بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس الله سره " الجزء الرابع والستون دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه - 1983 م دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان - بناية كليوباترا - مثارع دكاش - ص - ب 7957 / 11 تلفون المستودع: 274696 - 32 - 273 - 278766 - المنزل 711 - 82 - 717 - 83 برقيا: التراث - تلكس ل ى / 23644 تراث
[1]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي فضل نوع الانسان على سائر الحيوان بالاسلام والايمان * وجعل لهما جنودا من مكارم الشيم ومحاسن الخصال * لتكون لهما حصونا من نزغات الشيطان * والصلاة والسلام على النبي الكريم * الرؤوف الرحيم * الموصوف بالخلق العظيم * المبعوث لتتميم مكارم الاخلاق * محمد وآله المخصوصين بين أصناف البرايا بأطيب الاعراق * المنصوصين بالفضل والشرف في السبع الطباق *
الممدوحين بأطهر الصفات * وأفخر السمات في جميع الافاق. أما بعد: فهذا هو المجلد الخامس عشر من كتاب بحار الانوار، في بيان الاسلام والايمان وشرائطهما وتوابعهما من مكارم الاخلاق ومحاسن الاعراق وآداب معاشرة أصناف الخلق من الاقارب والاجانب، وبيان معاني الكفر وما يوجبه والنفاق وما يستلزمه من مقابح الخصال ومذام الخلال، وقد أفردت لابواب العشرة كتابا لصلوحها لجعلها مجلدا برأسها، وإن أدخلناها في هذا المجلد في الفهرس المذكور في أول الكتاب، وأطلب من الله المعونة في نيل الحق والصواب في كل باب.
[2]
* (أبواب) * * (الايمان، والاسلام، والتشيع، ومعانيها وفضلها وصفاتها) * * * * أقول: سيجئ في كتاب العشرة وفي كتاب الاداب والسنن ما يتعلق بهذه الابواب من الاخبار فانتظره. 1 * (باب) * * " (فضل الايمان وجمل شرائطه) " * الايات: البقرة: " هدى للمتقين * الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون * اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون (1) ". وقال تعالى: " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات " الاية (2)
وقال تعالى: " وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به " (3). وقال عزوجل: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " (4).
وقال تعالى: " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون (1). وقال جل وعلا: قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين (2). وقال عز من قائل: من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فان الله عدو للكافرين (3). وقال تعالى: " قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم و إسماعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم " (4). وقال سبحانه: " إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين " (5). وقال تعالى: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم * الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور - إلى قوله - هم فيها خالدون " (6). وقال تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة آتوا
الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (7). وقال سبحانه: آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا
(1) البقرة: 85 (2) السورة: 93. (3) السورة 98 (4) البقرة: 136 و 137 (5) السورة: 248 (6) البقرة: 256 و 257 (7) السورة: 277 و 278
[4]
غفرانك ربنا وإليك المصير (1). آل عمران: إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين (2). وقال تعالى: وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم والله لا يحب الظالمين (3). وقال سبحانه: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين (4). وقال تعالى: قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما اوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (5). وقال سبحانه: والله ذو فضل على المؤمنين (6). وقال عز وعلا: - فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم (7) وقال عزوجل: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم و ما انزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا اولئك لهم أجرهم عند
ربهم إن الله سريع الحساب (8). النساء: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا (9). وقال تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قليلا (10).
(1) البقرة: 285 (2) آل عمران: 49 (3) آل عمران: 57 (4) السورة: 68 (5) السورة: 84 (6) السورة: 152 (7) آل عمران: 179 (8) آل عمران: 199. (9) النساء: 57 (10) النساء: 122.
[5]
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله و اليوم الاخر فقد ضل ضلالا بعيدا (1). وقال تعالى: وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما (2). وقال سبحانه: والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم اولئك سوف يؤتيهم اجورهم وكان الله غفورا رحيما (3). وقال جل وعلا: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (4). وقال: فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل و يهديهم إليه صراطا مستقيما (5).
المائدة: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم (6) وقال سبحانه: ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم و لادخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. منهم امة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (7). وقال تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصائبون والنصارى من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (8).
الانعام: فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (1). وقال سبحانه: والذين يؤمنون بالاخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون (2) وقال عز وعلا: إن في ذلكم لايات لقوم يؤمنون (3). وقال عزوجل: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون (4) وقال تعالى: وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات لقوم يذكرون * لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون (5). وقال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (6).
وقال تعالى: هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون. (7). وقال تعالى: قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم. دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. (8) الاعراف: اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون. (9). وقال تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. (10) وقال سبحانه:... ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون
الزكوة والذينهم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعز روه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون. (1). الانفال: والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا
اولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم * والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فاولئك منكم (2) التوبة: الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله واولئك هم الفائزون. (3) [وقال تعالى:] وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم. (4) يونس:... وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم. (5) وقال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم. (6) وقال تعالى: الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفي الاخرة. (7) وقال عزوجل: وبشر المؤمنين. (8) وقال جل وعلا: حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي
(1) الاعراف: 156 و 157 (2) الانفال: 73 و 74. (3) براءة: 20 (4) براءة: 72. (5) يونس: 2 (6) يونس: 9. (7) يونس: 63 و 64 (8) يونس: 87
[8]
آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين. (1).
وقال سبحانه: كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين * قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أ عبد الله الذي يتوفاكم وامرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين. (2) هود: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * مثل الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون. (3) الرعد: قل هل يستوي الاعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور. (4) ابراهيم: وادخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام * ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض مالها من قرار * يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء. (5) النحل: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. (6) اسرى: ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا. (7). الكهف: ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا. (8)
وقال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا * اولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار. (1) وقال سبحانه: وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الاولين أو يأتيهم العذاب قبلا. (2) وقال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا. (3) مريم: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. (4). وقال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا. (5) طه: ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى. (6) وقال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى. (7) الانبياء: فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون. (8) الحج: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار إن الله يفعل ما يريد. (9) وقال تعالى: إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير * وهدوا
إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد. (1) وقال تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا. (2) وقال تعالى: فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم. (3) وقال تعالى: وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم. (4) وقال تعالى: فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم. (5) المؤمنون: قد أفلح المؤمنون * الذينهم في صلاتهم خاشعون - إلى قوله - اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. (6) النور: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما اولئك بالمؤمنين - إلى قوله - إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا واولئك هم المفلحون. (7) وقال سبحانه: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله. (8) النمل: هدى وبشرى للمؤمنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم يوقنون. (9) القصص: فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين (10) العنكبوت: الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون *
ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. (11)
وقال تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون. (1) وقال سبحانه: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين - إلى قوله - وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين. (2) وقال تعالى: إن في ذلك لايات لقوم يؤمنون (3) وقال سبحانه: وقولوا آمنا بالذي انزل إلينا وانزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون * وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يومن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون (4). وقال عزوجل: [أولم يكفهم] أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يومنون. (5). وقال سبحانه: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا - إلى قوله - يتوكلون. (6) الروم: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، (7) وقال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون. (8) وقال سبحانه: فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون - إلى قوله - ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من
فضله لا يحب الكافرين. (1) وقال: إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون. (2) لقمان: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم. (3) التنزيل: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون. (4) وقال تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون. (5) الاحزاب: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا. (6) سبا: ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك لهم مغفرة ورزق كريم. (7) فاطر: والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير. (8)
وقال سبحانه: وما يستوي الاعمى والبصير الآية. (9) يس: لينذر من كان حيا الاية. (10) المؤمن: الذين يحملون العرش. الايات. (11) وقال تعالى: ومن عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن [الاية] (12). وقال سبحانه: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد (13).
وقال تعالى: وما يستوي الاعمى والبصير - الاية (1). وقال تعالى: فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده و خسر هنالك الكافرون (2). السجدة: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون (3). حمعسق: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب (4).
وقال تعالى: والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات (5). وقال سبحانه: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله (6) الزخرف: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم و أزواجكم تحبرون (7). الجاثية: فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين (8). الاحقاف: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * اولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاءا بما كانوا يعملون (9). محمد: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم * والذين
(1) المؤمن: 58. (2) المؤمن: 84 و 85 (3) فصلت: 8 (4) الشورى: 13 (5) الشورى: 22 و 23 (6) الشورى: 26. (7) الزخرف: 69 و 70 (8) الجاثية: 30. (9) الاحقاف: 13 و 14
[14]
آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم * ذلك بأن الذين كفورا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم (1). وقال تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم * إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار (2)
الفتح: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما (3). وقال تعالى: فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها كان الله بكل شئ عليما (4). وقال سبحانه: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (5) الحجرات: ولكن الله حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون * فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم (6). الذاريات: إنكم لفي قول مختلف * يؤفك عنه من افك (7). وقال تعالى: وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين (8). الحديد: آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير * ومالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين * هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤف رحيم (9).
- إلى قوله -: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (1)
إلى قوله تعالى: والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك أصحاب الجحيم - إلى قوله تعالى -: سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (2). وقال عزوجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم (3). الحشر: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون. (4) الصف: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار و مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم * واخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين * يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين. (5) المنافقين: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون (6) التغابن: فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير *
يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم - إلى قوله تعالى - ومن يؤمن بالله يهد قلبه. (1) الطلاق:... الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا. (2) التحريم: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير. (3) الملك: أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم. (4) القلم: أفنجعل المسلمين كالمجرمين * مالكم كيف تحكمون. (5) الجن: فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا. (6) المطففين: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامرون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما ارسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون. (7) الانشقاق: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون. (8) البروج: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها
الانهار ذلك الفوز الكبير. (1) البلد: ثم كان من الذين آمنوا وتوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة * اولئك أصحاب الميمنة. (2) التين: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون. (3) البينة: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه. (4) العصر: والعصر * إن الانسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات السورة. (5) * (تفسير) * " هدى " أي بيان من الضلالة " للمتقين " (6) الذين يتقون الموبقات و يتقون تسليط السفه على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه عملوا بما يوجب لهم رضى ربهم، وسيأتي عن الصادق عليه السلام: " المتقون شيعتنا " وإنما خص المتقين بالاهتداء به لانهم المنتفعون به. " الذين يؤمنون بالغيب " أي بما غاب عن حواسهم من توحيد الله ونبوة الانبياء، وقيام القائم عليهم السلام، والرجعة، والبعث، والحساب، والجنة، والنار وسائر الامور التي يلزمهم الايمان بها، مما لا يعرف بالمشاهدة، وإنما يعرف بدلائل نصبها الله عزوجل عليه، " ويقيمون الصلاة " بإتمام ركوعها وسجودها
وحفظ مواقيتها، وحدودها، وصيانتها مما يفسدها أو ينقصها، " ومما رزقناهم " من الاموال والقوى والابدان والجاه والعلم " ينفقون " أي يتصدقون، يحتملون
الكل ويؤدون الحقوق لاهاليها، ويقرضون، ويقضون الحاجات، ويأخذون بأيدي الضعفاء، يقودون الضرير، وينجون الضعفاء من المهالك، ويحملون عنهم المتاع، ويركبون الراجلين، ويؤثرون من هو أفضل منهم في الايمان على أنفسهم بالمال والنفس، ويساوون من كان في درجتهم فيه، ويبذلون العلم لاهله، ويروون فضائل أهل البيت عليهم السلام لمحبيهم: ولمن يرجون هدايته، أكثر ما تقدم مأخوذ من تفسير الامام عليه السلام (1) وفي معاني الاخبار، والعياشي عن الصادق عليه السلام: أي مما علمناهم يبثون. (2) " بما انزل إليك " إي من القرآن والشريعة " وما انزل من قبلك " من التوراة، والانجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وسائر كتب الله المنزلة، بأنها حق وصدق من عند رب صادق حكيم كما قال الامام عليه السلام (3). " وبالاخرة هم يوقنون " قال عليه السلام بالدار الاخرة بعد هذه الدنيا يوقنون لا يشكون فيها أنها الدار التي فيها جزاء الاعمال الصالحة بأفضل مما عملوا، وعقاب الاعمال السيئة بمثل ما كسبوه. " اولئك على هدى من ربهم " قال عليه السلام: أخبر عز جلاله بأن هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات " على هدى " أي بيان وصواب " من ربهم " وعلم بما أمرهم به " واولئك هم المفلحون " أي الناجون مما منه يوجلون، الفائزون بما
يأملون. وقال عليه السلام في قوله تعالى: " وبشر الذين آمنوا " (4): بالله وصدقوك في نبوتك، فاتخذوك إماما وصدقوك في أقوالك، وصوبوك في أفعالك، واتخذوا
(1) يعنى التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه السلام. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 26. وفيه " ينبئون ". (3) يعنى الامام العسكري في التفسير المنسوب إليه عليه السلام. (4) سورة البقرة: 25.
[19]
أخاك عليا بعدك إماما، ولك وصيا مرضيا، وانقادوا لما يأمرهم به، وصاروا إلى ما أصارهم إليه، ورأوا له ما يرون لك إلا النبوة التي افردت بها. وأن الجنة لا تصير لهم إلا بموالاته وموالاة من ينص لهم عليه من ذريته وموالاة سائر أهل ولايته، ومعاداة أهل مخالفته وعداوته، وأن النيران لا تهدء عنهم ولا يعدل بهم عن عذابها إلا بتنكبهم عن موالاة مخالفيهم ومؤازرة شانئيهم. " وعملوا الصالحات " من أداء الفرائض، واجتناب المحارم، ولم يكونوا كهؤلاء الكافرين بك " أن لهم جنات " بساتين " تجري من تحتها الانهار " من تحت شجرها ومساكنها - إلى آخر ما مر في أبواب المعاد - وقال عليه السلام: قال الله عزوجل لليهود: " وآمنوا " (1) أيها اليهود " بما أنزلت " على محمد من ذكر نبوته وأنباء إمامة أخيه علي وعترته الطاهرين " مصدقا لما معكم " فان مثل هذا الذكر في كتابكم: أن محمدا النبي سيد الاولين والاخرين المؤيد بسيد الوصيين، وخليفة رسول رب العالمين، فاروق الامة، وباب مدينة الحكمة، ووصي رسول الرحمة، " ولا تشتروا بآياتي " المنزلة لنبوة محمد وإمامة علي والطيبين من عترته " ثمنا قليلا " فان ذلك وإن كثر فإلى نفاد وخسار وبوار
" وإياي فاتقون " في كتمان أمر محمد وأمر وصيه. وقيل في قوله تعالى: " ولا تكونوا أول كافر به " تعريض بأن الواجب أن تكونوا أول من آمن به، لانهم كانوا أهل النظر في معجزاته، والعلم بشأنه والمستفتحين به، والمبشرين بزمانه. قوله تعالى: " وعملوا الصالحات " (2) استدلوا بالعطف على عدم دخول الاعما، في الايمان وهو كذلك، لكنه لا ينفي الاشتراط، بل استدل في بعض الاخبار بالمفارنة عليه. " أفتؤمنون ببعض الكتاب " (3) يدل على اشتراط أجزاء الايمان بعضها
(1) سورة البقرة: 41 (2) سورة البقرة: 82. (3) البقرة: 85.
[20]
ببعض، وفسر الخزي في الحياة الدنيا بذل الجزية، " إلى أشد العذاب " قيل: أي إلى جنس أشد العذاب، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم. والاية في اليهود وكذا قوله: " قل بئسما يأمركم به إيمانكم " (1) قيل: أي بموسى والتوراة أن تكفروا بي " إن كنتم مؤمنين " - كما تزعمون - بموسى والتوراة، ولكن - معاذ الله - لا يأمركم إيمانكم - بموسى والتوراة - بالكفر بمحمد صلى الله عليه وآله. " من كان عدوا لله " (2) بأن يخالفه عنادا لانعامه على المقربين من عباده " وملائكته " المبعوثين لنصرتهم " ورسله " المخبرين عن فضلهم، الداعين إلى متابعتهم " وجبريل وميكال " تخصيص بعد التعميم للاهتمام " فان الله عدو للكافرين " يدل على وجوب الايمان بالملائكة والرسل، وأن عداوتهما كفر. وفي تفسير الامام عليه السلام: " إن الله ذم اليهود في بغضهم لجبرئيل الذي كان
ينفذ قضاء الله فيهم فيما يكرهون، كدفعه عن بخت نصر أن يقتله دانيال، من غير ذنب جنى بخت نصر، حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله، وحل بهم ما جرى في سابق علمه، وذمهم أيضا وذم النواصب في بغضهم لجبرئيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد علي بن أبي طالب عليه السلام على الكافرين حتى أذلهم بسيفه الصارم. وفي تفسير علي بن إبراهيم: أنها نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل آمنا بك، فانه ملك الرحمة، وهو صديقنا، و جبرئيل ملك العذاب وهو عدونا. " قولوا آمنا بالله " (3) في الكافي والعياشي (4) عن الباقر عليه السلام: إنما عنى
(1) البقرة: 93 (2) البقرة: 98. (3) البقرة: 136. (4) تفسير العياشي ج 1 ص 62، الكافي ج 1 ص 415 و 416 ولفظه: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن محمد بن النعمان، عن سلام، عن أبى جعفر عليه السلام في قوله تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا " الخ.
[21]
بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين، وجرت بعدهم في الائمة عليهم السلام، ثم رجع القول من الله في الناس فقال: " فإن آمنوا " يعني الناس " بمثل ما آمنتم به " الاية. " وما انزل إلينا " يعني القرآن " وما انزل إلى إبراهيم " يعني الصحف " و الاسباط " حفدة يعقوب " وما اوتي موسى وعيسى " أي التوراة والانجيل " وما اوتي النبيون " جملة المذكورون منهم وغير المذكورين " من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم " كاليهود حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض.
و " أحد " لوقوعه في سياق النفي عم، فساغ أن يضاف إليه " بين " ونحن له " أي لله " مسلمون " مذعنون مخلصون. وفي الفقيه (1) في وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لابنه " فرض على اللسان الاقرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه فقال عزوجل: " قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا " الاية. " فإن آمنوا " أي سائر الناس " بمثل ما آمنتم به " أي بما آمنتم به، و المثل مقحم في مثله (2) " وإن تولوا " أي أعرضوا " فانما هم في شقاق " أي كفر كذا في المجمع (3) عن الصادق عليه السلام وأصله المخالفة والمناواة فان كل واحد من المتخالفين في شق غير شق الاخر " فسيكفيكهم الله " تسلية وتسكين للمؤمنين " وهو السميع " لاقوالكم " العليم " بأخلاقكم.
(1) يعنى فقيه من لا يحضره الفقيه ورواه في الكافي ج 2 ص 35 عن أبى عبد الله " ع " في حديث طويل في باب أن الايمان مبثوث لجوارح البدن كلها: وفيه فرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقربه، قال الله تبارك وتعالى: وقولوا للناس حسنا وقال: " قولوا آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون. فهذا ما فرض الله على اللسان. (2) أي في مثل هذه الموارد. (3) مجمع البيان ج 1 ص 218.
[22]
" فمن يكفر بالطاغوت " (1) في المجمع عن الصادق عليه السلام هو الشيطان (2). اقول: ويستفاد من كثير من الاخبار أنه يعم كل ما عبد من دون الله من صنم، أو إمام ضلال، أو صاد عن دين الله، وهو فعلوت من الطغيان (3)، وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم الذين غصبوا آل محمد حقهم.
" ويؤمن بالله " بالتوحيد وتصديق الرسل " فقد استمسك بالعروة الوثقى " أي طلب الامساك من نفسه بالحبل الوثيق وهي مستعارة لمتمسك الحق من النظر الصحيح والدين القويم. وفي الكافي عن الصادق (4) عليه السلام هي الايمان بالله وحده لا شريك له، وعن الباقر عليه السلام هي مودتنا أهل البيت " لا انفصام لها " لا انقطاع لها. وفي معاني الاخبار عن النبي: من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب، فانه لا يهلك من أحبه وتولاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه (5).
(1) البقرة: 256. (2) مجمع البيان ج 2 ص 364. (3) قال في المفردات: الطاغوت عبارة عن كل متعد، وكل معبود من دون الله، و يستعمل في الواحد والجمع، قال: " فمن يكفر بالطاغوت، والذين اجتنبوا الطاغوت أولياؤهم الطاغوت، يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت " فعبارة عن كل متعد. ولما تقدم سمى الساحر، والكاهن، والمارد من الجن، والصارف عن طريق الخير طاغوتا. ووزنه فيما قيل فعلوت نحو جبروت وملكوت، وقيل أصله طغووت، ولكن قلب لام الفعل، نحو صاعقة وصاقعة، ثم قلب الواو ألفا لتحركه وانفتاح ما قبله. (4) رواه الكليني في الكافي ج 2 ص 14 باب في أن الصبغة هي الاسلام تحت الرقم 1 (5) معاني الاخبار ص 368 و 369. وسنده هكذا: حدثنا محمد بن على ماجيلويه قال: حدثنى عمى محمد بن أبى القاسم، عن أحمد بن أبى عبد الله البرقى، عن أبيه، عن =
[23]
" والله سميع " بالاقوال " عليم " بالنيات.
" الله ولي الذين آمنوا " متولي امورهم " يخرجهم " بهدايته وتوفيقه " من الظلمات " أي ظلمات الجهل والذنوب " إلى النور " أي نور الهدى والمغفرة، و سيأتي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: المؤمن يتقلب في خمسة من النور: مدخله نور ومخرجه نور، وعلمه نور، وكلامه نور، ومنظره يوم القيامة إلى النور. " والذين كفروا أوليائهم الطاغوت " في الكافي عن الباقر عليه السلام: أولياؤهم الطواغيت، وفي تفسير علي بن إبراهيم: هم الظالمون آل محمد، أولياؤهم الطاغوت وهم الذين تبعوا من غصبهم " يخرجونهم من النور إلى الظلمات " قيل من نور الفطرة إلى فساد الاستعداد، وفي الكافي عن الصادق عليه السلام النور آل محمد، والظلمات عدوهم (1). وفي الكافي والعياشي عن أبي عبد الله عليه السلام: " يخرجهم من الظلمات إلى النور " يعني ظلمات الكفر إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله عزوجل، وقال: " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات " إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الاسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم من نور الاسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفار (2). وزاد في العياشي: قال قلت: أليس الله عنى بهذا الكفار حين قال: والذين كفروا " ؟ قال فقال: وأي نور للكافر فاخرج منه إلى الظلمات ". " اولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " العياشي عن الصادق عليه السلام: فأعداء
= خلف بن حماد الاسدي، عن أبى الحسن العبدى، عن الاعمش، عن عباية بن ربعى، عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخ. (1) الكافي ج 8 ص 289 والعياشي ج 1 ص 137. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 138، وتراه في الكافي ج 1 ص 375، باب فيمن
دان الله عزوجل بغير امام من الله جل جلاله، تحت الرقم 3.
[24]
علي هم الخالدون في النار، وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد و العبادة (1). " إن الذين آمنوا " (2) قيل: أي بالله ورسله وبما جاءهم منه " وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة " عطفهما على ما يعمهما لانافتهما على سائر الاعمال الصالحة " ولا خوف عليهم " من آت " ولا هم يحزنون " على فائت. " إن كنتم مؤمنين " (3) أي بقلوبكم، فان دليله امتثال ما امرتم، أقول: تشعر بأن من يأتي بالذنوب الموبقة ليس بمؤمن. " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " (4) قال البيضاوي: شهادة و تنصيص من الله على صحة إيمانه والاعتداد به، وأنه جازم في أمره غير شاك فيه. " والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " لا يخلو من أن يعطف المؤمنون على الرسول فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعا إلى الرسول والمؤمنين، أو يجعل مبتدءا فيكون الضمير للمؤمنين، وباعتباره يصح وقوع كل بخبره خبر المبتدء ويكون إفراد الرسول بالحكم إما لتعظيمه، أو لان إيمانه عن مشاهدة وعيان، وإيمانهم عن نظر واستدلال. " لا نفرق بين أحد من رسله " أي يقولون: لا نفرق، و " أحد " في معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي، ولذلك دخل عليه " بين " والمراد نفي الفرق بالتصديق والتكذيب، " وقالوا سمعنا " أجبنا " وأطعنا " أمرك " غفرانك ربنا " أي اغفر لنا غفرانك، أو نطلب غفرانك " وإليك المصير " أي المرجع بعد الموت وهو إقرار منهم بالبعث انتهى.
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 139.
(2) سورة البقرة: 277. (3) سورة البقرة: 282. (4) البقرة: 285.
[25]
" إن في ذلك " (1) أي في إنبائكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " لاية " ومعجزة " لكم إن كنتم مؤمنين " أي مصدقين غير معاندين. " فيوفيهم اجورهم " (2) الايفاء والتوفية: إعطاء الحق وافيا كاملا. " إن أولى الناس بابراهيم " (3) أي أخصهم به وأقربهم منه، من " الولي " وهو القرب " للذين اتبعوه " من امته " وهذا النبي " خصوصا " والذين آمنوا " من امته لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم على الاصالة. في الكافي (4) والعياشي (5): هم الائمة ومن اتبعهم. وفي المجمع (6): قال أمير المؤمنين: إن أولى الناس بالانبياء أعملهم بما جاؤوا به ثم تلا هذه الاية وقال: إن ولي محمد صلى الله عليه وآله من أطاع الله، وإن بعدت لحمته. وإن عدو محمد من عصى الله، وإن قربت قرابته، " والله ولي المؤمنين " أي يتولى نصرتهم. " قل آمنا " (7) أمر للرسول بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالايمان " ونحن له مسلمون " أي منقادون مخلصون في عبادته. " والله ذو فضل على المؤمنين " (8) يتفضل عليهم بالعفو وغيره في الاحوال كلها. " فآمنوا بالله ورسله " (9) مخلصين " وإن تؤمنوا " حق الايمان " وتتقوا " النفاق " فلكم أجر عظيم " لا يقادر قدره. " لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا " (10) كما فعله المحرفون من أحبارهم
(1) آل عمران: 49. (2) آل عمران: 57. (3) آل عمران: 68. (4) الكافي ج 1 ص 416. (5) تفسير العياشي ج 1 ص 177. (6) مجمع البيان ج 2 ص 458. (7) آل عمران: 84. (8) آل عمران: 152. (9) آل عمران: 179. (10) آل عمران: 199.
[26]
" اولئك لهم أجرهم " ويؤتون أجرهم مرتين كما وعدوا في آية اخرى " إن الله سريع الحساب " لعلمه بالاعمال وما يستوجبه كل عامل من الجزاء فيسرع في الجزاء ويوصل الاجر الموعود سريعا. " أزواج مطهرة " (1) أي من الدماء، ودرن الدنيا وأنجاسها، وقيل من الاخلاق السيئة " وندخلهم ظلا ظليلا " أي دائما لا تنسخه الشمس، مشتق من الظل لتأكيده، كما قيل: ليل أليل. " وعد الله " (2) قال الطبرسي - رحمه الله -: أي وعد الله ذلك وعدا " حقا " مصدر مؤكد لما قبله، كأنه قال: احقه حقا " ومن أصدق " استفهام فيه معنى النفي، أي لا أجد أصدق من الله قولا فيما أخبر، ووعدا فيما وعد (3). " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " (4) أي آمنوا بألسنتهم وظاهرهم آمنوا بقلوبكم وباطنكم ليوافق ظاهركم باطنكم، فالخطاب للمنافقين، وقيل: الخطاب للمؤمنين على الحقيقة، والمعنى اثبتوا على هذا الايمان في المستقبل، وداوموا عليه، واختاره الجبائي، قال: لان الايمان الذي هو التصديق لا يبقى وإنما يستمر بأن يجدده الانسان حالا بعد حال. وقيل: الخطاب لاهل الكتاب، امروا بأن يؤمنوا بالنبي، والكتاب الذي انزل عليه، كما آمنوا بما معهم من التوراة والانجيل، ويكون وجه أمرهم
بالتصديق بهما - وإن كانوا مصدقين بهما - أحد أمرين: إما أن يكون لان التوراة والانجيل فيهما صفات نبينا وتصحيح نبوته فمن لم يصدقه ولم يصدق القرآن، لا يكون مصدقا بهما، لان في تكذيبه تكذيب التوراة والانجيل. وإما أن يكون الله عزوجل أمرهم بالاقرار بمحمد والقرآن، وبالكتاب
(1) النساء: 57. (2) النساء: 122. (3) مجمع البيان ج 3 ص 114 (4) النساء: 136.
[27]
الذي انزل من قبله، وهو الانجيل، وذلك لا يصح إلا بالاقرار بعيسى عليه السلام أيضا وأنه نبي مرسل. " ومن يكفر بالله " أي يجحده أو يشبهه بخلقه أو يرد أمره ونهيه " وملائكته " أي ينفيهم أو ينزلهم منزلة لا تليق بهم، كما قالوا: إنهم بنات الله " وكتبه " فيجحدها " ورسله " فينكرهم " واليوم الاخر " أي يوم القيامة " فقد ضل ضلالا بعيدا " أي ذهب عن الحق وقصد السبيل ذهابا بعيدا. " ولم يفرقوا بين أحد منهم " (1) بأن آمنوا بجميعهم " اولئك سوف يؤتيهم " أي يعطيهم " اجورهم " الموعودة لهم، سمي الثواب أجرا للدلالة على استحقاقهم لها والتصدير بسوف، للدلالة على أنه كائن لا محالة وإن تأخر " وكان الله غفورا " لم يزل يغفر ما فرط منهم من المعاصي " رحيما " يتفضل بأنواع الانعام. " ويزيديهم من فضله " (2) أي على ما كان وعدهم به من الجزاء " وأما الذين استنكفوا " أي أنفوا عن الاقرار بوحدانيته " واستكبروا " أي تعظموا عن الاقرار له بالطاعة والعبودية " وليا " ينجيهم من عذابه " ولا نصيرا " أي ناصرا ينقذهم من عقابه.
" واعتصموا به " (3) أي بحبل طاعته أو طاعة أنبيائه وحججه، أو بدينه كما قال: " واعتصموا بحبل الله جميعا ". وفي تفسير علي بن إبراهيم: الاعتصام التمسك " به ": بولاية أمير المؤمنين وولاية الائمة بعده. " في رحمة منه " أي ثواب مستحق أو نعمة منه وهي الجنة، عن ابن عباس " وفضل " أي إحسان زائد عليه وقيل: أي ما يبسط لهم من الكرامة، وتضعيف الحسنات، وما يزاد لهم من النعم على ما يستحقونه " ويهديهم إليه صراطا مستقيما ". قال الطبرسي - رحمه الله -: (4) صراطا مفعول ثان ليهديهم فانه على
(1) النساء: 152. (2) النساء: 173. (3) النساء: 175. (4) مجمع البيان ج 3 ص 147.
[28]
معنى يعرفهم، أو حال من الهاء في " إليه " أي يوفقهم لاصابة فضله الذي يتفضل به على أوليائه، ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليهم من أهل طاعته، واقتفاء آثارهم. وأقول: في تفسير علي بن إبراهيم (1): الصراط المستقيم علي عليه السلام. " لهم مغفرة " (2) أي لذنوبهم " وأجر " أي ثواب " عظيم " قال الطبرسي - رحمه الله - الفرق بين الثواب والاجر أن الثواب يكون جزاء على الطاعات، والاجر قد يكون على سبيل المعاوضة، بمعنى الاجرة (3). " ولو أن أهل الكتاب " (4) قال: يعني اليهود والنصارى " آمنوا " بمحمد " واتقوا " الكفر والفواحش " لكفرنا عنهم سيئاتهم " أي سترناها عليهم، وغفرناها لهم. " ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل " أي عملوا بما فيهما على ما فيهما، دون أن يحرفوا شيئا منهما، أو عملوا بما فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم " وما انزل إليهم من ربهم "
أي القرآن، وقيل: كل ما دل الله عليه من امور الدين " لاكلوا من فوقهم " بارسال السماء عليهم مدرارا " ومن تحت أرجلهم باعطاء الارض خيرها، وقيل: لاكلوا ثمار النخيل والاشجار من فوقهم والزروع من تحت أرجلهم. والمعنى: لتركوا في بلادهم، ولم يجلوا عن بلادهم، ولم يقتلوا، فكانوا يتمتعون بأموالهم، وما رزقهم الله من النعم، وإنما خص سبحانه الاكل، لان ذلك أعظم الانتفاع، وقيل: كناية عن التوسعة كما يقال: فلان في الخير من قرنه إلى قدمه، أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها. أقول: وفي تفسير علي بن إبراهيم: " من فوقهم " المطر " ومن تحت أرجلهم "
(1) تفسير القمى ص 606 و 612 وغير ذلك من الموارد التى يفسر كلمة " الصراط المستقيم " وهكذا رواه الصدوق في المعاني ص 32 عن أبى عبد الله عليه السلام. (2) المائدة: 9. (3) مجمع البيان ج 3 ص 169. (4) المائدة: 65 و 66.
[29]
النبات، وأقول: قال بعض أهل التحقيق: " من فوقهم " الافاضات والالهامات الربانية " ومن تحت أرجلهم " ما يكتسبونه بالفكر والنظر، ومطالعة الكتب، فهو محمول على الرزق الروحاني. " منهم امة مقتصدة " قد دخلوا في الاسلام " وكثير منهم ساء ما يعملون " وفيه معنى التعجب، أي ما أسوء عملهم، وهم الذين أقاموا على الجحود والكفر. " إن الذين آمنوا " (1) أي بالله وبما فرض عليهم الايمان به " والذين هادوا " أي اليهود " والصابئون " قال علي بن إبراهيم: إنهم ليسوا من أهل الكتاب ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم [والنصارى] " من آمن " منهم أي نزع عن كفره " فلا
خوف عليهم " في الاخرة حين يخاف الفاسقون " ولا هم يحزنون " إذا حزن المخالفون. أقول: قد ورد مثل هذه الاية في البقرة (2). " فمن آمن " (3) أي صدق الرسل " وأصلح " أي عمل صالحا في الدنيا " فلا خوف عليهم " من العذاب " ولا هم يحزنون " بفوت الثواب. " يؤمنون به " (4) أي بالقرآن " وهم على صلاتهم يحافظون " فان من صدق بالاخرة، خاف العاقبة، ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر، حتى يؤمن به، ويحافظ على الطاعة، وتخصيص الصلاة لانها عماد الدين، وعلم الايمان. " إن في ذلكم " (5) أي في إنزال الماء من السماء، وإخراج النباتات والاشجار والثمار " لايات " على وجود صانع عليم حكيم قدير: يقدره ويدبره وينقله من حال إلى حال " لقوم يؤمنون " فانهم المنتفعون.
" أو من كان ميتا " (1) قيل: أي كافرا " فأحييناه " بأن هديناه إلى الايمان وإنما سمي الكافر ميتا، لانه لا ينتفع بحياته، ولا ينفع غيره بحياته، فهو أسوء حالا من الميت، وسمي المؤمن حيا، لانه له ولغيره المصلحة والمنفعة. وقيل: نطفة فأحيبناه " وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " قيل: المراد بالنور العلم والحكمة لان العلم يهتدى به إلى الرشاد، كما يهتدى بالنور في الطرقات أو القرآن والايمان " كمن مثله " مثل من هو " في الظلمات " أي في ظلمة الكفر. وسمي القرآن والايمان والعلم نورا لان الناس يبصرون بذلك، ويهتدون
به من ظلمات الكفر وحيرة الضلالة، كما يهتدى بسائر الانوار، وسمي الكفر ظلمة، لان الكافر لا يهتدي بهداه، ولا يبصر أمر رشده، كما سمي أعمى " كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون " قال الحسن: زينه والله لهم الشيطان وأنفسهم. وفي الكافي (2) عن الباقر عليه السلام: " ميتا " لا يعرف شيئا " ونورا يمشي به في الناس " إماما يأتم به " كمن مثله في الظلمات " الذي لا يعرف الامام. وفي العياشي (3) عنه عليه السلام: الميت الذي لا يعرف هذا الشأن يعني هذا الامر " وجعلنا له نورا " إماما يأتم به يعني علي بن أبي طالب عليه السلام " كمن مثله في الظلمات " قال بيده هكذا: هذا الخلق الذين لا يعرفون شيئا. وفي المناقب عن الصادق عليه السلام: " كان ميتا " عنا " فأحييناه " بنا. وقال علي بن إبراهيم: (4) جاهلا عن الحق والولاية فهديناه إلينا، قال: النور الولاية " في الظلمات " يعني ولاية غير الائمة عليهم السلام. وفي المجمع (5) عن الباقر عليه السلام أنها نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل. " وهذا صراط ربك " (6) قيل: يعني طريقه وعادته في التوفيق والخذلان وقيل: الاسلام أو القرآن " مستقيما " لا اعوجاج فيه، والنصب على الحال " قد فصلنا
(1) الانعام: 122. (2) لم نجده في الكافي (3) العياشي ج 1 ص 357. (4) تفسير القمى ص: 203 (5) مجمع البيان ج 4 ص 359. (6) الانعام: 122
[31]
الايات " أي بيناها وميزناها " لقوم يذكرون " فيعلمون أن القادر هو الله، وأن كل ما يحدث من خير أو شر فهو بقضائه، وأنه عليم بأحوال العباد، حكيم عدل فيما يفعل بهم.
" لهم " للذين تذكروا وعرفوا الحق " دار السلام " أي دار الله أو دار السلامة من كل آفة. وقال علي بن إبراهيم: يعني في الجنة والسلام: الامان والعافية والسرور. " عند ربهم " أي في ضمانه يوصلهم إليها لا محالة " وهو وليهم " قيل: أي مولاهم و محبهم، وقال علي بن إبراهيم: أي أولى بهم " بما كانوا يعملون " أي بسبب أعمالهم. " وأن هذا صراطي " (1) أي " ولان "، تعليل للامر باتباعه، وقيل: الاشارة فيه إلى ما ذكر في السورة فانها بأسرها في إثبات التوحيد والنبوة، و بيان الشريعة، وقرئ " إن " بالكسر على الاستئناف " ولا تتبعوا السبل " أي الاديان المختلفة المتشعبة عن الاهوية المتباينة، " فتفرق بكم " أي فتفرقكم وتزيلكم " عن سبيله " الذي هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان " ذلكم " الاتباع " وصاكم به لعلكم تتقون " الضلال والتفرق عن الحق. وفي روضة الواعظين عن النبي صلى الله عليه وآله في هذه الاية: سألت الله أن يجعلها لعلى ففعل (2). وروى العياشي عن الباقر عليه السلام أنه قال لبريد العجلي: تدري ما يعني ب " صراطي مستقيما " قال: قلت: لا. قال: ولاية علي والاوصياء، قال: وتدري ما يعني " ولا تتبعوا السبل " ؟ قال: قلت: لا، قال: ولاية فلان وفلان، قال: وتدري
(1) الانعام: 153. (2) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب عن ابراهيم الثقفي باسناده الى أبى برذة الاسلمي ج 3 ص 72.
[32]
ما معنى " فتفرق بكم عن سبيله " قال: قلت: لا، قال: يعني سبيل علي عليه
السلام " (1) " هل ينظرون " (2) إنكار بمعنى ما ينتظرون ؟ " إلا أن تأتيهم الملائكة " أي ملائكة الموت أو العذاب " أو يأتي ربك " أي أمره بالعذاب " أو يأتي بعض آيات ربك " في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى هذه الاية: إنما خاطب نبينا صلى الله عليه وآله: هل ينتظر المنافقون أو المشركون " إلا أن تأتيهم الملائكة " فيعاينوهم " أو يأتي ربك " يعني بذلك أمر ربك، والايات هي العذاب في دار - الدنيا كما عذب الامم السالفة والقرون الخالية (3). " يوم يأتي بعض آيات ربك " الخ كأن المعنى أنه لا ينفع الايمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرا، والاية تدل على أن الايمان لا ينفع ولا يقبل عند معاينة أحوال الاخرة، ومشاهدة العذاب كايمان فرعون، وقد مر تفسير الاية بتمامها في كتاب المعاد. وفي تفسير علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلام: نزلت " أو اكتسبت في إيمانها خيرا " قال: إذا طلعت الشمس من مغربها آمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيومئذ " لا ينفع نفسا إيمانها ". وفي الكافي والعياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام في قوله: " يوم يأتي بعض آيات ربك " قال: طلوع الشمس من الغرب وخروج الدجال و [ظهور] الدخان، والرجل يكون مصرا ولم يعمل عمل الايمان ثم تجئ الايات فلا ينفعه إيمانه. وعن أحدهما عليهما السلام في قوله: " أو كسبت في إيمانها خيرا " قال: المؤمن العاصي حالت بينه وبين إيمانه كثرة ذنوبه وقلة حسناته فلم يكسب في إيمانه خيرا (4).
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 383 و 384. (2) الانعام: 158
(3) الاحتجاج ص 132. (4) تفسير العياشي ج 1 ص 385
[33]
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام " من قبل " يعني في الميثاق " أو كسبت في إيمانها خيرا " قال: الانبياء والاوصياء وأمير المؤمنين عليهم السلام خاصة قال: " لا ينفع إيمانها " لانها سلبت (1). وفي الاكمال عنه عليه السلام في هذه الاية: يعني خروج القائم المنتظر (2)، و عنه عليه السلام قال: الايات هم الائمة عليهم السلام والاية المنتظرة القائم عليه السلام فيومئذ " لا ينفع نفسا إيمانها " (3). وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنها خروج دابة الارض من عند الصفا معها خاتم سليمان وعصا موسى وطلوع الشمس من مغربها (4). " قل انتظروا إنا منتظرون " وعيد وتهديد، أي انتظروا إيتان أحد الثلاثة فانا منتظرون له وحينئذ لنا الفوز، ولكم الويل. " قل إنني هداني ربي " (5) أي بالوحي والارشاد و " دينا " أي هداني دينا " قيما " فيعل من قام كالسيد والهين " ملة إبراهيم " هداني وعرفني ملة إبراهيم في حال حنيفيته. وفي العياشي (6) عن الباقر عليه السلام: ما أبقت الحنيفية شيئا حتى أن منها قص الاظفار، والاخذ من الشارب، والختان. وعنه عليه السلام ما من أحد من هذه الامة يدين بدين إبراهيم عليه السلام غيرنا وغير شيعتنا، وعن السجاد عليه السلام ما أحد على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس منها براء.
(1) الكافي ج 1 ص 428. (2) اكمال الدين ج 2 ص 27 (3) اكمال الدين ج 2 ص 5.
(4) اكمال الدين ج 2 ص 207 و 208 في حديث الدجال (5) الانعام: 160 - 161. (6) تفسير العياشي ج 1 ص 388.
[34]
" ما انزل إليكم " (1) أي من القرآن والوحي، " من دونه أولياء " أي شياطين الجن والانس، فيحملوكم على الاهواء والبدع، ويضلوكم عن دين الله " وعما امرتم باتباعه " قليلا ما تذكرون " أي تذكرا قليلا تتذكرون. " لا نكلف نفسا إلا وسعها " (2) اعتراض بين المبتدء والخبر للترغيب في اكتساب النعيم المقيم، بما يسعه طاقتهم، ويسهل عليهم. " ورحمتي وسعت كل شئ " (3) أي في الدنيا، فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص، وهو متقلب في نعمتي. أو في الدنيا والاخرة، إلا أن قوما لم يدخلوها لضلالهم " فسأكتبها " أي فساثبتها واوجبها في الاخرة " للذين يتقون " الشرك والمعاصي. " ويحل لهم الطيبات " (4) يستفاد من بعض الايات تأويل الطيبات بأخذ العلم من أهله. و " الخبائث " بقول من خالف وهو بطن من بطون الاية، وقد مر تفسيرها في أبواب الاطعمة " ويضع عنهم إصرهم " أي يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة. وأصل الاصر: الثقل (5)، وكذا الاغلال " وعز روه " أي عظموه بالتقوية والذب عنه، وأصل التعزير: المنع وأما " النور " فقيل: هو القرآن وفي كثير من الاخبار أنه علي عليه السلام. " وهاجروا " (6) أي فارقوا أوطانهم وقومهم حبا لله ولرسوله، وهم
(1) الاعراف: 3 (2) الاعراف: 42
(3) الاعراف: 156 (4) الاعراف: 157 (5) بل المراد: وعد الناس بأن الايمان به والتسليم له يجب عما قبله فمن آمن به وأسلم له حط من عاتقه ثقل الاثام والذنوب التى اكتسبها قبل ذلك حتى حقوق الناس أي مظالمهم وأقول: على ما ثبت من تأويل الاية في المهدى " ص " يكون الايمان به والتسليم له يجب عما قبل ذلك من الاثام والذنوب كلها، اللهم اجعلنا من الامنين به. (6) الانفال: 73.
[35]
المهاجرون من مكة إلى المدينة، " والذين آووا " أي آووهم إلى ديارهم " و نصروا " هم على أعدائهم وهم الانصار، " اولئك هم المؤمنون حقا " لانهم حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة، والانسلاخ من الاهل والمال والنفس، لاجل الدين " لهم مغفرة ورزق كريم " لا تبعة له ولا منة فيه. " والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم (1) " يريد اللاحقين بعد السابقين، " فاولئك منكم " أي من جملتكم أيها المهاجرون والانصار، وحكمهم حكمكم في وجوب موالاتهم ونصرتهم، وإن تأخر إيمانهم وهجرتهم. " أعظم درجة " (2) أي ممن لم يستجمع هذه الصفات " واولئك هم الفائزون " أي المختصون بالفوز ونيل الحسنى عند الله. " ومساكن طيبة " (3) أي يطيب فيها العيش " في جنات عدن " أي إقامة وخلود، وقد مضت الاخبار في ذلك من باب وصف الجنة " ورضوان من الله أكبر " يعني وشئ من رضوانه أكبر من ذلك كله. لان رضاه سبب كل سعادة، و موجب كل فوز، وبه ينال كرامته التي هي أكبر أصناف الثواب " ذلك " الرضوان " هو الفوز العظيم " الذي يستحقر دونه كل لذة وبهجة. " أن لهم قدم صدق عند ربهم " (4) أي سابقة وفضلا، سميت قدما لان
السبق بها كما سميت النعمة يدا لانها باليد تعطى، وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية، وفي المجمع (5) عن الصادق عليه السلام أن معنى قدم صدق شفاعة محمد صلى الله عليه وآله، وفي الكافي والعياشي (6): هو رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهما: بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وهذا لان الولاية من شروط الشفاعة وهما متلازمتان. " بايمانهم " (7) أي بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق المؤدي
(1) الانفال: 74. (2) برائة: 20 (3) براءة: 22 (4) يونس: 2. (5) مجمع البيان ج 5 ص 89 (6) تفسير العياشي ج 2 ص 117 و 118 (7) يونس: 9.
[36]
إلى الجنة " في جنات النعيم " لان التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، أو يهديهم في الاخرة إليها. " وبشر المؤمنين " (1) بالنصرة في الدنيا والجنة في العقبى. " الان وقد عصيت قبل " (2) قال الطبرسي (3) - رحمه الله - فيه إضمار أي قيل له الان آمنت حين لم ينفع الايمان، ولم يقبل، لانه حال الالجاء، وقد عصيت بترك الايمان في حال ما ينفعك الايمان، فهلا آمنت قبل ذلك، وإيمان الالجاء لا يستحق به الثواب فلا ينفع، انتهى. وذكر الرازي لعدم قبول توبة فرعون وجوها: منها أنه إنما آمن عند نزول العذاب، والايمان في هذا الوقت غير مقبول، لانه عند نزول العذاب وقت الالجاء، وفي هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة. " كذلك حقا علينا " (4) أي مثل ذلك الانجاء " ننجي المؤمنين " منكم حين نهلك المشركين " وحقا علينا " اعتراض يعني حق ذلك علينا حقا، وفي المجمع (5) والعياشي (6) عن الصادق عليه السلام ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا
الامر أنه من أهل الجنة، إن الله تعالى يقول: " كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين ". " ولكن أ عبد الله الذي يتوفاكم " (7) فإنه هو الحقيق بأن يخاف ويرجى ويعبد، وإنما خص التوفي بالذكر للتهديد. " وامرت أن أكون من المؤمنين " المصدقين بالتوحيد، فهذا ديني.
(1) يونس: 87 (2) يونس: 91. (3) مجمع البيان ج 5 ص 131 (4) يونس: 102 (5) مجمع البيان ج 5 ص 138 (6) تفسير العياشي ج 2 ص 138 (7) يونس: 103.
[37]
" وأن أقم وجهك " (1) عطف على " أن أكون " غير أن صلة أن محكية بصيغة الامر، والمعنى امرت بالاستقامة والسداد في الدين، بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح. " وأخبتوا إلى ربهم " (2) أي اطمأنوا إليه وخشعوا له. " مثل الفريقين " أي الكافر والمؤمن " كالاعمى والاصم " أي كالاعمى وكالاصم، أو كالاعمى الاصم " والبصير والسميع " أي كالبصير وكالسميع أو كالبصير السميع، وذلك لتعامي الكافر عن آيات الله، وتصامه عن استماع كلام الله، وتأييه عن تدبر معانيه " أفلا تذكرون " بضرب الامثال والتأمل فيها. " هل يستوي الاعمى والبصير " (3) قال علي بن إبراهيم: يعني الكافر والمؤمن " أم هل تستوي الظلمات والنور " قال: الكفر والايمان. " كلمة طيبة " (4) قيل: أي قولا حقا ودعاء إلى صلاح " كشجرة طيبة " يطيب ثمرها كالنخلة، وفي المجمع (5) عن النبي صلى الله عليه وآله أن هذه الشجرة الطيبة
النخلة " أصلها ثابت " في الارض ضارب بعروقه فيها " تؤتي اكلها " أي تعطي ثمرها " كل حين " أي كل وقت وقته الله لاثمارها " بإذن ربها " أي بارادة خالقها " لعلهم يتذكرون " لان في ضرب الامثال تذكيرا وتصويرا للمعاني بالمحسوسات لتقريبها من الافهام. وفي العياشي (6): عن الصادق عليه السلام: هذا مثل ضربه الله لاهل بيت نبيه ولمن عاداهم. وفي الكافي (7) عنه عليه السلام أنه سئل عن الشجرة في هذه الاية فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله أصلها، وأمير المؤمنين عليه السلام فرعها، والائمة من ذريتهما أغصانها
(1) يونس: 105 (2) هود: 23 و 24 (3) الرعد: 16 (4) ابراهيم: 24 - 27 (5) مجمع البيان ج 6 ص 312. (6) تفسير العياشي ج 2 ص 224. (7) الكافي ج 1 ص 428.
[38]
وعلم الائمة ثمرها، وشيعتهم المؤمنون ورقها. قال: والله إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها، وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها. وفي الاكمال: الحسن والحسين ثمرها، والتسعة من ولد الحسين أغصانها. وفي معاني الاخبار (1): وغصن الشجرة فاطمة وثمرها أولادها، وورقها شيعتنا وزاد في الاكمال: " تؤتي اكلها كل حين " ما يخرج من علم الامام إليكم في كل سنة من كل فج عميق. " ومثل كلمة خبيثة " قيل: أي قول باطل ودعاء إلى ضلال أو فساد " كشجرة
خبيثة " لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل " اجتثت " أي استوصلت وأخذت جثته بالكلية " من فوق الارض " لان عروقها قريبة منه " مالها من قرار " أي استقرار. وفي المجمع (2) عن الباقر عليه السلام إن هذا مثل بني امية، وروى علي بن إبراهيم عنه عليه السلام كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إلى السماء، وبنو امية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد، ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم. " بالقول الثابت " قيل أي الذي ثبت بالحجة والبرهان عندهم، وتمكن في قلوبهم واطمأنت إليه أنفسهم " في الحياة الدنيا " فلا يزلون إذا افتتنوا في دينهم " وفي الاخرة " فلا يتلعثمون (3) إذا سئلوا عن معتقدهم " ويضل الله الظالمين " الذين ظلموا أنفسهم بالجحود والاقتصار على التقليد، فلا يهتدون إلى الحق، ولا يثبتون في مواقف الفتن. وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام يعني يضلهم يوم القيامة عن دار كرامته " ويفعل الله ما يشاء " من تثبيت المؤمنين وخذلان الظالمين. ويظهر من كثير من الاخبار أن التثبيت في الدنيا عند الموت، وفي الاخرة في القبر، أو الاخرة تشمل الحالتين، وقد مضت الاخبار الكثيرة في تفسير الايات المذكورة، في كتب الامامة، والفتن، والمعاد، وقد أوردنا وجوها كثيرة فيها
(1) معاني الاخبار ص 400 (2) مجمع البيان ج 6 ص 313. (3) تلعثم: توقف وتلكأ.
[39]
فلا نعيدها. " حنيفا " (1) قال الراغب: الحنف هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة و الجنف بالعكس (2). " أجرا حسنا " (3) هو الجنة " أبدا " بلا انقطاع. " إلا أن تأتيهم سنة الاولين " (4) إلا إنتظار أن تأتيهم سنة الاولين
وهي الاهلاك والاستئصال " أو يأتيهم العذاب " أي عذاب الاخرة " قبلا " أي عيانا. " كانت لهم جنات الفردوس (5) " قال في المجمع: (6) أي كان في حكم الله وعلمه لهم بساتين الفردوس، وهو أطيب موضع في الجنة، وأوسطها وأفضلها وأرفعها " نزلا " أي منزلا ومأوى، وقيل ذات نزل، وقال الراغب: النزل ما يعد للنازل من الزاد (7) " لا يبغون عنها حولا " أي تحولا، إذ لا يجدون أطيب منها، حتى تنازعهم إليه أنفسهم. " ولا يظلمون شيئا " (8) قيل: أي لا ينقصون شيئا من جزاء أعمالهم، ويجوز أن ينتصب شيئا على المصدر. " سيجعل لهم الرحمان ودا " (9) قيل: أي سيجعل لهم في القلوب مودة وقد مر (10) في أخبار كثيرة أنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام حيث جعل الله له في قلوب المؤمنين ودا وفرض مودته وولايته على الخلق.
(1) النحل: 123. (2) المفردات: ص 33 وفيه: والجنف ميل عن الاستقامة الى الضلال. (3) الكهف: 2 - 3 (4) الكهف: 55. (5) الكهف: 108 (6) مجمع البيان ج 6 ص 498. (7) المفردات: ص 489 (8) مريم: 60. (9) مريم: 96. (10) راجع تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام الباب 14 ج 35 ص 360 من هذه الطبعة.
[40]
" قد عمل الصالحات " (1) أي في الدنيا " لهم الدرجات العلى " أي المنازل الرفيعة " جنات عدن " بدل من الدرجات " من تزكى " أي من تطهر من أدناس الكفر والمعاصي.
