعة من غير توان (3) والسعة مع قناعة. والشجاعة من غير كسلان. 84 - ثلاثة أشياء لا ينبغي للعاقل أن ينساهن على كل حال: فناء الدنيا وتصرف الاحوال. والافات التي لا أمان لها. 85 - ثلاثة أشياء لا ترى كاملة في واحد قط: الايمان. والعقل. والاجتهاد.
(1) في بعض النسخ " للدنيا والاخرة ". وشفه: هزله، رقه، أوهنه. (2) قال بعض الشعراء: ما فات مضى وما سيأتيك فأين * قم فاغتنم الفرصة بين العدمين (3) أي من غير فتور، والدعة: خفض العيش والراحة.
[239]
86 - الاخوان ثلاثة: مواس بنفسه. وآخر مواس بماله وهما الصادقان في الاخاء. وآخر يأخذ منك البلغة (1) ويريدك لبعض اللذة، فلا تعده من أهل الثقة. 87 - لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: الفقة في الدين، وحسن النقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 108 - ف (2): وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني: 1 - قال صلوات الله عليه: من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره. 2 - وقال عليه السلام: إذا كان الزمان زمان جوز وأهله أهل غدر فالطمأنينة إلى كل أحد عجز (3). 3 - وقال عليه السلام: إذا اضيف البلاء كان من البلاء عافية. 4 - وقال عليه السلام: إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فاغضبه فإن ثبت لك على المودة فهو أخوك وإلا فلا. 5 - وقال عليه السلام: لا تعتد بمودة أحد حتى تغضبة ثلاث مرات. 6 - وقال عليه السلام: لا تثقن بأخيك كل الثقة، فإن صرعة الاسترسال لا تستقال (4). 7 - وقال عليه السلام: الاسلام درجة، والايمان على الاسلام درجة، واليقين
(1) أي ما يبلغه ويكفيه. (2) التحف ص 357. (3) في بعض النسخ " فلا طمأنينة إلى كل أحد ". (4) الصرعة - بالفتح: المرة من صرع. - وبالضم - المبالغ في الصرع أي من يصرعه الناس كثيرا. والاسترسال: الطمأنينة والاستيناس إلى الغير والثقة فيما يحدثه وأصل الاسترسال: السكون والثبات. وقد مضى نظير هذا الكلام فيما تقدم. وفى بعض نسخ الحديث " فان سرعة الاسترسال ".
[240]
على الايمان درجة (1). وما أوتي الناس أقل من اليقين. 8 - وقال عليه السلام: إزالة الجبال أهون من إزالة قلب عن موضعه. 9 - وقال عليه السلام: الايمان في القلب واليقين خطرات. 10 - وقال عليه السلام: الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن (2) والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن. 11 - وقال عليه السلام: من العيش دار يكرى، خبز يشرى. 12 - وقال عليه السلام لرجلين تخاصما بحضرته: أما إنه لم يظفر بخير من ظفر بالظلم. ومن يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل به. 13 - وقال عليه السلام: التواصل بين الاخوان في الحضر التزاور، والتواصل في السفر المكاتبة. 14 - وقال عليه السلام: لا يصلح المؤمن إلا على ثلاث خصال: التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على النائبة. 15 - وقال عليه السلام: المؤمن لا يغلبه فرجه، ولا يفضحه بطنه. 16 - وقال عليه السلام: صحبة عشرين سنة قرابة.
17 - وقال عليه السلام: لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب أو دين، وما أقل من يشكر المعروف. 18 - وقال عليه السلام: إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم. فأما صاحب سوط وسيف فلا (3). 19 - وقال عليه السلام: إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عالم بما يأمر، عالم بما ينهى. عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى.
(1) كذا وفى الكافي " والتقوى على الايمان درجة واليقين على التقوى درجة ". (2) في بعض النسخ " تورث النقم والحزن ". (3) لانه لا يؤثر فيهما كثيرا لانهما صاحبا قدرة وسلطنة ومغروران بما في أيديهما.
[241]
20 - وقال عليه السلام: من تعرض لسلطان (1) جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها. 21 - وقال عليه السلام: إن الله أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروه فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا فكانت عليهم نعمة. 22 - وقال عليه السلام: صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال (2) ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل. 23 - وقال عليه السلام: ما أقبح الانتقام بأهل الاقدار (3). 24 - وقيل له: ما المروة ؟ فقال عليه السلام: لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك من حيث أمرك. 25 - وقال عليه السلام: اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا إزالة للنعم إذا شكرت، ولا إقامة لها إذا كفرت. والشكر زيادة في النعم.