" لمن تاب " (2) أي من الشرك " وآمن " بما يجب الايمان به، " ثم اهتدى " أي إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام كما ورد في الاخبار الكثيرة التي قد مر بعضها وسيأتي بعضها إنشاء الله. " وهو مؤمن " (3) أي بالله ورسله " فلا كفران لسعيه " أي لا تضييع له، استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لاعطائه " وإناله " أي لسعيه " كاتبون " أي مثبتون في صحيفة عمله. " يفعل ما يريد " (4) أي من إثابة الموحد الصالح، وعقاب المشرك، لا دافع له ولا مانع. " من أساور " (5) جمع أسورة وهي جمع سوار " من ذهب " بيان له " ولؤلؤا " عطف عليها لا على ذهب، " إلى الطيب من القول " قيل: هو قولهم: الحمد لله الذي صدقنا وعده، أو كلمة التوحيد. وقال علي بن إبراهيم: التوحيد والاخلاص " و هدوا إلى صراط الحميد " قيل أي المحمود نفسه أو عاقبته وهو الجنة، أو الحق أو المستحق لذاته الحمد، وهو الله تعالى، وصراطه الاسلام. وفي المحاسن عن الباقر عليه السلام هو والله هذا الامر الذي أنتم عليه، وفي الكافي (6) عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال: ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار هدوا إلى أمير المؤمنين. " إن الله يدافع عن الذين آمنوا " (7) أي غائله المشركين. " ورزق كريم " (8) قيل: الكريم من كل نوع ما يجمع فضائله
" إلى صراط مستقيم " (1) قال علي بن إبراهيم: إلى الامام المستقيم. " قد أفلح المؤمنون " (2) في الكافي (3) عن الباقر عليه السلام: أتدري من هم قيل: أنت أعلم، قال: قد أفلح المؤمنون المسلمون، إن المسلمين هم النجباء، و روى علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام قال: لما خلق الله الجنة قال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون الاية. وأقول: تدل الايات على اشتراط تأثير الايمان في دخول الجنة بالاعمال و إن أمكن تأويلها بما سيأتي، وكذا قوله تعالى " ويقولون آمنا " إلى آخر الايات تدل على بعض شرائط الايمان، وأن من لم يتحاكم إلى الرسول ولم يرض بحكمه فليس بمؤمن. " إنما المؤمنون (4) " حمل على الكاملين في الايمان " الذين آمنوا بالله و رسوله " أي من صميم قلوبهم " وإذا كانوا معه على أمر جامع " كالجمعة والاعياد والحروب والمشاورة في الامور " حتى يستأذنوه " أي الرسول صلى الله عليه وآله " إن الذين يستأذنونك " أعاده مؤكدا على اسلوب أبلغ فانه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة، وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك، تنبيها على كونه مصداقا لصحة الايمان ومميزا للمخلص عن المنافق، وتعظيما للجرم. " فعسى أن يكون من المفلحين " (5) قيل: عسى تحقيق على عادة الكرام أو ترجى من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح. " وهم لا يفتنون " (6) أي لا يختبرون وفي المجمع (7) عن الصادق عليه السلام
(1) الحج: 54. (2) المؤمنون: 51. (3) الكافي ج 1 ص 391 وبعده: فالمؤمن غريب فطوبى للغرباء، ورواه في المحاسن ص 272.
(4) المؤمنون: 62. (5) القصص: 67. (6) العنكبوت: 1 - 3. (7) مجمع البيان ج 8 ص 272.
[42]
معنى يفتنون: يبتلون في أنفسهم وأموالهم، وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما نزلت هذه الاية قال: لابد من فتنة يبتلى بها الامة بها، ليتعين الصادق من الكاذب، لان الوحي قد انقطع، وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة. وفي الكافي (1) عن الكاظم عليه السلام أنه قرأ هذه الاية ثم قال: ما الفتنة ؟ قيل الفتنة في الدين فقال: يفتنون كما يفتن الذهب، ثم يخلصون كما يخلص الذهب. " فليعلمن الله الذين صدقوا " أي في الوجود بحيث يتميز الذين صدقوا في الايمان والذين كذبوا فيه بعدما كان يعلمهم قبل ذلك أنهم سيوجدون ويمتحنون. وفي المجمع (2) عن أمير المؤمنين والصادق عليهما السلام أنهما قرءا بضم الياء و كسر اللام فيهما من الاعلام أي ليعرفنهم الناس. وأقول: تدل على أن الاقرار الظاهري غير كاف في الايمان الواقعي. " أحسن الذي كانوا يعملون " (3) أي أحسن جزاء أعمالهم. " لندخلنهم في الصالحين " (4) أي في جملتهم أو في زمرتهم في الجنة " ومن الناس من يقول آمنا بالله " بلسانه " فإذا اوذي في الله " أي في دينه أو في ذاته " جعل فتنة الناس " أي تعذيبهم وأذيتهم " كعذاب الله " فيرجع عن الدين، كما ينبغي للكافر أن يترك دينه مخافة عذاب الله، " ولئن جاءهم نصر من ربك " أي فتح وغنيمة " ليقولن إنا كنا معكم " في الدين، فأشركونا فيه، والمراد المنافقون أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من أذى المشركين، ويؤيد الاول " أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين " أي من الاخلاص والنفاق " وليعلمن الذين آمنوا "
بقلوبهم " وليعلمن المنافقين " فيجازي الفريقين. " وقولوا " (5) أي لاهل الكتاب في المجادلة وفي الدعوة إلى الدين، فلا
(1) الكافي ج 1 ص 370. (2) مجمع البيان ج 8 ص 271. (3) العنكبوت: 7. (4) العنكبوت: 9 - 11. (5) العنكبوت: 46 و 47.
[43]
يدل على اشتراط الايمان بالقول " فالذين آتيناهم الكتاب " أي علمه أي مؤمنو - أهل الكتاب " ومن هؤلاء " يعني من العرب، أو من أهل مكة، أو ممن في عهد الرسول صلى الله عليه وآله من أهل الكتاب " من يؤمن به " أي بالقرآن " وما يجحد بآياتنا " مع ظهورها وقيام الحجة عليها " إلا الكافرون " المتوغلون في الكفر. " يتلى عليهم " (1) أي تدوم تلاوته عليهم " إن في ذلك " أي الكتاب الذي هو آية مستمرة، وحجة مبينة، " لرحمة " أي لنعمة عظيمة " وذكرى لقوم يؤمنون " أي تذكرة لمن همه الايمان دون التعنت. " لنبوءنهم " (2) لننزلنهم " من الجنة غرفا تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نعم أجر العاملين " المخصوص بالمدح محذوف، دل عليه ما قبله، وهو الجنة أو الغرف " الذين صبروا " على المحن والمشاق في الدين " وعلى ربهم يتوكلون " أي لا يتوكلون إلا على الله. " فهم في روضة " (3) قيل: أي أرض ذات أزهار وأنهار " يحبرون " أي يسرون سرورا تهللت له وجوههم وقال علي بن إبراهيم: أي يكرمون. " فأقم وجهك للدين حنيفا " (4) قيل أي مائلا مستقيما عليه، وقيل هو تمثيل للاقبال والاستقامة عليه والاهتمام به، وقال علي بن إبراهيم: أي طاهرا وروى هو والكليني (5) عن الباقر عليه السلام أنه قال: هو الولاية، وفي التهذيب عن الصادق
عليه السلام قال: أمره أن يقيم وجهه لقبلة ليس فيه شئ من عبادة الاوثان. " فطرة الله " نصب على الاغراء أو المصدر، لما دل عليه ما بعدها " التي فطر الناس عليها " أي خلقهم عليها، قيل: وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه أو ملة الاسلام، فانهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها.
وفي الكافي (1) عن الصادق عليه السلام أنه سئل ما تلك الفطرة، قال: هي الاسلام فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال: " ألست بربكم " ؟ (2) وفيهم المؤمن والكافر. وفي كثير من الاخبار (3): فطرهم على التوحيد، وفي بعضها فطرهم على الولاية، وفي بعضها فطرهم على التوحيد ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام (4). وعن الباقر عليه السلام (5): فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة أنه ربهم قال: لولا ذلك لم يعلموا من ربهم ولا من رازقهم، وقد مضت الاخبار والاقوال في ذلك في كتاب العدل. " لا تبديل لخلق الله " أي لا يقدر أحد أن يغيره، أو لا ينبغي أن يغير ذلك إشارة إلى الدين المأمور باقامة الوجه له، أو الفطرة إن فسرت بالملة " الدين القيم " أي المستوي الذي لا عوج فيه " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " أي استقامته. " منيبين إليه " أي راجعين إليه مرة بعد اخرى " من الذين فرقوا دينهم " أي اختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم، وقرأ حمزة والكسائي: " فارقوا "
أي تركوا " وكانوا شيعا " أي فرقا يشايع كل إمامها الذي أصل دينها " كل حزب بما لديهم فرحون " أي مسرورون ظنا بأنه الحق. " للدين القيم (6) " أي البليغ الاستقامة " لا مرد له " لتحتم مجيئه " يومئذ يصدعون " أصله يتصدعون أي يتفرقون: فريق في الجنة وفريق في السعير.
(1) الكافي ج 2 ص 12. (2) الاعراف: 172. (3) راجع الكافي كتاب الايمان والكفر باب فطرة الخلق على التوحيد. (4) راجع الكافي ج 1 ص 412 وتراه في كشف الحق بروايته عن النبي صلى الله عليه وآله ج 1 ص 93. (5) تفسير العياشي ج 2 ص 40 (6) الروم: 43.
[45]
" لهم جنات النعيم " (1) قيل أي لهم نعيم جنات، فعكس للمبالغة. " خالدين فيها " حال من الضمير في لهم، أو من جنات النعيم " وعد الله حقا " مصدران موكدان: الاول لنفسه، والثاني لغيره، لان قوله " لهم جنات " وعد، وليس كل وعد حقا " وهو العزيز " الذي لا يغلبه شئ، فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده، " الحكيم " الذى لا يفعل إلا ما تستدعيه حكمته. " بأن لهم من الله فضلا كبيرا " (2) أي على سائر الامم، أو على أجر أعمالهم " ورزق كريم " أي لا تعب فيه ولا من عليه. " وما يستوي الاعمى والبصير (3) أي الكافر والمؤمن " ولا الظلمات ولا النور " أي ولا الباطل ولا الحق، " ولا الظل ولا الحرور " أي ولا الثواب ولا العقاب، " ولا " لتأكيد نفي الاستواء، وتكريرها على الشقين، لمزيد التأكيد والحرور من الحر، غلب على السموم.
وقال علي بن إبراهيم: الظل الناس، والحرور البهائم، وكأنهم إنما سموا ظلا لتعيشهم في الظلال، والبهائم حرورا لتعيشهم فيها، وفي بعض النسخ للناس وللبهائم، وهو أصوب وفي بعضها ولا الحرور، والحرور السمائم وهو أظهر منهما. " وما يستوي الاحياء ولا الاموات " تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلع من الاول، ولذلك كرر الفعل وقيل للعلماء والجهلاء " إن الله يسمع من يشاء " هدايته، فيوفقه لفهم آياته، والاتعاظ بعظاته " وما أنت بمسمع من في القبور " أي المصرين على الكفر. وقال علي بن إبراهيم: قال: هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع من في القبور. " من كان حيا " (4) قال - ره -: يعني مؤمنا حي القلب، وفي المجمع عن
أمير المؤمنين عليه السلام أي عاقلا " ويحق القول " أي تجب كلمة العذاب " على الكافرين " (1). " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به " (2) أخبر عنهم بالايمان إظهارا لفضله، وتعظيما لاهله " ويستغفرون للذين آمنوا " في الاخبار الكثيرة: للذين آمنوا بولايتهم عليهم السلام " ربنا " أي يقولون ربنا " وسعت كل شئ رحمة وعلما " أي وسعت رحمتك وعلمك كل شئ " فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك " قيل أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق " وقهم عذاب الجحيم ".
" ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم " أي إياها " ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم " عطف على " هم " الاول أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد " إنك أنت العزيز " الذي لا يمتنع عليه مقدور " الحكيم " الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته، ومن ذلك الوفاء بالوعد. " وقهم السيئات " أي العقوبات، أو جزاء السيئات، أو المعاصي في الدنيا لقوله " ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته " أي ومن تقها في الدنيا، فقد رحمته في الاخرة و " ذلك الفوز العظيم " يعني الرحمة، أو الوقاية أو مجموعهما. " ومن عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب " (3) قيل: أي بغير تقدير وموازنة بالعمل، بل أضعافا مضاعفة فضلا من الله ورحمة، ولعل جعل العلم عمدة، والايمان حالا، للدلالة على أنه شرط في اعتبار العمل، وأن ثوابه أعلى من ذلك. " إنا لننصر رسلنا " (4) قيل أي بالحجة والظفر، والانتقام من الكفرة " في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد " الاشهاد جمع شاهد، والمراد بهم من يقوم
(1) مجمع البيان ج 8 ص 432. (2) المؤمن: 6 - 9. (3) المؤمن: 40 (4) المؤمن: 51
[47]
يوم القيامة للشهادة على الناس، من الملائكة والانبياء والمؤمنين. وقال علي بن إبراهيم: هو في الرجعة إذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام وروى بإسناده عن الصادق عليه السلام قال: ذلك والله في الرجعة أما علمت أن أنبياء الله كثيرة لم ينصروا في الدنيا وقتلوا والائمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا وذلك في الرجعة.
" وما يستوي الاعمى والبصير " (1) أي الجاهل والمستبصر " والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ " أي ولا يستوي المؤمن المحسن والمسئ، مؤمنا كان أو غيره " قليلا ما تتذكرون " أي تذكرا ما قليلا تتذكرون. " فلما رأوا بأسنا " (2) أي عذابنا النازل بهم قال في المجمع (3) أي عند رؤيتهم بأس الله وعذابه لانهم يصيرون عند ذلك ملجيئن، وفعل الملجأ لا يستحق به المدح " سنة الله " نصبها على المصدر، أي سن الله هذه السنة في الامم الماضية كلها إذ لا ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب، والمراد بالسنة هنا الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين " وخسر هنالك الكافرون " بدخول النار واستحقاق النقمة وفوت الثواب والجنة. وفي العيون (4) عن الرضا عليه السلام: أنه سئل لاى علة غرق الله فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده ؟ قال: لانه آمن عند رؤية البأس، والايمان عند رؤية البأس غير مقبول، وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف، قال الله عزوجل " فلما رأوا بأسنا " الايتين. (5)
(1) المؤمن: 58 (2) المؤمن: 84 و 85 (3) مجمع البيان ج 8 ص 535. (4) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 77 - ط دار العلم قم. (5) قال بعد ذلك: ولعلة اخرى أغرق الله عزوجل فرعون وهى انه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله، فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى لم تغث فرعون لانك لم تخلقه، ولو استغاث بى لاغثته. أقول: العلة الاولى لعدم قبول ايمانه، وهذه وجه عدم اغاثته ونجاته من الغرق.
[48]
وقال الرازي في تفسيره: فان قيل: اذكروا ضابطا في الوقت الذي لا
ينفع الاتيان بالايمان، قلنا: إنه الوقت الذي يعاين فيه نزول ملائكة الرحمة والعذاب، لان في ذلك الوقت يصير المرء ملجأ إلى الايمان، فذلك الايمان لا ينفع، إنما ينفع مع القدرة على خلافه حتى يكون المرء مختارا أما إذا عاينوا علامات الاخرة فلا ينفع. قوله: " غير ممنون " (1) أي لا يمن به عليكم، أو غير مقطوع. " شرع لكم من الدين " (2) أي قرر لكم دين نوح ومحمد ومن بينهما من أرباب الشرائع عليهم السلام، وهو الاصل المشترك فيما بينهم المفسر بقوله: " أن أقيموا الدين " وهو الايمان بما يجب تصديقه، والطاعة في أحكام الله " ولا تتفرقوا فيه " أي ولا تختلفوا في هذا الاصل، أما فروع الشرائع فمختلفة كما قال " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ". " كبر على المشركين " أي عظم عليهم " ما تدعوهم إليه " من التوحيد (3) " الله يجتبي إليه من يشاء " أي يجتلب إليه، والضمير لما تدعوهم، أو للدين " ويهدي إليه " بالارشاد والتوفيق " من ينيب " أي يقبل إليه. وقال علي بن إبراهيم (4): هم الائمة الذين اختارهم واجتباهم، وعن الصادق عليه السلام: " أن أقيموا الدين " قال الامام: " ولا تتفرقوا فيه " كناية عن أمير المؤمنين " ما تدعوهم إليه " من ولاية علي عليه السلام " من يشاء " كناية عن علي عليه السلام وسيأتي خبر طويل في تأويل هذه الاية.
(1) فصلت: 8. (2) الشورى: 13 (3) في الكافي ج 1 ص 418 في حديث الرضا عليه السلام أن المراد كبر على المشركين بولاية على عليه السلام ما تدعوهم إليه يا محمد من ولاية على، هكذا في الكتاب مخطوطة
(4) وهكذا رواه في كنز جامع الفوائد ص 284.
[49]
" في روضات الجنات " (1) قيل: أي في أطيب بقاعها وأنزهها " لهم ما يشاؤن عند ربهم " أي ما يشتهونه ثابت لهم عند ربهم " ذلك إشارة إلى ما للمؤمنين " هو الفضل الكبير " الذي يصغر دونه ما لغيرهم في الدنيا " ذلك الذي " أي ذلك الثواب الذي " يبشر " هم " الله به " فحذف الجار ثم العائد، أو " ذلك " التبشير " الذي يبشر " ه " الله عباده ". " ويستجيب الذين آمنوا " (2) قيل أي يستجيب الله لهم، فحذف اللام والمراد إجابة الدعاء، أو الاثابة على الطاعة، أو يستجيبون الله بالطاعة إذا دعاهم إليها، وفي المجمع (3) عن ابن عباس في حديث طويل أن الانصار عرضوا على النبي صلى الله عليه وآله أموالهم فنزلت: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " فخرجوا من عنده مسلمين وقال المنافقون: " إن هذا الشئ افتراء - وساق إلى قوله - وقال " ويستجيب الذين آمنوا " وهم الذين سلموا لقوله. وفي الكافي (4) عن الباقر عليه السلام قال: هو المؤمن يدعو لاخيه بظهر الغيب فيقول له الملك: آمين، ويقول العزيز الجبار: ولك مثلا ما سألت لحبك إياه. وفي المجمع (5) عن النبي صلى الله عليه وآله قال " ويزيدهم من فضله " الشفاعة لمن وجبت له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا. " الذين آمنوا " (6) صفة للمنادى في قوله " يا عباد لا خوف عليكم " " تحبرون " أي تسرون أو تزينون أو تكرمون إكراما يبالغ فيه. " في رحمته " (7) التي من جملتها الجنة " ذلك هو الفوز المبين " لخلوصه
(1) الشورى: 22 و 23. (2) الشورى: 26.
(3) مجمع البيان ج 9 ص 29 (4) الكافي ج 2 ص 507. (5) مجمع البيان ج 9 ص 30 (6) الزخرف: 69 - 70 (7) الجاثية: 30
[50]
عن الشوائب. " قالوا ربنا الله ثم استقاموا " (1) قيل: أي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم، والاستقامة في الامور التي هي منتهى العمل، و " ثم " للدلالة على تأخير رتبة العمل، وتوقف اعتباره على التوحيد، وقال علي بن إبراهيم: استقاموا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام " فلا خوف عليهم " من لحوق مكروه " ولا هم يحزنون " على فوات محبوب. " وصدوا عن سبيل الله " (2) قال علي بن إبراهيم: نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين ارتدوا بعده، وغصبوا أهل بيته حقهم، وصدوا عن أمير المؤمنين، وعن ولاية الائمة عليهم السلام، " أضل أعمالهم " أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله من الجهاد والنصر. وروى عن الصادق عليه السلام في قوله " وآمنوا بما نزل " قال بما نزل " على محمد " في علي، هكذا نزلت " كفر عنهم سيئاتهم " قال: نزلت في أبي ذر وسلمان وعمار والمقداد، لم ينقضوا العهد، قال " وآمنوا بما نزل على محمد ": أي اثبتوا على الولاية التي أنزلها الله " وهو الحق " يعني أمير المؤمنين عليه السلام " بالهم " أي حالهم. " ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل " قال: وهم الذين اتبعوا أعداء رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، وروى عن الصادق عليه السلام قال: في سورة
محمد صلى الله عليه وآله آية فينا وآية في أعدائنا. (3) " مولى الذين آمنوا " (4) أي ناصرهم على أعدائهم، وقال علي بن إبراهيم: يعني الذين ثبتوا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام " لا مولى لهم " فيدفع العذاب عنهم.
(1) الاحقاف: 13. (2) القتال: 1 - 3. (3) راجع مجمع البيان ج 9 ص 95، ورواه في كنز جامع الفوائد ص 302 و 334 عن على عليه السلام. (4) القتال: 11
[51]
" ليدخل " (1) قيل: أي فعل ما فعل ودبر ما دبر ليدخل. " ويكفر عنهم سيئاتهم " أي يغطيها ولا يظهرها " فوزا عظيما " لانه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضرر. " وعلى المؤمنين " (2) أي أنزل عليهم الثبات والوقار " وألزمهم كلمة التقوى " أي كلمة بها يتقى من النار، أو هي كلمة أهل التقوى، وقال الاكثر: هي كلمة الشهادة وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الصادق عليه السلام: هي الايمان وعن النبي صلى الله عليه وآله في وصف علي عليه السلام هو الكلمة التي ألزمتها المتقين. (3) وفي أخبار كثيرة عنهم عليهم السلام " نحن كلمة التقوى " أي ولايتهم " وكانوا أحق بها " أي بتلك الكلمة من غيرهم " وأهلها " أي المستأهل لها " وكان الله بكل شئ عليما " فيعلم أهل كل شئ وييسره له. " حبب إليكم الايمان (4) " أي جعله أحب الاديان إليكم، بأن أقام الادلة على صحته، وبما وعد من الثواب عليه " وزينه في قلوبكم " بالالطاف الداعية إليه، وفيه إشعار بأن الايمان من فعل القلب " وكره إليكم الكفر " بما وصف من العقاب عليه، وبوجوه الالطاف الصارفة عنه " والفسوق " أي الخروج
عن الطاعة إلى المعاصي " والعصيان " أي جميع المعاصي وقيل: الفسوق: الكذب وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام (5). وفي الكافي وغيره (6) عن الصادق عليه السلام أن الايمان أمير المؤمنين عليه السلام والثلاثة
(1) الفتح: 5 (2) الفتح: 26 (3) منها ما تراه في ج 35 ص 300 من هذه الطبعة في روايات المعراج، وتراه في ج 6 ؟ ص 55 باب له عليه السلام كلمة الله أحاديث في ذلك (4) الحجرات: ؟ و 8. (5) رواه الطبرسي في مجمع البيان ج 9 ص 133. (6) راجع الكافي ج 1 ص 426، مناقب آل أبى طالب ج 3 ص 343 تفسير القمى ص 640.
[52]
الثلاثة على الترتيب، وفي المحاسن (1) عنه عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية وقيل له: هل للعباد فيما حبب الله صنع ؟ قال: لا، ولا كرامة. وفي الكافي (2) عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الحب والبغض أمن الايمان هو ؟ فقال: وهل الايمان إلا الحب والبغض ؟ ثم تلا هذه الاية. " اولئك هم الراشدون " يعني اولئك الذين فعل بهم ذلك، هم الذين أصابوا الطريق السوي. " إنكم لفي قول مختلف " (3) أي في محمد صلى الله عليه وآله شاعر أو مجنون ؟، أو منكم مكذب، ومنكم مصدق، ومنكم شاك، أو في القرآن إنه سحر أو كهانة أو ما سطره الاولون ؟ " يؤفك عنه من افك " الضمير للرسول صلى الله عليه وآله أو القرآن أو الايمان، أي من صرف عنه صرف عن الخيرات كلها، أو لا صرف أشد منه، فكأنه لا صرف بالنسبة إليه، أو يصرف عنه من صرف في علم الله وقضائه.
" تنفع المؤمنين " (4) أي من قدر الله إيمانه، أو من آمن، فانه يزداد بصيرة. " مستخلفين فيه " (5) أي من الاموال التي جعلكم الله خلفاء في التصرف فيها، فهي حقيقة له لا لكم، أو التي استخلفكم عمن قبلكم في تملكها والتصرف فيها، " ومالكم لا تؤمنون " أي أيما عذر لكم في ترك الايمان ؟ " والرسول يدعوكم " إليه بالحجج والبينات " وقد أخذ ميثاقكم " أي وقد أخذ الله ميثاقكم بالايمان قبل ذلك " إن كنتم مؤمنين " لموجب ما فان هذا موجب لا مزيد عليه " من الظلمات إلى النور " أي من ظلمات الكفر إلى نور الايمان.
(1) المحاسن: 199. (2) الكافي ج 2 ص 125. وتراه في المحاسن ص 262. (3) الذاريات: 8 و 9. (4) الذاريات: 55. (5) الحديد: 7 - 9.
[53]
" يسعى نورهم " (1) قيل: أي ما يهتدون به إلى الجنة " بين أيديهم وبأيمانهم " من حيث يؤتون صحائف أعمالهم لان السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين " بشراكم اليوم جنات " أي يقولون لهم من يتلقاهم من الملائكة " بشراكم " أي المبشر به " جنات " أو بشراكم دخول جنات " ذلك هو الفوز العظيم " إشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة. " اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " (2) في التهذيب عن السجاد عليه السلام إن هذه لنا ولشيعتنا، وفي المحاسن (3) عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: ما من شيعتنا إلا صديق شهيد، قيل: أنى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فرشهم، فقال:
أما تتلو كتاب الله في الحديد " والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون و الشهداء " قال: لو كان الشهداء [ليس إلا] كما يقولون كان الشهداء قليلا ". أقول: سيأتي أخبار كثيرة في ذلك وقد مر بعضها. " لهم أجرهم ونورهم " أي أجر الصديقين والشهداء ونورهم. " سابقوا " (4) أي سارعوا مسارعة السابقين في المضمار " إلى مغفرة من ربكم " أي إلى موجباتها " كعرض السماء والارض " قيل أي كعرض مجموعهما إذا بسطتا. " يا أيها الذين آمنوا (5) " أي بالرسل المتقدمة " اتقوا الله " فيما نهاكم عنه " يؤتكم كفلين " أي نصيبين " من رحمته " لايمانكم بمحمد وإيمانكم بمن قبله " ويجعل لكم نورا تمشون به " قيل يريد المذكور في قوله " يسعى نورهم " أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس. وقال علي بن إبراهيم (6): " كفلين " نصيبين " من رحمته " أحدهما أن
(1) الحديد: 12. (2) الحديد: 19. (3) المحاسن: 163. والحديث عن زيد بن أرقم عن الحسين بن على عليهما السلام وفيه قال: قلت جعلت فداك أنى يكون ذلك الخ. (4) الحديد: 21 (5) الحديد: 28 (6) تفسير القمى: 666.
[54]
لا يدخله النار، وثانيهما أن يدخله الجنة " ويجعل لكم نورا " يعني الايمان. وعن الصادق عليه السلام (1) " كفلين من رحمته ": قال: الحسن والحسين و " نورا تمشون به " يعني إماما تأتمون به، وفي المناقب: قال: والنور علي عليه السلام. " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة (2) " قيل أي لا يستوي الذين استكملوا نفوسهم فاستأهلوا الجنة، والذين استمهنوها فاستحقوا النار، " هم
الفائزون " بالنعيم المقيم. " تؤمنون " (3) استئناف مبين للتجارة، وهو الجمع بين الايمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم، والمراد به الامر، وإنما جئ بلفظ الخبر، إيذانا بأن ذلك مما لا يترك. " ذلكم خير لكم " يعني ما ذكر من الايمان والجهاد " إن كنتم تعلمون " أي إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله. " يغفر لكم " جواب للامر المدلول عليه بلفظ الخبر، أو بشرط أو استفهام دل عليه الكلام، تقديره: إن تؤمنوا وتجاهدوا. أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم " ذلك " إشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة. " واخرى " أي ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة اخرى، وقيل مبتدء خبره " نصر من الله وفتح قريب " فتح مكة، وفي تفسير علي بن إبراهيم يعني في الدنيا بفتح القائم عليه السلام " وبشر المؤمنين " عطف على محذوف مثل: قل يا أيها الذين آمنوا وبشر. أو على تؤمنون به فانه في معنى الامر. " من أنصاري إلى الله " (4) أي من جندي متوجها إلى نصرة الله ؟ والحواريون أصفياؤه، " فآمنت طائفة " أي بعيسى " وأيدنا الذين آمنوا " أي بالحجة أو بالحرب، وذلك بعد رفع عيسى عليه السلام " فأصبحوا ظاهرين " أي فصاروا غالبين. " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " (5) أي لله الغلبة والقوة، ولمن أعزه
من رسوله والمؤمنين، " ولكن المنافقين لا يعلمون " من فرط جهلهم وغرورهم. " والنور الذي أنزلناه " (1) ذهب أكثر المفسرين إلى أنه القرآن، وقال
علي بن إبراهيم: (2) النور أمير المؤمنين عليه السلام وفي الكافي (3) عن الكاظم عليه السلام الامامة هي النور وذلك قوله تعالى: " فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلناه " قال: النور هو الامام. وعن الباقر عليه السلام (4) أنه سئل عن هذه الاية فقال: النور - والله - الائمة الخبر، والاخبار في ذلك كثيرة أوردناها في كتاب الامامة (5). " يوم يجمعكم ليوم الجمع " (6) لاجل ما فيه من الحساب والجزاء، و الجمع جمع الاولين والاخرين " ذلك يوم التغابن " يغبن فيه بعضهم بعضا، لنزول السعداء منازل الاشقياء، لو كانوا سعداء، وبالعكس، وفي معاني الاخبار (7) عن الصادق عليه السلام يوم يغبن أهل الجنة أهل النار. " ويعمل صالحا " أي عملا صالحا " ذلك الفوز العظيم " إشارة إلى مجموع الامرين، ولذلك جعله الفوز العظيم لانه جامع للمصالح من دفع المضار وجلب المنافع. " يهد قلبه " (8) قيل أي للثبات، والاسترجاع عند حلول المصيبة، وقال علي بن إبراهيم: أي يصدق الله في قلبه، فإذا بين الله له، اختار الهدى، ويزيده الله كما قال: " والذين اهتدوا زادهم هدى ". وفي الكافي (9) عن الصادق عليه السلام قال: إن القلب ليترجج فيما بين المصدر
(1) التغابن 8. (2) تفسير القمى 683. (3) الكافي ج 1 ص 196 (4) الكافي ج 1 ص 194 و 195 حديثان (5) راجع ج 32 ص 304 - 325 (6) التغابن: 9 (7) معاني الاخبار ص 156 (8) التغابن: 11 (9) الكافي ج 2 ص 421 (*)
[56]
والحنجرة، حتى يعقد على الايمان، فإذا عقد على الايمان قر، وذلك قول الله عزوجل " ومن يؤمن بالله يهد قلبه ". اقول: كأنه عليه السلام قرأ بالهمز ورفع قلبه كما قرأ في الشواذ (1) منسوبا إلى عكرمة وعمرو بن دينار، أو هو بيان لحاصل المعنى، فيوافق القراءة المشهورة أيضا: أي يهدي الله قلبه فيسكن. " ذكرا رسولا " (2) عن الرضا عليه السلام أن الذكر هنا هو الرسول (3) ونحن أهل الذكر، وقال البيضاوي: يعني بالذكر جبرئيل عليه السلام لكثرة ذكره أو لنزوله بالذكر وهو القرآن، أو لكونه مذكورا في السماوات، أو ذا ذكر أي شرف، أو محمدا صلى الله عليه وآله لمواظبته على تلاوة القرآن، أو تبليغه. وعبر عن إرساله بالانزال، ترشيحا، أو لانه مسبب عن إنزال الوحي إليه، وابدل عنه رسولا للبيان، أو أراد به القرآن ورسولا منصوب بمقدر مثل أرسل، أو ذكرا، والرسول مفعوله، أو بدله على أنه بمعنى الرسالة " من الظلمات إلى النور " من الضلالة إلى الهدى " قد أحسن الله له رزقا " قيل: فيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب. " والذين آمنوا معه " (4) عطف على النبي صلى الله عليه وآله إحمادا لهم، وتعريضا لمن ناواهم، وقيل: مبتدء خبره " نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ". في المجمع (5) عن الصادق في هذه الاية قال: يسعى أئمة المؤمنين يوم القيامة بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازلهم في الجنة وروى علي بن
(1) راجع مجمع البيان ج 10 ص 299 (2) الطلاق: 10 - 11. (3) وذلك لان " رسولا " بيان أو بدل عن " ذكرا " ولا يلزم كون الرسول منزلا فان
التقدير انا انزلنا اليكم ذكرا بل انا أرسلنا اليكم رسولا " (4) التحريم: 9. (5) مجمع البيان ج 10 ص 318 وهكذا رواه على بن ابراهيم في تفسيره ص 459.
[57]
إبراهيم مثله. وعن الباقر عليه السلام فمن كان له نور يومئذ نجا وكل مؤمن له نور يقولون إذا طفئ أنوار المنافقين " ربنا أتمم لنا نورنا " وقيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم، فيسألون إتمامه تفضلا. " أفمن يمشي مكبا " (1) يقال: كببته فأكب، وهو من الغرائب أي يعثر كل ساعة ويخر على وجهه، لوعورة طريقه، واختلاف أجزائه، ولذلك قابله بقوله " أمن يمشي سويا " أي قائما سالما من العثار " على صراط مستقيم " أي مستوي الاجزاء أو الجهة. والمراد: تشبيه المشرك والموحد بالسالكين، والدينين بالمسلكين، وقيل: المراد بالمكب: الاعمى، فانه يعتسف فينكب، وبالسوي: البصير، وقيل: من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار، ومن يمشي سويا: الذي يحشر على قدميه إلى الجنة. وفي الكافي: (2) عن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية، فقال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي عليه السلام كمن يمشي على وجهه، لا يهتدي لامره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم، والصراط المسقيم: أمير المؤمنين عليه السلام. " أفنجعل المسلمين " (3). إنكار لقولهم: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا، بل نكون أحسن حالا منهم، كما نحن عليه في الدنيا " ما لكم كيف تحكمون " التفات فيه تعجيب من حكمهم، واستبعاد له، وإشعار
بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي. " فلا يخاف بخسا ولا رهقا ": (4) أي نقصا في الجزاء، أو أن يرهقه ذلة. وقال علي بن إبراهيم: البخس: النقصان والرهق: العذاب.
وفي الكافي: (1) عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: قلت: قوله " لما سمعنا الهدى آمنا به " قال: الهدى: الولاية، آمنا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه " فلا يخاف بخسا ولا رهقا "، قلت: تنزيل ؟ قال: لا تأويل. " يضحكون " (2) أي يستهزؤون، " وإذا مروا بهم يتغامزون ": أي يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم، " انقلبوا فكهين ": أي ملتذين بالسخرية منهم. وقال علي بن إبراهيم: إن الذين أجرموا: الاول والثاني ومن تبعهما يتغامزون برسول الله، إلى آخر السورة. وفي المجمع (3) قيل: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فسخر منهم المنافقون، وضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم، فقالوا: رأينا اليوم الاصلع، فضحكنا منه فنزلت الايات قبل أن يصل علي وأصحابه إلى النبي صلى الله عليه وآله. وعن ابن عباس: (4) " إن الذين أجرموا " منافقو قريش " والذين آمنوا " علي بن أبي طالب عليه السلام. " وإذا رأوهم " (5): أي وإذا المؤمنين نسبوهم إلى الضلال، " وما ارسلوا عليهم " أي على المؤمنين " حافظين " يحفظون عليهم أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالهم، " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون " حين يرونهم
أذلاء مغلولين في النار. وروي (6) أنه يفتح لهم باب إلى الجنة، فيقال لهم: اخروجوا إليها، فإذا
(1) الكافي ج 1 ص 433، في حديث. (2) المطففين: 28. (3) مجمع البيان ج 10 ص 457 (4) رواه أيضا في المجمع عن أبى القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل (5) المطفقين: 32. (6) رواه الطبرسي عن أبى صالح ج 10 ص 457
[59]
وصلوا اغلق دونهم، فيضحك المؤمنون منهم " هل ثوب الكفار ": أي اثيبوا وجوزوا " ما كانوا يفعلون " من السخرية بالمؤمنين، والاستفهام للتقرير. " غير ممنون ". (1) أي غير مقطوع، أو ممنون به عليهم كما مر " ذلك الفوز الكبير " (2): إذ الدنيا وما فيها يصغر دونه. " وتواصوا بالصبر " (3) أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله تعالى " والمرحمة ": الرحمة على عباده أو بموجبات رحمة الله " أصحاب الميمنة ": أي اليمين أو اليمن وقال علي بن إبراهيم: أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. " والعصر " قيل أقسم بصلاة العصر، أو بعصر النبوة، أو بالدهر لاشتماله على الاعاجيب، " إن الانسان لفي خسر ": أي في خسران في مساعيهم وصرف أعمارهم في مطالبهم " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنهم اشتروا الاخرة بالدنيا ففازوا بالحياة الابدية، والسعادة السرمدية، " وتواصوا بالحق " بالثابت الذي لا يصح إنكاره من اعتقاد أو عمل " وتواصوا بالصبر " عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى المصائب.
وفي الاكمال عن الصادق عليه السلام قال: " العصر " عصر خروج القائم عليه السلام " إن الانسان لفي خسر " يعني أعداءنا " إلا الذين آمنوا " يعني بآياتنا " وعملوا الصالحات " يعني بمواساة الاخوان " وتواصوا بالحق " يعني الامامة " وتواصوا بالصبر " يعني بالعشرة. وقال علي بن إبراهيم: " إلا الذين آمنوا " بولاية أمير المؤمنين عليه السلام " وتواصوا بالحق " ذرياتهم ومن خلفوا بالولاية تواصوا بها وصبروا عليها. وفي المجمع (4) عن علي عليه السلام وعلي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام أنهما قرءا: والعصر إن الانسان لفي خسر * وإنه فيه إلى آخر الدهر.
(1) الانشقاق: 25 والتين 6 (2) البروج: ج 12 (3) البلد: 17 (4) مجمع البيان ج 10 ص 536
[60]
الاخبار 1 - ع: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن علي بن عفان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما سمي المؤمن مؤمنا لانه يؤمن على الله فيجيز أمانه. (1) بيان: " يؤمن على الله " أي يدعو ويشفع لغيره في الدنيا والاخرة، فيستجاب له، وتقبل شفاعته فيه، وسيأتي التخصيص بالاخيرة. 2 - سن: عن ابن زيد، عن مروك بن عبيد، عن سنان بن طريف، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ فقلت: لا أدري إلا أنه أراه يؤمن بما جاء من عند الله، فقال: صدقت وليس لذلك سمي المؤمن مؤمنا، فقلت: لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ قال: إنه يؤمن على الله يوم القيامة فيجيز أمانه. (2) 3 - ع: عن أبيه، عن الحميري، عن هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ألا انبئكم لم سمي المؤمن مؤمنا ؟ لايمانه الناس على أنفسهم وأموالهم، ألا انبئكم من المسلم ؟ من سلم الناس من يده ولسانه الخبر. (3) بيان: فيه إيماء إلى أنه يشترط في الايمان أو كماله أن لا يخافه الناس على أنفسهم وأموالهم وكذا الاسلام. 4 - شى: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، في قول الله " العروة الوثقى " (4) قال: هي الايمان بالله يؤمن بالله وحده. (5)
(1) علل الشرائع ج 2 ص 219 (2) المحاسن: 329. (3) علل الشرائع: 219. (4) البقرة: 256. (5) تفسير العياشي ج 1 ص 138.
[61]
5 - ختص: روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: المؤمن هاشمي لانه هشم الضلال والكفر والنفاق، والمؤمن قرشي لانه أقر للشئ ونحن الشئ، وأنكر لا شئ: الدلام وأتباعه - والمؤمن نبطي لانه استنبط الاشياء، تعرف الخبيث عن الطيب، والمؤمن عربي لانه عرب عنا أهل البيت، والمومن أعجمي لانه أعجم عن الدلام فلم يذكره بخير. والمؤمن فارسي لانه تفرس في الاسماء، لو كان الايمان منوطا بالثريا لتناوله أبناء فارس، يعني به المتفرس فاختار منها أفضلها، واعتصم بأشرفها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. (1)
توضيح: كأن الغرض بيان فضل المؤمن، وأنه يمكن أن يطلق عليه كل اسم حسن بوجه من الوجوه، فبين عليه السلام أنه يمكن أن يعد في الهاشميين، لانه هشم الضلال وأشباهه أي كسرها وأبطلها. في القاموس الهشم: كسر الشئ اليابس أو الاجوف، أو لكسر العظام والرأس خاصة أو الوجه والانف، أو كل شئ، هشمه يهشمه فهو مهشوم وهشيم، وهاشم أبو عبد المطلب واسمه عمرو لانه أول من ثرد الثريد وهشمه. (2). والقرشي كأنه مبني على الاشتقاق الكبير أو كان أصله ذلك كتأبط شرا فصار بكثرة الاستعمال كذلك، والمراد بالشئ الحق الثابت، وباللا شئ الباطل المضمحل، ويمكن أن يكون بمعنى المشئ أي ما يصلح أن تتعلق به المشيئة والحق كذلك. والدلام بيان للاشئ ويكنى به غالبا في الاخبار عن عمر تقية، وقد يطلق على سابقه أيضا إما لسواد ظاهرهما، أو باطنهما بالكفر والنفاق، أو لانتشار الظلم والفتن بهما في الافاق.
(1) الاختصاص: 143. (2) القاموس ج 4 ص 190.
[62]
في القاموس: الدلام كسحاب: السواد أو الاسود (1) وفي النهاية فيه أميركم رجل طوال أدلم: الادلم الاسود الطويل، ومنه الحديث فجاء رجل أدلم فاستأذن على النبي صلى الله عليه وآله، قيل هو عمر بن الخطاب انتهى وهذا يدل على أن الكناية بعمر أنسب، والقرش: القطع والجمع، وفي تسمية قريش أقوال شتى لا طائل في ذكرها. " لانه عرب عنا " كأنه على بناء المجهول من التفعيل، فإن التعريب تهذيب
المنطق من اللحن فعن تعليلية، أو على بناء المعلوم من التعريب، بمعنى التكلم عن القوم، والاعراب: الابانة والافصاح وعدم اللحن في الكلام والرد عن القبيح كل ذلك ذكره الفيروزآبادي (2). وفي النهاية: عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم، وقال: الاعراب والتعريب: الابانة والايضاح، وفي القاموس: من لا يفصح كالاعجمي واستعجم: سكت. قوله عليه السلام " لانه تفرس في الاسماء " التفرس التثبت والنظر، وإعمال الحدس الصائب في الامور، وقوله فاختار عطف على قوله تفرس، والحديث معترض بينهما لبيان أن الفارس في هذا الحديث أيضا المتفرس، والمعنى أن الذين مدحهم الرسول الله صلى الله عليه وآله ليس مطلق العجم، بل أهل الدين واليقين منهم كسلمان رضي الله عنه والتفرس في الاسماء كالتفكر في الايمان والنفاق مثلا واختيار الايمان، وفي التقوى والفسق واختيار التقوى أو التفكر في أن الايمان ما معناه وعلى أي الفرق المختلفة يصح إطلاق المومن، فيختار من الايمان ما هو حقه وما يصح أن يطلق عليه. والحاصل أنه يتدبر ويتفكر في الدلائل والبراهين من الكتاب والسنة والادلة العقلية، ويختار من العقائد والاعمال ما هو أحسنها وأوفقها للادلة. وفي النهاية فيه اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله يقال بمعنيين أحدهما
(1) القاموس ج 4 ص 113. (2) المصدر ج 1 ص 102.
[63]
ما دل ظاهر هذا الحديث عليه، وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس بنوع من الكرامات، وإصابة الظن والحدس، والثاني: نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والاخلاق فتعرف به أحوال الناس، وللناس فيه تصانيف
قديمة وحديثة، ورجل فارس بالامر أي عالم به بصير. 6 - صفات الشيعة: بإسناده عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن أهل السماء هل يرون أهل الارض ؟ قال: لا يرون إلا المومنين، لان المومن من نور كنور الكواكب، قيل: فهم يرون أهل الارض ؟ قال: لا، يرون نوره حيث ما توجه، ثم قال: لكل مومن خمس ساعات يوم القيامة يشفع فيها. (1) 7 - فضاء الحقوق للصوري: باسناده قال: قيل لابي عبد الله عليه السلام: لم سمي المومن مومنا ؟ قال: لانه اشتق للمؤمن اسما من أسمائه تعالى، فسماه مومنا، وإنما سمي المؤمن لانه يؤمن من عذاب الله تعالى، ويومن على الله يوم القيامة فيجيز له ذلك ولو أكل أو شرب أو قام أو قعد أو نام أو نكح أو مر بموضع فذر حوله الله من سبع أرضين طهرا لا يصل إليه من قذرها شئ وإن المؤمن ليكون يوم القيامة بالموقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله فيمر بالمسخوط عليه المغضوب غير الناصب ولا المؤمن، وقد ارتكب الكبائر فيرى منزلة عظيمة له عند الله عزوجل، وقد عرف المؤمن في الدنيا وقضى له الحوائج. فيقوم المؤمن اتكالا على الله عزوجل فيعرفه بفضل الله فيقول: اللهم هب لي عبدك فلان ابن فلان، قال: فيجيبه الله تعالى إلى ذلك. قال: وقد حكى الله عزوجل عنهم يوم القيامة قولهم: " فمالنا من شافعين " (2) من النبيين " ولا صديق حميم " من الجيران والمعارف، فإذا أيسوا من الشفاعة قالوا: يعني من ليس بمؤمن " فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ". (3) بيان: " بموضع قذر " كأنه متعلق بجميع الافعال المتقدمة، والمراد
(1) صفات الشيعة ص 181. (2) الشعراء: 100. (3) قضاء الحقوق مخطوط.
[64]
بالقذارة والطهر المعنويان، أو بالطهر فقط المعنوي، والمراد بغير الناصب والمؤمن المستضعف، أو المؤمن الفاسق أو الاعم منهما. 8 - كتاب المؤمن: عن زرارة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا جالس عن قول الله عزوجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " (1) أيجري لهؤلاء ممن لا يعرف منهم هذا الامر ؟ قال: إنما هي للمؤمنين خاصة. (2) 9 - ومنه: عن يعقوب بن شعيب قال: سمعته يقول: ليس لاحد على الله ثواب على عمل إلا للمؤمنين. 10 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله، لكل عمل سبعمائة ضعف، وذلك قول الله عزوجل: " والله يضاعف لمن يشاء " (3) 11 - ومنه: عن أحدهما عليهما السلام قال: إن المؤمن ليزهر نوره لاهل السماء كما تزهر نجوم السماء لاهل الارض، وقال عليه السلام: إن المؤمن ولي الله يعينه ويصنع له، ولا يقول على الله إلا الحق، ولا يخاف غيره. 12 - وقال عليه السلام: إن المؤمنين ليلتقيان فيتصافحان، فلا يزال الله عزوجل مقبلا عليهما بوجهه، والذنوب تتحات عن وجوههما حتى يفترقا. بيان: " ولي الله ": أي محبه أو محبوبه أو ناصر دينه، قال في المصباح: الولي فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به، ومنه " الله ولي الذين آمنوا " (4) ويكون الولي بمعنى المفعول في حق المطيع، فيقال: المؤمن ولي الله. قوله " يعينه ": أي الله يعين المؤمن، " ويصنع له " أي يكفي مهماته " ولا يقول: أي المؤمن " على الله إلا الحق ": أي إلا ما علم أنه حق، " ولا يخاف غيره " وفيه تفكيك بعض الضمائر والاظهر أن المعنى: يعين المؤمن دين الله
وأولياءه " ويصنع له ": أي أعماله خالصة لله سبحانه، في القاموس: صنع إليه معروفا كمنع صنعا بالضم، وما أحسن صنع الله بالضم وصنيع الله عندك. 13 - المؤمن: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقدر الخلائق على كنه صفة الله عزوجل، فكما لا يقدر على كنه صفة الله عزوجل، فكذلك لا يقدر على كنه صفة رسول الله صلى الله عليه وآله، وكما لا يقدر على كنه صفة الرسول صلى الله عليه وآله فكذلك لا يقدر على كنه صفة الامام عليه السلام، وكما لا يقدر على كنه صفة الامام عليه السلام كذلك لا يقدر على كنه صفة المؤمن. 14 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقول الله عزوجل: من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي، وأنا أسرع شئ إلى نصرة أوليائي، وما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن، إني لاحب لقاءه فيكره الموت فأصرفه عنه، وإنه ليسألني فاعطيه وإنه ليدعوني فاجيبه، ولو لم يكن في الدنيا إلا عبد مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد. 15 - ومنه: عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو كانت ذنوب المؤمن مثل رمل عالج ومثل زبد البحر لغفرها الله له فلا تجتروا. بيان: يدل على أنه ليس المراد بالمؤمن المومن الكامل، لعدم اجتماع الايمان الكامل مع هذه الذنوب الكثيرة، وعدم الاجتراء، إما لانه قلما يبقى الايمان مع الاصرار على الذنوب الكثيرة، أو لان المغفرة وعدم العقوبات لا ينافي حط الدرجات وفوت السعادات. 16 - المؤمن: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يتوفى المؤمن مغفورا له ذنوبه
والله جميعا. 17 - ومنه: عنه عليه السلام قال: إن المؤمن إذا دعا الله أجابه، فشخص بصري نحوه إعجابا (1) بما قال، فقال: إن الله واسع لخلقه.
(1) وفى المطبوع " اعجابا بها قال فقال: وهو تصحيف
[66]
18 - ومنه: عن ابن أبي البلاد، عن أبيه، عن بعض أهل العلم قال: إذا مات المؤمن صعد ملكاه فقالا: يا رب مات فلان، فيقول، انزلا فصليا عليه عند قبره، وهللاني وكبراني إلى يوم القيامة واكتبا ما تعملان له. 19 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأي المومن ورؤياه جزء من سبعين جزءا من النبوة ومنهم من يعطى على الثلث. بيان: " ومنهم من يعطى ": إي من المؤمنين الكاملين من يعطى ثلث أجزاء النبوة من الرأي والرؤيا أو الاعم. 20 - المؤمن: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عمل المومن يذهب فيمهد له في الجنة كما يرسل الرجل غلامه فيفرش له ثم تلا: " ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون ". (1) 21 - ومنه: عنه عليه السلام قال: إن الله عزوجل يذود المؤمن عما يكره كما يذود الرجل البعير الغريب ليس من أهله. 22 - ومنه: عنه عليه السلام أنه قال: كما لا ينفع مع الشرك شئ، فلا يضر مع الايمان شئ. بيان: كأنه محمول على ترك الصغائر فان ترك الكبائر من الايمان، أو على الضرر الذي يوجب دخول النار، أو الخلود فيها.
23 - المؤمن: عن أبي جعفر عليه السلام قال: يقول الله عزوجل: ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي على المؤمن، لاني احب لقاءه ويكره الموت فأزويه عنه، ولو لم يكن في الارض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي، وجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج فيه إلى أحد. 24 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما مؤمن يموت في غربة من الارض فيغيب عنه بواكيه، إلا بكته بقاع الارض التي كان يعبد الله عليها، وبكته أثوابه وبكته أبواب السماء التي كان يصعد بها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به.
(1) الروم: 44
[67]
واقول: ستأتي الاخبار في ذلك وشرحها في كتاب الجنائز إن شاء الله. 25 - المؤمن: عن أحدهما عليهما السلام قال: إن ذنوب المؤمن مغفورة، فيعمل المؤمن لما يستأنف، أما إنها ليست إلا لاهل الايمان. بيان: لما يستأنف أي لتحصيل الثواب، لا لتكفير السيئات. 26 - نهج، في بعض خطبه عليه السلام: سبيل أبلج المنهاج، أنور السراج فبالايمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدل على الايمان، وبالايمان يعمر العلم، وبالعلم يرهب الموت، وبالموت تختم الدنيا، وبالدنيا تحرز الاخرة وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين، وتبرز الجحيم للغاوين، وإن الخلق لا مقصر لهم عن القيامة مرقلين في مضمارها إلى الغاية القصوى (1). تبيين: بلج الصبح: أي أضاء وأشرق، والمنهاج: الطريق، والظاهر أن الكلام في وصف الدين، ومناهجه: قوانينه، وسراجه الانور: الرسول الهادي إليه وأوصياؤه صلوات الله عليهم.
قال بعض شراح النهج: يريد بالايمان أولا مسماه اللغوي وهو التصديق قال الله تعالى: " وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين " (2) أي بمصدق، و ثانيا بمعناه الشرعي: أي التصديق والاقرار والعمل: أي من حصل عنده التصديق بالوحدانية والرسالة، استدل بهما على وجوب الاعمال الصالحة عليه، أو ندبه إليها، وبأعماله الصالحة يعلم إيمانه، وبهذا فر من الدور (3).
(1) نهج البلاغة عبده ط مصر ص 301 الخطبة 154 (2) يوسف: 17 (3) بل الصحيح أن الاستدلال ليس بمعناه المصطلح عليه عند الفلاسفة والمتكلمين بل هو بمعناه اللغوى وهو الاستهداء والمراد أن الايمان يهدى الى عمل الصالحات فيمن آمن ولم يكن ليعمل الصالحات كما أن الصالحات تهدى الى الايمان بالله فيمن يعمل الصالحات ولم يكن ليؤمن بالله كما سيجئ احتماله فيما بعد.
[68]
وقال بعضهم: الصالحات معلولات للايمان وثمرات له، فيستدل بوجوده في قلب العبد على ملازمته للصالحات استدلالا بالعلة على المعلول وبصدورها عن العبد على وجوده في القلب استدلالا بالمعلول على العلة. وعلى هذا الوجه يكون الايمان في الموضعين بالمعنى اللغوي، وحينئذ يمكن أن يكون المعنى: يستدل بالايمان على الصالحات، أو يكون الايمان دليلا للانسان نفسه، وقائدا يؤديه إلى فعل الصالحات، وبأعماله الصالحة يعلم غيره أنه من المؤمنين، فالاستدلال في الموضعين ليس بمعنى واحد. ويمكن أن يراد بالثاني أن مشاهدة الاعمال الصالحة يؤدي من يشاهدها إلى الايمان.
ويحتمل أن يكون المراد أن الايمان يهدي إلى صالح الاعمال، والاعمال الصالحة تورث كمال الايمان، أو الايمان يقود الانسان إلى الاعمال الصالحة والاعمال الصالحة الناشية من حسن السريرة وخلوص النية، تورث توفيق الكافر للايمان. أو يستدل بايمان الرجل إذا علم، على حسن عمله، وبقدر أعماله على قدر إيمانه وكماله، أو يستدل بكل منهما إذا علم على الاخر، وهذا قريب من الثاني والغرض بيان شدة الارتباط والتلازم بينهما. " وبالايمان يعمر العلم ": فان العلم الخالي من الايمان كالخراب لا ينتفع به وقيل: لان حسن العمل من أجزاء الايمان، والعلم بلا عمل كالخراب لا فائدة فيه. " وبالعلم يرهب الموت ": أي يخشى عقاب الله بعد الموت كما قال الله تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء " (1) " وبالموت تختم الدنيا ": والموت لا مهرب منه، فلابد من القطع بانقطاع الدنيا، ولا ينبغي للعاقل أن تكون همته مقصورة عليها.
(1) فاطر: 28.