وأمان من الفقر. 26 - وقال عليه السلام: فوت الحاجة خير من طلبها من غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلق منها. 27 - وسأله رجل: أن يعلمه ما ينال به خير الدنيا والاخرة ولا يطول عليه (4) ؟ فقال عليه السلام: لا تكذب. 28 - وقيل له: ما البلاغة ؟ فقال عليه السلام: من عرف شيئا قل كلامه فيه، وإنما سمي البليغ لانه يبلغ حاجته بأهون سعيه.
(1) أي تصدى لطلب فضله واحسانه. (2) في بعض النسخ " على مكيال " وتعايش القوم: عاشوا مجتمعين على الفة ومودة وتعاشر القوم: تخالطوا وتصاحبوا. (3) الظاهر أن المراد من يقدر عليهم الرزق والمعيشة أي الضعفاء: والاقدار: جمع قدر. (4) " ولا يطول " بالتخيف أي لا يجعله طويلا بل مختصرا موجزا.
[242]
29 - وقال عليه السلام: الدين غم بالليل، وذل بالنهار. 30 - وقال عليه السلام، إذا صلح أمر دنياك فاتهم دينك. 31 - وقال عليه السلام: بروا آبائكم يبركم أبناؤكم، وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم. 32 - وقال عليه السلام: من ائتمن خائنا على أمانة لم يكن له على الله ضمان (1). 33 - وقال عليه السلام: لحمران بن أعين: يا حمران انظر من هو دونك في المقدرة (2) ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإن ذلك أقنع لك بما قسم الله لك، وأحرى أن تستوجب الزيادة منه عزوجل. واعلم أن العمل الدائم القليل على
اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله، والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم. ولا عيش أهنأ من حسن الخلق، ولا مال أنفع من القناعة باليسير المجزئ، ولا جهل أضر من العجب. 34 - وقال عليه السلام: الحياء على وجهين فمنه ضعف، ومنه قوة وإسلام وإيمان. 35 - وقال عليه السلام: ترك الحقوق مذلة، وإن الرجل يحتاج إلى أن يتعرض فيها للكذب. 36 - وقال عليه السلام: إذا سلم الرجل من الجماعة أجزأ عنهم. وإذا رد واحد من القوم أجزأ عنهم.
(1) الضمان - بالفتح -: ما يلتزم بالرد. (2) المقدرة - بتثليث الدال -: القوة والغنى. وحمران - كسكران - وقيل: - كسبحان - ابن أعين كاحمد - الشيباني الكوفى تابعي مشكور يكنى أبا الحسن وقيل: أبا حمزة من أصحاب الصادقين بل من حواريهما عليهما السلام ولقى على بن الحسين عليهما السلام وكان من أكابر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم، وكان أحد حملة القرآن وقرأ على أبى جعفر الباقر عليه السلام وقيل: أن حمزة أحد القراء السبعة قرأ عليه وكان عالما بالنحو واللغة.
[243]
37 - وقال عليه السلام: السلام تطوع والرد فريضة (1). 38 - وقال عليه السلام: من بدأ بكلام قبل سلام فلا تجيبوه (2). 39 - وقال عليه السلام: إن تمام التحية للمقيم المصافحة، وتمام التسليم على المسافر المعانقة. 40 - وقال عليه السلام: تصافحوا، فانها تذهب بالسخيمة (3). 41 - وقال عليه السلام: اتق الله بعض التقى وإن قل، ودع بينك وبينه سترا
وإن رق. 42 - وقال عليه السلام: من ملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى حرم الله جسده على النار. 43 - وقال عليه السلام: العافية نعمة خفية (4) إذا وجدت نسيت، وإذا عدمت ذكرت. 44 - وقال عليه السلام: لله في السراء نعمة التفضل، وفي الضراء نعمة التطهر (5). 45 - وقال عليه السلام: كم من نعمة لله على عبده في غير أمله، وكم من مؤمل أملا الخيار في غيره، وكم من ساع إلى حتفه وهو مبطئ عن حظه. 46 - وقال عليه السلام: قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا، ولكل نعمة شكرا ولكل عسر يسرا. اصبر نفسك عند كل بلية ورزية في ولد أو في مال، فإن الله إنما يقبض عاريته وهبته ليبلو شكرك وصبرك. 47 - وقال عليه السلام: مامن شئ إلا وله حد. قيل: فما حد اليقين ؟ قال عليه السلام: أن لا تخاف شيئا.
(1) تطوع: تبرع، والمراد أن السلام تطوع ابتداء. (2) في الكافي " من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ". (3) السخيمة: الضغينة والحقد في النفس. (4) وفى بعض النسخ: " خفيفة ". (5) التفضل: النيل من الفضل. والتطهر: التنزه عن الادناس أي المعاصي.
[244]
48 - وقال عليه السلام: ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور عند الهزاهز (1)، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم
الاعداء، ولا يتحمل الاصدقاء (2)، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة. 49 - وقال عليه السلام: إن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والصبر أمير جنوده، والرفق أخوه، واللين والده. 50 - وقال أبو عبيدة (3): ادع الله لي أن لا يجعل رزقي على أيدي العباد. فقال عليه السلام: أبى الله عليك ذلك إلا أن يجعل أرزاق العباد بعضهم من بعض، ولكن أدع الله أن يجعل رزقك على أيدي خيار خلقه، فإنه من السعادة، ولا يجعله على أيدي شرار خلقه، فإنه من الشقاوة. 51 - وقال عليه السلام: العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق، فلا تزيده سرعة السير إلا بعدا. 52 - وقال عليه السلام في قول الله عزوجل: " اتقوا الله حق تقاته (4) " قال: يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. 53 - وقال عليه السلام: من عرف الله خاف الله، ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا (5). 54 - وقال عليه السلام: الخائف من لم تدع له الرهبة لسانا ينطق به.
(1) الوقور - للمذكر والمؤنث -: ذو وقار. الهزاهز: الفتن التى يهز الناس. و تطلق على الشدائد والحروب. (2) " يتحمل " أي ولا يحمل على الاصدقاء ولا يتكلف عليهم وفى الكافي ج 2 ص 232 " لا يتحامل للاصدقاء " أي ما يشق عليهم ويضر بحالهم. (3) الظاهر أنه أبو عبيدة الحذاء زياد بن عيسى الكوفى من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام ومات في زمان الصادق عليه السلام. (4) آل عمران: 97. (5) سخيت نفسي عنه أي تركته ولم تنازعني إليه نفسي. (*)
[245]
55 - وقيل له عليه السلام: قوم يعملون بالمعاصي ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت. فقال: هؤلاء قوم يترجحون في الاماني كذبوا ليس يرجون (1) إن من رجا شيئا طلبه، ومن خاف من شئ هرب منه. 56 - وقال عليه السلام: إنا لنحب من كان عاقلا عالما فهما فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا (2)، إن الله خص الانبياء عليهم السلام بمكارم الاخلاق، فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى الله وليسأله إياها وقيل له: وما هي ؟ قال عليه السلام: الورع والقناعة والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة وصدق الحديث والبر وأداء الامانة واليقين وحسن الخلق والمروة. 57 - وقال عليه السلام: من أوثق عرى الايمان أن تحب في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع في الله. 58 - وقال عليه السلام: لا يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خلال: صدقة أجراها الله له في حياته فهي تجري له بعد موته، وسنة هدى يعمل بها، وولد صالح يدعو له. 59 - وقال عليه السلام: إن الكذبة لتنقض الوضوء إذا توضأ الرجل للصلاة، وتفطر الصيام فقيل له: إنا نكذب فقال عليه السلام: ليس هو باللغو ولكنه الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة صلوات الله عليهم، ثم قال: إن الصيام ليس من الطعام ولا من الشراب وحده، إن مريم عليها السلام قالت: " إني نذرت للرحمن صوما (3) " أي صمتا، فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم، ولا تحاسدوا ولا تنازعوا، فإن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب.
(1) كذا وفى الكافي " كذبوا ليسوا براجين ". ترجح في القول: تميل فيه
(2) الوفى: الكثير الوفاء. وأيضا الذى يعطى الحق ويأخذ الحق والجمع اوفياء كأصدقاء. (3) مريم: 27.