[69]
" وبالدنيا تحرز الآخرة ": أي تحاز وتجمع سعاداتهما، فان الدنيا مضمار الاخرة، ومحل الاستعداد، واكتساب الزاد ليوم المعاد، أو المراد بالدنيا: الاموال ونحوها: أي يمكن للانسان أن يصرف ما أعطاه الله من المال ونحوه على وجه يكتسب به الاخرة، والزلفة والزلفى بالضم فيهما: القربة، وأبرزه الشئ إبرازا وبرزه تبريزا: أي أظهره وكشفه. والغاوي: العامل بما يوجب الخيبة أي بالقيامة أو فيها يقرب الجنة للمتقين
ليدخلوها أو ليستبشروا بها، ويكشف الغطاء عن الجحيم للضالين كما قال سبحانه: " وازلفت الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين (1) " قيل: وفي اختلاف الفعلين دلالة على غلبة الوعد، والقصر بالفتح: الغاية، كالقصارى بالضم وقصرت الشئ: حبسته وقصرت فلانا على كذا: رددته على شئ دون ما أراد. كذا في العين: إى لا محبس للخلق أو لا غاية لهم دون القيامة أو لا مرد لهم عنها. وأرقل: أي أسرع، والمضمار: موضع تضمير الفرس ومدته، وهو أن تعلفه حتى يسمن. ثم ترده إلى القوت، وفسر المضمار بالميدان وهو أنسب بالمقام. 27 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المؤمن كمثل شجرة لا يتحات ورقها شتاء ولا قيظا، قيل: يا رسول الله وما هي ؟ قال: النخلة. بيان: القيظ: صميم الصيف من طلوع الثريا إلى طلوع سهيل. 28 - ما: جماعة عن أبي المفضل، عن أحمد بن محمد العلوي، عن جده الحسين، عن أبيه إسحاق بن جعفر، عن أخيه الكاظم، عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يعير الله عزوجل عبدا من عباده يوم القيامة، فيقول: عبدي ! ما منعك إذ مرضت أن تعودني ؟ فيقول: سبحانك سبحانك أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض، فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعده، وعزتي وجلالي لو عدته لوجدتني عنده، ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك وذلك من كرامة عبدي
(1) الشعراء: 90 و 91.
[70]
المؤمن وأنا الرحمان الرحيم (1). أقول: وروى باسناده عن أبي هريرة مثله مع زيادة السقي والاطعام.
بيان: لوجدتني أي وجدت رحمتي أو علمي عنده، والكلام مشتمل على المجاز والاستعارة مبالغة في إكرام المؤمن. 29 - مشكاة الانوار: عن ميسر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل، وقدر امر به إلى النار، فيقول: يا فلان أغثني فاني كنت أصنع إليك المعروف في دار الدنيا فيقول للملك: خل سبيله: فيأمر الله به فيخلي سبيله. 30 - ومنه: عن محمد بن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يؤتى بعبد يوم القيامة ليست له حسنة فيقال له: اذكر وتذكر هل لك حسنة ؟ فيقول: ما لي حسنة غير أن فلانا عبدك المؤمن مر بي فسألني ماء ليتوضأ به فيصلي، فأعطيته فيدعى بذلك العبد، فيقول: نعم يا رب فيقول الرب جل ثناؤه: قد غفرت لك، أدخلوا عبدي جنتي. 31 - ومنه: عن المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يقال للمؤمن يوم القيامة: تصفح وجوه الناس، فمن كان سقاك شربة أو أطعمك أكلة، أو فعل بك كذا وكذا فخذ بيده فأدخله الجنة - قال: فانه ليمر على الصراط ومعه بشر كثير، فيقول الملائكة: يا ولي الله إلى أين يا عبد الله ؟ فيقول جل ثناؤه: أجيزوا لعبدي، فأجازوه، وإنما سمي المؤمن مؤمنا لانه يجيز على الله فيجيز أمانه. 32 - ومنه: عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: إن المؤمن ليفوض الله إليه يوم القيامة فيصنع ما يشاء، قلت: حدثني في كتاب الله أين قال ؟ قال: قوله " لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد " (2) فمشية الله مفوضة إليه، والمزيد من الله ما لا يحصى، ثم قال: يا جابر ولا تستعن بعدو لنا في حاجة، ولا تستطعمه
ولا تسأله شربة، أما إنه ليخلد في النار فيمر به المؤمن، فيقول: يا مؤمن ألست فعلت كذا وكذا ؟ فيستحيي منه، فيستنقذه من النار، وإنما سمي المؤمن مؤمنا لانه يؤمن على الله فيجيز الله أمانه. 33 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المؤمن زعيم أهل بيته، شاهد عليهم ولايتهم، وقال: إن المؤمن يخشع له كل شئ حتى هوام الارض وسباعها و طير السماء. 34 - ومنه: عن عبد المؤمن الانصاري قال: قال الباقر عليه السلام: إن الله أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا وفي دينه، والفلح في الاخرة، والمهابة في صدور العالمين. 35 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المؤمن أعظم حرمة من الكعبة. 36 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تبارك وتعالى: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن في الارض ما بين المشرق والغرب إلا عبد واحد مع إمام عادل لاستغنيت بهما عن جميع ما خلقت في أرضي، ولقامت سبع سماوات وسبع أرضين بهما، وجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجون إلى انس سواهما. 37 - ومنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: ما من شئ أحب إلى الله من الايمان والعمل الصالح، وترك ما أمر أن يترك. 38 - ومنه: عنه صلى الله عليه وآله قال: لا يعذب الله أهل قرية وفيها مائة من المؤمنين لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسون من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية وفيها عشرة من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية وفيها خمسة من المؤمنين، لا يعذب الله أهل قرية وفيها رجل واحد من المؤمنين.
39 - ومنه: روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى الكعبة فقال: مرحبا بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله ؟ ! والله للمؤمن أعظم حرمة منك، لان الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء.
[72]
40 - ومنه: عنه صلى الله عليه وآله قال: من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عزوجل ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والانجيل والزبور والفرقان. 41 - ومنه: عنه صلى الله عليه وآله قال: مثل المؤمن كمثل ملك مقرب، وإن المؤمن أعظم حرمة عند الله وأكرم عليه من ملك مقرب، وليس شئ أحب إلى الله من مؤمن تائب ومؤمنة تائبة، وإن المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده. 42 - ومنه: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله فوض إلى المومن أمره كله ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا، أما تسمع الله عزوجل يقول: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " (1) فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا، وقال: إن المومن أعز من الجبل، يستقل منه بالمعاول، والمؤمن لا يستقل من دينه. بيان: " ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا ": أي نهاه أن يذل نفسه ولو كان في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائر القرب، فإذا علم أنه يصير سببا لمذلته وإهانته وأذاه، سقط ذلك عنه، أو المعنى أن الله يعزه بعزة دينه ورفعته الواقعية وإن أذل نفسه، فان الله أخبر بعرته وضمنها له، وكأن الاستشهاد بالاية وآخر الخبر بالاخير أنسب. 43 - ما: عن المفيد، عن ابن قولويه، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن البرقي، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال يا فضل لا تزهدوا في فقراء شيعتنا، فان الفقير منهم ليشفع يوم القيامة في مثل ربيعة
ومضر، ثم قال: يا فضل إنما سمي المؤمن مومنا لانه يومن على الله فيجيز الله أمانه، ثم قال: أما سمعت الله تعالى يقول في أعدائكم إذا رأوا شفاعة الرجل منكم لصديقه يوم القيامة: " فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " (2) الخبر (3)
44 - سن: عن أبيه، عن ابن فضال، عن محمد، عن الثمالي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو كشف الغطاء عن الناس، فنظروا إلى ما وصل ما بين الله وبين المؤمن، خضعت للمؤمن رقابهم وتسهلت له امورهم، ولانت طاعتهم، ولو نظروا إلى مردود الاعمال من السماء، لقالوا: ما يقبل الله من أحد عملا. (1) 2 * (باب) * * (أن المؤمن ينظر بنور الله، وان الله خلقه من نوره) * 1 - ير: عن محمد بن عيسى، عن سليمان الجعفري، قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام قال: يا سليمان اتق فراسة المومن، فانه ينظر بنور الله، فسكت حتى أصبت خلوة، فقلت: جعلت فداك سمعتك تقول: اتق فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ؟ قال: نعم يا سليمان إن الله خلق المومن من نوره، وصبغهم في رحمته وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية، والمؤمن أخ المومن لابيه وامه، أبوه النور وامه الرحمة، وإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه. (2) بيان: الفراسة الكاملة لكمل المؤمنين، وهم الائمة عليهم السلام فانهم يعرفون كلا من المؤمنين والمنافقين بسيماهم كما مر في كتاب الامامة، وسائر المؤمنين يتفرسون ذلك بقدر إيمانهم، " خلق المؤمن من نوره ": أي من روح طيبة منورة
بنور الله، أو من طينة مخزونة مناسبة لطينة أئمتهم عليهم السلام، " وصبغهم ": أي غمسهم أو لونهم " في رحمته ": كناية عن جعلهم قابلة لرحماته الخاصة، أو عن تعلق
(1) المحاسن: 132. (2) بصائر الدرجات: 79.
[74]
الروح الطيبة التي هي محل الرحمة " أبوه النور وامه الرحمة " كأنه على الاستعارة أي لشدة ارتباطه بأنوار الله ورحماته، كأن أباه النور وامه الرحمة أو النور كناية عن الطينة والرحمة عن الروح أو بالعكس. 2 - ير: عن الحسن بن معاوية، عن محمد بن سليمان، عن أبيه. عن عيسى بن أسلم، عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك هذا الحديث الذي سمعته منك ما تفسيره ؟ قال: وما هو ؟ قلت: " إن المؤمن ينظر بنور الله " قال: يا معاوية، إن الله خلق المؤمن من نوره، وصبغهم في رحمته، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته، يوم عرفه نفسه، فالمؤمن أخ المؤمن لابيه وامه، أبوه النور وامه الرحمة، فإنما ينظر بذلك النور الذي خلق منه. (1) فضائل الشيعة للصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن عباد بن سليمان، عن محمد ابن سليمان، مثله. (2) 3 - ير: عن الحسن بن علي، عن إبراهيم، عن محمد بن سليمان، عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله جعل لنا شيعة فجعلهم من نوره، وصبغهم في رحمته، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرفهم نفسه، فهو المتقبل من محسنهم، المتجاوز عن مسيئهم، من لم يلق الله بما هو عليه لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة. (3) 4 - ير: عن محمد بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أبي جميلة، عن جابر
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، ثم تلا: (4) " إن في ذلك لايات للمتوسمين ". (5)
5 - ير: عن أبي طالب، عن حماد بن عيسى، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: " إن في ذلك لايات للمتوسمين " قال: هم الائمة عليهم السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله لقول الله: " إن في ذلك لايات للمتوسمين ". (1) 6 - سن: عن أبيه، عن سليمان الجعفري، عن الرضا عليه السلام قال: قال لي: يا سليمان إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من نوره وصبغهم في رحمته، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية، فالمومن أخ المومن لابيه وامه، وأبوه النور وامه الرحمة فاتقوا فراسة المومن فانه ينظر بنور الله الذي خلق منه (2) 7 - سن: محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى أجرى في المومن من ريح روح الله، والله تبارك وتعالى يقول: (3) " رحماء بينهم ". (4) 8 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم وفراسة المومن، فإنه ينظر بنور الله تعالى. 9 - ن: بإسناد التميمي عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
المؤمن ينظر بنور الله. (5) 10 - نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام: اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله سبحانه جعل الحق على ألسنتهم. (6) 11 - كا: عن العدة، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن فضالة، عن عمر بن أبان عن جابر الجعفي، قال: تقبضت بين يدي أبي جعفر عليه السلام فقلت: جعلت فداك ربما حزنت من غير مصيبة تصيبني أو أمر ينزل بي حتى يعرف ذلك أهلي في وجهي
(1) بصائر الدرجات: 357. (2) المحاسن: 131. (3) الفتح: 29. (4) المحاسن: 131. (5) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 200. (6) نهج البلاغة: 219 تحت الرقم 309 من باب الحكم والمواعظ
[76]
وصديقي ؟ قال: نعم يا جابر إن الله عزوجل خلق المؤمنين من طينة الجنان وأجرى فيهم من ريح روحه، فلذلك المؤمن أخ المؤمن لابيه وامه، فإذا أصاب روحا من تلك الارواح في بلد من البلدان حزن حزنت هذه لانها منها (1). بيان: التقبض: ظهور أثر الحزن عند الانبساط، وفي المحاسن " تنفست " (2): أي تأوهت، " من ريح روحه " أي من نسيم من روحه الذي نفخه في الانبياء والاوصياء عليهم السلام كما قال: " ونفخت فيه من روحي " (3) أو من رحمة ذاته كما قال الصادق عليه السلام: والله شيعتنا من نور الله خلقوا وإليه يعودون. أو الاضافة بيانية، شبه الروح بالريح لسريانه في البدن، كما أن نسبة النفخ إليه لذلك، أي من الروح الذي هو كالريح واجتباه واختاره، ويمكن أن يقرء بفتح الراء أي من نسيم رحمته، كما في خبر آخر: " وأجرى فيهم من روح رحمته ".
" لابيه وامه " الظاهر تشبيه الطينة بالام والروح بالاب ويحتمل العكس.
(1) الكافي ج 2 ص 166. وتراه في المحاسن: 133. (2) أي بدل تقبضت. (3) الحجر: 29، ص: 72
[77]
3 - * (باب) * * " (طينة المؤمن وخروجه من الكافر وبالعكس) " * * " (وبعض اخبار الميثاق زائدا على ما تقدم) " * * " (في كتاب التوحيد والعدل) " * 1 - سن: عن محمد بن علي، رفعه عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خلق الله تبارك وتعالى شيعتنا من طينة مخزونة، لا يشذ منها شاذ، ولا يدخل فيها داخل أبدا إلى يوم القيامة. (1). 2 - سن: عن أبيه، عن فضالة، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنا وشيعتنا خلقنا من طينة واحدة. (2) 3 - سن: عن أبي إسحاق الخفاف، رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المؤمن آنس الانس جيد الجنس، من طينتنا أهل البيت. (3) بيان: " آنس " على صيغة اسم الفاعل، ويحتمل أفعل التفضيل، ونسبته إلى الانس على المجاز والمراد: الانس بأئمتهم عليهم السلام أو بعضهم ببعض. (4) 4 - سن: عن علي بن حديد، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله إذا أراد أن يخلق المؤمن من المؤمن والمؤمن من الكافر، بعث ملكا فأخذ
(1) المحاسن: 134. (2) المصدر: 135. (3) المصدر نفسه: 135. (4) أو هو الانس خلاف الجن والمعنى أن المؤمن آنس أفراد الانس. (*)
[78]
قطرة من ماء المزن، فألقاها على ورقة، فأكل منها أحد الابوين (1) فذلك المؤمن منه. (2) 5 - سن: عن الوشاء، عن علي بن ميسر، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك، فلا يصيبه شئ من الشر حتى يضعه، فإذا صار بشرا سويا، لم يصبه شئ من الشر حتى يجري عليه القلم (3). 6 - ختص: عن محمد بن حمران، قال: سألت الصادق عليه السلام من أي شئ خلق الله طينة المؤمن ؟ قال: من طينة عليين، قال: قلت: فمن أي شئ خلق المؤمن ؟ قال: من طينة الانبياء فلن ينجسه شئ (4). 7 - وبإسناده، عن ربعي، عن رجل، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه قال: إن الله خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وخلق الكفار من طينة سجين قلوبهم وأبدانهم، فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر، ويلد الكافر المؤمن، ومن هذا يصيب المؤمن السيئة، ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه، وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه (5).
(1) والمراد الاب فانه صاحب النطفة، وبه يلحق الولد، وهذا التعبير وزان قوله عليه السلام: " اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين ". (2) المحاسن: 138. (3) المصدر: 138. (4) الاختصاص: 25. ومثله في الكافي ج 2 ص 3 باسناده عن صالح بن سهل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك من أي شئ خلق الله عزوجل طينة المؤمن ؟
فقال من طينة الانبياء فلم تنجس أبدا. قال المؤلف قدس سره في شرحه مرآت العقول يعنى نجاسة الكفر والشرك. (5) الاختصاص: 24. ومثله في الكافي ج 2 ص 2.
[79]
بيان: الخلق يكون بمعنى التكوين، وبمعنى التقدير، وفي النهاية: طين عليه: أي جبل ويقال: طانه الله على طينته: خلقه على جبلته، وطينة الرجل: خلقه وأصله، وقال: " عليون " اسم للسماء السابعة، وقيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد. وقيل: أراد أعلى الامكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله تعالى في الدار الاخرة، وتعرب بالحروف والحركات كقنسرين وأشباهها، على أنها جمع أو واحد. انتهى. وإضافة الطينة إما بتقدير اللام، أو من، أو في، " قلوبهم وأبدانهم " بدل النبيين ويحتمل أن يراد بالقلب هنا العضو المعروف الذي يتعلق الروح أولا بالبخار اللطيف المنبعث منه، فلا ينافي ما مر في باب خلق أبدان الائمة عليهم السلام من أن أجسادهم مخلوقة من طينة عليين، وأرواحهم مخلوقة من فوق ذلك. على أنه لو اريد به الروح أمكن الجمع بجعل الطينة مبدءا لها مجازا باعتبار القرب والتعلق، أو بتخصيص النبيين بغير نبينا صلى الله عليه وآله ويؤيده بعض الاخبار، وفي القاموس: سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار وواد في جهنم أو حجر في الارض السابعة، وفي النهاية اسم علم للنار فعيل من السجن. " فخلط الطينتين " أي في جسد آدم عليه السلام فلذا حصل في ذريته قابلية المرتبتين واستعداد الدرجتين، " ومن ههنا يصيب المؤمن السيئة " لخلط طينته بطينة الكافر وكذا العكس، " فقلوب المؤمنين تحن ": أي تميل وتشتاق، قال الجوهري:
الحنين: الشوق وتوقان النفس " إلى ما خلقوا منه " أي إلى الاعمال المناسبة لما خلقوا منه المؤدية إليها، أو إلى الانبياء والاوصياء عليهم السلام، المخلوقين من الطينة التي خلق منها قلوبهم، وكذا الفقرة الثانية تحتمل الوجهين، وقد مر الكلام منا في أمثال هذا الخبر في كتاب العدل. وقال بعض المحدثين في تأويله: إن الله تعالى لما علم في الازل الارواح التي تختار الايمان باختيارها، والتي تختار المعصية باختيارها، سواء خلقوا من طينة
[80]
عليين أو من طينة سجين، فلما علم ذلك أعطى أبدان الارواح التي علم أنهم يختارون الايمان [باختيارها] كيفية عليين لمناسبة، وأعطى أبدان الارواح التي علم أنها تختار الكفر باختيارها كيفية السجين، من غير أن يكون للامرين مدخل في اختيارهم الايمان والكفر، وخلط ما بين الطينتين من غير أن يكون لذلك الخلط مدخل في اختيار الحسنة والسيئة. وقال بعض أرباب التأويل من المحققين (1): المراد بعلين أشرف المراتب وأقربها من الله تعالى وله درجات كما يدل عليه ما ورد في بعض الاخبار من قولهم: أعلى عليين، وكما وقع التنبيه في هذا الخبر بنسبة خلق القلوب والابدان كليهما إليه، مع اختلافهما في الرتبة. فيشبه أن يراد بهما عالم الجبروت والملكوت، جميعا اللذين هما فوق عالم الملك أي عالم العقل والنفس وخلق قلوب النبيين من الجبروت معلوم لانهم المقربون، وأما خلق أبدانهم من الملكوت، فذلك لان أبدانهم الحقيقة هي التي في باطن هذه الجلود المدبرة لهذه الابدان، وإنما أبدانهم العنصرية أبدان أبدانهم، لا علاقة لهم بها، فكأنهم وهم في جلابيب من هذه الابدان، قد نفضوها وتجردوا منها لعدم ركونهم إليها، وشدة شوقهم إلى النشأة الاخرى، ولهذا نعموا
بالوصول إلى الاخرة ومفارقة هذه الادنى، ومن هنا ورد في الحديث: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (2).
(1) يريد به الفيلسوف المشهور ملا صدرا الشيرازي. (2) قال العلامة الطباطبائى مد ظله في بعض كلامه: الاخبار مستفيضة في أن الله تعالى خلق السعداء من طينة عليين وخلق الاشقياء من طينة سجين - من النار - وكل يرجع الى حكم طينته من السعادة والشقاء، وقد اورد عليها اولا بمخالفة الكتاب وثانيا باستلزام الجبر الباطل. أما البحث الاول فقد قال الله تعالى: " هو الذى خلقكم من طين " وقال: " بدأ خلق الانسان من طين " فأفاد أن الانسان مخلوق من طين، ثم قال تعالى: " ولكل وجهة هو =
[81]
وإنما نسب خلق أبدان المؤمنين إلى ما دون ذلك لانها مركبة من هذه ومن هذه لتعلقهم بهذه الابدان العنصرية أيضا ما داموا فيها، وسجين أخس المراتب وأبعدها من الله سبحانه فيشبه أن يراد به حقيقة الدنيا وباطنها التي هي مخبوءة تحت عالم الملك، أعني هذا العالم العنصري فإن الارواح مسجونة فيه ولهذا ورد في الحديث " المسجون من سجنته الدنيا عن الاخرة ".
= موليها " الاية. وقال: " ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها " الاية: فأفاد أن للانسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء، وهو متوجه إليها، سائر نحوها وقال تعالى: كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " الاية. فأفاد أن ما ينتهى إليه أمر الانسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه طينا، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء، وآخر السعيد الى الجنة، وآخر الشقى الى النار، فهما أولهما لكون الاخر هو الاول، وحينئذ صح أن السعداء خلقوا من طينة
الجنة، والاشقياء خلقوا من طينة النار. وقال تعالى: " كلا ان كتاب الابرار لفى عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون كلا ان كتاب الفجار لفى سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين " الايات وهى تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهى إليه أمر الابرار والفجار من النعمة والعذاب فافهم. واما البحث الثاني وهو ان اخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميين للانسان، ومعه لا يكون أحدهما اختياريا كسبيا للانسان وهو الجبر الباطل. فالجواب عنه أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء، فيرجع الاشكال الى سبق قضاء السعادة الشقاء في حق الانسان قبل أن يخلق، وأن ذلك يستلزم الجبر، والجواب أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد، فهو فعل اختياري في عين أنه حتمي الوقوع، ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره حتى يلزم منه بطلان الاختيار.
[82]
وخلق أبدان الكفار من هذا العالم ظاهر، وإنما نسب خلق قلوبهم إليه لشدة ركونهم إليه، وإخلادهم إلى الارض وتثاقلهم إليها، فكأنه ليس لهم من الملكوت نصيب، لاستغراقهم في الملك. والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلق الارواح الملكوتية بالابدان العنصرية بل نشؤها منها شيئا فشيئا، فكل من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها، فيصير مؤمنا حقيقيا أو كافرا حقيقيا أو بين الامرين، على حسب مراتب الايمان والكفر انتهى. وأقول: هو مبني على اصول واصطلاحات لم تثبت حقيتها، ولم تعرف حقيقتها، ولا ضرورة في الخوض فيها.
7 - كا: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن، عن النضر بن شعيب، عن عبد الغفار الجازي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل خلق المؤمن من طينة الجنة، وخلق الكافر من طينة النار، وقال: إذا أراد الله بعبد خيرا طيب روحه وجسده، فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه، ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره. قال: وسمعته يقول: الطينات ثلاث: طينة الانبياء، والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الانبياء هم من صفوتها هم الاصل ولهم فضلهم، والمؤمنون الفرع من طين لازب كذلك، لا يفرق الله عزوجل بينهم وبين شيعتهم، وقال: طينة الناصب من حمأ مسنون، وأما المستضعفون فمن تراب، لا يتحول مؤمن عن إيمانه، ولا ناصب عن نصبه، ولله المشية فيهم (1). تبيين: " من طينة الجنة ": أي من طينة يعلم حين خلقه منها أنه يصير إلى الجنة، أو من طينة مرجحة لاعمال تصير سببا لدخول الجنة لا على الالجاء " إذا أراد الله بعبد خيرا ": أي حسن عاقبة وسعادة.
(1) الكافي ج 2 ص 3.
[83]
" طيب روحه ": بالهدايات الخاصة والالطاف المرجحة، وذلك بعد حسن اختياره وما يعود إليه من الاسباب. " من طين لازب ": قال القاضي: هو الحاصل من ضرب الجزء المائي إلى الجزء الارضي وفي القاموس اللزوب: اللصوق والثبوت، ولزب ككرم لزبا ولزوبا: دخل بعضه في بعض، والطين: لزق وصلب. اقول: ويمكن أن يكون على هذا التأويل للاية الكريمة المراد باللزوب
لصوقهم بالائمة عليهم السلام وملازمتهم لهم، فقوله " كذلك لا يفرق الله " وفي بعض النسخ " لذلك " أي للزوبهم ولصوقهم بأئمتهم عليهم السلام ولصوق طينتهم بطينتهم، لا يفرق الله بينهم وبينهم، أو لكونهم من فرع تلك الطينة، لا يفرق الله بينهما في الدنيا والاخرة لان الفرع محلق بالاصل وتابع له. " والحمأ ": الطين الاسود و " المسنون " المتغير المنتن، وقيل: أي مصبوب كأنه افرغ حتى صار صورة، وقيل إنه الرطب، وقيل مصور. و " الحمأ المسنون " طين سجين " فمن تراب ": أي خلقوا من تراب غير ممزوج بماء عذب زلال كما مزجت به طينة الانبياء والمؤمنين، ولا بماء آسن اجاج كما مزجت به طينة الكافرين. وكأن هذا وجه جمع بين الايات الكريمة، فان مادل على أنه خلق من حمأ مسنون فهو في الناصب، وما دل على أنه خلق من طين لازب فهو في الشيعة وما دل على أنه خلق من تراب فهو في المستضعفين، فيحتمل أن يكون المراد إدخال تا ؟ الطينات في بدن آدم عليه السلام لتحصيل قابلية جميع تلك الامور والاقسام في ولده، أو يكون المراد خلق كل صنف من طينة بادخالها في النطفة، أو بحصول تلك النطفة من هذه الطينة. فالاوسط أظهر لما رواه الشيخ في مجالسه باسناده، عن عبيد بن يحيى عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن جده الحسن بن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد، وألين من الزبد، أبرد
[84]
من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله عزوجل منها، وخلق شيعتنا منها، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذه الله عزوجل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
قال عبيد: فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث، فقال: صدقك يحيى ابن عبد الله، هكذا أخبرني أبي، عن جدي عن النبي صلى الله عليه وآله قال عبيد: أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير، قال: نعم أخبرني أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: إن لله ملكا رأسه تحت العرش، وقدماه في تخوم الارض السابعة السفلى، بين عينيه راحة أحدكم، فأذا أراد الله أن يخلق خلقا على ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة، فرمى بها في النطفة حتى يصير إلى الرحم منها يخلق وهي الميثاق، قوله " ولله المشية فيهم ": أي في المستضعفين والتعميم بعيد (1). 8 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن إبراهيم ابن مسلم الحلواني، عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن في الجنة لشجرة تسمى المزن، فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة فلا تصيب بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله عزوجل من صلبه مؤمنا (2). بيان: في المصباح: حلوان بالضم بلد مشهور من سواد العراق، وهي آخر مدن العراق، وبينها وبين بغداد نحو خمس مراحل، وفي القاموس: المزن بالضم
(1) بل لله المشية فيهم جميعا وليس المشية مشية جزافية بل هي ما يجرى عليه ناموس الكون والفساد الحاكم على الانسان وقلبه وفكره وأفعاله كلها فمن آمن فقد آمن بمشية الله ومن كفر فقد كفر بمشية الله ومن ارتد عن الايمان الى النصب والعناد فقد ارتد بمشية الله، فافهم ذلك. (2) الكافي ج 2 ص 14.
[85]
السحاب أو أبيضه، أو ذو الماء انتهى وكأن التسمية هنا على التشبيه. قيل: هذا الحديث كما يناسب ما قيل إن المراد بالطينة الاصول الممتزجات المنتقلة في أطوار الخلقة، كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات، والغذاء وما بعدها من العلقة، والمضغة، والمزاج: الانسان القابل للنفس الناطقة المدبرة. كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنة لان طينة الجنة اختمارها وتربيتها بهذه القطرة، كما أنه بماء العذب الفرات المذكور سابقا وبالجملة خلقه من طينة الجنة ومزجها بماء الفرات أولا وتربيتها بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن، ليحصل له الوصول إلى أعلى مراتب القرب انتهى. وقال بعض المحققين من أهل التأويل: الجنة تشتمل جنان الجبروت والملكوت، و " المزن ": السحاب، وهو أيضا يعم سحاب ماء الرحمة والجود والكرم وسحاب ماء المطر والخصب والديم وكما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة وسحابا انفصلت منه في عالم الملك، كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت والجبروت، وكما أن البقلة والثمرة تتربى بصورتها الملكية كذلك تتربى بصورتيها الملكوتية والجبروتية، المخلوقتين من ذكر الله تعالى اللتين من شجرة المزن الجناني، وكما أنهما تتربيان بها قبل الاكل كذلك تتربيان بها بعد الاكل في بدن الاكل، فانها ما لم تستحل إلى صورة العضو فهي بعد في التربية. فالانسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر الله عزوجل عندها وشكر الله عليها وصرف قوتها في طاعة الله سبحانه، والافكار الايمانية والخيالات الروحانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني فإذا فضلت من مادتها فضلة منوية، فهي من شجرة المزن التي أصلها في الجنة.
وإذا أكلها على غفلة من الله سبحانه، ولم يشكر الله عليها، وصرف قوتها في معصية الله تعالى والافكار المموهة الدنيوية، والخيالات الشهوانية فقد تربت
[86]
تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إلا أن يكون قد تحقق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الاكل. وأما مأكولة الكافر التي يخلق منها المؤمن فانما يتحقق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا ولذكر الله عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية وكذلك لحل ثمنها، وتقوى زارعها أو غارسها، إلى غير ذلك من الاسباب. 9 - كا: العدة: عن سهل، وغير واحد، عن الحسين بن الحسن جميعا عن محمد بن اورمة، عن محمد بن علي، عن إسماعيل بن يسار، عن عثمان ابن يوسف، عن عبد الله بن كيسان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك أنا مولاك عبد الله بن كيسان قال: أما النسب فأعرفه وأما أنت فلست أعرفك. قال: قلت له: إني ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس، وإنني اخالط الناس في التجارات وغير ذلك، فاخالط الرجل، فأرى له حسن السمت، وحسن الخلق وكثرة أمانة، ثم افتشه فافتشه عن عداوتكم، واخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق، وقلة أمانة، وزعارة، ثم افتشه فافتشه عن ولايتكم فيكف يكون ذلك ؟ قال: فقال لي: أما علمت يا ابن كيسان أن الله عزوجل أخذ طينة من الجنة طينة من النار فخلطهما جميعا، ثم نزع هذه من هذه من وهذه من هذه ؟ فما رأيت في اولئك من الامانة، وحسن الخلق، وحسن السمت، فمما مستهم من طينة الجنة، وهم يعودون إلى ما خلقوا منه، وما رأيت من هؤلاء من قلة الامانة، وسوء الخلق والزعارة، فمما مستهم من طينة النار، وهم يعادون إلى ما خلقوا منه (1)
توضيح: " عن عداوتكم " التعدية بعن لتضمين معنى الكشف، و " السمت " الطريق وهيئة أهل الخير، و " زعارة " بالزاي والراء المشددة ويخفف، الشراسة وسوء الخلق، وفي النسخ بالدال والعين والراء المهملات وهو الفساد والفسق
(1) الكافي ج 2 ص 4.
[87]
والخبث " فخلطهما جميعا " أي في صلب آدم عليه السلام إلى أن يخرجوا من أصلاب أولاده، وهو المراد بقوله " ثم نزع هذه من هذه " إذ يخرج المؤمن من صلب الكافر والكافر من صلب المؤمن. وحمل الخلط على الخلطة في عالم الاجساد، واكتساب بعضهم الاخلاق من بعض بعيد جدا، وقيل " ثم نزع هذه من هذه " معناه أنه نزع طينة الجنة من طينة النار، وطينة النار من طينة الجنة، بعد ما مست إحداهما الاخرى، ثم خلق أهل الجنة من طينة الجنة، وأهل النار من طينة النار. و " اولئك " إشارة إلى الاعداء، وهؤلاء إلى الاولياء، و " ما خلقوا منه " في الاول طينة النار وفي الثاني طينة الجنة. 10 - كا: عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن زيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام بعث جبرئيل عليه السلام في أول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة إلى السماء الدنيا، و أخذ من كل سماء تربة، وقبض قبضة اخرى من الارض السابعة العليا إلى الارض السابعة القصوى. فأمر الله عزوجل كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه، والقبضة الاخرى بشماله ففلق الطين فلقتين، فذرا من الارض ذروا ومن السماوات ذروا، فقال للذي
بيمينه: منك الرسل والانبياء والاوصياء والصديقون المؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته، فوجب لهم ما قال كما قال، وقال للذي بشماله: منك الجبارون و المشركون والكافرون والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته، فوجب لهم ما قال كما قال. ثم إن الطينتين خلطتا جميعا، وذلك قول الله عزوجل " إن الله فالق الحب والنوى " (1) فالحب طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبته، والنوى طينة
(1) الانعام: 95 وما بعدها ذيلها.
[88]
الكافرين الذين نأوا عن كل خير، وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد عنه، وقال الله عزوجل: " يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي " فالحي المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر، والميت الذي يخرج هو من الحي هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن، فالحي المؤمن والميت الكافر، وذلك قول الله عزوجل: " أو من كان ميتا فأحييناه " (1) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر، وكان حياته حين فرق الله عزوجل بينهما بكلمته، كذلك يخرج الله عزوجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور، وذلك قوله عزوجل: (2) " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " (3). تبيين: قوله " في أول ساعة " الخ قيل: لما كان خلق آدم عليه السلام بعد خلق السماوات والارض ضرورة تقدم البسيط على المركب وكان خلق السماوات والارض وأقواتها في ستة أيام من الاسبوع، وقد جمعت جميعا في الجمعة صار بدو خلق الانسان فيه. والمراد بكلمته جبرئيل عليه السلام لانه حامل كلمته، أو لاهتداء الناس به
كاهتدائهم بكلام الله، أو لكونه مخلوقا بكلمة " كن " بلا مادة، وقيل: المراد بالسماوات درجات الجنة، وبالارضين دركات سجين، ليطابق الاخبار الاخر ويحتمل أخذها منهما معا. وقيل: كأن المراد بالتربة ماله مدخل في تهيئة المادة القابلة لان يخلق منها شئ فيشمل الطينة بمعنى الجبلة، وآثار القوى السماوية المربية للنطفة وبالجملة ماله مدخل في السبب القابلي. انتهى. وقيل: إطلاق التربة على ما اخذ من السماوات من قبيل مجاز المشارفة أي ما يصير تربة وينقلب إليهما، و " القصوى " مؤنث الاقصى أي الابعد، ويدل على أن الارض سبع طبقات كالسماوات كما قال الله تعالى: " الله الذي خلق سبع
(1) الانعام: 122. (2) يس: 70 (3) الكافي ج 2 ص 5
[89]
سماوات ومن الارض مثلهن " (1). قوله عليه السلام " ففلق الطين فلقتين " ضمير فلق إما راجع إلى الله أو إلى جبرئيل وكذا قوله " فذرا " وفي القاموس: فلقه يفلقه شقه كفلقه، وفالق الحب خالقه أو شاقه بإخراج الورق منه، وقال: ذرت الريح الشئ أو أذرته، وذرته أطارته وأذهبته وذرا هو بنفسه. اقول: الكلام يحتمل وجوها: الاول أن يكون قوله " ففلق " تفريعا وتأكيدا لما مضى أي فصار بقبض بعض الطين باليمين وبعضه بالشمال الطين صنفين. ففرق من الارض أي ما كان في يده من طين الارض، وكذا الثاني، فقال الله أو جبرئيل للذي بيمينه قبل الذرو أو للذي كان بيمينه بعده. الثاني أن يكون المعنى ففلق كل طين من الطينتين فلقة، أي جعل كلا
منهما حصتين ففرق من كل طين حصة ليكون طينة للمستضعفين والاطفال و المجانين، وقال لما بقي في اليمين: " منك الرسل " الخ ولما بقي في الشمال " منك الجبارون " الخ وعلى هذا لعل إرجاع الضمائر إلى الله أولى، فيقرء " اريد " في الموضعين بصيغة المتكلم، وعلى الوجه الاخر يقرء بصيغة الغائب المجهول. الثالث ما ذكره بعض الافاضل حيث قال: كأن الفلق كناية عن إفراز ما يصلح من المادتين لخلق الانسان، وإنما ذرا من كل منهما ما ذرا، لانه كان فيهما ما ليس له مدخل في خلق الانسان وإنما كان مادة لسائر الاكوان خاصة. قوله عليه السلام: " ثم إن الطينتين خلطتا " أي ما كان في اليدين أو جميع الطينتين المذروء منهما وغير المذروء. قوله عليه السلام: " فالحب طينة المؤمنين " هذا بطن من بطون الاية، وعلى هذا التأويل المراد بالفلق شق كل منهما وإخراج الاخر منه، أو شق كل منهما
(1) الطلاق: 12، ولكنها لا تدل على أن الارض ذات طباق كالسماوات ولعل المراد مثلهن عددا، أو مثلهن قطعا فينطبق مع سبع قارات لارضنا هذه التى نحن عليها.
[90]
عن صاحبه، أو خلقهما. " من أجل أنه نأى ": كأن مناسبة نأى ونوى من جهة الاشتقاق الكبير المبني على توافق بعض حروف الكلمتين فان الاول مهموز الوسط والثاني من المعتل (1). ويحتمل أن يكون أصل المهموز من المعتل أو بالعكس، ويؤيده أن صاحب مصباح المنير، والراغب في المفردات ذكرا " نأى " في باب النون مع الواو، أو يقال ليس الغرض هنا بيان الاشتقاق بل بيان أن النوى بمعنى البعد وذكر نأى لتناسب اللفظين فان الواوي أيضا يطلق بهذا المعنى، قال في القاموس: النية الوجه الذي يذهب فيه والبعد كالنوى فيهما انتهى.
والاية في سورة الانعام هكذا: " إن الله فالق الحب والنوى " (2) قال: في مجمع البيان (3) أي شاق الحبة اليابسة الميتة فيخرج منه النبات، وشاق النواة اليابسة فيخرج منه النخل والشجر، وقيل: معناه خالق الحب والنوى ومنشئهما ومبدئهما، وقيل المراد به ما في الحبة والنواة من الشق وهو من عجيب قدرة الله تعالى في استوائه. " يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي " (4) أي يخرج النبات الغض الطري الخضر، من الحب اليابس ويخرج الحب اليابس من النبات الحي النامي عن الزجاج، والعرب تسمي الشجرة مادام غضا قائما بأنه حي، فإذا يبس أو قطع أو قلع سموه ميتا. وقيل: معناه يخلق الحي من النطفة وهي موات ويخلق النطفة وهي موات من الحي عن الحسن وغيره وهذا أصح وقيل: معناه يخرج الطير من البيض والبيض من
(1) ولعل ذلك اشارة الى أن الحب وهو ما كان له قشر ولباب يؤكل انما يناسب المؤمن ذا اللب وأن النوى وهو ما كان كله كالقشر وليس له لباب يؤكل انما يناسب الكافر ليس له لب. (2 و 4) الانعام: 95. (3) مجمع البيان ج 4 ص 338.
[91]
الطير عن الجبائي (1)، وقيل: يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. ثم قال سبحانه في هذه السورة أيضا: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " (2) قال الطبرسي (3) " أو من كان مينا ": أي كافرا " فأحييناه " بأن هديناه إلى الايمان عن ابن عباس وغيره، شبه سبحانه الكفر بالموت والايمان بالحياة، وقيل معناه من كان نطفة فأحييناه " وجعلنا له نورا " المراد بالنور العلم والحكمة أو القرآن، أو الايمان
وبالظلمات ظلمات الكفر. وإنما سمى الله الكافر ميتا لانه لا ينتفع بحياته، ولا ينتفع غيره بحياته، فهو أسوء حالا من الميت، إذ لا يوجد من الميت ما يعاقب عليه، ولا يتضرر غيره به. وسمى المؤمن حيا لانه له ولغيره المصلحة والمنفعة في حياته، و كذلك سمى الكافر ميتا والمؤمن حيا في عدة مواضع مثل قوله: " إنك لا تسمع الموتى " (4) و " لينذر من كان حيا (5) " وقوله " وما يستوي الاحياء ولا الاموات " (6) وسمى القرآن والايمان والعلم نورا لان الناس يبصرون بذلك، ويهتدون به من ظلمات الكفر، وحيرة الضلالة، كما يهتدي بسائر الانوار، وسمى الكفر ظلمة لان الكافر لا يهتدي بهداه، ولا يبصر أمر رشده انتهى. واقول: على التأويل المذكور في الخبر وأكثر التفاسير المذكورة قوله تعالى " يخرج الحي " بيان لقوله " فالق الحب ". قوله " حين فرق الله بينهما بكلمته " أي بقدرته أو بأمر " كن " أو بجبرئيل
(1) وليس بشئ فان النطفة ليست بميتة بل الحيوانات والنباتات كلها انما يخلقون من نطفة حى. (2) الانعام: 122. (3) مجمع البيان ج 4 ص 359. (4) النمل: 80. (5) يس: 70. (6) فاطر: 22.
[92]
والتفريق في الميلاد أو في الطينة، والاول أظهر، فقوله " كذلك " تشبيه الاخراج من الظلمات إلى النور وبالعكس، باخراج الحي من الميت وبالعكس، في أن المراد فيهما إخراج طينة المؤمن من طينة الكافر وبالعكس.
وليس المراد تأويل تتمة تلك الاية أعني قوله سبحانه " أو من كان ميتا الخ " فانه لم يذكر فيها إخراج الكافر من النور إلى الظلمة بل فيها أنه في الظلمات ليس بخارج منها، بل هو إشارة إلى قوله تعالى " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " الاية. ولا ينافيه قوله عليه السلام " ويخرج الكافر " مع أن في الاية نسب الاخراج إلى الطاغوت لان لخذلانه سبحانه مدخلا في ذلك مع أنه يمكن أن يقرء على بناء المجرد المعلوم، أو على بناء المجهول. وما قيل من أنه يظهر من هذا الحديث أن إخراج المؤمن من الكافر و بالعكس في وقتين: [وقت] تفريق الطين ووقت الولادة فليس بظاهر كما عرفت ثم استشهد عليه السلام لاطلاق الحياة على الايمان، أو كونه من طينة مقربة له بقوله سبحانه " لينذر من كان حيا " أي كان من طينة الجنة على تأويله عليه السلام. قال الطبرسي (1): أي أنزلناه ليخوف به من معاصي الله من كان مؤمنا لان الكافر كالميت بل أقل من الميت، أو من كان عاقلا كما روي عن علي عليه السلام وقيل: من كان حي القلب حي البصر. " ويحق القول على الكافرين " أي يجب الوعيد والعذاب على الكافرين بكفرهم، وأقول على تأويله عليه السلام يحتمل أن يكون المراد بالقول ما مر من قوله سبحانه " منك الجبارون والمشركون والكافرون " إلى آخره. 11 - مع: سئل الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام عن الموت ما هو ؟ فقال: هو التصديق بما لا يكون حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عن الصادق عليه السلام قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا فان الميت هو الكافر إن الله عزوجل يقول:
(1) مجمع البيان ج 8 ص 432
[93]
" يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي " (1) يعني المؤمن من الكافر والكافر من المومن (2). 12 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك من أي شئ خلق الله عزوجل طينة المؤمن ؟ فقال: من طينة الانبياء فلن تنجس أبدا (3). بيان: " فلن تنجس أبدا " أي بنجاسة الكفر والشرك، وإن نجست بالمعاصي فتطهر بالتوبة والشفاعة ورحمة الرب تعالى وقيل: أي لن يتعلق بالدنيا تعلق ركون وإخلاد يذهله عن الاخرة. 13 - كا: عن محمد بن يحيى، عن البرقي، عن صالح بن سهل قال: قلت لابي - عبد الله عليه السلام: المؤمنون من طينة الانبياء ؟ قال: نعم (4). بيان: أي من فضل طينتهم. 14 - كا: عن أبي علي الاشعري ومحمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو علم الناس كيف ابتدأ الخق [ل] ما اختلف اثنان: إن الله عزوجل قبل أن يخلق الخلق، قال: كن ماء عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي، وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي، ثم أمرهما فامتزجا فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن، ثم أخذ طينة من أديم الارض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذر يدبون، فقال لاصحاب اليمين: إلى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال: إلى النار ولا ابالي. ثم أمر نارا فاسعرت، فقال لاصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها، وقال لاصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها، فقال: كوني بردا وسلاما فكانت بردا
(1) الروم: 18 (2) معاني الاخبار: 290
(3) الكافي ج 2: 3. وفيه فلم تنجس أبدا (4) الكافي ج 2: 5.
[94]
وسلاما. فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا قال: قد أقلتكم فادخلوها فذهبوا فهابوها فثم ثبتت الطاعة والمعصية، ولا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء من هؤلاء. (1) تبيين: " لما اختلف اثنان ": أي في مسألة الاستطاعة والاختيار والجبر أو لما تنازع اثنان في أمر من امور الدين لاختلاف أفهامهم وقابلياتهم وطينهم، ولما بالغوا في هداية الخلق. " كن ماء عذبا " أمر تكويني، أو استعارة تمثيلية لبيان علمه تعالى باخلاف مواد الخلق واستعداداتهم وما هم إليه صائرون، وفي القاموس ماء اجاج: ملح مر وقال: أديم النهار: عامته أو بياضه ومن الضحى: أوله، ومن السماء والارض: ما ظهر وقال: عركه: دلكه وحكه حتى عفاه، وقال: الذر: صغار النمل ومائة منهازنة حبة شعير، الواحدة ذرة، وقال: دب يدب دبا وديبا: مشى على هنيئة، وقال أقلته: فسخته واستقاله طلب إليه أن يقيله، وقال: هابه يهابه هيبا ومهابة: خافه. وقال السيد رضي الله عنه في نهج البلاغة: (2) روى اليماني عن أحمد بن قتيبة، عن عبد الله بن يزيد، عن مالك بن دحية، قال: كنا عند أمير المؤمنين علي عليه السلام وقد ذكر اختلاف الناس قال: إنما فرق بينهم مبادي طينهم، وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها، وحزن تربة وسهلها، فهم على حسب قرب أرضهم يتقاربون، وعلى قدر اختلافهم يتفاوتون، فتام الرواء ناقص العقل، وماد القامة قصير الهمة، وزاكي العمل قبيح المنظر، وقريب القعر بعيد السبر، ومعروف
الضريبة منكر الجليبة، ونائر القلب متفرق اللب، وطليق اللسان حديد الجنان. وقال ابن ميثم (3) في قوله عليه السلام " إنما فرق بينهم " الخ: أي تقاربهم في
(1) الكافي ج 2: 6 (2) نهج البلاغة ط مصر عبده ج 1 ص 253 (3) شرح النهج لابن مثيم ص 419 ط ايران قديم.
[95]
الصور والاخلاق تابع لتقارب طينهم، وتقارب مباديه وهي السهل والحزن والسبخ والعذب، وتفاوتهم فيها لتفاوت طينهم ومباديه المذكورة. وقال أهل التأويل: الاضافة بمعنى اللام أي المبادي لطينهم كناية عن الاجزاء العنصرية التي هي مبادي المركبات ذوات الامزجة (1) أو السبخ كناية عن الحار اليابس، والعذب عن الحار الرطب، والسهل عن البارد الرطب، والحزن عن البارد اليابس انتهى. واقول: لا يبعد أن يكون الماء العذب كناية عما خلق الله في الانسان من الدواعي إلى الخير والصلاح كالعقل والنفس الملكوتي، والماء الاجاج عما ينافي ويعارض ذلك ويدعو إلى الشهوات الدنية، واللذات الجسمانية من البدن، وما ركب فيه من الدواعي إلى الشهوات. ومزجهما كناية عن تركيبهما في الانسان، فقوله " أخلق منك " أي من أجلك " جنتي وأهل طاعتي " إذ لولا ما في الانسان من جهة الخير، لم يكن لخلق الجنة فائدة ولم يكن يستحقها أحد، ولم يصر أحد مطيعا له تعالى. وكذا قوله " أخلق منك ناري " إذ لولا ما في الانسان من دواعي الشرور لم يكن يعصي الله أحد، ولم يحتج إلى خلق النار، للزجر عن الشرور. ثم لاظهار إحاطة علمه بما سيقع من كل فرد من أفراد البشر للملائكة لطفا لهم
ولبني آدم أيضا بعد إخبار الرسل بذلك جعلهم كالذر، وميز من علم منهم الايمان ممن علم منهم خلافه، وكلفهم بدخول النار، ليعلموا قبل التكليف في عالم الاجساد
(1) بل الصحيح كما اشرنا إليه قبل أن النطفة هي التى خلقت من سلالة من الطين فليس الانسان مركبا من الماء والتراب وانما ذلك هو النطفة ولست أعنى الماء الدافق ولا " اسپرماتوزئيد " على اصطلاح المتأخرين بل هي شئ آخر سميت بالنطفة عند المتأخرين في داخل " اسپرماتوزئيد " وانما شخصية الجنين بها فالنطفة التى اخذت واستلت من سهل الارض غير ما اخذت واستلت من حزنها وما اخذت من طين لازب رس غير ما اخذت من حما مسنون وهكذا.
[96]
أن ما علم منهم مطابق للواقع. " فثم ثبتت الطاعة والمعصية " وعلم الملائكة من يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في الالواح مطابقا لعلمه تعالى. وقوله: " فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر " أي لاجل ما قرر في الانسان من جهتي الخير والشر، ترى الاب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي الخير، وزاجرا للشهوات فيصير من الاخيار، والابن يتبع الهوى والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الاشرار، مع نهاية الارتباط بينهما. وقوله " ولا يستطيع هؤلاء " أي لا يتخلف ما علم الله تعالى منهم، لكن لا يختارونها إلا باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم، هذا ما خطر بالبال على وجه الاحتمال والله يعلم غوامض أسرارهم عليهم السلام. وقال بعض أهل التأويل: عبر عن المادة تارة بالماء، واخرى بالتربة لاشتراكهما في قبول الاشكال، ولاجتماعهما في طينة الانسان، وتركيب خلقته و " أديم الارض " وجهها، وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء
للانسان، ويحصل منه النطفة، أو تتربى به و " العرك " الدلك وكأنه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة و " الذر ": النمل الصغار، ووجه الشبه الحس والحركة، وكونهم محل الشعور مع صغر الجثة والخفاء. وهذا الخطاب إنما كان في عالم الامر، ولشدة ارتباط الملك بالملكوت، وقوامه به، جاز إسناد مادته إليه، وإن كان عالم الامر مجردا عن المادة، واجتماعهم في الوجود عند الله إنما هو لاجتماع الاجسام الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم الامر، وإن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة في عالم الخلق. ووجودهم في عالم الامر وجود ملكوتي ظلي، ينبعث من حقيقته هذا الوجود الخلقي الجسماني، وهو صورة علمه سبحانه بها، وعنه عبر بالظلال في حديث آخر. وأمره تعالى إياهم إلى الجنة والنار هدايته إياهم إلى سبيلهما، ثم توفيقه أو خذلانه، ولعل المراد بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية، وتحصيل المعرفة
[97]
المحرقة للقلوب لصعوبة الخروج عن عهدتها. واستقالة أصحاب الشمال كناية عن تمنيهم الاطاعة، وعدم قدرتهم التامة عليها لغلبة الشهوة عليهم، وكونهم مسخرة تحت سلطان الهوى كما قالوا: " ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين " (1) انتهى. ولعل إبداء تلك التأويلات في الاخبار جرأة على الله ورسوله والائمة الاخيار، إلا أن يكون على سبيل الاحتمال، لكن بعد ثبوت ما بنوا عليه الكلام من المقدمات التي لم تثبت بالبرهان واليقين، بل بعضها مناف لما ثبت في الدين المبين. 15 - كا: عن علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل لما أراد أن يخلق آدم عليه السلام
أرسل الماء على الطين، ثم قبض قبضة فعركها ثم فرقها فرقتين بيده، ثم ذراهم فإذا هم يدبون. ثم رفع لهم نارا، فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها، ولم يدخلوها، ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها، فذهبوا فدخلوها، فأمر الله عزوجل النار، فكانت عليهم بردا وسلاما. فلما رأى ذلك أهل الشمال، قالوا: ربنا أقلنا، فأقالهم، ثم قال لهم: ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها، فأعادهم طينا وخلق منها آدم عليه السلام. وقال أبو عبد الله عليه السلام: فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، قال: فيرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أول من دخل تلك النار، فلذلك قوله عزوجل (2) " قل إن كان للرحمان ولد فأنا أول العابدين ". (3) بيان: فيرون أي علماء أهل البيت عليهم السلام، " قل إن كان " الاية قد مر فيه
وجوه من التأويل: (1) الاول فأنا أول العابدين منكم: فإن النبي يكون أعلم بالله وبما يصح له، وبما لا يصح له، وأولى بتعظيم ما يجب تعظيمه، ومن حق تعظيم الوالد تعظيم ولده، ولا يستلزم ذلك إمكاك كينونة الولد وعبادته له، فإن المحال قد يستلزم المحال، بل المراد نفيهما. والثاني أن معناه إن كان له ولد في زعمكم، فأنا أول العابدين لله، الموحدين له [المنكرين لقولكم].
والثالث أن المعنى فأنا أول الانفين منه (2) أو من أن يكون له ولد، من عبد يعبد إذا اشتد أنفة. (3) الرابع أن كلمة " إن " نافية، أي ما كان له ولد، فأنا أول الموحدين من أهل مكة، وبناء الخبر على التفسير الاول، إذ ظهر منه أنه صلى الله عليه وآله كان مبادرا إلى كل خير وسعادة وإطاعة، فلابد أن يكون مبادرا في دخول النار عند الامر به. 16 - كا: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي وعقبة جميعا، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزوجل خلق الخلق، فخلق من أحب مما أحب، فكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق ما أبغض مما أبغض، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال.
(1) راجع ج 3 ص 256 من هذه الطبعة الجديدة. (2) واختاره على بن ابراهيم في تفسيره، وفى الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام أول العابدين أي الجاحدين. (3) قال الجوهرى: قال أبو زيد: العبد بالتحريك: الغضب والانف والاسم العبدة مثل الانفة، وقد عبد أي أنف قال الفرزدق: اولئك أحلاسى فجئني بمثلهم * وأعبد أن أهجو كليبا بدارم. قال أبو عمرو: وقوله تعالى: فأنا أول العابدين من الانف والغضب.
[99]
فقلت: وأي شئ الظلال ؟ فقال عليه السلام: ألم تر إلى ظلك في الشمس شيئا وليس بشئ ؟. ثم بعث فيهم النبيين، فدعوهم إلى الاقرار بالله عزوجل وهو قوله تعالى " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " (1) ثم دعوهم إلى الاقرار بالنبيين، فأقر
بعضهم، وأنكر بعضهم، ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب، وأنكرها من أبغض، وهو قوله " ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل (2) ثم قال أبو جعفر عليه السلام: كان التكذيب ثم. (3) بيان: " فخلق من أحب مما أحب " قيل: " ما " في قوله " ما أحب " و " ما أبغض " مصدرية. وأقول: يمكن تأويله بالعلم، أي بأنه لما علم الله تعالى حين خلقهم أنهم سيصيرون من الاشقياء، وأبغضهم، فكأنه خلقهم مما أبغض، أو أنه إشارة إلى اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم، في اختيار الحق وقبوله. والمراد بالظل إما عالم الارواح، أو عالم المثال، فعلى الاول شبه الروح المجرد على القول به أو الجسم اللطيف بالظل للطافته وعدم كثافته، أو لكونه تابعا لعالم الاجساد الاصلية، وعلى الثاني ظاهر. وقوله " شيئا " بتقدير " تحسه " أو الرؤية بمعنى العلم لكن لا يناسبه تعديتها بإلى، والاظهر " شئ " كما ورد في هذه الرواية بسند آخر. وقيل: أراد بقوله " وليس بشئ " أن الحياة والتكليف في ذلك الوقت لا يصيران سببين للثواب والعقاب، كأفعال النائم، ولا يبقى، بل مثال وحكاية عن الحياة والتكليف في الابدان، ولذا سمي الوجود الذهني بالوجود الظلي لعدم كونه منشأ للآثار ومبدءا للاحكام. وقيل: يمكن أن يراد به عالم الذر المبائن لعالم الاجساد الكثيفة، وهو
(1) الزخرف: 87. (2) يونس: 74. (3) الكافي ج 2: 10
[100]
يحكي عن هذا العالم ويشبهه، وليس منه، فهو ظل بالنسبة إليه أو عالم الارواح
كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في بعض خطبه: ألا إن الذرية أفنان أنا شجرتها، و دوحة أنا ساقتها، وإني من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء، كنا أظلالا تحت العرش قبل [خلق] البشر، وقبل خلق الطينة التي كان منها البشر، أشباحا خالية لا أجساما نامية. " ليقولن الله " أي خلقنا الله، أو الله خلقنا، على اختلاف في تقديم المحذوف وتأخيره، والمشهور الاول، والغرض أن اضطرارهم إلى هذا الجواب، بمقتضى العهد والميثاق. وقوله: " ما كانوا ليؤمنوا " الاية في سورة الاعراف (1) هكذا: " تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جائتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليومنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " وكأن التغيير من النساخ أو النقل بالمعنى (2). وقال البيضاوي: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيئهم بالمعجزات بما كذبوا من قبل أي ما كذبوه قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولا، حين جائتهم الرسل، ولم يؤثر قط فيهم دعوتهم المتطاولة، والايات المتتابعة، واللام لتأكيد النفي، والدلالة على أنهم ما صلحوا للايمان، لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر، والطبع على قلوبهم. 17 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام كيف أجابوا وهم ذر ؟ قال: جعل فيهم ما إذا
(1) الاعراف: 101. (2) بل كما أشرنا إليه سابقا الاية في يونس 74 بزيادة لفظ " به " وهى قوله تعالى: ثم بعثنا من بعده رسلا الى قومهم فجاؤهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين ". (*)
[101]
سألهم أجابوا يعني في الميثاق (1). بيان: " ما إذا سألهم " كلمة " ما " موصولة، والعائد محذوف، أي أجابوه به، أي جعل في كل ذرة العقل، وآلة السمع، وآلة النطق، ومن حمل الاية على الاستعارة والتمثيل حمل الخبر على أن المراد به أنه جعلهم بحيث إذا سئلوا في عالم الابدان أجابوا بلسان المقال (2) وهو بعيد. 18 - شى: عن الاصبغ بن نباته عن علي عليه السلام قال: أتاه ابن الكوا فقال: يا أمير المومنين أخبرني عن الله تبارك وتعالى هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال علي عليه السلام: قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم، وردوا عليه الجواب فثقل ذلك على ابن الكوا ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المومنين ؟ فقال له: أو ما تقرء كتاب الله إذ يقول لنبيك " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (3) " فأسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب، كما تسمع في قول الله، يا ابن الكواء " قالوا: بلى " فقال: إني أنا الله لا إله إلا أنا وأنا الرحمان، فأقروا له بالطاعة والربوبية، وميز الرسل والانبياء والاوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم، فأقروا بذلك في الميثاق فقالت الملائكة: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا
(1) الكافي ج 2 ص 12. (2) قال الفيض رحمه الله في تفسير الاية: ان الله نصب لهم دلائل ربوبيته، وركب في عقولهم ما يدعوهم الى الاقرار بها، حتى صاروا بمنزلة الاشهاد على طريقة التمثيل، نظير ذلك قوله عزوجل: " انما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " وقوله جل وعلا " فقال لها وللارض ائتيا قالتا أتينا طائعين " ومعلوم أنه لا قول ثمة، وانما هو تمثيل وتصوير للمعنى. وذلك حين كانت أنفسهم في أصلاب آبائهم العقلية، ومعادنهم الاصلية، يعنى
شاهدهم وهم دقائق في تلك الحقائق، وعبر عن تلك الاباء بالظهور، لان كل واحد منهم ظهر أو مظهر لطائفة من النفوس أو ظاهر عنده لكونه صورة عقلية نورية ظاهرة بذاتها. (3) الاعراف: 171.
[102]
غافلين (1). 19 - شى: عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن الذر حيث أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا بلى والله، وأسر بعضهم خلاف ما أظهر، كيف علموا القول حيث قيل لهم: " ألست بربكم " ؟ قال: إن الله جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه (2). 20 - شى: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله " ألست بربكم قالوا بلى " قلت: قالوا بألسنتهم ؟ قال: نعم، وقالوا بقلوبهم، قلت: وأي شئ كانوا يومئذ ؟ قال: صنع فيهم ما اكتفى به (3). 21 - أقول: وجدت في بعض الكتب مرويا عن أحمد بن محمد الكوفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه سدير الصيرفي، عن أبي إسحاق الليثي قال: قلت للامام الباقر محمد بن علي عليهما السلام: يا ابن رسول الله أخبرني عن المؤمن من شيعة أمير المؤمنين إذا بلغ وكمل في المعرفة هل يزني ؟ قال عليه السلام: لا، قلت: فيلوط ؟ قال: لا، قلت: فيسرق ؟ قال: لا، قلت: فيشرب خمرا ؟ قال: لا، قلت: فيذنب ذنبا ؟ قال: لا قال الراوي: فتحيرت من ذلك، وكثر تعجبي منه، قلت: يا ابن رسول الله إني أجد من شيعة أمير المؤمنين ومن مواليكم من يشرب الخمر، ويأكل الربا، و يزني ويلوط، ويتهاون بالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وأبواب البر حتى أن أخاه المؤمن يأتيه في حاجة يسيرة فلا يقضيها له، فكيف هذا يا ابن رسول
الله ؟ ومن أي شئ هذا ؟. قال: فتبسم الامام عليه السلام وقال: يا أبا إسحاق هل عندك شئ غير ما ذكرت ؟ قلت: نعم يا ابن رسول الله وإني أجد الناصب الذي لا أشك في كفره يتورع عن هذه
(1) تفسير العياشي ج 2 ص 41. (2) تفسير العياشي ج 2 ص 42 (3) تفسير العياشي ج 2 ص 40
[103]
الاشياء: لا يستحل الخمر ولا يستحل درهما لمسلم، ولا يتهاون بالصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، ويقوم بحوائج المؤمنين والمسلمين، لله وفي الله تعالى فكيف هذا ولم هذا ؟. فقال عليه السلام: يا إبراهيم لهذا أمر باطن، وهو سر مكنون، وباب مغلق مخزون، وقد خفي عليك وعلى كثير من أمثالك وأصحابك، وإن الله عزوجل لم يؤذن أن يخرج سره وغيبه إلا إلى من يحتمله وهو أهله، قلت: يا ابن رسول الله إني والله لمحتمل من أسراركم، ولست بمعاند ولا بناصب، فقال عليه السلام: يا إبراهيم نعم أنت كذلك، ولكن علمنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، وإن التقية من ديننا ودين آبائنا ومن لا تقية له فلا دين له. يا إبراهيم لو قلت إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا، يا إبراهيم إن من حديثنا وسرنا وباطن علمنا ما لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مؤمن ممتحن. قلت: يا سيدي ومولاي فمن يحتمله إذا ؟ قال: ما شاء الله وشئنا، ألا من أذاع سرنا إلا إلى أهله، فليس منا - ثلاثا - ألا من أذاع سرنا أذاقه الله حر
الحديد. ثم قال: يا إبراهيم خذ ما سألتني علما باطنا مخزونا في علم الله تعالى الذي حبا الله جل جلاله به رسوله صلى الله عليه وآله، وحبابه رسوله وصيه أمير المؤمنين عليه السلام ثم قرء عليه السلام هذه الاية " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول " (1) ويحك يا إبراهيم إنك قد سألتني عن المؤمنين من شيعة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعن زهاد الناصبة وعبادهم، من ههنا قال الله عزوجل " وقد منا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " (2) ومن ههنا قال الله عزوجل: " عاملة
(1) الجن: 27 و 28. (2) الفرقان: 21.
[104]
ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية (1) ". وهذا الناصب قد جبل على بغضنا، ورد فضلنا، ويبطل خلافة أبينا أمير المؤمنين عليه السلام، ويثبت خلافة معاوية وبني امية، ويزعم أنهم خلفاء الله في أرضه، و يزعم أن من خرج عليهم وجب عليه القتل، ويروي في ذلك كذبا وزورا، ويروي أن الصلاة جايزة خلف من غلب، وإن كان خارجيا ظالما، ويروي أن الامام الحسين بن علي صلوات الله عليهما كان خارجيا خرج على يزيد بن معاوية، و يزعم أنه يجب على كل مسلم أن يدفع زكاة ماله إلى السلطان وإن كان ظالما. يا إبراهيم هذا كله رد على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله، سبحان الله قد افتروا على الله الكذب، وتقولوا على رسول الله صلى الله عليه وآله الباطل، وخالفوا الله و خالفوا رسوله وخلفاءه. يا إبراهيم لاشرحن لك هذا من كتاب الله، الذي لا يستطيعون له إنكارا ولا منه فرارا، ومن رد حرفا من كتاب الله فقد كفر بالله ورسوله.
فقلت: يا ابن رسول الله إن الذي سألتك في كتاب الله ؟ قال: نعم، هذا الذي سألتني في أمر شيعة أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأمر عدوه الناصب في كتاب الله عزوجل، قلت: يا ابن رسول الله هذا بعينه ؟ قال: نعم هذا بعينه في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. يا إبراهيم اقرأ هذه الاية " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض (2) " أتدري ما هذه الارض ؟ قلت: لا، قال عليه السلام: اعلم أن الله عزوجل خلق أرضا طيبة طاهرة، وفجر فيها ماء عذبا زلالا، فراتا سائغا، فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها، فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام، ثم نضب عنها ذلك الماء بعد السابع فأخذ من صفوة ذلك الطين طينا، فجعله طين الائمة عليهم السلام ثم أخذ جل جلاله ثفل
(1) الغاشية: 4. (2) النجم: 32.
[105]
ذلك الطين، فخلق منه شيعتنا، ومحبونا من فضل طينتنا، فلو ترك يا إبراهيم طينتكم كما ترك طينتنا لكنتم أنتم ونحن سواء. قلت: يا ابن رسول الله ما صنع بطينتنا ؟ قال: مزج طينتكم ولم يمزج طينتنا قلت: يا ابن رسول الله وبما ذا مزج طينتنا ؟ قال عليه السلام: خلق الله عزوجل أيضا أرضا سبخة خبيثة منتنة، وفجر فيها ماء اجاجا مالحا آسنا، ثم عرض عليها جلت عظمته ولاية أمير المؤمنين عليه السلام فلم تقبلها، وأجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام، ثم نضب ذلك الماء عنها. ثم أخذ من كدورة ذلك الطين المنتن الخبيث وخلق منه أئمة الكفر و الطغاة والفجرة، ثم عمد إلى بقية ذلك الطين فمزج بطينتكم، ولو ترك طينتهم
على حاله ولم يمزج بطينتكم ما عملوا أبدا عملا صالحا، ولا أدوا أمانة إلى أحد ولا شهدوا الشهادتين، ولا صاموا ولا صلوا ولا زكوا ولا حجوا ولا أشبهوكم في الصور أيضا. يا إبراهيم ليس شئ أعظم على المؤمن أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عزوجل، والمؤمن لا يعلم أن تلك الصورة من طين المؤمن ومزاجه. يا إبراهيم ثم مزج الطينتان بالماء الاول والماء الثاني، فما تراه من شيعتنا من ربا وزنا ولواطة وخيانة وشرب خمر وترك صلاة وصيام وزكاة وحج و جهاد، فهي كلها من عدونا الناصب، وسنخه ومزاجه الذي مزج بطينته، وما رأيته في هذا العدو الناصب من الزهد والعبادة والمواظبة على الصلاة وأداء الزكاة و الصوم والحج والجهاد وأعمال البر والخير، فذلك كله من طين المؤمن وسنخه ومزاجه. فإذا عرض أعمال المؤمن وأعمال الناصب على الله، يقول عزوجل: أنا عدل لا أجور، ومنصف لا أظلم، وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ما أظلم مومنا بذنب مرتكب من سنخ الناصب وطينه ومزاجه. هذه الاعمال الصالحة كلها من طين المؤمن ومزاجه، والاعمال الردية
[106]
التي كانت من المؤمن من طين العدو الناصب، ويلزم الله تعالى كل واحد منهم ما هو من أصله وجوهره وطينته، وهو أعلم بعباده من الخلائق كلهم، أفترى ههنا ظلما وجورا وعدوانا ؟ ثم قرء عليه السلام " معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون (1) ". يا إبراهيم إن الشمس إذا طلعت فبدا شعاعها في البلدان كلها، أهو بائن من القرصة أم هو متصل بها ؟ شعاعها تبلغ في الدنيا في المشرق والمغرب حتى إذا
غابت يعود الشعاع ويرجع إليها، أليس ذلك كذلك ؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله قال: فكذلك يرجع كل شئ إلى أصله وجوهره وعنصره. فإذا كان يوم القيامة ينزع الله تعالى من العدو الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويرده إلى المؤمن، وينزع الله من المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيئة الردية، ويرده إلى الناصب عدلا منه جل جلاله، وتقدست أسماؤه، ويقول للناصب: لا ظلم عليك، هذه الاعمال الخبيثة من طينتك ومزاجك، وأنت أولى بها وهذه الاعمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه، وهو أولى بها ! " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب (2) ". أفترى ههنا ظلما وجورا ؟ قلت: لا يا ابن رسول الله، بل أرى حكمة بالغة فاضلة، وعدلا بينا واضحا، ثم قال عليه السلام: أزيدك بيانا في هذا المعنى من القرآن ؟ قلت: بلى يا بن رسول الله قال: أليس الله عزوجل يقول: " الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات اولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " (3) وقال عزوجل: " والذين كفروا إلى جهنم يحشرون * ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض
(1) يوسف: 79. (2) المؤمن: 17. (3) النور: 24.
[107]
فيركمه جميعا فيجعله في جهنم اولئك هم الخاسرون ". (1) فقلت: سبحان الله العظيم ما أوضح ذلك لمن فهمه ؟ وما أعمى قلوب هذا الخلق المنكوس عن معرفته ؟
فقال عليه السلام: يا إبراهيم من هذا قال الله تعالى " إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا " (2) ما رضي الله تعالى أن يشبههم بالحمير والبقر والكلاب والدواب حتى زادهم فقال: " بل هم أضل سبيلا ". يا إبراهيم قال الله عزوجل ذكره في أعدائنا الناصبة: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " (3) وقال عزوجل " يحسبون أنهم يحسنون صنعا " (4) وقال جل جلاله " يحسبون أنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون " (5) وقال عزوجل: " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا " (6) كذلك الناصب يحسب ما قدم من عمله نافعة حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. ثم ضرب مثلا آخر " أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يريها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور ". (7 ثم قال عليه السلام يا إبراهيم أزيدك في هذا المعنى من القرآن ؟ قلت: بلى، يا بن رسول الله قال عليه السلام: قال الله تعالى " يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا
رحيما " (1) يبدل الله سيئات شيعتنا حسنات، وحسنات أعدائنا سيئات، يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. هذا يا إبراهيم من باطن علم الله المكنون، ومن سره المخزون، ألا أزيدك من هذا الباطن شيئا في الصدور ؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله قال عليه السلام: " قال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ وإنهم لكاذبون * وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون " (2) والله الذي لا إله إلا هو فالق الاصباح، فاطر السماوات والارض، لقد أخبرتك بالحق، وأنبأتك بالصدق، والله أعلم وأحكم. بيان: قد مر هذا الخبر نقلا من العلل (3) مع اختلاف ما، وزيادة ونقص وهو من غوامض الاسرار. وقال بعض المحققين في شرحه: جملة القول في بيان السر فيه أنه قد تحقق وثبت أن كلا من العوالم الثلاثة، له مدخل في خلق الانسان، وفي طينته ومادته، من كل حظ ونصيب، ولعل " الارض الطيبة " كناية عماله في جملة طينته من آثار عالم الملكوت الذي منه الارواح المثالية، والقوى الخيالية الفلكية، المعبر عنهم بالمدبرات أمرا. و " الماء العذب " عما له في طينته من إفاضات عالم الجبروت، الذي منه الجواهر القدسية، والارواح العالية، المجردة عن الصور، المعبر عنهم بالسابقات سبعا. و " الارض الخبيثة " عما له في طينته من أجزاء عالم الملك الذي منه الابدان العنصرية المسخرة تحت الحركات الفلكية، المسخرة لما فوقها.
(1) الفرقان: 71
(2) العنكبوت: 12 و 13. (3) راجع علل الشرايع ج 2: 293.
[109]
و " الماء الاجاج المالح الاسن " عماله في طينته من تهيجات الاوهام الباطلة والاهواء المموهة الردية، الحاصلة من تركيب الملك مع الملكوت، مما لا أصل له ولا حقيقة. ثم الصفوة من الطينة الطيبة عبارة عما غلب عليه إفاضة الجبروت من ذلك والثفل منه ما غلب عليه أثر الملكوت منه، و " كدورة الطين المنتن الخبيث " مما غلب عليه طبايع عالم الملك، وما يتبعه من الاهواء المضلة. وإنما لم يذكر نصيب عالم الملك للائمة عليهم السلام، مع أن أبدانهم العنصرية منه، لانهم لم يتعلقوا بهذه الدنيا ولا بهذه الاجساد تعلق ركون وإخلاد، فهم وإن كانوا في النشأة الفانية بأبدانهم العنصرية، ولكنهم ليسوا من أهلها كما مضى بيانه. قال الصادق عليه السلام في حديث حفص بن غياث: " يا حفص ما أنزلت الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة، إذا اضطررت إليها أكلت منها " فلا جرم نفضوا أذيالهم منها بالكلية، إذا ارتحلوا عنها، ولم يبق معهم منها كدورة، وإنما لم يذكر نصيب الناصب وأئمة الكفر من إفاضة عالم الجبروت، مع أن لهم منه حظ الشعور والادراك وغير ذلك، لعدم تعلقهم ولا ركونهم إليه، ولذا تراهم تشمئز نفوسهم من سماع العلم والحكمة ويثقل عليهم، فهم الاسرار والمعارف، فليس لهم من ذلك العالم إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال نسوا الله فأنساهم أنفسهم فلا جرم ذهب عنهم نصيبهم من ذلك العالم، حيث أخلدوا إلى الارض، واتبعوا أهواءهم.
فإذا جاء يوم الفصل وميز الله الخبيث من الطيب، ارتقى من غلب عليه إفاضات عالم الجبروت إلى الجبروت وأعلى الجنان والتحق بالمقربين، ومن غلب عليه آثار الملكوت إلى الملكوت، ومواصلة الحور والولدان، والتحق بأصحاب اليمين، وبقي من غلب عليه الملك في الحسرة والثبور والهوان، والتعذيب بالنيران إذ فرق الموت بينه وبين محبوباته ومشتهياته.
[110]
فالاشقياء وإن انتقلوا إلى نشأة من جنس نشأة الملكوت، خلقت بتبعيتها بالعرض، إلا أنهم يحملون معهم من الدنيا من صور أعمالهم وأخلاقهم وعقائدهم مما لا يمكن انفكاكهم عنه مما يتأذون به، ويعذبون بمجاورته، من سموم وحميم وظل من يحموم، ومن حيات وعقارب وذوات لدغ وسموم، ومن ذهب وفضة كنزوها في دار الدنيا ولم ينفقوها في سبيل الله واشرب في قلوبهم محبتها، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ومن آلهة يعبدونها من دون الله من حجر أو خشب أو حيوان أو غيرها، مما يعتقدون فيه أنه ينفعهم وهو يضرهم، إذ يقال إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - وبالجملة المرء مع من أحب فمحبوب الاشقياء لما كان من متاع الدنيا الذي لا حقيقة له ولا أصل، بل هو متاع الغرور، فإذا كان يوم القيامة وبرزت وحواق الامور كسد متاعهم، وصار لا شيئا محضا فيتألمون بذلك، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا التي هي وطنهم المألوف، لانهم من أهلها ليسوا من أهل النشأة الباقية، لانهم رضوا بالحياة الدنيا، واطمأنوا بها، فإذا فارقوها عذبوا بفراقها في نار جهنم. أعمالهم التي أحاطت بهم، وجميع المعاصي والشهوات، يرجع إلى متاع هذه النشأة الدنياوية ومحبتها، فمن كان من أهلها عذب بمفارقتها لا محالة، ومن ليس من أهلها وإنما ابتلي بها، وارتكبها مع إيمان منه بقبحها، وخوف من الله
سبحانه في إتيانها، فلا جرم يندم على ارتكابها، إذا رجع إلى عقله، وأناب إلى ربه فيصير ندامته عليها، والاعتراف بها، وذل مقامه بين يدي ربه حياء منه تعالى سببا لتنوير قلبه، وهذا المعنى تبديل سيئاتهم حسنات. فالاشقياء إنما عذبوا بما لم يفعلوا لحنينهم إلى ذلك، وشهوتهم له، وعقد ضمائرهم على فعله دائما إن تيسر لهم، لانهم كانوا من أهله ومن جنسه، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه. والسعداء إنما لم يخلدوا في العذاب، ولم يشتد عليهم العقاب، بما فعلوا من القبائح، لانهم ارتكبوا على كره من عقولهم، وخوف من ربهم، لانهم لم
[111]
يكونوا من أهلها، ولا من جنسها، بل اثيبوا بما لم يفعلوا من الخيرات لحنينهم إليه، وعزمهم عليه، وعقد ضمائرهم على فعله، إن تيسر لهم. فإنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى وإنما ينوي كل ما ناسب طينته، ويقتضيه جبلته، كما قال الله سبحانه: " قل كل يعمل على شاكلته " (1) ولهذا ورد في الحديث: إن كلا من أهل الجنة والنار، إنما يخلدون فيما يخلدون على نياتهم، وإنما يعذب بعض السعداء حين خروجهم من الدنيا بسبب مفارقة ما مزج بطينتهم من طينة الاشقياء مما أنسوا به قليلا، وألفوه بسبب ابتلائهم به ما داموا في الدنيا. وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في اعتقاداته مرسلا: أنه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها، وإنما يصيبهم آلام عند الخروج منها فيكون تلك الالام جزاء بما كسبت أيديهم، وما الله بظلام للعبيد، انتهى. واقول: بناء هذه التأويلات على امور ليست مخالفتها لاصول متكلمي الامامية أقل من مخالفة ظواهر تلك الاخبار، وقد تكلمنا في أمثال هذه الروايات
في كتاب العدل، وكان ترك الخوض فيها وفي أمثالها، ورد علمها مع صحتها إلى من صدرت عنه أحوط وأولى، كما قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد سئل عن القدر: طريق مظلم فلا تسلكوه، وبحر عميق فلا تلجوه، وسر الله فلا تتكلفوه. 22 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن اذينة، عن زرارة أن رجلا سأل أبا جعفر عليه السلام عن قوله عزوجل: " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " (2) إلى آخر الاية فقال وأبوه يسمع عليهما السلام: حدثني أبي أن الله عزوجل قد قبض قبضة من تراب التربة التي خلق الله
(1) أسرى: 84. (2) الاعراف: 171.
[112]
منها آدم عليه السلام فصب عليها الماء العذب الفرات، ثم تركها أربعين صباحا، ثم صب عليها الماء المالح الاجاج، فتركها أربعين صباحا، فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذر من يمينه وشماله، وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار، فدخل أصحاب اليمين، فصارت عليهم بردا وسلاما، وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها (1). بيان: ظاهر الحديث أن السؤال عن الباقر عليه السلام كان في زمن أبيه عليه السلام و هو حاضر، وفيه أنه لم يعهد إدراك زرارة علي بن الحسين عليه السلام فيتحمل أن يكون روي ذلك عن الرجل السائل، ولم يكن زرارة حاضرا عند السؤال، مع أنه يمكن إدراكه زمان السجاد عليه السلام، وعدم روايته عنه، ولذا لم يعد في أصحابه.
وفي تفسير العياشي (2) هكذا: عن زرارة أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام إلى آخر الخبر، وهو أصوب. " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم " قال البيضاوي: أي أخرج من أصلابهم نسلا على ما يتوالدون قرنا بعد قرن، و " من ظهورهم " بدل من بني آدم بدل البعض، وقرء نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب " ذرياتهم " و " أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم " أي نصب لهم دلائل ربوبيته وركب في عقولهم ما يدعوهم إلى الاقرار بها، حتى صاروا بمنزلة من قيل: " ألست بربكم قالوا بلى " فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منه، منزلة الاشهاد والاعتراف، على طريقة التمثيل، ويدل عليه قوله " قالوا بلى شهدنا ". " أن تقولوا يوم القيامة ": أي كراهة أن تقولوا " إنا كنا عن هذا غافلين " لم نتنبه عليه بدليل " أو تقولوا " عطف على " أن تقولوا ". " إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم " فاقتدينا بهم، لان
(1) الكافي ج 2 ص 7. (2) تفسير العياشي ج 2 ص 39.
[113]
التقليد عند قيام الدليل، والتمكن من العلم به، لا يصلح عذرا " أفتهلكنا بما فعل المبطلون " يعني آباءهم المبطلين بتأسيس الشرك، وقيل: لما خلق الله آدم أخرج من ذريته ذرية كالذر، وأحياهم، وجعل لهم العقل والنطق، وألهمهم ذلك لحديث رواه عمر (1) انتهى. وقال بعض المحققين: لعل معنى إشهاد ذرية بني آدم على أنفسهم بالتوحيد استنطاق حقائقهم بألسنة قابليات جواهرها، وألسن استعدادات ذواتها، وأن تصديقهم به كان بلسان طباع الامكان، قبل نصب الدلائل لهم، أو بعد نصب الدلائل
أو أنه نزل تمكينهم من العلم وتمكنهم منه، بمنزلة الاشهاد والاعتراف، على طريقة التخيل. نظير ذلك قوله عزوجل " إنما قولنا لشئ " (2) الخ وقوله عز وعلا " فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (3) ومعلوم أنه لا قول ثمة وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى، ويحتمل أن يكون النطق باللسان الملكوتي الذي به يسبح كل شئ بحمد ربه، وذلك لانهم مفطورون على التوحيد. قوله عليه السلام " من تراب التربة " هذا من قبيل إضافة الجزء إلى الكل، قوله " من يمينه وشماله " الضميران راجعان إلى الملك المأمور بهذا الامر كجبرئيل أو العرش أو إلى التراب، فاستعار اليمين للجهة التي فيها اليمن والبركة، والشمال للاخرى أو اليمين لصفة الرحمانية والشمال لصفة القهارية، فالضميران راجعان إلى الله تعالى، كما في الدعاء: " والخير في يديك: أي كلما يصدر منك من خير أو شر أو نفع أو ضر فهو خير، ومشتمل على المصالح الجليلة. 23 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن
(1) راجع الدر المنثور ج 3 ص 142، ففيه أحاديث متعددة عن رسول الله " ص " بأسانيد مختلفة. (2) النحل: 40. (3) فصلت: 11.
[114]
داود العجلي، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق، خلق ماء عذبا، وماء مالحا اجاجا، فامتزج الماءان فأخذ طينا من أديم الارض فعركه عركا شديدا، فقال لاصحاب اليمين، وهم كالذر يدبون: إلى الجنة بسلام، وقال لاصحاب الشمال: إلى النار ولا ابالي
ثم قال: ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. ثم أخذ الميثاق على النبيين، فقال: ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين ؟ قالوا: بلى: فثبتت لهم النبوة، وأخذ الميثاق على اولي العزم، أنني ربكم، ومحمد رسولي، وعلي أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري، وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني، واظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي، واعبد به طوعا وكرها، قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقر. فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي، ولم يكن لادم عزم على الاقرار به، وهو قوله عزوجل " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما " (1) قال: إنما هو فترك. ثم أمر نارا فاججت، فقال لاصحاب الشمال: ادخلوها فهابوها، وقال لاصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها، فكانت عليهم بردا وسلاما، فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا، فقال: قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها، فهابوها، فثم ثبتت الطاعة والولاية والمعصية (2). توضيح: قوله عليه السلام " فأخذ طينا ": أي مزجه بالمائين، ليحصل فيه استعداد الخير والشر، " إلى الجنة ": أي امضوا إليها سالمين من العذاب والنكال، أو إلى ما يوجب الجنة سالمين من شبه الشياطين ووساوسهم. " أن تقولوا " كذا في أكثر النسخ بصيغة الخطاب، كما في القراآت المشهورة
(1) طه: 115. (2) الكافي ج 2 ص 8.
[115]
فيكون ذكر تتمة الاية استطرادا، والاصوب هنا. " أن يقولوا " بصيغة الغيبة موافقا
لقرائة أبي عمرو في الاية. قوله عليه السلام: " ثم أخذ " لعل كلمة " ثم " هنا للتراخي الرتبي لا الزماني لما بين الميثاقين من التفاوت وإلا فالظاهر تقدم أخذ الميثاق من النبيين على غيرهم كما أن ميثاق اولي العزم مقدم على غيرهم أيضا، واريد باولي العزم: نوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، ولا ينافي دخول الاقرار بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله فيما عهد إليهم، دخوله في المعهود إليهم. قيل: ولما كانوا معهودين معلومين، جاز أن يشار إليهم بهؤلاء الخمسة مع عدم ذكرهم مفصلا، وإنما زاد في أخذ الميثاق على من زاد في رتبته وشرفه لان التكليف إنما يكون بقدر الفهم والاستعداد، فكلما زاد زاد، وإنما يعرف مراتب الوجود من له حظ منها وبقدر حظه منها، وأما آدم فلما لم يعزم على الاقرار بالمهدي، لم يعد من اولي العزم وإنما عزم على الاقرار بغيره من الاوصياء. " إنما هو فترك " يعني معنى " فنسي " هنا ليس إلا " فترك "، ولعل السر في عدم عزمه عليه السلام على الاقرار بالمهدي، استبعاده أن يكون لهذا النوع الانساني اتفاق على أمر واحد انتهى. وأقول: الظاهر أن المراد بعدم العزم، عدم الاهتمام به وبتذكره، أو عدم التصديق اللساني، حيث لم يكن شئ من ذلك واجبا، لا عدم التصديق به مطلقا فإنه لا يناسب منصب النبوة، بل ولا ما هو أدون منه، وقوله: " إنما هو فترك " أي معنى النسيان هنا الترك، لان النسيان غير مجوز على الانبياء عليهم السلام، أو كان في قرا نهم عليهم السلام: " ترك " مكان " فنسي ". أو المعنى أن الزم إنما هو ما ذكر، أي العزم على الاقرار المذكور فترك آدم عليه السلام، أو كان المطلوب الاقرار التام ولم يأت به، أو عزم أولا ثم ترك والاول كأنه أظهر.
وفي القاموس: الاجيج تلهب النار كالتأجج، وأججتها تأجيجا فتأججت.
[116]
24 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عزوجل لما أخرج ذرية بني آدم من ظهره، ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبية له، وبالنبوة لكل نبي، فكان أول من أخذ له عليهم الميثاق بنبوته، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله. ثم قال الله عزوجل لادم: انظر ماذا ترى ؟ قال: فنظر آدم عليه السلام إلى ذريته وهم ذر قد ملؤا السماء، قال آدم عليه السلام: يا رب ما أكثر ذريتي ؟ ولامر ما خلقتهم ! فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم ؟ قال الله عزوجل: يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتبعونهم. قال آدم: يا رب فمالي أرى بعض الذر أعظم من بعض ؟ وبعضهم له نور كثير ؟ وبعضهم له نور قليل ؟ وبعضهم ليس له نور أصلا ؟ فقال الله عزوجل: وكذلك خلقتهم لابلوهم في كل حالاتهم. قال آدم عليه السلام: يا رب فتأذن لي في الكلام فأتكلم ؟ قال الله عزوجل: تكلم فإن روحك من روحي، وطبيعتك خلاف كينونتني، قال آدم عليه السلام: فلو كنت خلقتهم على مثال واحد، وقدر واحد، وطبيعة واحدة، وجبلة واحدة وألوان واحدة، وأعمار واحدة، وأرزاق سواء، لم يبغ بعضهم على بعض ولم يك بينهم تحاسد ولا تباغض، ولا اختلاف في شئ من الاشياء. قال الله عزوجل: يا آدم بروحي نطقت، وبضعف طبيعتك تكلمت مالا علم لك به، وأنا الخالق العليم، بعلمي خالفت بين خلقهم. وبمشيتي يمضي فيهم أمري، وإلى تدبيري وتقديري صائرون، ولا تبديل لخلقي، إنما خلقت الجن
والانس ليعبدوني، وخلقت الجنة لمن عبدني فأطاعني منهم واتبع رسلي، ولا ابالي، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني، ولم يتبع رسلي ولا ابالي. وخلقتك وخلقت ذريتك من غير فاقة بي إليك وإليهم، وإنما خلقتك وخلقتهم لابلوك وأبلوهم أيكم أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم، وقبل مماتكم
[117]
فلذلك خلقت الدنيا والاخرة، والحياة والموت، والطاعة والمعصية، والجنة والنار. وكذلك أردت في تقديري وتدبيري، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم، وألوانهم وأعمارهم، وأرزاقهم، وطاعتهم ومعصيتهم، فجعلت منهم الشقي والسعيد، والبصير والاعمى، والقصير والطويل، والجميل والدميم، والعالم والجاهل والغني والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح والسقيم، ومن به الزمانة، ومن لا عاهة به. فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة، فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن اعافيه، ويصبر على بلائي فاثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير فيحمدني ويشكرني، وينظر الفقير إلى الغني فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر، فيحمدني على ما هديته. فلذلك (1) خلقتهم لابلوهم في السراء والضراء، وفيما اعافيهم، وفيما أبتليهم وفيما اعطيهم، وفيما أمنعهم، وأنا الله الملك القادر، ولي أن أمضي جميع ما قدرت على ما دبرت، ولي أن اغير من ذلك ما شئت إلى ما شئت، واقدم من ذلك ما أخرت، واؤخر من ذلك ما قدمت، وأنا الله الفعال لما اريد، لا اسأل عما أفعل وأنا أسأل خلقي عما هم فاعلون (2). تبيين: قوله " فكان " و " ثم قال " و " فنظر " الكل معطوف على أخرج، وقوله:
" قال آدم " جواب لما، و " لامر ما " أي لامر عظيم، قوله " يعبدونني " أي اريد منهم أن يعبدوني، قوله " لا يشركون بي شيئا " حال أو استيناف بياني. قوله " وكذلك خلقتهم " في بعض النسخ " لذلك " أي لاجل الاختلاف كما قال سبحانه " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " (3) على بعض التفاسير، أو لان يعبدوني ولا يشركوا بى شيئا.
(1) فكذلك ظ، وزان قوله فيما سبق وكذلك خلقتهم، وكذلك أردت في تقديري. (2) الكافي ج 2 ص 8 - 10 (3) هود: 118.
[118]
" من روحي " أي من روح اصطفيته واخترته، أو من عالم المجردات، بناء على تجرد النفس، قيل: الروح الاول النفس والثاني جبرئيل، ولا يخفى ما فيه. " وطبيعتك " أي خلقتك الجسمانية البدنية أو صفاتها التابعة لها " خلاف كينونتي " أي وجودي فانها من عالم الماديات، ولا تناسب عالم المجردات، و الخطاء والوهم ناش منها. وقيل: الكينونة هنا مصدر كان الناقصة، والاضافة أيضا للتشريف: أي صفاتك البدنية مخالفة للاداب المرضية لي، ككونك صابرا وقانعا وراضيا بقضائه تعالى، " والجبلة " بكسر الجيم والباء وتشديد اللام: الخلقة، قوله " وبضعف طبيعتك تكلفت ما لا علم لك به " في بعض النسخ: وبضعف قوتك تكلمت. والحاصل أن حكمك بأنهم إذا كانوا على صفات واحدة كان أقرب إلى الحكمة والصواب، إنما نشأ من الاوهام التابعة للقوى البدنية، فانهم لو كانوا كذلك، لم يتيسر التكليف المعرض لهم لارفع الدرجات، ولم يبق نظام النوع ولم يرتكبوا الصناعات الشاقة التي بها بقاء نوعهم، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح. " بعلمي خالفت بين خلقهم " إذ علمت أن في مخالفة خلقتهم صلاحهم وبقاء
نوعهم، " وبمشيتي " أي إرادتي التابعة لحكمتي، " يمضي فيهم أمري " أي الامر التكويني أو التكليفي أو الاعم، " لا تبديل لخلقي ": أي لتقديري أو لما قررت فيهم من القابليات والاستعدادات. وقيل: أي من حسنت أحواله في ذلك الوقت، حسنت أحواله في الدنيا ومن حسنت أحواله في الدنيا، حسنت أحواله في الاخرة، ومن قبحت أحواله في ذلك الوقت قبحت أحواله في الموطنين الاخرين، لا يتبدل هؤلاء إلى هؤلاء، ولا هؤلاء إلى هؤلاء. اقول: قد مر وسيأتي الكلام في تفسير قوله تعالى: " لا تبديل لخلق الله " (1) وكأن هذا إشارة إليه. " وإنما خلقت الجن والانس ليعبدوني " إشارة إلى قوله
(1) الروم: 30.
[119]
تعالى: " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " (1). واورد على ظاهر الاية أن بعض الجن والانس لا يعبدون أصلا، إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك، وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع، واجيب بوجوه أربعة: الاول: أنه أراد سبحانه بالجن والانس اللذين بلغوا حد التكليف قبل الممات، والتعليل المفهوم من اللام، أعم من العلة الغائية، كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الاول عليه السلام أنه قال: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (2) أن الله عزوجل خلق الجن والانس ليعبدوه، ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله عزوجل " وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون " فيسر كلا لما خلق الجن له. فالويل لمن استحب العمى على الهدى. الثاني: أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والانس ما هو أعم من المكلفين
وأن اللام للعلية الغائية، لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله " ليعبدون " إذ لعل المراد عبادة بعض الجن والانس. الثالث: إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا، فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن والانس، إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الاية، في قوله تعالى: " فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين " فتدل على أن خلق غير المؤمنين لاجل المؤمنين، كما يومئ إليه قوله تعالى في هذا الخبر، " وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك خلقتهم " الخ. الرابع: لو سلمنا جميع ذلك، نقول: ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه
(1) الذاريات: 56. (2) قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعلم الشقاوة، متفق عليه، كما في مشكاة المصابيح ص 20.
[120]
إنما هو فيما هو غاية بالذات، والغاية بالذات هنا إنما هي التكليف بالعبادة، والعبادة غاية بالعرض، والتكليف شامل لجميع أفراد الجن والانس، للروايات الدالة على أن الاطفال والمجانين يكلفون في القيامة، كما سيأتي في كتاب الجنايز. قوله " وقبل مماتكم " كأن تخصيص قبل الممات بالذكر وإن كان داخلا في الحياة، للتنبيه على أن المدار على العاقبة في السعادة والشقاوة، " لابلوك وأبلوهم " أي لاعاملك وإياهم معاملة المختبر، " أيكم أحسن عملا " مفعول ثان للبلوى، بتضمين معنى العلم. قوله " والطاعة والمعصية " إسناد خلقهما إليه سبحانه إسناد إلى العلة البعيدة
أو المراد به: جعل المعصية معصية والطاعة طاعة، أو المراد بالخلق: التقدير على عموم المجاز، أو الاشتراك، وظاهره أن الجنة والنار مخلوقتان، كما هو مذهب أكثر الامامية بل كلهم، وأكثر العامة، وقد مر الكلام فيه في كتاب المعاد. " وبعلمي النافذ فيهم ": أي المتعلق بكنه ذواتهم وصفاتهم وأعمالهم، كأنه نفذ في أعماقهم، أو الجاري أثره فيهم " فجعلت منهم الشقي والسعيد " أي من كنت أعلم عند خلقه أنه يصير شقيا، أو المادة القابلة للشقاوة، وإن لم يكن مجبورا عليها، وكذا السعيد " والبصير " أي بصرا أو بصيرة وكذا " الاعمى ". و " الذميم " في أكثر النسخ بالذال المعجمة أي المذموم الخلقة، في القاموس ذمه ذما ومذمة فهو مذموم وذميم، وبئر ذميم وذميمة: قليلة الماء، وغزيرة ضد وبه ذميمة: أي زمانة تمنعه الخروج وكأمير بثر يعلو الوجوه من حر أو جرب. (1) وفي بعض النسخ بالدال المهملة، في القاموس: (2) والدمة بالكسر: الرجل القصير الحقير وأدم: أقبح، أو ولد له ولد قبيح دميم، وقال: الزمانة: العاهة وقوله " لابلوهم " بدل لقوله: " لذلك خلقتهم " قوله " ولي أن اغير " إشارة إلى أن
(1) القاموس ج 4 ص 115 و 116. (2) القاموس: ج 4 ص 113.
[121]
الطينات المختلفة، والخلق منها، وتقدير الامور المذكورة فيهم، ليس مما ينفي اختيار الخير والشر، أو من الامور الحتمية التي لا تقبل البداء. " لا اسأل عما أفعل " إنما لا يسأل لانه سبحانه الكامل بالذات، العادل في كل ما أراد، العالم بالحكم والمصالح الخفية التي لا تصل إليها عقول الخلق بخلاف غيره فانهم مسؤلون عن أعمالهم وأحوالهم، لان فيها الحسن والقبيح والايمان والكفر، لا بالمعنى الذي تذهب إليه الاشاعرة أنه يجوز أن يدخل
الانبياء عليهم السلام النار. والكافر الجنة، ولا يجب عليه شئ. وقيل: إن هذا إشارة إلى عدم الوجوب السابق، وجواز تخلف المعلول عن العلة التامة، كما اختاره هذا القائل. وقال بعض أرباب التأويل في شرح هذا الخبر: إنما ملؤا السماء لان الملكوت إنما هو في باطن السماء وقد ملؤها، وكانوا يومئذ ملكوتيين، والسر في تفاوت الخلائق في الخيرات والشرور، واختلافهم في السعادة والشقاوة، اختلاف استعداداتهم وتنوع حقائقهم، لتباين المواد السفلية في اللطافة والكثافة، واختلاف أمزجتهم في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي، واختلاف الارواح التي بازائها في الصفاء والكدورة والقوة والضعف وترتب درجاتهم في القرب من الله سبحانه والبعد عنه كما اشير إليه في الحديث: (1) الناس معادن كمعادن الذهب و الفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام، وأما أسر هذا السر أعني سر اختلاف الاستعدادات وتنوع الحقائق، فهو تقابل صفات الله سبحانه وأسمائه الحسنى، التي هي من أوصاف الكمال، ونعوت الجلال وضرورة تباين مظاهرها التي بها يظهر أثر تلك الاسماء، فكل من الاسماء يوجب تعلق إرادته سبحانه وقدرته إلى إيجاد مخلوق يدل عليه، من حيث اتصافه بتلك الصفة، فلابد من
(1) رواه الكليني في الكافي ج 8 ص 177 ولفظه: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة فمن كان له في الجاهلية أصل فله في الاسلام أصل، ورواه السيوطي في الجامع الصغير ولفظه كما في المتن وبعده: " إذا تفقهوا ".
[122]
إيجاد المخلوقات كلها على اختلافها، وتباين أنواعها لتكون مظاهر لاسمائه الحسنى جميعا، ومجالي لصفاته العليا قاطبة، كما اشير إلى لمعة منه في هذا الحديث انتهى.
اقول: هذه الكلمات مبنية على خرافات الصوفية، إنما نورد أمثالها لتطلع على مسالك القوم في ذلك وآرائهم. 25 - كا: عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله ابن سنان قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إني لارى بعض أصحابنا يعتريه النزق والحدة والطيش. فأغتم لذلك غما شديدا، وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت، قال: لا تقل حسن السمت، فان السمت سمت الطريق، ولكن قل: حسن السيماء، فان الله عزوجل يقول: " سيماهم في وجوههم " (1) قال: قلت: فأراه حسن السيماء، له وقار، فأغتم لذلك، قال: لا تغتم لما رأيت من نزق أصحابك، ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك، إن الله تبارك وتعالى لما أراد أن يخلق آدم، خلق تلك الطينتين ثم فرقهما فرقتين، فقال لاصحاب اليمين: كونوا خلقا بإذني، فكانوا خلقا بمنزلة الذر يسعى، وقال لاصحاب الشمال: كونوا خلقا باذني، فكانوا خلقا بمنزلة الذر يدرج. ثم رفع لهم نارا فقال (2): ادخلوها بإذني، فكان أول من دخلها محمد صلى الله عليه وآله ثم اتبعه اولو العزم من الرسل. وأوصياؤهم وأتباعهم، ثم قال لاصحاب الشمال: ادخلوها باذني، فقالوا: ربنا خلقتنا لتحرقنا ؟ فعصوا، فقال لاصحاب اليمين: اخرجوا بإذني من النار، فخرجوا لم تكلم منهم النار كلما، ولم تؤثر فيهم أثرا. فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا: ربنا نرى أصحابنا قد سلموا، فأقلنا ومرنا بالدخول، قال: قد أقلتكم فادخلوها، فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق، فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا، كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر اولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم: كونوا طينا باذني، فخلق منه آدم.
(1) الفتح 29. (2) فقال لاصحاب اليمين ظ.
[123]
قال: فمن كان من هؤلاء، لا يكون من هؤلاء، ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم، فمما اصاب من لطخ أصحاب الشمال، وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فمما أصابهم من لطخ أصحاب اليمين (1). توضيح: يقال: عراه واعتراه: أي غشيه وأتاه، و " النزق " بالفتح و التحريك: الخفة عند الغضب، والحدة والطيش قريبان منه، وقال الجوهري: السمت: الطريق، وسمت يسمت بالضم أي قصد، والسمت هيئة أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته أي هديه، (2) وقال: السيما مقصور من الواو، قال تعالى: " سيماهم في وجوههم " وقد يجئ السيماء والسيمياء ممدودين (3). وقال الفيروز آبادي: السمت: الطريق وهيئة أهل الخير والسير على الطريق بالظن، وحسن النحو، وقصد الشئ (4)، وقال: السيمة والسيماء والسيمياء بكسرهن: العلامة (5). وقال الجزري: السمت: الهيئة الحسنة، ومنه فينظرون إلى سمته وهديه أي حسن هيئته ومنظره في الدين، وليس من الحسن والجمال، وقيل هو من السمت الطريق، يقال: الزم هذا السمت وفلان حسن السمت: أي حسن القصد. وقال الزمخشري: السمت أخذ النهج ولزوم المحجة، يقال: ما أحسن سمته: أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزيي بزي الصالحين. وفي المصباح: السمت: الطريق والقصد والسكينة والوقار والهيئة انتهى. ولعل منعه عليه السلام عن إطلاق السمت لان السمت يكون بمعنى سمت الطريق فيوهم أن طريقهم ومذهبهم حسن، فعبر عليه السلام بعبارة اخرى لا يوهم ذلك، أو لما
(1) الكافي ج 2 ص 11. (2) الصحاح ص 254. (3) الصحاح: 1956. (4) القاموس ج 1 ص 150 (5) القاموس ج 4 ص 133
[124]
لم يكن السمت بمعنى هيئة أهل الخير فصيحا، أمر بعبارة اخرى أفصح منه، أو أنه عليه السلام علم أنه أراد بالسمت السيماء لاهيئة أهل الخير والطريقة الحسنة، و الافعال المحمودة، فلدا نبهه عليه السلام بأن السمت لم يأت بالمعنى الذي أردت، و هذا قريب من الاول. والوقار: الاطمينان والسكينة البدنية، " لاصحاب اليمين " أي للذين كانوا في يمين الملك الذي أمره بتفريقها، أو للذين كانوا في يمين العرش، أو للذين علم أنهم سيصيرون من المؤمنين الذين يقفون في القيامة عن يمين العرش. " كونوا خلقا " أي مخلوقين ذوي أرواح، وقيل: أي كونوا أرواحا " بمنزلة الذر " أي النمل الصغار، " يسعى " وإطلاق السعي هنا، والدرج فيما سيأتي، إما لمحض التفنن في العبارة، أو المراد بالسعي سرعة السير، وبالدرج المشي الضعيف، كما يقال درج الصبي إذا مشى أول مشيه، فيكون إشارة إلى مسارعة الاولين إلى الخيرات وبطء الاخرين عنها وقيل: المراد سعي الاولين إلى العلو، والاخرين إلى السفل. ولا دلالة في اللفظ عليهما. " ثم اتبعه اولو العزم ": أي سائرهم عليهم السلام، و " الكلم " الجرح، والفعل كضرب، وقد يبنى على التفعيل، وفي القاموس: وهج النار تهج وهجا ووهجانا: اتقدت، والاسم الوهج محركة.
واقول: يمكن أن يقال في تأويل هذا الخبر: إنه لما كان من علم الله منهم السعادة تابعين للعقل ولمقتضيات النفس المقدس فكأنها طينتهم، ومن علم الله منهم الشقاوة، تابعين للشهوات البدنية، ودواعي النفس الامارة فكأنها طينتهم ولما مزج الله بينهما في عالم الشهود، جري في غالب الناس الطاعة والمعصية والصفات القدسية والملكات الردية، فما كان من الخيرات فهو من جهة العقل والنفس، وهما طينة أصحاب اليمين، وإن كان في أصحاب الشمال، وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الاجزاء البدنية التي هي طينة أصحاب الشمال، وإن كان في أصحاب اليمين.
[125]
ويمكن أيضا أن يقال: المعنى أن الله تعالى قرر في خلقة آدم عليه السلام وطينته دواعي الخير والشر، وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والاشقياء، وخلق آدم عليه السلام مع علمه بذلك، فكأنه خلط بين الطينتين، ولما كان أولاد آدم مدنيين بالطبع، لابد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة، فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الاشقياء وبالعكس، فلعل قوله " من لطخ أصحاب الشمال " و " من لطخ أصحاب اليمين " إشارة إلى هذا المعنى. ولما كان السبب الاقوى في اكتساب السعداء صفات الاشقياء استيلاء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم، وعلم الله أن المؤمنين إنما يرتكبون الاثام، لاستيلاء أهل الباطل عليهم، وعدم تولي أئمة الحق لسياستهم، فيعذرهم بذلك ويعفو عنهم، ويعذب أئمة الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم، مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم، وسيأتي مزيد تحقيق لذلك في الاخبار الاتية إنشاء الله تعالى. 26 - سن: عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى خلق المؤمن من نور عظمته، وجلال كبريائه فمن طعن على المؤمن أو رد عليه فقد رد على الله في عرشه، وليس هو من الله في ولاية وإنما هو شرك شيطان (1). بيان: " وليس هو من الله في ولاية ": أي ليس من أولياء الله وأحبائه وأنصاره أو ليس من المؤمنين الذين ينصرهم الله ويواليهم، كما قال تعالى: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (2) " أو ليس من حزب الله، بل هو من حزب الشيطان كما ورد في خبر آخر: خرج من ولاية الله إلى ولاية الشيطان. 27 - رياض الجنان: لفضل الله بن محمد الفارسي باسناده عن بشر بن أبي عتبة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: إن الله خلق محمدا من طينة من
(1) المحاسن: 132 (2) القتال 11.
[126]
جوهرة من تحت العرش وإنه كان لطينته نضج، فجعل طينة أمير المؤمنين عليه السلام من نضج طينة رسول الله صلى الله عليه وآله وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلام نضج، فجعل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين. وكانت لطينتنا نضج ؟ جعل طينة شيعتنا من نضج طينتنا، فقلوبهم تحن إلينا وقلوبنا تعطف عليهم كعطف الوالد على الولد، ونحن لهم خير منهم لنا، ورسول الله صلى الله عليه وآله لنا خير ونحن له خير. 28 - ومنه: بإسناده عن أبي الحجاج قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الحجاج إن الله خلق محمدا وآل محمد صلى الله عليهم من طين عليين، وخلق قلوبهم (1) من طين عليين، فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد صلى الله عليه وآله، وإن الله تعالى خلق عدو آل محمد من طين سجين، وخلق قلوبهم أخبث من ذلك، وخلق شيعتهم من طين دون
طين سجين، فقلوبهم من أبدان اولئك، وكل قلب يحن إلى بدنه. 29 - بشا: عن ابن الشيخ عن والده، عن المفيد، عن الجعابي، عن جعفر بن محمد الحسيني، عن أحمد بن عبد المنعم، عن عبد الله بن محمد الفزاري، عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر الانصاري وبالاسناد عن أحمد بن عبد المنعم. عن عمرو بن شمر عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي - طالب عليه السلام: ألا ابشرك ألا أمنحك ؟ قال: بلى يا رسول الله قال: فإني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة، ففضلت منها فضلة، فخلق منها شيعتنا، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بامهاتهم إلا شيعتك، فانهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم (2). 30 - بشا: عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن، عن أبي منصور محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز المعدل، عن أبي عمير السماك، عن محمد بن أحمد المهدي، عن عمر بن الخطاب السجستاني، عن إسماعيل بن العباس الحمصي، عن أبي زياد
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: ألا ابشرك يا علي ؟ قال: بلى بأبي وامي يا رسول الله، قال: أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة، وفضلت منها فضلة فجعل (1) منها شيعتنا ومحبينا، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء امهاتهم، ما خلا نحن وشيعتنا ومحبينا، فانهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم (2). 31 - بشا: عن ابن شيخ الطائفة، عن أبيه، عن المفيد، عن المظفر بن محمد عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج، عن أحمد بن محمد بن عيسى الهاشمي، عن محمد بن
عبد الله الزراري، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي زكريا الموصلي، عن جابر، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: أنت الذي احتج الله بك في ابتداء الخلق، حيث أقامهم أشباحا، فقال لهم: ألست بربكم ؟ قالوا: بلى قال: ومحمد رسولي ؟ قالوا: بلى، قال: وعلي أمير المؤمنين ؟ فأبى الخلق جميعا إلا استكبارا وعتوا عن ولايتك، إلا نفر قليل، وهم أقل القليل، وهم أصحاب اليمين (3). 32 - كا: عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد وغيره، عن محمد بن خلف عن أبي نهشل قال: حدثني محمد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عزوجل خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا لانها خلقت مما خلقنا، ثم تلا هذه الاية " كلا إن كتاب الابرار لفي عليين * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم يشهده المقربون (4) ". وخلق عدونا من سجين، وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه، وأبدانهم
من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لانها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الاية " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * (1) [ويل يومئذ للمكذبين "]. (2) بيان: قد مر الخبر وشرحه في باب خلق أبدان الائمة عليهم السلام (3).