[246]
60 - وقال عليه السلام: من أعلم الله ما لم يعلم اهتز له عرشه (1). 61 - وقال عليه السلام: إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذلك ما ابتلى الله مؤمنا بذنب أبدا. 62 - وقال عليه السلام: من ساء خلقه عذب نفسه. 63 - وقال عليه السلام: المعروف كاسمه وليس شئ أفضل من المعروف إلا ثوابه، والمعروف هدية من الله إلى عبده، وليس كل من يحب أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه، ولا كل من رغب فيه يقدر عليه، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا من الله على العبد جمع له الرغبة في المعروف والقدرة والاذن، فهناك تمت السعادة والكرامة للطالب والمطلوب إليه. 64 - وقال عليه السلام: لم يستزد في محبوب بمثل الشكر، ولم يستنقص من مكروه بمثل الصبر. 65 - وقال عليه السلام: ليس لابليس جند أشد من النساء والغضب. 66 - وقال عليه السلام: الدنيا سجن المؤمن والصبر حصنه، والجنة مأواه، والدنيا جنة الكافر، والقبر سجنه، والنار مأواه. 67 - وقال عليه السلام: ولم يخلق الله يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت. 68 - وقال عليه السلام: إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس (2) ناسيا لذنبه فاعلموا أنه قد مكر به.
69 - وقال عليه السلام: الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم المحتسب، والمعافي الشاكر له مثل أجر المبتلى الصابر. 70 - وقال عليه السلام: لا ينبغي لمن لم يكن عالما أن يعد سعيدا، ولا لمن لم يكن ودودا أن يعد حميدا، ولا لمن لم يكن صبورا أن يعد كاملا، ولا لمن لا يتقي
(1) في بعض النسخ " من اعلم الله ما لا يعلم اهتز عرشه ". (2) تفقده أي طلبه عند غيبته.
[247]
ملامة العلماء وذمهم أن يرجى له خير الدنيا والاخرة، وينبغي للعاقل أن يكون صدوقا ليؤمن على حديثه، وشكورا ليستوجب الزيادة. 71 - وقال عليه السلام: ليس لك أن تأتمن الخائن وقد جربته، وليس لك أن تتهم من ائتمنت. 72 - وقيل له: من أكرم الخلق على الله ؟ فقال عليه السلام: أكثرهم ذكرا لله وأعملهم بطاعة الله. قلت: فمن أبغض الخلق إلى الله ؟ قال عليه السلام: من يتهم الله. قلت: أحد يتهم الله ؟ قال عليه السلام: نعم من استخار الله فجاءته الخيرة بما يكره فيسخط فذلك يتهم الله، قلت: ومن ؟ قال: يشكو الله ؟ قلت: واحد يشكوه ؟ قال عليه السلام: نعم، من إذا ابتلي شكى بأكثر مما أصابه. قلت: ومن ؟ قال: إذا اعطي لم يشكر وإذا ابتلي لم يصبر. قلت: فمن أكرم الخلق على الله ؟ قال عليه السلام: من إذا اعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. 73 - وقال عليه السلام: ليس لملول (1) صديق، ولا لحسود غنى، وكثرة النظر في الحكمة تلقح العقل. 74 - وقال عليه السلام: كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار به جهلا. 75 - وقال عليه السلام: أفضل العبادة العلم بالله والتواضع له.
76 - وقال عليه السلام: عالم أفضل من ألف عابد وألف زاهد وألف مجتهد (2). 77 - وقال عليه السلام: إن لكل شئ زكاة، وزكاة العلم أن يعلمه أهله. 78 - وقال عليه السلام: القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بحق وهو يعلم فهو في الجنة.
(1) الملول: ذو الملل، صفة بمعنى الفاعل. وقد يقرء " لملوك " كما مر كرارا وفى الخصال " للملك " وفى بعض نسخ أمالى الشيخ " للملوك ". (2) أي الذى يجتهد في العبادة.
[248]
79 - وسئل عن صفة العدل من الرجل ؟ فقال عليه السلام: إذا غض طرفه عن المحارم، ولسانه عن المآثم، وكفه عن المظالم. 80 - وقال عليه السلام: كلما حجب الله عن العباد فموضوع عنهم حتى يعرفهموه. 81 - وقال عليه السلام: لداود الرقي (1): تدخل يدك في فم التنين (2) إلى المرفق خير لك من طلب الحوائج إلى من لم يكن له وكان (3). 82 - وقال عليه السلام: قضاء الحوائج إلى الله، وأسبابها - بعد الله - العباد تجري على أيديهم، فما قضى الله من ذلك فاقبلوا من الله بالشكر، وما زوي عنكم (4) منها فاقبلوه عن الله بالرضا والتسليم والصبر فعسى أن يكون ذلك خيرا لكم، فإن الله أعلم بما يصلحكم وأنتم لا تعلمون. 83 - وقال عليه السلام: مسألة ابن آدم لابن آدم فتنة، إن أعطاه حمد من لم يعطه، وإن رده ذم من لم يمنعه.
(1) الرقى - بفتح الراء وقيل: بكسرها وتشديد القاف - نسبة إلى الرقة اسم
لمواضع، بلدة بقوهستان وأخريان من بساتين بغداد صغرى وكبرى وبلدة اخرى في غربي بغداد وقرية كبيرة أسفل منها بفرسخ على الفرات غربي الانبار وهيت، كانت مصيف آل المنذر ملوك العراق ومنتزه الرشيد العباسي. قال علماء الرجال: " وهى التى ينصرف إليها اطلاق لفظ الرقة منها داود الرقى " وهو داود بن كثير بن أبى خالد الرقى مولى بنى أسد من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام ثقة وله أصل وكتاب، عاش إلى زمان الرضا عليه السلام. (2) التنين - كسكيت -: الحوت والحية العظيمة كنيته أبو مرداس. قيل: " انه شر من الكوسج وفى فمه أنياب مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق، أحمر العينين مثل الدم، واسع الفم والجوف، براق العينين، يبلع كثيرا من حيوان البر والبحر، إذا تحرك يموج البحر لقوته الشديدة ". (3) وفى بعض النسخ " فكان " وهو الاصوب. (4) زواه - من باب رمى -: نحاه ومنعه. وعنه طواه وصرفه. والشى: جمعه وقبضه.
[249]
84 - وقال عليه السلام: إن الله قد جعل كل خير في التزجية (1). 85 - وقال عليه السلام: إياك ومخالطة السفلة، فإن مخالطة السفلة لا تؤدي إلى خير (2). 86 - وقال عليه السلام: الرجل يجزع من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير. 87 - وقال عليه السلام: أنفع الاشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه، وأشد شئ مؤونة إخفاء الفاقة. وأقل الاشياء غناء النصيحة لمن لا يقبلها ومجاورة الحريص، وأروح الروح اليأس من الناس، لا تكن ضجرا ولا غلقا، وذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك ومن له الفضل عليك، فإنما أقررت له
بفضله (3) لئلا تخالفه، ومن لا يعرف لاحد الفضل فهو المعجب برأيه، واعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله، ولا رفعة لمن لا يتواضع لله. 88 - وقال عليه السلام: إن من السنة لبس الخاتم (4). 89 - وقال عليه السلام: أحب إخواني إلي من أهدى إلي عيوبي. 90 - وقال عليه السلام: لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شئ منه (5) وإلا فلا تنسبه إلى شئ من الصداقة: فأولها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة، والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة أن لا تغيره عليك ولاية ولامال. والرابعة لا يمنعك شيئا تناله مقدرته (6) والخامسة
(1) زجا يزجو زجوا وزجى تزجية وأزجى ازجاء، وازدجى فلانا: ساقه، دفعه برفق، يقال: " زجى فلان حاجتى " أي سهل تحصيلها. وفى بعض النسخ " في الترجية ". (2) في بعض نسخ الحديث " لا تؤول ألى خير ". (3) أي ذلل نفسك فلعل من خالفك كان له الفضل عليك. (4) وفى بعض النسخ " لباس الخاتم ". (5) كذا. (6) المقدرة - بتثليت الدال -: القوة والغنى.
[250]
- وهي تجمع هذه الخصال - أن لا يسلمك عند النكبات. 91 - وقال عليه السلام: مجاملة الناس ثلث العقل (1). 92 - وقال عليه السلام: ضحك المؤمن تبسم. 93 - وقال عليه السلام: ما ابالي إلى من ائتمنت خائنا أو مضيعا (2). 94 - وقال عليه السلام للمفضل (3): اوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي، قلت: وما هن يا سيدي ؟ قال عليه السلام: أداء الامانة إلى من ائتمنك، وأن ترضى لاخيك
ما ترضى لنفسك، واعلم أن للامور أواخر فاحذر العواقب. وأن للامور بغتات (4) فكن على حذر. وإياك ومرتقي جبل سهل إذا كان المنحدر وعرا (5) ولا تعدن أخاك وعدا ليس في يدك وفاؤه. 95 - وقال عليه السلام: ثلاث لم يجعل الله لاحد من الناس فيهن رخصة: بر الوالدين برين كانا أو فاجرين، ووفاء بالعهد للبر والفاجر، وأداء الامانة إلى البر والفاجر. 96 - وقال عليه السلام: إني لارحم ثلاثة وحق لهم أن يرحموا، عزيز أصابته مذلة بعد العز، وغني أصابته حاجة بعد الغنى. وعالم يستخف به أهله والجهلة. 97 - وقال عليه السلام: من تعلق قلبه بحب الدنيا تعلق من ضررها بثلاث خصال: هم لا يفنى. وأمل لا يدرك. ورجاء لا ينال.