وقال بعض أرباب التأويل: كل ما يدركه الانسان بحواسه يرتفع منه أثر إلى روحه، ويجتمع في صحيفة ذاته وخزانة مدركاته، وكذلك كل مثقال ذرة من خير أو شر يعمله يرى أثره مكتوبا ثمة، وسيما ما رسخت بسبب الهيئات وتأكدت به الصفات، وصار خلقا وملكة. فالافاعيل المتكررة، والعقائد الراسخة في النفوس، وهي بمنزلة النقوش الكتابية في الالواح، كما قال الله تعالى " اولئك كتب في قلوبهم الايمان " (4) وهذه الالواح النفيسة يقال لها: صحائف الاعمال، وإليه الاشارة بقوله سبحانه " وإذا الصحف نشرت " (5) وقوله عزوجل " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " (6) فيقال له: " قد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " (7) " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ". (8) فمن كان من أهل السعادة وأصحاب اليمين، وكانت معلوماته امورا قدسية وأخلاقه زكية، وأعماله صالحة، " فقد اوتي كتابه بيمينه " (9) أعني من الجانب
الاقوى الروحاني، وهو جهة عليين، وذلك لان كتابه من جنس الالواح العالية والصحف المكرمة، المرفوعة المطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة (1) يشهده المقربون. ومن كان من الاشقياء المردودين، وكانت معلوماته مقصورة على الجرميات وأخلاقه سيئة، وأعماله خبيثة، فقد اوتي كتابه بشماله، أعني من جانبه الاضعف الجسماني، وهو جهة سجين، وذلك لان كتابه من جنس الاوراق السفلية والصحائف الحسية القابلة للاحتراق، فلا جرم يعذب بالنار. وإنما عود الارواح إلى ما خلقت منه، كما قال سبحانه " كما بدأكم تعودون " (2) " كما بدأنا أول خلق نعيده " (3) فما خلق من عليين فكتابه في عليين وما خلق من سجين، فكتابه في سجين انتهى. وسياق تلك التحقيقات على مذاقه من اصول الدين، ولما لم يصرح بنفي ما حققه جماهير الامامية من أصحاب اليقين، لا أدري أنها ثبتت له في عليين أو سجين، وفقنا الله لسلوك مسالك المتقين. 33 - بشا: عن ابن الشيخ، عن أبيه، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه عن سعد، عن ابن عيسى، عن محمد بن خالد، عن فضالة، عن أبي بصير، عن أبي - جعفر عليه السلام قال: إنا وشيعتنا خلقنا من طينة عليين، وخلق الله عدونا من طينة خبال من حماء مسنون (4). بيان: قال في النهاية: فيه من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال يوم القيامة جاء تفسيره في الحديث أن الخبال عصارة أهل النار، والخبال في الاصل الفساد ويكون من الافعال والابدان والعقول.
(1) اقتباس من قوله تعالى في عبس: 13 - 16. (2) الاعراف: 29 (3) الانبياء: 104 (4) بشارة المصطفى: 105.
[130]
4 - * (باب) * * " (فطرة الله سبحانه وصبغته) " * * (الايات) * البقرة: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون. (1) الروم: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (2) * (تفسير) * صبغة الله، قال البيضاوي: أي صبغنا الله صبغته، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، فانها حلية الانسان، كما أن الصبغة حلية المصبوغ، أو هدانا هدايته وأرشدنا حجته، أو طهر قلوبنا بالايمان تطهيره، وسماه صبغة لانه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب. أو للمشاكلة فان النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر، يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم، وبه تحقق نصرانيتهم، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله " آمنا " وقيل: على الاغراء، وقيل على البدل من ملة إبراهيم. " ومن أحسن من الله صبغة " لا صبغة أحسن من صبغته، " ونحن له عابدون " تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم.
(1) البقرة: 138
(2) الروم: 30.
[131]
وأقول: قد مضى تفسير الاية الثانية في باب فضل الايمان (1). 1 - كا: عن علي، عن أبيه ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " (2) قال: الاسلام، وقال في قوله عزوجل: " فقد استمسك بالعروة الوثقى " (3) قال: هي الايمان بالله وحده لا شريك له (4). بيان: قيل: على هذه الاخبار يحتمل أن تكون " صبغة " منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك " لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " (5) ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصا بالخواص والخلص المخاطبين ب " قولوا " في صدر الايات حيث قال: " قولوا آمنا بالله وما انزل إلينا " (6) دون سائر أفراد بني آدم. بل يتعين هذا المعنى إن فسر الاسلام بالخضوع والانقياد للاوامر والنواهي كما فعلوه، وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله كما سيأتي إنشاء الله. وقيل: صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما. قوله: " فقد استمسك " قال تعالى: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها " وفسر الطاغوت في الاخبار بالشيطان وبأئمة الضلال، والاولى التعميم ليشمل كل من عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله، و " يؤمن بالله " بالتوحيد وتصديق الرسل وأوصيائهم. " فقد استمسك بالعروة الوثقى ": أي طلب الامساك من نفسه بالحبل الوثيق
(1) راجع ص 43 و 44 فيما سبق (2) البقرة: 138. (3) البقرة: 256. (4) الكافي ج 2 ص 14. (5 و 6) البقرة: 136.
[132]
وهي مستعار لمتمسك الحق من النظر الصحيح، والدين القويم، " لا انفصام لها " أي لا انقطاع لها، وما ورد في الخبر من تفسيره بالايمان، كأن المراد به أنه تعالى شبه الايمان الكامل بالعروة الوثقى. وعلى ما ورد في كثير من الاخبار من أن المراد بالطاغوت: الغاصبون للخلافة فالمعنى من رفض متابعة أئمة الضلال، وآمن بما جاء من عند الله في علي والاوصياء من بعده عليهم السلام فقد آمن بالله وحده لا شريك له، وإلا فهو مشرك، كما روي في معاني الاخبار (1) عن النبي صلى الله عليه وآله: من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليستمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب فانه لا يهلك من أحبه وتولاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه، وعن الباقر عليه السلام: أن العروة الوثقى هي مودتنا أهل البيت. 2 - كا: عن العدة، عن سهل، عن البزنطي، عن داود بن سرحان، عن عبد الله بن فرقد، عن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " قال: الصبغة هي الاسلام (2). 3 - يد: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن العلا ابن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل " فطرة الله التي فطر الناس عليها " قال: على التوحيد. (3)
4 - ير: عن أحمد بن موسى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " فطرة الله التي فطر الناس عليها " (4) قال: فقال: على التوحيد ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام (5).
(1) معاني الاخبار: 368. (2) الكافي ج 2: 14. (3) كتاب التوحيد: 341 (4) الروم: 30. (5) بصائر الدرجات: 78
[133]
بيان: قال في النهاية: فيه كل مولود يولد على الفطرة، الفطر: الابتداء والاختراع، والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيأ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها وإنما يعدل عنه من يعدل لافة من آفات البشر والتقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لابائهم، والميل إلى أديانهم، عن مقتضى الفطرة السليمة. وقيل: معناه كل مولود يولد على معرفة الله والاقرار به، فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن الله صانعه، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره، ومنه حديث حذيفة " على غير فطرة محمد " أراد دين الاسلام الذي هو منسوب إليه انتهى. وقيل: الفطرة بالكسر مصدر للنوع من الايجاد، وهو إيجاد الانسان على نوع مخصوص من الكمال، وهو التوحيد ومعرفة الربوبية، مأخوذا عليهم ميثاق العبودية، والاستقامة على سنن العدل.
وقال بعض العامة: الفطرة ما سبق من سعادة أو شقاوة، فمن علم الله سعادته ولد على فطرة الاسلام، ومن علم شقاوته، ولد على فطرة الكفر، تعلق بقوله تعالى " لا تبديل لخلق الله " (1) وبحديث الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام، طبع يوم طبع كافرا، فانه يمنع من كون تولده على فطرة الاسلام. واجيب عن الاول بأن معنى لا تبديل لا تغيير، يعني لا يكون بعضهم على فطرة الكفر، وبعضهم على فطرة الاسلام، ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه " فان المراد بهذه الفطرة فطرة الاسلام. وعن الثاني: بأن المراد بالطبع حالة ثانية طرأت، وهي التهيؤ للكفر عن الفطرة التي ولد عليها. وقال بعضهم: المراد بالفطرة: كونه خلقا قابلا للهداية، ومتهيئا لها، لما أوجد فيه من القوة القابلة لها، لان فطرة الاسلام وصوابها موضوع في العقول
(1) الروم: 30.
[134]
وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الابوين، أو غيرهما. واجيب عنه بأن حمل الفطرة على الاسلام لا يأباه العقل، وظاهر الروايات يدل عليه. وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند. 5 - سن: عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزوجل: " فطرة الله التي فطر الناس عليها " قال: فطرهم على معرفة أنه ربهم، ولولا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربهم ومن رازقهم (1). بيان: قال في المصباح المنير: فطر الله الخلق فطرا من باب قتل: خلقهم، و الاسم: الفطرة بالكسر، قال الله تعالى " فطرة الله التي فطر الناس عليها " وقال صلى الله عليه وآله:
كل مولود يولد على الفطرة، قيل: معناه الفطرة الاسلامية والدين الحق، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه: أي ينقلانه إلى دينهما. وهذا التفسير مشكل، إن حمل اللفظ على حقيقته فقط، لانه يلزم منه أن لا يتوارث المشركون مع أولادهم الصغار قبل أن يهودوهم وينصروهم، واللازم منتف بل الوجه حمله على حقيقته ومجازه معا. أما حمله على مجازه فعلى ما قبل البلوغ، وذلك أن إقامة الابوين على دينهما سبب لجعل الولد تابعا لهما، فلما كانت الاقامة سببا جعلت تهويدا وتنصيرا مجازا، ثم اسند إلى الابوين توبيخا لهما، وتقبيحا عليهما كأنه قال: أبواه بإقامتهما على الشرك يجعلانه مشركا، ويفهم من هذا أنه لو أقام أحدهما على الشرك، وأسلم الاخر، لا يكون مشركا بل مسلما، وقد جعل البيهقي هذا معنى الحديث، فقال: قد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله حكم الاولاد قبل أن يختاروا لانفسهم حكم الاباء، فيما يتعلق بأحكام الدنيا، وأما حمله على الحقيقة فعلى ما بعد البلوغ لوجود الكفر من الاولاد. 6 - كا: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبد الله بن
(1) المحاسن: 241 والاية في الروم: 30
[135]
سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل " فطرة الله التي فطر الناس عليها " ما تلك الفطرة ؟ قال: هي الاسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد (1). بيان: على التوحيد متعلق بفطر وأخذ على التنازع. 7 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل " حنفاء لله غير مشركين به " (2)
قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، قال: فطرهم على المعرفة به. فقال زرارة: وسألته عن قول الله عزوجل " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " (3) قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذر، فعرفهم وأراهم نفسه، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد على الفطرة يعني على المعرفة بأن الله عزوجل خالقه، وكذلك قوله: (4) " ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن الله " (5). تبيين: قوله: " حنفاء لله " إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الحج: " فاجتنبوا الرجس من الاوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به " أي اجتنبوا الرجس الذي هو الاوثان، كما يجتنب الانجاس وكل افتراء، وعن الصادق عليه السلام الرجس من الاوثان: الشطرنج، وقول الزور: الغناء.
(1) الكافي ج 2 ص 12، والاية في الروم: 30 (2) الحج: 3 (3) الاعراف: 171 (4) لقمان: 25. (5) الكافي ج 2: 12 و 13
[136]
قال الطبرسي (1) رحمه الله: " حنفاء لله ": أي مستقيمي الطريقة على ما أمر الله مائلين عن سائر الاديان، " غير مشركين به " أي حجاجا مخلصين، وهم مسلمون موحدون لا يشركون في تلبية الحج به أحدا.
وقال في النهاية: فيه خلقت عبادي حنفاء: أي طاهري الاعضاء من المعاصي، لا أنه خلقهم كلهم مسلمين لقوله تعالى " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " (2) وقيل: أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنين لما أخذ عليهم الميثاق " ألست بربكم قالوا بلى " فلا يوجد أحد إلا وهو مقر بأن له ربا وإن أشرك به واختلفوا فيه. والحنفاء جمع حنيف، وهو المائل إلى الاسلام، الثابت عليه، والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم، وأصل الحنف: الميل، ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة: انتهى. " لا تبديل لخلق الله ": أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين بل كان كلهم مسلمين مقرين به، أو قابلين للمعرفة، " وأراهم نفسه ": أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور، ليرسخ فيهم معرفته، ويعرفوه في دار التكليف، ولولا تلك المعرفة الميثاقية، لم يحصل لهم تلك القابلية، وفسر عليه السلام الفطرة في الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والاذعان به. " كذلك قوله " أي هذه الاية أيضا محمولة على هذا المعنى، " ولئن سألتهم " أي كفار مكة، كما ذكره المفسرون، أو الاعم، كما هو الاظهر من الخبر " ليقولن الله " لفطرتهم على المعرفة، وقال البيضاوي: لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره، بحيث اضطروا إلى إذعانه انتهى. والمشهور أنه مبني على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله، بل كانوا يعبدون الاصنام، لزعمهم أنها شفعاء عند الله، وظاهر الخبر أن
(1) مجمع البيان ج 8 ص 83. (2) التعابن: 2.
[137]
كل كافر لو خلي وطبعه، وترك العصبية ومتابعة الاهواء، وتقليد الاسلاف والاباء
لاقر بذلك، كما ورد ذلك في الاخبار الكثيرة. قال بعض المحققين: الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله، ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الاسباب، ومسهل الامور الصعاب، وإن لم يتفطنوا لذلك، ويشهد لهذا قول الله عزوجل " قال: أرأيتكم إن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ". (1) وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل يا با عبد الله هل ركبت سفينة قط قال: بلى، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك ؟ قال: بلى، قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الاشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال: بلى، قال الصادق: فذلك الشئ هو الله القادر على الانجاء حين لا منجي، وعلى الاغاثة حين لا مغيث. ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عزوجل متروكين على ما فطروا عليه، مرضيا عنهم بمجرد الاقرار بالقول، ولم يكلفوا الاستدلال العلمية في ذلك، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة، وأما الاستدلال فللرد على أهل الضلال. ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان، وتحصيل الاطمينان، كما وكيفا، شدة وضعفا، سرعة وبطئا، حالا وعلما، وكشفا وعيانا وإن كان أصل المعرفة فطريا، إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى تنبيه، فلكل طريقة هداه الله عزوجل إليها إن كان من أهل الهداية، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وهم درجات عند الله يرفع الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات.
(1) الانعام: 40 و 41. (*)
[138]
قال بعض المنسوبين إلى العلم: اعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عزوجل، فكان هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف، وأسبقها إلى الافهام وأسهلها على العقول، ونرى الامر بالضد من ذلك، فلابد من بيان السبب فيه. وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله، لمعنى لا تفهمه إلا بمثال هو: أنا إذا رأينا إنسانا يكتب أو يخيط مثلا، كان كونه حيا من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة، إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه، وكل ذلك لا نعرفه، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها، وبعضها نشك فيه، كمقدار طوله، واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته. أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيوانا فانه جلي عندنا، من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فان هذه الصفات لا تحس بشئ من الحواس الخمس، ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته، فلو نظرنا إلى كل ما في العلم سواء لم نعرف به صفاته، فما عليه إلا دليل واحد، وهو مع ذلك جلي واضح. ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر، ونبات وشجر، وحيوان وسماء وأرض وكوكب، وبر وبحر، ونار وهواء، وجوهر وعرض، بل أول شاهد عليه أنفسنا، وأجسامنا، وأصنافنا، وتقلب أحوالنا، وتغير قلوبنا، وجميع أطوارنا، في حركاتنا وسكناتنا. وأظهر الاشياء في علمنا أنفسنا، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس، ثم مدركاتنا بالبصيرة والعقل، وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد، وشاهد
ودليل واحد، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة، وأدلة شاهدة، بوجود خالقها ومدبرها، ومصرفها ومحركها، ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته. والموجودات المدركة لا حصر لها، فان كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا
[139]
وليس يشهد له إلا شاهد واحد، وهو ما أحسسنا من حركة يده، فكيف لا يتصور في الوجود شئ داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله إذ كل ذرة فانها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها، ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها، يشهد بذلك أولا تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا، وتشكل أطرافنا، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة، فانا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها، كما نعلم أن يد الكاتب لم يتحرك بنفسها. ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك، ومحسوس ومعقول، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره، فانبهرت العقول، ودهشت عن إدراكه فاذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان: أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه، وذلك لا يخفى مثاله، والاخر ما يتناهى وضوحه. وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل، ولا يبصر بالنهار، لا لخفاء النهار واستتاره، ولكن لشدة ظهوره، فان بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببا لامتناع إبصاره فلا يرى شيئا إلا إذا امتزج الظلام بالضوء، وضعف ظهوره. فكذلك عقولنا ضعيفة، وجمال الحضرة الالهية في نهاية الاشراق والاستنارة وفي غاية الاستغراق والشمول، حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والارض، فصار ظهوره سبب خفائه، فسبحان من احتجب باشراق نوره، واختفى عن
البصائر والابصار بظهوره. ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور، فان الاشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه، فلو اختلف الاشياء فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب، ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الامر. ومثاله نور الشمس المشرق على الارض، فانا نعمل أنه عرض من الاعراض
[140]
يحدث في الارض، ويزول عند غيبة الشمس، فلو كانت الشمس دائمة الاشراق لا غروب لها، لكنا نظن أن لا هيئة في الاجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرها، فإنا لا نشاهد في الاسود إلا السواد، وفي الابيض إلا البياض، وأما الضوء فلا ندركه وحده، لكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع، أدركنا تفرقة بين الحالتين، فعلمنا أن الاجسام كانت قد استضاءت بضوء، واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب، فعرفنا وجود النور بعدمه، وما كنا نطلع عليه لو لا عدمه إلا بعسر شديد، وذلك لمشاهدتنا الاجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور. هذا مع أن النور أظهر المحسوسات، إذ به يدرك سائر المحسوسات، فما هو ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره، لولا طريان ضده، فاذن الرب تعالى هو أظهر الامور، وبه ظهرت الاشياء كلها، ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لانهدمت السماوات والارض، وبطل الملك والملكوت ولادركت التفرقة بين الحالتين. ولو كان بعض الاشياء موجودا به، وبعضها موجودا بغيره، لادركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة، ولكن دلالته عامة في الاشياء على نسق واحد، ووجوده دائم في الاحوال، يستحيل خلافه، فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء، فهذا هو السبب
في قصور الافهام. وأما من قويت بصيرته، ولم يضعف منته، فانه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله وأفعاله، وأفعاله أثر من آثار قدرته، فهي تابعة فلا وجود لها بالحقيقة وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الافعال كلها. ومن هذا حاله فلا ينظر في شئ من الافعال إلا ويرى فيه الفاعل، ويذهل عن الفعل، من حيث إنه سماء وأرض وحيوان وشجر، بل ينظر فيه من حيث إنه صنع، فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره، كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه، ورأى فيه الشاعر والمصنف، ورأى آثاره من حيث هي آثاره، لا من حيث إنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض، فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف.
[141]
فكل العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل الله، وعرفها من حيث إنها فعل الله، وأحبها من حيث إنها فعل الله، لم يكن ناظرا إلا في الله ولا عارفا إلا بالله، ولا محبا إلا لله، وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله، بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه، بل من حيث هو عبد الله، فهذا هو الذي يقال فيه إنه فني في التوحيد، وإنه فنى في نفسه، وإليه الاشارة بقول من قال: كنا بنا، ففنينا عنا، فبقينا بلا نحن. فهذه امور معلومة عند ذوي البصائر، أشكلت لضعف الافهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن إيضاحها وبيانها، بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الافهام، ولاشتغالهم بأنفسهم، واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يغنيهم. فهذا هو السبب في قصور الافهام عن معرفة الله تعالى، وانضم إليه أن المدركات كلها التي هي شاهدة على الله، إنما يدركها الانسان في الصبى عند فقد العقل قليلا قليلا، وهو مستغرق الهم بشهواته، وقد أنس بمدركاته ومحسوساته
إلفها، فسقط وقعها عن قلبه بطول الانس، ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا، أو فعلا من أفعال الله خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقال: " سبحان الله " وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وساير الحيوانات المألوفة، وكلها شواهد قاطعة، ولا يحس بشهادتها لطول الانس بها. ولو فرض أكمه بلغ عاقلا، ثم انقشعت الغشاوة عن عينه، فامتد بصره إلى السماء والارض، والاشجار والنبات، والحيوان، دفعة واحدة على سبيل الفجأة. يخاف على عقله أن ينبهر، لعظم تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها. وهذا وأمثاله من الاسباب، مع الانهماك في الشهوات، وهي التي سدت على الخلق سبيل الاستضاءة بأنوار المعرفة، والسباحة في بحارها الواسعة والجليات إذا صارت مطلوبة، صارت معتاصة (1)، فهذا سد الامر، فليتحقق ولذلك قيل:
(1) اعتاص عليه الامر: أي التوى، منه رحمه الله.
[142]
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد * إلا على أكمه لا يعرف القمرا لكن بطنت بما أظهرت محتجبا * فكيف يعرف من بالعرف استترا وفي كلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله على جده وأبيه، وامه وأخيه، وعليه وبنيه، ما يرشدك إلى هذا العيان، بل يغنيك عن هذا البيان، حيث قال في دعاء عرفة: " كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الاثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا "
وقال: أيضا: " تعرفت لكل شئ فما جهلك شئ، وقال: تعرفت إلي في كل شئ فرأيتك ظاهرا في كل شئ، فأنت الظاهر لكل شئ " انتهى. واقول: قد مضع اكثر أخبار هذا الباب في كتاب التوحيد (1).
(1) راجع ج 3 ص 276 - 282 من هذه الطبعة، باب الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق.
[143]
5 - * (باب) * * " (فيما يدفع الله بالمؤمن) " * 1 - كا: عن محمد بن يحيى، عن علي بن الحسن التيمي (1)، عن محمد بن عبد الله ابن زرارة، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء (2). بيان: " عن القرية " أي عن أهلها بحذف المضاف، كما في قوله تعالى: " واسأل القرية " (3) وذلك الدفع إما بدعائه أو ببركة وجوده فيهم. 2 - كا: عن محمد، عن أحمد [بن محمد]، عن ابن محبوب، عن عبد ابن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: لا يصيب قرية عذاب، وفيها سبعة من المؤمنين (4). بيان: ويمكن رفع التنافي بينه وبين الاول بوجوه: الاول: أن الاول محمول على النادر، والثاني على الغالب أو الحتم. الثاني: أن يراد بالمؤمن في الاول الكامل، وفي الثاني غيره. الثالث: أن يحملا على اختلاف المعاصي واستحقاق العذاب فيها، فانها مختلفة، ففي القليل والخفيف منها يدفع بالواحد، وفي الكثير والغليظ منها
(1) منسوب الى تيم اللات، والرجل على بن الحسن بن فضال الفطحى الثقة. وفى نسخة الكمبانى " الميثمى " وهو تصحيف. (2) الكافي ج 2 ص 247
(3) يوسف: 82. (4) الكافي ج 2 ص 247
[144]
لا يدفع إلا بالسبعة، مع أن المفهوم لا يعارض المنطوق. 3 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل له في العذاب إذا نزل بقوم، يصيب المؤمنين ؟ قال: نعم ولكن يخلصون بعده (1) بيان: " ولكن يخلصون بعده " أي ينجون بعد نزول العذاب بهم في البرزخ والقيامة، في المصباح خلص الشئ من التلف خلوصا من باب قعد وخلاصا ومخلصا سلم ونجا، وخلص الماء من الكدر: صفا انتهى. ويشكل الجمع بينه وبين الخبرين السابقين، ويمكن الجمع بوجوه: الاول: حمل العذاب في الاولين على نوع منه، كعذاب الاستيصال، كما أنه سبحانه أخرج لوطا وأهله من بين قومه، ثم أنزل العذاب عليهم، وهذا الخبر على نوع آخر كالوباء والقحط. الثاني: أن يحمل هذا على النادر، وما مر على الغالب، على بعض الوجوه. الثالث: حمل هذا على أقل من السبعة، وحمل الواحد على النادر، وما قيل: إن المراد بالخلاص: الخلاص في الدنيا، فهو بعيد، مع أنه لا ينفع في دفع التنافي.
(1) الكافي ج 2 ص 247
[145]
6 - * (باب) * * (حقوق المؤمن على الله عزوجل) * * (وما ضمن الله تعالى له) *
1 - ل: عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن علي بن الحسين بن عبيدالله اليشكري، عن محمد بن المثنى الحضرمي، عن عثمان ابن زيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: للمؤمن على الله عزوجل عشرون خصلة، يفي له بها، له على الله تبارك وتعالى أن لا يفتنه ولا يضله، وله على الله أن لا يعريه ولا يجوعه، وله على الله أن لا يشمت به عدوه، وله على الله أن لا يهتك ستره، وله على الله أن لا يخذله ويعزه، وله على الله أن لا يميته غرقا ولا حرقا، وله على الله أن لا يقع على شئ ولا يقع عليه شئ. وله على الله أن يقيه مكر الماكرين، وله على الله أن يعيذه من سطوات الجبارين، وله على الله أن يجعله معنا في الدنيا والاخرة، وله على الله أن لا يسلط عليه من الاداواء ما يشين خلقته، وله على الله أن يعيذه من البرص والجذام، وله على الله أن لا يميته على كبيرة، وله على الله أن لا ينسيه مقامه في المعاصي حتى يحدث توبة، وله على الله أن لا يحجب عنه علمه ومعرفته بحجته. وله على الله أن لا يغرز في قلبه الباطل، وله على الله أن يحشره يوم القيامة ونوره يسعى بين يديه، وله على الله أن يوفقه لكل خير، وله على الله أن لا يسلط عليه عدوه فيذله، وله على الله أن يختم له بالامن والايمان، ويجعله معنا في الرفيق الاعلى. هذه شرائط الله عزوجل للمؤمنين (1).
(1) الخصال: ج 2: 99.
[146]
بيان: قوله عليه السلام " ولا يضله " عطف تفسير لقوله " لا يفتنه " " وهتك الستر ": الفضيحة بالعيوب والمعاصي، وذكر البرص والجذام بعد قوله " ما يشين خلقه " تخصيص بعد التعميم، وبذلك عدا شيئين، وكذلك: تسليط العدو وسطوات الجبارين بينهما العموم والخصوص، فالمراد بالعدو غير الجبارين " أن لا يحجب عنه علمه "
أي بالحجة أو مطلقا بعد الفحص. وفي المصباح: غرزته غرزا من باب ضرب، أثبته بالارض، وفي النهاية: في حديث الدعاء: وألحقني بالرفيق الاعلى: الرفيق جماعة الانبياء الذين يسكنون أعلى عليين، وهو اسم جاء على فعيل، ومعناه: الجماعة، كالصديق والخليط، يقع على الواحد والجمع، ومنه قوله تعالى: " وحسن اولئك رفيقا " (1) انتهى، ثم إن أكثر هذه الخصال يحتمل أن تكون مبنية على الغالب ومشروطة بالشرائط. 2 - ما: المفيد، عن الصدوق، عن ابن المتوكل، عن الاسدي، عن النخعي عن النوفلي، عن محمد بن سنان، عن المفضل، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تعالى ضمن للمؤمن ضمانا، قال: قلت ما هو ؟ قال: ضمن له - إن أقر لله بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة، ولعلي عليه السلام بالامامة، وأدى ما افترض عليه - أن يسكنه في جواره، قال: فقلت: هذه والله هي الكرامة التي لا تشبهها كرامة الادميين ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: اعملوا قليلا تنعموا كثيرا (2). ثو: ابن المتوكل مثله (3)
7 - * (باب) * * " (الرضا بموهبة الايمان، وانه من اعظم النعم) " * * (وما أخذ الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقه من الاذى) * 1 - ما: الفحام عن المنصوري، عن عم أبيه، عن أبي الحسن الثالث، عن آبائه، عن موسى بن جعفر عليهم السلام، قال: إن رجلا جاء إلى سيدنا الصادق عليه السلام
فشكى إليه الفقر، فقال: ليس الامر كما ذكرت، وما أعرفك فقيرا قال: والله يا سيدي ما استبنت، وذكر من الفقر قطعة، والصادق عليه السلام يكذبه، إلى أن قال: خبرني لو اعطيت بالبراءة منا، مائة دينار، كنت تأخذ ؟ قال: لا، إلى أن ذكر الوف دنانير، والرجل يحلف أنه لا يفعل، فقال له: من معه سلعة يعطى هذا المال لا يبيعها، هو فقير ؟. بيان: " ما استبنت ": أي ما حققت حالي وما استوضحتها، حيث لم تعرفني فقيرا. 2 - ير: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، ومحمد بن جمهور، عن عبد الله ابن عبد الرحمان، عن الهيثم بن واقد، عن أبي يوسف البزاز قال: تلا أبو عبد الله عليه السلام علينا هذه الاية " واذكروا آلاء الله " (1) قال: أتدري ما آلاء لله ؟ قلت: لا. قال: هي أعظم نعم الله على خلقه، وهي ولايتنا (2). 3 - سن: عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن أبي امية يوسف بن ثابت بن أبي سعيد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
(1) الاعراف: 74. (2) بصائر الدرجات: ص 81
[148]
وحدانيا يدعو الناس، فلا يستجيبون له، ولقد كان أول من استجاب له علي بن أبيطالب عليه السلام وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (1). 4 - سن: عن ابن فضال، عن علي بن شجرة، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه انسا يسكن إليه، حتى لو كان على قلة جبل [لم] يستوحش إلى من خالفه (2).
بيان: القلة بالضم: أعلى الجبل، وقلة كل شئ أعلاه، " يستوحش إلى من خالفه " أي ممن خالفه، والظاهر " لم يستوحش " كما في بعض النسخ، بتضمين معنى الميل: أي لم يستوحش من الوحدة فيميل إلى من خالفه في الدين، ويأنس به في القاموس: الوحشة: الهم والخلوة والخوف، واستوحش: وجد الوحشة. 5 - سن: عن ابن فضال، عن ابن فضيل، عن أبي حمزة الثمالي، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال الله تبارك وتعالى: ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي عن المؤمن، فاني احب لقاءه، ويكره الموت، فأزويه عنه، ولو لم يكن في الارض إلا مؤمن واحد لاكتفيت به عن جميع خلقي، وجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج معه إلى أحد (3). 6 - سن: عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد بن علي الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال الله تبارك وتعالى: ليأذن بحرب مني مستذل عبدي المؤمن وما ترددت في شئ كترددي في موت المؤمن، إني لاحب لقاءه، ويكره الموت فأصرفه عنه، وإنه ليدعوني في أمر فأستجيب له لما هو خير له، ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن، لاستغنيت به عن جميع خلقي، ولجعلت له من إيمانه
انسا، لا يستوحش فيه إلى أحد (1). بيان: " ليأذن بحرب مني " أي ليعلم أني احاربه، كناية عن شدة غضبه عليه، أو أنه في حكم محاربي، كما قال تعالى " فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله (2) " قال الطبرسي: أي أعلموا بحرب، والمعنى أنكم في امتناعكم
حرب لله ولرسوله، قوله: " لاستغنيت به ": أي لاقمت نظام العالم وأنزلت الماء من السماء، ورفعت عن الناس العذاب والبلاء لوجود هذا المؤمن، لان هذا يكفي لبقاء هذا النظام، " لا يستوحش فيه " كان كلمة في تعليلية، والضمير للايمان، و ليست هذه الكلمة في أكثر الروايات، وهو أظهر. 7 - سن: عن أبيه، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن الحر أخي أديم، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: ما يضر أحدكم أن يكون على قلة جبل يجوع يوما ويشبع يوما، إذا كان على دين الله (3). 8 - سن: عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن ربعي، عن فضيل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سلامة الدين وصحة البدن خير من زينة الدنيا حسب (4). 9 - عدة الداعي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال: الله تبارك وتعالى: ليأذن بحرب مني من أذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن، ولو لم يكن من خلقي في الارض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل، لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع أرضين وسبع سماوات بهما ولجعلت لهما من إيمانهما انسا لا يحتاجان إلى البشر سواهما (5).
10 - كا: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن كليب بن
معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: ما ينبغي للمؤمن أن يستوحش إلى أخيه، فمن دونه، المؤمن عزيز في دينه (1). بيان: " أن يستوحش ": أي يجد الوحشة، ولعله ضمن معنى الميل والسكون فعدي بإلى، أي استوحش من الناس مائلا أو ساكنا إلى أخيه. قال في الوافي: ضمن الاستيحاش معنى الاستيناس، فعداه بإلى، وإنما لا ينبغي له ذلك، لانه ذل، فلعل أخاه الذي ليس في مرتبته لا يرغب في صحبته. وقال بعضهم: " إلى " بمعنى " مع " والمراد بأخيه: أخوه النسبي، و " من " موصولة، و " دون " منصوب بالظرفية، والضمير لاخيه، أي لا ينبغي للمؤمن أن يجد وحشة مع أخيه النسبي إذا كان كافرا، فمن كان دون هذا الاخ من الاقارب والاجانب، وقيل: أي لا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من الله ومن الايمان به إلى أخيه فكيف من دونه إذ للمؤمن أنس بالايمان وقرب الحق من غير وحشة، فلو انتفى الانس وتحققت الوحشة، انتفى الايمان والقرب. وأقول: الاظهر ما ذكرنا أولا من أن المؤمن لا ينبغي أن يجد الوحشة من قلة أحبائه وموافقيه، وكثرة أعدائه ومخالفيه، فيأنس لذلك، ويميل إلى أخيه الديني أو النسبي، فمن دونه من الاعادي أو الاجانب، وقوله: " المؤمن عزيز في دينه " جملة استينافية، فكأنه يقول قائل: لم لا يستوحش ؟ فيجيب بأنه منيع رفيع القدر بسبب دينه، فلا يحتاج في عزه وكرامته وغلبته إلى أن يميل إلى أحد ويأنس به، والحاصل أن عزته بالدين لا بالعشاير، والتابعين، فكلمة " في " سببية. وأقول: في بعض النسخ " عمن دونه " وفي بعضها " عن دونه " فهو صلة للاستيحاش، أي يأنس بأخيه مستوحشا عمن هو غيره. 11 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن فضالة
ابن أيوب، عن عمر بن أبان وسيف بن عميرة، عن فضيل بن يسار قال: دخلت على
(1) الكافي ج 2 ص 245
[151]
أبي عبد الله عليه السلام في مرضة مرضها، لم يبق منه إلا رأسه، فقال: يا فضيل إنني كثيرا ما أقول: ما على رجل عرفه الله هذا الامر، لو كان في رأس جبل حتى يأتيه الموت، يا فضيل بن يسار إن الناس أخذوا يمينا وشمالا، وإنا وشيعتنا هدينا الصراط المستقيم. يا فضيل بن يسار إن المؤمن لو أصبح له (1) ما بين المشرق والمغرب كان ذلك خيرا له ولو أصبح مقطعا أعضاؤه كان ذلك خيرا له، يا فضيل بن يسار ! إن الله لا يفعل بالمؤمن إلا ما هو خير له، يا فضيل بن يسار ! لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة، ما سقى عدوه منها شربة ماء، يا فضيل بن يسار ! إنه من كان همه هما واحدا، كفاه الله همه (2) ومن كان همه في كل واد، لم يبال الله بأي واد هلك (3). محص: عن الفضيل مثله، بأدنى تغيير واختصار. بيان: " في مرضة " بالفتح أو بالتحريك، وكلاهما مصدر " مرضها " أي مرض بها وقيل: البارز في " مرضها " مفعول مطلق للنوع، " لم يبق منه إلا رأسه " من للتبعيض والضمير للامام عليه السلام أي من أعضائه، أو للتعليل والضمير للمرض، والاول أظهر والمعنى: أنه نحف جميع أعضائه وهزلت، حتى كأنه لم يبق منها شئ إلا رأسه فانه لقلة لحمه لا يعتريه الهزال كثيرا، أو المراد: أنه لم يبق قوة الحركة في شئ من أعضائه إلا في رأسه، والاول أظهر. " كثيرا ما أقول " " ما " زائدة للابهام، و " ما " في قوله: " ما على رجل " نافية أو استفهامية للانكار، وحاصلهما واحد، أي لا ضرر ولا وحشة عليه، " أخذوا
يمينا وشمالا " أي عدلوا عن الصراط المستقيم إلى أحد جانبيه، من الافراط كالخوارج، أو التفريط كالمخالفين له، " ما بين المشرق " أي والحال أن له ما بينهما، أو " أصبح " بمعنى صار، " مقطعا " على بناء المفعول للتكثير " أعضاؤه "
(1) في التمحيص: لو أصبح له ملك ما بين المشرق الخ (2) في التمحيص: كفاه الله ما أهمه. (3) الكافي ج 2 ص 246.
[152]
بدل اشتمال من الضمير المستتر في مقطعا ومنهم من قرء " أعضاء " بالنصب على التميز. وقوله عليه السلام: " إن الله لا يفعل بالمؤمن " تعليل لهاتين الجملتين، فانه تعالى لو أعطى جميع الدنيا المؤمن، لم يكن ذلك على سبيل الاستدراج، بل لانه علم أنه يشكره ويصرفه في مصارف الخير، ولا يصير ذلك سببا لنقص قدره عند الله كما فعل ذلك بسليمان عليه السلام، بخلاف ما إذا فعل ذلك بغير المؤمن، فانه لاتمام الحجة عليه، واستدراجه، فيصير سببا لشده عذابه. وكذا إذا قدر للمؤمن تقطيع أعضائه، فانما هو لمزيد قربه عنده تعالى ورفعة درجاته في الاخرة، فينبغي أن يشكره سبحانه في الحالتين، ويرضى بقضائه فيهما. ولما كان الغالب في الدنيا فقر المؤمنين وابتلائهم بأنواع البلاء، وغنى الكفار والاشرار والجهال، رغب الاولين بالصبر، وحذر الاخرين عن الاغترار بالدنيا والفخر: بقوله عليه السلام " لو عدلت الدنيا عند الله جناح بعوضة ما سقى عدوه منها شربة ماء " فما أعطاه أعداءه ليس لكرامتهم عنده، بل لهوانهم عليه، ولذا لم يعطهم من الاخرة التي لها عنده قدر ومنزلة شيئا، وقد قال تعالى: " ولولا أن يكون الناس
امة واحدة لجعلنا لن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ". (1) " إنه من كان همه هما واحدا " الهم: القصد والعزم والحزن، والحاصل أنه من كان مقصوده أمرا واحدا، وهو طلب دين الحق، ورضى الله تعالى وقربه وطاعته، ولم يخلطه بالاغراض النفسانية والاهواء الباطلة فان الحق واحد، و للباطل شعب كثيرة أو غرضه في العبادات قربه تعالى ورضاه دون الاغراض الدنيوية " كفاه الله همه " أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود، ونصره على النفس والشيطان وجنود الجهل، " ومن كان همه في كل واد " من أودية الضلالة والجهالة " لم يبال الله بأي واد هلك " أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه، وتركه مع نفسه و
(1) الزخرف: 33
[153]
أهوائها، حتى يهلك باختيار واحد من الاديان الباطلة، أو الاغراض الباطلة. أو كل واد من أودية الدنيا، وكل شعبة من شعب أهواء النفس الامارة بالسوء، من حب المال والجاه والشرف والعلو، ولذة المطاعم والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك من الامور الفانية الباطلة. والحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية أو الاراء الباطلة، ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحق، وطاعة الله وما يوجب قربه، لم يمدده الله بنصره وتوفيقه، ولم يكن له عند الله قدر ومنزلة، ولم يبال بأي طريق سلك، ولا في أي واد هلك، وقيل: بأي واد من أودية جهنم. وقيل: يمكن أن يراد بالهم الواحد: القصد إلى الله، والتوكل عليه في جميع الامور، فانه تعالى يكفيه هم الدنيا والاخرة، بخلاف من اعتمد على رأيه، وقطع علاقة التوكل عن نفسه، ويحتمل أن يكون المراد بالهم: الحزن
والغم أي من كان حزنه للاخرة كفاه الله ذلك، وأوصله إلى سرور الابد، ومن كان حزنه للدنيا وكله الله إلى نفسه، حتى يهلك في واد من أودية أهوائها. 12 - كا: عن العدة، عن البرقي، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن فضيل بن يسار، عن عبد الواحد بن المختار الانصاري، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا عبد الواحد ما يضر رجلا، إذا كان على ذا الرأي ما قال الناس له، ولو قالوا مجنون، وما يضره ولو كان على رأس جبل يعبد الله حتى يجيئه الموت. (1) بيان: " ما يضر " ما نافية، ويحتمل الاستفهام على الانكار، " على ذا الرأي " أي على هذا الرأي، وهو التشيع، " ما قال " فاعل ما يضره، " ولو قالوا مجنون " فان هذا أقصى ما يمكن أن يقال فيه، كما قالوا في الرسول صلى الله عليه وآله " وما يضره " أي قول الناس، وهذا أيضا يحتمل الاستفهام على الانكار " ولو كان على رأس جبل " أي لكثرة قول الناس فيه هربا من أقوالهم فيه وضررهم، " يعبد الله "
(1) الكافي ج 2 ص 245
[154]
حال أو استيناف، كأنه سئل كيف لا يضره ذلك، قال لانه يعبد الله حتى يأتيه الموت. 13 - كا: عن علي بن إبراهيم، عن ابن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن المعلى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تبارك وتعالى: لو لم يكن في الارض إلا مؤمن واحد، لاستغنيت به عن جميع خلقي، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يحتاج إلى أحد. (1) بيان: يحتمل أن يكون هذا المؤمن الواحد الامام، أو لابد من أحد غيره يؤمن به، والاول أظهر، لما مر من كون إبراهيم عليه السلام امة، وقد مر ما يؤيد
الثاني أيضا، وأما كون الايمان سببا للانس وعدم الاستيحاش، لانه يتفكر في الله وصفاته، وفي صفات الانبياء والائمة عليهم السلام وحالاتهم، وفي درجات الاخرة ونعمها ويتلو كتاب الله، ويدعوه فيعبده فيأنس به سبحانه، كما سئل عن راهب لم لا تستوحش عن الخلوة ؟ قال: لاني إذا أردت أن يكلمني أحد أتلو كتاب الله، وإذا أردت أن اكلم أحدا اناجي الله. 14 - كا: عن محمد، عن أحمد، عن ابن أبي نصر، عن الحسين بن موسى عن ابن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما يبالي من عرفه الله هذا الامر أن يكون على قلة جبل يأكل من نبات الارض حتى يأتيه الموت. (2) بيان: " ما يبالي " خبر، أو المعنى ينبغي أن لا يبالي من عرفه هذا الامر أي دين الامامية. 15 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن منصور الصيقل والمعلى بن خنيس قالا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عزوجل: ما ترددت في شئ أنا فاعله كترددي في موت عبدي المؤمن إنني لاحب لقاءه ويكره الموت، فأصرفه عنه، وإنه
(1) الكافي ج 2 ص 245 (2) المصدر ج 2 ص 245.
[155]
ليدعوني، فاجيبه، وإنه ليسألني فاعطيه، ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد. (1) تبيين: " ما ترددت في شئ " هذا الحديث من الاحاديث المشهورة بين الفريقين، ومن المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق في الامور التي
يقصدونها فيترددون في إمضائها، إما لجهلهم بعواقبها، أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع ونحوه، ولهذا قال: " أنا فاعله " أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به: التردد في التقديم والتأخير لا في أصل الفعل. وعلى التقديرين فلابد فيه من تأويل وفيه وجوه عند الخاصة والعامة أما عند الخاصة فثلاثة: الاول أن في الكلام إضمارا، والتقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شئ كترددي في وفاة المؤمن. الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق، وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدو، بل يوقعها من غير تردد وتأمل، صح أن يعبر عن توقير الشخص واحترامه بالتردد وعن إدلاله واحتقاره بعدمه، فالمعنى ليس لشئ من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية. الثالث: أنه ورد من طريق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار، فيقل تأذيه به، ويصير راضيا بنزوله وراغبا في حصوله، فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يولم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم، فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا الالم إليه، على وجه يقل تأذيه. فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية، والراحة العظيمة
(1) الكافي ج 2: 246.
[156]
إلى أن يتلقاه بالقبول، ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول، فيكون في الكلام استعارة تمثيلية.
وأما وجوهه عند العامة فهي أيضا ثلاثة: الاول أن معناه: ما تردد عبدي المؤمن في شئ أنا فاعله كتردده في قبض روحه، فانه متردد بين إرادته للبقاء وإرادتي للموت، فأنا الطفه وابشره حتى أصرفه عن كراهة الموت، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدسة كرامة وتعظيما له، كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه: عبدي ! مرضت فلم تعدني ؟ فيقول: كيف تمرض وأنت رب العالمين، فيقول: مرض عبدي فلان فلم تعده، فلو عدته لوجدتني عنده، وكما أضاف مرض وليه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدسة عن نعوت خلقه إعظاما لقدر عبده، وتنويها بكرامة منزلته، كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك. الثاني أن " ترددت " في اللغة بمعنى " رددت " مثل قولهم: فكرت وتفكرت، ودبرت وتدبرت فكأنه يقول: ما رددت ملائكتي ورسلي في أمر حكمت بفعله، مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن، فارددهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي، وبما أعددت له عندي، كما ردد ملك الموت عليه السلام إلى إبراهيم وموسى عليهما السلام في القصتين المشهورتين إلى أن اختار الموت فقبضهما، كذلك خواص المؤمنين من الاولياء يرددهم إليهم رفقا وكرامة، ليميلوا إلى الموت، ويحبوا لقاءه تعالى. الثالث أن معناه ما رددت الاعلال والامراض والبر واللطف والرفق، حتى يرى بالبر عطفي وكرمي، فيميل إلى لقائي طمعا، وبالبلايا والعلل فيتبرم بالدنيا ولا يكره الخروج منها. وما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت، لا ينافي ما دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحب لقاء الله، ولا يكرهه، إما لما ذكره
[157]
الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مفيد بوقت، فيحمل على حال الاحتضار، ومعاينة ما يحب، فانه ليس شئ حينئذ أحب إليه من الموت ولقاء الله أو لانه يكره الموت من حيث التألم به، وهما متغايران وكراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الاخر، أو لان حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه، وهو يستلزم كراهة الموت القاطع له واللازم لا ينافي الملزوم، قوله تعالى " وإنه ليدعوني " بأن يقول يا الله مثلا، " فاجيبه " بأن يقول له لبيك مثلا، " وإنه ليسألني " أي يطلب حاجته كأن يقول: اصرف عني الموت، " لاستغنيت به " أي اكتفيت به في إبقاء نظام العالم للمصلحة، وضمن " يستوحش " معنى الاحتياج ونحوه. فعدي بإلى كما مر. 8 * (باب) * " (قلة عدد المؤمنين، وانه ينبغى ان لا يستوحشوا لقلتهم) " " (وانس المؤمنين بعضهم ببعض) " الايات: قال تعالى: وقليل من عبادي الشكور (1). وقال: وقليل ما هم (2). وقال: وما آمن معه إلا قليل (3). وقال سبحانه: بل أكثرهم لا يعقلون (4). وقال: ولكن أكثرهم لا يشكرون (5).
واقول: مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الاوهام العامية أن الكثرة دليل الحقية، والقلة دليل البطلان، ولذا يميل أكثر الناس إلى السواد الاعظم، مع أن في أعصار جميع الانبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف أتباعهم وأولياءهم، وقد الكثير مدح القليل، الرب الجليل في التنزيل، والله يهدي إلى سواء السبيل. 1 - نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس ! لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل (1). بيان: لما كانت العادة جارية بأن يستوحش الناس من الوحدة، وقلة الرفيق في الطريق، لاسيما إذا كان طويلا صعبا غير مأنوس، فنهى عن الاستيحاش في تلك الطريق، وكنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة، بأنهم ليسوا على الحق لقلتهم، وكثرة مخالفيهم، كما أشرنا إليه. وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة الهلاك، والسلامة مع الكثرة فنبههم عليه السلام على أنهم في طريق الهدى والسلامة، وإن كانوا قليلين، ولا يجوز مقايسة طرق الاخرة بطرق الدنيا. ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى، وهي اجتماع الناس على الدنيا فقال: " فان الناس " واستعار للدنيا المائدة، لكونهما مجتمع اللذات، وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعها، وعن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الاخرة بطول جوعها. قيل: ولفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية
الباقية من الكمالات النفسانية، وهو بسبب الغفلة في الدنيا، فلذلك نسب الجوع إليها. 2 - صفات الشيعة للصدوق: باسناده عن المفضل بن قيس، عن أبي عبد الله
(1) نهج البلاغة: 442، الخطبة 199.
[159]
عليه السلام قال: قال لي: كم شيعتنا بالكوفة ؟ قال: قلت خمسون ألفا فما زال يقول إلى أن قال: والله لوددت أن يكون بالكوفة خمسة وعشرون رجلا يعرفون أمرنا الذي نحن عليه، ولا يقولون علينا إلا الحق (1). 3 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن قتيبة الاعشى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: المؤمنة أعز من المؤمن، و المؤمن أعز من الكبريت الاحمر، فمن رأى منكم الكبريت الاحمر ؟. (2) بيان: في القاموس: عز يعز عزا وعزة بكسرهما صار عزيزا، كتعزز و وقوي بعد ذلة، والشئ قل، فلا يكاد يوجد، فهو عزيز (3)، وقال: " الكبريت " من الحجارة الموقد بها، والياقوت الاحمر، والذهب، وجوهر معدنه خلف التبت بوادي النمل (4) انتهى. والمشهور أن الكبريت الاحمر هو الجوهر الذي يطلبه أصحاب الكيمياء وهو الاكسير، وحاصل الحديث: أن المرأة المتصفة بصفات الايمان أقل وجودا من الرجل المتصف بها، والرجل المتصف بها أعز وجودا من الاكسير الذي لا يكاد يوجد، ثم أكد قلة وجود الكبريت بقوله: " فمن رأى منكم " ؟ وهو استفهام انكاري، أي إذا لم تروا الكبريت الاحمر، فكيف تطمعون في رؤية المؤمن الكامل الذي هو أعز وجودا منه أو في كثرته. 4 - كا: عن العدة، عن سهل، عن ابن أبي نجران، عن مثنى الحناط، عن
كامل التمار، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الناس كلهم بهائم - ثلاثا - إلا قليل من المؤمنين، والمؤمن غريب - ثلاث مرات (5).
(1) صفات الشيعة ص 170. (2) الكافي ج 2: 242. (3) القاموس ج 2 ص 182. (4) المصدر ج 1 ص 155. (5) الكافي ج 2 ص 242
[160]
بيان: " كلهم بهائم ": أي شبيه بها في عدم العقل وإدراك الحق، وغلبة الشهوات النفسانية على القوى العقلانية، كما قال تعالى: " إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا " " إلا قليل " كذا في أكثر النسخ، وفي بعضها " إلا قليلا " وهو أصوب. " المؤمن غريب " لانه قلما يجد مثله فيسكن إليه، فهو بين الناس كالغريب الذي بعد عن أهله ووطنه ودياره، " ثلاث مرات " أي قال هذا الكلام ثلاث مرات وكذا قوله: " ثلاثا " وفي بعض النسخ " عزيز " مكان " غريب ". 5 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لابي بصير: أما والله لو أني أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي، ما استحللت أن أكتمهم حديثا (1). بيان: " ثلاثة مؤمنين " ثلاثة إما بالتنوين، ومؤمنين صفتها، أو بالاضافة فمؤمنين تميز، ويدل على أن المؤمن الكامل الذي يستحق أن يكون صاحب أسرارهم وحافظها قليل، وأنهم كانوا يتقون من أكثر الشيعة، كما كانوا يتقون من المخالفين، لانهم كانوا يذيعون، فيصل ذلك إما إلى خلفاء الجور، فيتضررون عليهم السلام
منهم، أو إلى نواقص العقول الذين لا يمكنهم فهمها، فيصير سببا لضلالتهم. ويمكن أن يقال في سبب تعيين الثلاثة: إن الواحد لا يمكنه ضبط السر، و كذا الاثنان، وأما إذا كانوا ثلاثة فيأنس بعضهم ببعض، ويذكرون ذلك فيما بينهم فلا يضيق صدرهم، ويخف عليهم الاستتار عن غيرهم كما هو المجرب. 6 - كا: عن محمد بن الحسن، وعلي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد الانصاري، عن سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: والله ما يسعك القعود، قال: ولم يا سدير ؟ قلت: لكثرة مواليك و شيعتك وأنصارك، والله لو كان لامير المؤمنين عليه السلام مالك من الشيعة والانصار و والموالي، ما طمع فيه تيم ولا عدي.
(1) الكافي ج 2: 242
[161]
فقال: يا سدير ! كم عسى أن يكونوا ؟ قلت: مائة ألف. قال: مائة ألف ؟ قلت: نعم ومائتي ألف، فقال: ومائتي ألف ؟ قلت: نعم ونصف الدنيا، قال: فسكت عني، ثم قال: يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع ؟ قلت: نعم فأمر بحمار وبغل أن يسرجا، فبادرت فركبت الحمار، فقال: يا سدير ترى أن تؤثرني بالحمار ؟ قلت: البغل أزين وأنبل، قال: الحمار أرفق بي، فنزلت، فركب الحمار، وركبت البغل. فمضينا فحانت الصلاة، فقال: يا سدير انزل بنا نصلي، ثم قال: هذه أرض سبخة لا يجوز الصلاة فيها، فسرنا حتى صرنا إلى أرض حمراء، ونظر إلى غلام يرعى جداء، فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود ونزلنا وصلينا، فلما فرغنا من الصلاة عطفت إلى الجداء، فعددتها فإذا هي سبعة عشر (1).
بيان: سدير كأمير، " ما يسعك القعود " أي ترك القتال والجهاد، وفي المصباح: قعد عن حاجته: تأخر عنها، و " الموالي " الاحباء المخلصون من الشيعة و " تيم " قبيلة أبي بكر، و " عدي " قبيلة عمر: أي ما طمع من غصب خلافته التيمي والعدوي، أو قبيلتهما، " قال مائة ألف " على سبيل التعجب والانكار، " يخف عليك " بكسر الخاء أي يسهل ولا يثقل، وفي القاموس: خف القوم: ارتحلوا مسرعين. وقال: " ينبع " كينصر حصن له عيون ونخيل وزروع بطريق حاج مصر (2) وفي النهاية: على سبع مراحل من المدينة من جهة البحر انتهى، وقيل: على أربع مراحل وهو من أوقاف أمير المؤمنين عليه السلام، وهو عليه السلام أجرى عينه، كما يظهر من الاخبار. " أن يسرجا " بدل اشتمال لقوله: حمار وبغل، " أزين " أي الزينة في
(1) الكافي ج 2 ص 242 (2) القاموس ج 3: 87.
[162]
ركوبه أكثر، وعند الناس أحسن، وفي القاموس: " النبل " بالضم الذكاء والنجابة نبل ككرم نبالة فهو نبيل، وامرأة نبيلة في الحسن بينة النبالة، وكذا الناقة أو الفرس، والرجل (1)، والحاصل أني إنما اخترت لك البغل لانه أشرف وأفضل واختار عليه السلام الحمار، لان التواضع فيه أكثر، مع سهولة الركوب والنزول والسير. " فحانت الصلاة " أي قرب أو دخل وقتها، في القاموس: حان يحين: قرب وآن، وكان الامر بالنزول أولا ثم الاعراض عنه للتنبيه على عدم جواز الصلاة فيها وفي المشهور محمول على الكراهة إلا أن يحصل الاستقرار، وسيأتي في كتاب الصلاة: " وكره الصلاة في السبخة إلا أن تكون مكانا لينا تقع عليه الجبهة مستويا " وسنتكلم
عليه إنشاء الله. وقال الجوهري: الجدي من ولد المعز، وثلاثة: أجد فإذا كثرت فهي الجداء، ولا تقل الجدايا ولا الجدى بكسر الجيم (2) وقال: " عطفت " أي ملت ويومئ إلى أن الصاحب عليه السلام مع كثرة من يدعي التشيع ليست له شيعة واقعية بهذا العدد وقيل: أي لابد أن يكون في عسكر الامام عليه السلام هذا العدد من المخلصين، حتى يمكنه طلب حقه بهذا العسكر، لا أن هذا العدد كاف في جواز الخروج. 7 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان عن عمار بن مروان، عن سماعة بن مهران، قال: قال لي عبد صالح عليه السلام: يا سماعة أمنوا على فرشهم وأخافوني، أما والله لقد كانت الدنيا، وما فيها إلا واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره لاضافه الله عزوجل إليه حيث يقول: " إن إبراهيم كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " (3) فصبر (4) بذلك ما شاء الله، ثم إن الله آنسه باسماعيل وإسحاق، فصاروا ثلاثة.
(1) القاموس ج 4 ص 54. (2) الصحاح: 2299. (3) النحل: 120. (4) فغبر، خ ل - كما في متن الكافي.
[163]
أما والله إن المؤمن لقليل، وإن أهل الكفر كثير، أتدري لم ذاك ؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك، فقال: صيروا انسا للمؤمنين، يبثون إليهم ما في صدروهم فيستريحون إلى ذلك ويسكنون إليه. (1) بيان: " أخافوني " أي بالاذاعة وترك التقية، والضمير في " أمنوا " راجع إلى المدعين للتشيع، الذين لم يطيعوا أئمتهم في التقية، وترك الاذاعة، وأشار بذلك
إلى أنهم ليسوا بشيعة لنا، ثم ذكر لرفع استبعاد السائل عن قلة المخلصين بقوله: " لقد كانت الدنيا وما فيها " الواو للحال، و " ما " نافية، " ولو كان معه غيره " أي من أهل الايمان، " لاضافه الله عزوجل إليه " لان الغرض ذكر أهل الايمان، التاركين للشرك، حيث قال: " ولم يك من المشركين " فلو كان معه غيره من المؤمنين لذكره معه. " إن إبراهيم كان امة " قال في مجمع البيان: (2) اختلف في معناه، فقيل: قدوة ومعلما للخير، قال ابن الاعرابي: يقال للرجل العالم: امة، وقيل: أراد إمام هدى، وقيل: سماه امة لان قوام الامة كان فيه، وقيل: لانه قام بعمل امة، وقيل: لانه انفرد في دهره بالتوحيد، فكان مؤمنا وحده والناس كفار. " قانتا لله " أي مطيعا دائما على عبادته، وقيل: مصليا، " حنيفا " أي مستقيما على الطاعة وطريق الحق وهو الاسلام، " ولم يك من المشركين " بل كان موحدا انتهى. وقيل: يحتمل أن يكون " من " للابتداء أي لم يكن في آبائه مشرك، وهو بعيد، وفي النهاية: في حديث قس إنه يبعث يوم القيامة امة واحدة، الامة: الرجل المتفرد بدين، كقوله تعالى: " إن إبراهيم كان امة قانتا لله " انتهى. وأقول: كأن هذا كان بعد وفات لوط عليه السلام أو أنه لما لم يكن معه، وكان مبعوثا على قوم آخر، لم يكن ممن يؤنسه ويقويه على أمره في قومه، " فغبر بذلك "
(1) الكافي ج 2: 243. (2) مجمع البيان ج 6: 391.
[164]
في أكثر النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة، أي مكث أو مضى وذهب، كما في القاموس، فعلى الاول فيه ضمير مستتر راجع إلى إبراهيم، وعلى الثاني فاعله
ما شاء الله، وفي بعض النسخ " فصبر " فهو موافق للاول، وفي بعضها بالعين المهملة فهو موافق للثاني. " وإن أهل الكفر كثير " المراد بالكفر هنا مقابل الايمان الكامل، كما قال سبحانه: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " (1)، " أتدري لم ذاك " هذا بيان لحقية هذا الكلام أي قلة عدد المؤمنين مع أنهم بحسب الظاهر كثيرون أو لان الله تعالى لم جعل هؤلاء في صورة المؤمنين ؟ أولم خلقهم ؟ والمعنى على التقادير أن الله جعل هؤلاء المتشيعة انسا للمؤمنين لئلا يستوحشوا لقلتهم أو يكون علة لخروج هؤلاء عن الايمان، فالمعنى أن الله تعالى جعل المخالفين انسا للمؤمنين " فيبثون " أي المؤمنون إلى المخالفين أسرار أئمتهم، فبذلك خرجوا عن الايمان. ويؤيد الاحتمالات المتقدمة خبر علي بن جعفر (2) " فيستريحون إلى ذلك " " إلى " بمعنى " " مع "، أو ضمن في متعلقه معنى التوجه ونحوه. 8 - كا: عن العدة، عن سهل، عن محمد بن أورمة، عن النضر، عن يحيى ابن أبي خالد القماط، عن حمران بن أعين، قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما أقلنا ؟ لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ! فقال: ألا احدثك بأعجب من ذلك ؟ المهاجرون والانصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة - قال حمران: فقلت: جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال: رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا. فقلت في نفسي: ما شئ أفضل من الشهادة، فنظر إلي فقال: لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات. (3). بيان: " ما أقلنا " صيغة تعجب، " ما أفنيناها " أي ما نقدر على أكل جميعها " وأشار " كلام الراوي، والمراد به الاشارة بثلاثة أصابع من يده عليه السلام و " ثلاثة " كلام الامام، والمراد بالثلاثة: سلمان وأبو ذر والمقداد، كما روى الكشي
(1) يوسف: 106. (2) الاتى تحت الرقم 9
(3) الكافي ج 2 ص 244
[165]
عن الباقر (1) عليه السلام أنه قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد. قال الراوي: فقلت: فعمار قال: كان جاض جيضة ثم رجع، ثم إن أردت الذي لم يشك، ولم يدخله شئ، فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الاعظم لو تكلم به لاخذتهم الارض وهو هكذا، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت، ولم يأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلا أن يتكلم، " جاض " أي عدل عن الحق ومال. وقال الجوهري: (2) " هيهات " كلمة تبعيد، والتاء مفتوحة مثل كيف وأصلها هاء، وناس يكسرونها على كل حال، بمنزلة نون التثنية، وقد تبدل الهاء [الاولى] همزة فيقال: أيهات، مثل هراق وأراق. قال الكسائي: ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء، فقال: هيهاه، ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء. 9 - كا: عن الحسين بن محمد، عن المعلى، عن أجمد بن محمد بن عبد الله عن علي بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: ليس كل من يقول بولايتنا مؤمنا ولكن جعلوا انسا للمؤمنين. (3) 10 - كا: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن، كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد. (4) بيان: " إلى المؤمن " قيل " إلى " بمعنى " مع "، وأقول: كأن فيه تضمينا، وهذا تشبيه كامل للمعقول بالمحسوس، فان للظمآن اضطرابا في فراق الماء، ويشتد طلبه له، فإذا وجده استقر وسكن، ويصير سببا لحياته البدني فكذلك المؤمن يشتد شوقه إلى المؤمن، وتعطشه في لقائه، فإذا وجده سكن
(1) رجال الكشى ص 16. (2) الصحاح: 2258 (3) الكافي ج 2: 245. (4) الكافي ج 2: 247.
[166]
ومال إليه، ويحيى به حياة طيبة روحانية، فانه يصير سببا لقوة إيمانه، وإزالة شكوكه وشبهاته وزوال وحشته. وقيل: هذا السكون ينشأ من أمرين، أحدهما الاتحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة والروح كما مر، والمتجانسان يميل أحدهما إلى الاخر، وكلما كان التناسب والتجانس أكمل، كان الميل أعظم، كما روي أن الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وثانيهما المحبة لان المؤمن لكمال صورته الظاهرة والباطنة بالعلم والايمان والاخلاق والاعمال محبوب القلوب وتلك الصورة قد تدرك بالبصر والبصيرة، وقد تكون سببا للمحبة والسكون باذن الله تعالى وبسبب العلاقة في الواقع، وإن لم يعلم تفصيلها. 9 - * (باب) * " (اصناف الناس في الايمان) " * الايات * التوبة: الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم * ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم * ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخد ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم (1)،
الشعراء: ولو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين (2).
(1) البراءة 97 - 99. (2) الشعراء: 198.
[167]
محمد: وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم (1). تفسير: " الاعراب أشد كفرا ونفاقا " الاعراب سكان البادية الذين لم يهاجروا إلى النبي صلى الله عليه وآله، قال الراغب: العرب أولاد إسماعيل، والاعراب جمعه في الاصل، وصار ذلك إسما لسكان البادية، قال تعالى: " قالت الاعراب آمنا " وقال: " الاعراب أشد كفرا ونفاقا " انتهى (2). وكونهم أشد كفرا ونفاقا من أهل الحضر لتوحشهم وقساوتهم وجفائهم و نشوهم في بعد من مشاهدة العلماء وسماع التنزيل، " وأجدر أن لا يعلموا " أي أحق بأن لا يعلموا " حدود ما أنزل الله على رسوله " من الشرائع فرائضها وسننها و أحكامها " والله عليم " يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر، " حكيم " فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم عقابا وثوابا. " ومن الاعراب من يتخذ " أي يعد " ما ينفق " أي يصرفه في سبيل الله ويتصدق به، " مغرما " أي غرامة وخسرانا إذ لا يحتسبه عند الله، ولا يرجو عليه ثوابا و إنما ينفق رئاء وتقية، " ويتربص بكم الدوائر " أي ينتظر بكم صروف الزمان وحوادث الايام من الموت والقتل والمغلوبية، فيرجع إلى دين المشركين و يتخلص من الانفاق، " عليهم دائرة السوء " اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصونه أو إخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم " والله سميع " لما يقولون عند الانفاق وغيره " عليم " بما يضمرون. " قربات " أي سبب قربات، " وصلوات الرسول " أي وسبب دعواته، لانه
كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة، ويستغفر لهم " ألا إنها قربة لهم " شهادة من الله لهم بصحة معتقدهم، وتصديق لرجائهم، " سيدخلهم الله " وعد لهم باحاطة الرحمة عليهم " إن الله غفور رحيم " تقرير له..
(1) القتال: 38. (2) المفردات 238، وفيه الاعراب ولد اسماعيل.
[168]
" ما كانوا به مؤمنين " (1) لفرط عنادهم واستنكافهم من اتباع العجم، وما قيل: من أن المراد بالاعجمين البهائم، فهو في غاية البعد. " وإن تتولوا " (2) عطف على " وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم " (3) وقال علي بن إبراهيم: يعني عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. " يستبدل قوما غيركم " أي يقم مكانكم قوما آخرين، وقال علي بن إبراهيم: يدخلهم في هذا الامر، " ثم لا يكونوا أمثالكم " قال: في معاداتكم و خلافكم وظلمكم لال محمد عليه وعليهم السلام. قال في المجمع: " وإن تتولوا ": أي تعرضوا عن طاعته، وعن أمر رسوله " يستبدل قوما غيركم " أمثل وأطوع منكم، " ثم لا يكونوا أمثالكم " بل يكونوا خيرا منكم، وأطوع لله منكم. وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه ؟ وكان سلمان إلى جنب رسول الله فضرب صلى الله عليه وآله يده على فخذ سلمان، فقال: هذا وقومه، والذي نفسي بيده، لو كان الايمان منوطا بالثريا، لتناوله رجال من فارس. وروى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن تتولوا يا معشر العرب، يستبدل قوما غيركم، يعني الموالي، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قد والله أبدل بهم خيرا
منهم الموالي (4). 1 - مع: عن ماجيلويه، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن محمد بن هارون عن أبي يحيى الواسطي، عمن ذكره، قال: قال رجل لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يقولون من لم يكن عربيا صلبا ومولى صريحا، فهو سفلي، فقال: وأي
(1) الشعراء: 198. (2) القتال: 38. (3) القتال: 36. (4) مجمع البيان ج 9 ص 108.
[169]
شئ المولى الصريح ؟ فقال له الرجل: من ملك أبواه، قال: ولم قالوا هذا ؟ قال: لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: مولى القوم من أنفسهم، فقال: سبحان الله أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا مولى من لا مولى له، أنا مولى كل مسلم، عربيها و عجميها، فمن والى رسول الله صلى الله عليه وآله، أليس يكون من نفس رسول الله ؟. ثم قال: أيهما أشرف ؟ من كان من نفس رسول الله صلى الله عليه وآله، أو من كان من نفس أعرابي جلف بائل على عقبيه ؟ ثم قال عليه السلام: من دخل في الاسلام رغبة خير ممن دخل رهبة، ودخل المنافقون رهبة، والموالي دخلوا رغبة، (1) بيان: في القاموس: " الصلب " بالضم: الشديد، والحسب، والقوة وقال: " الصريح ": الخالص من كل شئ، وقال (2): " السفل والسفلة " بكسرهما نقيض العلو، وقد سفل ككرم، وعلم، ونصر، سفالا وسفولا وتسفل وسفل في خلقه وعلمه ككرم سفلا ويضم وسفالا ككتاب وفي الشئ سفولا نزل من أعلاه إلى أسفله، وسفلة الناس بالكسر كفرحة أسافلهم وغوغاؤهم. " مولى القوم من أنفسهم " كأن غرضه صلى الله عليه وآله حثهم على إكرام مواليهم
ومعتقيهم، ورعايتهم وعدم الازراء بشأنهم وتعييرهم بخسة نسبهم، لا أنهم في حكمهم في جميع الامور، كما فهمه بعض العامة، قال في النهاية: في حديث الزكاة مولى القوم منهم، الظاهر من المذهب والمشهور أن موالي بني هاشم والمطلب لا يحرم عليهم أخذ الزكوة، لانتفاء النسب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب، وفي مذهب الشافعي على وجه أنه يحرم على الموالي أخذها لهذا الحديث. ووجه الجمع بين الحديث، ونفي التحريم، أنه إنما قال هذا القول تنزيها لهم وبعثا على التشبه بسادتهم، والاستنان بسنتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس.
(1) معاني الاخبار: 405 (2) القاموس ج 3: 396.
[170]
وأقول: غرض القائل أنه ليس غير العرب من نجباء الناس، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مولى القوم من أنفسهم فالمولى الصريح أيضا ملحق بهم، فحمل الرواية على الحقيقة والعموم، وسائر الناس من أهل فارس وغيرهم من سقاط الناس وأراذلهم، وليسوا من أكفاء العرب، كما كان عمر لعنه الله يقوله. وذلك أنه سمع من النبي صلى الله عليه وآله أن أنصار علي وأهل بيته عليهم السلام يكونون من العجم، ولذا حكم بقتل العجم جميعا لما استولى على بلاد فارس، فمنعه أمير المؤمنين عليه لاسلام عن ذلك، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سنوابهم سنة أهل الكتاب. فصار أولادهم من أهل العراق وغيرهم من أصحاب أئمتنا صلوات الله عليهم وأنصارهم ومحل أسرارهم، ودونوا الاصول، وانتشر ببركتهم علوم أهل البيت صلوات الله عليهم في العالم. وهذا الكلام الذي نقله الراوي عن المتعصبين من المخالفين، الذين كانوا
أعداء أهل البيت وشيعتهم ومواليهم، كان مبنيا على ما ذكرنا، فأجاب عليه السلام متعجبا من كلامهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وإن قال: مولى القوم من أنفسهم، قال أيضا: أنا مولى من لا مولى له، فالعجم كلهم رسول الله مولاهم. وأيضا له صلى الله عليه وآله ولاء كل مسلم من العرب والعجم، أي هو أولى بامورهم وناصرهم، ومعينهم في الدنيا والاخرة، وإن ماتوا ولا وارث لهم فهو وارثهم، وعليه نفقتهم إن كانوا فقراء، ويجب عليه قضاء ديونهم، إن ماتوا ولا مال لهم، من بيت مال المسلمين، وكذا بعده أوصياؤه عليهم السلام مواليهم بتلك المعاني، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله باتفاق المخالف والمؤالف: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم بين عليه السلام أنهم أشرف من الموالي الصريح، الذي ذكره الراوي، لانه على مقتضى قوله إذا أعتق والدي رجل أعرابي جلف يبول على عقبيه، ولا يغسلهما للشقاق الذي فيهما، وكان ذلك عادتهم، ولذا أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بغسل رجليهم قبل الصلاة، وقال: ويل للاعقاب من النار، فتوهموا أن ذلك في الوضوء
[171]
كما ذكره الجزري في النهاية. أو هو كناية عن عدم احترازهم عن البول، فيصل إلى أرجلهم رشاشته ولا يغسلونها، والاول أظهر، فكان (1) هذا الرجل مولى صريحا للعرب، وهو عندهم أشرف من العجم، مع أن العجم مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، بمقتضى الخبر الثاني، فهو من نفس رسول الله صلى الله عليه وآله بمقتضى الخبر الاول، فكيف لا يكون أشرف منه ومن مولاه ؟ ثم بين عليه السلام بوجه آخر أن العجم الذين كانوا في ذلك الزمان من شيعتهم وأصحابهم أفضل من العرب الذين يفتخرون هؤلاء بالانتساب بهم، فان " الموالي " أي أولاد فارس دخلوا في الاسلام رغبة، وهم كانوا منافقين أظهروا الاسلام خوفا
ورهبة، فقوله: " فمن والى رسول الله صلى الله عليه وآله " أي دخل في الاسلام ولا مولى له وصار رسول الله مولاه، و " الجلف " في أكثر النسخ بالجيم، في القاموس: الجلف بالكسر: الرجل الجافي، وفي النهاية: الجلف: الاحمق، وفي بعض النسخ بالخاء المفتوحة واللام الساكنة، وهو الردئ من كل شئ. 2 - مع: عن أبيه، عن سعد، عن سلمة بن الخطاب، عن علي بن محمد الاشعث عن الدهقان، عن أحمد بن زيد، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: إنما شيعتنا المعادن والاشراف، وأهل البيوتات ومن مولده طيب، قال علي بن جعفر: فسألته عن تفسير ذلك فقال: المعادن من قريش والاشراف من العرب وأهل البيوتات من الموالى ومن مولده طيب من أهل السواد (2). بيان: " أهل السواد " أهل العراق، لان أصلهم كانوا من العجم، ثم اختلط العرب بهم بعد بناء الكوفة، فلا يعدون من العرب ولا من العجم، قال في المصباح: العرب تسمي الاخضر الاسود، لانه يرى كذلك على بعد، ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزروعه. 3 - ع: القطان، عن السكري، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن أبيه قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول: المؤمن علوي، لانه علا في المعرفة
والمؤمن هاشمي لانه هشم الضلالة، والمؤمن قرشي، لانه أقر بالشئ المأخوذ عنا، والمؤمن عجمي، لانه استعجم عليه أبواب الشر، والمؤمن عربي لان نبيه صلى الله عليه وآله عربي، وكتابه المنزل بلسان عربي مبين، والمؤمن نبطي، لانه استنبط العلم، والمؤمن مهاجري، لانه هجر السيئات، والمؤمن أنصاري، لانه
نصر الله ورسوله وأهل بيت رسول الله، والمؤمن مجاهد، لانه يجاهد أعداء الله عز وجل في دولة الباطل بالتقية، وفي دولة الحق بالسيف (1). بيان: كأن المقصود من هذه الرواية أن مناط الشرف والفضل والكرامة الايمان والتقوى والعمل الصالح، فإذا انضمت إليه سائر الجهات كانت أحسن وأشرف، وإن افترقتا، فصاحب الايمان والنقوي أشرف، وبالكرامة أحرى. بل يمكن إثبات تلك الصفات له أيضا، لانه متصف بما هو مناط الشرف فيها فالمؤمن علوي لان فضل العلوي من جهة الانتساب إلى علي عليه السلام من جهة النسب وفضله عليه السلام من جهة كماله في الايمان والمعرفة. والعلم والعمل، فمن انتسب إليه عليه السلام بهذه الجهات، كان انتسابه الروحاني إليه أقوى من الانتساب الجسماني، من جهة النسب فقط، فهو علوي لعلوه في المعرفة، وانتسابه إليه من هذه الجهة. وكذا الهاشمي لان شرافة الانتساب إلى هاشم إما لشرفه، أو لشرف الرسول صلى الله عليه وآله فإن الانتساب إليه يستلزم قرابته، فعلى الاول ففضل هاشم من جهة كونه من أوصياء إبراهيم عليه السلام وكسره للضلالة والبدع أقوى من إطعامه وكسره للثريد، فالانتساب إليه من هذه الجهة أقوى، والمؤمن منسوب إليه من تلك الجهة، وأما على الثاني فظاهر بتقريب ما مر في العلوي. قال الفيروز آبادي (2): " الهشم " كسر الشئ اليابس، أو الاجوف، أو كسر العظام، والرأس خاصة، أو الوجه والانف، أو كل شئ، وهاشم أبو عبد المطلب
(1) علل الشرائع ج 2 ص 152. (2) القاموس ج 2 ص 190. وقد مر نقله فيما سبق.
[173]
واسمه عمرو، لانه أول من ثرد الثريد وهشمه.
وهذا البيان بوجهه جاء في القرشي، وقوله " لانه أقر بالشئ " لرعاية المناسبة اللفظية، لا لبيان جهة الاشتقاق، وإن أمكن حمله على الاشتقاق الكبير. قال في القاموس (1): قرشه يقرشه ويقرشه: قطعه وجمعه من ههنا وههنا وضم بعضه إلى بعض، ومنه قريش لتجمعهم إلى الحرام، أو لانهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها، أو لان النضر بن كنانة اجتمع في ثوبه يوما، فقالوا: تقرش أو لانه جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش، أي شديد، أو لان قصيا كان يقال له: القرشي، أو لانهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها إلى أن قال: والنسبة قرشي وقريشي. وقال: (2) " العجم " بالضم وبالتحريك خلاف العرب، والاعجم: من لا يفصح كالاعجمي، والاخرس والعجمي من جنسه العجم وإن أفصح، وأعجم فلان الكلام: ذهب به إلى العجمة، واستعجم: سكت، والقراءة: لم يقدر عليها لغلبة النعاس. وفي النهاية: كل من لا يقدر على الكلام، فهو أعجم ومستعجم، ومنه الحديث فإذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه،: أي ارتج عليه فلم يقدر أن يقرء، كأنه صار عجمة انتهى. والحاصل: أنه لا يهتدي إلى الشر، ولا يأتي منه إلا الخير، فهو على بناء المجهول، ويحتمل المعلوم، وسيأتي الكلام في النبطي، وسائر الفقرات ظاهرة مما مر. ويحتمل أن يكون المعنى أن المؤمن لشرفه وكماله يمكن أن يطلق عليه كل من هذه الالفاظ بوجه حسن، وإن كان قريبا مما مر، أو المعنى أنه من أي هذه الاصناف كان، فاطلاقه عليه بوجه حسن يتضمن مدحا عظيما، والاول أظهر. 4 - فس: " ولو نزلناه على بعض الاعجمين فقرأه ما كانوا به مؤمنين " (3)
(1) المصدر ج 2: 283 و 284.
(2) المصدر ج 4: 147. (3) الشعراء: 198.
[174]
قال الصادق عليه السلام: لو نزل القرآن على العجم، ما آمنت به العرب، وقد نزل على العرب، فآمنت به العجم. فهذه فضيلة العجم. 5 - فس: عن محمد الحميري، عن أبيه، عن السندي بن محمد، عن يونس بن يعقوب، عن يعقوب بن قيس، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا ابن قيس " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " (1) عنى أبناء الموالي المعتقين. 6 - ب: عن ابن طريف، عن ابن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو كان العلم منوطا بالثريا لتناولته رجال من فارس (2) 7 - ب: بهذا الاسناد، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله في فارس: ضربتموهم على تنزيله ولا تنقضي الدنيا حتى يضربوكم على تأويله. (3) 8 - ع: عن أبيه، عن سعد، عن ابن هاشم، عن عبد الله بن حماد، عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسبوا قريشا، ولا تبغضوا العرب، ولا تذلوا الموالي، ولا تساكنوا الخوز، ولا تزوجوا إليهم، فان لهم عرقا يدعوهم إلى غير الوفاء (4). بيان: " الموالي " المعتقون وأبناؤهم، ومن لحق بقبيلة وليس منهم، وكان المراد في الاخبار العجم، فان أولاد الفرس غلب العرب على آبائهم، فكأنهم أعتقوهم، أو أنهم لايمانهم الحقوا بأئمتهم، فصاروا موالي العرب، وفي القاموس (5) " الخوز " بالضم: جيل من الناس، واسم لجميع بلاد خوزستان. 9 - ع: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف، عن عاصم، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يفتري على الرجل
(1) القتال: 38. (2) قرب الاسناد: 52 ط حجري. (3) قرب الاسناد ص 52 (4) علل الشرائع ج 2: 79. (5) القاموس ج 2: 175.
[175]
من جاهلية العرب ؟ قال: يضرب حدا، قلت حدا ؟ قال: نعم، إن (1) يدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله (2) بيان: كأنه محمول على ما إذا سرى شينه إليه صلى الله عليه وآله، كأجداده وجداته أو أقاربه القريبة، كما يومئ إليه قوله: " إنه يدخل " أي عيبه وعاره، أو هو من الدخل بمعنى العيب، ولو كان " إن يدخل " كما في بعض النسخ، كان ما ذكرنا أظهر. 10 - ع: عن ابن المتوكل، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن عبد العظيم الحسني، عن حرب، عن شيخ من بني أسد يقال له عمرو، عن ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أصاب بعيرا لنا علة، ونحن في ماء لبني سليم، فقال الغلام لابي عبد الله عليه السلام: يا مولاي أنحره ؟ قال: لا تلبث فلما سرنا أربعة أميال، قال: يا غلام انزل فانحره، ولان تأكله السباع أحب إلي من أن تأكله الاعراب. (3) 11 - مع: عن أبيه، عن محمد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر يوم فتح مكة، ثم قال: أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد ذهب عنكم بنخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنكم من آدم وآدم من طين، وخير عباد الله عنده أتقاهم، إن العربية ليست بأب والد، ولكنها
لسان ناطق، فمن قصر به عمله (4) فلم يبلغه رضوان الله حسبه، ألا إن كل دم كان في الجاهلية أو إحنة، فهو تحت قدمي هاتين إلى يوم القيامة. (5) بيان: " إن العربية " إلخ أي العربية الممدوحة إنما هي باللسان، بأن
(1) انه يدخل، خ ل. (2) علل الشرائع ج 2 ص 79. (3) علل الشرائع ج 2: 286. (4) علمه ولم يبلغه خ ل. (5) معاني الاخبار: 207.
[176]
يقر بالحق، ويلحق بالرسول وأهل بيته، وإن كان من العجم لا يكون آباؤه من العرب ثم بين عليه السلام أن الحسب لا ينفع بدون العمل، " تحت قدمي " أي أبطلته لا يطلب به في الاسلام. 12 - مع: عن أبيه، عن سعد، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسن بن يوسف عن صالح بن عقبة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال: الناس [ثلاثة] عربي ومولى، وعلج، فأما العرب فنحن، وأما المولى فمن والانا، وأما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا. (1) بيان: في النهاية: " العلج " الرجل من كفار العجم وغيرهم. 13 - مع: بالاسناد المتقدم عن الحسن بن يوسف، عن عثمان بن جبلة، عن ضريس بن عبد الملك، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن قريش، وشيعتنا العرب، وعدونا العجم. (2) بيان: " وشيعتنا العرب " أي العرب الممدوح من كان من شيعتنا، وإن كان عجما، والعجم المذموم من كان عدونا، وإن كان عربا.
14 - مع: بالاسناد المتقدم، عن سلمة، عن عمرو بن سعيد بن خثيم، عن أخيه معمر، عن محمد بن علي عليه السلام قال: نحن العرب، وشيعتنا منا، سائر الناس همج أو هبج، قال: قلت: وما الهمج ؟ قال: الذباب، فقلت: وما الهبج ؟ قال: البق. (3) بيان: في القاموس: " الهمج " محركة ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم، والحمير، و " الهبج " بهذا المعنى لم أجده في كتب اللغة قال في القاموس: " الهبج " محركة كالورم في ضرع الناقة. 15 - مع: عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن
داود بن الحصين، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما يزال الرجل ممن ينتحل أمرنا، يقول لمن من الله عليه بالاسلام: يا نبطي، قال فقال: نحن أهل البيت والنبط، من ذرية إبراهيم (1)، إنما هما نبطان من النبط الماء والطين، وليس بضاره في ذريته شئ فقوم استنبطوا العلم فنحن هم. (2) بيان: قال في المصباح: النبط جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم، والجمع أنباط، كسبب وأسباب الواحد نباطي بزيادة ألف والنون تضم وتفتح، قال الليث: ورجل نبطي، ومنعه ابن الاعرابي واستنبطت الحكم: استخرجته بالاجتهاد، وأنبطته إنباطا مثله، وأصله من استنبط الحافر الماء وأنبطه إنباطا، إذا استخرجه بعلمه. وفي النهاية: نبط الماء ينبط إذا نبع، وأنبط الحفار بلغ الماء في البئر
والاستنباط الاستخراج، والنبط والنبيط: الماء يخرج من قعر البئر إذا احتفرت. وفي حديث عمر: تمعدوا ولا تستنبطوا، أي تشبهوا بمعد، ولا تشبهوا بالنبط النبط والنبيط: جيل معروف كانوا ينزلون بالبطايح بين العراقين، ومنه حديثه الاخر: لا تنبطوا في المدائن أي لا تشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذ العقار والملك. وحديث ابن عباس: نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى (3)، قيل لان إبراهيم الخليل صلوات الله عليه ولد بها، وكان النبط سكانها. ومنه حديث عمرو بن معد يكرب سأله عمر عن سعد فقال: أعرابي في حبوته نبطي في جبوته، أراد أنه في جباية الخراج، وعمارة الارضين كالنبط حذقابها ومهارة فيها لانهم كانوا سكان العراق وأربابها.
(1) من ذرية آدم وابراهيم انما هما نبطيان من أنبط الماء والطين خ ل. (2) معاني الاخبار ص 404. (3) كوثى - بالضم - بلدة بالعراق قاله الفيروز آبادى.
[178]
وفي حديث الشعبي أن رجلا قال لاخر: يا نبطي، قال: لاحد عليه، كلنا نبط، يريد الجوار والدار، دون الولادة. وفي الصحاح: (1) في كلام أيوب بن القرية: أهل عمان عرب استنبطوا وأهل البحرين نبيط استعربوا. وفي القاموس: النبط محركة أول ما يظهر من ماء البئر وأنبط الحافر انتهى إليها وغور المرء وجيل ينزلون بالبطايح بنى العراقين، كالنبيط والانباط، وهو نبطي محركة، وتنبط تشبه بهم، أو تنسب إليهم، والكلام استخرجه، وكل ما اظهر بعد خفاء، فقد انبط واستنبط مجهولين، واستنبط الفقيه: استخرج الفقه
الباطن بفهمه واجتهاده (2). إذا عرفت هذا، فاعلم أن الخبر يحتمل وجهين: أحدهما أن المراد أنا أهل البيت والنبط جميعا من ذرية إبراهيم، إما على الحقيقة أو على التأويل، لانه عليه السلام كان يساكنهم في ديارهم، فلهم أيضا شرافة النسب، ثم بين عليه السلام فضلهم من جهة اشتقاق اللفظ فقال: النبط له اشتقاقان: أحدهما من استنباط الماء، وتعمير الارض، وهذا لا يضرهم إن لم يفعلوا مثل أفعالهم، فإن فعل الاباء لا يضر الابناء، فهذا لا يصير سببا لذمهم كما يوهمه كلام عمر، وثانيهما: استنباط العلم والحكمة فنحن أنباط بهذا المعنى، وشيعتنا الذين يستبطون منا داخلون في ذلك، كما قال سبحانه: " لعلمه الذين يستنبطونه منهم " (3). وثانيهما: أن يكون المعنى أنا أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وخلفاؤه، وبذلك لنا الفضيلة على سائر الخلق، وليس لغيرنا فضل على النبط، لانهم أيضا من
ذرية إبراهيم. ثم بين عليه السلام أن للنبطي بحسب الاشتقاق معنيين: أحدهما مستخرج الماء من الطين، وهذا لا يضرهم في شرافة نسبهم، والاخر استنباط العلم فنحن هم فلا يكون النبطي شتما لهم، بل هو مدح لهم، وعلى التقديرين ضمير ضاره عائد إلى إبراهيم عليه السلام وكذا ضمير ذريته، ويحتمل عودهما إلى النبطي، وعود الاول
إلى النبطي، والثاني إلى إبراهيم عليه السلام: وفي بعض النسخ من ذرية آدم وإبراهيم، ولا يختلف المعنى، ويحتمل أن يكون المراد بالنبط: من يقال له على وجه الذم نبطي،: أي الذين أسلموا بعد الكفر والاسر، وهم كانوا غالبا إما من قريش، أو أهل الكتاب، وهم من ذرية إبراهيم عليه السلام، ويحتمل الخبر وجوها اخر، تظهر مما ذكرنا للمتدبر. 15 - مع: عن أبيه، عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن أخي دارم، عن محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من ولد في الاسلام فهو عربي، ومن دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها، والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا من أرضه ويسلم، فذلك المولى (1) 16 - مع: عن ماجيلويه، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن سهل، عن ابن يزيد، عن ابن عبد ربه بن نافع، عن الحباب بن موسى، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من ولد في الاسلام حرا، فهو عربي، ومن كان له عهد، فخفر في عهده فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن دخل في الاسلام طوعا، فهو مهاجر (2). بيان: " فهو عربي " أي في حقيقته الشرعية، أو في حكم وجوب الاكرام والاحترام، " ومن كان له عهد " أي ذمة وأمان من مسلم، " فهو مولى رسول الله " فإنه حكم بوجوب إمضاء عهده وأمانه، فإذا خفر في عهده ونقض أمانه، فقد نقض عهد مولى رسول الله.
(1) معاني الاخبار: 404. (2) معاني الاخبار: 405.
[180]
في القاموس: خفره وبه وعليه يخفر ويخفر خفرا: أجاره، ومنعه، وآمنه وخفر به خفرا، وخفورا: نقض عهده، وغدره، كأخفره (1)، وقال: المولى:
العبد، والمعتق، والمعتق، والجار، والحليف، والمنعم، والمنعم عليه، " فهو مهاجر " أي في حكمه في الاجر، والحرمة. 17 - ل: عن أبيه، عن سعد، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسين بن يوسف عن صالح بن عقبة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: الناس ثلاثة: عربي، ومولى وعلج، فأما العرب فنحن، وأما الموالي فمن والانا، وأما العلج فمن تبرأ منا وناصبنا (2). 18 - مع: روي أن الصادق عليه السلام قال: من ولد في الاسلام فهو عربي، ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر، ومن سبي واعتق فهو مولى، ومولى القوم من أنفسهم (3). 19 - سن: عن إسماعيل بن مهران، عن أبيه، عن إسحاق بن جرير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: جاءني ابن عمك، كأنه أعرابي مجنون، عليه إزار وطيلسان ونعلان في يده، فقال لي: إن قوما يقولون فيك، فقلت: ألست عربيا، قال: بلى، فقلت: إن العرب لا تبغض عليا، ثم قلت له: لعلك ممن يكذب بالحوض أما والله لئن أبغضته ثم وردت عليه الحوض، لتموتن عطشا (4). بيان: " يقولون فيك ": أي بالامامة، أو أقوالا. 20 - شى: عن بعض أصحابه، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن هذه الاية: " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة
(1) القاموس ج 2: 22. (2) الخصال ج 1: 60. (3) معاني الاخبار: 239. (4) المحاسن: 89 و 90.
[181]
على الكافرين " (1 قال: الموالي (2). بيان: " الموالي ": العجم. 21 - كتاب الاستدراك: باسناده عن ابن عقدة، باسناده، عن يحيى بن زكريا بن شيبان، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن منصور بن حازم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نحن العرب، وشبعتنا الموالي وسائر الناس همج. 10 - * (باب) * * " (لزوم البيعة وكيفيتها وذم نكثها) " * * الايات * النحل: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون * ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون امة هي أربى من امة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون - إلى قوله تعالى - ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم * ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون (3).
(1) المائدة: 54. (2) تفسير العياشي ج 1: 327. (3) النحل: 91 - 95.
[182]
الفتح: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (1).
الممتحنة: " يا أيها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم (2) * (تفسير) * " وأوفوا بعهد الله " قال الطبرسي (3) - رحمه الله - قال ابن عباس: الوعد من العهد وقال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به، هو الذي يحسن فعله، وعاهد الله ليفعلنه فانه يصير واجبا عليه " ولا تنقضوا الايمان " هذا نهي منه سبحانه عن حنث الايمان وقوله " بعد توكيدها " أي بعد عقدها وإبرامها وتوثيقها باسم الله تعالى، وقيل بعد تشديدها وتغليظها، بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين " وقد جعلتم الله عليكم كفيلا " أي حسيبا فيما عاهدتموه عليه وقيل كفيلا بالوفاء " إن الله يعلم ما تفعلون " من نقض العهد أو الوفاء به، فاياكم أن تلقوه وقد نقضتم. وهذه الاية نزلت في الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وآله على الاسلام فقال سبحانه للمسلمين الذين بايعوه: لا يحملنكم قلة المسلمين وكثرة المشركين على نقض البيعة، فان الله حافظكم أي اثبتوا على ما عاهدتم عليه الرسول وأكدتموه بالايمان انتهى. " ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها " أي كالمرأة غزلت ثم نكثت غزلها " من بعد قوة " أي من بعد إحكام وفتل " أنكاثا " جمع نكث بالكسر وهو ما ينكث فتله
(1) الفتح: 10. (2) الممتحنة: 12. (3) مجمع البيان ج 6: 382
[183]
وروي علي بن إبراهيم (1) عن الباقر عليه السلام: التي نقضت غزلها امرأة من بني تيم ابن مرة يقال لها ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن لؤي بن غالب، كانت حمقاء تغزل الشعر فإذا غزلته نقضته ثم عادت فغزلته، فقال الله " كالتي نقضت غزلها " الاية. قال: إن الله تعالى أمر بالوفاء، ونهى عن نقض العهد، فضرب لهم مثلا. " تتخذون أيمانكم دخلا بينكم " أي دغلا وخيانة، ومكرا وخديعة، وذلك لانهم كانوا حين عهدهم يضمرون الخيانة، والناس يسكنون إلى عهدهم. والدخل: أن يكون الباطن خلاف الظاهر، وأصله أن يدخل في الشئ ما لم يكن منه " أن تكون امة هي أربى من امة " يعني لا تنقضوا العهد بسبب أن تكون جماعة وهم كفرة قريش أزيد عددا وأوفر مالا من امة يعني جماعة المؤمنين " إنما يبلوكم الله به " أي إنما يختبركم بكونكم أربى لينظر أتوفون بعهد الله أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم، وقلة المؤمنين وضعفهم وفقرهم " وليبينن لكم يوم القيامة " وعيد وتحذير من مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله. " ولا تتخذوا " تصريح بالنهي عنه بعد التضمين تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي عنه " فتزل قدم " عن محجة الاسلام " بعد ثبوتها " عليها أي فتضلوا عن الرشد بعد أن تكونوا على هدى، يقال: زل قدم فلان في أمر كذا: إذا عدل عن الصواب، والمراد أقدامهم، وإنما وحد ونكر، للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم فكيف بأقدام كثيرة، " وتذوقوا السوء " في الدنيا، " بما صددتم عن سبيل الله " أي بصدودكم أو بصدكم غيركم عنها لانهم لو نقضوا العهد وارتدوا، لاتخذ نقضها سنة يستن بها، " ولكم عذاب عظيم " في الاخرة. وفي الجوامع: عن الصادق عليه السلام أنه قال: نزلت في ولاية علي والبيعة له حين قال النبي صلى الله عليه وآله: سلموا على علي بإمرة المؤمنين.
واقول: قد مر أن في قراءتهم عليهم السلام: أن تكون أئمة هي أزكى
(1) تفسير القمى: 365.
[184]
من أئمتكم (1). " إنما يبايعون الله " (2) لانه المقصود بيعته " يد الله فوق أيديهم " يعني يدك التي فوق أيديهم في حال بيعتهم إياك، إنما هي بمنزلة يد الله، لانهم في الحقيقة يبايعون الله عزوجل ببيعتك، " ومن نكث " أي نقض العهد، " فانما ينكث على نفسه " أي لا يعود ضرر نكثه إلا عليه، " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " أي في مبايعته " فسيؤتيه أجرا عظيما " هو الجنة. " ولا يقتلن أولادهن " (3) يريد البنات، أو الاسقاط، " ولا يأتين ببهتان " في الجوامع: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك، كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها عن الولد الذي تلصقه بزوجها كذبا، لان بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين، فرجها الذي تلده به بين الرجلين، " ولا يعصينك في معروف " أي في حسنة تأمرهن بها " فبايعهن " بضمان الثواب على الوفاء بهذه الاشياء. وفي المجمع (4): روى الزهري، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله يبايع النساء بالكلام بهذه الاية " أن لا يشركن بالله شيئا " وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا بايع النساء دعا بقدح ماء فغمس يده فيه ثم غمس أيديهن فيه، وقيل: إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي. 1 - ن: بإسناده إلى الريان بن شبيب أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين، وللرضا عليه السلام بولاية العهد، وللفضل بالوزارة، أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم، فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الابهام إلى الخنصر، ويخرجون، حتى
(1) راجع ج 36 ص 81 و 148 من تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام وتراه في تفسير العياشي ج 2: 268. (2) الفتح: 10 (3) الممتحنة: 12 - (4) مجمع البيان ج 9: 276
[185]
بايع في آخر الناس فتى من الانصار، فصفق بيمينه من أعلى الخنصر إلى أعلى الابهام، فتبسم أبو الحسن عليه السلام فقال: كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى، فانه بايعنا بعقدها. فقال المأمون: وما فسخ البيعة ؟ وما عقدها ؟ قال أبو الحسن عليه السلام: عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الابهام، وفسخها من أعلى الابهام إلى أعلى الخنصر قال: فماج الناس في ذلك، وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصف أبو الحسن عليه السلام فقال الناس: كيف يستحق الامامة من لا يعرف عقد البيعة، إن من علم أولى بها ممن لا يعلم، فحمله ذلك على ما فعله من سمه (1). 2 - ل: عن القاسم بن محمد بن أحمد بن عبدويه، عن الحسن بن علي بن نصر عن محمد بن عثمان بن كرامة، عن عبيدالله بن موسى، عن شيبان، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لا يكلمهم الله عزوجل ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم (2): رجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، إن أعطاه [منها] ما يريده وفي له، وإلا كف، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر، فحلف بالله عزوجل لقد أعطى بها كذا وكذا، فصدقه وأخذها، ولم يعط فيها ما قال، ورجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل (3).
بيان: " لا يكلمهم الله " أي بما يسرهم أو بشئ أصلا، فان الملائكة يسألونهم، أو هو كناية عن سخطه سبحانه عليهم، " ولا يزكيهم " أي لا يثني عليهم أو لا يقبل منهم عملا، أو لا يطهرهم مما يوجب العذاب، بالعفو والمغفرة. 3 - سن: عن عبد الله بن علي العمري، عن علي بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: ثلاث موبقات: نكث الصفقة، وترك السنة، وفراق
(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 238. الباب 59 (2) اقتباس من قوله تعالى في البقرة: 174 (3) الخصال ج 1: 53
[186]
الجماعة (1). 4 - الدرة الباهرة: قال الرضا عليه السلام: لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة. بيان: قال الراغب: الدائرة في المكروه، كما يقال: دولة في المحبوب، قال تعالى: " نخشى أن تصيبنا دائرة " (2) وقوله " يتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء " (3) أي محيط به السوء إحاطة الدائرة، فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه (4). وقال الجوهري: صفقت له بالبيع والبيعة صفقا: أي ضربت بيدي على يده، وتصافق القوم عند البيعة (5). 5 - شا: في بيعة الناس للرضا عليه السلام عند المأمون في حديث طويل ذكر فيه أنه جلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين، وأجلس الرضا عليه السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف، ثم أمر ابنه العباس أن يبايع له في أول الناس فرفع الرضا يده فتلقى بها وجهه، وببطنها وجوههم، فقال له المأمون: أبسط يدك للبيعة، فقال الرضا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا كان يبايع، فبايعه الناس ويده
فوق أيديهم (6). 6 - ل: بإسناده عن جابر الجعفي، عن الباقر عليه السلام في حديث طويل يذكر فيه أحكام النساء، قال: ولا تبايع إلا من وراء الثياب (7). 7 - ثو: باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن في
النار لمدينة يقال لها الحصينة، أفلا تسألوني ما فيها ؟ فقيل له: وما فيها يا أمير المؤمنين ؟ قال: فيها أيدي الناكثين (1). 8 - كا: عن علي، عن أبيه، عن البزنطي، عن أبان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة بايع الرجال، ثم جاءته النساء يبايعنه فأنزل الله عزوجل: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك - إلى قوله -: " فان الله غفور رحيم " (2). قالت هند: أما الولد فقد ربينا صغارا وقتلتهم كبارا، وقالت ام حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه ؟ قال: لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها، ولا تنتفن شعرا، ولا تشققن جيبا، ولا تسودن ثوبا، ولا تدعين بويل، فبايعهن رسول الله
صلى الله عليه وآله على هذا، فقالت: يا رسول الله كيف نبايعك ؟ قال: إنني لا اصافح النساء فدعا بقدح من ماء، فأدخل يده ثم أخرجها فقال: أدخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة (3). 9 - كا: باسناده عن المفضل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام كيف ماسح رسول الله صلى الله عليه وآله النساء حين بايعهن ؟ قال: دعا بمركنه، الذي كان يتوضأ فيه فصب فيه ماء، ثم غمس يده، فكلما بايع واحدة منهن، قال: اغمسي يدك، فتغمس كما غمس رسول الله صلى الله عليه وآله فكان هذا مماسحته إياهن (4). بيان: المركن كمنبر: الاجانة. 10 - كا: باسناده عن سعدان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري كيف
(1) ثواب الاعمال: 227 (2) الممتحنة: 13. (3) الكافي ج 5 ص 527 (4) الكافي ج 5 ص 526
[188]
بايع رسول الله صلى الله عليه وآله النساء ؟ قلت: الله أعلم، وابن رسوله أعلم، قال: جمعهن حوله، ثم دعا بتور برام فصب فيه ماء نضوحا، ثم غمس يده فيه، ثم قال: اسمعن يا هؤلاء ! ابايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا، وتسرقن ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين بعلولتكن في معروف، أقررتن ؟ قلن: نعم، فأخرج يده من التور، ثم قال لهن: اغمسن أيديكن، ففعلن، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرة أطيب من أن يمس بها كف انثى ليست له بمحرم (1). بيان: في النهاية: التور: إناء من صفر أو حجارة كالاجانة، وقد يتوضأ
منه، وقال: البرمة بالضم: القدر مطلقا، وجمعها برام، وهي في الاصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن، والنضوح كصبور: طيب. اقول: قد مر تفسير الايات وسائر الاخبار في النكث وكيفية البيعة في باب فتح مكة (2)، وأبواب نكث طلحة والزبير.
(1) الكافي ج 5 ص 256. (2) راجع ج 21 ص 95 - 99.
[189]
11 - * (باب آخر) * * " (في ان المؤمن صنفان) " * 1 - كا: عن محمد، عن أحمد، عن ابن سنان، عن نصير أبي الحكم الخثعمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المؤمن مؤمنان: فمؤمن صدق بعهد الله، ووفا بشرطه، و ذلك قوله عزوجل: " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " (1) فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا، ولا أهوال الاخرة، وذلك ممن يشفع ولا يشفع له، ومؤمن كخامة الزرع، تعوج أحيانا وتقوم أحيانا، فذلك ممن يصيبه أهوال الدنيا و أهوال الاخرة، وذل ممن يشفع له، ولا يشفع (2). بيان: قال الله سبحانه: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " قال البيضاوي: من الثبات مع الرسول، والمقاتلة لاعداء الدين، من " صدقني " إذا قال لك الصدق فان العاهد إذا وفى بعهده فقد صدق، " فمنهم من قضى نحبه " أي نذره بأن قاتل حتى استشهد، كحمزة، ومصعب بن عمير، وأنس بن النضر، و " النحب " النذر استعير للموت، لانه كنذر لازم في رقبة كل حيوان، " ومنهم من ينتظر " أي الشهادة، " وما بدلوا " العهد ولا غيروه " تبديلا " أي شيئا من التبديل.
(1) الاحزاب: 23 (2) الكافي ج 2 ص 248.
[190]
قال الطبرسي رحمه الله: (1) " فمنهم من قضى نحبه " يعني حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبيطالب، " ومنهم من ينتظر " يعني علي بن أبيطالب عليه السلام. وروي في الخصال (2) عن الباقر عليه السلام في حديث طويل قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد كنت عاهدت الله ورسوله أنا، وعمي حمزة، وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى ولرسوله، فتقدمني أصحابي، وتخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى، فأنزل الله فينا " من المؤمنين رجال " الاية حمزة، وجعفر، و عبيدة، وأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا. فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه عليه السلام استدل بهذه الاية على أن المؤمنين صنفان لانه تعالى قال: من المؤمنين رجال، فصنف منهم مؤمن صدق بعهد الله، قيل: الباء بمعنى " في " أي في عهد الله فقوله: " صدق " كنصر بالتخفيف ففيه إشارة إلى أن في الاية أيضا الباء مقدرة أي صدقوا بما عاهدوا الله عليه، ويمكن أن يقرأ صدق بالتشديد بيانا لحاصل معنى الاية، أي صدقوا بعهد الله وما وعدهم من الثواب، وما اشترط في الثواب من الايمان. والعمل الصالح، والاول أظهر، والمراد بالعهد اصول الدين من الاقرار بالتوحيد والنبوة والامامة والمعاد، والوفاء بالشرط الاتيان بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات، وقيل أراد بالعهد الميثاق بقوله: " ألست بربكم " وبالشرط قوله تعالى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم (3) ". وأقول: يحتمل أن يكون المراد بهما ما مر في كتاب الامامة عنه عليه السلام حيث قال: إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا، ولا تعرفون حتى تصدقوا، ولا تصدقون حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها، ضل أصحاب الثلاثة، و
(1) مجمع البيان ج 8 ص 349، وفيه: قال ابن عباس. من قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب، ومن قتل معه، وأنس بن نضر وأصحابه، وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالاسناد عن عمرو بن ثابت، عن أبى اسحاق عن على عليه السلام قال: فينا نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا الله، فأنا والله المنتظر. وما بدلت تبديلا. نعم ما نقله رحمه الله انما يوجد في تفسير القمى ص 527. (2) الخصال ج 2: 21. (3) النساء: 31.
[191]
تاهوا تيها بعيدا، إن الله تبارك وتعالى، لا يقبل إلا العمل الصالح، ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود، فمن وفى لله عزوجل بشرطه، واستعمل ما وصف في عهده، نال ما عنده، واستعمل عهده. إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطريق الهدى، وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (1) " وقال: " إنما يتقبل الله من المتقين (2) " إلى آخر الخبر، فالشروط والعهود هي التوبة، والايمان والاعمال الصالحة، والاهتداء بالائمة عليهم السلام. " فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا، ولا أهوال الاخرة " قيل: المراد بأهوال الدنيا: القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة، وما يراه عند الموت من سكراته وأهواله، وأهوال الاخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة، وقيل: المراد بأهوال الدنيا: الهموم من فوات نعيمها، لان الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله، فكيف الهموم من فواتها، أو المراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها ومصائبها، لانها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة، أو لانها لا تصيبه لاجل المعصية، فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة، ولا يخفى بعد تلك الوجوه. والاظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي، لانها عنده من أعظم المصائب والاهوال، بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له، ويحتمل
أن يكون إطلاق الاهوال عليها على مجاز المشاكلة. " وذلك ممن يشفع " على بناء المعلوم، أي يشفع للمؤمنين من المذنبين " ولا يشفع له " على بناء المجهول، أي إنه لا يحتاج إلى الشفاعة، لانه من المقربين الذين لا خوف عليهم ولا يحزنون، وإنما الشفاعة لاهل المعاصي. " كخامة الزرع " قال في النهاية: فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح: هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع، وألفها منقلبة عن واو. انتهى
(1) طه: 82. (2) المائدة: 27
[192]
وأشار عليه السلام إلى وجه الشبه بقوله: " يعوج أحيانا " والمراد بإعوجاجه ميله إلى الباطل وهو متاع الدنيا، والشهوات النفسانية، وبقيامه: استقامته على طريق الحق، و مخالفته للاهواء والوساوس الشيطانية، " ولا يشفع " أي لا يؤذن له في الشفاعة. 2 - كا: عن العدة، عن سهل، عن محمد بن عبد الله، عن خالد القمي، عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفى لله بشروطه التي اشترطها عليه، فذلك مع النبيين والصديقين، والشهداء، و الصالحين، وحسن اولئك رفيقا، وذلك ممن يشفع، ولا يشفع له، وذلك ممن لا يصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الاخرة، ومؤمن زلت به قدم كخامة الزرع كيفما كفته الريح انكفى، وذلك من تصيبه أهوال الدنيا وأهوال الاخرة، ويشفع له وهو على خير (1). بيان: " خضر " بكسر الخاء وسكون الضاد، أو بفتح الخاء وسكون الضاد صحح بهما في القاموس وغيره، " وفى لله بشروطه " العهود داخلة تحت الشروط
هنا، " فذلك مع النبيين " إشارة إلى قوله تعالى " ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا (2) " وهذا مبني على ما ورد في الاخبار الكثيرة أن الصديقين و الشهداء والصالحين هم الائمة عليهم السلام، والمراد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من المؤمنين، وقد مر عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال بعد قراءة هذه الاية: فمنا النبي ومنا الصديق، والشهداء والصالحون. وفي تفسير علي بن إبراهيم (3): قال: النبيين: رسول الله، والصديقين علي، والشهداء: الحسن والحسين، والصالحين: الائمة. وحسن اولئك رفيقا: القائم من آل محمد صلوات الله عليهم.
(1) الكافي ج 2: 248. (2) النساء: 69. (3) تفسير القمى ص 131.
[193]
فلا يحتاج إلى ما قيل: إن الظاهر أنه كان من النبيين، لان الصنف الاول إما نبي، أو صديق، أو شهيد، أو صالح، والصنف الثاني، يكون مع هؤلاء بشفاعتهم، " زلت به قدم " كأن الباء للتعدية، أي أزلته قدم وإقدام على المعصية وقيل: الباء للسببية أي زلت بسببه قدمه، أي فعله عمدا من غير نسيان وإكراه و " كيفما " مركب من " كيف " للشرط نحو كيف تصنع أصنع، و " ما " زائدة للتأكيد. وفي النهاية: يقال: كفأت الاناء، وأكفأته: إذا كببته، وإذا أملته، وفي القاموس: كفأه كمنعه: صرفه وكبه وقلبه، كأكفأه واكتفأه، وانكفأ: رجع ولونه تغير (1).
3 - كا: عن العدة، عن البرقي، عن ابن مهران، عن يونس بن يعقوب عن أبي مريم الانصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قام رجل بالبصرة إلى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الاخوان، فقال: الاخوان صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة: فأما إخوان الثقة: فهم الكف والجناح، والاهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حد الثقة، فابذل له مالك وبدنك، وصاف من صافاه، وعاد من عاداه واكتم سره وعيبه، وأظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الاحمر. وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه، و حلاوة اللسان (2). بيان: " الاخوان صنفان " المراد بالاخوان: إما مطلق المؤمنين، فإن المؤمنين إخوة، أو المؤمنين الذين يصاحبهم ويعاشرهم، ويظهرون له المودة والاخوة
(1) القاموس: ج 1: 26. (2) الكافي ج 2: 248.
[194]
أو الاعم من المؤمنين وغيرهم إذا كانوا كذلك. والمراد باخوان الثقة: أهل الصلاح والصدق والامانة الذين يثق بهم، و يعتمد عليهم في الدين، وعدم النفاق، وموافقة ظاهرهم لباطنهم، وباخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة، ولكن يعاشرهم لرفع الوحشة، أو للمصلحة والتقية فيجالسهم ويضاحكهم، ولا يعتمد عليهم، ولكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لازالة الوحشة ودفع الضرر.
قال في النهاية: فيه إنا لنكشر في وجوه أقوام، الكشر: ظهور الاسنان في الضحك، وكاشره: إذا ضحك في وجهه وباسطه، والاسم: الكشرة كالعشرة. " فهم الكف " الحمل على المبالغة والتشبيه، أي هم بمنزلة كفك في إعانتك وكف الاذى عنك، فينبغي أن تراعيه وتحفظه كما تحفظ كفك. قال في المصباح: قال الازهري: الكف: الراحة مع الاصابع، سميت بذلك لانها تكف الاذى عن البدن، وقال: جناح الطائر بمنزلة اليد للانسان، وفي القاموس: الجناح: اليد، والعضد، والابط، والجانب، ونفس الشئ، و الكنف، والناحية، انتهى، وأكثر المعاني مناسبة، والعضد أظهر، والحمل كما سبق، أي هم بمنزلة عضدك في إعانتك، فراعهم كما تراعي عضدك، وكذا الاهل والمال، ويمكن أن يكون المراد بكونهم مالا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه. " فإذا كنت من أخيك " أي بالنسبة إليه، كقول النبي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، " على حد الثقة " أي على مرتبة الثقة والاعتماد، أو على أول حد من حدودها، والثقة في الاخوة والديانة، والاتصاف بصفات المؤمنين، وكون باطنه موافقا لظاهره. " فابذل له مالك وبدنك " بذل المال: هو أن يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسأل، وبذل البدن: هو أن يخدمه ويدفع الاذى عنه قولا وفعلا وهما متفرعان على كونهم الكف والجناح، والاهل والمال، " وصاف من صافاه "
[195]
أي أخلص الود لمن أخلص له الود، قال في المصباح: صفا: خلص من الكدر و أصفيته الوداد أخلصته، وفي القاموس: صافاه: صدقه الاخاء، كأصفاه. " وعاد من عاداه " أي في الدين، أو الاعم إذا كان الاخ محقا، وإنما
أطلق لان المؤمن الكامل لا يكون إلا محقا، ويؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنه في النهج (1): أنه قال: أصدقاؤك ثلاثة، وأعداؤك ثلاثة، فأصدقاؤك: صديقك، وصديق صديقك، وعدو عدوك، وأعداؤك: عدوك، وعدو صديقك، وصديق عدوك. " واكتم سره " أي ما أمرك بإخفائه، أو تعلم أن إظهاره يضره، " وعيبه " أي إن كان له عيب نادرا، أو ما يعيبه الناس عليه ولم يكن قبيحا واقعا كالفقر والامراض الخفية، " وأظهر منه الحسن " بالتحريك أي ما هو حسن ممدوح عقلا وشرعا، من الصفات والاخلاق والاعمال، ويمكن أن يقرء بالضم. " فإنك تصيب لذتك منهم " أي تلتذ بحسن صحبتهم ومؤانستهم، وتحصيل بعض المنافع الدنيوية منهم، بل الاخروية أيضا أحيانا بمذاكرتهم ومفاوضتهم فلا تقطعن ذلك الحظ منهم بالاستيحاش عنهم، وترك مصاحبتهم، فتصير وحيدا لندرة النوع الاول، كما قال عليه السلام في حديث آخر: زهدك في راغب فيك نقصان حظ، ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس. " ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم " أي ما يضمرون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد وعداوة ونفاق، فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم، أو يظهر لك منهم سوء عقيدة وفساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك. أو المعنى: لا تتوقع منهم موافقة ضميرهم لك وحبهم الواقعي، واكتف بالمعاشرة الظاهرة وإن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم، كما يرشد إليه قوله عليه السلام: " وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه " أي تهلله وإظهار فرحه برؤيتك وتبسمه.
(1) نهج البلاغة ج 2 ص 217 تحت الرقم 295 من الحكم والمواعظ.
[196]
في المصباح: رجل طلق الوجه: أي فرح ظاهر البشر، وهو طليق الوجه قال أبو زيد: متهلل بسام. وفي الحديث حث على حسن المعاشرة والاكتفاء بظواهر أحوالهم، وعدم تجسس ما في بواطنهم، فانه أقرب إلى هدايتهم وإرشادهم إلى الحق، وتعليم الجهال وهداية أهل الضلال، وأبعد من التضرر منهم والتنفر عنهم، والاخبار في حسن المعاشرة كثيرة، لاسيما مع المدعين للتشيع والايمان، والله المستعان. 12 - * (باب) * * (شدة ابتلاء المؤمن وعلته) * * (وفضل البلاء) * * الايات * البقرة: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب (1). آل عمران: لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور (2). الانعام: ولقد أرسلنا إلى امم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم
(1) البقرة: 214. (2) آل عمران: 188.
[197]
يتضرعون * فلولا إذ جائهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون * فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا
فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون (1). تفسير: " أم حسبتم " قال في المجمع: (2) أي أظننتم وخلتم أيها المؤمنون " أن تدخلوا الجنة " ولما تمتحنوا وتبتلوا بمثل ما امتحن الذين مضوا من قبلكم به فتصبروا كما صبروا، وهذا استدعاء إلى الصبر، وبعده الوعد بالنصر. ثم ذكر سبحانه ما أصاب اولئك فقال: " مستهم البأساء والضراء " والمس واللمس واحد، والبأساء نقيض النعماء، والضراء نقيض السراء، وقيل: البأساء: القتل، والضراء: الفقر، " وزلزلوا " أي حركوا بأنواع البلايا، وقيل: معناه هنا ازعجوا بالمخافة من العدو، وذلك لفرط الحيرة. " متى نصر الله " قيل: هذا استعجال للموعود كما يفعله الممتحن، وإنما قال الرسول استبطاء للنصر، وقيل: إن معناه الدعاء لله بالنصر ولا يجوز أن يكون على جهة الاستبطاء لنصر الله، لان الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن الوقت الذي توجبه الحكمة، ثم أخبر الله أنه ناصر لاوليائه، فقال: " ألا إن نصر الله قريب ". وقيل: إن هذا من كلامهم فانهم قالوا عند الاياس: منى نصر الله، ثم تفكروا وعلموا أن الله منجز وعده، فقالوا: ألا إن نصر الله قريب، وقيل: إنه ذكر كلام الرسول والمؤمنين جملة وتفصيله: وقال المؤمنون متى نصر الله، وقال الرسول: ألا إن نصر الله قريب انتهى. وأقول: روى في الخرائج عن زين العابدين، عن آبائه عليهم السلام قال: فما تمدون أعينكم ؟ لقد كان من قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه، يؤخذ فتقطع يده ورجله ويصلب ثم تلا: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " الاية.
(1) الانعام: 44 - 46. (2) مجمع البيان ج 2 ص 308، وفيه: معناه: بل أظننم وخلتم الخ. (*)
[198]
وروى في الكافي: عن بكر بن محمد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقرء " وزلزلوا ثم زلزلوا حتى يقول الرسول ". وقال في المجمع (1) في قوله تعالى: " لتبلون " أي لتوقع عليكم المحن وتلحقكم الشدائد " في أموالكم " بذهابها ونقصانها " وفي أنفسكم " أيها المؤمنون بالقتل والمصائب، وقيل: بفرض الجهاد وغيره " ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب " يعنى اليهود والنصارى، " ومن الذين أشركوا " يعني كفار مكة وغيرهم " أذى كثيرا " من تكذيب النبي صلى الله عليه وآله ومن الكلام الذي يغمهم " من عزم الامور " أي مما بان رشده وصوابه، ووجب على العاقل العزم عليه، وقيل: أي من محكم الامور. وقال في قوله تعالى (2): " ولقد أرسلنا " أي رسلا " إلى امم من قبلك " فخالفوهم، " فأخذناهم بالبأساء والضراء " يريد بالفقر والبؤس والاسقام والاوجاع عن ابن عباس " لعلهم يتضرعون " معناه لكي يتضرعوا " فلولا إذ جائهم بأسنا تضرعوا " معناه فهلا تضرعوا إذ جاءهم بأسنا، " ولكن قست قلوبهم " فأقاموا على كفرهم ولم تنجع فيهم العظة " وزين لهم الشيطان " بالوسوسة والاغراء بالمعصية، لما فيها من عاجل اللذة " ما كانوا يعملون " يعني أعمالهم. " فلما نسوا ما ذكروا به " أي تركوا ما وعظوا به، " فتحنا عليهم أبواب كل شئ " أي كل نعمة وبركة من السماء والارض، والمعنى أنه تعالى امتحنهم بالشدائد لكي يتضرعوا ويتوبوا، فلما تركوا ذلك فتح عليهم أبواب النعم، والتوسعة في الرزق ليرغبوا بذلك في نعيم الاخرة " حتى إذا فرحوا بما اوتوا " من النعيم واشتغلوا بالتلذذ، ولم يروه نعمة من الله حتى يشكروه " أخذناهم بغتة " أي مفاجأة من حيث لا يشعرون، " فإذا هم مبلسون " أي آيسون من النجاة والرحمة. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فذلك استدراج
(1) مجمع البيان ج 2 ص 551. والاية في آل عمران: 186. (2) مجمع البيان ج 4: 301، والاية في الانعام: 44.
[199]
منه ثم تلا هذه الاية، ونحوه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه فاحذره انتهى (1). ويظهر من الايات أن البلايا والمصائب نعم من الله، ليتعظوا ويتذكروا بها ويتركوا المعاصي، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (2): ولو أن الناس حين تنزل بهم النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم ووله من قلوبهم لرد عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد. وتدل على أن تواتر النعم على العباد، وعدم ابتلائهم بالبلايا استدراج منه سبحانه غالبا كما قال علي بن إبراهيم، " لعلهم يتضرعون " يعني كي يتضرعوا فلما لم يتضرعوا فتح الله عليهم الدنيا وأغناهم لفعلهم الردى " فإذا هم مبلسون " أي آيسون وذلك قول الله في مناجاته لموسى عليه السلام. حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في مناجاة الله تعالى لموسى: يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته، فما فتح الله على أحد في هذه الدنيا إلا بذنب لينسيه ذلك الذنب فلا يتوب فيكون إقبال الدنيا عليه عقوبة لذنوبه (1). وروى الكشي (2) والعياشي باسنادهما، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلام ادخل على الحجاج فقال: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب ؟ قال: كنت اوضيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ فقال: كان يتلو هذه الاية " فلما نسوا ما ذكروا به " إلى قوله:
(1) مجمع البيان ج 4: 302. (2) نهج البلاغة ج 1: 353 تحت الرقم 176 من الخطب (3) أخرجه الديلمى في ارشاد القلوب: 219، الباب 48، وتراه في الكافي ج 2 ص 263. راجع تفسير القمى ذيل هذه الاية. (4) رجال الكشى: 70.
[200]
" فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " (1) فقال الحجاج: أظنه كان يتأوله علينا ؟ قال: نعم (2). 1 - كتاب صفات الشيعة للصدوق رحمه الله باسناده، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البرص شبه اللعنة، لا يكون فينا، ولا في ذريتنا، ولا في شيعتنا. وباسناده عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لم يؤمن المؤمن من البلايا في الدنيا، ولكن امنه من العمى في الاخرة ومن الشقاء يعني عمى البصر (3). 2 - نوادر الراوندي: باسناده، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء فقيل: ومن هم يا رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، إنه لا وحشة ولا غربة على مؤمن، وما من مؤمن يموت في غربته إلا بكت عليه الملائكة رحمة له، حيث قلت بواكيه، وفسح له في قبره بنور يتلالا من حيث دفن إلى مسقط رأسه. 3 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أشد الناس بلاء الانبياء ثم الذين يلونهم ثم الامثل
فالامثل (4). بيان: " أشد الناس " بلاء " قيل: المراد بالناس هنا الكمل من الانبياء والاوصياء والاولياء، فانهم الناس حقيقة وسائر الناس نسناس، كما ورد في الاخبار والبلاء: ما يختبر ويمتحن به من خير أو شر، وأكثر ما يأتي مطلقا الشر، وما اريد به الخير يأتي مقيدا كما قال تعالى. " بلاء حسنا " (5) وأصله: المحنة.
(1) الانعام: 45. (2) تفسير العياشي ج 1: 359. (3) صفات الشيعة: 180. (4) الكافي ج 2: 252. (5) الانفال: 17.
[201]
والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، وبما يكره ليمتحن صبره، يقال: بلاء الله بخير أو شر يبلوه بلوا، وأبلاه إبلاء، وابتلاه ابتلاء بمعنى امتحنه، والاسم: البلاء مثل سلام، والبلوى والبلية مثله. وقال في النهاية: فيه أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل: أي الاشرف فالاشرف، والاعلى فالاعلى في الرتبة والمنزلة، ثم يقال: هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس: خيارهم انتهى. " ثم الذين يلونهم " أي يقربون منهم ويكونون بعدهم، في المصباح: الولي مثل فلس: القرب، وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين، والثانية من باب وعد وهي قليلة الاستعمال، وجلست مما يليه أي يقاربه، وقيل: الولي: حصول الثاني بعد الاول من غير فصل انتهى والمراد بهم الاصياء عليهم السلام. 4 - كا: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن معاوية ابن عمار، عن ناجية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن المغيرة يقول: إن المؤمن
لا يبتلى بالجذام ولا بالبرص، ولا بكذا ولا بكذا، فقال: إن كان لغافلا عن صاحب ياسين إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه، فقال: كأني أنظر إلى تكنيعه، أتاهم فأنذرهم، ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه، ثم قال: إن المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة، إلا أنه لا يقتل نفسه (1). بيان: المغيرة: هو المغيرة بن سعيد، وقد ذكر الكشي (2) أحاديث كثيرة في لعنه، وقال العلامة قدس سره: إنه كان يدعو إلى محمد بن عبد الله بن الحسن وقال رحمه الله في مناهج اليقين: القائلون بامامة الباقر عليه السلام اختلفوا بعد موته فالامامية ساقوها إلى ولده الصادق عليه السلام، ومنهم من قال: إنه لم يمت، ومنهم من ساقها إلى غير ولده، فذهب بعضهم إلى أن الامام بعد الباقر عليه السلام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، وهم أصحاب المغيرة بن سعيد.
(1) الكافي ج 2: 254 (2) رجال الكشى: 194 - 198.
[202]
وروى الكشي (1) عن الصادق عليه السلام أنه قال يوما لاصحابه: لعن الله المغيرة ابن سعيد ولعن الله يهودية كان يختلف إليها، يتعلم منها السحر، والشعبذة والمخاريق، إن المغيرة كذب على أبي عليه السلام فسلبه الله الايمان وإن قوما كذبوا علي، مالهم أذاقهم الله حر الحديد. وروى أيضا عن الرضا عليه السلام (2) أنه قال: كان المغيرة يكذب على أبي جعفر عليه السلام فأذاقه الله حر الحديد. وقال في المواقف: قال مغيرة بن سعيد العجلي: الله جسم على صورة إنسان من نور، على رأسه تاج، وقلبه منبع الحكمة، ولما أراد أن يخلق الخلق تكلم بالاسم الاعظم، فطار، فوقع تاجا على رأسه، ثم إنه كتب على كفه أعمال العباد
فغضب من المعاصي، فعرق، فحصل منه بحران أحدهما: مالح مظلم، والاخر حلو نير، ثم اطلع في البحر النير، فأبصر فيه ظله، فانتزعه فجعل منه الشمس والقمر، وأفنى الباقي من الظل نفيا للشريك، ثم خلق الخلق من البحرين فالكفار من المظلم، والمؤمنين من النير. ثم أرسل محمدا، والناس في ضلال، وعرض الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان وهو أبو بكر بأمر عمر بشرط أن يجعل الخلافة بعده له وقوله تعالى،: " كمثل الشيطان إذ قال للانسان اكفر " (3)
(1) رجال الكشى: 196. (2) المصدر نفسه ص 194. أقول وروى باسناده الى هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبى، ويأخذ كتب أصحابه - وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبى يأخذون الكتب من أصحاب أبى فيدفعونها الى المغيرة -. فكان يدس فيها الكفر والزندقة: ويسندها الى أبى، ثم يدفعها الى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة، فكلما كان في كتب أصحاب أبى من الغلو، فذاك مما دسه المغيرة ابن سعيد في كتبهم. (3) الحشر: 16.
[203]
نزلت في أبي بكر وعمر. والامام المنتظر هو زكريا بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، وهو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمر بالخروج، وقتل المغيرة فقال بعض أصحابه بانتظاره وبعضهم بانتظار زكريا انتهى. وقيل: هو المغيرة بن سعد، وكان يلقب بالابتر، فنسبت إليه البترية من الزيدية، ولم أدر من أين أخذه. (1)
" فقال إن كان لغافلا " إن: مخففة من المثقلة " وصاحب ياسين " هو حبيب النجار، وإنذاره إشارة إلى قوله تعالى: " واضرب لهم مثلا أصحاب القرية " (2) وهذه القرية هي أنطاكية في قول المفسرين " إذ جائها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين " أي رسولين من رسلنا " فكذبوهما " أي الرسولين. قال ابن عباس ضربوهما وسجنوهما " فعززنا بثالث " أي فقوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث، قيل: كان اسم الرسولين شمعون ويوحنا، والثالث بولس و وقال ابن عباس وكعب: صادق، وصدوق والثالث سلوم، وقيل: إنهم رسل عيسى
(1) قال الفيروزآبادى في القاموس ج 1 ص 366 في مادة " بتر ": والابتر لقب المغيرة بن سعد والبترية - بالضم - من الزيدية تنسب إليه. ولكن قال الكشى في رجاله ص 202: البترية هم أصحاب كثير النوا والحسن بن صالح بن يحيى [حى ظ]، وسالم بن أبى حفصة والحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد، وهم الذين دعوا الى ولاية علي عليه السلام ثم خلطوها بولاية أبى بكر وعمر ويثبتون لهما امامتهما ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن أبى طالب الخ. وانما قيل لهم البترية لان جماعة من الزيدية دخلوا على أبى جعفر الباقر عليه السلام وكان عنده زيد بن على، فأظهروا عقائدهم وما يقولون به، فقال لهم زيد: بترتم أمرنا بتركم الله. (2) يس: 13. وما بعدها ذيلها.
[204]
وهم الحواريون، وإنما أضافهم إلى نفسه لان عيسى عليه السلام أرسلهم بأمره " فقالوا إنا إليكم مرسلون ". " قالوا " يعني أهل القرية " ما أنتم إلا بشر مثلنا " فلا تصلحون للرسالة
كما لا نصلح نحن لها " وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين ". إلى قوله تعالى: " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى " وكان اسمه حبيب النجار، عن ابن عباس وجماعة من المفسرين، وكان قد آمن بالرسول عند ورودهم القرية وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم، جاء يعدو ويشتد، " قال يا قوم اتبعوا المرسلين " الذين أرسلهم الله إليكم، وأقروا برسالتهم. قالوا: وإنما علم هو نبوتهم لانهم لما دعوه قال: أتأخذون على ذلك أجرا ؟ قالوا: لا، وقيل: إنه كان به زمانة أو جذام فأبرؤوه فآمن بهم عن ابن عباس. " اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا هم ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون " فاسمعوا قولي واقبلوه، وقيل: إنه خاطب بذلك الرسل، أي فاسمعوا ذلك حتى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود. قال: ثم إن قومه لما سمعوا ذلك القول منه، وطئوه بأرجلهم، حتى مات فأدخله الله الجنة وهو حي فيها يرزق، وهو قوله: " قيل ادخل الجنة " وقيل: رجموه حتى قتلوه، وقيل: إن القوم لما أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء الدنيا وهلاك الجنة، عن الحسن ومجاهد، وقالا إن الجنة التي دخلها يجوز هلاكها. وقيل: إنهم قتلوه إلا أن الله سبحانه أحياه وأدخله الجنة، فلما دخلها قال: " يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ".
[205]
وفي تفسير الثعلبي بالاسناد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: علي بن أبي طالب وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون، فهم الصديقون وعلي أفضلهم. كل ذلك ذكره الطبرسي (1) رحمه الله في مجمع البيان، والاخبار الطويلة المشتملة على تلك القصة قد تقدمت في المجلد الخامس. " إنه كان مكنعا " في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة، وفي بعضها بالتاء وفي القاموس: كنع كمنع كنوعا: انقبض وانضم، وأصابعه: ضربها فأيبسها، وكفرح يبس وتشنج ولزم، وشيخ كنع ككتف: شنج، والكنيع: المكسور اليد، والاكنع الاشل، وكمعظم ومجمل: المقفع اليد: - أي متشنجها أو - المقطوعها، وكنع يده: أشلها، (2) وقال: كتع كمنع: انقبض وانضم، والاكتع: من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجبه. (3) وأقول: كأنه كان الجذام سببا لتكنيع أصابعه كما سيأتي تفسيره بالجذام أو كان هذا الداء أيضا مذكورا في الادواء التي نفاها عن المؤمن، أو الغرض بيان أن الابتلاء بالادواء العظيمة الشنيعة لا ينافي كمال الايمان وقيل: كانت أصابعه سقطت من الجدام فأشار عليه السلام بضم أصابعه إلى كفه إلى ذلك. " ثم رد أصابعه " هذا من كلام الراوي أي رد عليه السلام أصابعه إلى كفه إشارة إلى تكنيعه، فقال: " كأني أنظر إلى تكنيعه " أي أعلم ذلك وكيفيته بعين اليقين " أتاهم " أي حبيب " فأنذرهم " وخوفهم عقاب الله على ترك اتباع الرسل، بما حكى الله تعالى عنه، وربما يتوهم التنافي بين هذا الخبر، وبين ما ورد عن الصادق عليه السلام أنه إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه الله من الادواء الثلاثة: البرص والجذام، والجنون، ويمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب، فلا ينافي الابتلاء بعد
(1) مجمع البيان ج 8 ص 417 - 421.
(2) القاموس ج 3 ص 80. (3) القاموس ج 3 ص 77.
[206]
الاربعين نادرا، مع أنه يمكن أن يكون ابتلاء المؤمن قبل الاربعين، وأيضا الخبر ليس بصريح في ابتلائه بالجذام. " والميتة " بالكسر للحال والهيئة، ويدل على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة، أو بشرب السم، أو بترك الاكل والشرب، أو ترك مداواة جراحة أو مرض علم نفعها، أما لو أحرق العدو السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات فالظاهر أنه أيضا داخل في هذا الحكم خلافا لبعض العامة فإنه أخرجه منه، لانه فر من موت إلى موت وهو ضعيف، وربما يحمل على من استحل قتل نفسه، والظاهر أن المراد بالمؤمن: الكامل. 5 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن عثمان النوا، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل يبتلي المؤمن بكل بلية، ويميته بكل ميتة، ولا يبتليه بذهاب عقله، أما ترى أيوب كيف سلط الله إبليس على ماله، وعلى ولده وعلى أهله، وعلى كل شئ من، ولم يسلط على عقله ترك له ليوحد الله به (1). بيان:: " ولا يبتليه بذهاب عقله " لان فائدة الابتلاء التصبر والتذكر والرضا ونحوها، ولا يتصور شئ من ذلك بذهاب العقل وفساد القلب، ولا ينافي ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء، على أن الموضع هو المؤمن، والمجنون لا يتصف بالايمان كذا قيل، لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا يبتلي بذلك، وإن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم الايمان، وكان بحكم المؤمن. ويمكن أن يكون هذا غالبيا فانا نرى كثيرا من صلحاء المؤمنين، يبتلون
في أواخر العمر بالخرافة وذهاب العقل، أو يخص بنوع منه، والوجه الاول لا يخلو من وجه، " وعلى كل شئ منه " ظاهره تسلطه على جميع أعضائه وقواه سوى عقله وقد يؤول بتسلطه على بيته، وأثاث بيته، وأمثال ذلك، وأحبائه وأصدقائه
(1) الكافي ج 2 ص 256.
[207]
وقد سبق بسط القول في قصص أيوب عليه السلام ودفع الشبه الواردة فيها في المجلد الخامس فلا نعيدها حذرا من التكرار. 6 - كا: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الرحمان ابن الحجاج قال: ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام: البلاء وما يخص الله عزوجل به المؤمن، فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله من أشد الناس بلاء في الدنيا ؟ فقال: النبيون ثم الامثل فالامثل، ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه، وحسن أعماله، فمن صح إيمانه، وحسن عمله، اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه (1). محص: عن عبد الرحمان مئله. بيان: " السخف " الخفة في العقل وغيره ذكره الجزري والفعل ككرم " وضعف عمله " أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما. 7 - كا: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عظيم الاجر لمع عظيم البلاء، وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم (2). بيان: يدل على أن عظيم البلاء سبب للاجر العظيم، وعلامة لمحبة الرب الرحيم، إذا كان في المؤمن الكريم. 8 - كا: عن العدة، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي
بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله عزوجل عبادا في الارض من خالص عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الارض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم، ولا بلية إلا صرفها إليهم (3). نبه: عن ابن رئاب وكرام بن عمرو، عن أبى بصير مثله.
(1) الكافي ج 2 ص 252. (2) الكافي ج 2 ص 252. (3) المصدر ص 253.
[208]
بيان: " ما ينزل من السماء " أي يقدر فيها " تحفة " أي من التحف الدنيوية وكذا " البلية ". 9 - كا: عن العدة، عن البرقي، عن أحمد بن عبيد، عن الحسين بن علوان، عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال وعنده سدير: إن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا، وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي (1). بيان: " غته " أي غمسه، والباء بمعنى " في " ويحتمل القهر والغم، في النهاية: فيه يغتهم الله في العذاب غتا، أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا، ومنه حديث الدعاء: يا من لا يغته دعاء الداعين: أي يغلبه ويقهره، وفي حديث الحوض: يغت فيه ميزابان، مدادهما من الجنة، أي يدفقان فيه الماء دفقا دائما متتابعا، وفي القاموس: غته بالامر كده، وفي الماء غطه، وفلانا غمه وخنقه، (2) " لنصبح به " أي بالغت أو بالبلاء. 10 - كا: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن محمد بن سنان، عن الوليد بن العلا، عن حماد، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى إذا
أحب عبدا غته بالبلاء غتا، وثجه بالبلاء ثجا، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي ! لئن عجلت لك ما سألت، إني على ذلك لقادر، ولئن ادخرت لك فما ادخرت لك خير لك (3). جع: عنه عليه السلام مثله. (4) بيان: في القاموس: ثج الماء: سال، وثجه: أساله، وفي النهاية: فيه أفضل الحج العج الثج، الثج: سيلان دماء الهدي والاضاجي (4)، يقال: ثجه
(1) المصدر ص 253 (2) القاموس ج 1 ص 153. (3) الكافي ج 2 ص 253. (4) روى الصدوق في معاني الاخبار ص 223 باسناده عن النخعي عن عمه عن اسماعيل بن مسلم، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن على عليهم السلام قال: نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد ! مر أصحابك بالعج والثج، فالعج رفع الاصوات بالتلبية، والثج نحر البدن.
[209]
يثجه ثجا، ومنه فحلب فيه ثجا، أي لبنا سائلا كثيرا، وحديث المستحاضة إنى أثجه ثجا انتهى. واقول: ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف والايصال والباء زائدة أي ثج عليه البلاء أو يكون تسييله كناية عن شدة ألمه وحزنه، كأنه يذوب من البلاء ويسيل، أو عن توجهه إلى جناب الحق سبحانه بالدعاء والتضرع لدفعه، وقيل: أي أسال دم قلبه بالبلاء. واقول: في جامع الاخبار (1) وغيره " بجه " بالباء الموحدة والبج: الشق والطعن بالرمح.
" فإذا دعاه " أي لدفع البلاء، أو لغيره من المطالب أيضا، وفي القاموس: ألب: أقام كلب، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد إلباب وإجابة بعد إجابة، أو معناه اتجاهي وقصدي لك، من: داري تلب داره: أي تواجهها، أو معناه: محبتي لك، من: امرأة لبة: محبة لزوجها، أو معناه إخلاصي لك من: حسب لباب: خالص (2). 11 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن زيد الزراد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء، فإذا أحب الله عبدا ابتلاه الله بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا، ومن سخط البلا فله عند الله السخط (3). ل: عن أبيه، عن محمد العطار، عن سهل، عن الحسن اللؤلؤي، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، عنه عليه السلام مثله (4). محص: عن الشحام مثله. بيان: " يكافأ به " على بناء المجهول، أي يحازى، أو يساوى، في القاموس:
(1) جامع الاخبار: 134. (2) القاموس ج 1 ص 126 و 127 (3) الكافي ج 2 ص 253. (4) الخصال ج 1 ص 12
[210]
كافأه مكافأة وكفاء: جازاه، وفلانا: ماثله وراقبه (1)، والحمد لله كفاء الواجب اي ما يكون مكافئا له. " فإذا أحب الله عبدا " أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه، ويرضى عنه ووجده أهلا لذلك ابتلاه بعظيم البلاء من الامراض الجسمانية، والمكاره الروحانية " فمن رضي " أي ببلائه وقضائه، والظاهر أن المراد بالموصول في الموضعين أعم
من العبد المحبوب المتقدم، فان العبد المحبوب لله سبحانه لا يسخط قضاءه، و يحتمل أن يكون المراد بالمحبة، تعريضه للمثوبة، سواء رضي أم لا " فمن رضي فله عند الله الرضا " أي يرضى الله عنه، " ومن سخط " القضاء " فله عند الله السخط " أي الغضب. 12 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن زكريا بن الحر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما يبتلي المؤمن في الدنيا على قدر دينه، أو قال على حسب دينه (2). بيان: " أو قال " الشك من الراوي، و " الحسب " بالتحريك المقدار، فمآل الروايتين واحد، قال في المصباح: قولهم: يجزى المرء على حسب عمله: أي على مقداره. 13 - كا: عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض أصحابه، عن محمد بن المثنى الحضرمي، عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه (3). بيان: " إنما المؤمن " كأن المعنى أن حال المومن في إيمانه وبلائه بمنزلة كفتي الميزان، كما ورد: الصلاة ميزان فمن وفى استوفى، وقيل: المعنى أن المومن ككفة الميزان، في أنه كلما وضع فيه يوضع في الكفة الاخرى
(1) القاموس ج 2 ص 26 (2) الكافي ج 2 ص 253 (3) الكافي ج 2 ص 254
[211]
ما يوازنه عند الوزن، فكلما زيد في المومن من الايمان زيد في الكفة الاخرى وهو الكافر الذي بلاء المؤمن بسببه، سواء كان من الانس أو الجن، فيزيد بلاؤه و
أذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن. 14 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكر به (1). بيان: " أمر يحزنه " بالضم، قال في المصباح: حزن حزنا من باب تعب والاسم الحزن بالضم فهو حزين، ويتعدى في لغة قريش بالحركة، يقال: حزنني الامر يحزنني، من باب قتل قاله تغلب والازهري وفي لغة تميم بالالف، ومثل الازهري باسم الفاعل والمفعول في اللغتين على بابهما ومنع أبو زيد الماضي من الثلاثي، فقال: لا يقال: حزنه وإنما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال: يحزنه انتهى. وقوله: " يذكر به " على بناء المفعول من التفعيل، كأنه سئل عن سبب عروض ذلك الامر، فقال: يذكر به ذنوبه، والتوبة منها، لقوله سبحانه: " ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم (2) ". وربه القادر على دفع ذلك عنه، فيتضرع لذلك، ويدعو الله لرفعه، وسفالة الدنيا (3) ودناءتها لشيوع أمثال ذلك فيها فيزهد فيها، والاخرة وخلوص لذاتها عن الاحزان والكدورات فيرغب إليها ولا يصلح القلب إصلاح الحزن شئ وقد قيل: إن القلب الذي لا حزن فيه كبيت الخراب. 15 - كا: عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمد الاشعري، عن عبد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن المومن من الله عزوجل لبأفضل مكان - ثلاثا - إنه ليبتليه بالبلاء، ثم ينزع نفسه عضوا عضوا
(1) المصدر 253. (2) الشورى: 30
(3) أي ويذكر سفالة الدنيا. وهكذا قوله: والاخرة الخ.
[212]
من جسده، وهو يحمد الله على ذلك (1). بيان: " من الله " أي بالنسبة إليه " ثلاثا " أي قال هذا الكلام ثلاث مرات " نفسه عضوا عضوا " أي روحه من بدنه بالتدريج، وقيل: أراد بقطع بدنه عضوا عضوا فكلما قطع منه عضو سلب الروح منه، وقال بعضهم: النفس بضم النون والفاء جمع نفيس أي يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام، ولا يخفى ما فيه والاول أظهر. 16 - كا: عن محمد بن يحيى، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن فضيل ابن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده (2). بيان: يدل على أن بعض درجات الجنة يمكن البلوغ إليها بالعمل و السعي، وبعضها لا يمكن الوصول إليها الا بالابتلاء في الجسد، فيمن الله تعالى على من أحب من عبده بالابتلاء ليصلوا إليها. 17 - كا: عن العدة، عن البرقي، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمد الاشعري عن أبي يحيى الحناط، عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام ما ألقى من الاوجاع - وكان مسقاما - فقال لي: يا عبد الله لو يعلم المؤمن ماله من الجزاء في المصائب، لتمنى أنه قرض بالمقاريض (3). بيان: " وكان مسقاما " هذا كلام أبي يحيى، وضمير كان عائد إلى عبد الله و " المسقام " بالكسر الكثير السقم والمرض، " إنه قرض " على بناء المفعول بالتخفيف، أو بالتشديد للتكثير والمبالغة. وفي المصباح: قرضت الشئ قرضا من باب ضرب: قطعته بالمقراضين، و المقراض أيضا بكسر الميم والجمع: مقاريض، ولا يقال: إذا جمع بينهما مقراض
كما تقوله العامة وإنما يقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين
(1) الكافي ج 2 ص 254. (2) الكافي ج 2 ص 255 (3) المصدر ج 2 ص 255
[213]
وفي الواحد قطعته بالمقراض. 18 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن يونس بن رباط قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة قليلة وعافية طويلة (1). نبه: عن ابن رباط مثله. بيان: " منذ كانوا " تامة " وفي شدة " خبر " لم يزالوا " " إلى مدة قليلة " أي إلى انتهاء مدة قليلة هي العمر، ينهي إلى " عافية طويلة " في البرزخ والاخرة وقيل: " إلى " بمعنى مع. 19 - كا: عن علي، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن المختار عن أبي اسامة، عن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزوجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (2). بيان: في القاموس تعهده وتعاهده: تفقده وأحدث العهد به، وقال: حمى المريض ما يضره: منعه إياه فاحتمى، وتحمى: امتنع. واقول: وجه الشبه في الفقرتين في المشبه وإن كان أقوى، لكن المشبه به عند الناس أظهر وأجلى. 20 - كا: عن علي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن محمد بن يحيى الخثعمي
عن محمد بن بهلول العبدي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز الدنيا، ولكنه آمنه من العمى فيها والشقاء في الاخرة (3). بيان: " من هزاهز الدنيا " أي الفتن والبلايا التي يهتز فيها الناس و " العمى "
(1) الكافي ج 2 ص 255. (2) المصدر ج 2 ص 255 (3) المصدر نفسه.
[214]
عمى القلب، الموجب للجهل بالله، والتنفر عن الحق والبعد عن لوازم الايمان وكل ذلك يوجب الشقاء والتعب في الاخرة. 21 - كا: عن العدة، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن نوح بن شعيب، عن أبي داود المسترق رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: دعى النبي صلى الله عليه وآله إلى طعام فلما دخل منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتدفي حائط، فثبتت عليه، ولم تسقط ولم تنكس، فتعجب النبي صلى الله عليه وآله منها فقال له الرجل: أعجبت من هذه البيضة ؟ فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط. فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يأكل من طعامه شيئا، وقال: من لم يرزء فما لله فيه من حاجة (1). بيان: " فتقع " أي فوقعت، واستعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه المواضع شائع، " ما رزئت شيئا " أي ما نقصت، في القاموس: رزأه ماله - كجعله وعلمه - رزعا بالضم: أصاب منه شئيا كارتزأه ماله، ورزأ الشئ: نقصه، والرزيئة المصيبة، وما رزئته بالكسر: ما نقصته (2). وفي النهاية: في حديث سراقه: فلم يرزءاني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا يقال: رزأته أرزأه وأصله النقص، فقوله: رزئت على بناء المجهول ومفعول،
الثاني محذوف. " فما لله فيه من حاجة " استعمال الحاجة في الله سبحانه مجاز، والمراد أنه ليس من خلص المؤمنين، وممن أعده الله لهداية الخلق ولعبادته ومعرفته، فإن نظام العالم لما كان بوجود هؤلاء. فكأنه محتاج إليهم في ذلك، أو أنهم لما كانوا من حزب الله، وعبدته حقيقة، وأنصار دينه، فكأنه سبحانه محتاج إليهم، كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل ذلك. أو المراد حاجة الانبياء والاوصياء في ترويج الدين، ونسب ذلك إلى ذاته
(1) الكافي ج 2: 256. (2) القاموس ج 1: 16.
[215]
تعظيما لهم كما ورد في قوله تعالى: " إن تنصروا الله ينصركم " (1) " وما ظلمونا " (2) وأمثالهما. أو أنه تعالى لما طلب من عباده العبادات بالاوامر وغيرها، كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه، فاستعملت الحاجة فيه مجازا، أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به، وترك الاقبال عليه، لان اللطف والاقبال منا لازمان للحاجة، فنفى الملزوم وأراد نفي اللازم، والوجوه متقاربة. وإنما امتنع صلى الله عليه وآله من طعامه لان ما ذكره كان من صفات المستدرجين ومن لا خير فيه لا خير في طعامه، والمال الذي لم ينقص منه شئ ملعون كالبدن وقد قال صلى الله عليه وآله: ملعون كل مال لا يزكى، ملعون كل بدن لا يزكى (3) مع أنه يمكن أن يكون علم صلى الله عليه وآله من تقريره أنه لا يؤدي الحقوق الواجبة أيضا. وأيضا لما كانت الخصلة التي ذكرها صاحب الطعام، مرغوبة بالطبع لسائر الخلق، أراد صلى الله عليه وآله المبالغة في ذمها، لئلا ترغب الصحابة فيها، وليعلموا أنها ليست
من صفات المؤمنين. 22 - كا: عن العدة، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمان عن أبي عبد الله، وأبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب (4). بيان: " فيمن ليس له " أي لله، وإرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد، والظاهر أن المراد بالنصيب: النقص الذي وقع بقضاء الله وقدره، في ماله أو بدنه، بغير اختيار ويحتمل شموله للاختياري أيضا، كأداء الحقوق المالية، وإبلاء البدن بالطاعة. 23 - كا: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى، عن ابن فضال، عن علي
(1) القتال 7. (2) البقرة: 57. (3) سيأتي الحديث ص 219. (4) الكافي ج 2 ص 256. *)
[216]
ابن عقبة، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال إنه ليكون للعبد منزلة عند الله، فما ينالها إلا باحدى الخصلتين: إما بذهاب ماله، أو ببلية في جسده (1). بيان: " بذهاب ماله " بكسر اللام، وقد يقرء بالفتح وعلى الاول يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده وأهله وأقاربه وأشباه ذلك، والمراد بالعبد: المؤمن الخالص الذي يحبه الله. 24 - كا: بالاسناد المتقدم عن البرقي، عن ابن فضال، عن مثنى الحناط عن أبي اسامة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله عزوجل: لولا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لا يصدع رأسه أبدا (2).
بيان: " لولا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه " كأن مفعول الوجدان محذوف أي شكا أو حزنا شديدا، أو يكون الوجد بمعنى الغضب، أو بمعنى الحزن، فقوله: " في قلبه " للتأكيد أي وجدا مؤثرا في قلبه باقيا فيه. في المصباح: وجدته أجده وجدانا بالكسر، ووجدت عليه موجدة في الغضب ووجدت به في الحزن وجدا بالفتح انتهى. والعصابة بالكسر: ما يشد على الرأس والعمامة، والعصب: الطي الشديد وعصب رأسه بالعصابة، وعصب أيضا بالتشديد أي شده بها، و " الصداع " كغراب وجع الرأس، يقال: صدع على بناء المفعول من التفعيل، وجوز في الشعر التخفيف وذكر الرأس هنا على التجريد، والعصب بالحديد كناية عن حفظه مما يؤلمه ويؤذيه. وتخصيص الرأس لان أكثر الامراض العظيمة ينشأ منه وأكثر القوى فيه وذكر الصداع لانه أقل مراتب الالام والاوجاع وأخفها، أي فكيف ما فوقه، ويحتمل كون تخصيص الرأس لذلك. والحاصل أنه: لولا مخافة انكسار قلب المؤمن، أو ضعف يقينه، لما يراه على
(1) الكافي ج 2 ص 257. (2) المصدر ج 2 ص 257.
[217]
الكافر من العافية المستمرة، لقويت الكافر، وصححت جسمه، حتى لا يرى وجعا وألما في الدنيا أبدا. وقيل تعصيب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة على رأسه، وذكر الحديد كناية عن شدة ملكه بحيث لا تحصل فيه ثملة، ولا يخفى بعده. وفيه إشارة إلى قوله سبحانه: " لولا أن يكون الناس امة واحدة " (1)
قال الطبرسي رحمه الله: أي لولا أن يجتمع الناس على الكفر، فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد، لميلهم إلى الدنيا، وحرصهم عليها " لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة " فالسقف إذا كان من فضة فالحيطان من فضة " ومعارج عليها يظهرون " أي وجعلنا درجا وسلاليم من فضة لتلك السقف، عليها يعلون ويصعدون. " ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها " أي على تلك السرر " يتكئون وزخرفا " أي ذهبا، أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا، وقيل: الزخرف: النقوش، وقيل: هو الفرش ومتاع البيت، والمعنى لاعطى الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها، لقلتها وحقارتها عنده، ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك لما فيه من المفسدة، " وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين " خاصة لهم (2). 25 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مثل المؤمن كمثل خامة الزرع، تكفئها الرياح كذا وكذا، وكذلك المؤمن تكفئه الاوجاع والامراض، ومثل المنافق كمثل الارزبة المستقيمة التي لا يصيبها شئ حتى يأتيه الموت فيقصفه قصفا (3). بيان: قد مر معنى " خامة الزرع " في باب أن المؤمن صنفان (4) والفرق
(1) الزخرف: 33 - 35. (2) مجمع البيان ج 9 ص 47. (3) الكافي ج 2 ص 257. (4) راجع ص 191 فيما سبق
[218]
بين التشبيه هنا وبين ما سبق، حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها وههنا جميعهم بها
هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح، وههنا شبه البلايا والامراض بها، " تكفئها " بالهمز أي تقلبها، في القاموس: كفأه كمنعه: صرفه وكبه وقلبه، كأكفأه (1) وقال: الازربة، والمرزبة مشددتان، أو الاولى فقط: عصية من حديد (2) و " حتى " في قوله: " حتى يأتيه الموت " متعلق بالجار والمجرور في قوله: " كمثل الارزبة "، وفي المصباح: قصفت العود قصفا فانقصفت، مثل كسرته فانكسر، لفظا ومعنا. ومثل هذه الرواية رواها مسلم في صحيحه باسناده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح: تصرفها مرة، وتعدلها اخرى، حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق مثل الارزة (3) المجذية التي لا يصيبها شئ حتى يكون انجعافها مرة واحدة، وفي رواية اخرى مثل الكافر. قال عياض: الخامة هي الزرع أول ما ينبت، ومعنى تكفئها بضم التاء تميلها الريح وتلقيها بالارض كالمصروع، ثم تقيمه يقوم على سوقه، ومعنى المجذية: الثابتة، يقال: أجذى يجذي، و " الانجعاف ": الانقطاع، يقال: جعفت الرجل صرعته. وقال محيي الدين: الارزة - بالفتح - وقال بعضهم: هي الارزة بالمد وكسر الراء على وزن فاعلة، وأنكره أبو عبيد، وقال أهل اللغة: الارزة بالمد الثابتة، وهذا المعنى صحيح ههنا، فانكار أبي عبيد إنكار الرواية لا إنكار اللغة. وقال أبو عبيد: شبه المومن بالخامة التي تميلها الريح، لانه يرزأ في نفسه وماله، وشبه الكافر بالارزة لانه لا يرزأ في شئ حتى يموت، وإن رزئ لم يوجر حتى يلقى الله بذنوب جمة. 26 - كا: عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة
(1) القاموس ج 1 ص 26.
(2) القاموس ج 1 ص 73. (3) في نسخة الكمبانى " الارزبة " وهو تصحيف.
[219]
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله يوما لاصحابه: ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل جسد لا يزكى، ولو في كل أربعين يوما مرة، فقيل: يا رسول الله أما زكاة المال فقد عرفناها، فما زكاة الاجساد ؟ فقال لهم: أن تصاب بآفة. قال: فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه، فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم قال لهم: هل تدرون ما عنيت بقولي ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: بلى الرجل يخدش الخدشة، وينكب النكبة، ويعثر العثرة، ويمرض المرضة، ويشاك الشوكة وما أشبه هذا، حتى ذكر في آخر حديثه اختلاج العين (1). بيان: " ملعون كل مال لا يزكى " قال الشيخ البهائي برد الله مضجعه: أي بعيد عن الخير والبركة، يعني لا خير فيه لصاحبه ولا بركة، ويجوز أن يراد ملعون صاحبه، على حذف مضاف، أي مطرود مبعد عن رحمة الله تعالى وقس عليه قوله صلى الله عليه وآله: " ملعون كل جسد لا يزكى " وذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة ويجوز أن يكون استعارة تبعية، ووجه الشبه أن كلا منهما وإن كان نقصا بحسب الظاهر إلا أنه موجب لمزيد الخير والبركة في نفس الامر. " فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك " لانهم ظنوا أن مراده بالافة: العاهة والبلية الشديدة التي كثيرا ما يخلوا عنهما الانسان سنين عديدة، فضلا عن أربعين يوما، " قال: بلى " أقول: كأنه جواب عن سؤال مقدر، كأن القوم قالوا: ألا تفسر لنا ؟ قال: بلى. وصحف بعض الافاضل فقرأ " بلى الرجل " مصدرا مضافا إلى الرجل أي خلقه، كأن البلايا تبلي الجسد وتخلقها و " يخدش " صفة الرجل لان اللام للعهد
الذهني، ولا يخفى ما فيه. وقال الشيخ المتقدم ذكره قدس سره: " يخدش " بالبناء للمفعول، وكذا " ينكب " والخدشة تفرق اتصال في الجلد، من ظفر ونحوه، سواء خرج منه الدم أو لا.
(1) الكافي ج 2 ص 258.
[220]
وأقول: النكبة: أن يقع رجله على الحجارة ونحوها، أو يسقط على وجهه أو أصابته بلية خفيفة من بلايا الدهر، في القاموس: النكب: الطرح، ونكب الاناء: هراق ما فيه، والكنانة: نثر ما فيها، والحجارة رجله لثمتها، أو أصابتها، فهو منكوب ونكب، وبه: طرحه، والنكبة بالفتح: المصيبة ونكبه الدهر نكبا ونكبا: بلغ منه، أو أصابه بنكبة (1). وفي النهاية: وقد نكب بالحرة: أي نالته حجارتها، وأصابته، ومنه النكبة وهي ما يصيب الانسان من الحوادث: ومنه الحديث: أنه نكبت أصبعه أي نالته الحجارة. " ويعثر العثرة " في القاموس: العثرة: المرة من العثار في المشي، وقال الشيخ رحمه الله: المراد عثرة الرجل، ويجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضا لكنه بعيد. " ويشاك الشوكة " يقال: شاكته الشوكة، تشوكه شاكة وشيكة: إذا دخلت في جسده، وانتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة، كانتصاب الخدشة، والنكبة والعثرة، فان: قلت تلك مصادر بخلاف الشوكة، فكيف يكون مفعولا مطلقا ؟ قلت: قد يجئ المفعول المطلق غير مصدر إذا لابس المصدر بالالية ونحوها، نحو ضربته سوطا، وإن أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة.
اقول: وفي القاموس: شاكته الشوكة: دخلت في جسمه، وشكته أنا أشوكه وأشكته: أدخلتها في جسمه، وشاك يشاك شاكة وشيكة - بالكسر: وقع في الشوك، والشوكة - خالطها، وما أشاكه شوكة ولا شاكه بها: ما أصابه بها انتهى (2). فعلى بعض الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعولا ثانيا من غير تقدير. وقال: " وما أشبه هذا " يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وآله، وأن يكون من كلام الراوي.
(1) القاموس ج 1 ص 134 (2) القاموس ج 3 ص 309.
[221]
اقول: الظاهر أنه من كلام الصادق عليه السلام إلى آخر الخبر، وضمير حديثه راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله، وقال قدس سره: عد صلى الله عليه وآله اختلاج العين من الافات لان الاختلاج مرض من الامراض، وقد ذكره الاطباء، وهو حركة سريعة متواترة غير عادية، يعرض لجزء من البدن، كالجلد ونحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل، فتصير ريحا بخاريا غليظا يعسر خروجه من المسام، وتزاول الدافعة دفعه، فتقع بينهما مدافعة واضطراب. 27 - كا: عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أيبتلي المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا ؟ قال: فقال: وهل كتب البلاء إلا على المؤمن (1). بيان: " وهل كتب البلاء إلا على المؤمن " أي غالبا. 28 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمن رواه، عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن ليكرم على الله، حتى لو سأله الجنة بما فيها، أعطاه ذلك، من غير أن ينتقص من ملكه شيئا وإن الكافر ليهون على الله
حتى لو سأله الدنيا بما فيها لاعطاه من غير أن ينقص من ملكه شيئا، وإن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء، كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف، وإنه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض (2). بيان: كلمة " لو " في الموضعين شرطية امتناعية، و " أعطاه " جزاؤه، أي لو سأل المؤمن الجنة أعطاه، لكنه لا يسأله ذلك، لانه يعلم عدم المصلحة في ذلك أو يحب الشركاء فيها ولا يطلب التفرد، مع أنه يمكن أن يعطيه ما هو جنة بالفعل ويخلق أمثالها وأضعافها لغيره. وأما الكفار فانه أيضا لا يسأل جميع الدنيا، لانه لا يؤمن بالله وسعد قدرته بل يعد ذلك ممتنعا، وقيل: لانه ممتنع أن يسأل الله، لانه سبحانه لا يدرك
(1) الكافي ج 2 ص 258. (2) المصدر ج 2 ص 258.
[222]
بالكنه ولا بالشخص، بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية، و الكافر لا يعرفه كذلك، وإليه يشير قوله تعالى: " اجيب دعوة الداع إذا دعان " (1) " وانتقص " يكون لازما ومتعديا، والمراد هنا الثاني، في القاموس: نقص لازم متعد، وأنقصه وانتقصه، ونقصه: فانتقص (2): وقيل: " شيئا " قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا وفي المصباح: " الطرفة " ما يستطرف أي يستملح، والجمع طرف، مثل غرفة وغرف، وفي القاموس: أطرف فلانا: أعطاه ما لم يعطه أحد قبله والاسم: الطرفة بالضم. 29 - كا: عن علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن في كتاب علي عليه السلام: إن أشد الناس بلاء النبيون، ثم الوصيون ثم الامثل فالامثل، وإنما يبتلي المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه
وحسن عمله، اشتد بلاؤه وذلك أن الله عزوجل لم يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن، و لا عقوبة لكافر، ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، وإن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الارض (3). ع: عن أبيه، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن ابن محبوب مثله (4). جع: عن النبي صلى الله عليه وآله مثله (5) إلا أن قوله: " وذلك أن الله " إلى قوله: " لكافر " في آخر الخبر، وهو أنسب. بيان: " وذلك أن الله " أقول: دفع لما يتوهم من أن المؤمن لكرامته على الله كان ينبغي أن يكون بلاؤه أقل، والمعنى: أن المؤمن لما كان محل ثوابه الاخرة، لان الدنيا لفنائها وانقطاعها لا يصح أن يكون ثوابا له، فينبغي
(1) البقرة: 185. (2) القاموس ج 2 ص 320 (3) الكافي ج 2 ص 259. (4) علل الشرايع ج 1 ص 42. (5) جامع الاخبار ص 133.
[223]
أن لا يكون له في الدنيا إلا ما يوجب الثواب في الاخرة، وكذا الكافر لما كنت عقوبته في الاخرة، لان الدنيا لانقطاعها لا تصلح أن تكون عقوبته فيها، فلا يبتلي في الدنيا كثيرا، بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا، بدفع البلاء والسعة في النعماء. وفي القاموس: " القرار والقرارة ": ما قر فيه، والمطمئن من الارض (1) شبه عليه السلام البلاء النازل إلى المؤمن بالمطر النازل إلى الارض، ووجه الشبه متعدد وهو السرعة والاستقرار بعد النزول، وكثرة النفع، والتسبب للحياة، فان البلاء
للمؤمن سبب للحياة الابدية، والمطر سبب للحياة الارضية. 30 - كا: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن مالك بن عطية، عن يونس بن عمار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن هذا الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن الله لم يبتل به عبدا له فيه حاجة، قال: فقال لي: لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الاصابع، فكان يقول: هكذا - ويمد يديه - و يقول: " يا قوم اتبعوا المرسلين " (2). ثم قال لي: إذا كان الثلث الاخير من الليل، في أوله فتوضأ وقم إلى صلاتك التي تصليها، فإذا كنت في السجدة الاخيرة من الركعتين الاوليين، فقل وأنت ساجد: " يا علي يا عظيم، يا رحمان يا رحيم، يا سامع الدعوات، يا معطي الخيرات صل على محمد وآل محمد، وأعطني من خير الدنيا والاخرة ما أنت أهله، واصرف عني من شر الدنيا والاخرة ما أنت أهله، وأذهب عني هذا الوجع - وتسميه - فانه قد غاظني وأحزنني. وألح في الدعاء، قال: فما وصلت إلى الكوفة حتى أذهب الله به عني كله (3). بيان: الظاهر أن الاثار التي ظهرت بوجهه كان برصا، ويحتمل الجذام و
(1) القاموس ج 2: 115. (2) يس: 13. (3) الكافي ج 2 ص 259.
[224]
على الاول ذكر المؤمن لبيان أنه إذا جاز ابتلاء المؤمن بالجذام، جاز ابتلاؤه بالبرص بطريق أولى لان الجذام أشد وأخبث. وأما ذكر مومن آل فرعون في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة، أو النساخ لان الاية المذكورة إنما هي في قصة آل ياسين كما مر في هذا الباب أيضا (1)، و ربما يوجه بوجهين:
أحدهما أن المراد بالفرعون هنا: فرعون عيسى عليه السلام وهو الجبار الذي كان بالانطاكية حين ورده رسل عيسى عليه السلام، والفرعون يطلق على كل جبار متكبر، نعم شاع إطلاقه على ثلاثة: فرعون الخليل واسمه: سنان، و فرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد، وفرعون موسى واسمه: الوليد بن مصعب وإضافته إلى آل فرعون عيسى بأدنى الملابسة، وهو كونه فيهم واشتغاله بإنذارهم، أو باعتبار كونه منهم في نفس الامر. وثانيهما: كونهما واحدا وكان طويل العمر جدا، ومع إدراكه زمان موسى أدراك زمان عيسى عليهما السلام أيضا مع أنه كان بينهما على رواية ابن الجوزي في التنقيح ألف وستمائة واثنان وثلاثون سنة، وكان اسمه حبيبا النجار، وكان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مر في الخبر، وقال في القاموس: خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين (2). وقال علي بن إبراهيم (3) في قوله تعالى: " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه (4) " قال: كتم إيمانه ستمائة سنة قال: وكان مجذوما مكنعا، وهو الذي قد وقعت أصابعه، وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعتين، ويقول: " يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد (5) " وفي بعض النسخ: مكتعا وهو الذي قد عقفت
(1) تحت الرقم: 4. (2) القاموس ج 3 ص 367. (3) تفسير القمى ص 585. (4) المؤمن: 30. (5) غافر: 38.
[225]
أصابعه، وكان يسير بيديه المعقوفتين، ويقول: والعقف،: العطف، ولا يخفي بعد
الوجهين، لاسيما الاخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المومنين. " وإذا كان الثلث " " كان " تامة، وقيل ناقصة، واسمه ضمير مستتر راجع إلى العالم أو نحوه، و " الثلث " منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة " في أوله " فانه بدل الثلث والظرف خبر كان، و " تسميه " كلام الامام عليه السلام اعترض بين الدعاء أي وتسمي الوجع بأن تقول مكان هذا الوجع هذا البرص، وفيه إشعار بأن الدعاء لا يخص البرص. " وأحزنني " وفيما سيأتي في كتاب الدعاء " حزنني " وكلاهما صحيح فيقال: حزنه وأحزنه، و " الالحاح ": المداومة والمبالغة بالتضرع، والتكرار والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله والائمة صلوات الله عليهم وأشباه ذلك، قال في المصباح: ألح السحاب إلحاحا: دام مطره، ومنه ألح الرجل على الشئ: إذا أقبل عليه مواظبا. 31 - ب: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أيبتلي المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا ؟ قال: وهل كتب البلاء إلا على المؤمن ؟. (1) 32 - ل: عن ابن مسرور، عن ابن بطة، عن البرقي، عن أبيه رفعه إلى زرارة بن أوفى قال: دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام فقال: يا زرارة الناس في زماننا على ست طبقات: أسد، وذئب، وثعلب، وكلب، وخنزير وشاة. فأما الاسد فملوك الدنيا، يحب كل واحد أن يغلب ولا يغلب. وأما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا، ويمدحون إذا باعوا. وأما الثعلب: فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم، ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم. وأما الكلب يهر على الناس بلسانه، ويكرهه الناس من شره لسانه.
(1) قرب الاسناد ص 81.
[226]
وأما الخنزير: فهؤلاء المخنثون وأشباههم، لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوا. وأما الشاة: فالذين تجر شعورهم (1) ويؤكل لحومهم، ويكسر عظمهم فكيف تصنع الشاة بين أسد وذئب وثعلب وكلب وخنزير (2). بيان: المراد بالشاة: المؤمن المبتلى بهولاء، وجر الشعر: كناية عن الاستيلاء عليهم، وجرهم إلى بيوت الظلمة للدعاوي الباطلة، أو الاستخفاف بهم وفي بعض النسخ بالزاي فهو بالمعنى الاخير، وأكل لحومهم: غيبتهم، وكسر عظمهم: ضربهم وشدة الجور عليهم. 33 - ن: بالاسانيد الثلاثة، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه (3). صح: عنه عليه السلام مثله (4). 34 - ما: عن الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه، عن أبي الحسن الثالث عن آبائه، عن الصادق عليهم السلام مثله (5) وفيه: رجل مؤمن. 35 - ما: عن الغضائري، عن هارون بن موسى، عن محمد بن همام، عن الحسين بن أحمد المالكي، عن اليقطيني، عن يحيى بن زكريا، عن داود بن كثير، عن أبي خالد البرقي قال: حدثنا أبو عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عزوجل: لولا أني أستحيي من عبدي المؤمن، ما تركت عليه خرقة يتوارى بها وإذا كملت له الايمان ابتليته بضعف في قوته، وقلة في رزقه، فان هو حرج أعدت إليه، فإن صبر باهيت به ملائكتي.
(1) في المصدر المطبوع: تجز شعورهم بالزاى. (2) الخصال ج 2 ص 165.
(3) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 33. (4) صحيفة الرضا ص 32. (5) أمالى الشيخ ج 1 ص 286.
[227]
ألا وقد جعلت عليا علما للناس فمن تبعه كان هاديا، ومن تركه كان ضالا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (1). بيان: فان هو حرج - كفرح - أي ضاق صدره ولم يصبر، " أعدت إليه " أي ما أخذت منه: الرزق أو القوة. 36 - ما: عن علي بن شبل، عن ظفر بن حمدون، عن إبراهيم بن إسحاق عن أبي جعفر المطلبي، عن محمد بن خالد التميمي، عن علي بن أبان، عن ابن نباته قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليه السلام فأتاه رجل فقال: والله يا أمير المؤمنين إني لاحبك في السر، كما احبك في العلانية. قال: فنكت بعوده ذلك في الارض طويلا ثم رفع رأسه، فقال: صدقت إن طينتنا طينة مرحومة، أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق، فلا يشذ منها شاذ، ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة، أما إنه فاتخذ للفقر جلبابا (2) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: الفاقة إلى محبيك أسرع من السيل من أعلى الوادي إلى أسفله (3). بيان: " أما إنه " كأنه سقط هنا شئ وفيه تقدير أي أما إنه إن كان كذلك فاتخذ، وفي البصاير: أما فاتخذ، وفي النهاية: في حديث علي: من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا أي ليزهد في الدنيا، وليصبر على الفقر والقلة، والجلباب: الازار والرداء وقيل: هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها وجمعه جلابيب كني به عن الصبر، لانه يستر الفقر كما يستر الجلباب البدن
وقيل: إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر، أي فليلبس الفقر، ويكون منه
(1) أمالى الشيخ ج 1 ص 312. (2) روى الصدوق في معاني الاخبار ص 182، باسناده عن أحمد بن المبارك قال: قال رجل لابي عبد الله عليه السلام: حديث يروى أن رجلا قال لامير المؤمنين عليه السلام: انى احبك فقال له: أعد للفقر جلبابا، فقال عليه السلام: ليس هكذا، قال: انما قال له: أعددت لفاقتك جلبابا - يعنى يوم القيامة. (3) أمالى الشيخ ج 2: 24.
[228]
على حالة تعمه وتشتمله، لان الغنى من أحوال أهل الدنيا، ولا يتهيأ الجمع بين حب الدنيا، وحب أهل البيت. 37 - ع: عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن البرقي، عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو أن مؤمنا كان في قلة جبل، لبعث الله عزوجل إليه من يؤذيه ليأجره على ذلك (1). بيان: قلة الجبل بالضم: أعلاه، والمراد بالبعث: التخلية وعدم الصرف. 38 - ع: عن حمزة بن محمد العلوي، عن أحمد بن محمد الكوفي، عن عبيد الله بن حمدون، عن الحسين بن نصير، عن خالد بن حصين، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما زلت أنا ومن كان قبلي من النبيين والمؤمنين، مبتلين بمن يؤذينا، ولو كان المؤمن على رأس جبل لقيض الله عزوجل له من يؤذيه، ليأجره على ذلك. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: مازلت مظلوما منذ ولدتني امي، حتى أن كان عقيل ليصيبه رمد فيقول لا تذروني (2) حتى تذروا عليا فيذروني وما بي من
رمد (3). 39 - ع: عن أبيه، عن سعد، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الصاعقة لا تصيب المؤمن، فقال له رجل: فإنا قد رأينا فلانا يصلي في المسجد الحرام فأصابته، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنه كان يرمي حمام الحرم. وبهذا الاسناد قال: الصاعقة تصيب المؤمن والكافر، ولا تصيب ذاكرا (4).
(1) علل الشرايع ج 1 ص 42. (2) يقال: ذر الملح: نثره وفرقه والدواء في العين: بذره. (3) علل الشرايع ج 1 ص 42. (4) علل الشرايع ج 2 ص 147.
[229]
بيان: " إنه كان يرمي " يدل على أن المراد بالمؤمن في أول الخبر: المؤمن الكامل، كما يدل عليه الرواية الاتية، ويحتمل أن لا يكون من أصابته مؤمنا، ولم ير عليه السلام المصلحة في إظهار ذلك، فأسنده إلى بعض أعماله والاول أظهر. 40 - ع: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن محمد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن ملكين هبطا من السماء فالتقيا في الهواء، فقال أحدهما لصاحبه: فيما هبطت ؟ قال: بعثني الله عزوجل إلى بحر إيل، أحشر سمكة إلى جبار من الجبابرة اشتهى عليه سمكة في ذلك البحر، فأمرني أن أحشر إلى الصياد سمك البحر، حتى يأخذها له، ليبلغ الله عزوجل غاية مناه في كفره، ففيما بعثت أنت ؟ قال: بعثني الله عزوجل في أعجب من الذي بعثك فيه: بعثني إلى عبده المؤمن الصائم القائم، المعروف دعاؤه وصوته
في السماء، لاكفئ قدره التي طبخها لافطاره، ليبلغ الله في المؤمن الغاية في اختبار إيمانه (1). توضيح: كأن " إيل " اسم بحر، وهو غير معروف في اللغة " اشتهى عليه " كذا في النسخ، ويمكن إرجاع الضمير إلى الله أي سأل الله في ذلك واعتمد عليه، وهو لا ينافي كفره كدعاء فرعون، أو إلى نفسه أي لنفسه، أو ملزما على نفسه، كناية عن الاهتمام بها، وكأنه كان في علته كما سيأتي نقلا من تفسير الامام، وفي القاموس كفأه كمنعه: كبه وقلبه، كأكفأه، وقال: القدر بالكسر معروف انثى، أو يونث. 41 - ع: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن البرقي، عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب، عن سفيان بن السمط، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أراد الله عزوجل بعبد خيرا فأذنب ذنبا تبعه بنقمة، ويذكره الاستغفار، وإذا أراد الله عزوجل بعبد شرا فأذنب ذنبا، تبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى به، وهو
(1) لم نظفر عليه.
[230]
قول الله عزوجل: " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون " (1) بالنعم عند المعاصي (2). بيان: في القاموس: استدرجه: خدعه، وأدناه، واستدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته (3). 42 - ع: عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب الاسدي عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: سألت علي بن الحسين عليه السلام عن قول الله عزوجل " لولا أن يكون الناس امه واحدة " قال: عنى بذلك امة محمد
أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم، " لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " (4) ولو فعل ذلك بامة محمد صلى الله عليه وآله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك، ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم (5). بيان: " لولا أن يكون الناس امة واحدة " قال البيضاوي: لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعم، لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه " ومعارج " أي مصاعد، جمع معرج " عليها يظهرون " أي يعلون لحقارة الدنيا " ولبيوتهم " بدل من " لمن " بدل الاشتمال، أو علة، كقولك هيأت له ثوبا لقميصه. 43 - ل: الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت، حتى يبتلي ببلية تمحص بها ذنوبه، إما في مال، وإما في ولد، وإما في نفسه، حتى يلقى الله عزوجل وماله ذنب، وإنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه، فيشدد به عليه عند موته (6).
(1) الاعراف: 182، القلم: 44. (2) علل الشرايع ج 2 ص 248. (3) القاموس ج 1 ص 188. وفيه وأدناه كدرجه - بالتشديد - وأقلقه حتى تركه يدرج على الارض. (4) الزخرف: 34. (5) علل الشرائع ج 2 ص 276. (6) الخصال ج 2 ص 169.
[231]
44 - ص: بالاسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير يرفعه فقال: التقى ملكان فقال أحدهما لصاحبه: أين تريد ؟ قال: بعثني ربي أحبس السمك، فان فلان الملك اشتهى سمكة، فأمر بي أن أحبسه له ليؤخذ له الذي
يشتهي منه، فأنت أين تريد ؟ قال: بعثني ربي إلى فلان العابد فانه قد طبخ قدرا وهو صائم، فأرسلني ربي أكفاؤها. 45 - ص: بالاسناد، عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق عليه السلام قال: إن أشد الناس بلاء الانبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الامثل فالامثل. 46 - ما: عن الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن أحمد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام مثله (1). 47 - مص: قال الصادق عليه السلام: البلاء زين المؤمن، وكرامة لمن عقل لان في مباشرته، والصبر عليه، والثبات عنده، تصحيح نسبة الايمان. قال النبي صلى الله عليه وآله: نحن معاشر الانبياء أشد الناس بلاء، فالمؤمن من الامثل فالامثل، ومن ذاق طعم البلاء تحت ستر، حفظ الله له تلذذه أكثر من تلذذه بالنعمة، ويشتاق إليه إذا فقده، لان تحت يد البلاء والمحنة أنوار النعمة، وتحت أنوار النعمة نيران البلاء والمحنة، وقد ينجو من البلاء كثير، ويهلك في النعمة كثير. وما أثنى الله تعالى على عبد من عباده من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله إلا بعد ابتلائه، ووفاء حق العبودية فيه، فكرامات الله في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء ومن خرج من سبيكة البلوى، جعل سراج المؤمنين، ومونس المقربين، ودليل القاصدين، ولا خير في عبد شكى من محنة تقدمها آلاف نعمة، وأتبعها آلاف راحة، ومن لا يقضي حق الصبر على البلاء، حرم قضاء الشكر في النعماء، كذلك
(1) أمالى الشيخ ج 2 ص 273.
[232]
من لا يؤدي حق الشكر في النعماء، يحرم عن قضاء الصبر في البلاء ومن حرمهما فهو من المطرودين. وقال أيوب عليه السلام في دعائه: اللهم قد أتى علي سبعون في الرخاء، حتى أتى علي سبعون في البلاء. وقال وهب: البلاء للمؤمن كالشكاك للدابة، والعقال للابل. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، ورأس الصبر البلاء، وما يعقلها إلا العالمون (1). بيان: " ووفاء حق العبودية " أي وفائه بما هو حق العبودية " فيه " أي في البلاء من الصبر والشكر والرضا بالقضاء، " الشكاك " ككتاب: اسم للحبل الذي يشد به قوائم الدابة، و " العقال " ككتاب أيضا ما يعقل به رجل البعير، والمعنى أن البلايا تمنع المؤمن من ارتكاب الخطايا. 48 - م: قال الصادق عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لعبدالله بن يحيى الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم، لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها. فقال عبد الله بن يحيى: يا أمير المؤمنين وإنا لا نجازي بذنوبنا إلا في الدنيا ؟ قال: نعم أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ؟ إن الله تعالى يطهر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا، بما يبتليهم به من المحن، وبما يغفره لهم، فان الله يقول: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (2) حتى إذا وردوا القيامة توفرت عليهم طاعاتهم وعباداتهم. وإن أعداء آل محمد يجازيهم عن طاعة تكون منهم في الدنيا، وإن كان لا وزن لها، لانه لا إخلاص معها، إذا وافوا القيامة حملت عليهم ذنوبهم، وبغضهم لمحمد وآله وخيار أصحابه، فقذفوا في النار.
(1) مصباح الشريعة ص 61. الباب 90. (2) الشورى: 30.
[233]
ولقد سمعت محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنه كان فيما مضى قبلكم رجلان: أحدهما مطيع لله مؤمن، والاخر كافر به، مجاهر بعداوة أوليائه وموالاة أعدائه وكل واحد منهما ملك عظيم في قطر من الارض. فمرض الكافر فاشتهى سمكة في غير أوانها، لان ذلك الصنف من السمك كان في ذلك الوقت في اللجج بحيث لا يقدر عليه فآيسته الاطباء من نفسه، وقالوا: استخلف في ملكك من يقوم به، فلست بأخلد من أصحاب القبور، فان شفاءك في هذه السمكة التي اشتهيتها، ولا سبيل إليها، فبعث الله ملكا وأمره أن يزعج تلك السمكة إلى حيث يسهل أخذها فاخذت له [تلك السمكة] فأكلها وبرأ من مرضه وبقي في ملكه سنين بعدها. ثم إن ذلك الملك المؤمن، مرض في وقت كان جنس ذلك السمك بعينه لا يفارق الشطوط التي يسهل أخذه منها، مثل علة الكافر فاشتهى تلك السمكة و وصفها له الاطباء، وقالوا: طب نفسا فهذا أوانه، تؤخذ لك فتأكل منها، وتبرأ فبعث الله ذلك الملك، فأمره أن يزعج جنس تلك السمكة عن الشطوط إلى اللجج لئلا يقدر عليه، فلم توجد حتى مات المؤمن من شهوته، وبعد [م] دوائه فعجب من ذلك ملائكة السماء، وأهل ذلك البلد في الارض، حتى كادوا يفتنون، لان الله تعالى سهل على الكافر مالا سبيل [له] إليه، وعسر على المؤمن ما كان السبيل إليه سهلا. فأوحى الله إلى ملائكة السماء وإلى نبي ذلك الزمان في الارض: إني أنا الله الكريم، المتفضل القادر، لا يضرني ما اعطي، ولا ينقصني ما أمنع، ولا أظلم أحدا مثقال ذرة.
فأما الكافر فانما سهلت له أخذ السمكة في غير أوانها ليكون جزاء على حسنة كان عملها، إذ كان حقا ألا ابطل لاحد حسنة، حتى يرد القيامة ولا حسنة في صحيفته، ويدخل النار بكفره، ومنعت العابد ذلك السمكة بعينها لخطيئة كانت منه، فأردت تمحيصها عنه بمنع تلك الشهوة، وإعدام ذلك الداء، وليأتيني ولا ذنب
[234]
عليه فيدخل الجنة (1). بيان: " فلست بأخلد من أصحاب القبور " لعل المعنى أن الله لم يجعلك من الخالدين في الدنيا، وأسباب موتك قد تسببت، فلابد من موتك. أو المعنى أن بقاءك في الدنيا مع هذا المرض، كحياة أصحاب القبور في الاستحالة العادية. 49 - م: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عجبا للعبد المؤمن من شيعة محمد وعلي عليهما السلام إن ينصر في الدنيا على أعدائه، فقد جمع له خير الدارين، وإن امتحن في الدنيا فقد ادخر له في الاخرة مالا يكون لمحنته في الدنيا قدر عند إضافتها إلى نعم الاخرة وكذلك عجبا للعبد المخالف لنا أهل البيت، إن خذل في الدنيا، وغلب بأيدي المؤمنين، فقد جمع عليه عذاب الدارين، وإن امهل في الدنيا واخر عنه عذابها كان له في الاخرة من عجائب العذاب، وضروب العقاب، ما يود لو كان في الدنيا مسلما، ومالا قدر لنعم الدنيا التي كانت له عند الاضافة إلى تلك البلايا. فلو أن أحسن الناس نعيما في الدنيا، وأطولهم فيها عمرا من مخالفينا: غمس يوم القيامة في النار غمسة، ثم سئل هل لقيت نعيما قط ؟ لقال: لا، ولو أن أشد الناس عيشا في الدنيا، وأعظمهم بلاء من موافقينا وشيعتنا: غمس يوم القيامة في الجنة غمسة، ثم سئل: لقيت بؤسا قط ؟ لقال: لا، فما ظنكم بنعيم وبؤس هذه صفتهما، فذلك النعيم فاطلبوه [وذلك العذاب فاتقوه]. 50 - كا: عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن
الاهوازي، عن ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن الحكم بن عتيبة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن العبد إذا كثرت ذنوبه، ولم يكن عنده ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفر عنه ذنوبه (2). محص: عن الحكم مثله.
(1) تفسير الامام ص 8 ذيل تفسير البسملة. (2) مجالس المفيد ص 22 تحت الرقم: 3.
[235]
51 - جا: عن محمد بن محمد بن طاهر الموسوي، عن ابن عقدة، عن يحيى بن زكريا، عن محمد بن سنان، عن أحمد بن سليمان القمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن كان النبي من الانبياء ليبتلي بالجوع، حتى يموت جوعا، وإن كان النبي من الانبياء ليبتلي بالعطش حتى يموت عطشا، وإن كان النبي من الانبياء ليبتلي بالعراء حتى يموت عريانا، وإن كان النبي من الانبياء ليبتلي بالسقم والامراض حتى تتلفه، وإن كان النبي ليأتي قومه فيقوم فيهم، يأمرهم بطاعة الله ويدعوهم إلى توحيد الله، وما معه مبيت ليلة، فما يتركونه يفرغ من كلامه، ولا يستمعون إليه حتى يقتلوه، وإنما يبتلي الله تبارك وتعالى عباده على قدر منازلهم عنده (1). 52 - جا: عن أحمد بن الوليد (2) عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب عن ابن عطية، عن ابن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فيما ناجى الله به موسى بن عمران أن: يا موسى ما خلقت خلقا هو أحب إلي من عبدي المؤمن وإني إنما ابتليته لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل بما يرضيني وأطاع أمري (3).
53 - ضه: قال الصادق عليه السلام: إن العبد إذا كثرت ذنوبه، ولم يجد ما يكفرها به، ابتلاه الله عزوجل بالحزن في الدنيا ليكفرها به، فإن فعل ذلك به، وإلا فعذبه في قبره، ليلقاه الله عزوجل يوم يلقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ من ذنوبه. 54 - جع: قال أمير المؤمنين علي عليه السلام الجزع عند البلاء تمام المحنة. وقال عليه السلام (4): إن البلاء للظالم أدب، وللمؤمن امتحان وللانبياء درجة وللاولياء كرامة.
(1) مجالس المفيد ص 31 تحت الرقم: 5. (2) هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. (3) مجالس المفيد ص 63 تحت الرقم: 11. (4) في المصدر: وقال النبي (ص).
[236]
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (1): من ابتلي فصبر، واعطي فشكر، وظلم فغفر، وظلم فاستغفر، قالوا: ما باله ؟ قال: اولئك لهم الامن وهم مهتدون. وقال عليه السلام: إن الله يتعاهد وليه بالبلاء، كما يتعاهد المريض أهله بالدواء وإن الله ليحمي عبده الدنيا كما يحمي المريض الطعام. وروي عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا أراد الله بقوم خيرا ابتلاهم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله وولده، حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة. وقال عليه السلام: ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء. قال الله تعالى: يا داود قل لعبادي: يا عبادي من لم يرض بقضائي، ولم يشكر نعمائي، ولم يصبر على بلائي، فليطلب ربا
سوائي. وقال الباقر عليه السلام: يا بني من كتم بلاء ابتلى به من الناس، وشكى ذلك إلى الله عزوجل، كان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء. قال عليه السلام: يبتلي المرؤ على قدر حبه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عزوجل: ما من عبد اريد أن ادخله الجنة إلا ابتليته في جسده، فان كان ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ضيقت عليه في رزقه فان كان ذلك كفارة لذنوبه، وإلا شددت عليه الموت، حتى يأتيني ولا ذنب له ثم ادخله الجنة. وما من عبد اريد أن ادخله النار، إلا صححت جسمه، فان كان ذلك تماما لطلبته، وإلا أمنت له وعن سلطانه، فان كان ذلك تماما لطلبته، وإلا هونت عليه الموت، حتى يأتيني ولا حسنة له، ثم أدخلته النار. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء: إما بمرض في جسده، أو بمصيبة في أهل، أو مال، أو مصيبة من مصائب الدنيا
(1) في المصدر: وقال عليه السلام.
[237]
ليأجره عليها. وقال عليه السلام: ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء: إما في ماله، أو في ولده، أو في نفسه، فيوجر عليه، أو هم لا يدري من أين هو ؟. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن في الجنة لمنزلة لا يبلغها العبد إلا ببلاء في جسده. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج موسى عليه السلام فمر برجل من بني إسرائيل فذهب به حتى خرج إلى الظهر، فقال له: اجلس حتى أجيئك وخط عليه خطة
ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: إني استودعتك صاحبي وأنت خير مستودع، ثم مضى فناجاه الله بما أحب أن يناجيه، ثم انصرف نحو صاحبه، فإذا أسد قد وثب عليه، فشق بطنه وفرث لحمه وشرب دمه، قلت: وما فرث اللحم ؟ قال: قطع أوصاله فرفع موسى رأسه فقال: يا رب استودعتك وأنت خير مستودع، فسلطت عليه شر كلابك، فشق بطنه وفرث لحمه، وشرب دمه ؟ فقيل: يا موسى إن صاحبك كانت له منزلة في الجنة، لم يكن يبلغها إلا بما صنعت به، انظر - وكشف له الغطاء - فنظر موسى فإذا منزل شريف، فقال: رب رضيت. وعن الكاظم عليه السلام قال: لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء. قال النبي صلى الله عليه وآله: لا تكون مؤمنا حتى تعد البلاء نعمة، والرخاء محنة لان بلاء الدنيا نعمة في الاخرة، ورخاء الدنيا محنة في الاخرة. وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ابتلي بالمرض، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه، حتى يلقى الله حين يلقاه، وماله من ذنب يدعيه عليه، فيأمر به إلى الجنة. وإن الكافر والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما، حتى يلقيا الله حين
[238]
يلقيانه ومالهما عنده من حسنة يدعيانها عليه، فيأمر بهما إلى النار. وعنه عليه السلام قال: كلما ازداد العبد إيمانا ازداد ضيقا في معيشته (1). بيان: في القاموس فرث الجلة يفرث ويفرث: نثر ما فيها، وكبده يفرثها ضربها وهو حي كفرثها تفريثا، فانفرثت كبده انتثرت (2)
55 - بشا: عن ابن شيخ الطائفة، عن أبيه، عن المفيد، عن زيد بن محمد السلمي، عن الحسين بن الحكم الكندي، عن إسماعيل بن صبيح، عن خالد بن العلا عن المنهال بن عمرو قال: كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر عليهما السلام إذ جاءه رجل فسلم عليه فرد عليه السلام فقال الرجل: كيف أنتم ؟ فقال له محمد: أو ما آن لكم أن تعلموا كيف نحن ؟ إنما مثلنا في هذه الامة مثل بني إسرائيل، كان يذبح أبناؤهم ويستحي نساؤهم، ألا وإن هؤلاء يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا: زعمت العرب أن لهم فضلا على العجم، فقال العجم: وبما ذاك ؟ قالوا: كان محمد منا عربي، قالوا لهم: صدقتم وزعمت قريش أن لها فضلا على غيرها من العرب، فقالت لهم العرب من غيرهم: وبما ذاك ؟ قالوا: كان محمد قرشيا، قالوا لهم: صدقتم. فان كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس لانا ذرية محمد، وأهل بيته خاصة وعترته، لا يشركنا في ذلك غيرنا، فقال له الرجل: والله إني لاحبكم أهل البيت، قال: فاتخذ للبلاء جلبابا، فو الله إنه لاسرع إلينا والى شعيتنا من السيل في الوادي، وينا يبدء البلاء ثم بكم وبنا يبدء الرخاء ثم بكم (3). بيان: قال الجوهري: آن أينك: أي حان حينك، وآن لك أن تفعل كذايئين أينا، عن أبي زيد أي حان مثل أنى لك وهو مقلوب منه (4). 56 - جع: قال النبي صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. وقال:
(1) جامع الاخبار: 132، الباب 70. (2) القاموس: ج 1 ص 172. (3) بشارة المصطفى ص 107. (4) الصحاح ص 2076.
[239]
لو كان المؤمن في جحر فارة لقيض الله فيه من يؤذيه. وقال: المؤمن مكفر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يكون في الدنيا مؤمن إلا وله جار يؤذيه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كان ولا يكون ولا هو كائن (1) نبي ولا مؤمن إلا وله قرابة يؤذيه أو جار يؤذيه (2). 57 - ختص: عن ربعي، عن الفضيل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الشياطين على المؤمنين أكثر من الزنابير على اللحم، ثم قال هكذا بيده: إلا ما دفع الله (3). بيان: كأنه عليه السلام أشار إلى جهة السماء. 58 - ختص: عن محمد بن علي، عن أبيه، عن سعد، عن الحسن بن موسى عن إسماعيل بن مهران، عن علي بن عثمان، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: إن الانبياء وأولاد الانبياء وأتباع الانبياء خصوا بثلاث خصال: السقم في الابدان، وخوف السلطان، والفقر (4). 59 - محص: عن محمد بن همام، عن الحميري، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب وكرام، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي (5). 60 - محص: عن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين. بيان: الركض: تحريك الرجل، ومنه " اركض برجلك " (6) والدفع
(1) في المصدر: وليس بكائن. (2) جامع الاخبار: 150. الباب 87. (3) الاختصاص ص 30. (4) الاختصاص ص 213
(5) كتاب التمحيص مخطوط. (6) ص: 42
[240]
واستحثاث الفرس للعدو، والهرب، والعدو، وركض الفرس كعني فركض هو عدا، فهو راكض ومركوض ذكره الفيروزآبادي (1). 61 - محص: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو أن مؤمنا على لوح في البحر لقيض الله له منافقا يؤذيه. جع: عنه عليه السلام مثله (2). 62 - محص: عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا زاد إن الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء، كما يتعهد الغائب أهله بالهدية، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض. 63 - محص: عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نعم جرعة الغيظ لمن صبر عليها، وإن عظيم الاجر مع عظيم البلاء، وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم. 64 - محص: عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله جعل المؤمنين في دار الدنيا غرضا لعدوهم. 65 - محص: عن الثمالي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا حمزة ما كان ولن يكون مؤمن إلا وله بلايا أربع: إما يكون له جار يؤذيه، أو منافق يقفو أثره، أو منافق يرى قتاله جهادا، أو مؤمن يحسده، ثم قال: أما إنه أشد الاربعة عليه، لانه يقول فيصدق عليه ويقال: هذا رجل من إخوانه، فما بقاء المؤمن بعد هذه. 66 - محص: عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لو يعلم المؤمن
ماله في المصائب من الاجر لتمنى أن يقرض بالمقاريض. 67 - محص: عن عبد الله بن المبارك قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إذا اضيف البلاء إلى البلاء كان من البلاء عافية. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
(1) القاموس ج 2 ص 332. (2) جامع الاخبار ص 150 الباب: 87.
[241]
أصابكم تمحيص فاصبروا، فانما يبتلي الله المومنين، ولم يزل إخوانكم قليلا، ألا وإن أقل أهل المحشر المؤمنون. بيان: " كان من البلاء عافية " لعل المعنى أن عند اشتداد البلاء وتواتره يرجى الفرج، كما قال تعالى: " إن مع العسر يسرا (1). 68 - محص: عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما من مؤمن إلا وهو يذكر، لبلاء يصيبه في كل أربعين يوما، أو بشئ في ماله وولده ليأجره الله عليه، أو بهم لا يدري من أين هو ؟. 69 - محص: عن أبي الحسن الاحمسي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله ليتعهد عبده المؤمن بأنواع البلاء، كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام. توضيح: الظاهر أن الاحمسي هو الحسين بن عثمان الثقة، و " أهل البيت " بالنصب، و " سيدهم " بالرفع، وفي القاموس: الطريف: القريب من الثمر وغيره. 70 - محص: عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أفلت المومن من واحدة من ثلاث وربما اجتمعت الثلاث عليه: إما أن يكون معه في الدار من يغلق عليه الباب يوذيه، أو جار يوذيه، أو شئ في طريقه وحوائجه يوذيه، ولو أن مومنا على
قلة جبل لبعث الله إليه شيطانا ويجعل له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد. 71 - محص: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أشد الناس بلاء الانبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. 72 - محص: عن سدير قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: هل يبتلي الله المؤمن ؟ فقال: هل يبتلى إلا المومن ؟ حتى أن صاحب ياسين: " قال يا ليت قومي يعلمون " (2) كان مكنعا، قلت: وما المكنع ؟ قال: كان به جدام.
(1) الانشراح: 5. (2) يس: 130
[242]
73 - محص: عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما من مؤمن إلا وبه وجع في شئ من بدنه لا يفارقه حتى يموت يكون ذلك كفارة لذنوبه. 74 - محص: عن الاحمسي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تزال الغموم والهموم بالمؤمن حتى لا تدع له ذنبا. وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يمضي على المؤمن أربعون ليلة إلا عرض له أمر يحزنه يذكره ربه. 75 - محص: عن الحارث بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن العبد المؤمن ليهتم في الدنيا حتى يخرج منها ولا ذنب له. 76 - محص: عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال الله: لولا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه، لعصبت المنافق عصابة لا يجد ألما حتى يموت. بيان: [في النهاية] في حديث الايمان إني سائلك فلا تجد علي، أي لا تغضب من سؤالي يقال: وجد عليه يجد وجدا وموجدة. 77 - محص: عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن
وجنة الكافر، فأما المؤمن فيروع فيها، وأما الكافر فيمتع فيها. بيان: الروع: الفزع كالارتياع والتروع، والروعة: الفزعة، وراع: أفزع كروع لازم متعد (1). 78 - محص: عن أبي جميلة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن العبد ليكرم على الله تعالى حتى أنه لو سأله الدنيا وما فيها أعطاه إياها، ولم ينقصاه ذلك، ولو سأله من الجنة شبرا حرمه، وإن الله يتعهد المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض. بيان: الظاهر أنه سقط من صدر الخبر فقرات. 79 - محص: عن أبي الحسن عليه السلام قال: المؤمن بعرض كل خير لو قطع أنملة أنملة كان خيرا له، ولو ولي شرقها وغربها كان خيرا له.
(1) القاموس ج 3 ص 32.
[243]
بيان: " بعرض كل خير " أي بمعرض كل خير ومحل عروضه وظهوره " لو قطع أنملة أنملة " في المصباح: الانملة من الاصابع العقدة، وبعضهم يقول: الانامل رؤوس الاصابع، والانملة بفتح الهمزة وفتح الميم أكثر من ضمها، وابن قتيبة يجعل المضموم من لحن العوام، وبعض المتأخرين من النحاة حكى تثليث الهمزة، مع تثليث الميم، فتصير تسع لغات. واقول: كأن المعنى قطع جميع بدنه بمقدار الانملة وكون المراد قطع أنامل يديه ورجليه تدريجا بعيد. 80 - محص: عن عيسى بن أبي منصور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله يذود المؤمن عما يشتهيه، كما يذود أحدكم الغريب عن إبله ليس منها. بيان: في المصباح: ذاد الراعي إبله عن الماء ذودا وذيادا: منعها.
81 - محص: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن العبد المؤمن ليطلب الامارة والتجارة، حتى إذا أشرف من ذلك على ما كان يهوى بعث الله ملكا، وقال له: عق عبدي وصده عن أمر لو استمكن منه أدخله النار فيقبل الملك فيصده بلطف الله فيصبح وهو يقول: لقد دهيت ومن دهاني فعل الله به وفعل، وما يدري أن الله الناظر له في ذلك، ولو ظفر به أدخله النار. بيان: في القاموس دهاه دهيا ودهاه: أصابه بداهية وهي الامر العظيم (1) وفعل الله به وفعل: كناية عن شتم كثير ودعاء عليه بالسوء. 82 - ما: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة عن أبي لحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: مثل المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمان زيد في بلائه، ليلقى الله عزوجل ولا خطيئة له (2).
(1) القاموس ج 4 ص 329، وفيه: دهاه دهيا ودهاه: نسبه الى الدهاء، أو عابه وتنقصه، أو أصابه بداهية الخ (2) أمالى الشيخ ج 2 ص 244
[244]
محص: عن علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام مثله جع: عنه عليه السلام مثله (1). 83 - كتاب الامامة والتبصرة: عن أحمد بن علي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله السقم يمحو الذنوب وقال صلى الله عليه وآله: ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا. وقال صلى الله عليه وآله: ساعات الهموم ساعات الكفارات، ولا يزال الهم بالمؤمن حتى يدعه وماله من ذنب.
84 - كش: عن محمد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن العمركي بن علي، عن محمد بن حبيب الازدي، عن عبد الله بن حماد، عن عبد الله بن عبد الرحمان الاصم، عن ذريح، عن محمد بن مسلم قال: خرجت إلى المدينة وأنا وجع ثقيل فقيل له: محمد بن مسلم وجع، فأرسل إلي أبو جعفر عليه السلام بشراب مع الغلام مغطى بمنديل، فناولنيه الغلام وقال لي: اشربه، فانه قد أمرني أن لا أرجع حتى تشربه فتناولته فإذا رائحة المسك عنه، وإذا شراب طيب الطعم بارد، فإذا شربته قال لي الغلام: يقول لك: إذا شربته فتعال، ففكرت فيما قال لي، ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي. فلما استقر الشراب في جوفي، فكأنما نشطت من عقال، فأتيت بابه فاستأذنت عليه فصوت بي: صح الجسم، ادخل ادخل، فدخلت وأنا باك، وسلمت عليه، وقبلت يديه ورأسه، فقال لي، وما يبكيك يا محمد ؟ فقلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة، وقلة المقدرة على المقام عندك والنظر إليك. فقال: أما قلة المقدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا، وجعل البلاء إليهم سريعا، وأما ما ذكرت من الغربة، فلك بأبي عبد الله عليه السلام اسوة، بأرض ناء عنا بالفرات صلى الله عليه وأما ما ذكرت من بعد الشقة، فان المؤمن في هذه الدار غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله، وأما ما ذكرت
(1) جامع الاخبار ص 134
[245]
من حبك قربنا والنظر إلينا وأنك لا تقدر على ذلك فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه (1). قب: مرسلا مثله (2). ختص: عن عدة من أصحابه، عن محمد بن جعفر المؤدب، عن البرقي، عن
بعض أصحابنا، عن الاصم، عن مدلج مثله (3). بيان: " قيل له " أي لابي جعفر عليه السلام، وفي المناقب: قيل لابي جعفر عليه السلام وفي النهاية: في حديث السحر فكأنما انشط من عقال أي حل، وكثيرا ما يجئ في الرواية، كأنما نشط من عقال، وليس بصحيح يقال: نشطت العقدة: إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها، وفي القاموس: " الشقة " بالضم والكسر، البعد و الناحية التي يقصدها المسافر، والسفر البعيد والمشقة. " فلك بأبي عبد الله " أي الحسين صلوات الله عليه " اسوة " أي اقتداء، أي شهابهته في الغربة، والتفكر في حاله يسهل عليك غربتك. ويكشف هذا الحزن عنك، في القاموس: الاسوة بالكسر والضم: القدوة، وما يأتسي به الحزين وأساه تأسية فتأسى: عزاه فتعزى (4). " وفي هذا الخلق " عطف على قوله " وفي هذه الدار " أي بين هذا الخلق غريب، وإنما وصفهم بالنكس، لانهم انخلعوا عن الانسانية، فصاروا كالبهائم والانعام، أو انقلبوا عن حدود الانسانية إلى حد البهيمية، أو هم منكوسو - القلوب، لا تعي قلوبهم شيئا من الحق، أو هو كناية عن الخيبة والخسران، أو شبه أسوء حالاتهم الروحانية بأسوء حالاتهم الجسمانية، أو أنهم لما أعرضوا عن العروج على معارج الكمالات الروحانية، وقصروا نظرهم على الشهوات الجسمانية
(1) رجال الكشى ص 150، تحت الرقم: 67 (2) مناقب آل أبى طالب ج 2 ص 181 (3) الاختصاص ص 52. (4) القاموس ج 4 ص 299
[246]
فكأنهم انتكسوا وانقلبوا.
وفي المناقب " وفي هذا الخلق منكوس " أي يرونه كذلك، أو بينهم بشر الاحوال لا يقدر على شئ كالمنكوس، في القاموس: نكسه، قلبه على رأسه كنكسه والنكس بالكسر الضعيف، وكمحدث الفرس لا يسمو برأسه ولا بهاديه إذا جرى ضعفا أو الذي لم يلحق الخيل، وانتكس: وقع على رأسه (1). وفي النهاية: في حديث أبي هريرة: تعس عبد الدنيا وانتكس: أي انقلب على رأسه، وهو دعاء عليه بالخيبة، لان من انتكس في أمره فقد خاب وخسر، وفي حديث ابن مسعود. قيل له: إن فلانا يقرء القرآن منكوسا، فقال: ذلك منكوس القلب. " فالله يعلم ما في قلبك "، في المناقب " فلك ما في قلبك "، وما في رجال الكشي اظهر. 85 - كتاب المؤمن: بإسناده عن سعد بن طريف، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فجاء جميل الازرق، فدخل عليه، قال: فذكروا بلايا للشيعة وما يصيبهم، فقال أبو جعفر عليه السلام: إن اناسا أتوا علي بن الحسين عليه السلام وعبد الله بن عباس، فذكروا لهما نحو ما ذكرتم، قال: فأتيا الحسين بن علي عليهما السلام، فذكرا له ذلك، فقال الحسين عليه السلام: والله البلاء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين، ومن السيل إلى صمره، قلت: وما الصمر ؟ قال: منتهاه، ولولا أن تكونوا كذلك، لرأينا أنكم لستم منا. بيان: في القاموس، صمر الماء: جرى من حدور في مستوى فسكن، وهو جار والصمر بالكسر: مستقره (2). 86 - المؤمن: باسناده عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الشياطين أكثر على المؤمن من الزنابير على اللحم. 87 - محص: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أحب الله عبدا نظر إليه، فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاث بواحدة، إما صداع وإما حمى وإما رمد.
(1) القاموس ج 2 ص 256 (2) القاموس ج 2: 72.
[247]
88 - نهج: قال عليه السلام وقد توفي سهل بن حنيف الانصاري رحمه الله بالكوفة مرجعه معه من صفين، وكان من أحب الناس إليه: لو أحبني جبل لتهافت. قال السيد رضي الله عنه: ومعنى ذلك: أن المحبة تغلظ عليه، فتسرع المصائب إليه، ولا يفعل ذلك إلا بالاتقياء الابرار، والمصطفين الاخيار، وهذا مثل قوله عليه السلام: من أحبنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا، وقد تؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره (1). تبيان: " مرجعه " منصوب على الظرفية، " والتهافت ": التساقط قطعة قطعة، من هفت كضرب، إذا سقط كذلك، وقيل هفت أي تطاير لخفته، والمراد تلاشي الاجزاء، وتفرقها، لعدم الطاقة، و " تغلظ " في بعض النسخ على صيغة المجهول من باب التفعيل، وفي بعضها على صيغة المجرد المعلوم، يقال: غلظ الشئ ككرم ضد رق، كما في النسخة، وجاء كضرب، والاستعداد للشئ التهيؤ له. ولفظ الرواية على ما ذكره ابن الاثير في النهاية أظهر قال: في حديث علي عليه السلام: من أحبنا أهل البيت فليعد للفقر جلبابا (2) أي ليزهد في الدنيا، وليصبر على الفقر والعلة، و " الجلباب " الازار، والرداء، وقيل: هو كالمقنعة، تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها، وجمعه جلابيب، كنى به عن الصبر، لانه يستر الفقر، كما يستر الجلباب البدن. وقيل: إنما كني بالجلباب عن اشتماله بالفقر أي فليلبس إزار الفقر، و يكون منه على حالة تعمه وتشمله، لان الغنا من أحوال أهل الدنيا، ولا يتهيا الجمع بين حب الدنيا وحب أهل البيت انتهى.
وقال ابن أبي الحديد (3): قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يحبك إلا مؤمن
(1) نهج البلاغة ج 2 ص 168 تحت الرقم 111 من الحكم والمواعظ. (2) قد مر في ذيل ص 227 حديث عن المعاني، يقول فيه الصادق عليه السلام أن أصل الحديث " من أحبنا فليعده للفقر جلبابا، فراجع. (3) راجع شرح النهج ج 4 ص 289 ط مصر.
[248]
ولا يبغضك إلا منافق، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن البلوى أسرع إلى المؤمن من الماء إلى الحدور، هاتان المقدمتان يلزمهما نتيجة صادقة، هي أنه عليه السلام لو أحبه جبل لتهافت، ولعل هذا هو مراد الرضي - رضي الله عنه - بقوله: معنى آخر ليس هذا موضع ذكره انتهى، وفيه تأمل. وقال ابن ميثم (1): الجلباب مستعار لتوطين النفس على الفقر والصبر عليه ووجه الاستعارة كونهما ساترين للمستعد بهما من عوارض الفقر، وظهوره في سوء الخلق، وضيق الصدر، والتحير الذي ربما أدى إلى الكفر، كما يستر بالملحفة ولما كانت محبتهم عليهم السلام بصدق يستلزم متابعتهم، والاستشعار بشعارهم، ومن شعارهم الفقر، ورفض الدنيا والصبر على ذلك، وجب أن يكون كل محب مستشعرا للفقر ومستعدا له جلبابا من توطين النفس عليه والصبر. وقد ذكر ابن قتيبة هذا المعنى بعبارة أخرى، فقال: من أحبنا فليقتصر على التقلل من الدنيا، والتقنع فيها، قال: وشبه الصبر على الفقر بالجلباب لانه يستر الفقر، كما يستر الجلباب البدن، قال: ويشهد بصحة هذا التأويل، ما روي أنه رأى قوما على بابه، فقال: يا قنبر من هؤلاء ؟ فقال: شيعتك يا أمير المؤمنين فقال: مالي لا أرى فيهم سيماء الشيعة ؟ قال: وما سيماء الشيعة ؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظماء، عمش العيون من البكاء.
وقال أبو عبيد: إنه لم يرد الفقر في الدنيا، ألا ترى أن فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى ؟ وإنما أراد الفقر يوم القيامة، وأخرج الكلام مخرج الوعظ والنصيحة، والحث على الطاعات، فكأنه أراد من أحبنا فليعد لفقره يوم القيامة ما يحسره من الثواب، والتقرب إلى الله تعالى والزلفة عنده. قال: وقال السيد المرتضى ره: والوجهان جميعا حسنان، وإن كان قول ابن قتيبة أحسن، فذلك معنى قول السيد رضي الله عنه، وقد تؤول ذلك على معنى آخر، انتهى كلام ابن ميثم.
(1) شرح النهج لابن ميثم البحراني ص 594
[249]
وقال القطب الراوندي رحمه الله بعد ذكر المعنيين المحكيين عن ابن قتيبة وأبي عبيد: وقال المرتضى فيه وجها ثالثا، أي من أحبنا فليزم نفسه وليقدها إلى الطاعات، وليذللها على الصبر عما كره منها، فالفقر: أن يحز أنف البعير فيلوى عليه حبل يذلل به الصعب، يقال: فقره إذا فعل به ذلك انتهى. ولا يخفي أنه لو كان المراد الصبر على الفقر وستره والكف عن إظهار الحاجة إلى الناس، وذلك هو المعبر عنه بالجلباب، كما أشير إليه أولا، لا يقدح فيه ما ذكره أبو عبيد من أن: فيمن يحبهم مثل ما في سائر الناس من الغنى، لان الامر بالصبر والستر حينئذ يتوجه إلى من ابتلاه الله بالفقر، فالمراد: أن من ابتلى من محبينا بالفقر، فليصبر عليه ولا يكشفها، ولا يستفاد منه فقد الغنى من الشيعة. وأما الخبر الاول فقد قيل: يحتمل أن تكون مفاده صعوبة حمل محبتهم الكاملة، فيكون قريبا من قوله عليه السلام: إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان (1). فتهافت الجبل حينئذ لثقل هذا الحمل، وشدة المهابة، كقوله تعالى " لو أنزلنا
هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " (2) وقوله تعالى: " إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها " (3) والظاهر من المقام أنه ليس المراد بالمحبة، ما في العوام والاوساط بل ما يستلزم التشبه به عليه السلام على وجه كامل، والاقتداء التام به عليه السلام في الفضائل ومحاسن الاعمال، على قدر الطاقة، وإن كانت درجته الرفيعة فوق إدراك الافهام، وأعلى من أن تناله الاوهام، وحق للجبل أن يتهافت عن حمل مثل ذلك الحمل.
* تتميم * في هذه الاحاديث الواردة من طرق الخاصة والعامة، دلالة واضحة على أن الانبياء والاوصياء عليهم السلام في الامراض الحسية، والبلايا الجسمية كغيرهم بل هم أولى بها من الغير، تعظيما لاجرهم، الذي يوجب التفاضل في الدرجات ولا يقدح ذلك في رتبتهم، بل هو تثبيت لامرهم وأنهم بشر، إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر، مع ما يظهر في أيديهم من خرق العادة، لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم. وقد ورد هذا التأويل في الخبر، وابتلاؤهم تحفة لهم، لرفع الدرجات التي لا يمكن الوصول إليها بشئ من العمل إلا ببلية، كما أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها إلا بالشهادة، فيمن الله سبحانه على من أحب من عباده بها، تعظيما وتكريما له، كما ورد في خبر شهادة سيد الشهداء عليه السلام أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله في
المنام فقال له: يا حسين لك درجة في الجنة لا تصل إليها إلا بالشهادة. واستثنى أكثر العلماء ما هو نقص، ومنفر للخلق عنهم كالجنون والجذام والبرص، وحمل استعاذة النبي صلى الله عليه وآله عنها على أنها تعليم للخلق. وقال المحقق الطوسي قدس سره في التجريد: فما يجب كونه في كل نبي: العصمة، وكمال العقل، والذكاء، والفطنة، وقوة الرأي، وعدم السهو، وكلما ينفر عنه الخلق من دناءة الاباء، وعهر الامهات، والفظاظة، والغلظة، والابنة وشبهها، والاكل على الطريق وشبهه. وقال العلامة في شرحه: وأن يكون منزها عن الا مرضا المنفرة نحو الابنة وسلس الريح، والجذام، والبرص، لان ذلك كله مما ينفر عنه، فيكون منافيا للغرض من البعثة، وضم القوشجي سلس البول أيضا. وقال القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء: قال الله تعالى:
[251]
" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " (1) وقال: " ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وامه صديقة كانا يأكلان الطعام " (2) وقال: " وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الاسواق " (3) وقال: " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي " (4). فمحمد صلى الله عليه وآله وسائر الانبياء من البشر، ارسلوا إلى البشر، ولولا ذلك لما أطاق الناس مقاومتهم، والقبول عنهم، ومخاطبتهم، قال الله تعالى: " ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا " (5) أي لما كان إلا في صورة البشر، الذين يمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته، إذا كان على صورته، وقال: " لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " (6) أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلا لمن هو من جنسه، أو من خص الله تعالى
واصطفاه وقواه على مقاومته، كالانبياء والرسل. فالانبياء والرسل وسائط بين الله وخلقه، يبلغونهم أوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، ويعرفونهم بما لم يعلموه من أمره، وخلقه، وجلاله، وسلطانه، وجبروته وملكوته، فظواهرهم وأجسادهم وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر، طارئ عليها ما يطرء على البشر من الاعراض والاسقام، والموت والفناء، ونعوت الانسانية، وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر، متعلقة بالماء الاعلى، متشبهة بصفات الملائكة، سليمة من التغيير والافات، ولا يلحقها غالبا عجز البشرية، ولا ضعف الانسانية.
إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم، لما أطاقوا الاخذ عن الملائكة ورؤيتهم ومخاطبتهم، كما لا يطيقه غيرهم من البشر، ولو كانت أجسامهم وظواهرهم متسمة بنعوت الملائكة، وبخلاف صفات البشر، لما أطاق البشر ومن ارسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى. فجعلوا من جهة الاجسام والظواهر مع البشر، ومن جهة الارواح والبواطن مع الملائكة، كما قال صلى الله عليه وآله: تنام عيناي ولا ينام قلبي، وقال: إني لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني، فبواطنهم منزهة عن الافات، مطهرة من
النقائص والاعتلالات. وقال في موضع آخر: قد قدمنا أنه صلى الله عليه وآله وسائر الانبياء والرسل من البشر، وأن جسمه وظاهره خالص للبشر، يجوز عليه من الافات والتغييرات، والالام والاسقام، وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر، هذا كله ليس بنقيصة فيه، لان الشئ إنما يسمى ناقصا بالاضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه، وقد كتب الله على أهل هذه الدار " فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " (1)، وخلق جميع البشر بمدرجة الغير، فقد مرض صلى الله عليه وآله واشتكى وأصابه الحر والقر، وأدركه الجوع والعطش، ولحقه الغضب والضجر وناله الاعياء والتعب، ومسه الضعف والكبر، وسقط فجحش شقه، وشجه الكفار وكسروا رباعيته، وسقي السم، وسحر وتداوى، واحتجم وتعوذ ثم قضى نحبه فتوفي صلى الله عليه وآله ولحق بالرفيق الاعلى وتخلص من دار الامتحان والبلوى. وهذه سمات البشر التي لا محيص عنها، وأصاب غيره من الانبياء ما هو أعظم منها، وقتلوا قتلا، ورموا في النار، ووشروا بالمياشير (2)، ومنهم من وقاه الله