(1) المجاملة: حسن الصنيعة مع الناس والمعاملة بالجميل. (2) أي لا فرق عندي بين الخائن والمضيع، أو المراد ان الرجل إذا ائتمن احدا فلا يبالى به إذا كان خائنا أو مضيعا. (3) هو أبو عبد الله مفضل بن عمر الجعفي الكوفى من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام. قيل: هو من شيوخ أصحاب الصادق عليه السلام وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين صاحب رسالة المعروف بتوحيد المفضل المروى عن الصادق عليه السلام. (4) البغتات - جمع بغتة - أي الفجأة. (5) المنحدر: مكان الانحدار أي الهبوط والنزول. والوعر: ضد السهل أي المكان الصلب وهو الذى مخيف الوحش.
[251]
98 - وقال عليه السلام: المؤمن لا يخلق على الكذب ولا على الخيانة، وخصلتان لا يجتمعان في المنافق: سمت حسن (1) وفقة في سنة.
99 - وقال عليه السلام: الناس سواء كأسنان المشط، والمرء كثير بأخيه (2) ولا خير في صحبة من لم ير لك مثل الذي يرى لنفسه. 100 - وقال عليه السلام: من زين الايمان الفقه، ومن زين الفقه الحلم، ومن زين الحلم الرفق، ومن زين الرفق اللين، ومن زين اللين السهولة. 101 - وقال عليه السلام: من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك مكروها فأعده لنفسك. 102 - وقال عليه السلام: يأتي على الناس زمان ليس فيه شئ أعز من أخ أنيس وكسب درهم حلال. 103 - وقال عليه السلام: من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده (3) وكل حديث جاوز اثنين فاش (4) وضع أمر أخيك على أحسنه، ولا تطلبن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا. وعليك بإخوان الصدق، فإنهم عدة عند الرخاء (5) وجنة
(1) السمت: الطريق والمحجة. وأيضا. هيئة أهل الخير وهى المراد هنا أي السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة واستقامة المنظر والهيئة. يقال: فلان حسن - السمت أي حسن المذهب في الامور كلها. (2) أي ليس هو وحده بل هو كثير بأخيه. (3) الخيرة - بفتح فسكون أو بكسر ففتح -: الاختيار. (4) قال الشاعر: كل سر جاوز الاثنين شاع * كل علم ليس في القرطاس ضاع (5) العدة - بالضم -: الاستعداد وما أعددته أي هيأته للحوادث والنوائب و - بالفتح -: الجماعة.
[252]
عند البلاء، وشاور في حديثك الذين يخافون الله، وأحبب الاخوان على قدر التقوى، واتق شرار النساء وكن من خيارهن على حذر، وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهن حتى لا يطمعن منكم في المنكر. 104 - وقال عليه السلام: المنافق إذا حدث عن الله وعن رسوله كذب، وإذا وعد الله ورسوله أخلف. وإذا ملك خان الله ورسوله في ماله، وذلك قول الله عزوجل: " فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (1) " وقوله: وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم (2) ". 105 - وقال عليه السلام: كفى بالمرء خزيا أن يلبس ثوبا يشهره (3). أو يركب دابة مشهورة، قلت: وما الدابة المشهورة ؟ قال: البلقاء (4). 106 - وقال عليه السلام: لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله، ويبغض أقرب الخلق منه في الله. 107 - وقال عليه السلام: من أنعم الله عليه نعمة فعرفها بقلبه وعلم أن المنعم عليه الله فقد أدى شكرها، وإن لم يحرك لسانه، ومن علم أن المعاقب على الذنوب الله فقد استغفر، وإن لم يحرك به لسانه، وقرأ: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه - الاية - " (5). 108 - وقال عليه السلام: خصلتين مهلكتين (6): تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم.