منشورات مدرسة دار العلم (17) المعتمد في شرح المناسك محاضرات زعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي دام ظله العالي الجز الخامس بقلم السيد رضا الخلخالي
[ 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر الميامين.
[ 7 ]
[ بسم الله الرحمن الرحيم (الشك في عدد الاشواط) (مسألة 315): إذا شك في عدد الاشواط بعد الفراغ من الطواف والتجاوز من محله لم يعتن بالشك، كما إذا كان شكه بعد دخوله في صلاة الطواف (مسألة 316): إذا تيقن بالسبعة وشك في الزائد كما ] (1) الشك في الطواف قد يكون شكا في صحته، وقد يكون شكا في عدد اشواطه. والشك في الاعداد تارة قد يكون متمحضا في الزيادة واخرى في النقيصة وثالثة فيهما معا. اما الشك في الصحة فلا ريب في جريان اصالة الصحة لما وقع في الخارج سواء حصل الشك في الاثناء أو بعد الفراغ فان الشك في كل ما مضى يحكم بصحته. واما الشك في الاعداد فتارة يشك بعد الفراغ والانصراف منه، وبعد الدخول في الغير كالدخول في صلاة الطواف أو السعي فيحكم بصحة الطواف لقاعده الفراغ.
[ 8 ]
[ إذا احتمل ان يكون الشوط الاخير هو الثامن لم يعتن بالشك وصح طوافه (1) إلا ان يكون شكه هذا قبل تمام الشوط الاخير فان الاظهر حينئذ بطلان الطواف، والاحوط اتمامه رجاءا واعادته (2). ] (1) إذا فرغ من الطواف ولم يدخل في الغير، كما إذا شك في ان شوطه هذا الذي بيده سابع أو ثامن ففي مثله أيضا يحكم عليه بالصحة
للاصل إذ لم يحرز الزيادة على السبعة ومقتضى الاصل عدم الاتيان بالشوط الثامن ويدل عليه النص أيضا وهو صحيح الحلبي (رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر اسبعة طاف ام ثمانية، فقال: اما السبعة فقد استيقن وانما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين) (1). (2) انما الاشكال فيما لو شك قبل تمام الشوط الاخير كما لو فرض انه شك عند الركن اليماني أو قبله في انه هل طاف ستة وما بيده السابع ام طاف سبعة وما بيده الثامن فالشك بين ستة ونصف أو سبعة ونصف ففي مثله ذهب الشهيد في المسالك إلى البطلان لدوران الامر بين المحذورين إذ لو اكتفى بها المقدار وقطع الطواف من هذا المكان فلعله الناقص اي ستة ونصف كما انه يحتمل انه الزائد اي سبعة ونصف، واشكل عليه صاحب المدارك بانه لا مانع بالزيادة باقل من الشوط الكامل. وما ذكره (قدس سره) مبني على ما اختاره من عدم البطلان بأقل من الشوط الواحد الكامل، وقد استحسن صاحب الجواهر ما في
(1) الوسائل: باب 35 من أبواب الطواف ح 1.
[ 9 ]
المسالك والصحيح ما ذكره الشهيد الثاني وغيره لا لما ذكره من دوران الامر بين المحذورين لان الاصل عدم الزيادة وعدم الاتيان بالزائد فلا اثر لهذا الدوران فان النقص مطابق للاصل كما ان عدم الزيادة موافق للاصل، بل لوجوه اخرى. الاول: ما يستفاد من صحيح الحلبي (1) ان العبرة بالتيقن بالسبع لقوله: (ع) (اما السبعة فقد استيقن وانما وقع وهمه على الثامن) ويظهر من ذلك ان السبع لابد من القطع به ومن المفروض ان السبع غير مقطوع به في المقام لاحتمال كونه ستة ونصف. وبعبارة اخرى: يستفاد من صحيح الحلبي ان استصحاب عدم الزائد غير حجة في باب الطواف كما انه غير حجة في باب اعداد الصلاة. الثاني: معتبرة أبي بصير التي في اسنادها اسماعيل بن مرار (رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف ام سبعة ام ثمانية، قال: يعيد طوافه حتى يحفظ) (2). فان المستفاد منها اعتبار كون الطائف حافظا للسبع ومحرزا له وفي المقام غير محرز وغير حافظ له نظير اعتبار الحفظ في الركعتين الاولتين. الثالث: الروايات الواردة في الشك بين الست والسبع الدالة على بطلان الطواف فان اطلاقها يشمل بعد الفراغ من الشوط ووصوله إلى الحجر الاسود كما انه يشمل الاثناء وقبل الوصول إليه، فلو تجاوز عنه بمقدار خطوات وشك ان ما في يده سادس أو سابع فلم يحرز ولم يحفظ الطواف فان الطواف اسم للمجموع ويصدق انه طاف ولم يدر
(1) الوسائل: باب 35 من أبواب الطواف ح 1. (2) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 11.
[ 10 ]
[ (مسألة 317): إذا شك في عدد الاشواط كما إذا شك بين السادس والسابع أو بين الخامس والسادس وكذلك الاعداد السابقة حكم ببطلان طوافه، وكذلك إذا شك في الزيادة والنقصان معا كما إذا شك في انه شوطه الاخير هو السادس أو الثامن (1). ] ستة طاف أو طاف سبعة وان لم يصل إلى الحجر ولم يتم الشوط. بل تخصيص حصول الشك بين الستة والسبعة بحين الوصول إلى
الحجر تخصيص بالفرد النادر إذ انما الشك غالبا يحصل في الاثناء وقبل الوصول إلى الحجر. وهذه الوجوه احسن ما يستدل به لمذهب المشهور ولم أر من استدل بها. (1) المذكور في المسألة ثلاث صور: الاولى: ما إذا شك في النقيصة فقط. الثانية: في النقيصة والزيادة. الثالثة: الشك بين الخامس والرابع، أو بين الثالث والرابع وكذلك الاعداد السابقة. أما الاولى: فالمعروف بين الاصحاب هو الحكم بالبطلان، وخالف صاحب المدارك وبنى على الاقل ونسب إلى بعض القدماء كالمفيد. واستدل للمشهور بعدة من الروايات. منها: صحيحة منصور (اني طفت فلم أدر استة طفت أم سبعة،
[ 11 ]
فطفت طوافا آخر، فقال: هلا استأنفت؟) (1). ومنها: صحيحة الحلبي (في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة، قال: يستقبل) (2). ومنها: صحيحة معاوية بن عمار (في رجل لم يدر استة طاف أو سبعة؟ قال: يستقبل) (3). وناقش صاحب المدارك في هذه الرواية لوقوع النخعي في السند وهو مشترك بين الثقة وغيره، والظاهر انه لقب لابي ايوب الدراج وهو ثقة وموسى ابن القاسم روى عنه في غير هذا المورد (على انه رواها الكليني ولس في السند النخعي) (4). منها: ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (عن رجل طاف بالبيت ولم يدر استة طاف أو سبعة طواف فريضة، قال فليعد طوافه) (5). وقد طعن صاحب المدارك في هذه الرواية أيضا بأن في طريقها عبد الرحمن بن سيابة وهو مجهول، ولكن الوسائل والحدائق ذكر اتبعا لصاحب المنتقى ان عبد الرحمن هذا الذي يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي نجران وتفسيره بابن سيابة غلط لان ابن سبابة من رجال الصادق (ع) ولم يعلم بقاءه إلى ما بعد الصادق (ع) وموسى بن القاسم من اصحاب الرضا (ع) والجواد (ع) فكيف يتصور روايته عنه؟
(1) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 3. (2) الوسائل: باب من أبواب الطواف ح 9. (3) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 2. (4) الكافي: ج 4 ص 416. (5) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 1.
[ 12 ]
نعم: قد يروي موسى بن القاسم عن اصحاب الصادق (ع) لكن عن الاصحاب الذين بقوا إلى بعد الصادق (ع)، واما عبد الرحمن ابن سيابة فلم يعلم بقائه إلى ما بعد الصادق (ع). واما عبد الرحمن بن أبي نجران فهو من رجال الرضا والجواد (ع) وموسى بن القاسم روى عنه كثيرا وابن أبي نجران يروي عن حماد فذلك قرينة على ان عبد الرحمن هذا هو ابن أبي نجران. اقول: ان رواية موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيابة وهو عن حماد وان كانت منحصرة بهذه الرواية ولكن لا موجب للجزم
بالغلط فان البرقي روى عن عبد الرحمن بن سيابة والبرقي من طبقة موسى بن القاسم فيمكن ان يروى موسى بن القاسم عنه كما روى عنه البرقى، على انه لو فرضنا انه ذكر سيابة غلط فلم يعلم ان عبد الرحمن هذا هو ابن أبي نجران ولعله شخص آخر مسمى بعبد الرحمان، فلا يمكن الحكم بصحة الرواية. ويمكن ان يقال: انه كان على الشيخ حسن صاحب المنتقى ان يحتمل احتمالا آخر اقرب مما احتمله وهو ان يكون ذكر عبد الرحمن ابن سيابة بين موسى بن القاسم وحماد زائدا، لان موسى بن القاسم يروي كثيرا عن حماد بلا واسطة فمن المحتمل ان يكون ذكر عبد الرحمن في هذا الموضع من غلط النساخ والكتاب فلا حاجة إلى احتمال كون المذكور عبد الرحمن بن أبي نجران، ولكن الرواية معتبرة على المختار لان عبد الرحمن بن سيابة من رجال كامل الزيارة وان كان ذكر عبد الرحمن بن موسى بن القاسم وبين حماد زائدا فالامر اوضح وتكون الرواية معتبرة حتى على المشهور.
[ 13 ]
ومن جملة الروايات الدالة على البطلان صحيحة صفوان، قال: (سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحد منهم: احفظوا الطواف فلما ظنوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم (معي ستة اشواط) كما في الكافي. ورواه الشيخ (قال واحد معي سبعة اشواط وقال الاخر، معي ستة اشواط، وقال الثالث: معي خمسة اشواط قال: ان شكوا كلهم فليستأنفوا، وان لم يشكوا وعلم كل واحد منهم ما في يديه فليبنوا) (1). فانها ظاهرة في ان الشك بين الخمسة والستة والسبعة موجب للبطلان ولكن السيد صاحب المدارك اختار القول بالصحة وبالبناء على اليقين وهو البناء على الاقل وحمل الروايات الآمرة بالاستيناف والاعادة على الاستحباب واستشهد بعدة من الروايات. منها: صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله (ع) انه قال: في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة، قال يبني على يقينه) (2). والبناء على اليقين هو معنى البناء على الاقل. وفيه: ان اريد من قوله يبني على يقينه هو البناء على اليقين واحراز العمل الصحيح لا البناء على اتيان الاقل، فالمعني انه يجب عليه احراز العمل الصحيح، كما هو المراد في باب الشك في اعداد الصلاة يعني يأتي عملا لا يحتمل فيه زيادة ولا نقيصة ويمضي في صلاته على يقين غاية الامر ان الائمة (ع) علموا كيفية تحصيل اليقين في باب الصلاة وفي باب الطواف أيضا وانه يجب على المكلف ان يعمل عملا
(1) الوسائل: باب 66 من أبواب الطواف ح 2. (2) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 5
[ 14 ]
يحرز به الصحة ومقتضاه هنا الاعادة إذ لا يمكن الاحراز وتحصيل اليقين بعدم الزيادة وبعدم النقيصة إلا بهدم الطواف الذي بيده واعادة الطواف الذي بيده واعادة الطواف برأسه فالمراد باليقين المذكور في الصحيحة نفس اليقين لا البناء على الاقل وان اريد به المتيقن كما ذكره المدارك فالرواية مطلقة من حيث النافلة والفريضة، وتقيد بالبطلان في الفريضة للروايات الدالة على البطلان بالشك في النقيصة في الفريضة. ومنها: صحيحة منصور بن حازم (عن رجل طاف طواف
الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة، قال: فليعد طوافه، قلت: ففاته قال: ما ارى عليه شيئا والاعادة احب الي وافضل) (1) وبمضمونها صحيحة معاوية بن عمار (2). والجواب: انه لم يذكر في هاتين الصحيحتين انه اتى بالسبع بل المذكور فيها انه شك بين الستة والسبعة وذهب ولم يأت بشوط آخر وهذا باطل قطعا حتى عند صاحب المدارك لانه لم يحرز اتيان السبعة. وبالجملة: لاريب في ان الاقتصار بالسبع المحتمل مقطوع البطلان فلابد من حمل الصحيحتين على الشك بعد الفراغ من العمل والانصراف منه والدخول في صلاة الطواف فانه لم يعتن بالشك حينئذ وان كانت الاعادة افضل أو حملها على الطواف المستحب. ولو فرضنا رفع اليد عن اطلاقها من حيث حصول الشك بعد الفراغ أو في الاثناء وحملناها على حصول الشك في الاثناء فتكون حال هاتين الروايتين حال رواية اخرى لمنصور بن حازم قال: قلت: لابي عبد الله (ع) اني طفت فلم أدر أستة طفت أم سبعة، فطفت
(1) و (2) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 8 و 10.
[ 15 ]
طوافا آخر، فقال: هلا أستأنفت؟ قلت: طفت وذهبت، قال: ليس عليك شئ) (1). فانها واضحة الدلالد على حصول الشك في الاثناء وغير قابلة للحمل على ما بعد الطواف، كما انها غير قابلة للحمل على المندوب لعدم الاستيناف في المندوب. ولكنها ظاهرة الدلالة على الصحة لقوله: في الصحيحة (ليس عليك شئ). فيرد عليه: حينئذ ان الاستدلال بهذه الصحيحة خلط بين المسألتين إذ في المقام مسألتان. الاولى: ان من شك بين الاقل والسبعة يبطل طوافه، والصحيحة تدل على ذلك صريحا لقوله: معترضا على السائل (هلا استأنف) الثانية: من ترك الطواف عامدا عالما بالحكم أو جاهلا به ثم ذهب إلى اهله وفات زمان التدارك كما ذهب شهر ذي الحجة فان الحج محكوم بالبطلان، وكذا لو كان جاهلا بالحكم. واما الناسي فقد استثني من الحكم بالبطلان على تفصيل سيأتي ان شاء الله تعالى. ثم ان الجاهل الذي ذكرنا انه يحكم ببطلان طوافه وحجه فهل الجاهل على اطلاقه كذلك، أو يستثنى منه هذه الصورة وهي ما لو شك بين السادس والسابع وفاته زمان التدارك وذهب إلى بلاده واهله فان صاحب الحدائق ادعى عدم النزاع والخلاف على الصحة في خصوص هذه الصورة، قال: ومحل الخلاف انما هو مع الحضور، وأما مع الذهاب إلى الاهل والرجوع إلى بلاده فلا نزاع في الحكم بالصحة لاجل
(1) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 3.
[ 16 ]
هذه الروايات، وقد صرح بهذا التفصيل المجلسي (رحمه الله)، ولكن صاحب الجواهر (1) ذهب إلى البطلان حتى في هذه الصورة وادعى عليه الاجماع، ولا فرق عنده بين ترك الطواف برأسه، أو شك بين السادس والسابع سواء كان حاضرا في مكة وتمكن من العود والاستيناف أو خرج من مكة وذهب إلى اهله وشق عليه العود إلى مكة فان تم ما ذكره الجواهر من الاجماع على البطلان مطلقا حتى في صورة
الخروج من مكة والذهاب إلى الاهل فلا بد من طرح الصحيحة من حيث الذيل الدال على انه ليس عليه شئ وايكال علمه إليهم (ع) وان لم يتم الاجماع كما لا يتم جزما خصوصا في هذه المسألة التي قل التعرض إليها فلا مانع من العمل بالصحيحة ولا استبعاد في ذلك فنلتزم بان خصوص هذا الجاهل ملحق بالناسي من حيث الحكم بالصحة، وقد افتى بمضمونها المدارك والمجلسي والحدائق بل ادعى صاحب الحدائق الاجماع على الصحة. ولذا نذكر في المسألة الآتية انه لم تبعد صحة طوافه في هذه الصورة: هذا تمام الكلام في الصورة الاولى. الصورة الثانية: الشك في الزيادة والنقيصة كما إذا شك في ان شوطه هذا هو السادس أو السابع أو الثامن ففيهما أيضا يحكم بالبطلان ويدل عليه بالخصوص معتبرة أبي بصير (قال: قلت له: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية، قال: يعيد طوافه حتى يحفظ) (2).
(1) الجواهر: ج 19 ص 383. (2) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 11.
[ 17 ]
فان المستفاد منها لزوم كون السبعة محفوظة. وصحيحة الحلبي (عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر اسبعة طاف أم ثمانية، فقال: اما السبعة فقد استيقن وانما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين) (1). فان المستفاد منها لزوم احراز السبعة فإذا احرزت فلا يضر الوهم بالزائد، واما إذا لم تحرز السبعة وكان الاتيان بها مشكوكا يحكم بالبطلان بل يمكن الاستدلال للبطلان بكل ما دل على البطلان بين السابع والسادس لانه مطلق من حيث اقتران الشك بين السادس والسابع بالشك في الثامن أم لا، ويؤيد برواية المرهبي وبخبر أبي بصير (2). الصورة الثالثة: الشك في الاقل من الست والسبع كما لو شك بين الثالث والرابع، أو الرابع والخامس، وهكذا ففي مثله أيضا يحكم بالبطلان لمعتبرة حنان بن سدير (قال: قلت لابي عبد الله (ع): ما تقول في رجل طاف فأوهم قال: طفت اربعة أو طفت ثلاثة، فقال: أبو عبد الله (ع) اي الطوافين كان طواف نافلة أم طواف فريضة؟ قال: ان كان طواف فريضة فليطلق ما في يديه وليستأنف) (3). ومحمد بن اسماعيل الواقع في السند هو محمد بن اسماعيل بن بزيع بقرينة رواية احمد بن محمد البرقي عنه وروايته ايضا عن حنان بن سدير. ويدل على البطلان كل ما دل على البطلان في الشك بين الست والسبع لان الشك بين الرابع والخامس مثلا فأضاف إليه شوطا آخر
(1) الوسائل: باب 35 من أبواب الطواف ح 1. (2) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف ح 4 و 12. (3) الوسائل: باب 35 من أبواب الطواف ح 1.
[ 18 ]
[ (مسألة 318): إذا شك بين السادس والسابع وبنى على السادس جهلا منه بالحكم واتم طوافه لزمه استيناف وان استمر جهله إلى ان فاته زمان التدارك لم تبعد صحة طوافه. (مسألة 319): يجوز للطائف ان يتكل على احصاء صاحبه في حفظ عدد اشواطه إذا كان صاحبه على يقين
من عددها. ] يؤل إلى الشك بين الرابع والخامس مثلا والسابع فيدخل في الروايات الدالة على البطلان لو شك بين الست والسابع. ويؤيد ايضا بخبر المرهبي والبطائني. (1) تقدم شرح هذه المسألة فانتبه. (2) لا ريب في ان مقتضى القاعدة الاولية عدم جواز الاتكال على الغير في احصاء عدد اشواطه فان كل مكلف يجب عليه تحصيل اليقين في اتيان الواجب وامتثاله، ولكن ورد في صحيح سعيد الاعرج جواز الاتكال (قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن الطواف أيكتفي الرجل باحصاء صاحبه؟ فقال: نعم) (1). ويؤيد برواية الهذيل في الرجل يتكل على عدد صاحبه في الطواف أيجزيه عنها وعن الصبى؟ فقال: نعم. ألا ترى انك تأتم بالامام إذا صليت خلفه فهو مثله) (2) ورواه أيضا في الوسائل في باب 24 من الخلل عن ابي الهذيل والصحيح ما ذكره هنا كما في الفقيه وكيف
(1) و (2) الوسائل: باب 66 من أبواب الطواف ح 1 و 3.
[ 19 ]
[ (مسألة 320): إذا شك في الطواف المندوب يبني على الاقل وصح طوافه. (مسألة 321): إذا ترك الطواف في عمرة التمتع عمدا مع العلم بالحكم أو مع الجهل به ولم يتمكن من التدارك قبل الوقوف بعرفات بطلت عمرته وعليه اعادة الحج من قابل، وقد مر ان الاظهر بطلان احرامه أيضا لكن الاحوط ان يعدل إلى حج الافراد ويتمه بقصد الاعم من الحج والعمرة المفردة، وإذا ترك الطواف في الحج متعمدا ولم يمكنه التدارك بطل حجه ولزمته الاعادة من قابل وإذا كان ذلك من جهة الجهل بالحكم لزمته كفارة بدنة أيضا. ] كان الرواية ضعيفة وفي صحيح سعيد الاعرج غنى وكفاية. (1) كما في عدة من النصوص المعتبرة. فلا مانع من الزيادة في النافلة (1). (2) ذكرنا في اول المبحث عن الطواف ان الطواف من اركان الحج والعمرة ويفسدان بتركه عمدا سواء كان عالما بوجوبه أو جاهلا به، وكذا يبطل احرامه فان الاحرام انما يكون جزءا للحج إذا لحقه بقية الاجزاء والا ينكشف بطلان الاحرام من الاول، وعليه الحج من
(1) الوسائل: باب 33 من أبواب الطواف.
[ 20 ]
[ (مسألة 322): إذا ترك الطواف نسيانا وجب تداركه بعد التذكر فان تذكره بعد فوات محله قضاه وصح حجه والاحوط اعادة السعي بعد قضاء الطواف، وإذا تذكره في وقت لا يتمكن من القضاء أيضا كما إذا تذكره بعد رجوعه إلى بلده وجبت عليه الاستنابة، والاحوط ان يأتي النائب بالسعي أيضا بعد الطواف. ] (1) قابل، وقد تقدم جميع ذلك مفصلا فلا موجب للاعادة. نعم لو تركه من جهة الجهل بالحكم يجب عليه كفارة بدنة لصحيح علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (ع) عن رجل جهل ان
يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: ان كان على وجه جهالة في الحج اعاد وعليه بدنة) (1) ويؤيد بخبر على بن ابى حمزة (2). (1) من ترك الطواف نسيانا وغفلة فتارة يفرض بقاء المحل وامكان التدارك كما إذا تركه في عمرة التمتع أو تركه في الحج وتذكره في شهر ذي الحجة ويمكنه الرجوع، واخرى: لا يمكنه التدارك. اما الاول: فلا ريب في لزوم التدارك والاتيان به لتمكنه منه والمفروض بقاء الوقت وامكان التدارك. ويدل عليه روايات عديدة. منها: معتبرة اسحاق بن عمار، قال: قلت لابي عبد الله (ع): رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة. فبينما هو
) (1) و (2) الوسائل: باب 56 من أبواب الطواف ح 1 و 2.
[ 21 ]
يطوف إذ ذكر انه قد ترك من طوافه بالبيت قال: يرجع إلى البيت فيتم طوافه، ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي، قلت: فانه بدأ بالصفا والمروة قبل ان يبدأ بالبيت، فقال: يأتي البيت فيطوف به ثم يستانف طوافه بين الصفا والمروة، قلت: فما فرق بين هذين؟ قال: لان هذا قد دخل في شئ من الطواف، وهذا لم يدخل في شئ منه) (1). ومنها: خبر منصور بن حازم (عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة قال: يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي) (2) وهذا الخبر رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم، عن محمد عن سيف ابن عميرة عن منصور، وهذا السند بعينه مذكور في عدة من الروايات وفي بعضها موسى بن القاسم عن محمد بن سيف بن عميرة وهذا (3) الاسم لا وجود له في الرجال والصحيح هو الاول (اي محمد عن سيف). والرواية ضعيفة لان موسى بن القاسم يروي عن عدة اشخاص مسمين بمحمد وهم يرون عن سيف بن عميرة. بعضهم ثقات وبعضهم غير ثقة ولم يعلم ان محمد من هو. ومنها: صحيحة منصور بن حازم (عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت، قال: يطوف بالبيت، ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما) (4). وهذه الرواية يرويها الكليني بلا واسطة عن محمد بن اسماعيل عن
(1) و (2) الوسائل: باب 63 من أبواب الطواف ح 3 و 1. (3) التهذيب: ج 5 ص 141. (4) التهذيب: ج 5 ص 137.
[ 22 ]
الفضل بن شاذان ومحمد بن اسماعيل هذا هو محمد بن اسماعيل البندقي النيشابوري واحتمل بعضهم انه محمد بن اسماعيل بن بزيع وهذا بعيد جدا لان ابن بزيع من اصحاب الرضا (ع) ولا يمكن ان يروي الكليني عنه بلا واسطة كما ان ما احتمله بعضهم بانه محمد بن اسماعيل البرمكي صاحب الصومعة بعيد أيضا فان طبقته متقدمة على طبقة الكليني فالظاهر بل المتعين انه النيسابوري الذي يروي عنه الكشي أيضا بلا واسطة فان الكشي والكليني في طبقة واحدة والرجل وان لم يوثق في الرجال ولكنه من رجال كامل الزيارة مضافا إلى ان كثرة رواية الكليني عنه التي تبلغ اكثر من سبعمائة موردا توجب الاطمينان بوثاقة الرجل. هذا كله فيما إذا امكن التدارك.
واما الثاني: وهو ما إذا تذكره في وقت لا يتمكن من القضاء والتدارك فتكليفه بالاداء ساقط جزما لفوات محل التدارك، فهل يحكم ببطلان الحج ووجوب الحج عليه من قابل، أو يحكم بصحة حجه وقضاء الطواف بنفسه، ولو بعد انقضاء الوقت أو يستنيب ان تعذر العود؟ وجهان. اختار الثاني صاحب المدارك والجواهر، بل قال في الجواهر (بلا خلاف معتد به) وذلك يشعر بوجود المخالف، ويظهر من الشيخ الحكم بالبطلان لانه استدل للبطلان بنسيان الطواف بروايتين (1) موردهما الجهل لا النسيان. الاولى: رواية علي بن أبي حمزة قال: سأل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى رجع إلى اهله، قال: إذا كان على جهة الجهالة
(1) التهذيب يب: ج 5 ص 127.
[ 23 ]
اعاد الحج وعليه بدنة) (1). الثانية: صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن (ع): عن رجل جهل ان يطوف طواف الفريضة، قال: ان كان على وجه جهالة في الحج اعاد وعليه بدنة) (2). ثم روى صحيحة علي بن جعفر (عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال: يبعث بهدي ان كان تركه في حج بعث به في حج، وان كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ووكل من يطوف عنه ما ترك من طوافه) (3). والظاهر من صحيحة علي بن جعفر صحة الحج ولذا امر (ع) بان يوكل شخصا يطوف عنه ولو كان الحج باطلا براسه لا مجال لمثل هذا الامر منه. ولذا حملها على طواف النساء فالحكم بصحة الحج انما هو في فرض ترك طواف النساء واما طواف الحج فلم يرد فيه نص في نسيانه. فيعلم ان النسيان حاله حال الجهل في وجوب الاعادة. والحاصل: يظهر من استدلال الشيخ بالروايتين المتقدمتين ان النسيان كالجهل في الحكم بالاعادة وبطلان الحج، لانه استدل بهما لما حكاه من كلام المقنعة في حكم من نسي الطواف وان عليه بدنة واعادة الحج. ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من الحكم بالصحة لا لحديث الرفع لان حديث الرفع مقتضاه رفع الاحكام ولا نظر له إلى الاثبات والحكم بالصحة وان ما اتي به مجز ومسقط للواجب كما حقق في محله.
(1) و (2) الوسائل: باب 56 من أبواب الطواف ح 2 و 1. (3) الوسائل: باب 58 من أبواب الطواف ح 1.
[ 24 ]
ويكفينا في الحكم بالصحة صحيح على بن جعفر المتقدم فان قوله: (ووكل من يطوف عنه ما تركه من طوافه) ظاهر في الحكم بالصحة وحمله على طواف النساء كما صنعه الشيخ بعيد جدا لان طواف النساء ليس من طواف الفريضة اي ما فرضه الله تعالي في الكتاب وانما هو واجب مستقل سنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والظاهر من طواف الفريضة المسؤل عنه في الرواية هو الطواف الواجب في الحج لا الطواف الواجب المستقل الذي يؤتي به بعد الحج والذي تركه عمدا لا يوجب البطلان، مضافا إلى ان تفصيل الامام (ع) (ان كان تركه في حج بعث بهديه في حج وان كان تركه في عمرة بعث في عمرة)
كالصريح في طواف الحج وحمله على طواف النساء الواجب في الحج وحمل العمرة على العمرة المفردة بعيد جدا. ويظهر من هذه الرواية الصحيحة وجوب الطواف على الناسي نفسه ان تمكن من العود وإلا فتستنيب إذ لا نحتمل وجوب الاستنابة مطلقا حتى إذا تمكن بنفسه من الطواف كما نسب إلى بعض المتأخرين. والمتحصل: ان من نسى الطواف له صور: الاولى: ما إذا فات عنه الطواف نسيانا وتذكره وقد بقي من الوقت ما يتمكن تداركه. الثانية: ما إذا نسيه وفات الوقت ولكن يتمكن من التدارك بنفسه. الثالثة: ما إذا نسيه وفات الوقت ولا يتمكن من التدارك بنفسه. اما الاولى: فلا اشكال في وجوب التدارك بلا كلام واما في الصورتين فالحج صحيح ويجب عليه التدارك بنفسه أو الاستنابة وعن الشيخ في الخلاف وعن الغنية الاجماع على الصحة ولكن الشيخ ذهب إلى البطلان
[ 25 ]
في كتابي التهذيب والاستبصار واستدل بصحيحة علي بن يقطين (1) وخبر علي بن ابى حمزة الواردين في الجاهل لا الناسي ثم ذكر صحيح علي بن جعفر الدال على الصحة ولكنه حمله على طوافه النساء وأيد ذلك برواية معاوية بن عمار الواردة فيمن ترك طواف النساء. وهذا من غرائب ما صدر منه (قدس سره) فان المسألة اجماعية حتى ان الشيخ بنفسه ادعي الاجماع على الصحة في كتاب الخلاف على ان المراد بالطواف الوارد في صحيح علي بن جعفر ليس هو طواف النساء لان المسؤل هو طواف الفريضة وظاهره الطواف الذي فرضه الله تعالى في كتابه العزيز وهو طواف الحج في قبال ما سنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطواف الفريضة وان اطلق على طواف النساء احيانا في بعض الروايات ولكنه لابد من حمله على نحو من المسامحة والعناية. وبالجملة: طواف النساء وان كان واجبا ولكنه ليس مما فرضه الله في الكتاب بل هو عمل واجب مستقل سنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتركه عمدا لا يضر بالحج فضلا عن النسيان. ثم ان كلمة الفريضة لم توجد في البحار الناقل عن قرب الاسناد وطريق المجلسي إلى قرب الاسناد نفس طريق الشيخ إليه وفي قرب الاسناد (رجل ترك طوافا أو نسي من طواف الفريضة) وفي التهذيب ورد (طواف الفريضة). ثم ان المقابلة بين الحج والعمرة المذكورة في صحيح علي بن جعفر
(1) الوسائل: باب 56 من أبواب الطواف ح 1 و 2. (2) الوسائل: باب 58 من أبواب الطواف ح 1.
[ 26 ]
[ (مسالة 323): إذا نسي الطواف حتى رجع إلى بلده وواقع اهله لزمه بعث هدي إلى منى ان كان المنسي طواف الحج والى مكة ان كان المنسي طواف العمرة ويكفي في الهدي ان يكون شاة (1). ] قرينة قطعية على ان المراد بطواف الفريضة هو طواف الحج فلا موجب لحمله على طواف النساء وحمل العمرة على المفردة. ثم ان الظاهر من قوله رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده عدم امكان التدارك بنفسه ولذا امر ان يوكل من يطوف عنه ولا نحتمل
وجوب الاستنابة تعبدا بل الاستنابة في فرض عدم تمكن المكلف من التدارك بنفسه كما يقتضيه القاعدة الاولية أيضا. ومما يؤكد ما ذكرنا صحيح هشام بن سالم (عمن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى اهله فقال: لا يضره إذا كان قد مضى مناسكه) (1). والشيخ في التهذيب حمل هذه الصحيحة على طواف الوداع لانه (قده) ذكرها في باب الوداع واحتمله صاحب الوسائل أيضا ولا يخفى انه لا موجب لذلك بل الظاهر منها هو طواف الحج فان المراد بزيارة البيت هو طواف الحج ولا وجه لحمله على خصوص طواف الوداع: (1) نسب إلى اكثر الفقهاء وجوب بدنة وذهب جماعة منها المحقق وصاحب الجواهر إلى انه لا كفارة عليه.
(1) الوسائل: باب 19 من أبواب العود إلى منى ح 1 وباب 1 من ابواب زيارة البيت ح 4.
[ 27 ]
واحتمل المحقق ان القائلين بالكفارة انما ارادوا وجوب الكفارة إذا واقع اهله بعد التذكر واما إذا واقع وهو في حال النسيان فلا شئ عليه فإذا يرتفع الخلاف. واستدل لوجوب الكفارة بروايات ثبوت الكفارة على من واقع قبل الطواف وأجابوا عن ذلك بالروايات النافية للكفارة للناسي وبحديث الرفع الا إذا اريد ثبوت الكفارة بعهد التذكر فلا خلاف. ولكن الظاهر ثبوت الكفارة الا انه ليست بدنة للروايات النافية وحديث الرفع الا ان صحيح على بن جعفر (1) صريح في وجوب بعث الهدي الوارد في النسيان فيكون مخصصا لما دل على عدم ثبوت الكفارة على الناسي فان الظاهر من قوله: (نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده) استمرار النسيان إلى المواقعة وتحقق الوقاع حال النسيان ثم ان في النسخة اختلافا فان نسخ الرواية الموجودة في التهذيب (يبعث بهدي). والموجود في قرب الاسناد (يبعث بهديه ان كان تركه) الخ. وفي البحار ببدنة وقد ذكرنا غير مرة ان طريق الحميري إلى قرب الاسناد ضعيف بعبد الله بن الحسن ولكن طريق الشيخ إليه صحيح وطريق المجلسي نفس طريق الشيخ فإذا المعتمد كتاب التهذيب وليس فيه بدنة والهدي صادق على الشاة. ولو تنزلنا عن ذلك فالمورد من الشك بين الاقل والاكثر والمرجع البرائة عن الاكثر وهو بدنة.
(1) الوسائل: باب 58 الطواف ح 1.
[ 28 ]
[ (مسألة 324): إذا نسي الطواف وتذكره في زمان يكفيه القضاء قضاه باحرامه الاول من دون حاجة إلى تجديد الاحرام نعم إذا كان قد خرج من مكة ومضى عليه شهر أو أكثر لزمه الاحرام لدخول مكة كما مر. ] (1) من نسي طوافه قد يلتفت ويتذكر في زمان يمكنه التدارك في الوقت بلا حرج ولا مشقة من دون ان يفوته شئ كما إذا كان الوقت باقيا للتدارك وكما لو تذكر فوات طواف عمرته قبل الوقوفين بأيام أو تذكر فوات طواف حجه في العشرة الثانية من شهر ذي الحجة، ففي مثله يجب عليه الاتيان بالطواف بلا حاجة إلى إحرام جديد سواء كان في مكة أو في خارجها.
وقد يتذكر الفوات في اواخر شهر ذي الحجة بحيث لو اراد الرجوع إلى مكة ضايقه الوقت ولا يتمكن من اتيان الطواف مع مقدماته من الوضوء وغيره قبل نهاية الشهر، بل لابد من ايقاعه في أول شهر محرم مثلا ففي مثله أيضا لا يحتاج إلى احرام جديد بل يجب عليه أن يأتي بالطواف ولو قضاءا. وقد يفرض انه يذكر الفوات وقد مضى على احرامه الاول شهر واحد كما إذا تذكر في اواسط شهر محرم، فهل يجب احرام جديد لمضي شهر من احرامه الاول لان من يدخل مكة يجب عليه الاحرام لدخولها في كل شهر، أو لا يجب عليه احرام جديد فانه محرم والمحرم ليس عليه احرام جديد وان احل ودخل في الشهر الثاني؟ وجهان، اختار الجواهر عدم الحاجة إلى الاحرام الجديد لبقائه على احرامه الاول
[ 29 ]
وتمسك بعضهم باستصحاب بقائه على الاحرام الاول بعد ان شك في خروجه منه، فيدخل مكة بغير احرام ويأتي بالطواف المنسي، إلا أن الصحيح لزوم الاحرام ثانيا. والوجه فيه: ما تقدم منا في محله ان احرام العمرة والحج عبارة عن نفس التلبية التي معناها القيام بالاعمال المفروضة من بداية الحج إلى نهايته واما المحرمات التي هي خمس وعشرون امرا فهي احكام ثابتة للمحرم لا ترتبط بحقيقة الاحرام فالاحرام يتحقق بالتلبية كما يتحقق بالاشعار والتقليد في حج القارن، وقد ذكرنا ان التلبية نظير تكبيرة الاحرام للصلاة التي تدخل بها في الصلاة ويخرج منها بالتسليم فمعنى الاحرام القيام والالتزام بالواجبات المفروضة عليه فلو فرغ من اعمال حجه وحكم بصحته أو ببطلانه لتركه الطواف عمدا حتى خرج الشهر فلم يكن معنى لبقاء احرامه لان الاحرام كما عرفت مقدمة للاتيان بتلك الاعمال فإذا اتى بها وخرج منها فلا معنى لبقاء الاحرام لانتفاء موضوعه كما إذا انتهى من الصلاة وحكم بصحتها أو يبطلانها لا معنى لبقائه على تكبيرة الاحرام والالتزام باتيان واجبات الصلاة فكذا المقام فإذا اراد الدخول بعد شهر وجب عليه الاحرام الجديد لدخول مكة وخروجه من الاحرام ولا ينافي ذلك بقاء بعض الاحكام عليه كحرمة الطيب والنساء نظير ما إذا ترك طواف النساء فانه تحرم عليه النساء حتى يطوف وان كان حجه صحيحا وخرج عن احرامه بالمرة. وبالجملة: لو قلنا بصحة الحج عند نسيان الطواف، أو قلنا ببطلانه بسبب نسيان الطواف ففي كلتا الحالتين لم يبق موضوع للاحرام، ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب.
[ 30 ]
[ (مسألة 325): لا يحل لناسي الطواف ما كان حله متوقفا عليه حتى يقضيه بنفسه أو بنائبه (1) (مسألة 326): إذا لم يتمكن من الطواف بنفسه لمرض أو كسر أو أشباه ذلك لزمته الاستعانة بالغير في ] أما اولا: فلانه من الشبهات الحكمية، ولا نرى حجيته فيها. وثانيا: لاختلاف الموضوع، فان الطواف الثاني قضاء وليس بأداء فان أراد الدخول إلى مكة بعد شهر يجب عليه الاحرام الجديد لدخول مكة. وبعبارة اخرى: المتيقن هو الاحرام الاتيان بالاعمال السابقة والمشكوك فيه هو الاحرام لقضاء الطواف، والاحرام الاول قد انتهى بمجرد
الفراغ من الحج والاحرام لدخول مكة وقضاء الطواف موضوع جديد يحتاج إلى إحرام جديد. ويؤكد ما كرنا صحيح علي بن جعفر الذي حكم فيه بالكفارة وانه يبعث بهدي إذا رجع إلى بلده وواقع اهله، ولا تنافي بين الحكمين الحكم بالخروج من الاحرام، والحكم بلزوم الاحرام عليه من جديد. (1) لاطلاق ما دل على حرمة النساء والطيب قبل الطواف وقد عرفت انه لا منافاة بين الاحتياج إلى الاحرام لدخوله مكة إذا مضى عليه شهر وبين عدم حل النساء والطيب عليه إذا كان تاركا للطواف. ويؤكد ذلك صحيح ابن جعفر المتقدم الآمر ببعث الهدي إلى مكة أو إلى منى ويوكل من يطوف عنه إذا يظهر منه ان النساء لا تحل له قبل البعث والتوكيل.
[ 31 ]
[ طوافه، ولو بأن يطوف راكبا على متن رجل آخر، وإذا لم يتمكن من ذلك أيضا وجبت عليه الاستنابة فيطاف عنه وكذلك الحال بالنسبة إلى صلاة الطواف فيأتي المكلف بها مع التمكن ويستنيب لها مع عدمه وقد تقدم حكم الحائض والنفساء في شرائط الطواف. ] (1) قد عرفت ان الطواف واجب من واجبات الحج وركن يبطل الحج بتركه عمدا، وهو لا يختلف عن سائر الواجبات الالهية من قيام المكلف به مباشرة وصدوره عنه خارجا عن ارادة واختيار كما هو ظاهر كل تكليف متوجه نحو المكلف فيلزم ان يطوف بنفسه غاية الامر لا يجب عليه المشي وانما يجوز له الركوب والاطافة حول البيت بنحو يستند حركة الدوران حوله إلى ارادة نفس الشخص ليصدق عليه انه طاف بنفسه. واما الاطافة به بنحو يقوم الفعل به لكن لا باختياره وانما تستند الحركة والدوران إلى غيره أو الطواف عنه بحيث يقوم الفعل بشخص اجنبي وتستند الحركة إلى ذلك الاجنبي فصحة ذلك نحتاج إلى الدليل هذا ما تقتضيه القاعدة الاولية. ولكن دلت الاخبار في المقام على ان المكلف إذا تعذر عليه الطواف
[ 32 ]
مباشرة بنفسه جاز لآخر حمله والاطافة به (1). الا انه لا يمكن العمل باطلاق هذه الروايات وان المريض والكبير يجوز حملهما في الطواف وان تمكنا المباشرة بل يجب تقييدها بصورة عدم استطاعتها من المباشرة كما دلت عليه صحيحة صفوان وغيرها ففي صحيحة صفوان (عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع ان يطوف بالبيت ولابين الصفا والمروة، قال: يطاف به محمولا) (2). فالنتيجة ان الطائف إذا كان مستطيعا من المباشرة وجب عليه ان يطوف بنفسه واما لو كان مريضا لا يستطيع من ذلك حمله آخر وطاف به فالميزان بالاستطاعة بنفسه وعدمها. وان لم يتمكن من ذلك ايضا وجب عليه الاستنابة ليطاف عنه فيكون ما اتى به النائب من الطواف في مرتبة ثالثة للمريض الذي تعذر عليه الطواف مباشرة وتعذر عليه ان يطاف به وذلك استنادا لاخبار صرح في بعضها بالاطاقة عنه وفي بعضها التخيير بين الاطافة به والطواف عنه ولكن تلك الاخبار التي دلت على جواز الطواف عنه يجب تقييدها بما إذا لم يتمكن من حمله والاطافة به فان الطواف إذا كان قائما به وان
كان لا باختياره مقدم على الطواف عنه القائم بالاجنبي كما في معتبرتي اسحاق بن عمار (المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: لا ولكن يطاف به) وفي الاخرى (عن المريض يطاف عنه بالكعبة؟ قال: لا ولكن يطاف به) (3)، ودلالتها واضحة على ان الطواف به مقدم على
(1) الوسائل: باب 47 من أبواب الطواف. (2) الوسائل: باب 47 من أبواب الطواف. (3) الوسائل: باب 47 من أبواب الطواف ح 5 و 7
[ 33 ]
الطواف عنه. واما سندهما فقد روى موسى بن القاسم عن عبد الله عن اسحاق والمسمى بعبدالله ثلاثة اشخاص الذين يمكن رواية موسى عنهم وروايته عن اسحاق هم عبد الله بن سنان، و عبد الله بن جبلة، و عبد الله الكناني. اما الكناني فليس له رواية في الكتب الاربعة الا النزر اليسير وليس هو بمعروف لينصرف اللفظ إليه فينحصر التردد بين ابن جبلة وابن سنان وكل منهما ثقة ولا يضر التردد بينهما. والظاهر ان المراد بعبد الله هذا هو ابن جبلة فان ابن سنان روى عن اسحاق في موارد قليلة ولكن ابن جبلة روى عن اسحاق في موارد كثيرة تبلغ اكثر من سبعين موردا وذلك يوجب الظن القوي أو الاطمينان ان عبد الله الذي روى عنه موسى بن القاسم وروى هو عن اسحاق هو ابن جبلة (وليعلم ان ابن جبلة أيضا لقب بالكناني ولكن يحتمل ان عبداله الكناني الذي ورد في موردين أو ثلاثة موارد من التهذيب هو شخص آخر والظاهر انصرافه في المقام إلى ابن جبلة كما عرفت). فالمتحصل من الروايات ان مراتب الطواف ثلاثة لا ينتقل من واحدة إلى الاخرى الا بعد العجز عن المرتبة السابقة. الاولى: الطواف بنفسه مباشرة. الثانية: الطواف به بان يقوم العمل بنفس الطائف لكن بتحريك الغير ودورانه. الثالثة: الطواف عنه وهو قيام الفعل بشخص اجنبي. ثم ان جميع ما تقدم يجري في صلاة الطواف عدى المرتبة الثانية
[ 34 ]
بمعنى انه ان تمكن من الصلاة بنفسه تعين عليه ذلك والا فيصلى عنه وأما الصلاة به فلا معنى لذلك إذا فالصلاة ذات مرتبتين بخلاف الطواف فانه ذو مراتب ثلاثة كما عرفت. وقد ورد في روايتين معتبرتين انه يرمي عنه ويصلي عنه (1).
(1) الوسائل: باب 47 من أبواب الطواف ح 4.
[ 35 ]
[ صلاة الطواف وهي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع (1) وهي ركعتان يؤتى بها عقيب الطواف وصورتها كصلاه الفجر ولكنه مخير في قراءتها بين الجهر والاخفات ويجب الاتيان بها قريبا من مقام ابراهيم عليه السلام، والاحوط بل الاظهر لزوم الاتيان بها خلف المقام فان لم يتمكن فيصلي في اي مكان من المسجد مراعيا الاقرب فالاقرب إلى المقام على الاحوط هذا في طواف الفريضة، أما في
الطواف المستحب فيجوز الاتيان بصلاته في أي موضع من المسجد اختيارا. ] (1) وهي أيضا مما لا اشكال ولا خلاف في وجوبها بين المسلمين ويدل عليه اخبار مستفيضة: منها: الاخبار البيانية. ومنها: الاخبار الخاصة الآمرة بالصلاة والطواف كصحيحة معاوية ابن عمار تجعله (اي المقام) اماما بفتح الالف أو كسره. ومنها: ما ورد في نسيان صلاة الطواف وانه يعود ويصلي. ومنها: ما ورد من انه يصليها بعد رجوعه إلى محله واهله
[ 36 ]
وبالجملة: لا ينبغي الاشكال في وجوبها وفي كونها ركعتين كما وقع التصريح بذلك في الروايات. ولا يبعد تواترها فلا يعبأ بما قيل من انها مستحبة ومقتضى اطلاقها التخيير بين الجهر والاخفات. واما مكانها فيجب أن يكون عند مقام ابراهيم (عليه السلام) لقوله تعالى (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) وللاخبار. ثم ان الظاهر من صحيح معاوية بن عمار ان تكون الصلاة خلف المقام لقوله: (ع) (تجعله اماما) سواء قرء بالفتح أو بالكسر فلا بد ان يكون المقام قدامه وعليه فلا تجوز الصلاة عن يمينه أو يساره وان ذهب بعضهم إلى جواز ذلك بدعوى: ان المراد بالآية قرب المقام وهو صادق على جميع الاطراف ولكن يرده صحيح معاوية الآمر بجعله قدامه. فالمتحصل: انه لا ريب في وجوب اتيان الصلاة خلف المقام بان يجعله قدامه حسب الروايات. واما الآية الكريمة (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) ففيها احتمالان: احدهما: ان يراد من المقام نفس الحجر الذي قام عليه ابراهيم (ع) وبنى الكعبة المقدسة كما يظهر من بعض الاخبار وهذا الاحتمال بعيد إذ من الواضح ان اتخاذ الحجر مقاما ومصلى ومكانا للصلاة امر متعذر لصغر الحجر وعدم امكانه مكانا للصلاة فلا بد من الالتزام بشئ من العناية بان يدعى ان المراد من اتخاذه مصلى اتخاذ جوانبه واطرافه وما يقرب منه مصلى سواء كان خلفه أو احد جانبيه. ثانيهما: ان يراد من المصلى جعل المقام والحجر قدامه وامامه بان
[ 37 ]
يصلي إليه ويستقبله وعلى كلا المعنيين انما تجب الصلاة قريبة من المقام سواء كانت خلفه أو إلى احد جانبيه فلا يجوز الابتعاد عنه وهذا الاحتمال هو المتعين استنادا إلى روايتين معتبرتين دلنا على ايقاع الصلاة خلف المقام وجعله اماما. مضافا إلى دلالتهما على الصلاة قرب المقام. الاولى: معتبرة ابراهيم بن ابى محمود، قال: قلت: للرضا (ع) اصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: حيث هو الساعة) (1). الثانية: صحيحة معاوية بن عمار (إذا فرغت من طوافك فأت مقام ابراهيم (ع) فصل ركعتين واجعله اماما. الحديث (2) وفي هاتين الروايتين المعتبرتين غنى وكفاية على لزوم ايقاع الصلاة خلف
المقام حال الاختيار ولذا ذكرنا في المناسك والاحوط بل الاظهر لزوم الاتيان بها خلف المقام فالقول بجوازه في غير خلف المقام مما لا وجه له. هذا فيما إذا تمكن من ذلك واما إذا لم يتمكن من الصلاة خلف المقام كما إذا منعه للزحام من الصلاة خلف المقام ففي هذه الحالة لا ريب في عدم سقوط الصلاة عنه لاحتمال انتفاء المشروط بانتفاء شرطه بل يجب الاتيان بها في اي جانب من جوانب المسجد اما عدم سقوط الصلاة بمجرد عدم امكان اتيانها خلف المقام فمما لااشكال فيه بين الفريقين ومتسالم عليه عند الاصحاب فانه في حال العجز وعدم التمكن من اتيان الصلاة خلف المقام يسقط القيد المذكور لا اصل الصلاة فله ان
(1) و (2) الوسائل: با 71 من أبواب الطواف ح 1 و 3.
[ 38 ]
يصلي في أي مكان شاء من المسجد. ويدل على عدم السقوط ايضا ما دل من الاخبار على ان من نسي صلاة الطواف أو تركها جهلا بوجوبها حتى انتهى من الاعمال انه إذا تمكن من الرجوع والصلاة خلف المقام رجع وصلى وسقط الترتيب في هذه الحالة وإذا تعذر عليه العود صلاها في مكانه (1). فإذا كانت الصلاة لا تسقط حتى مع النسيان والجهل فكيف تسقط في حال العلم والاختيار لمجرد الزحام؟ ويدلنا أيضا على عدم السقوط في الجملة معتبرة الحسين بن عثمان (2) وهذه الرواية رويت بطريقين. احدهما: ما رواه الشيخ بسند فيه احمد بن هلال وقد ضعفه جماعة ولكن ذكرنا ان الاظهر انه ثقة وان كان فاسد العقيدة بل كان خبيثا وفي السند امية بن علي وهو وان كان من رجال كامل الزيارات الا ان الاصحاب ضعفوه فالرواية ضعيفه بامية بن علي. ثانيهما: طريق الكليني وهو صحيح (عن الحسين بن عثمان قال رأيت أبا الحسن موسي (ع) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد) الا ان ذلك حكاية فعل لا دلالة على الجواز مطلقا فيحمل على صورة عدم التمكن كما صرح بذلك في الطريق الآخر (لكثرة الناس). ولكن تدل على الجواز في الجملة. فيظهر من مجموع الروايات ان الصلاة لا تسقط بتعذر اتيانها خلف المقام بل يؤتي بها في المسجد واما مراعات الاقرب فالاقرب فلا دليل
(1) الوسائل: باب 48 من أبواب الطواف. (2) الوسائل: باب 75 من أبواب الطواف ح 1 و 2.
[ 39 ]
[ (مسألة 327): من ترك صلاة الطواف عالما عامدا ] عليها بعد تعذر اتيانها خلف المقام وان كان احوط. واصالة البراءة تنفي الخصوصية والتقييد بالاقرب فالاقرب. وقد احتمل بعضهم وجوب مراعاة الاقرب فالاقرب لقاعدة الميسور وقد ذكرنا غير مرة ان القاعدة مخدوشة كبرى وصغرى فان القاعدة على فرض تسليمها تجرى في الشئ المركب من اجزاء وشرائط وقد تعذر بعض اجزائه أو شرائطه فحينئذ يقال: ان الفاقد لجزء أو شرط يصدق عليه انه ميسور لذلك المركب الواجب وهذا المعنى ينطبق على المقام لان الصلاة القريبة إلى المقام ليست ميسورة بالاضافة إلى الصلاة خلف المقام بل هما متباينان. هذا كله في الطواف الواجب.
وأما الطواف المستحب فيصح ايقاع صلاته في أي موضع من المسجد اختيارا استنادا للاخبار المصرحة بذلك (1). بل صحيح على بن جعفر صرح بجواز ايقاعها خارج المسجد. وصاحب الجواهر (2) ناقش ذلك بانه لم ير من افتى بمضمونه. ويرد عليه بان: باب المستحبات واسع والاصحاب لم يتعرضوا لكثير من المستحبات وخصوصياتها والرواية صحيحة والدلالة واضحة فلا موجب لرفع اليد عنها.
(1) الوسائل: باب 73 من ابواب الطواف ح 1 و 2 و 4. (2) الجواهر: ج 19 ص 320.
[ 40 ]
[ بطل حجه لاستلزامه فساد السعي المترتب عليه. ] (1) اختلف الاصحاب في هذه المسألة فقد ذكر صاحب المسالك (ره) انهم لم يتعرضوا لحكم هذه المسألة ولم ترد اي رواية تدل على الحكم، فالاصل يقتضي بقاء الصلاة في ذمة التارك فيجب عليه العود إلى المسجد للصلاة عند المقام ومع التعذر يصلي في اي مكان شاء فهو كالناسي والجاهل. واستشكل صاحب المدارك في ذلك وافاد بانه لاريب ان مقتضى الاصل وجوب العود مع الامكان انما الكلام في صحة اتيان الصلاة في اي مكان شاء عند التعذر لان الدليل انما دل على الصحة في فرض النسيان والجهل، وقد استشكل أيضا في صحة الافعال المتأخرة عن الصلاة من السعي والتقصير في الحج والعمرة المفردة لعدم وقوعهما على الوجه المأمور به. وفي الحدائق استحسن ما في المسالك، كما ان صاحب الجواهر (1) ايد ما في المسالك في الحكم بالصحة والحق العامد في ترك صلاة الطواف بالجاهل والناسي وذكر ان حجه صحيح وانما يجب عليه العود إلى المسجد لاداء الصلاة مع الامكان ومع التعذر يصليها في اي مكان شاء وافاد في وجه ذلك ان صلاة الطواف ليست متممة للطواف وليست من شرائطه بحيث لو لم يات بها بطل الطواف لعدم الدليل على ذلك بل الطواف الذي أتى به محكوم بالصحة سواء صلى ام لم يصل فوجودها وعدمها سيان من هذه الجهة.
(1) الجواهر: ج 19 ص 307.
[ 41 ]
وأما الاعمال المتأخرة من السعي والتقصير فلم يعلم ترتبها على الصلاة بحيث لو لم يصل تبطل تلك الاعمال لان الجاهل إذا ترك صلاة الطواف حكم بصحة حجه ومقتضى الاطلاق والفتاوى عدم الفرق بين الجاهل القاصر والمقصر مع ان الجاهل المقصر في الحكم العامد، فإذا كان الجاهل المقصر قد ترك صلاة الطواف يحكم بصحة سعيه لان السعي غير مترتب على الصلاة فالعامد لما كان بحكم الجاهل المقصر كان لازمه إذا ترك صلاة طوافه حكم بصحة سعيه أيضا. والمحقق النائني قوى الحاق العامد بالناسي في الحكم وان الترك العمدي لا يضر بالصحة فيأتي بالسعي والتقصير وتبقى ذمته مشغولة بالصلاة يأتي بها في المسجد ان امكن والا ففي إي مكان شاء. واستدل بعضهم: على صحة السعي عند ترك صلاة الطواف عمدا برواية سعيد الاعرج المتقدمة بدعوى ان الرواية تضمنت ان المرأة إذا
حاضت بعد تجاوز النصف تمت عمرتها وتأتي ببقية المناسك فان المستفاد من ذلك ترتب السعي على الطواف بنفسه لا على صلاته. ولكن الصحيح ما ذكره صاحب المدارك من الاشكال في صحة الاعمال الآتية بعد السعي والتقصير فيما لو ترك الصلاة عمدا بل لابد من الجزم بالبطلان. اما الاستدلال برواية سعيد الاعرج على صحة السعي والتقصير، ففيه أولا: ان الرواية ضعيفة السند. وثانيا: ان الرواية خاصة بالحائض ولها احكام مخصوصة مذكورة في الروايات والمستفاد من بعضها عدم لزوم الترتيب بين الطواف وبقية المناسك فضلا عن صلاة الطواف، ولكن لا يجوز لنا التعدي عن
[ 42 ]
موردها إلى المقام. واما ما ذكره صاحب الجواهر واختاره الشيخ النائني فلا يمكن المساعدة عليه بل لابد من الحكم ببطلان الحج إذا ترك صلاة الطواف عمدا، ويدل على البطلان أمور: الاول: ان المستفاد من جملة من الروايات ان السعي مترتب على صلاة الطواف كما هو مترتب على نفس الطواف. منها: الاخبار البيانية الواردة في بيان كيفية الحج وان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) احرم ثم طاف وصلى وسعى أو ثم سعى فان التعبير بكلمة (ثم) تدل على التاخير والترتيب فيعلم من ذلك ان السعي بعد الصلاة. نعم في صورة الجهل أو النسيان نقول بالصحة بدليل آخر واما المتعمد فليس له ذلك ولا دليل على صحة سعيه في مورد التعمد. ومن جملة الروايات الدالة على الترتيب ما ورد فيمن نسي صلاة الطواف وشرع في السعي قال (ع) يعلم مكانه ويرجع فيصلي ثم يعود ويتم سعيه فلو كان الترتيب غير لازم وكان ترك الصلاة عمدا غير موجب لبطلان السعي لم يكن وجه لرفع اليد عن سعيه والمبادرة إلى الصلاة فيعلم من ذلك ان الاشواط السابقة انما حكم بصحتها لاجل نسيان الصلاة واما الاشواط اللاحقة حيث تذكر ترك الصلاة أمر (ع) يترك السعي واتيان بقية الاشواط بعد الصلاة. وما ذكره صاحب الجواهر من ان الجاهل المقصر كالعامد فهو صحيح فيما إذا لم يكن دليل على الخلاف والا فلا يلحق بالعامد كما ورد في اتمام الصلاة في موارد القصر فان الجاهل بالقصر إذا اتم صلاته
[ 43 ]
حتى إذا كان مقصرا صحت صلاته، وهذا لا يستلزم انه لو كان عالما بالقصر فاتم حكم بصحة صلاته، مع ان الجاهل المقصر كالعامد. وبالجملة: فمقتضى ادلة الترتيب وان السعي مرتب على صلاة الطواف انه لو ترك الصلاة عمدا فسد سعيه. الامر الثاني: ان صلاة الطواف مشروطة بوقوعها بعد الطواف على ان لا يفصل بينهما فصل طويل بل في بعض الاخبار لا تؤخرها ساعة إذا طفت فصل فلو فصل بينهما بيوم أو يومين فسدت الصلاة وفي هذه الحالة تجب عليه اعادة الطواف فانه يفسد للفصل بينهما فتكون صحة الطواف مشروطة بتعقب الصلاة فإذا لم يتعقبه الصلاة فسد الطواف ومعه يفسد الحج. وبتعبير آخر: المركبات الاعتبارية المؤلفة من اجزائه وشرائطه
كالصلاة والحج كما ان المتأخر منها مشروط بتأخره عن الجزء السابق كذلك الجزء السابق مشروط بلحقوه بالجزء اللاحق، مثلا الركوع ليس مأمورا به على الاطلاق في الصلاة بل مشروط بوقوعه بعد القراءة والقيام كما ان القراءة والقيام مشروطان بلحوق الركوع بهما فالجزء السابق مشروط بلحوق الجزء الآتي وبالعكس. وبما ان الحج عمل واحد مركب من اجزاء فكما ان صلاة الطواف مشروطة بتأخرها عن الطواف كذلك الطواف مشروط بلحوق الصلاة به ولذا عبر المحقق ان الصلاة من لوازم الطواف يعني يعتبر في الطواف ان يكون معه صلاة فهي من لوازم الطواف فإذا فرضنا انه لم يصل وجب عليه اعادة الطواف والا يحكم ببطلان طوافه وإذا بطل طوافه بطل حجه.
[ 44 ]
الامر الثالث: لو اغمضنا النظر عن كلا الامرين وفرضنا ان السعي غير مرتب على الصلاة وفرضنا أيضا ان الطواف ليس بمشروط بلحوق الصلاة الا ان الصلاة الواجبة في الطواف ليست واجبا مستقلا بل هي جزء منه. لا يقال ان الصلاة واجب مستقل واجنبي عن الحج نظير طواف النساء. لانا نقول ان الصلاة من اجزاء الحج على ما نطقت به الروايات البيانية فيكفي في فساد الحج تركها عمدا إلى ان يخرج الوقت. غاية الامر انه بناءا على عدم الترتيب يمكن ان يؤخر الصلاه عن السعي أو التقصير ولكن تأخيرها عن طواف النساء لا يمكن لان طواف النساء بعد الحج. وبعبارة اخرى: ان لم يمكن الالتزام بان صلاة الطواف واجب مستقل في واجب وانما هو جزء من الحج فكيف يمكن الالتزام بان ترك الجزء عمدا غير موجب لبطلان الحج، ولذا لا يبعد ان يكون الحكم بالصحة من صاحب الجواهر، والشهيد من الغرائب. إذ لا فرق بين صلاة الطواف وغيرها من اجزاء الحج ومن المعلوم ان المركب ينتفي بانتفاء اجزائه، إذا فيحكم بالبطلان مع الترك العمدي. قد ذكرنا سابقا ان الشهيد في المسالك ذكر ان الاصحاب لم يتعرضوا لحكم من ترك الصلاة عمدا. فان اراد انهم لم يصرحوا بذلك في كلامهم فهو حق، وان اراد انه لم يفهم حكمه من كلماتهم ففيه منع، بل المستفاد من كلامهم إنهم متسالمون على الفساد لانهم لو كانوا قائلين بالصحة في مورد الترك
[ 45 ]
[ (مسألة 328): تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الطواف بمعنى أن لا يفصل بين الطواف والصلاة عرفا (1) ] العمدي فلماذا خصوا الصحة بالناسي، ثم الحقوا الجاهل به على اختلاف في المقصر كما جاء في صحيحة جميل (ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي) (1). وبالجملة: لو كان الترك العمدي لا يضر بالصحة فما معنى تقييدهم الصحة بالناسي بل كان اللازم عليهم ان يطلقوا الحكم بالصحة ليشمل العامد والناسي وكان التقييد بالناسي لغوا. (1) لجملة من الاخبار الآمرة بالصلاة بعد الطواف والناهية عن التأخير عنه، منها صحيحة محمد بن مسلم (عن رجل طاف طواف
الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب) (2). ومنها: صحيحة ميسر (صلى ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر)، وفي صحيحة منصور (سألته عن ركعتي طواف الفريضة، قال: لا تؤخرها ساعة إذا طفت فصل) وغير ذلك من الروايات. ولا ريب في ان المستفاد منها عدم الفصل بينهما الا بالمقدار المتعارف وقد نسب القول بالاستحباب إلى بعضهم ولكنه ضعيف بظهور الاخبار في الوجوب، وان الصلاة متممة للطواف بل يراها المحقق من لوازم
(1) الوسائل: باب 74 من ابواب الطواف ج 3. (2) الوسائل: باب 76 من ابواب الطواف ح 1 و 5 و 6.
[ 46 ]
الطواف بل القاعدة تقتضي ذلك لما ذكرنا غير مرة ان الاوامر والنواهي في المركبات ارشاد إلى الجزئية والشرطية والمانعية فإذا نهى المولى عن التكلم في الصلاة يستفاد منه مانعية الكلام للصلاة، وإذا امر بالركوع أو التشهد لا يستفاد منه مجرد الحكم التكليفى بل يستفاد منه الجزئية وهكذا فكذلك ما نحن فيه فان الآمر بالصلاة بعد الطواف متصلا يدل على شرطية الاتصال لصحة الصلاة والنهي عن تأخيرها يدل على مانعيته عن الصحة فليس الوجوب مجرد حكم تكليفي، ونظير ذلك السعي بالنسبة إلى الطواف، ولذا لا يجوز تأخيره إلى الغد. نعم يظهر من صحيحة علي بن يقطين جواز تأخير الصلاة إلى ما بعد الغد (قال سألت أبا الحسن (ع) عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال: لا) (1) فان المستفاد منه عدم لزوم المبادرة إلى صلاة الطواف ولا يقدمها على صلاة الغداة والعصر الا ان الصحيحة غير ناظرة إلى جواز التأخير وانما هي ناظرة إلى عدم وقوع الصلاة في وقت الغداة والعصر، وقد عرفت ان صحيحة منصور صريحة في النهي عن التأخير على انها معارضة بصحيحة ابن مسلم (عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس قال: وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليلصما قبل المغرب) فانه على فرض المعارضة وعدم حمل صحيحة ابن يقطين على التقية لالتزام العامة بعدم الصلاة في هذه الاوقات بعد الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد العصر إلى ما بعد المغرب يتساقطان فيرجع إلى الصحاح الدالة على جواز ايقاعها في أي
(1) الوسائل: باب 76 من أبواب الطواف ح 11.
[ 47 ]
[ (مسألة 329): إذا نسي صلاة الطواف وذكرها بعد السعي اتى بها ولا تجب اعادة السعي بعدها وان كانت الاعادة احوط، وإذا ذكرها في أثناء السعي قطعه وأتى بالصلاة في المقام ثم رجع واتم السعي حيثما قطع وإذا ذكرها بعد خروجه من مكة لزمه الرجوع والاتيان بها في محلها فان لم يتمكن من الرجوع اتى بها في أي موضع ذكرها فيه: نعم إذا تمكن من الرجوع إلى الحرم رجع ] وقت شاء. وقد ورد عنهم (ع) ان خمس صلوات تصليهن على كل حال منها ركعتا الطواف (1)، فان هذه الصلاة غير مقيدة بوقت خاص
ويجوز الاتيان بها في أي وقت شاء. ويمكن ولو بعيدا حمل خبر ابن يقطين على ما إذا تضيق وقت الفريضة اليومية كما حمله الشيخ. ثم ان هنا اخبارا دلت على عدم الاتيان بصلاة الطواف عند غروب الشمس أو طلوعها كما وردت في غير صلاة الطواف من بقية الصلوات ولكن هذه الاخبار محمولة على التقية، وقد كذبها الائمة (ع) وانه لا اساس لها فالصحيح ان صلاة الطواف تصلى في أي وقت شاء ما لم تزاحم فريضة فعلية فتقدم الفريضة إذا تضيق وقتهما ولا يجوز تأخير الصلاة عن الطواف، بل تجب المبادرة إليها بالمقدار المتعارف.
(1) الوسائل: باب 76 من ابواب الطواف ح 13
[ 48 ]
[ إليه واتى بالصلاة فيه على الاحوط الاولى (1) وحكم التارك لصلاه الطواف جهلا حكم الناسي ولا فرق في الجاهل بين القاصر والمقصر. ] (1) المشهور بين الاصحاب ان من نسي ركعتي الطواف وجب عليه الرجوع ان لم يكن فيه مشقة وإلا فيقضيهما بنفسه حيث ما كان ولو في بلده، وذكر في الحدائق (1) ان استفادة ما افتى به المشهور من الروايات مشكل: وتفصيل الكلام: ان المكلف تارة يتذكر قبل الخروج من بلدة مكة، فحينئذ لا ينبغي الريب في وجوب التدارك عليه بنفسه ويدل عليه صريحا صحيح معاوية بن عمار (وان ذكرهما وهو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما) (2) ولا معارض لها، والحكم في هذه الصورة واضح جدا. واخرى: يتذكر الصلاة بعد الخروج من بلدة مكة وهذا على قسمين احدهما: ما إذا كان الخروج لاتيان بقية اعمالي الحج والمناسك فيتذكر في الطريق أو في منى. ثانيهما: ما إذا كان الخروج خروجا ارتحاليا قاصدا به الرجوع إلى أهله ودياره. اما الاول: فان خرج وتذكر فوت الصلاة قبل الوصول إلى منى
(1) الحدائق: ج 16 ص 145. (2) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 18
[ 49 ]
كما إذا تذكرها وهو بعد في الابطح فيرجع ويصلي في المقام فحكمه حكم من تذكر وهو في البلد فان حكم المسافة القريبة القليلة حكم الحضور في البلد. ويدل عليه صحيح ابن مسلم (ولم يصل لذلك للطواف حتى ذكر وهو بالابطح، قال: يرجع إلى المقام فيصلي ركعتين) (1) ومثله معتبرتا عبيد بن زرارة (2). واما إذا خرج لاداء بقية اعمال الحج وتذكر الصلاة في منى والفصل بين مكة ومنى فرسخ واحد تقريبا فالروايات في هذه الصورة مختلفة. ففي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) انه سأله عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام ابراهيم حتى أتى منى، قال: يصليهما بمنى) (3). وفي صحيح احمد بن عمر الحلال (فلم يذكر حتى أتى منى، قال: يرجع إلى مقام ابراهيم فيصليهما) (4). وهما في الظاهر متعارضان إلا ان المشهور حملوا صحيح عمر بن يزيد
على من يشق عليه الرجوع وحملوا صحيح الحلال على من يتمكن من الرجوع بلا مشقة. ولكن صاحب الحدائق ذكر ان ما افتى به المشهور لا يستفاد من مجموع الاخبار وقال ان رواية هشام بن المثنى صريحة في عدم وجوب الرجوع إلى مكة حتى في صورة التمكن قال: (نسيت ان اصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى، فذكرنا ذلك لابي عبد الله (ع) فقال:
(1) و (2) الوسائل: باب 74 من ابواب الطواف ح 5 و 6 و 7. (3) و (4) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 8 و 12.
[ 50 ]
أفلا صلاهما حيث ما ذكر) (1) فان الراوي لما اخبر الامام (عليه السلام) بانه عاد إلى مكة وصلاهما في المقام قال (ع): أفلا صلاهما حيث ما ذكر). وأيضا ورد الترخيص في خبر آخر بانه يصلي في منى ولا يلزم عليه الرجوع إلى مكة وهو خبر عمر بن البراء (فمن نسى ركعتي طواف الفريضة حتى اتى منى انه رخص له ان يصليهما بمنى) (2). وفى خبر هشام بن المثنى وحنان قالا: طفنا بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين فلما مرنا (مررنا) بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد الله (ع) فسألناه فقال: صلياهما بمنى) (3). ومع هذه الاخبار الدالة على جواز اتيان الصلاة بمنى كيف يتم ما ذكره الشيخ وغيره من لزوم الرجوع إلى مكة؟ وما ذكره الحدائق وان كان صحيحا بالنظر إلى هذه الاخبار ولكن هذه الاخبار المجوزة لاتيان الصلاة بمنى ضعيفة سندا بهشام بن المثنى الذي ادعى صاحب الحدائق انه صريح في عدم لزوم العود إلى مكة ولكن في التهذيب المطبوع قديما وحديثا هاشم بن المثنى وهو ثقة وكذلك في منتقى الجمان ج 2، ص 506 و 495، وكذا في النسخة الخطية التي تاريخ كتابتها سنة 1034 الموجودة عند الاخ العلامة السيد علاء الدين بحر العلوم ج ص 139. إلا ان المذكور في الاستبصار هشام بن المثنى وكذلك في الكافي
(1) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 9. (2) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 2. (3) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 17.
[ 51 ]
الذي هواضبط، وكذا في الوافي وكذا في النسخة المخطوطة المصححة من التهذيب وكذا الوسائل فمن المطمئن به ان نسخة التهذيب المطبوعة بالطبعتين مغلوطة. وفي جملة من الموارد ورد الترديد بين كون الراوي هاشم أو هشام والبرقي عده من اصحاب الصادق (ع) قائلا هشام بن المثنى والنجاشي ذكر هاشم بن المثنى ووثقه. وكيف كان: المسمى بهشام لم يوثق ولم يعلم ان المراد به في المقام هاشم أو هشام وان كان الاظهر كونه هشام فالرواية ضعيفة، على ان دلالتها مخدوشة بوجهين: الاول: انه لم يصرح فيها بكون الطواف طواف فريضة ولعله طواف مستحب يجوز اتيان صلاته في اي مكان شاء بل يجوز ترك صلاته اختيارا.
الثاني: ان الراوي حكى فعله للامام عليه السلام ولم يعلم ان فعله صدر عن غير مشقة أو تحمل الحرج، ولعله ارتكب امرا حرجيا ولذا اعترض عليه الامام (ع) بانه أفلا صلاهما حيث ما ذكر والحاصل لاظهور لفعله الصادر في الاختيار وعدم الحرج. وكذلك خبر عمر بن البراء وكذا خبر هشام بن المثنى الثاني فلا يمكن الاعتماد على شئ منها لنفس ما ذكرناه. ثم ان صاحب الوسائل ذكر في سند هشام بن لمثنى وحنان: محمد ابن الحسين بن علان ولا يوجد له ذكر في الرجال ولا رواية له في الكتب الاربعة وفي الفروع محمد بن الحسين بن زعلان والموجود في الرجال محمد بن الحسن بن علان (العلاء) وهو شخص آخر فما في الوسائل
[ 52 ]
سهو واشتباه. وبالجملة: العمدة في المقام الصحيحتان اي صحيحة عمر بن يزيد وصحيحة احمد بن عمر الحلال المتقدمتين وهما كما عرفت متعارضتان، إلا ان صحيح احمد بن عمر الحلال الامر بالرجوع يتقيد بعدم المشقة وعدم العسر لصحيح أبي بصير يعني المرادي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام) عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام، وقد قال الله تعالى: (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) حتى ارتحل، قال: ان كان ارتحل فاني لا اشق عليه ولا آمره ان يرجع ولكن يصلي حيث يذكر) (1) فتنقلب النسبة بين خبر احمد بن الحلال وبين خبر عمر بين يزيد من التعارض والتباين إلى العموم والخصوص. فالنتيجة: من شق عليه الرجوع يصلي حيث ذكر وإلا فيرجع فيصلي عند المقام فيتم ما حمله الشيخ من حمل صحيحة عمر بن يزيد على المشقة والحرج وحمل صحيح احمد بن الحلال على صورة عدم الحرج فالجمع بينهما بما ذكر ليس جمعا تبرعيا بل الجمع بذلك على القاعدة. ومما ذكرنا يظهر الحال حكم الرجوع من عرفات ونحوها فالحكم بلزوم الرجوع وعدمه يدور مدار المشقة والحرج. واما الثاني: وهو ما إذا خرج من مكة مرتحلا إلى بلاده، فتارة يتذكر قريبا من مكة ويمكنه الرجوع بحيث لا يكون عليه مشقة وحرج ففي صحيح عمر بن يزيد (فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة، قال: ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصليهما أو يأمر
(1) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 10.
[ 53 ]
بعض الناس فليصلهما عنه) (1). وذكر في الحدائق انه يدل على التخيير بين الرجوع والاستنابة في فرض التمكن من الرجوع فليس الامر كما ذكره المشهور من تعين الرجوع عليه في فرض التمكن من العود والرجوع. ولا يخفى غرابة هذا الحمل إذ كيف يمكن القول بالتخيير لمن كان قريبا. واما البعيد فليس له التخيير. والصحيح ان يقال: في معنى الحديث ان حرف (أو) وان كان ظاهر في التخيير ولكن الظاهر من (أو) هنا عطفها على الجزاء والشرط معا وليست معطوفة على الجزاء فقط فالمعنى ان من مضى وخرج قليلا ان كان متمكنا من الرجوع فليصل وان لم يتمكن من الرجوع فيستنيب وهذا النحو من الاستعمال شائع نظير ما إذا قيل إذا دخل الوقت توضأ
أو تيمم يعني إذا دخل الوقت وكان متمكنا من الماء يتوضأ وان دخل الوقت ولم يكن متمكنا من الماء يتيمم، وكذا يقال إذا عندك مال فاكتر سيارة لزيارة الحسين (ع) أو امش فان معناه ليس إذا كان عندك مال فامش بل المعنى إذا كان عندك مال فاكتر سيارة وان لم يكن لك مال فامش. والحاصل: ان المكلف له حالتان اما قريب فيعود فيصلي بنفسه وان لم يكن قريبا فيستنيب. ويدل عليه أيضا صحيح أبي بصير المتقدم الوارد في الارتحال. واخرى: يصعب عليه الرجوع فحينئذ يصلي في مكانه لصحيح
(1) الوسائل: باب 74 من ابواب الطواف ح 1.
[ 54 ]
أبي بصير وصحيح معاوية بن عمار (فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال: فليصلهما حيث ذكر) بعد تقييده بالمشقة لصحيح أبي بصير، وكذا معتبرة حنان بن سدير (قال زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبد الله (ع) وهو بقرن الثعالب فسألته فقال: صل في مكانك) (1) فانها محمولة على المشقة وصعوبة العود لصحيح أبي بصير (وقرن الثعالب اسم آخر لقرن المنازل الذي هو ميقات الطائف ونجد وهو على مرحلتين من مكة). فالمستفاد من هذه الروايات جواز الصلاة في مكان التذكر إذا كان الرجوع عليه حرجيا. ثم انه قد ورد في بعض الروايات انه متى تذكر يستنيب لا انه يصلي في مكانه. وعمدتها روايتان احدهما: صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة فيمن نسى ركعتي الطواف حتي ارتحل من مكة، قال: ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما، أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه) وقد ذكرنا ان المراد بالعطف بأوهنا هو للعطف على الشرط والجزاء معا ولا نحتمل ان تكون الاستنابة منوطا بالمضي قليلا بل المعنى ان كان مضى قليلا ويمكنه الرجوع فليصل هو بنفسه وان لم يتمكن من الرجوع أو كان الرجوع فيه حرج ومشقة فليستنيب فليس المعنى ان من مضى قليلا مخير بين الصلاة بنفسه والاستنابة وهذا النوع من الاستعمال شائع دارج ونظيره ما ورد في باب اداء الشهادة حيث اشار (صلى الله عليه وآله) إلى الشمس وقال: (ان كان مثل هذا فاشهد اودع).
(1) الوسائل: باب 74 من ابواب الطواف ح 21.
[ 55 ]
[ (مسألة 330): إذا نسي صلاة الطواف حتى مات وجب على الولي قضاؤها (1). ] فان المعنى ان كان الامر المشهود به واضحا جليا مثل الشمس فاشهد وان لم يكن واضحا ومبينا فلا تشهد وليس المعنى ان كان الامر واضحا فانت مخير بين ان تشهد أو ان تدع مع ان اداء الشهادة واجب كما نطق به القرآن المجيد. الثانية: صحيحة اخرى لعمر بن يزيد عن أبي عبد الله (ع) قال: من نسي أن يصلى ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي أو يقضي عنه وليه أو رجل من المسلمين) (1). وورد في صحيح ابن مسلم عن رجل نسي ان يصلي الركعتين قال: يصلي عنه ومقتضى الجمع بين هذه الروايات هو الحمل على التخيير
بين ان يصلي في مكانه أو يستنيب ولكن الفقهاء (ره) لم يذكروا الاستنابة واقتصروا على ذكر الصلاة في مكان التذكر لاجل الكلفة في ذكر التخيير بارسال شخص لينوب عنه ولذا ذكروا فردا واحدا للواجب المخير وهو الصلاة في مكانه وعلى كل حال فهو مجزء قطعا هذا ما يقتضيه الجمع بين الروايات. (1) لصحيح حفص البختري، عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: يقضي عنه اولى الناس بميراثه) (3). فان اطلاقه يشمل كل ما وجب على الميت من الصلاة ولا تختص باليومية.
(1) و (2) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 13 و 4. (3) الوسائل: باب 23 من أبواب احكام شهر رمضان.
[ 56 ]
[ (مسألة 331): إذا كان في قرائة المصلي لحن فان لم يكن متمكنا من تصحيحها فلا اشكال في اجتزائه بما يتمكن منه في صلاة الطواف وغيرها واما إذا تمكن من التصحيح لزمه ذلك فان اهمل حتى ضاق الوقت عن تصحيحها فالاحوط ان يأتي بعدها بصلاة الطواف حسب امكانه وان يصليها جماعة ويستنيب أيضا (1) ] وهناك روايات اخر ولكنها ضعيفة السند وفي صحيح حفص غنى وكفاية. ثم ان من ترك الصلاة عمدا لكن عن جهل بالحكم، يعني منشأ عدم اتيانه الصلاة جهله باصل الوجوب أو جهله بالخصوصيات المعتبرة في الصلاة كأن صلي في النجس أو صلى في غير مقام ابراهيم ونحو ذلك والجامع التارك لاصل الصلاة أو التارك للصلاة الصحيحة، فالمعروف ان حكمه حكم الناسي من دون فرق بين الجاهل القاصر والمقصر ولا يلحق الجاهل المقصرب بالعامد كما يلحق في غير هذا المورد. ودليلهم على عدم الفرق بين الجاهل القاصر والمقصر في المقام اطلاق صحيح جميل عن احدهما ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام ابراهيم بمنزلة الناسي) (1) فان اطلاقه يشمل القاصر والمقصر ولاجله لا يلحق الجاهل المقصر في خصوص المقام بالعامد. (1) ما بيناه من الاحكام هو حكم من يتمكن من الصلاة الصحيحة واما من لا يتمكن من ذلك كمن كان في قرائته لحن من حيث المادة
(1) الوسائل: باب 74 من أبواب الطواف ح 3.
[ 57 ]
أو الهيئة كالعجمي أو العربي الذي في لسانه لكنة فصلاته محكومة بالصحة يعفي عنه اللحن. ويدل عليه روايات: منها: معتبرة السكوني قال (ع): تلبية الاخرس وتشهده وقرائته القرآن في الصلاة تحريك لسانه واشارته باصبعه (1). ومنها: ما ورد في معتبرة مسعدة بن صدقة (قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح) (2). ومنها: ما ورد من ان سين بلال شين (3)، فانه يظهر من مجموع ذلك ان كل احد مكلف بما يتمكن من القراءة، هذا فيما إذا لم يكن متمكنا من التعلم واما من كان متمكنا من التعلم وتحسين القراءة فيجب عليه التعلم بالنسبة إلى ركعتي الطواف كما هو الحال في الصلوات اليومية. ولو اهمل وتسامح حتى ضاق الوقت فلا ينبغي الشك في عدم سقوط
الصلاة عنه بل لابد له من الاتيان بالصلاة ومحتملاته ثلاثة. الاول: ان يأتي بالناقص وبالملحون كغير المتمكن. الثاني: ان يستنيب كالمعذور مثل المريض والكسير وان كان العذر في المقام اختياريا. الثالث: ان يصليها جماعة ويقتدي بمن يصلي ولو باليومية، فمقتضى العلم الاجمالي ان يجمع بين المحتملات الثلاثة. ودعوى عدم مشروعية الجماعة في صلاة الطواف والا لوقع مرة
(1) و (2) الوسائل: باب 59 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 و 2. (3) المستدرك
[ 58 ]
[ (مسألة 332): إذا كان جاهلا باللحن في قراءته وكان معذورا في جهله صحت صلاته ولا حاجة إلى الاعادة حتى إذا علم بذلك بعد الصلاة واما إذا لم يكن معذورا فاللازم عليه اعادتها بعد التصحيح ويجري عليه حكم تارك صلاة الطواف نسيانا (1). ] واحدة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وزمن الائمة (ع) ولم يعهد ذلك فيكون ذلك كاشف عن عدم المشروعية، فاسدة بانه يصح القول بذلك في حال التمكن، واما في صورة العجز والاهمال التي هي فرض نادر فلا يمكن دعوى الاستكشاف المذكور. وبعبارة اخرى: ما ذكر من عدم مشروعية الجماعة لعدم. وقوعها من المسلمين حتى مرة واحدة وان كان صحيحا ولكن ذلك في مورد التمكن والاختيار من اتيان الصلاة صحيحة واما في مورد العجز وعدم القدرة على الصلاة الصحيحة واهمال التعلم فلا يمكن دعوى قيام السيرة على عدم المشروعية. (1) للمسألة صورتان: الاولى: ان يكون المصلي معذورا في جهله باللحن في قراءته بان كان جاهلا مركبا بذلك غير ملتفت إلى جهله، اي جاهل بجهله. الثانية: ان لا يكون معذورا في جهله باللحن بان كان مقصرا ويطلق عليه الجاهل البسيط ملتفتا إلى جهله بحيث يستند الترك إلى اختياره. اما الاولى: فالظاهر صحة صلاته وان اتى بقراءة ملحونة سواء كان
[ 59 ]
في صلاة الطواف أو غيرها لحديث لا تعاد فان ترك القراءة الصحيحة ليس من مصاديق المستثنى فإذا لحن في قراءته عن جهل عذري لا تبطل صلاته حتى لو علم بعد ذلك بان قراءته كانت ملحونة سواء التفت في أثناء صلاته كما لو علم باللحن في القراءة حال الركوع أو بعد الفراغ من الصلاة ففي كلا الفرضين لا تجب عليه الاعادة ويمضى في صلاته، واما الصورة الثانية: التي لم يكن جهله عن عذر ففي مثله لا يشمله حديث لا تعاد فإذا التفت إلى حاله كان حكمه حكم تارك صلاة الطواف نسيانا، فان كان في البلد وجب عليه اعادة الصلاة بعد التصحيح في المسجد وان خرج من البلد وكان قريبا رجع إلى المسجد وصلى وان كان في رجوعه عسر وحرج صلى في مكانه كما عرفت. ثم ان الشهيد ذكر ان المكلف لو ترك الصلاة نسيانا أو جهلا ولم يتمكن من الرجوع إلى المسجد رجع إلى الحرم وصلى فيه. ولا نعلم له وجها لعدم الدليل عليه وان كان ما ذكره اولى.
[ 60 ]
[ (السعي) وهو الرابع من واجبات عمرة التمتع وهو أيضا من الاركان، فلو تركه عمدا بطل حجه سواء في ذلك العلم بالحكم والجهل به، ويعتبر فيه قصد القربة ولا يعتبر فيه ستر العورة ولا الطهارة من الحدث أو الخبث، والاولى رعاية الطهارة فيه. (1) ] (1) لا خلاف بين المسلمين في وجوب السعي، وهو جزء من الحج وركن له يبطل الحج بتركه عمدا استنادا إلى روايات مستفيضة. منها: الروايات البيانية الحاكية لكيفية حج النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) (1). ومنها: الاخبار الدالة على ان السعي فريضة كصحيحة معاوية بن عمار (2). ومنها: الروايات الدالة على ان نقصان السعي أو زيادته بوجب الاعادة (3). ومنها: ما ورد على ان من بدء بالمروة قبل الصفا اعاد سعيه (4).
(1) الوسائل: باب 3 من أبواب اقسام الحج. (2) الوسائل: باب 1 من السعي ح 1. (3) الوسائل: باب 12 من ابواب السعي. (4) الوسائل: باب 10 من أبواب السعي.
[ 61 ]
ومنها: ما دل على ان من ترك سعيه متعمدا اعاد حجه (1). هذا مضافا إلى ان بطلان الحج بترك السعي على القاعدة لان المركب ينتفي بانتفاء جزئه. ولا يعتبر فيه ستر العورة فلو سعى عاريا ولو عامدا صح سعيه وحجه لعدم الدليل على اعتباره فيه خلافا للطواف المعتبر فيه ستر العورة كما تقدم. كما لا تعتبر فيه الطهارة من الخبث والحدث الاصغر والاكبر. أما طهارة بدنه أو لباسه فلا ينبغي الشك في عدم اعتبارها ولم يرد أي دليل على اعتبارها. نعم ذكرها جماعة من الاصحاب. واما الطهارة من الحدث فقد ورد في صحيحة معاوية (2) عدم اعتبار الطهارة في جميع المناسك الا الطواف وكذلك في صحيحة رفاعة (3) وخبر يحيى الازرق (4). ولكن بازاء ذلك روايات ربما توهم دلالتها على اعتبار الطهارة في السعي كمعتبرة ابن فضال وصحيح ابن جعفر (5). ولكن لا يمكن الالتزام بها حتى ولو لم يكن في البين ما يدل على عدم اعتبارها وذلك لامور: الاول: تسالم الاصحاب على عدم اعتبارها بحيث لم ينقل الخلاف عن احد الا عن ابن عقيل مع ان المسألة محل الابتلاء ولو كانت معتبرة
(1) الوسائل: باب 8 من ابواب السعي. (2) و (3) و (4) الوسائل: باب 15 من أبواب السعي ح 1 و 2 و 6. (5) الوسائل: باب 15 من ابواب السعي ح 7 و 8.
[ 62 ]
لكانت من الواضحات فذلك يكشف كشفا قطعيا عن عدم الاعتبار نظير الاقامة في الصلاة فان تسالم الفقهاء على عدم الوجوب مع ان المورد محل الابتلاء يكشف عن عدم الوجوب وان وجد مخالف فهو
شاذ لا يعبأ به. الثاني: ان الاخبار الدالة على اعتبار الطهارة عمدتها روايتان: الاولى: صحيحة علي بن جعفر وهذه الصحيحة لا يمكن العمل بمضمونها لان مفادها اعتبار الطهارة في جميع المناسك حتى الوقوفين والحلق. وهذا شئ لا يمكن التفوه به فلا بد من حمله على الافضلية في بعض الحالات كما دلت على الافضلية صحيحة معاوية بن عمار. والثانية: صحيحة الحلبي (1) ولكنها لا تدل على اعتبار الطهارة من الحدث وانما تدل على ان الحيض مانع واين هذا من اعتبار الطهارة على انها لابد من حملها على الافضلية للروايات الواردة فيمن حاضت اثناء الطواف أو بعده أو قبله قبل الصلاة أو بعدها ففي جميعها رخص لها السعي وهي حائض. مضافا إلى ان العلة المذكورة في الصحيحة وكون السعي من شعائر الله لا تستوجب الطهارة فان الوقوف بعرفة أو المشعر من الشعائر والبدنة من الشعائر ولا تعتبر الطهارة في جميع ذلك فنفس التعليل كاشف عن الافضلية لا الاشتراط فلم يبق في البين الا معتبرة ابن فضال وقد حملها الشيخ على النهي عن مجموع الامرين اي الطواف والسعي لاعن كل واحد بانفراده، وهذا بعيد لانه من قبيل ضم الحجر إلى
(1) الوسائل: باب 15 من ابواب السعي ح 3 و 8.
[ 63 ]
[ (مسألة 333): محل السعي انما هو بعد الطواف (1) وصلاته فلو قدمه على الطواف أو على صلاته وجبت عليه الاعادة بعدهما وقد تقدم حكم من نسي الطواف وتذكره بعد سعيه. (مسألة 334): يعتبر في السعي النية بأن يأتي به عن العمرة ان كان في العمرة وعن الحج ان كان في الحج قاصدا به القربة إلى الله تعالى. (2) ] الانسان كقولنا (لا يطوف ولا يأكل بغير طهارة) فالصحيح ان يقال ان مقتضى ضم هذه الرواية إلى الروايات المصرحة بالجواز هو حمل النهي على التنزيه لا التحريم. (1) يدل عليه روايات: منها: الروايات البيانية للحج كصحيح معاويه الحاكية لكيفية حج النبي (صلى الله عليه وآله). ومنها: الروايات الواردة فيمن قدم السعي على الطواف أو صلاته. مضافا إلى ان الحكم متسالم عليه وسيرة المسلمين قائمة على ذلك. (2) لا ريب في كون السعي عباديا يعتبر فيه قصد القربة لانه من اجزاء الحج واركانه والحج عبادي بلا اشكال فلا بد ان تكون اجزاء الامر العبادي عبادية أيضا، ويجب عليه التعيين ولو في الجملة بان يأتي به للحج أو للعمرة فان الصورة مشابهة ولا يتعين للحج أو للعمرة
[ 64 ]
[ (مسألة 335): يبدأ بالسعي من أول جزء من الصفا ثم يذهب بعد ذلك إلى المروة وهذا يعد شوطا واحدا ثم يبدأ من المروة راجعا إلى الصفا إلى أن يصل إليه فيكون الاياب شوطا آخر وهكذا يصنع إلى ان يختم السعي بالشوط السابع في المروة (1) والاحوط لزوما اعتبار
الموالاة بان لا يكون فصل معتد به بين الاشواط (2). ] الا بقصد التعيين فحاله حال صلاة الظهر أو العصر والقضاء، والاداء فان التعيين انما يكون بالنية. (1) لاريب في وجوب البدئة من الصفا ويدل عليه النصوص المستفيضة: منها: صحيح معاوية بن عمار (تبدأ بالصفا وتختم بالمروة) (1). (2) كما هو كذلك في جميع الاعمال المركبة من اجراء متعددة والا فلا يصدق عنوان العمل الواحد على الاجزاء الماتية بفصل كثير. ولكن هب المشهور إلى عدم وجوب الموالاة، بل ادعي عليه الاجماع كما في المستند، وقد استدلوا على ذلك بعدة من الروايات. منها: ما ورد فيمن نقص من طوافه وتذكره اثناء السعي. منها: ما ورد فيمن نسي صلاة الطواف وشرع في السعي انه بعين مكانه ثم يتمة (2).
(1) الوسائل: باب 6 من ابواب السعي ح 1. (2) الوسائل: باب 32 من ابواب الطواف وباب 77 منه.
[ 65 ]
والجواب: ان هذه الروايات وردت في مورد النقص غير الاختياري فلا يمكن التعدي إلى مورد الاختيار. ومنها: ما دل على قطع السعي إذا دخل وقت الفريضة اثنائه (1). وفيه: انه حكم خاص بمورده ولا يمكن التعدي منه، وجواز القطع لدخول وقت الفريضة لا يستلزم جواز القطع والبناء على ما قطع مطلقا، على انه لو استفيد من جواز القطع عدم اعتبار الموالاة غايته عدم اعتبار الموالاة بهذا المدار كنصف ساعة ونحوه لانصف النهار أو اكثر. واستدل أيضا بمعتبرة يحيى الازرق (قال سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة اشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام قال: ان أجابه فلا بأس) (2). فان المستفاد منه جواز القطع ولو لحاجة غير ضرورة. ويرد عليه: ان غاية ما يستفاد منه جواز القطع بمقدار الحاجة المتعارفة كساعة أو نصف ساعة ونحو ذلك نظير قطع الطواف لذلك واما الفصل الكثير فلا يتسفاد منه، على ان دلالته على جواز الاتمام غير تامة بل هي ساكتة عن ذلك وانما تدل على جواز القطع لقضاء الحاجة وجواز رفع اليد عن السعي كما انه يجوز رفع اليد عن الطواف في الاثناء وليس حالهما حال الصلاة من حرمة القطع. وللعمدة ما استدل به صاحب المستند (ره) وهو اطلاق ما دل
(1) الوسائل: باب 18 من أبواب السعي. (2) الوسائل: باب 19 من ابواب السعي ح 1.
[ 66 ]
على وجوب السعي فان مقتضاه لزوم الاتيان بسبعة اشواط واما الموالاة فلا يستفاد منه. ويرد عليه: ان السعي عمل واحد عرفا ذات اجزاء متعددة وليس باعمال متعددة والمعتبر في العمل الواحد اتيانه على نحو الموالاة بين اجزائه والا فلا يصدق ذلك العمل الواحد على ما اتى به على نحو الانفصال وربما يظهر كونه عملا واحدا من اعتبار البدئة من الصفا
والختم بالمروة فان المتفاهم من ذلك ان السعي بجميع اشواطه عمل واحد نظير الصلاة ونحوها من الاعمال المركبة، فالمعتبر فيه الهيئة الاتصالية نعم لا يضر الفصل اليسير بمقدار شرب ماء، أو قضاء الحاجة أو ملاقاة صديق ونحو ذلك واما إذا تحقق الفصل الكثير فالاطلاق منصرف عنه جزما كما ذكروا ان الاطلاقات منصرفة عن المشي على نحو القهقرى أو عن المشي غير مستقبل إلى المروة عند الذهاب إليها ونحو ذلك من المشي غير المتعارف فكيف بالانصراف عن الفصل الكثير كيوم أو يومين أو اكثر فالاتصال بمقدار الصدق العرفي معتبر ولذا سألوا في الروايات عن جواز الجلوس للاستراحة في الاثناء، فكان المغروس في اذهانهم عدم جواز الفاصل رأسا واجابوا بان هذا المقدار من الفصل غير ضائر فيعلم من ذلك كله اعتبار الاتصال بالموالاة. وبالجملة لا ينبغي الريب في انصراف الاطلاق إلى السعي على النحو المتعارف الخارجي فيعتبر الموالاة بمقدار يصدق عليه العمل الواحد، نعم لا يضر الفصل اليسير. واما الاجماع المدعى فلا يمكن دعواه خصوصا في مثل هذه المسألة التي هي غير محررة عند جل الاصحاب.
[ 67 ]
[ (مسألة 336): لو بدء بالمروة قبل الصفا فان كان في شوطه الاول الغاه وشرع من الصفا وان كان بعده الغي ما بيده واستأنف السعي من الاول (1). ] (1) لو عكس بأن بدأ بالمروة قبل الصفا فان كان في شوط واحد بأن بدأ بالمروة وختم بالصفا أو تذكر في الاثناء قبل الوصول إلى الصفا الغي ما في يده واعاد السعي بالبدئة من الصفا وهذا واضح ولا حاجة إلى اقامة الدليل على بطلان ما بدأ به لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه. واما لو اتى بشوطين أو ازيد بعد البدئة بالمروة فهل يبطل تمام الاشواط أو يبطل الشوط الاول الذي بدأ من المروة؟ وبعبارة اخرى: لو بدأ بالمروة واتى بشوطين أو اكثر فهل يجتزي بالاحتساب من الصفا ولا يحتاج إلى اعادة السعي بالصفا جديدا أو يبطل تمام اشواطه وعليه البدئة من الصفا جديدا. ذهب جماعة إلى البطلان وانه يجب عليه الاستيناف فان الشوط الاول الذي بدء من المروة يوجب بطلان الاشواط اللاحقة وهذا ما يقتضيه اطلاق صحاح معاوية بن عمار الآمرة بطرح ما سعى والآمرة بالبدئة بالصفا قبل المروة (1) فان المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الاشواط والا فالشوط الاول ملغى ومطروح بنفسه لانه على خلاف المأمور به. وهنا روايتان استظهر منهما صاحب الجواهر (2) الغاء الشوط الاول
(1) الوسائل: باب 10 من ابواب السعي ح 1 و 2 و 3. (2) الجواهر: ج 19 ص 418.
[ 68 ]
والاجتزاء بالاحتساب من الصفا للتشبيه بغسل اليسرى قبل اليمنى المذكور في الروايتين ففي خبر علي بن ابي حمزة، (قال سألت ابا عبد الله (ع) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد ألا ترى انه بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء اراد ان يعيد الوضوء) (1) وفي معتبرة علي الصائغ قال: سئل أبو عبد الله (ع) وانا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال: يعيد، ألا ترى انه لو بدأ بشماله قبل
يمينه كان عليه ان يبدء بيمينه (2) فاته في باب الوضوء لو بدء بغسل اليسرى ثم غسل اليمنى يكتفي بغسل اليسرى ولا يلغي غسل يمينه فكذلك السعي يلغي الشوط الاول والذي بدئه من المروة اما السعي من الصفا إلى المورة في الشوط الثاني فلا موجب لالغائه نظير اليد اليمنى التي غسلها بعد الشمال فمقتضى التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا إذا كان قد بدأ بالمروة قبل الصفا ولايحتاج إلى اعادة السعي بالصفا جديدا. والجواب: ان الصحاح المتقدمة عن معاوية بن عمار دلت على الغاء ما بيده من الاشواط وتخصيص الشوط الاول بالطرح والالغاء على خلاف اطلاق الصحاح المزبورة بل تخصيص بالفرد النادر. وأما الروايتان فالاولى ضعيفة بعلي بن حمزة. مضافا إلى ان كلمة يعيد معناها الالغاء وطرح جميع ما بيده والاستيناف من الاول فحالها حال تلك المطلقات المتقدمة الآمرة بالطرح وليس فيها التشبيه المزبور بالاكتفاء بغسل الشمال فقط. وأما الرواية الثانية فالظاهر انها معتبرة السند وان كان الواقع في
(1) و (2) الوسائل: باب 10 من ابواب السعي ح 4 و 5.
[ 69 ]
[ (مسألة 337): لا يعتبر في السعي المشي راجلا فيجوز السعي راكبا على حيوان أو على متن انسان أو غير ذلك ولكن يلزم على المكلف أن يكون ابتداء سعيه من الصفا واختتامه بالمروة. (1) (مسألة 338): يعتبر في السعي ان يكون ذهابه وايابه فيما بين الصفا والمروة من الطريق المتعارف فلا يجزئ الذهاب أو الاياب من المسجد الحرام أو اي طريق آخر ] في السند اسماعيل بن مرار فانه وان لم يوثق في كتب الرجال لكنه من رجال تفسير علي بن ابراهيم. واما على الصائغ فالظاهر انه علي بن ميمون الصائغ فالرواية معتبرة ولكنها قاصرة الدلالة فان التشبيه بلحاظ عدم الاكتفاء بغسل الشمال قبل اليمين يعني من غسل شماله قبل يمينه يجب عليه ان يبدء بيمينه ولكن لم يتعرض في الرواية لغسل اليمين إذا غسل الشمال اولا ثم غسل يمينه فليس التشبيه من جميع الجهات بل التشبيه باعتبار عدم العبرة بالبدئة من الشمال فلا تنافي بين الروايتين وتلك الروايات الآمرة بالطرح. (1) كما جاز في الطواف ويدل عليه روايات: منها: صحيحة معاوية بن عمار (سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا، قال: لا بأس والمشي افضل (1).
(1) الوسائل: باب 16 من أبواب السعي ح 2.
[ 70 ]
[ نعم لا يعتبر أن يكون ذهابه وايابه بالخط المستقيم. (1) (مسألة 339): يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها أو استدبر الصفا عند الاياب من المروة لم يجزئه ذلك، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب أو ] (1) لا ريب ان المتفاهم من الآية الكريمة (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف
بهما) (1) ان يكون الطواف والسعي بينها من الطريق المعهود المتعارف بالخط الموازي بينهما فلو مشى بينهما لا بالخط الموازي كما لو سلك سوق الليل بان نزل من الصفا وذهب إلى سوق الليل ثم ذهب إلى المروة فنزل منها لا يصدق عليه انه طاف بينهما فان المأمور به ليس مجرد المشي على الاطلاق وانما الواجب هو المشي بينهما فلو مشى بينهما بالخط المنكسر أو المستدبر ونحو ذلك فلا يصدق عليه الطواف بينهما نعم لا يعتبر المشي على نحو الخط المستقيم الهندسي قطعا فلا يضر الميل يمينا أو شمالا فالمعتبر عدم الخروج من الجادة المعهودة والدخول إلى جادة اخرى كسوق الليل والشارع الملاصق للمسعى كما ان المعتبر هو المشي العادي المتعارف فلا عبرة بالمشي على بطنه أو متدحرجا أو معلقا أو على اربع ونحو ذلك.
(1) البقرة: 158.
[ 71 ]
[ الاياب. (1) (مسألة 340): يجوز الجلوس على الصفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحه، وان كان الاحوط ترك الجلوس فيما بينهما (2). ] (1) ظهر مما تقدم ان المعتبر في المشي ان يكون مستقبلا بوجهه إلى المروة عند النزول من الصفا ومستقبلا إلى الصفا عند نزوله من المروة فلا يجزئ المشئ على نحو القهقرى أو المشي على يساره أو يمينه. نعم لا يضر الالتفات إلى اليمين أو الشمال بل إلى الخلف حال المشي وليس حاله حال الصلاة في البطلان بالالتفات يمينا أو شمالا. (2) لا ينبغي الاشكال في جواز الجلوس على المروة أو الصفا أو ما بينهما للاستراحة. ولا يعتبر التوالي في المشي بأن يكون المشي مشيا واحدا مستمرا. ويدلنا على ذلك صحيح معاوية بن عمار (عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة يجلس عليهما؟ قال: أليس هو ذا يسعي على الدواب) (1). واوضح منه صحيح الحلبي عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال: نعم ان شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس) (2). فان التعبير بقوله: ان شاء صريح في جواز الجلوس اختيارا.
(1) و (2) الوسائل: باب 20 من أبواب السعي ح 2 و 1 .
[ 72 ]
وبأزائهما صحيحة عبد الرحمان بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (ع) قال: لا يجلس بين الصفا والمروة الا من جهد (1) والمتفاهم عدم الجواز إذا تكن مشقة ولكن لابد من حملها على الكراهة لان التعبير بقوله: (ان شاء) في صحيحة الحلبي صريح في الجواز على الاطلاق فنرفع اليد عن ظهور قوله (لا يجلس) في الحرمة بصراحة تلك ولا ريب ان الاحوط ترك الجلوس فيما بينهما وأما الجلوس على نفس الصفا والمروة فجائز قطعا لعدم المعارض. بقي شئ: وهو ان المعروف بين الاصحاب عدم وجوب الصعود على الصفا بل ادعى عليه الاجماع، ونسب إلى الشهيد في الدروس الصعود إلى اربع درجات اي بمقدارها. اقول: ان كان مراد القائل بوجوب الصعود وجوبا نفسيا فينافيه
الروايات الآمرة بالطواف والسعي ما بينهما فان الظاهر ان الصفا والمروة خارجان عن مكان السعي وانهما مما ينتهي إليه السعي. على انه لو كان السعي من نفس الجبل واجبا لشاع واشتهر حيث انه مما يكثر الابتلاء بذلك فكيف يخفى وجوبه على الاصحاب حتى ادعى الاجماع على عدم الوجوب. وان كان المراد به وجوبا مقدميا علميا كوجوب البدئة في الطواف قبل الحجر شيئا ما من باب المقدمة العلمية فله وجه ما ولكنه غير تام ايضا لعدم توقف حصول العلم بخصوص ذلك بل يمكن تحصيل العلم بنحو آخر وهو التصاق عقبه بالصفا عند النزول منه والبدئة منه وبالتصاق رؤوس اصابعه بالمروة عند الوصول إليها بالتصاق عقبه بالمروة عند النزول منها والتصاق اصابعه
(1) الوسائل: باب 20 من ابواب السعي ح 4 .
[ 73 ]
عند الوصول إلى الصفا في الشوط الآخر. على انه لو كان الصعود على الصفا واجبا من باب المقدمة العلمية لوجب في المروة كذلك ولم يقل به احد حتى الشهيد. وما ورد في صحيح معاوية بن عمار (فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت) (1) محمول على الاستحباب للنظر إلى البيت. واما الصاق عقبيه بالصفا وروس الاصابع بالمروة من هذا الشوط فلم يعرف له وجه أيضا لان الواجب هو البدئة من الصفا والختم بالمروة وذلك لا يتوقف على الصاق عقبيه أو اصابعه بهما بل لو الصق ظهره بالصفا وبطنه بالمروة يصدق عليه البدئة من الصفا والختم بالمروة ولو كان الصاق العقب واجبا لظهر وشاع بل لا يجب حتى الصاق الظهر والبطن بل العبرة بالصدق العرفي في البدئة والاختتام ويلزم التدقيق والتحقيق. ويدلنا على ذلك بوضوح جواز السعي راكبا وعلى المحمل (2).
(1) الوسائل: باب 4 من ابواب السعي ح 1. (2) الوسائل: باب 16 من ابواب السعي .
[ 74 ]
[ احكام السعي تقدم ان السعي من اركان الحج فلو تركه عمدا عالما بالحكم أو جاهلا به أو بالموضوع إلى زمان لا يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجه ولزمته الاعادة من قابل والاظهر انه يبطل احرامه ايضا وان كان الاحوط الاولى العدول إلى الافراد واتمامه بقصد الاعم منه ومن العمرة المفردة. (1) ] (1) لو ترك السعي عالما عامدا أو جاهلا أو ناسيا فمقتضى الاصل بطلان الحج وفساده لفقدان المركب بانتفاء جزئه فالحكم بالصحة حينئذ يحتاج إلى دليل خاص. وقد ذكرنا ان حديث الرفع لا يتكفل الحكم بالصحة لان حديث الرفع شأنه رفع الاحكام ولا نظر له إلى اثبات الحكم. فالاكتفاء بالناقص يحتاج إلى الدليل. نعم في خصوص الناسي نلتزم بالصحة كما في نسيان الطواف لادلة خاصة سنذكرها ان شاء الله تعالى. واما الترك عن جهل فيدخل في الترك العمدي حتى إذا كان قصور فضلا عن تقصير فانه ملحق بالعامد، ومع قطع النظر عما تقتضيه القاعدة فالنصوص دلت على بطلان الحج بترك السعي عمدا
ويصدق ذلك على الترك عن جهل فانه ايضا من الترك العمدي لان
[ 75 ]
[ (مسألة 341): لو ترك السعي نسيانا اتى به حيث ما ذكره وان كان تذكره بعد فراغه من اعمال الحج فان لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج ومشقة لزمته الاستنابة ويصح حجه في كلتا الصورتين (1). ] العمد هو القصد إلى شئ وذلك يصدر من العالم والجاهل فان الجاهل الملتفت قد يترك الشئ أو يفعل شيئا عن قصد وارادة فالجاهل مقابله العالم لا العامد مثلا الجاهل بوجوب القرائة في الصلاة يترك القرائة عن قصد وعمد لكن تركه مستند إلى جهله لا إلى عصيانه والعامد يقابله غير الملتفت كالناسي. وبالجملة: أو ترك السعي عمدا ولو جاهلا فان لم يمكن تداركه بطل حجه أو عمرته المتمتع بها أو المفردة وبطل احرامه ايضا كما تقدم في المباحث السابقة لان الاحرام انما يجب وينعقد للاعمال والمناسك اللاحقة فإذا لم يأت بالاعمال ينحل احرامه وينكشف بطلان احرامه من الاول وان كان الاحوط الاولى العدول إلى الافراد واتمامه بقصد الاعم منه ومن العمرة المفردة. هذا كله في التارك الملتفت علما أو جهلا. (1) إذا ترك السعي من غير التفات كما إذا ترك السعي نسيانا صح حجه ويجب عليه ان يعيد السعي كما في صحيح معاوية بن عمار وفي صحيح ابن مسلم ويطاف عنه (1) فهل يجمع بينهما بالتخيير أو يحمل صحيح معاوية على عدم المشقة وعدم الحرج وصحيح ابن مسلم على
(1) الوسائل: باب 8 من أبواب السعي ح 1 و 3 .
[ 76 ]
الحرج والمشقة في السعي بنفسه؟ ذكر بعضهم بانه لا موجب للتقييد بل يجمع بينهما بالتخيير. ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور من لزوم الطواف عليه بنفسه مباشرة ان لم يكن فيه حرج ومشقة والا لزمته الاستنابة، فانهم وان لم يتعرضوا لوجه التقييد ولكن الوجه فيه ان الوجوب في المقام وجوب نفسي لا شرطي فان الوجوب قد يكون وجوبا شرطيا أو شطريا كالاستقبال والتشهد بالنسبة إلى الصلاة والامر به يكون ارشادا إلى الشرطية أو الجزئية وكذلك النهي عن اتيان شئ في الصلاة يكون ارشادا إلى المانعية. ومقتضى هذه الاوامر شرطية الاستقبال أو جزئية التشهد للصلاة مطلقا سواء كان المكلف ملتفتا ام لا فان الشرطية أو الجزئية ثابتة في جميع الاحوال ولا تختص بحال دون حال. وكذلك المانعية فمقتضى ذلك انه لو ترك جزء أو شرطا بطلت صلاته سواء كان عالما ام لا فان الاجتزاء بالناقص يحتاج إلى الدليل فلا يمكن الحكم بالصحة بمجرد الجهل بالجزئية أو الشرطية الا بحديث لا تعاد ولو لم يكن هذا الحديث الشريف لحكمنا بالفساد. واما إذا كان الامر مولويا وجوبيا كما في المقام فان الامر بالطواف والسعي والقصاء امر مولوي وكذلك الامر بالاستنابة وليس الامر في المقام ارشاديا فيدور الامر بين وجوب السعي بنفسه مباشرة وبين وجوب الاستنابة ولا ريب ان كل تكليف مشروط بالقدرة وعدم الحرج فلو فرض ان السعي مباشرة غير مقدور له أو لا يتمكن من التدارك بنفسه للعسر والحرج يرتفع الوجوب بدليل نفي الحرج فالوجوب
[ 77 ]
النفسي المباشري المستفاد من صحيح معاوية بن عمار يتقيد بنفسه بالقدرة وعدم الحرج فإذا كان صحيح معاوية بن عمار مقيدا بذلك فنسبته إلى صحيح ابن مسلم نسبة الخاص إلى العام لان صحيح ابن مسلم مطلق من القدرة وعدمها فالنتيجة مع المشهور. ومع قطع النظر عما ذكرنا من الوجه لا موجب لحمل صحيح معاوية ابن عمار على خصوص القادر بل ما ذكره النراقي (عليه الرحمة) من الحمل على التخيير هو الصحيح. ولكن قد عرفت الوجه لما ذهب إليه المشهور فالحق معهم. ولزيادة التوضيح نقول: ان من ترك السعي نسيانا ولا يتمكن من القضاء والتدارك بنفسه لحرج ومشقة أو خرج شهر ذي الحجة فحجه صحيح بلا اشكال ويجب عليه القضاء والتدارك ان كان متمكنا من ذلك والا فيطاف عنه هذا ما ذكره المشهور. واما النصوص الواردة في المقام فثلاثة: منها: صحيح معاوية بن عمار الآمرة بالاعادة بنفسه مباشرة والمراد بالاعادة الاتيان به لا الاعادة بالمعنى المصطلح: ومنها: صحيح ابن مسلم الآمر بالاستنابة والطواف عنه. ومنها: خبر زيد الشحام الدال على الطواف عنه والاستنابة. والمشهور جمعوا بينها بالتمكن وعدمه بمعنى انه يجب عليه السعي بنفسه مباشرة في صورة التمكن وعدم الحرج والا فيطاف عنه. واشكل عليهم بأنه لا وجه له بل مقتضى القاعدة الجمع بين الاخبار هو التخيير. ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور لان صحيح معاوية بن عمار
[ 78 ]
مقيد بالقدرة وعدم الحرج كما هو شان جميع التكاليف الالهية. وصحيح ابن مسلم الدال على الاستنابة مطلق من هذه الجهة أي من جهة ان يطوف المكلف بنفسه ام لا فيرفع اليد عن اطلاقه بالتقييد بصحيح معاوية بن عمار والنتيجة وجوب السعي والطواف بنفسه مباشرة إذا كان متمكنا والا فالاستنابة فوجوب الاستنابة في فرض عدم التمكن من السعي مباشرة. وربما يتخيل العكس بان صحيح معاوية بن عمار مطلق من حيث وجوب الاستنابة وعدمه ويقيد بوجوب الاستنابة المستفاد من صحيح ابن مسلم. فالنتيجة ان السعي مباشرة في طول الاستنابة يعني إذا لم يتمكن من الاستنابة فيطوف بنفسه وهذا توهم فاسد جدا إذ لا نحتمل ان يكون السعي بنفسه في طول الاستنابة بل اما في عرضها أو مقدم عليها واما احتمال ان الواجب الاول هو الاستنابة ثم السعي بنفسه ففاسد غايته. وقد يقرب ما ذكرنا بتقريب اوضح، وحاصله ان كل امر نفسي مولوي ظاهر في الوجوب التعييني فيما لم تكن قرينة متصلة أو منفصلة على خلافه فالوجوب التعينى ما يقتضيه اطلاق الدليل فإذا ورد امران في موضوع واحد ولا قرينة على ان الواجب شي ء واحد بل يحتمل انه واجبان فيثبت ان كل واحد واجب تعييني ولا موجب ولا وجه لرفع اليد عن ذلك بل نلتزم بالوجوبين معا كما ورد الامر في مورد القتل الخطائي بالدية والكفارة فانه نلتزم بوجوبهما معا ويؤخذ باطلاق كل من الدليلين وهذا مما لا اشكال فيه.
وكذلك ورد في بعض الاجزاء المنسيه في الصلاة الامر بالقضاء
[ 79 ]
[ (مسألة 342): من لم يتمكن من السعي بنفسه ولو ] وسجدتي السهو فانه نلتزم بوجوبهما معا واما إذا كان التكليف واحدا ولم نحتمل تعدد الواجب فلا نحتمل الوجوب التعييني لهما معا كما في مورد الامر بصلاة الظهر والجمعة أو بالقصر والتمام في موارد التخيير فحينئذ يقع التعارض بين الدليلين ولكن التعارض ليس بين اصل الوجوبين لعدم المنافاة بين ثبوت اصل الوجوب لهما معا وانما المنافاة بين الوجوبين التعينيين فكل من الدليلين ينفي الوجوب التعييني للاخر فالنتيجة سقوط الاطلاقين وثبوت الوجوبين التخييريين، واما مقامنا فقد ورد الامر بالسعي بنفسه في صحيح معاوية بن عمار وورد الامر بالاستنابة في صحيح ابن مسلم ونعلم بعدم وجوبهما معا ولكن سقوط الاطلاقين في المقام لا موجب له وذلك لان سقوط الاطلاق من صحيح ابن مسلم لابد منه العلم بان الاستنابة اما واجب تخيري أو طولي إذ لا نحتمل ان الاستنابة واجب تعييني فانها اما تخييري أو في مرتبة متأخرة عن السعي بنفسه فلا اطلاق لصحيح ابن مسلم، وهذا بخلاف صحيح معاوية بن عمار فانه لا مانع من اطلاقه فيؤخذ به وبطبيعة الحال يفيد بالتمكن لادلة نفي الحرج. فالوجوب التعييني للاستنابة ساقط ولكن الوجوب المباشري المستفاد من صحيح معاوية بن عمار نحتمل تعيينه فيوخذ باطلاقه. فالنتيجة انه مع التمكن عن السعي بنفسه لا تجزي الاستنابة فان اطلاق صحيح معاوية بن عمار مقيد بالقدرة وعدم الحرج فلا ينتقل الفرض إلى الاستنابة الابعد العجز عن السعي بنفسه.
[ 80 ]
[ بحمله على متن انسان أو حيوان ونحو ذلك استناب غيره فيسعى عنه ويصح حجه (1). (مسألة 343): الاحوط ان لا يؤخر السعي عن الطواف وصلاته بمقدار يعتد به من غير ضرورة كشدة الحر أو التعب وان كان الاقوى جواز تأخيره إلى الليل، نعم لا يجوز تأخيره إلى الغد في حال الاختيار (2). ] (1) مراتب السعي ثلاث: الاولى: ان يسعي بنفسه. الثانية: ان يسعى به بان يحمله انسان فيسعي به. الثالثة: الاستنابة فان السعي فريضة كما صرح بذلك في الروايات في مقابل الرمي الذي هو سنة فلا يسقط السعي بوجه وحاله حال الطواف فان الفريضة لا تسقط بحال فالواجب ان يأتي بنفسه أو بالاطافة به أو عنه، هذا ما تقتضيه القاعدة. على ان اطلاق الروايات يقتضي ذلك فان الطواف المطلق الوارد في الروايات يصدق على السعي وقد اطلق الطواف في الآية والروايات على السعي فالروايات المتقدمة الدالة على الطواف بنفسه وبه وعنه تشمل السعي ايضا خصوصا الروايات الدالة على انه يطاف عنه ويصلي ويرمي وهذا شاهد على ارادة السعي من الطواف ايضا والا فلا معنى لترك السعي مع انه فريضة فالمراتب الثلاثة المذكورة في الطواف تجري في السعي ايضا. (2) بعد ما عرفت من تأخير السعي عن الطواف وصلاته فالمشهور
[ 81 ]
بينهم جواز تأخيره إلى الليل وعدم تأخيره إلى الغد وعن ظاهر المحقق في الشرائع جواز تأخيره إلى الغد كما فهمه غير واحد من عبارته ولم يعلم مستنده ونقل الحدائق عن الشهيد انه قال بعد نقل ذلك عن المحقق: وهو مروي. ولكن الرواية لم تصل الينا ومن المحتمل ان الشهيد اراد من الرواية صحيحة ابن مسلم الدالة على التأخير المطلق. واما جواز التأخير إلى الغد بخصوصه فلا رواية فيه. وكيف كان: فلا ريب ان الصحيح ما ذكره المشهور واما النصوص الواردة في المقام: فمنها: صحيح ابن سنان، عن ابي عبد الله (ع) قال: سألته عن الرجل يقدم مكة وقد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة، ويؤخر السعي إلى ان يبرد، فقال: لا بأس به، وربما فعلته، وقال: وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل) (1) فان المستفاد منه جواز التأخير إلى الابراد اختيارا أو إلى الليل ولا يختص الجواز بصورة شدة الحر والحرج فان شدة الحر مورد السوال ومن دواعي التأخير إذ الحاج لا داعي له للتأخير بحسب الطبع وانما يؤخره لداع من الدواعي كشدة الحر ونحوها ولذا كان الراوي شاكا في الحكم بجواز التأخير اختيارا ولم يكن عالما بالحكم فسأل ولم يكن يعتقد عدم الجواز ولذلك سأل فالحكم بالجواز لا يقتصر بصورة الحرج بل يجوز التأخير إلى الليل اختيارا. ومما يؤكد ما ذكرنا اي جواز الفصل إلى الليل مطلقا وان لم يكن حرج انه لو كان الحكم مقتصرا على الحرج لكان على الامام (ع) التقييد إلى اول زمان الابراد ولم يقيد بذلك ومقتضى الاطلاق جواز
(1) الوسائل: باب 60 من ابواب الطواف ح 1 و 2 .
[ 82 ]
التأخير إلى اول زمان الابراد واوسطة وآخره. وبالجملة: المستفاد من الصحيحة عدم لزوم التعجيل. ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أحدهما (ع) عن رجل طاف بالبيت فأعيي أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ قال: نعم) (1). ومن عدم تعيينه زمان التأخير يستفاد جواز التأخير إلى اي وقت شاء والتعب من دواعي التأخير فلم يكن الجواز مقيدا إلى زمان زوال التعب. ويكفينا الاصل في عدم اعتبار اتصال السعي بالطواف. وأما التأخير إلى الغد فقد ورد النهي عنه في صحيحة العلاء، قال: سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيي أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: لا) (2). والرواية صرحية في المنع عن التأخير إلى الغد وعليه لم يعلم مستند المحقق في حكمه بالجواز إلى الغد. ومن المحتمل ان الغاية في كلامه أي الغد خارجة عن المغيي لا داخلة فيه فيكون الغد مما ينتهي إليه الحكم بالجواز وهذا الاحتمال قريب وشايع في الاستعمالات أيضا، كقوله تعالى: (اتموا الصيام إلى الليل) وقوله تعالى: (اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)، فان الليل وكذا غسق الليل غير داخل في المغيي قطعا فإذا يرتفع الخلاف ولا يكون المحقق مخالفا في المسألة.
(1) الوسائل: باب 60 من ابواب الطواف ح 1 و 2. (2) الوسائل: باب 60 من ابواب الطواف ح 3 .
[ 83 ]
[ (مسألة 344): حكم الزيادة في السعي حكم الزيادة في الطواف فيبطل إذا كانت الزيادة عن علم وعمد (على ما تقدم في الطواف) نعم إذا كان جاهلا بالحكم فالاظهر عدم بطلان السعي بالزيادة وان كانت الاعادة احوط. (1) ] (1) حال السعي حال الطواف في البطلان بالزيادة بالمعنى المفسر المتقدم للزيادة في الطواف. ويدل على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: ان طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة اشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية) (1). وان طاف بين الصفا والمروة ثمانية اشواط فليطرحها وليستأنف السعي. فانه صريح في انه إذا طاف ثمانية يلغي الجميع وإذا طاف تسعة تلغى الثمانية ويحسب التاسع أول الاشواط. ويدل عليه أيضا صحيحة اخرى عن معاوية بن عمار (من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد بسبعة) (2). فان طرح الثمانية السابقة يدل على بطلان السعي بالزيادة: وفي صحيح عبد الله بن محمد عن ابي الحسن (ع) فان: الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الاعادة
(1) الوسائل: باب 12 من ابواب السعي ح 1. (2) الوسائل: باب 13 من ابواب السعي ح 4 .
[ 84 ]
وكذا السعي (1). وقد تقدم الكلام في عبد الله بن محمد وان صاحب المدارك اشكل في السند لاشتراك عبد الله بن محمد بين الثقة وغيره ووافقه الحدائق في اصل الاشكال ولكن اجاب بجبر الرواية بعمل الاصحاب مضافا إلى انه يرى صحة جميع الروايات المذكورة في الكتب الاربعة: ولكن قد عرفت ان المراد بعبدالله بن محمد بحسب المرتبة والطبقة هو عبد الله بن محمد الحجال وهو ثقة ثقة. وهل يختص الحكم بالبطلان بالعالم أو يعم الجاهل بالحكم ايضا بعد تسالم الاصحاب على الصحة بالزيادة السهوية؟ ولا يخفى ان مقتضى اطلاق الروايات المتقدمة ان حاله حال الطواف من دون فرق بين العالم والجاهل. ولكن الظاهر اختصاص الحكم بالبطلان بصورة العلم، فلو طاف اربعة عشر شوطا بين الصفا والمروة مثلا جهلا بتخيل ان الذهاب والاياب معا شوط واحد صح سعيه. ويدل عليه صحيح جميل، قال حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة اربعة عشر شوطا، فسألت ابا عبد الله (ع) عن ذلك فقال: لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح) (2). وكذا صحيح هشام بن سالم، قال: سعيت بين الصفا والمروة انا وعبيدالله بن راشد فقلت له: تحفظ علي فجعل يعد ذهابا وجائيا شوطا واحدا فبلغ مثل (متي) ذلك فقلت له: كيف تعد؟
(1) الوسائل: باب 12 من ابواب السعي ح 2. (2) الوسائل: باب 13 من ابواب السعي ح 5 .
[ 85 ]
[ مسألة 345): إذا زاد في سعيه خطاءا صح سعيه ولكن الزائد إذا كان شوطا كاملا يستحب له ان يضيف إليه ستة اشواط ليكون سعيا كاملا غير سعيه الاول فيكون انتهاؤه إلى الصفا ولا بأس بالاتمام رجاءا إذا كان الزائد اكثر من شوط واحد (1). ] قال: ذاهبا وجائيا شوطا واحدا فاتممنا اربعة عشر شوطا، فذكرنا لابي عبد الله (ع) فقال: قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شئ) (1) وبهما نخرج عن الاطلاق المتقدم. (1) ويدل على ذلك بعد تسالم الاصحاب على الصحة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن ابي ابراهيم (ع) في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية اشواط ما عليه؟ فقال ان كان خطاءا أطرح واحدا واعتد بسبعة) (2) فانها بالمنطوق يدل على الصحة في صورة الخطأ وبالمفهوم يدل على البطلان في صورة العلم وعدم الخطأ. ثم ان جماعة صرحوا باستحباب اضافة ستة اشواط في خصوص هذه الصورة وهي ما إذا سعي سهوا ثمانية اشواط ليكون المجموع أربعة عشر شوطا. ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم الذي رواه الشيخ بطريقين صحيحين عن احدهما (ع) في حديث قال: وكذلك إذا استيقن انه طاف بين
(1) الوسائل: باب 11 من ابواب السعي ح 1. (2) الوسائل: باب 13 من ابواب السعي ح 3 .
[ 86 ]
الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستة) (1) ورواها الصدوق أيضا باسناده إلى محمد بن مسلم ولكن قد عرفت غير مرة ان طريقه إليه ضعيف وفي ما رواه الشيخ غنى وكفاية هذا. ولكن صاحب الحدائق (2) استشكل في هذه الصحيحة بوجهين: الاول: ان السعي ليس مثل الطواف والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة أو واجبة فما فائدة هذه الاضافة بعد عدم ثبوت الاستحباب النفسي للسعي. الثاني: ان اللازم من اضافة الستة وجعل المجموع سعيين كاملين كون الابتداء في الطواف الثاني عن المروة والختم بالصفا وهذا خلاف المعهود والمتسالم والمصرح به في الروايات من لزوم البدئة بالصفا والختم بالمروة في السعي، فالعمل بهذه الصحيحة مشكل. واورد عليه صاحب الجواهر (3) بان ما ذكره اجتهاد في مقابل النص ولقد اجاد (قده) فان السعي وان لم يكن مستحبا في نفسه في غير هذا المورد ولكنه ليس بامر منكر عقلي غير قابل للتخصيص فيمكن الحكم باستحبابه في خصوص هذه الصورة فلا مانع من التقييد والتخصيص في مورد خاص حسب التعبد الشرعي، وكذلك البدئة من المروة والختم بالصفا وان لم يكن جائزا في نفسه ولكن لا مانع من جواز ذلك في خصوص هذا المورد. وبالجملة الرواية صحيحة السند وواضحة الدلالة، عمل بها الاصحاب
(1) الوسائل: باب 13 من ابواب السعي ح 2 وباب 4 من ابواب الطواف ج 10. (2) الحدائق: ج 16 ص 281. (3) الجواهر: ج 19 ص 443 .
[ 87 ]
[ (مسألة 346): إذا نقص من اشواط السعي عامدا
عالما بالحكم أو جاهلا به ولم يمكنه تداركه إلى زمان الوقوف بعرفات فسد حجه ولزمته الاعادة من قابل، والظاهر بطلان احرامه أيضا وان كان الاولى العدول إلى حج الافراد واتمامه بنية الاعم من الحج والعمرة المفردة. واما إذا كان النقص نسيانا فان كان بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي حيث ما تذكر ولو كان ذلك بعد الفراغ من اعمال الحج. وتجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكن بنفسه من التدارك أو تعسر عليه ذلك ولو لاجل ان تذكره كان بعد رجوعه إلى بلده، والاحوط حينئذ ان يأتي النائب بسعي كامل ينوي به فراغ ذمة المنوب عنه بالاتمام أو التمام. واما إذا كان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فالاحوط أن يأتي بسعي كامل يقصد به الاعم من التمام ] فلا مانع من الالتزام بمضمونها، نعم مورد الصحيحة زيادة شوط واحد لا زيادة ازيد من شوط واحد وحيث ان الحكم على خلاف القاعدة نقتصر على موردها فلو زاد شوطين أو اكثر لا يستحب له التكميل إلى اربعة اشواط. والعجب من صاحب الحدائق فانه لا يعول على الاستحسانات والاستبعادات بعد النص خصوصا إذا كان صحيحا كيف استشكل في ذلك؟.
[ 88 ]
[ والاتمام، ومع التعسر يستنيب لذلك. (1) ] (1) إذا نقص من السعي عمدا من دون فرق بين العالم والجاهل بالحكم كما إذا تخيل ان الواجب مثلا خمسة اشواط ولم يلتفت إليه إلى ان فات زمان التدارك فلا محالة يفسد حجه فانه داخل فيمن ترك السعي عمدا برأسه إذ لا دليل على الاجتزاء بالناقص. ولكن قد عرفت ان بطلان حجه يستلزم بطلان احرامه من الاول لارتفاع موضوع الحج فلا يحتاج إلى محلل آخر للخروج من احرامه وعليه الحج من قابل. وان كان الاحوط الاولى العدول إلى حج الافراد واتمامه بنية الاعم من حج الافراد والعمرة المفردة. واما إذا نقص من الشوط السعي نسيانا وسهوا فلا يجوب البطلان جزما فان نقصان بعض اجزاء السعي سهوا لا يزيد على ترك اصل السعي نسيانا الذي قد عرفت انه لا يوجب البطلان. ولكن الفقهاء ذكروا فيه تفصيلا وهو انه لو ترك شوطا أو اكثر بعد التجاوز من نصف السعي اي بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي فيأتي بالناقص متى تذكر ولو كان بعد الوقوفين لعدم اعتبار الموالاة في خصوص هذه الصورة فينضم اللاحق إلى السابق ويسقط الترتيب أيضا في فرض النسيان لان الترتيب بين التقصير والسعي أوبين اعمال الحج والسعي شرط ذكري يسقط عند النسيان. وان لم يتمكن من الاتيان بنفسه لمانع من الموانع كالرجوع إلى بلده يستنيب فيأتى النائب بالناقص، والامر كما ذكروه.
[ 89 ]
واما اصل وجوب الاستنابة فلا ينبغي الريب فيه لان السعي من اركان الحج وحاله حال الطواف في وجوب الاتيان بنفسه مباشرة أو بان يسعى به شخص آخر أو يسعي عنه. انما الاشكال في امر آخر وهو اتيان النائب خصوص الناقص
كشوطين أو ثلاثة اشواط وهذا غير وارد في النص لان المذكور فيه ان النائب يسعي عنه وظاهره اتيان النائب تمام الاشواط واما انضمام الناقص كالثلاثة إلى الاربعة فيحتاج إلى الدليل فمقتضى القاعدة ان الحاج إذا لم يتمكن من السعي بتمامه فما اتى به كاربعة اشواط في حكم للعدم فكأنه لم يسع ولا دليل على الاكتفاء بفعل الغير في اتيان الناقص فلا بد له ان يستنيب لتمام السعي، ولكن حيث ان المشهور ذكروا الاستنابة للباقي فالاحوط ان يأتي النائب بسعي كامل ينوي بن فراغ ذمة المنوب عنه بالاتمام أو بالتمام. واما لو ترك ازيد من النصف وكان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فسعيه باطل فيجب عليه التدارك والاستيناف بنفسه ان تمكن ومع التعسر يستنيب واما تتميمه باتيان الباقي فلا نلتزم به في هذه الصورة وانما التزمنا بذلك في الفرض الاول للاجماع والتسالم من الاصحاب بخلاف هذه الصورة فانه لا اجماع فيها خصوصا إذا كان الفصل كثيرا، ولكن مع ذلك الاحتياط يقتضي بالسعي الكامل القاصد به الاعم من الاتمام والتمام. فتحصل: انه من نقص شوطا أو اكثر بعد التجاوز من النصف صح سعيه ويرجع ويبني ويأتي بالناقص، والظاهر ان ذلك مما لا خلاف فيه. ويدل عليه: ايضا صحيح سعيد بن بسار الآتي ومورده وان كان
[ 90 ]
اتيان ستة اشواط ونسيان شوط واحد ولكن الظاهر انه لا فرق بين اتيان الخمسة والستة. واما الامر بالاعادة والاستيناف فيما إذا لم يحفظ انه سعى ستة فهو حكم الشك في عدد الاشواط (فتأمل). ولو نقص نسيانا قبل التجاوز من النصف اي قبل تمام الشوط الرابع كما إذا سعى شوطا أو شوطين ونسي فلا اجماع على الصحة في المقام ومقتضى القاعدة فساد السعي ولا يشمله صحيح سعيد بن يسار لان غايته التعدي إلى نسيان الشوطين والثلاثة بعد التجاوز من النصف لا قبل النصف، ثم لا يخفى ان الاحتياط الذي ذكرناه في الفرض الاول باتيان تمام السعي قاصدا به التمام والاتمام مبني على اعتبار الموالاة في اشواط السعي والا فيأتي بالناقص حتى بعد فوات الموالاة بمقتضى الاجماع المتقدم الدال على جو البناء من حيث القطع وبمقتضى الصحيحة الواردة بعد التجاوز من النصف. ثم ان صاحب المستند ذكر رواية اخرى لصحيحة معاوية بن عمار تدل على ان من سعى اقل من سبعة اشواط يرجع ويسعى الباقي وذكر (قده) ان اطلاقها يشمل ما إذا نقص اكثر من نصف فان عنوان (الاقل من سبعة اشواط) يشمل حتى ما إذا سعى شوطا واحدا ونسي الباقي. ولكن العبارة التى نسبها إلى الرواية ليست من الرواية بل هي من كلام الشيخ جزما فان الشيخ روى رواية معاوية بن عمار أولا ثم ذكر في ذيلها (فان سعى الرجل اقل من سبعة اشواط ثم رجع إلى اهله فعليه ان يرجع فيسعي تمامه وليس عليه شئ وان كان لم يعلم ما نقص فعليه ان يسعي سبعا، وان كان قد اتى اهله أو قصر وقلم اظفاره فعليه
[ 91 ]
دم بقرة روى: وذكر رواية سعيد بن يسار دليلا لما ذكره وقد اشتبه على صاحب المستند والوافي والحدائق فزعموا هذه العبارة من تتمة
صحيحة معاوية بن عمار مع انه من كلام الشيخ قطعا ويدل عليه بوضوح قوله: (روى) بعد نقل هذه العبارة فان من عادة الشيخ في التهذيب انه يذكر حكما من الاحكام ويستدل بالرواية ويقول: (روى فلان) ولو كانت هذه العبارة من ذيل الصحيحة لا معنى لقوله: (روى) في هذا المورد، ولذا لم تذكر هذه العبارة في الوسائل (1) ولا في منتفى الجمان (2). فكأنه تنبها لذلك راجع التهذيب تجد صدق ما ذكرناه (3) في المقام نكتة يجب التنبيه إليها ولم ار من تعرض إليها وهي انه في صورة لزوم التدارك والاتمام على الحاج بنفسه لااشكال في لزوم الاتيان بالسعي في شهر ذي الحجة لانه من اجزاء الحج واعماله فيجب ايقاعه في اشهر الحج واما لو تذكر النقص بعد مضي اشهر الحج كما لو كانت ذلك في شهر محرم فالاتمام غير ممكن لزوال وقته فسعيه باطل فيجب عليه السعي قضاء ولا دليل على الاكتفاء بالاتمام واتيان الباقي في القضاء وانما الانضمام والتكميل باتيان الباقي والاكتفاء به فيما إذا اتي به في ايام الحج واشهره وهذا من دون فرق بين ما لو قلنا باعتبار الموالاة ام لا ففي هذه الصورة اي ما إذا خرج عن اشهر الحج يجب عليه القضاء بنفسه أو بغيره من دون فرق بين ما كان
(1) الوسائل: باب 12 من ابواب السعي. (2) منتقى الجمان: ج 2 ص 474. (3) التهذيب: ج 5 ص 153 .
[ 92 ]
[ (مسألة 347): إذا نقص شيئا من السعي في عمرة التمتع نسيانا فاتى اهله أو قلم اظفاره فاحل لاعتقاده الفراغ من السعي فالاحوط بل الاظهر لزوم التكفير عن ذلك ببقرة (1)، ويلزمه اتمام السعي على النحو الذي ذكرناه. ] النقص بعد التجاوز من النصف أو قبله، والظاهر ان مرادهم (قدهم) من اتيان الباقي بعد الفراغ من الحج اتيانه بعد الفراغ من مناسكه فطعبا يقع السعي في شهر ذي الحجة وكلامهم غير ناظر إلى مضي شهر ذي الحجة. وبالجملة: عليه القضاء باتيان السعي الكامل بعد مضي شهر ذي الحجة بنفسه ولو بالرجوع والا فيستنيب في تمام الاشواط ومع ذلك الاحوط ايضا ان يأتي بالسعي الكامل قاصدا به الاعم من الاتمام والتمام. (1) والاصل في هذه المسألة روايتان: الاولى: رواية ابن مسكان، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة اشواط وهو يظن انها سبعة فذكر بعد ما حل وواقع النساء وانه انما طاف ستة اشواط، قال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر) (1). الثانية: صحيحة سعيد بن يسار قال، قلت لابي عبد الله (ع): رجل تمتع سعى بين الصفا والمروة ستة اشواط. ثم رجع إلى منزله
(1) الوسائل: باب 14 من ابواب السعي ح 2 .
[ 93 ]
وهو يرى انه قد فرغ منه، وقلم اظافيره واحل ثم ذكر انه سعى ستة اشواط فقال لي يحفظ انه قد سعي ستة اشواط فان كان يحفظ انه قد سعى ستة اشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟
قال: بقرة، قال: وان لم يكن حفظ انه قد سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة اشواط ثم يرق دم بقرة) (1). الا ان جملة من الاصحاب اشكلوا في الحكم المذكور لان مقتضى القاعدة عدم وجوب الكفارة في موارد الخطأ في باب الحج عدى مورد الخطأ في الصيد ولذا حملوا النص على الاستحباب فيقع الكلام في موردين: احدهما: في تقليم الاظفار وقص الشعر اما تقليم الاظافر: فقد ورد في صحيح سعيد بن يسار المتقدم ولا موجب لحمله على الاستحباب بدعوى ان المطلقات دلت على ان الكفارة انما تثبت في حال الخطأ في خصوص الصيد واما غير الصيد فليس فيه الكفارة إذا صدر خطأ وعن غير عمد. ولكن هذه الدعوى فاسدة لان ما دل على عدم ثبوت الكفارة في الخطأ في غير الصيد ليس حكما عقليا غير قابل للتخصيص بل هو حكم شرعي قابل له في هذا المورد الخاص. وهل نلزم الكفارة في قص الشعر ايضا كما عن الشيخ وجمع من الاصحاب على ما عن المدارك؟ الظاهر ذلك وعدم اختصاصها بتقليم الاظفار. والوجه فيه ان الصحيحة وان لم يذكر فيها قص الشعر ولكن لا يستفاد منها اختصاص الحكم بالتقليم بل الحكم بلزوم الكفارة من جهة
(1) الوسائل: باب 14 من أبواب السعي ح 1.
[ 94 ]
الاحلال فالمنظور هو الاحلال له التقليم والا لكان ذكر الاحلال بعد التقليم لغوا فان قوله: (وقلم اظافيره واحل) ظاهر في ان الميزان هو الاحلال ولا خصوصية لتقليم الاظفار فالكفارة ثابتة من جهة الاحلال لا من جهة خصوص تقليم الظفر، كما لا يختص الحكم بذلك بما إذا اتى ستة اشواط بل يعم ما إذا اتى بأقل من ستة واعتقد الفراغ واحل إذ لا نحتمل خصوصية لستة اشواط فان جهة السؤال والمنظور فيه هو الاحلال قبل اتمام السعي كما ذكره الشيخ في التهذيب خلافا لصاحب الجواهر (1) حيث اقتصر على الستة وما ذكره الجواهر بعيد جدا. المورد الثاني: وهو المواقعة فقد ذكر في كلامهم وحكموا بالكفارة في موردها واستدلوا له برواية ابن مسكان، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة اشواط وهو يظن انها سبعة فذكر بعد ما حل وواقع النساء انه انما طاف ستة اشواط قال: (عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر) (2). وحملها بعضهم على انه اتى اهله في حال الشك في عدد الاشواط لا الاعتقاد والجزم بالفراغ والاحلال لقوله: (وهو يظن). ولكن الظاهر ان المراد بالظن هنا هو الاعتقاد وقد استعمل في غير مورد من الآيات والروايات على الاعتقاد كقوله تعالى: (الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم إليه راجعون) (3).
(1) الجواهر: ج 19 ص 443. (2) الوسائل: باب 14 من ابواب السعي ح 2. (3) البقرة: الآية 46 .
[ 95 ]
فالدلالة غير قاصرة الا ان السند ضعيف بمحمد بن سنان، ولكن على تقدير صحة السند لا يثبت بها حكم جديد آخر غير ما حكم به صحيح سعيد بن يسار لما عرفت ان الحكم بالكفارة مترتب على الاحلال فقبل
المواقعة احل بالتقليم أو قصر الشعر ويثبت الكفارة بالاحلال واقع اهله ام لا فلا خصوصية للمواقعة فالنتيجة ثبوت الكفارة بالاحلال ولا اثر للعمل المتأخر عن الاحلال مواقعة كانت امر غيرها. نعم لو قلم أو واقع اهله غافلا عن الحج بالمرة وغير ملتفت اصلا إلى الحج فليس عليه شئ للاطلاقات المتقدمة في محلها الدالة على عدم ثبوت شئ في مورد الجهل والغفلة وقد خرجنا منها في خصوص الاحلال. فظهر ان الحكم بالكفارة معلق على الاحلال لا على المواقعة، واما إذا قلم أو قص شعره أو واقع اهله ولم يأت بذلك بعنوان الاحلال من العمرة كما إذا كان ذاهلا عن الاعمال بالمرة فلا يترتب عليه شئ اصلا هذا مقتضى الجمع بين صحيح ابن يسار والمطلقات النافية للكفارة في مورد الخطأ.
[ 96 ]
[ الشك في السعي) لااعتبار بالشك في عدد اشواط السعي بعد التقصير وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم الاعتناء بالشك بعد انصرافه من السعي وان كان الشك قبل التقصير، ولكن الاظهر لزوم الاعتناء به حينئذ (1). ] (1) الشك في عدد الاشواط هل يوجب البطلان كالشك في عدد اشواط الطواف فلا بد من كونه حافظا ام فيه تفصيل؟. قد يفرض حصول الشك بعد الفراغ من السعي وبعد التقصير، وقد يفرض حصول الشك في الاثناء. اما الاول: فلا ريب في عدم الاعتناء بالشك لقاعدة الفراغ. وقد يتخيل ان صحيح سعيد بن يسار المتقدم يدل على البطلان في هذه الصورة ايضا لانه اشترط في الصحة كونه حافظا للستة والا فيستأنف. وفيه ما يخفى، لان الشك المفروض في صحيح سعيد بن يسار من الشك في الاثناء لان المورد بعد ما احل وتذكر النقص (قال (ع): ان كان يحفظ انه اتى ستة اشواط فليتم شوطا واحدا وان لم يحفظ انه سعى فليعد السعي). فمورده الشك قبل اتمام السعي وفي اثنائه، والفراغ غير حاصل وانما تخيل الفراغ، ومفروض كلامنا هو الشك بعد الفراغ وليس في المقام علم بالنقص بخلاف مورد الرواية فانه علم بالنقص ولكن لم يحفظ انه ستة ولم يعلم انه ستة أو اقل.
[ 97 ]
المورد الثاني: فاعلم ان جمعا من الفقهاء ذهبوا إلى عدم الاعتناء ان خرج من المسعى وانصرف عن السعي وان كان قبل التقصير باعتبار انه شك بعد التجاوز من المحل وممن صرح بذلك شيخنا الاستاذ (ره) بدعوى ان الشك في انه اتى بالسبعة ام لا شك بعد الفراغ لان الخروج من المسعى والانصراف عنه يحقق الفراغ والتجاوز عن السعي، ولكن لا يمكن اثباتها بدليل بل الشك حينئذ في الحقيقة حاصل في اثناء السعي وأثناء العمل. وبالجملة: الشك ان كان حادثا بعد التقصير فلا اعتبار به لقاعدة الفراغ، وان كان الشك قبل التقصير ولم تفت الموالاة بناءا على اعتبارها كما هو المختار فالشك من الشك في المحل. واما بناءا على عدم اعتبار الموالاة كما هو المشهور فلا ريب في انه من الشك في المحل وان فاتت الموالاة.
وأما بناء على اعتبار الموالاة وشك بعد فوات الموالاة فالشك من الشك بعد المحل. فالكلام فيما لو لم تفت الموالاة ولم يقصر ولكن خرج من المسعى وانصرف عنه فشك فقد ذهب جمع إلى عدم الاعتناء لانه شك بعد الفراغ. ولكن ذكرنا في المباحث الاصولية ان الشك انما لا يعتني به بعد تحقق عنوان المضي والتجاوز، والمضي قد يكون حقيقيا وقد يكون حكميا وبالعناية بالعتبار محله فجريان القاعدة يحتاج إلى المضي الحقيقي أو الحكمي والمضي الحكمي باعتبار مضي المحل كمضي القراءة بعد الدخول في السورة فان المضي الحقيقي غير حاصل لان التدارك ممكن لعدم الدخول في الركوع.
[ 98 ]
فالمضي هنا بمعنى مضي المحل والتجاوز عنه ولذا اعتبرنا الدخول في الغير في جريان القاعدة حتى يصدق عنوان التجاوز لان المفروض ان المحل باق حقيقة ويتمكن من التدارك واما المضى الحقيقي فهو كالشك بعد الفراغ من الصلاة فان الصلاة قد مضت على كل تقدير سواء كانت صحيحة واقعا أو كانت باطلة ولا يمكن تداركها والشك انما هو في امر ماض لا في امر حالي، وكالشك في اتيان بعض أجزاء الوضوء بعد الفراغ منه والانصراف عنه. والجامع ان يكون الشك متعلقا بشئ لا يمكن تداركه بالفعل لتعلقه بأمر قد مضى بخلاف الشك في القراءة بعد الدخول في السورة فان المضي فيه حكمي لامكان التدارك وهذا هو الميزان في جريان قاعدة الفراغ والتجاوز وذلك من دون فرق بين الشرائط الشرعية غير المقومة كاشتراط الصلاة بطهارة اللباس والبدن أو إعتبار الستر ونحو ذلك وبين الشرائط غير الشرعية المقومة كالدخول في الوقت فان كان محرزا للوقت ولكن رجع شكه إلى عمله وايقاعه في الوقت تجري القاعدة واما إذا كان بالفعل شاكا في دخول الوقت فالقاعدة لا تتكفل صحة الصلاة ولا دخول الوقت وكذا لو كان هناك إنائان احدهما فيه ماء مطلق والآخر فيه ماء مضاف وتوضأ وكان حين الوضوء ملتفتا ثم شك في انه توضأ من المطلق أو المضاف فهنا تجري للقاعدة لان الشك يرجع إلى عمله، ففي المقام لو خرج من المسعي ولم يحرز الشوط السابع فبعد لم يتجاوز ولم يتحقق الفراغ بل هو في الاثناء فلابد من الاعتناء به. وربما يقال: بان المناط في جريان قاعدة الفراغ هو الفراغ الاعتقادي ولكن لا يمكن اثباته بدليل لان موضوع الروايات هو المضي وهو يتحقق
[ 99 ]
[ (مسألة 348): إذا شك وهو على المروة في ان شوطه الاخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار بشكه ويصح سعيه. وإذا كان هذا الشك اثناء الشوط بطل سعيه ووجب عليه الاستيناف (1). ] بالفراغ الحقيقي أو الحكمي وأما المضي الاعتقادي فلا يشمله عنوان المضي فالعبرة باحد امرين: المضي الحكمي العنايتي أو الحقيقي واما المضي الاعتقادي الخيال فلا عبرة به وان كان شكه بعد الخروج من المسعى فضلا عن وجوده فيه فلابد من الاعتناء وتفصيل هذا البحث يطلب من تقريراتنا الاصولية. (1) إذا شك في عدد الاشواط وهو في المسعى فتارة: يشك في الزيادة والنقيصة معا واخرى: يشك في النقيصة فقط وثالثة: يشك في
الزيادة فقط. فان كان شكه متمحضا في النقيصة كما إذا شك بين الستة والخمسة أو كان شكه بين الزائد والناقص كما إذا شك بأن هذا الشوط هو السادس أو التاسع ففي كلا الصورتين يحكم بالبطلان كما هو الحال في الطواف، وليس له نفي الزائد باصالة عدم الزيادة لان المستفاد من النصوص كما تقدم لابد من أن يكون حافظا للاعداد، وكذلك السعي. ويدل على ذلك مضافا إلى التسالم ما في ذيل صحيح سعيد بن يسار المتقدم (وإن لم يكن حفظ انه قد سعى ستة فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط) ولا نحتمل اختصاص الحكم بمورده وهو الستة بل يشمل الحكم بالاعادة والبطلان ما إذا لم يحفظ الخمسة أو الاربعة.
[ 100 ]
ويستدل لذلك أيضا بالروايات المتقدمة الواردة في الشك في عدد أشواط الطواف كصحيحة الحلبي (في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة، قال: يستقبل) (1) فان الطواف ما لم يذكر فيه البيت يشمل السعي بين الصفا والمروة، وقد اطلق الطواف في الآية والروايات على السعي بين الصفا والمورة والمستفاد من هذه الروايات ان الاشواط لابد أن تكن محفوظة ولا يدخله الشك. واما إذا كان الشك في الزيادة فقط كما إذا كان على المروة وشك في أن شوطه الاخير هو السابع أو التاسع ففي مثله لا اعتبار بشكه ويحكم بصحة سعيه ويدل عليه صحيح الحلبي الوارد في الشك. بين السبعة والثمانية في طواف البيت فانه وان كان في مورد طواف البيت ولكن المستفاد من التعليل الوارد فيه تعميم الحكم للسعي لانه يدل على انه من تيقن بالسبعة فلا يعتني بالزائد المشكوك (قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة أم ثمانية، فقال: أما السبعة فقد استيقن، وإما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين) (2). بل لو لم يكن نص في المقام لحكمنا لان زيادة السعي سهوا لا تضر بالصحة وان إستحب له التكميل إلى أربعة عشر شوطا وله الاكتفاء بالسبعة والغاء الزائد. نعم أو شك في الاثناء بطل سعيه لان الشك حينئذ يرجع إلى الشك في الزيادة والنقيصة الذي عرفت أنه محكوم بالبطلان.
(1) الوسائل: باب 33 من ابواب الطواف. (2) الوسائل: باب 35 من ابواب الطواف ح 1 .
[ 101 ]
[ (مسألة 349): حكم الشك في عدد الاشواط من السعي حكم الشك في عدد الاشواط من الطواف فإذا شك في عددها بطل سعيه (1). ] (1) قد عرفت حكم هذه المسألة مما تقدم وقد ذكرنا ان السعي حاله حال الطواف وما دل على بطلان الطواف بالشك في اعداد اشواطه يدل على بطلان السعي بالشك في اعداد أشواطه. فرع: هل يعتبر في حال السعي إباحة اللباس وإباحة المركوب لوسعى راكبا أم لا؟، يقع الكلام تارة في اللباس وأخرى في المركوب وفي اللباس تارة في السائر وأخرى غير السائر.
فاعلم انا قد ذكرنا في باب الطواف ان الحكم بالبطلان إذا طاف على دابة أو عربة مغصوبة أو طاف في اللباس المغصوب يبتني على مسألة اصولية، وهي ان حرمة المسبب هل تسري إلى السبب؟ وبعبارة اخرى: حرمة ذي المقدمة تستدعي حرمة المقدمة؟ كما ان وجوب ذي المقدمة تقتضي وجوب المتقدمة فان بنينا على ذلك فيما ان المعلول وهو حركة اللباس والتصرف فيه محرم، والعلة انما هي الطواف وحركة البدن حول البيت فتكون محرمة بالسراية، وبما أن الطواف أمر عبادي لا يمكن أن يكون محرما فيبطل.
[ 102 ]
ولكن ذكرنا في المباحث الاصولية انه لا اساس للسراية بين العلة والمعلول فانهما موجودان مستقلان، وان كان احدهما علة والآخر معلولا فلا موجب للسريان. نعم لو كان الوجود واحدا والعنوان متعددا كالاسباب التوليدية، فالسراية مسلمة لان الموجود الخارجي واحد والتعدد انما هو في العنوان كالهتك المسبب عن فعل من الافعال فكل ما يوجب الهتك يكون محرما. وبعبارة واضحة: في مورد الافعال التوليدية ليس في الخارج وجودان بل وجود واحد ينتزع منه العنوانان فالعبرة بوحدة الوجود الخارجي، ولذا ذكرنا ان من صلى فرادى في محل تقام فيه الجماعة يحكم بفساد صلاته لاستلزامه هتك الامام فيكون فعله مصداقا للهتك، ولا يمكن التقرب به لعدم اجتماع الحرمة والفعل للقربى واما إذا كان الموجود الخارجي امرين، وان كان احدهما علة والآخر معلولا كما في المقام لان حركة البدن علة لحركة اللباس فلا موجب للسراية لان أحدهما من عوارض البدن والآخر من عوارض اللباس فأحدهما اجنبي عن الآخر من هذه الجهة. هذا في اللباس غير الساتر، وأما المركوب فهو على عكس اللباس يعني حركة المركوب علة لحركة البدن والطواف ولا تسري الحرمة من العلة إلى المعلول اي لا تسري الحرمة من المقدمة إلى ذي المقدمة وعدم السراية هنا أوضح من باب اللباس ولذا لا يكون السفر على دابة مغصوبة موجبة لكون السفر معصية فان المحرم هو الركوب على الدابة لا السفر والبعد من الوطن. ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين الطواف والسعي، ولكن الشيخ
[ 103 ]
النائيني (ره) جزم بالبطلان في الطواف واحتاط في العي، ولم يظهر الفرق بين المقام وبين الطواف. وأما اللباس إذا كان ساترا فيفرق بين الطواف والسعي ونلتزم بالبطلان في الطواف دون السعي وذلك لان الطواف يعتبر فيه الستر والساتر إذا كان حراما لا يكون قيدا للمأمور به، فإذا كان الطواف واجبا فلم يات بالواجب لان الطواف مقيد بالساتر المباح فلم يأت بالمأمور به على وجهه. وأما السعي فلا يعتبر فيه الستر فحكم الساتر حكم غير الساتر إلا إذا قلنا بالسراية فلا فرق بين الساتر وغيره، وإلا فلا نقول بالبطلان مطلقا.
[ 104 ]
[ التقصير وهو الواجب الخامس في عمرة التمتع، ومعناه اخذ شئ من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه
ويعتبر فيه قصد القربة، ولا يكتفي النتف عن التقصير (1). ] (1) لاريب ولا خلاف في وجوبه ويدل على نصوص مستقيضة. منها: الروايات البيانية الواردة في كيفية الحج كصحيحة معاوية بن عمار (1). ومنها: الروايات الواردة في التقصير (2) فاصل الوجوب مما لا اشكال فيه وبه يحل له كل شئ حرم عليه بالاحرام الا الصيد لانه لم يحرم من جهة الاحرام وانما يحرم عليه الصيد للدخول في الحرم. بماذا يتحقق التقصير في صحيح معاوية بن عمار امر بقص الشعر من اللحية والشارب وتقليم الاظفار ولو كنا نحن وهذه الصحيحة لوجب الجمع بين هذه الامور ولكن المستفاد من بقية الروايات الاكتفاء بواحد منها كصحيحة عبد الله
(1) الوسائل: باب 2 من ابواب أقسام لحج ح 8. (2) الوسائل: باب 1 من أبواب التقصير ح 1 .
[ 105 ]
[ (مسألة 350): يتعين التقصير في احلال عمرة التمتع ولا يجزئ عنه حلق الرأس بل يحرم الحلق عليه وإذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالما عامدا بل مطلقا على الاحوط. (1) ] بن سنان (ويقصر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد احل (1). وفي صحيح الحلبي ما يدل على الاكتفاء بقرض الشعر بالاسنان) (2). وفي صحيح جميل وحفص قد وقع التصريح بالاجتزاء ببعض هذه الامور (في محرم يقصر من بعض ولا يقصر من بعض، قال: يجزيه) (3). وهل يجزي النتف مكان التقصير أم لا؟ وجهان ذهب إلى الاول صاحب الحدائق لان المقصود ازالة الشعر فلا فرق بين الامرين ولكن الظاهر هو الثاني لان المذكور في الروايات هو التقصير النتف لا يكون مصداقا للتقصير فلابد من الاخذ بظواهر الروايات والاحكام تعبدية فيجب الاقتصار بما في النصوص. (1) هل يجوز الحلق مكان التقصير وعلى فرض عدم الجواز فلو حلق فهل يجزيه ذلك عن التقصير أم لا؟ المشهور تعين التقصى عليه وعدم جواز الحلق وعدم اجزائه عنه لو فرضنا أنه خالف وحلق.
(1) الوسائل: باب 1 من أبواب التقصير ح 2. (2) و (3) الوسائل: باب 3 من أبواب التقصير ح 2 و 1
[ 106 ]
ونسب إلى الشيخ التخيير بين الامرين. ونسب إلى العلامة ان الواجب هو التقصير، ولكن لو حلق يجزئ عن التقصير. اما التخيير فيرده ظاهر الروايات الواردة في المقام فان الظاهر منها تعين التقصير، واما التخيير قد ورد في الحج، واما في عمرة التمتع فلا يظهر من شئ من الروايات ولم يعلم مستند الشيخ. واغرب من هذا ما نسب إلى العلامة من الاجزاء على فرض عدم الجواز لان الواجب لو كان هو التقصير فكيف يجزئ الحلق المحرم عن الواجب فلا ينبغي الريب في ان المتعين هو التقصير ولا يجوز ولا يجزي الحلق.
وصاحب الحدائق اجاز الحلق، ولكنه خص الجواز بصورة حلق بعض الرأس لا تمامه. وهذا أيضا بعيد لان ازالة الشعر بالحلق لا تكون مصداقا للتقصير. وربما يوجه ما نسب إلى العلامة من ان التقصير يتحقق بأول جزء من الحلق. وفيه أن التقصير لا يصدق على الحلق حتى على اول جزء منه فالتقصير باق على ذمته فلا بد من التقصير بنحو آخر من تقليم الاظفار أو الاخذ من شعره من مكان آخر. وهو يعم الحكم بتعين التقصير للملبد والمعقوص ام لا؟ المعروف انه لا فرق بينهما وبين غرهما من المكلفين في عمرة التمتع وانما يجب عليها الحلق في الحج والعمرة المفردة، ونسب إلى الشيخ تعين
[ 107 ]
الحلق عليهما في عمرة التمتع ايضا فوظيفة الملبد والمعقوص (1) هي الحلق مطلقا سواء في الحج أو العمرة المفردة أو عمرة التمتع واستدل على ذلك بعدة من الروايات. منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: قال أبو عبد الله (ع): إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق) (2). وغير خفي ان دلالتها بالاطلاق باعتبار شمول العمرة المفردة وللمتمتع بها. ولكن الظاهر ان المراد بالعمرة بقرينة المقابلة للحج هو العمرة المفردة ولو سلمنا الاطلاق فهو قابل للتقييد. ومنها: صحيحة عيص قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل عقص شعر رأسه وهو متمتع ثم قدم مكة فقضى نسكه وحل عقاص رأسه فقصر وادهن واحل، قال عليه دم شاة (3). فانها أيضا بالاطلاق تدل على ان وظيفة المعقوص هي الحلق ولكن لو كان المراد من قول السائل (فقضى نسكه) جميع الاعمال الواجبة عليه كما هو مقتضى اضافة الجمع وانه لم يحلق بل قصر بعد اتيان وظائفه حتى بعد الوقوفين فيكون الصحيح خارجا عن مورد الكلام لان كلامنا في عمرة التمتع قبل الاتيان باعمال الحج لا بعد الوقوفين، ولو كان
(1) لبد الصوف نفشه وبله بالماء وصيره يتلبد، لبد الصوف الشئ لصق بعضه ببعض. ألزقه بشئ لزج أو صمغ. عقص المرأة شعرها شدته في قفاها أو فتله العقاص خيط يشد به الذوائب. (2) (3) الوسائل: باب 7 من ابواب الحلق والتقصير ج 2 و 9.
[ 108 ]
المراد بقوله: (نسكه) خصوص نسك العمرة فيكون الصحيح شاهدا للمقام، ولكن لم يظهر ان المراد به خصوص نسك العمرة المتمتع بها بل من المحتمل ان المراد به جميع النسك حتى نسك الحج. ومنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا احرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وان أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج وليس في المتعة إلا التقصير) (1). بدعوى أن صدر الصحيحة مطلق من حيث الحج وعمرة التمتع بل الموضوع من احرم وعقص شعره سواء كان احرامه للحج أو للمتعة. ولكن هذه الدعوى بعبدة جدا لان الظاهر من الرواية ان الامام
(عليه السلام) في مقام بيان التخيير بين الحلق والتقصير في الحج الا الملبد والمعقوص فانه يتعين عليهما الحلق وليس لهما التخيير وأما المتعة فليس فيها إلا التقصير مطلقا سواء كان المكلف عقص رأسه أم لا فالصحيحة على خلاف المطلوب ادل، إلا أن المستدل زعم ان كلمة (في الحج) راجعة إلى الجملة الثانية وقيد لها وهي (وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق) فالصدر وهو قوله: (إذا احرمت إلى قوله وليس لك التقصير) على اطلاقه وشموله للحج والمتعة إلا أن الظاهر ان قوله: (في الحج) قيد لجميع ما تقدم. ويؤكد ذلك صحيحة اخرى لمعاوية بن عمار وهي صريحة في ان الحلق على الملبد والمعفوص انما هو في الحج (عن أبي عبد الله (ع) قال: ينبغي للصرورة ان يحلق، وان كان قد حج قصر، وان شاء حلق،
(1) الوسائل: باب 7 من ابواب الحلق ح 8 .
[ 109 ]
فإذا لبد أو عقص فان عليه الحلق وليس له التقصير) (1). ويعلم من هذه الصحيحة ان تعين الحلق على الملبد والمعقوص انما هو في الحج وبها نرفع اليد عن اطلاق العمرة في صحيحة هشام كما انها تكون رافعة لاجمال المراد من صحيحة عيص وتعين المراد بالنسك وانه نسك الحج لا العمرة. ولو أغمضنا عن جميع ذلك وفرضنا دلالة الروايات على تعيين الحلق على الملبد مطلقا في الحج والعمرة الا أنه نحتمل التعين عليه في عمرة المتعة. وذلك لان التلبيد والعقص كانا من الامور الشايعة في الازمنة السابقة ولو كان الحلق واجبا لوقع مرة واحدة في المتعة من الاصحاب والرواة. ولوقع السؤال عنه ولم ينل من أحد وقوع الحلق منه بل لم يتعرض من تقدم على الشيخ له في عمرة التمتع وانما تعرض إليه الشيخ في التهذيب (2) فتعيين الحلق على الملبد والمعقوص ساقط جزما. وأما التخيير بين الحلق والتقصير فهو محتمل في نفسه ولكن لا دليل عليه بل الدليل على خلافه وهو اطلاق ادلة التقصير وهو يشمل الملبد والمعقوص وغيرهما ففي عمرة التمتع يتعين التقصير سواء كان المكلف قد لبد أو عقص شعره أم لا. ثم انه لو حلق راسه لزمه التكفير عنه بشاة لا لروايات خاصة ليناقش فيها بضعف السند أو الدلاله كما في الجواهر (3) بل للروايات
(1) الوسائل: باب 7 من ابواب الحلق ح 1. (2) التهذيب ج 5 ص 160. (3) الجواهر: ج 20 ص 454 .
[ 110 ]
[ (مسألة 351): إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير جاهلا بالحكم فعليه كفارة بدنة على الاحوط. ] المطلقة المتقدمة في كفارات تروك الاحرام. ولا يخفى ان الشيخ لم يصرح بذلك وانما ظاهر كلامه العموم للحج وعمر المفردة وعمرة التمتع، وإستدل الشيخ بروايتين: الاولى صحيحة معاوية بن عمار والثانية صحيحة عيص الدالة على ان من أخذ من شعره أو حلق رأسه عمدا فعليه دم (1). هذا في المتعمد العالم، وأما غير المتعمد كالناسي أو غير العالم كالجاهل فمقتضى النصوص أنه لا شئ عليه، ولكن في خصوص المقام دلت رواية على ثبوت الكفارة في مورد الخطأ والنسيان فتثبت في
الجاهل بطريق اولى لان الجاهل متعمد ويقصد إلى الفعل مع الالتفات لكن عن جهل بالحكم وإذا ثبت التكفير في مورد الغفلة والخطأ فتثبت في مورد الالتفات بالاولوية وان كان جاهلا بالحكم واما الرواية فهي ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المتمتع اراد ان يقصر فحلق رأسه، قال: عليه دم يهرقه) (2). ولكن الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان على طريق الشيخ وبعلي بن أبى حمزة البطائني على طريق الصدوق فلا بأس بالاحتياط استنادا إلى هذه الرواية (1) ان جامع قبل التقصير عن عمد فقد تقدم حكمه مفصلا في
(1) الوسائل: 10 من ابواب بقية كفارات الاحرام. (2) الوسائل: باب 4 من أبواب التقصير ح 3 .
[ 111 ]
باب الكفارات حجا وعمرة ولكن في خصوص المقام وهو ما لو جامع جاهلا بالحكم بعد الفراغ من السعي وقبل التقصير وردت رواية صحيحة عن الحلبي على طريق الشيخ وعن حماد على طريق الصدوق تدل على ان كفارته بدنة، والرواية ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال: قلت لابي عبد الله (ع): جعلت فداك اني لما قضيت نسكي للعمرة اتيت اهلي ولم أقصر قال: عليك بدنة، قال: قلت: اني لما اردت ذلك منها ولم يكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال: رحمها الله كانت افقه منك، عليك بدنة وليس عليها شئ) (1) وهي كالصريحة في ان الحلبي كان جاهلا بالحكم لقوله: (ع) (هي افقه منك) يعني هي عالمة بالحكم واما انت فكنت جاهلا به فلا مانع من الالتزام بمضمنونها وليس بأزائها رواية تعارضها غير العمومات والمطلقات التي لا تصلح للمعارضة بل هي قابلة للتخصيص والتقييد بهذه الصحيحة. نعم هناك صحيحة لمعاوية بن عمار يتحد مورد السؤال فيها مع مورد صحيحة الحلبي وقد دلت على عدم ثبوت الكفارة على الجاهل (قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن متمتع وقع على امرأته ولم يقصر قال: ينحر جزورا وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ان كان عالما، وان كان جاهلا فلا شئ عليه) (2).
(1) الوسائل: باب 3 من ابواب التقصير ح 2. (2) الوسائل: باب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 4 وباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 1 .
[ 112 ]
[ (مسألة 352): يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي فلو فعله عالما عامدا لزمته الكفارة (1). (مسألة 353): لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في اي محل شاء سواء، كان في المسعي أو في منزلة أو غيرهما (2). ] إلا ان الكلام في ثبوت هذه الرواية بهذا المضمون فان الكليني رواها بعين السند والمتن في موردين في احد الموردين رواها (ولم يقصر) في مورد آخر رواها وذكر (ولم يزر) بدل (ولم يقصر) وكذلك الشيخ فتكون الرواية بناءا على ذكر (ولم يزر) أجنبية عن مورد الكلام لانها تكون حينئذ في مورد طواف الحج ولا نحتمل أنهما
روايتان احدهما جاء فيها: (ولم يقصر) والاخرى قال (ولم يزر) لاتحاد السند والمتن ومعه يبعد التعدد فإذا لم يعلم ان الصادر هو جملة (ولم يقصر) أو (ولم يزر) فتسقط عن الاعتبار فتكون صحيحة الحلبي الواردة في المقام بلا معارض فلا بد من الالتزام بمضمونها ولكن حيث لم ينقل من أحد من الاصحاب الفتوى بمضمونها بل لم يتعرضوا لمضمونها نفيا واثباتا فلا بد من الاحتياط الوجوبي على الاقل فيكون هذا المورد مستثنى من مورد الجهل الذي لا يترتب عليه شئ. (1) لاريب أن محل التقصير بعد الفراغ من السعي على ما نطقت به الروايات الكثيرة فلو قدمه عالما عامدا تجب عليه الكفارة لاطلاق ادلة ثبوت الكفارة على المحرم إذ أزال شعره وأخذه. (2) لا دليل على وجوب المبادرة إلى التقصير بعد السعي وله
[ 113 ]
[ (مسألة 354): إذا ترك التقصير عمدا فاحرم للحج بطلت عمرته والظاهر ان حجه ينقلب إلى الافراد فيأتي بعمرة مفردة بعده والاحوط اعادة الحج في السنة القادمة (1). ] التأخير والفصل بينهما إلى ان يضيق الوقت للحج، كما ان ليس له مكان خاص فيجوز فعله في اي مكان شاء في المورة أو في المسعى أو في منزله أو في غير ذلك لعدم الدليل وللاطلاق والتسالم على عدم الموالاة. (1) إذا طاف المتمتع وسعي ثم احرم بالحج قبل ان يقصر فان فعل ذلك عامدا فالمشهور انه تبطل عمرته ويصير الحج مفردا وخالف ابن إدريس وذهب إلى بطلان الاحرام الثاني لانه وقع في غير محله والبقاء على الاحرام الاول فيجب عليه التقصير ويتم حجه متمتعا. واستدل للمشهور بروايتين: الاولى: معتبرة ابي بصير، عن ابي عبد الله (ع) قال: المتمتع إذا طاف وسعي ثم لبى بالحج قبل ان يقصر، فليس له ان يقصر وليس عليه متعة) (1) وفي التهذيب (وليس له متعة) (2) وهو الصحيح. الثانية: رواية العلاء بن الفضيل. قال: سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر، قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة) (3).
(1) (3) الوسائل: باب 54 من أبواب الاحرام ح 5 و 4. (2) التهذيب: ج 5 ص 109 .
[ 114 ]
ولا يخفى انه لو اغمضنا عن الروايتين فالحق مع ابن ادريس إذ لا موجب للانقلاب إلى الافراد فان الانقلاب يحتاج إلى الدليل فكلامه (قده) على طبق القاعدة، ولذا ذكر السيد صاحب المدارك. بعد نقل الخبرين وقصورهما من حيث السند عنده لضعف الخبر الاول لان في السند اسحاق بن عمار وهو مشترك بين الثقة وغيره والثاني ضعيف بمحمد بن سنان، فيشكل التعويل عليهما في اثبات حكم مخالف للاصل، واستحسنه صاحب الحدائق بناءا على مسلك المدارك واصله من عدم اعتماده على الموثقات ومناقشته في اسناد كثير من الروايات ولكن أورد عليه بانه لا موقع للمناقشة في اسناد هذه الروايات بعد ذكرها في الكتب الاربعة المعتبرة. اقول: اما الخبر الثاني فالامر كما ذكره وأما الخبر الاول فمعتبر فان اسحاق بن عمار غير مشترك بين الثقة وغيره فانه اسحاق بن عمار
الساباطي وقد يوصف بالصيرفي وهما شخص واحد، وكونه فطحيا لا يمنع عن وثاقته كما حقق في محله فالرواية معتبرة ولابد من العمل بمضمونها. انما الكلام في دلالتها على مذهب المشهور. وقد يناقش بدعوى انها لا تدل على الانقلاب إلى الافراد وانما تدل على بطلان متعته فيكون حال هذا المكلف حال من لم يتمكن من الاتيان بالمتعة وحال من عجز نفسه اختيارا عن الاتيان بها نظير من لا يتمكن من المتعة لضيق الوقت أو مفاجئة الحيض ونحو ذلك من المواقع. وفيه ان الدلالة تامة، وذلك لان السؤال في الرواية في الحقيقة يرجع إلى أمرين أحدهما حكم الاحرام قبل التقصير والآخر وظيفته
[ 115 ]
[ (مسألة 355): إذا ترك التقصير نسيانا فاحرم للحج ] بالنسبة إلى اتيان اعمال الحج والامام (ع) لم يتعرض لاحرامه للحج وانه باطل ام لا، بل امضاه والا لو كان احرامه للحج باطلا كان عليه الغائه فيعلم من عدم تعرضه انه امضاه ولذا ليس له ان يقصر ولو كان احرامه للحج بحكم العدم وكان باطلا فلا مانع من التقصير فعدم جواز التقصير يكشف عن صحة احرامه الثاني وانه يأتي باعمال الحج فإذا لم تكن له متعة والمفروض صحة احرامه طبعا ينقلب احرامه للحج إلى حج الافراد فقوله (وليس له ان يقصر وليس له متعة) ظاهر في امضاء الاحرام فيستمر في اعمال الحج. وهل ذلك وظيفته يعني تنقلب وظيفته من التمتع إلى الافراد أو عليه الحج تمتعا من قابل؟ لا يبعد ظهور الرواية في انقلاب الوظيفة وعدم وجوب الحج تمتعا في السنة الآتية فيأتي بعمرة مفردة بعد الحج ولكن الاحوط اتيان الحج تمتعا في السنة المقبلة. ويمكن تقريب ما ذكرنا بوجه آخر، وهو ان تكليفه بالتمتع في هذه السنة قد سقط عنه لقوله: (ليس له متعة) وبعد ذلك ما هو تكليفه هل يقتصر بالحج الافرادي أو يأتي بالتمتع في السنة الآتية؟ مقتضى العلم الاجمالي هو اتيان الافراد في هذه السنة والتمتع في السنة المقبلة فان قلنا بانقلاب وظيفته من التمتع إلى الافراد فهو وان لم ينقلب فلا بد له من اتيان التمتع في السنة الآتية فان قلنا بظهور الرواية في الانقلاب فالاحتياط غير واجب وان لم يكن لها ظهور فيجب الجمع للعلم الاجمالي هذا حكم العامد سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا به.
[ 116 ]
[ صحت عمرته، والاحوط التكفير عن ذلك بشاة (1). ] (1) لا ينبغي الريب في صحة عمرته وان احرامه للحج بحكم العدم فيقصر ثم يحرم للحج ورواية أبي بصير المتقدمة تختص بغير الناسي. انما الكلام في وجوب الكفارة عليه بشاة ام لا. ورد في المقام روايتان: الاولى: صحيحة معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل اهل بالعمرة ونسي ان يقصر حتى دخل في الحج، قال: يستغفر الله ولا شئ عليه وتمت عمرته) (1). الثانية: معتبرة اسحاق بن عمار قال: قلت لابي ابراهيم (ع): الرجل يتمتع فينسى ان يقصر حتى يهل بالحج، فقال: عليه دم يهريقه) (2). فربما يقال ان مقتضى قانون الاطلاق والتقييد هو التقييد في المقام
بانه ليس عليه شئ إلا الدم ولكن يبعد تطبيق هذه الكبرى على المقام إذ المنفي بقوله: (لا شئ عليه) انما هو الدم لانا لا نحتمل وجوب شئ آخر غير الدم حتى يكون موردا للنفي بل المرتكز في الاذهان انه ان وجب شئ فهو الدم ونحوه من الكفارات فالسؤال والجواب ناظران إلى الكفارة فقوله (لا شئ عليه) كالصريح في نفي الكفارة بشاة وانه ليس عليه دم سوى الاستغفار فتقع المعارضة فيحمل ما دل على الوجوب على الاستحباب ولذا عبرنا بان الاحوط التكفير بشاة.
(1) و (2) الوسائل: باب 6 من أبواب التقصير ح 1 و 2 .
[ 117 ]
[ (مسألة 356): إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حل له جميع ما كان يحرم عليه من جهة احرامه ما عدا الحلق، اما الحلق ففيه تفصيل وهو ان المكلف إذا اتى بعمرة التمتع في شهر شوال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوما من يوم عيد الفطر واما بعده فالاحوط ان لا يحلق وإذا حلق فالاحوط التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم وعمد (1). ] (1) إذا فرغ المتمتع عن اعمال العمرة وقصر يحل له كل شئ حرم عليه لاجل الاحرام بل يحل له حتى الصيد في غير الحرم، انما الكلام في الحلق فالمشهور والمعروف جوازه بعد التقصير وانما يستحب له التوفير ونسب إلى بعض المحدثين تحريمه وقال انه يحل له بالتقصير كلما حرم عليه بالاحرام الا الحلق والظاهر حرمة الحلق كما نسب إلى بعض واستشكل الشيخ النائني فيه وقال (ره): يحل له بفعله كلما حرم عليه بعقد احرامه على اشكال في حلق جميع الرأس. ولعل منشأ الاشكال معروفية الجواز وإلا فمقتضى النص الحرمة. والعمدة في ذلك صحيحتان. الاولى: صحيحة معاوية بن عمار، قال (ع): ثم قصر من رأسك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلم اظفارك، وابق منها لحجك فإذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شئ يحل منه المحرم واحرمت منه) (1).
(1) الوسائل: باب 1 من أبواب التقصير ح 1.
[ 118 ]
وقوله: (فإذا فعلت ذلك فقد احللت من كل شئ) يراد به غير الحلق لقوله: (وابق منها لحجك). وبالجملة: لا ينبغي الريب في ظهور الصحيحة في عدم جواز الحلق وانه يلزم عليه الابقاء للحج. واوضح من ذلك الصحيحة الثانية لجميل فقد سأل أبا عبد الله (ع) (عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: ان كان جاهلا فليس عليه شئ وان تعمد ذلك في اول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شئ، وان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها لشعر للحج فان عليه دما بهريقه) (1). فان السؤال عن الحلق بمكة ظاهر في ان السؤال من جهة اعمال المنعة وان من تمتع يجوز له الحلق ام لا وإلا لو كان السؤال ناظرا إلى جواز الحلق من جهة الاحرام فلا فرق بين مكة وغيرها فان الحلق للمحرم غير جائز سواء كان في مكة ام لا. ثم ان التفصيل بين مضي ثلاثين يوما من اول شهور الحج وبين مضي اكثر من ذلك وجواز الحلق في الفرض الاول دون الثاني ظاهر
جدا في ان السؤال والجواب ناظران إلى الحلق في نفسه للمتمتع لا من جهة الاحرام وإلا فلا وجه لهذا التفصيل فيعلم من هذه الرواية لزوم ابقاء الشعر وتوفيره بمقدار يتمكن من تحقق الحلق ولذا يجوز الحلق في ايام شهر شوال لان الحلق في شهر شوال لا يمنع من الحلق في الحج إذا وفر شعره من ذي القعدة. والحاصل: لا اشكال في ان الرواية ظاهرة بل صريحة في عدم
(1) الوسائل: باب 4 من أبواب التقصير ح 5 .
[ 119 ]
[ (مسألة 357): لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع ولا يأس بالاتيان به رجاءا وقد نقل شيخنا الشهيد (قده) وجوبه عن بعض العلماء (1). ] جواز الحلق للمتمتع في نفسه وحمله على الاستحباب كما صنعه المشهور مما لاوجه له. ولكن حيث ان الصحيحة بمرئي من الاصحاب ومع ذلك لم يلتزموا بالحرمة فلا اقل من الاحتياط، فما ورد في الروايات انه لو قصر حل له كل شئ يفيد بغير الحلق. (1) لا خلاف في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع فلو قصر حل له النساء بلا اشكال ولم يعلم بمخالف معين. نعم: نقل الشهيد في الدروس عن بعض الاصحاب قولا بوجوبه ولم يصرح باسمه. ولكن لا ينبغي الريب في عدم وجوبه للنص الدال بالصراحة على عدم الوجوب وهو صحيح صفوان، (قال سأله أبو حارث، عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى وقصر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا انما طواف النساء بعد الرجوع من منى) (1) اي طواف النساء، ثابت في الحج بعد اعمال الحج. وفي معتبرة سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (ع) (قال:
(1) الوسائل: باب 82 من ابواب الطواف ح 6 والتهذيب: ج 5 ص 162 .
[ 120 ]
إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم (وسعى بين الصفا والمروة وقصر فقد حلله كل شئ ما خلا النساء لان عليه لتحله النساء طوافا وصلاة) (1). وربما يقال بدلالتها على وجوب طواف النساء في عمرة المتعة ولكن الدلالة مخدوشة لان المفروض في الرواية انه حج الرجل فدخل مكة متمتعا والذي يدخل مكة متمتعا بالعمرة لا يقال حج الرجل فيعلم انه دخل مكة بعد اعمال الحج، فالمعنى ان الرجل تمتع وذهب إلى عرفات والمشعر وحج ثم دخل مكة بعد اعمال الحج فيكون الطواف المذكور هو طواف النساء الثابت في الحج. هذا والرواية على مسلك المشهور ضعيفة السند لعدم توثيق سليمان المروزي في الرجال ولذا عبروا عنه بالخبر لكنه موثقة عندنا لانه من رجال كامل الزيارات. على انه لو فرضنا دلالته على وجوب طواف النساء في عمرة التمتع ولم تناقش في السند أيضا لا نقول بالوجوب لا للمعارضة بينه وبين صحيح صفوان المتقدم بل للقطع بعدم الوجوب للسيرة القطعية بين المسلمين وهي كافية وافية في نفي الوجوب إذا لو كان واجبا لكان
من اوضح الواجبات لانه مما يكثر الابتلاء به ولم ينسب القول بالوجوب إلى احد من العلماء سوى الشهيد نسب الوجوب إلى عالم مجهول فلو كان هنا رواية صريحة في الوجوب لا لتزمنا بالعدم للسيرة القطعية ونطرح الرواية أو تحمل على محامل.
(1) الوسائل: باب 82 من أبواب الطواف ح 7 والتهذيب: ج 5 ص 162 .
[ 121 ]
بل لا يمكن القول بالاستحباب أيضا إذلو كان مستحبا لصدر من الائمة (عليهم السلام) أو من الاصحاب وساير المسلمين ولو مرة واحدة ولم يصل الينا صدوره من احد منهم.
[ 122 ]
[ (احرام الحج) تقدم في المسألة (149) ان واجبات الحج ثلاثة عشر ذكرناها مجملة. واليك تفصيلها: الاول: الاحرام وافضل اوقاته يوم التروية، ويجوز التقديم عليه بثلاثة ايام. ولاسيما بالنسبة إلى الشيخ الكبير والمريض إذا خافا من الزحام فيحرمان ويخرجان قبل خروج الناس، وتقدم جواز الخروج من مكة محرما بالحج لضرورة بعد الفراغ من العمرة في اي وقت كان (1). ] (1) لاريب في وجوب الاحرام لحج التمتع بعد الفراغ من اعمال عمرة التمتع وانما وقع الكلام في جهات: الاولى: في وقت الاحرام، المعروف والمشهور بين الاصحاب انه لاوقت له محدد وانما يجوز له الاحرام بالحج عند الفراغ من متعته ولو كان في اول شهر شوال الذي هو من اشهر الحج ومن صرح بذلك شيخنا النائيني فانه قال في مناسكه (واول وقته لغير المتمتع دخول اشهر الحج وللمتمتع بعد الفراغ عن عمرته) نعم لا يجوز له الاحرام للحج قبل التقصير، ونسب إلى الشيخ ان وقته يوم التروية ولا يجوز تقديمه عليه هذا بحسب الاقوال. واما بحسب الروايات فهي على طوائف.
[ 123 ]
منها: ما دل على ايقاع احرام الحج يوم التروية (1). ومنها ما دل على الاحرام بعد الاتيان بصلاة الظهر من يوم التروية كصحيحة معاوية بن عمار: (إذا كان يوم التروية ان شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك إلى ان يقول: ثم اقعد (اي في المسجد) حتى تزول الشمس فصل المكتوبة واحرم بالحج) (2). ومنها: ما دل على الاتيان بالاحرام عند الزوال من يوم التروية (3). ومنها: ما دل على الاتيان به قبل الزوال ليصلي الظهر في منى في طريقه إلى عرفات بل في بعضها لا ينبغى للامام ان يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى (4) والمراد بالامام من يجعله الخليفة واليا على الموسم ومن المعلوم انه لا يصلي فرادي. ولا يخفى انه لا يمكن حمل هذه الروايات على الوجوب لجواز تأخير الاحرام إلى الغروب قطعا وقد صرح بذلك في الروايات (5). فالمستفاد من النصوص ان العبرة بيوم التروية في أي وقت شاء ولا قائل بوجوب الاحرام في وقت خاص من يوم التروية. فحينئذ يقع الكلام تارة في جواز التأخير عن يوم التروية واخرى
(1) الوسائل: باب 20 من أبواب اقسام الحج وباب 1 و 2 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة. (2) الوسائل: باب 1 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 1. (3) الوسائل: باب 2 من ابواب احرام الحج والوقوف بعرفة وباب 20 من أبواب اقسام الحج. (4) الوسائل: باب 4 من ابواب احرام الحج والوقوف بعرفة. (5) الوسائل: باب 20 من أبواب اقسام الحج ح 9 و 10 .
[ 124 ]
في جواز التقديم على يوم التروية. اما الاول: فقد تقدم الكلام مفصلا في المسألة الثالثة من فصل صورة حج التمتع من شرح كتاب العروة ان وقت عمرة التمتع يسع إلى فوات الركن من الوقوف الاختياري وهو المسمى منه. كما في بعض الاخبار المعتبرة بان العبرة في اتيان عمرة التمتع بخوف فوت الموقف (1) فضلا عن جواز الاحرام للحج عند زوال يوم عرفة كما في صحيح جميل (قال: المتمتع له المنعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة (2) وفضلا عن جواز الاحرام ليلة عرفة كما في رواية أبي بصير، وصحيحة هشام (3) أو إلى السحر من ليلة عرفة. وقد اخترنا في تلك المسألة ان الحد المسوغ للعدول إلى الافراد خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري وهو المسمي منه وإلا فعليه التمتع ويحرم للحج إذا ادرك الوقوف آناما، ولذا ذكرنا ان الامر بالاحرام يوم التروية أو قبل الزوال أو بعده محمول على الاستحباب ولعل التقييد بزوال الشمس من يوم عرفة كما في صحيح جميل لاجل الفصل بين مكة وعرفات بأربعة فراسخ فانه لو أخر الاحرام من الزوال ربما لا يلحق بالوقوف في عرفة في تلك الازمنة. واما الثاني: وهو جواز التقديم عن يوم التروية فقد عرفت ان المعروف بين الاصحاب جواز التقديم عليه مطلقا ولو قبل شهر أو شهرين يعنى يجوز الاتيان به في اشهر الحج إلا انا لم نعثر على ما يدل على جواز التقديم بهذا المقدار من السعة بل المستفاد من الروايات
(1) و (2) و (3) الوسائل: باب 2 من أبواب اقسام الحج ح 5 و 15 و 3 و 1 .
[ 125 ]
الواردة في كيفية الحج وقوع الاحرام في يوم التروية (1) وفي بعضها الامر للجواري بأن يحرمن للحج يوم التروية (2). وفي صحيحة معاوية بن عمار (فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس ان يغتسلوا ويهلوا بالحج) (3). وفي صحيحة عبد الصمد (فإذا كان يوم التروية فأغتسل واهل بالحج) (4): وظاهر هذه الروايات وجوب الاحرام في يوم التروية وعدم جواز التقديم عليه وليس بازائها ما يدل على جواز التقديم فان تم اجماع على الجواز فهو وإلا فرفع اليد عن ظاهر الروايات مما لا موجب له. نعم ورد في رواية واحدة معتبرة جواز التقديم بمقدار ثلاثة أيام لا أكثر إلا إذا كان معذورا كالشيخ الكبير والمريض فيجوز لهما التقديم وأما غيرهما فلا يجوز له التقديم إلا بمقدار ثلاثة ايام والرواية هي معتبرة اسحاق بن عمار: عن ابي الحسن (ع) قال: سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال: نعم، قلت: يحرج الرجل
الصحيح يلتمس مكانا (أو) ويتروح بذلك المكان؟ قال: لا قلت: يعجعل بيوم؟ قال: نعم قلت بيومين؟ قال: نعم قلت: ثلاثة؟
(1) الوسائل: باب 1 من ابواب الحج والوقوف. (2) الوسائل: باب 15 من ابواب الحج ح 1. (3) الوسائل: باب 2 من أبواب اقسام الحج ح 3. (4) الوسائل: باب 3 من أبواب اقسام الحج ح 4 .
[ 126 ]
[ (مسألة 358): كما لا يجوز للمعتمر احرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج ان يحرم للعمرة المفردة قبل اتمام اعمال الحج نعم لا مانع منه بعد اتمام التمسك قبل طواف النساء (1). ] قال: نعم قلت: اكثر من ذلك؟ قال: لا) (1) فمقتضى القاعدة تقييد الروايات المطلقة بهذه المعتبرة. والنتيجة جواز التقديم بمقدار ثلاثة أيام واما الاكثر فلا يجوز: (1) يقع البحث في مقامين: أحدهما: هل يجوز لمن احرم بالحج أن يحرم إحراما آخر لعمرة مفردة قبل الفراغ من افعال الاحرام الاول فيأتى بأعمال المفردة ثم يأتي بمناسك الحج تظهر اقتحام صلاة اخرى في صلاة كما التزم بعضهم بجواز ذلك؟ ثانيهما: ان المعتمر بعد الفراغ من عمرته وقبل الدخول في احرام الحج هل يجوز له ان يحرم للعمرة المفردة فقيل انشاء عقد احرام الحج يعقد الاحرام للعمرة المفردة فيأتي بها بين عمرة التمتع والحج. اما الاول: فقد استدل على المنع عنه بوجوه: الاول: الاجماع بقسميه كما ادعاه صاحب الجواهر (2) فلا ينعقد الاحرام الثاني، ويحكم عليه بالفساد، والامر كما ذكره من اتفاق الفقهاء،
(1) الوسائل: باب 3 من أبواب الحج والوقوف بعرفة ح 1. (2) الجواهر: ج 18 ص 250 .
[ 127 ]
على ذلك، لكن حصول الاجماع التعبدى الكاشف عن راى المعصوم (ع) لم يثبت، ولعل المجمعين استندوا إلى بعض الوجوه الآتية: الثاني: ان جميع ما ورد في باب الاحرام سواء كان لعمرة التمتع أو لعمرة المفردة أو لحج ينصرف إلى المحل وانه يحدث للاحرام فاللازم احداث الاحرام منه بعد ما كان محلا، وأما إذا كان محرما فلا يصدق عليه انه احرم والتأكد ليس بحدوث. وبالجملة ظاهر الروايات اعتبار احداث الاحرام، وهذا غير صادق على من كان محرما ويريد ان يحرم احراما ثانيا. الثالث: انه لو كان ذلك امرا مشروعا وسائغا لوقع مرة واحدة من الاصحاب ولوقع السؤال والجواب عن ذلك في الروايات، ولم يرد في شئ من الروايات السؤال عن ذلك ولم ينقل من أحد ارتكابه، وهذا يكشف عن عدم الجواز وعدم المشروعية. الرابع: ان المستفاد من الروايات الناهية عن الخروج من مكة بعد اعمال العمرة وانه مرتهن بالحج ومحتبس به (1) عدم مشروعية المفردة له لاحتياج ذلك إلى الخروج من مكة ولا اقل إلى أدنى المواقيت فمع المنع من الخروج من مكة إلا لضرورة بل في مقام الضرورة لابد له من أن يحرم للحج ويخرج ويذهب بعد ذلك إلى عرفات ان رجع في شهره
ولو رجع بعد شهر يحرم ثانيا للحج، إذا كيف يمكن القول بمشروعية العمرة المفردة له لاحتياج ذلك إلى الخروج من مكة ولو إلى ادنى المواقيت. وأما المقام الثاني: وهو الاحرام بينهما كما إذا كان الوقت موسعا
(1) الوسائل: باب 22 من ابواب اقسام الحج .
[ 128 ]
فأراد العمرة المفردة بين عمرة التمتع والحج. ولم أر من تعرض لذلك إلا شيخنا النائني (قده) في مناسكه فانه (قده) ذكر في المسألة السابعة من مسائل المواقيت أنه يجوز للمتمتع أن يعتمر بعمرة مفردة بعد احلاله من احرام التمتع بعد مضي عشرة ايام لاعتبار تحقق الفصل بين العمرتين بعشرة ايام فيجوز له ان يخرج إلى ادنى الحل لاحرامها أو غير ادنى الحل إذا كان دون المسافة المعتبرة في التقصير، وأما الخروج إلى المسافة فالاحوط ان لا يخرج إلا محرما بالحج. وما ذكره (ره) مبني على جواز الخروج من مكة اختيار بعد عمرة التمتع، وقد ذكرنا في محله ان الاظهر عدم جواز الخروج من مكة، ولو إلى ما دون المسافة أو إلى ادنى الحل فانه محتبس في مكة وليس له الخروج من مكة حتى يحج وانه مرتهمن بالحج كما في النصوص (1) وأما التحديد إلى المسافة فلم يظهر له وجه ولا دليل عليه فان الممنوع هو الخروج من مكة سواء كان إلى المسافة، أو إلى ما دونها ولا ينافي ما ذكرناه سعة بلدة مكة ودخول مسجد التنعيم في البلدة المقدسة في زماننا لان العبرة كما تقدم غير مرة في امثال هذا الحكم بمكة القديمة. بل الظاهر عدم جواز ذلك له حتى على القول بجواز الخروج. وتدل عليه صحيحة حماد بن عيسى الدالة على عدم جواز الخروج من مكة على من تمتع في أشهر الحج، ولكن لو جهل فخرج إلى المدينة بغير احرام ثم رجع وأراد الحج، قال (ع): (ان رجع في شهره دخل بغير احرام، وان دخل في غير الشهر دخل محرما،
(1) الوسائل: باب 22 من أبواب اقسام الحج .
[ 129 ]
[ (مسألة 359): يتضيق وقت الاحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة (1). ] قلت: فأي الاحرامين والمتعتين متعة الاولى أو الاخيرة؟ قال: الاخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته، الحديث.) (1) فان المستفاد منها عدم جواز الفصل بين عمرة التمتع والحج بعمرة أخرى، وإلا لو كان الفصل جائزا لكانت الاولى عمرته متعة، والثانية مفردة فيعلم من هذه الصحيحة أن عمرة التمتع لابد من اتصالها بالحج وعدم فصلها عنه بعمرة اخرى. مضافا إلى ذلك انه لو كان ذلك أمرا جائزا لوقع مرة واحدة. نعم لو فرغ من جميع أعمال المناسك، ولم يأت بطواف النساء لا مانع من اتيان المفردة قبل ذلك لما عرفت غير مرة ان طواف النساء ليس من اعمال الحج وانما هو واجب مستقل يجب الاتيان به بعد أعمال الحج ولو لم يطف هذا الطواف حرمت عليه النساء جماعا لا العقد عليها ولا سائر الاستمتاعات. (1) لا ينبغي الشك في انه لا تجب عليه المبادرة إلى احرام الحج بعد الفراغ من عمرة التمتع بل قد عرفت انه لا يجوز له تقديم احرام
الحج من يوم التروية بأكثر من ثلاثة ايام، ويجوز له التأخير إلى يوم التروية أو إلى ليلة عرفة بل إلى يوم عرفة ما لم يخف فوت الموقف، ولكن يتضيق وقت الاحرام إذا استلزم تأخيره فوات الموقف فحينئذ
(1) الوسائل: باب 22 من أبواب أقسام الحج ح 6 .
[ 130 ]
[ (مسألة 360): يتحد احرام الحج واحرام العمرة في كيفيته وواجبتاته ومحرماته والاختلاف بينهما انما هو في النية فقط (1). (مسألة 361): للمكلف ان يحرم للحج من مكة من اي موضع شاء ولكن الاحوط وجوبا ان يحرم من مكة القديمة (2) ويستحت له الاحرام من المسجد الحرام في مقام ابراهيم أو حجر اسماعيل. ] تجب عليه المبادرة لئلا يفوت الموقف عنه. (1) لاريب في اتحاد احرام الحج واحرام العمرة في الكيفية والواجبات والمحرمات وانما الاختلاف بينهما بالنية فقط، ويدل على ذلك عدة من النصوص منها: صحيحة معاوية بن عمار الواردة في كيفية الاحرام للحج (ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين احرمت من الشجرة واحرم بالحج إلى ان قال: فلب، الحديث) (1). (2) ويدل عليه صحيح الصيرفي قال: قلت: لابي عبد الله (ع) من أين اهل بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك وان شئت من الكعبة وان شئت من الطريق) (2) فان المقصود عدم الخروج من مكة الا محرما. نعم الافضل هو الاحرام من المسجد من اي مكان منه والافضل منه الاحرام من الحجر) (3).
(1) الوسائل: باب 1 من ابواب احرام الحج والوقوف ح 1. (2) (3) الوسائل: باب 21 من ابواب المواقيت ح 2 و 1 و 3 .
[ 131 ]
[ (مسألة 362): من ترك الاحرام، أو جهلا منه بالحكم إلى ان خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى مكة ولو من عرفات والاحرام منها. فان لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذى هو فيه وكذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات وان تمكن من العود إلى مكة والاحرام منها، ولو لم يتذكر ولم يعلم بالحكم إلى ان فرغ من الحج صح حجه (1). ] ولكن الاحوط وجوبا الاحرام من بلدة مكة القديمة. ولا يكتفى بالاحرام من الاحياء والمحلات الجديدة، المستحدثة لما يستفاد من بعض الروايات الواردة في قطع التلبيه ان العبرة في الاحكام المترتبة على مكة انما هي بمكة القديمة ففي صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (ع) قال: إذا دخلت مكة وانت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبيه، وحد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فان الناس قد احدثوا بمكة ما لم يكن (1)، (1) إذا ترك الاحرام نسيانا أو جهلا منه بالحكم أو بالموضوع إلى ان خرج من مكة ثم تذكر أو علم فان تمكن من التدارك والرجوع إلى مكة ولو من عرفات، ولم يفت منه الموقف يتعين عليه الرجوع
والاحرام من مكة ولا موجب لسقوط التكليف بالاحرام من مكة بعد
(1) الوسائل: باب 43 من أبواب الاحرام ح 1 .
[ 132 ]
التمكن من ذلك وهذا حكم على القاعدة ولايحتاج إلى دليل خاص. وربما يقال ان المستفاد من صحيح علي بن جعفر عدم لزوم الرجوع إلى مكة ولو كان متمكنا منه (قال: سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟ قال: يقول: (اللهم على كتابك وسنة نبيك فقد تم احرامه) (1) فانه مطلق من حيث التمكن من الرجوع وعدمه. وفيه: أن مورد السؤال في الصحيحة من تذكر أو علم ترك الاحرام وهو في عرفات ومن المعلوم ان عرفات تبعد عن مكة بمقدار 4 فراسخ والسير في الازمنة السابقة ذهابا وايابا يستغرق عدة ساعات لان السير كان اما ماشيا أو على دابة فيفوت عنه الموقف على كل تقدير غالبا ولذا لم يأمره بالرجوع. وأما في زماننا الذي يتمكن من الرجوع والعود إلى عرفة قبل فوات الموقف فلا موجب لسقوط الواجب عنه. واما من ترك الاحرام نسيانا أو جهلا ثم تذكر أو علم ولم يتمكن من الرجوع إلى مكة يحرم من الموضع الذي هو فيه، وصح حجه سواء تذكر أو علم بالحكم في عرفات أو بعد جميع الاعمال ويدل على الصحة. في جميع هذه الصور صحيحة علي بن جعفر على ما رواه الشيخ باسناده عن العمركى عن علي بن جعفر، عن اخيه موسى بن جعفر (ع) قال: سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال، يقول: (اللهم على كتابك وسنة نبيك) فقد تم احرامه، فان جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ان كان قضى مناسكه كلها
(1) الوسائل: باب 20 من ابواب المواقيت ح 3 .
[ 133 ]
فقد تم حجه) (1). فان السائل وان اقتصر في سؤاله عن التذكر في عرفات في مورد النسيان ولم يسأل التذكر بعد اتيان جميع الاعمال في مورد النسيان ولكن يستفاد حكم ذلك من الحكم بالصحة في مورد الجهل بالاحرام والعلم به بعد قضاء المناسك كلها، وذلك لان الامام (عليه السلام) ذكر حكم الجهل ابتداء من دون ان يسأله السائل وحكم بالصحة في مورده ولو علم بترك الاحرام بعد الاتيان بالمناسك كلها ولو في بلده، فيعلم من ذلك ان حكم الجهل والنسيان واحد ويستكشف من ذكر حكم الجهل ابتداء منه (ع) انه لا فرق بين الجهل والنسيان من هذه الجهة وما حكم به في مورد الجهل يحكم به في مورد النسيان. نعم لو تذكر أو علم بالحكم في المشعر يحرم في نفس المكان الذي تذكر أو علم فيه وليس عليه الرجوع إلى مكة وان تمكن من ذلك والاحرام منها إذا لا أثر لهذا الاحرام والمفروض ان موقف عرفة فات عنه بلا احرام. ولا دليل على لزوم العود إلى مكة في هذه الصورة لان العود إلى مكة انما وجب ليدرك موقف عرفة مع الاحرام وقد فرضنا ان موقف عرفة فاته فلا اثر للاحرام المتأخر فلا فرق في التذكر بعد عرفات بين التمكن من الرجوع إلى مكة وعدمه. هذا كله بناءا على ما يستفاد من هذه الصحيحة. واما بناءا على ان كلا من النسيان والجهل وقع في السؤال مستقلا كما
جاء ذلك في الصحيحة بطريق آخر فقد روى الشيخ باسناده عن علي ابن جعفر، عن أخيه (ع) قال: سألته عن رجل كان متمتعا خرج
(1) الوسائل: باب 14 من ابواب المواقيت ح 8 .
[ 134 ]
إلى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده، قال إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه. وعنه، عن أخيه (ع) قال: سألته عن رجل نسى الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟ فان: يقول: (اللهم على كتابك وسنة نبيك) فقد تم احرامه) (1). ومورد للسؤال الاول هو الجهل بالاحرام والعلم به بعد اتيان المناسك كلها، ومورد السؤال الثاني هو نسيان الاحرام وتذكره في عرفات فيبقى تبدل الجهل بالعلم في اثناء الاعمال مسكونا عنه وكذلك التذكر بعد الوقوف بعرفة في مورد النسيان كما تذكر في المشعر فمن اين يستفاد حكم هذين؟ ويمكن ان يقال انه إذا حكم بالصحة فيما إذا علم بالحكم بعد إتيان جميع الاعمال فالحكم بالصحة فيما إذا علم في الاثناء يثبت بالاولوية. وإذا ثبت الحكم بالصحة في مورد الجهل يثبت في مورد النسيان بطريق أولى، وذلك لان الحكم الواقعي في مورد الجهل البسيط ثابت بخلاف مورد النسيان فان الحكم غير متوجه إليه أصلا ولذا ذكروا أن الرفع في مورد الجهل رفع ظاهري وفي مورد النسيان رفع واقعي فإذا كان العذر ثابتا في مورد الجهل ففي مورد النسيان يكون أولى بل النسيان قسم للجهل غاية الامر جهل مسبوق بالعلم بخلاف الجهل فانه غير مسبوق بالعلم. والحاصل: الناسي اشد عذرا من الجاهل والعذر الثابت في مورد الجهل يثبت في مورد النسيان بالاولوية فالحكم بالصحة في جميع الصور
(1) الوسائل: باب 20 من ابواب المواقيت ح 2 و 3 .
[ 135 ]
[ (مسألة 363): من ترك الاحرام عالما عامدا لزمه التدارك فان لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجه ولزمته الاعادة من قابل (1). ] ثابت ويدل عليه صحيح علي بن جعفر بكلا طريقيه بالبيان المتقدم. (1) لان الوقوف بلا احرام لا اثر له لعدم كونه مأمورا به فهو غير واقف حقيقة لفوات المشروط بفوات شرطه. وذكر شيخنا النائيني في مناسكه (ولو تركه عمدا إلى أن فات وقت الوقوف بطل حجه على اشكال فيما إذا أدرك اختياري المشعر وحده، أو مع اضطراري عرفه). وربما يتوهم من قوله (على إشكال) الترديد في بطلان الحج في صورة الترك العمدي، ولكن الظاهر انه (قده) لا يريد بذلك ترك الوقوف الاختياري لعرفة يعني ان اشكاله وترديده ليس فيمن ترك الاحرام عمدا للوقوف الاختياري لعرفة والاكتفاء بادراك اختياري المشعر أو الاضطراري عرفة لانه يصرح فيما بعد ببطلان الحج لو ترك الوقوف الاختياري لعرفة ولا يجديه إدراك المشعر أو إدراك اضطراري عرفة. بل يريد الاشارة بمسألة أخرى وهي أنه من لا يتمكن من الوقوف الاختياري في عرفات وترك الاحرام عمدا إلى ان يدرك الوقوف الاختياري في المشعر أو إلى أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات
فهل يبطل حجه بترك الاحرام عمدا أم لا؟. والظاهر ان اشكاله في بطلان الحج بذلك في محله إذ لا دليل على
[ 136 ]
[ (مسألة 364): الاحوط ان لا يطوف المتمتع بعد احرام الحج قبل الخروج إلى عرفات طوافا مندوبا فلو طاف جدد التلبية بعد الطواف على الاحوط (1). ] لزوم الاحرام من زوال يوم عرفة حتى على من لا يجب عليه الوقوف لعذر من الاعذار فيجوز له تأخير الاحرام إلى أن يقف في المشعر أو في الموقف الاضطراري لعرفة فان الاحرام انما يجب لاجل الوقوف بعرفة فإذا فرضنا سقوط الوقوف بعرفة عنه لعدم تمكنه منه فلا يجب عليه الاحرام من الزوال وحكم المشهور بالفساد بترك الاحرام عمدا غير ناظر إلى هذه الصورة وإنما نظرهم إلى من وجب عليه الوقوف وترك الاحرام عمدا. (1) الطواف بعد إحرام الحج حرام أو مكروه؟ وعلى تقدير الحرمة هل يترتب عليه شئ من تجديد التلبية بعد الطواف أم لا؟ نسب إلى الشيخ وغيره بل إلى المشهور المنع وما ذكروه أحوط ولكنه غير ممنوع والوجه في ذلك أن ما دل على عدم جواز الطواف انما هو صحيحتان، الاولى صحيحة الحلبي، قال: سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد ازمع بالحج، يطوف بالبيت؟ قال: نعم ما لم يحرم) (1). الثانية صحيحة حماد في حديث، قال: ودخل ملبيا بالحج فلا يزال على احرامه فانه رجع إلى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى
(1) الوسائل: باب 83 من أبواب الطواف ح 4 .
[ 137 ]
يخرج مع الناس إلى منى على احرامه (1). فان النهي عن قرب البيت كناية عن الطواف، وبأزائهما معتبرة اسحاق، قال: وسألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل ان يخرج، وعليه شئ؟ فقال: لا (2). وإحتمال رجوع حرف (لا) إلى الطواف فيدل على المنع عنه بعيد جدا بل الظاهر رجوعه إلى قوله: (عليه شئ) فالمعنى أنه لا شئ عليه ويؤيد برواية عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الاول (ع) قال: سألته عن رجل احرم يوم التروية من عند المقام بالحج، ثم طاف بالبيت بعد احرامه وهو لا يرى ان ذلك لا ينبغي أينقض طوافه بالبيت احرامه؟ فقال: لا ولكن يمضي على احرامه (3). والرواية ضعيفة بعبد الحميد بن سعيد فانه لم يوثق. وأما تجديد التلبية بعد الطواف فلا بأس به لذكره في كلمات الفقهاء ولكن لم يرد فيه أي نص وانما ورد النص في حج الافراد والقرآن (4).
(1) الوسائل: باب 22 من ابواب أقسام الحج ح 6. (2) الوسائل: باب 13 من ابواب أقسام الحج ح 7. (3) الوسائل: باب 83 من ابواب الطواف ح 6. (4) الوسائل: باب 16 من أبواب أقسام الحج.
[ 138 ]
[ الوقوف بعرفات الثاني من واجبات حج التمتع الوقوف بعرفات بقصد القربة والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق
بين ان يكون راكبا أو راجلا ساكنا أو متحركا . ] (1) لا خلاف بين المسلمين كافة في وجوب الوقوف بعرفات. ويدل عليه النصوص المتواترة (1) ومن جملة النصوص ما ورد في كيفية حج النبي (صلى الله عليه وآله) (2) فلا ريب في هذا الحكم فانه من الواضحات بل من الضرورات. فيقع البحث في جهات اخر نذكرها في مسائل. الاولى: يعتبر في الوقوف قصد القربة وهذا أيضا مما لا خلاف فيه. ويدل عليه مضافا إلى المرتكز الشرعي قوله تعالى: (واتموا الحج والعمرة لله) (3). فان ما كان لله لابد ان يؤتى به على وجه الطاعة وذلك لا يتحقق الا بقصد التقرب إليه تعالى. الثانية: ان المراد بالوقوف هو الكون والحضور بعرفات وان لا
(1) الوسائل: باب 19 من أبواب احرام الحج والوقوف. (2) الوسائل: باب 2 من ابواب أقسام الحج. (3) سورة البقرة آية 196 .
[ 139 ]
[ (مسألة 365): حد عرفات من بطن عرنة وثويه ونمرة إلى ذي المجاز، ومن المأزمين إلى أقصى الموقف (1)، وهذه حدود عرفات وخارجة عن الموقف (2). (مسألة 366): الظاهر ان الجبل موقف، ولكن يكره الوقوف عليه ويستحب الوقوف في السفح من ميسرة الجبل. ] يتجاوز عن ذلك المكان ومنه وقوف الماء أي الماء الراكد مقابل الجاري ومنه أيضا وقف الاعيان اي لا يتجاوز عما حدده الواقف فان الوقوف لغة هو الكون ومنه الموقوف فليس المراد به الوقوف مقابل الجلوس، نعم لو قيل وقف على قدميه يفهم منه القيام، واما مجرد الوقوف فلا يتفاهم منه القيام. فلا فرق بين انحاء الكون من النوم أو القيام أو الجلوس أو الركوب: مضافا إلى السيرة المستمرة القطعية. نعم لا ريب ان الوقوف بمعنى القيام يكون افضل. (1) الثالثة: في بيان حدود عرفة وهي مكان معروف قد حدد في الروايات من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ومن المازمين إلى أقصى الموقف، كما في صحيحة معاوية بن عمار وأبي بصير (1) والمرجع في معرفة ذلك هو اهل الخبرة وسكنة تلك البلاد. (1) وان كان الافضل الوقوف في ميسرته كما في
(1) الوسائل: باب 10 من ابواب احرام الحج والوقوف .
[ 140 ]
[ (مسألة 367): يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار فلو نام أو غشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقق منه الوقوف (1). (مسألة 368): الاحوط للمختار ان يقف في عرفات من أو ظهر التاسع من ذي الحجة إلى الغروب، والاظهر جواز تأخيره إلى بعد الظهر بساعة تقريبا، والوقوف في تمام هذا الوقت وان كان واجبا يأثم المكلف بتركه إلا انه ليس من الاركان بمعنى ان من ترك الوقوف في مقدار ]
النصوص (1) الحاكية لحج النبي صلى الله عليه وآله. (1) الجهة الرابعة: ان الواجب من الوقوف هي الحصة الاختيارية فلا بد من صدوره عن قصد واختيار وقد ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي من مباحث علم الاصول ان ما وجب على المكلف لابد من صدوره عنه بالاختيار حتى إذا كان توصليا فضلا عما إذا كان عباديا وإلا فلا يصح استناد الفعل إليه فلو وقف غافلا في تمام المدة أو تام أو غشي عليه في جميع الوقت من الزوال إلى الغروب فان الوقوف منه لم يتحقق. نعم لو أفاق أو انتبه في بعض الوقت اجتزء به لان الواجب الركني الذي يفسد الحج بتركه هو مسمى الوقوف لاتمام الوقت فان الزائد عن المسمى وان كان واجبا مستقلا يأثم بتركه عمدا ولكن لا يفسد الحج بتركه.
(1) الوسائل: باب 11 من أبواب احرام الحج والوقوف باب 2 من ابواب اقسام الحج .
[ 141 ]
[ من هذا الوقت لا يفسد حجه، نعم لو ترك الوقوف رأسا باختياره فسد حجه، فما هو الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة (1). ] (1) يقع الكلام في مبدء الوقوف بعرفات ومنتهاه، اما المنتهي فلا خلاف في انه يجب الوقوف إلى الغروب، واما الروايات ففي بعضها ورد غروب الشمس وفي بعضها إلى ان وقع القرص قرص الشمس وفي بعضها إذا ذهبت الحمرة من ههنا، واشار بيده إلى المشرق وإلى مطلع الشمس (1) وجميع ذلك يرجع إلى معني واحد كما ذكرنا ذلك في باب أوقات الصلاة، وهو استتار القرص ولا عبرة بالحمرة الباقية في السماء بعد غروب الشمس والتي توجد في وسط السماء من قمة الرأس، بل العبرة بزوال الحمرة من المشرق، وهي تحصل باستتار القرص قطا كما هو الشاهد. واما المبدء: فالمشهور انه من الزوال، بل قال في المدارك واعتبر الاصحاب في النية وقوعها عند تحقق الزوال ليقع الوقوف الواجب وهو ما بين الزوال والغروب بأسره بعد النية، ولكن الاخبار الواردة في المسألة لا تعطي ذلك بل ربما يظهر من بعضها خلافه كما صرح بذلك في المدارك أيضا بل لم نعثر على رواية تدل على الامر بالوقوف من الزوال ولذا نسب إلى جماعة من القدماء والى جملة من المتأخرين جواز التأخير عن الزوال بمقدار الاشتغال بالغسل وصلاة الظهرين. ففي صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلى
(1) الوسائل: باب 22 و 23 من أبواب الوقوف بعرفات .
[ 142 ]
الله عليه وآله) انه انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الاراك فضربت قبته وضرب الناس اخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه قريش (1) وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد (فوعظ الناس وامرهم ونهاهم ثم صلى الظهر والعصر باذان واحد واقامتين ثم مضى إلى الموقف فوقف به) (2). وفي صحيحة اخرى لمعاوية بن عمار (في حديث) قال: فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة ونمرة هي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد واقامتين فانما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك الدعاء، فانه يوم دعاو مسألة) (3).
وفي موثقة أبي بصير، عن أبي عبد الله (ع) قال: لا ينبغي الوقوف تحت الاراك: فاما النزول تحته حتى تزول الشمس وينهض إلى الموقف فلا بأس به (4). فأن المستفاد من هذه النصوص جواز التأخير بمقدار الاشتغال بالغسل واداء الظهرين واستماع الخطبة. بل المستفاد من النصوص استحباب التأخير بمقدار اداء هذه الاعمال تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) وللامر به في بعض النصوص
(1) فروع الكافي: ج 4 ص 247 وفي منتقى الجمان (ومعه فرسه) بدل (قريش). (2) الوسائل: باب 2 من أبواب اقسام الحج ح 4. (3) الوسائل: باب 9 من ابواب احرام الحج والوقوف ح 1. (4) الوسائل: باب 10 من أبواب احرام الحج والوقوف ح 7 .
[ 143 ]
المعتبرة، ولا ينافي ذلك كون التقديم والوقوف من أول الزوال أحوط فان ذلك نظير الاتمام والقصر في اماكن التخبير من كون الاتمام افضل والقصر أحوط. نعم لا يبعد اعتبار الاشتغال في هذه المدة في صورة التأخير فالتأخير عمدا من دون ان يشتغل بعبادة مشكل. وهذه الامور تشغل مقدار ساعة من الزمان تقريبا. وذكر في الحدائق انه يشغل بالوقوف ومقدماته من الغسل اولا ثم الصلاة الواجبة والخطبة واستماعها كما ورد في كيفية حج النبي (صلى عليه وآله) ثم يأتي الموقف، ولكن الاحوط خروجا عن مخالفة المشهور هو الوقوف من أول زوال يوم عرفة فيأتي بهذه الاعمال في عرفات. وما احتمله صاحب الجواهر من امكان ارادة اتيان هذه المقدمات والاعمال كلها في عرفات من النصوص، بعيد جدا لتصريح النص بأنه يأتي بها بنمرة وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة، وقد احتمل أيضا ان المسجد الذي صلى فيه النبي (صلى الله عليه وآله) غير المسجد الموجود الآن بنمرة المسمى بمسجد ابراهيم (ع) ولكنه غير ثابت. وكيف كان فلا خلاف في ان الواجب الركني هو مسمي الوقوف والزائد عليه واجب غير ركني يأثم بتركه ويصح حجه. ويدل على ذلك الروايات الدالة على ان من أفاض قبل الغروب عليه بدنة (1) فان ذلك يكشف عن الاكتفاء بالوقوف ولو آناما وعدم فساد الحج بالاضافة قبل الغروب ولو عمدا كما صرح في النص بانه لو كان متعمدا فعليه بدنة هذا من ناحية المنتهي
(1) الوسائل: باب 23 من أبواب احرام الحج والوقوف .
[ 144 ]
[ (مسألة 369): من لم يدرك الوقوف الاختياري (الوقوف في النهار) لنسيان أو لجهل فيه أو لغيرهما من الاعذار لزمه الوقوف الاضطراري (الوقوف برهة من ليلة العيد) وصح حجه فان تركه متعمدا فسد حجه . ] وأما من حيث عدم الوقوف من أول الزوال فيدل عليه صحيح جميل الدال على جواز اتيان عمرة التمتع إلى زوال الشمس من يوم عرفة (1). ومن المعلوم ان عرفات تفصل عن مكة باربعة فراسخ فإذا فرغ المكلف من عمرته عند الزوال وسار إلى عرفات يفوت عنه الوقوف
من أوائل الزوال قطعا وأوضح من ذلك ما دل على جواز اتيان عمرة التمتع في يوم عرفة إلى ان يدرك الناس بعرفة وما لم يخف فوت الموقفين (2) واطلابق ذلك يقتضي كفاية درك الوقوف ولو ساعة ما، فلا ريب ان المسمى هو الركن والذي يوجب فساد الحج وبطلانه هو ترك الوقوف بالمرة ويدل على ذلك ايضا الروايات الدالة على ان اصحاب الاراك الذين يقفون تحت الاراك لاحج لهم (3) وذلك لان الاراك ليس من عرفات. فالبطلان مستند إلى عدم الوقوف في الموقف. (1) انه فاته الوقوف الاختياري من عرفة (الوقوف في النهار)
(1) و (2) الوسائل: باب 20 من ابواب أقسام الحج. (3) الوسائل: باب 10 من ابواب احرام الحج والوقوف .
[ 145 ]
فان كان مستندا إلى العمد فسد حجه بلا اشكال، وان كان مستندا إلى العذر فقد يكون عذرا خارجيا كالمرض وشدة البرد أو شدة الحر ونحو ذلك من الاعذار الخارجية، فالواجب عليه الوقوف الاضطراري (الوقوف برهة من ليلة العيد) وصح حجه وهذا هو القدر المتيقن من الروايات (1). وان لم يتمكن من الوقوف الاضطراري ايضا فحينئذ يسقط عنه الوقوفان الاختياري والاضطراري من عرفة ويتعين عليه الوقوف في المشعر ويصح حجه (فان الله تعالى اعذر لعبده فقد تم حجه إذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس) كما في صحيح الحلبي) (2). والحكم بالصحة في هذا الفرض هو القدر المتيقن من الادراك فإذا ترك ذلك عمدا بطل حجه. وقد يكون العذر جهله بالموضوع كما إذا تخيل ان يوم عرفة غير هذا اليوم أو جهله بالحكم صح حجه أيضا كالصورة السابقة وتشمله الروايات الواردة في المقام وعمدتها صحيحتا معاوية بن عمار (3) ومضمونهما أنه إذا أدرك الناس بالمشعر فقد تم حجه. وقد ذكرنا في كتاب الصلاة ان الادراك انما يتحقق فيما إذا فاته الواجب من دون الاختيار ولا يشمل الفوت الاختياري العمدي. ولو ترك الوقوف بعرفة نسيانا للحكم أو للموضوع فهل يشمله هذا الحكم من الاكتفاء بالموقف الاضطراري إذا فاته الموقف الاختياري عن
(1) الوسائل: باب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر. (2) الوسائل: باب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2. (3) الوسائل: باب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 و 4 .
[ 146 ]
عذر أم لا؟ وإن الروايات هل تشمل النسيان ام لا؟ ذهب المشهور إلى شمول الروايات للناسي وخالف صاحب الحدائق (1) وقال: إن الروايات خالية عن ذكر الناسي. وأما قوله (ع): (ان الله اعذر لعبده) فلا يشمل النسيان فانه من الشيطان وما كان من الشيطان لا يجري فيه العذر. وأما في مورد الجهل فانما نقول بهذا الحكم للنص وهو غير شامل للنسيان ولا بأس بتغاير حكم الجاهل والناسي كما في باب الصلاة بالنسبة إلى نسيان النجاسة والجهل بها فانه يحكم بالفساد في صورة النسيان ويحكم بالصحة في فرض الجهل بها. ويرد عليه: ان لاريب في ان النسيان عذر بل من أقوى الاعذار
لعدم تمكنه من الامتثال وعدم صحة توجه التكليف إليه. ولذا ذكروا ان الرفع في مورد النسيان رفع واقعي فقوله (ع): (الله أعذر لعبده) يشمل النسيان أيضا. على انه لو لم تكن هذه الجملة مذكورة في الصحيحة لكانت نفس الصحيحة كافية في معذورية الناسي لقوله: (عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات) فان اطلاقه يشمل الناسي والجاهل ولا يختص بالعاجز والجاهل إذا لم يذكر سبب التأخير في الرواية. وقد يتوهم ان اطلاقه يشمل العامد في التأخير أيضا وهو غير مراد قطعا فلا يمكن الاخذ بالاطلاق. وفيه أولا: انه لا اطلاق له بالنسبة إلى العامد لانصراف الرواية عن العامد فانه قوله: (الله اعذر لعبده) ظاهر في الاختصاص
(1) الحدائق: ج 16 ص 405 .
[ 147 ]
[ (مسألة 370): تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامدا. لكنها لا تفسد الحج فإذا ندم ورجع ] بالمعذور وغير العامد. وثانيا: لو فرض له الاطلاق يقيد بما دل على الفساد في صورة العمد من النصوص والاجماع. وبما ذكرنا يعلم الحال في الجاهل المقصر فانه غير معذور فلا مجال لمناقشة الحدائق، فتحصل ان كل من كان معذورا بعذر خارجي كالمرض وشدة البرد أو الحر أو كان الترك مستندا إلى الجهل عن قصور أو إلى النسيان يجب عليه الوقوف ليلا ان تمكن وإلا فيقف بالمشعر. ثم ان الروايات التي دلت على الاكتفاء بالوقوف الاضطراري أي ليلة العيد أو الاكتفاء بالوقوف في المشعر تدل على الاكتفاء بالاحرام ليلة العيد أو بالاحرام عند الوقوف في المشعر فلا يجب عليه الاحرام من زوال يوم عرفة لان الاحرام انما وجب عليه لادراك الموقف والمفروض عدم الوجوب عليه فلا موجب للاحرام فلو اخر الاحرام إلى ليله العيد يكتفى به ومما ذكرنا يظهر صحة اشكال الشيخ النائيني في وجوب الاحرام حينئذ فان تركه عمدا لا يفسد الحج فان من يجزيه الموقف الاضطراري لا يجب عليه تقديم الاحرام وما دل على لزوم الاحرام قبل الزوال أو بعده أو عنده فانما هو لمن وجب عليه الوقوف في النهار فإذا فرضنا أن الوقوف في النهار غير واجب عليه فلا مقتضى للاحرام من الزوال فيجوز له تأخيره إلى زمان يجب عليه الوقوف الاضطراري.
[ 148 ]
[ إلى عرفات فلاشئ عليه والا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها في منى فان لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما والاحوط أن تكون متواليات ويجري هذا الحكم في من افاض من عرفات نسيانا أو جهلا منه بالحكم فيجب عليه الرجوع بعد العلم أو التذكر فان لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الاحوط (1). ] (1) قد عرفت ان مبدء الوقوف من يوم عرفة لم يعين في الروايات وانما تعرضت إليه الروايات الحاكية لصفة حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحج ابراهيم (ع) (1) ويظهر من هذه الروايات جواز التأخير عن الزوال بمقدار ساعة تقريبا للاشتغال بالاغتسال وصلاة
الظهر والعصر واستماع الخطبة ولكن الاحوط هو الوقوف من الزوال لذهاب المشهور إلى وجوبه، وأما من حيث المنتهي فقد عرفت أيضا انه إلى الغروب وإستتار القرص ولكن الوقوف في تمام هذه المده من المبدء إلى المنتهي واجب تكليفي فقط والركن منه الذي بتركه يفسد الحج هو مسمى الوقوف وحيث ثبت ان الواجب هو الوقوف إلى الغروب فلو خالف وأفاض قبل الغروب فان كان بعنوان الافاضة بحيث يكون بانيا على عدم الرجوع ولم يرجع فتارة يكون ذلك مستندا عن العلم والعمد واخرى عن الجهل وثالثة عن النسيان، اما الجهل فلا يجب عليه شئ لانه معذور لا يترتب اثر على فعله ويدل عليه معتبرة مسمع عن
(1) الوسائل: باب 2 من ابواب اقسام الحج ح 4 و 24 وغيرها .
[ 149 ]
أبى عبد الله (ع) (في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال: ان كان جاهلا فلا شئ عليه، وان كان متعمد فعليه بدنة). واما النسيان فالاصحاب جعلوا حكمه حكم الجهل وانه لا شئ عليه ولكن صاحب الحدائق استشكل هنا كما في المسألة السابقة من أن حكم الناسي غير مذكور في الروايات والحاقه بالجاهل مما لا دليل عليه ولا بأس باختصاص الحكم بالجاهل لانه اعذر والناسي بسبب علمه سابقا وغفلته لاحقا لا يساوي الجاهل الذي لا علم له اصلا ولهذا ورد النص على وجوب قضاء الصلاة على ناسي النجاسة دون جاهلها. ويرد عليه: ما تقدم من أن الناسي أولى بالعذر من الجاهل البسيط لسقوط التكليف في مورد النسيان دون الجهل. ومع الاغماض يكفينا في سقوط الكفارة عن الناسي حديث الرفع فان مقتضاه أن الفعل الذي وقع عن نسيان كأنه لم يقع ولم يترتب عليه أي أثر. مضافا إلى ذلك: ان نفس معتبرة مسمع كافية في أنه لا شئ على الناسي وذلك لانه ذكر المتعمد في قبال الجاهل والمراد من المتعمد من يقصد المخالفة والناسي غير قاصد بالمخالفة وان كان قاصدا لذات الفعل. وبعبارة أخرى الكفارة تترتب على من يرتكب المخالفة ويأتي بخلاف الوظيفة المقررة له وهذا العنوان غير صادق على الناسي. وكيف كان: لو خالف وأفاض قبل الغروب متعمدا صح حجه ولكن عليه بدنة.
[ 150 ]
ويدل عليه معتبرة مسمع المتقدمة ومعتبرة ضريس عن أبي جعفر (ع) قال: (سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله) (1). ونقل عن الصدوقين والشيخ ان الكفارة دم والدم متى أطلق ينصرف إلى الشاة بل جعل الدم مقابلا للبدنة والبقرة في بعض الروايات كما في صحيحة عمران الحلبي (2). ولا مستند لهم إلا الفقه الرضوي وقد عرفت غير مرة أنه لا يعتمد على هذا الكتاب. على ان الدم مطلق يحمل على البدنة لصحيح ضريس. هذا كله إذا أفاض قبل الغروب ولم يرجع. وأما إذا ندم ورجع بحيث غربت الشمس عليه وهو في عرفات
فذهب جماعة إلى لزوم الكفارة أيضا لحصول الافاضة المحرمة المقتضية للزوم الدم. ولكن الظاهر العدم لان المذكور في النص عنوان الافاضة وهو غير صادق على من رجع وغربت الشمس عليه وهو في عرفات وثبوت الكفارة يحتاج إلى دليل ولا دليل في خصوص المقام. ثم انه لو خرج بعنوان الافاضة نسيانا ثم تذكر ورجع فالامر كما تقدم، ولو تذكر ولم يرجع فلا ريب ان بقائه خارج عرفات محرم. وهل تجب عليه الكفارة حينئذ أم لا؟ ذهب جماعة إلى وجوب
(1) الوسائل: باب 23 من أبواب احرام الحج والوقوف ح 3. (2) الوسائل: باب 13 من أبواب كفارات الاستمتاع ح 5 .
[ 151 ]
الكفارة والظاهر عدم وجوبها لان الكفارة مترتبة على الافاضة لا على الكون المحرم، والمفروض ان افاضته وخروجه من عرفات عن نسيان فلا يترتب عليه شئ. ثم ان البدنة تنحر يوم العيد في منى لقوله: ينحرها يوم النحر، فان المراد به هو اليوم الذي تنحر الناس فيه الابل، ومن المعلوم ان الناس ينحرون الابل في منى يوم العيد. ولو لم يقدر على البدنة فالواجب عليه صيام ثمانية عشر يوما كما في معتبرة ضريس. وهل يعتبر التوالي في صيام ثمانية عشر يوما أم لا؟ يمكن ان يقال: باعتبار التوالي لان المتفاهم عرفا من الامر بشئ خلال ساعات أو أيام هو التوالي وعدم جواز التلفيق كما لو أمر الطبيب المريض بالتمشي ساعة أو أمر المولى عبده بالجلوس والانتظار في مكان خمس ساعات فان العرف يفهم من ذلك التوالي ولا يكتفي بالتلفيق. ولذا ذهب المحقق في الشرائع بلزوم التتابع في كل الصوم الواجب إلا أربعة: صوم النذر المجرد عن التتابع وصوم القضاء وصوم جزاء الصيد وصوم السبعة في بدل الهدي وامضاه صاحب الجواهر وايده. ولكن لا دليل على لزوم التتابع سوى انصراف الاتصال من الاطلاق إلا ان الجزم بالانصراف لا يمكن ولعل الانصراف بدوي وغير موجب للظهور العرفي فان الميزان بالظهور، فمقتضى الاصل عدم اعتبار التوالي ومع الاغماض يكفينا في عدم اعتبار صحيح ابن سنان، عن أبى عبد الله (ع) قال: (كل صوم يفرق الا ثلاثة أيام في كفارة
[ 152 ]
[ (مسألة 371): إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة وحكم على طبقه، ولم يثبت عند الشيعة ففيه صورتان: الاولى: ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع فعندئذ وجبت متابعتهم والوقوف معهم وترتيب جميع آثار ثبوت الهلال الراجعة إلى مناسك حجه من الوقوفين واعمال منى يوم النحر وغيرها. ويجزي هذا في الحج على الاظهر ومن خالف ما تقتضيه التقية بتسويل نفسه ان الاحتياط في مخالفتهم ارتكب محرما وفسد وقوفه. والحاصل: انه تجب متعابعة الحاكم السني تقية، ويصح معها الحج والاحتياط حينئذ غير مشروع ولا سيما إذا كان فيه خوف تلف النفس ونحوه كما قد يتفق لك في زماننا هذا. الثانية: ما إذا فرض العلم بالخلاف وان اليوم الذي
حكم القاضي بانه يوم عرفة هو يوم التروية واقعا ففي هذه الصورة لا يجزئ الوقوف معهم فان تمكن المكلف من العمل بالوظيفة والحال هذه ولو بأن يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون ان يترتب عليه اي محذور ] اليمين). فالحكم بالتوالي مبني على الاحتياط.
(1) الوسائل: باب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب ح 1 .
[ 153 ]
[ (ولو كان المحذور مخالفته للتقية) عمل بوظيفته والا بدل حجه بالعمرة المفردة ولا حج له، فان كانت استطاعته من السنة الحاضرة ولم تبق بعدها سقط عنه الوجوب إلا إذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد (1). ] (1) اما الصورة الاولى فيقع البحث في متابعة القاضي السني تقية تارة من حيث الحكم التكليفي واخرى من حيث الحكم الوضعي. اما الاول: فلا خلاف ولا اشكال في وجوب المتابعة ومخالتهم محرمة والاخبار في ذلك بلغت فوق حد التواتر، كقولهم (ع): ولا دين لمن لا تقية له، أو ان التقية ديني ودين آبائي أو انه لو قلت: ان تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا وغير ذلك من الروايات الدالة على وجوب التقية بنفسها وجوبا تكليفيا (1). وأما للثاني: فهل يحكم بصحة ما أتى به تقية؟ وهل يجزي عن الواقع ويسمي بالواقعي الثانوي أم لا؟ ربما يقال: كما قيل: بأن ادلة التقية متكفلة للحكم التكليفي والوضعي معا. وانها نفي بالغاء جزئية الشئ الفلاني أو شرطيته ولكن اثبات ذلك مشكل جدا فان المستفاد من الادلة العامة للتقية ليس الا وجوب متابعتهم وجوبا تكليفيا وأما سقوط الواجب وسقوط الجزء عن الجزئية
(1) الوسائل: باب 24 من ابواب الامر والنهي وما يناسبهما ح 2 و 3 و 26 وغيرها
[ 154 ]
والشرط عن الشرطية بحيث تسقط الاعادة والقضاء فلا يستفاد من الادلة. نعم في خصوص الوضوء والصلاة بالنسبة إلى الامور المتعارفة التي وقع الخلاف فيها بيننا وبينهم تدل روايات خاصة على الصحة كمسألة غسل اليدين منكوسا في الوضوء وغسل الرجلين والتكتف في الصلاة وقول آمين ونحو ذلك، وقد ورد الحكم بالصحة في خصوص بعض الموارد. على ان عدم امرهم (ع) بالقضاء والاعادة في الموارد التي يكثر الابتلاء بها يكفي في الحكم بالصحة. وأما الموارد النادرة فلا دليل على الصحة كما إذا ابتلي بطلاق زوجته من دون حضور العدلين لان الادلة لا تفي بالغاء الشرط بل المستفاد منها كما عرفت ان التقية بعنوانها واجب واما ترتيب آثار الطلاق على الطلاق الواقع من دون حضور العدلين تقية فيحتاج إلى دليل آخر وكذا لو اقتضت التقية غسل الثوب بالنبيذ باعتبار ان بعض العامة يرون طهارته والغسل به فان الادلة لا تقتضي طهارة الثوب. فوجوب التقية في مورد لا يلازمه الحكم بالصحة ولا يستكشف من عدم حكمهم بالاجتزاء في امثال هذه الموارد التي يقل الابتلاء بها الحكم بالصحة والاكتفاء بما صدر منه تقية فمقتضى الادلة الاولية هو الفساد وعدم الاكتفاء به. واما الوقوف في عرفات تبعا للعامة في مورد الشك وعدم القطع
بالخلاف فيدخل تحت الكبرى المتقدمة وهي ان الوقوف في عرفات في الصورة المفروضة مما كثر الابتلاء به قريب مأتي سنة في زمن الائمة (ع) ولم نر ولم نعهد في طول هذه المدة امرهم (ع): بالوقوف في اليوم الآخر وحكمهم بعدم الاجزاء فيعلم ان الوقوف معهم مجزي.
[ 155 ]
ودعوى: ان ذلك من جهة عدم تمكن المؤمنين من الوقوف الثاني ولذا لم يصدر الامر من الائمة (ع) بالوقوف ثانيا. غير مسموعة، ولا يمكن تصديقها للتمكن من الوقوف برهة من الزمان ولو مرة واحدة في طول هذه المدة ولو بعنوان انه يبحث عن شئ في تلك الارض المقدسة فالسيرة القطعية دليل قطعي على الاجزاء والصحة كما هو الحال بالنسبة إلى الصلاة. فلا عبرة باستصحاب عدم دخول يوم عرفة. هذا مضافا إلى رواية ابي الجارود الواردة في الشك فانها دالة على الصحة فان المستفاد منها لزوم متابعتهم وعدم جواز الخلاف والشقاق بيننا وبينهم قال: سألت أبا جعفر (ع) انا شككنا في عام من تلك الاعوام في الاضحى، فلما دخلت على ابي جعفر (ع) وكان بعض اصحابنا يضحي، فقال: الفطر يوم يفطر الناس والاضحى يوم يضحي الناس والصوم يوم يصوم الناس (1). والسند معتبر فان أبا الجارود قد وثقه المفيد ومدحه مدحا بليغا مضافا إلى انه من رجال تفسير علي بن ابراهيم ورجال كامل الزيارات ولا يضر فساد عقيدته بوثاقته. فمقتضى السيرة القطعية وخبر ابي الجارود لزوم ترتيب جميع الآثار من الوقوف وسائر الاعمال كمناسك منى: ثم انه وقف تقية واراد الاحتياط ووقف ثانيا فان كان الوقوف الثاني مخالفا للتقية فهو محرم ولكن لا تسري حرمته إلى ما اداه من وظيفته ويصح حجه ويعتبر الوقوف الاول من اعمال حجه، وإن كان الوقوف الثاني غير مخالف
(1) الوسائل: باب 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم ح 7 .
[ 156 ]
للتقية كما إذا وقف في عرفة بعنوان اتخاذ الموقف طريقا له، أو بعنوان انه يبحث عن شئ في تلك الاراضي فلا يكون بمحرم ولكنه عمل لغو لا يتصف بالوجوب ولا بالحرمة. واما إذا لم يقف معهم ولم يتابعهم فان لم يقف في اليوم الثاني أيضا فلا اشكال في فساد الحج لتركه الوقوف بالمرة، ولو قيل بان ادلة التقية متكفلة للصحة فانما تدل على سقوط الشرط وعدم لزوم كون الوقوف في اليوم التاسع ولا دلالة فيها على سقوط اصل الوقوف نظير السجود على الارض إذا كان مخالفا للتقية فان التقية تقتضي سقوط وجوب السجود على الارض ولا توجب ترك السجود رأسا فان الضرورات تقدر بقدرها فأدلة التقية تقتضي ترك الوقوف في اليوم التاسع ولا تقتضي ترك الوقوف رأسا. وأما لو لم يقف معهم ووقف في اليوم اللاحق فان كان الوقوف الثاني مخالفا التقية فوقوفه محرما جزما ولا يصلح للجزئية فان الحرام لا يصلح أن يكون جزء للعبادة فوقوفه في حكم العدم فيفسد حجه قطعا. وأما إذا لم يكن الوقوف الثاني مخالفا للتقية كما إذا تمكن من الوقوف بالمقدار اليسير بحيث لا يخالف التقية فهل يكفي ذلك في الحكم
بصحة حجه أم لا. الظاهر هو عدم الكفاية لان هذا الموقف غير مأمور به. ووجه ذلك: ان الواجب على المكلف هو الوقوف في يوم عرفة وجدانا أو شرعا والوقوف الذي صدر منه في اليوم الثاني لا دليل عليه ولا حجة له الا الاستصحاب أي إستصحاب عدم دخول اليوم التاسع ولكنه غير جار في المقام لعدم ترتب الاثر عليه فان الاستصحاب
[ 157 ]
انما يجري فيما إذا ترتب عليه حكم شرعي. وأما إذا لم يترتب عليه حكم وأثر شرعي فلا يجري الاستصحاب وما نحن فيه كذلك لان هذا الاستصحاب لا يقتضي وجوب الوقوف في اليوم اللاحق لانا نعلم بعدم وجوب الوقوف في هذا اليوم لان الواجب حسب ادلة التقية هو الوقوف في اليوم الذي يوافقهم فلا أثر لهذا الاستصحاب فحينئذ يشك في أن الوقوف الثاني هو الوقوف في يوم عرفة (اليوم التاسع) أو ان وقوفه هذا في اليوم العاشر لان كلامنا فعلا في الصورة الاولى وهي ما إذا احتملت مطابقة حكمهم للواقع فالشك شك في الامتثال. وبالجملة: الشاك وظيفته منحصرة بالمتابعة فمن ترك الوقوف معهم يفسد حجه سواء وقف في اليوم اللاحق أم لا. وسواء كان وقوفه في اليوم اللاحق مخالفا للتقية أم لم يكن مخالفا لها ففي جميع الصور يبطل حجه. الصورة الثانية: وهي ما إذا فرض العلم بالخلاف فلا سيرة على الاكتفاء بالوقوف معهم ولا نص في المقام، وأما أدلة التقية فقد عرفت انها لا تفي بالاجزاء وانما مفادها وجوب التقية بعنوانها وجوبا تكليفيا، ولو فرضنا دلالتها على الاجزاء فانما يتم في فرض الشك لا في مورد القطع بالخلاف فان العامة لا يرون نفوذ حكم حاكمهم حتى عند القطع بالخلاف فالعمل الصادر منه لا يكون مصداقا للتقية. وبعبارة أخرى: الحكم بالصحة في هذه الصورة مبني على أمرين: الاول: دلالة الاخبار على سقوط الجزئية أو الشرطية في مورد التقية، الثاني لزوم متابعتهم وتنفيذ حكمهم حتى مع العلم بالخلاف
[ 158 ]
وشئ منها لم يثبت. والذي يسهل الخطب ان القطع بالخلاف نادر التحقق جدا أو لا يتحقق، وعلى تقدير التحقق فوظيفته ان يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة من دون ان يترتب عليه أي محذور (ولو كان المحذور مخالفة التقية وان لم يتمكن المكلف من ذلك أيضا فهو ممن لم يتمكن من ادراك الوقوفين لمانع من الموانع فيعدل إلى العمرة المفردة ولا حج له فان كانت هذه السنة اول استطاعته ولم تبق إلى السنة الآتية فينكشف عدم استطاعته للحج أصلا وانه لم يكن واجبا عليه، وأما إذا بقيت استطاعته أو حصل على استطاعة جديدة بعد ذلك فيجب عليه الحج - في السنة الآتية وكذا يجب عليه الحج في السنة القابلة إذا كان الحج عليه مستقرا.
[ 159 ]
[ (الوقوف في المزدلفة) وهو الثالث من واجبات حج التمتع والمزدلفة اسم لمكان يقال له المشعر الحرام وحد الموقف من المأزمين إلى
الحياض إلى وادي محسر وهذه كلها حدود المشعر وليست بموقف الا عند الزحام وضيق الوقت فيرتفعون إلى المأزمين ويعتبر فيه قصد القربة (1). ] (1) لا خلاف بين المسلمين كافة في أن الوقوف بالمشعر من واجبات الحج ويدل عليه الكتاب العزيز (فإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) (1). ولذا اطلق عليه الفريضة في النصوص (2) باعتبار ذكره في القرآن، ويدل عليه الروايات الكثيرة: منها: الروايات البيانية الحاكية لحج النبي (صلى الله عليه وآله) (2) وفي جملة من النصوص ان من فاته الوقوف بالمشعر فلا حج له وفاته الحج (4).
(1) البقرة: 198. (2) الوسائل: باب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر. (3) الوسائل: باب 2 من أبواب اقسام الحج. (4) الوسائل: باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر .
[ 160 ]
انما يقع الكلام في بعض الخصوصيات: منها: ان حد الموقف من المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر كما في النصوص المعتبرة (1) وأما نفس الحدود فهي خارجة عن الموقف ولايجوز الوقوف فيها اختيارا إلا إذا كان هناك زحام وحرج فيجوز الوقوف في المأزمين خاصة (2) كما في موثق سماعة، قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليه كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين) (3). لكن الاصحاب جوزوا الارتفاع إلى الجبل حتى المحقق في الشرائع ولذا اعترض عليهم صاحب الحدائق بان النص تضمن جواز الوقوف في المأزمين عند الضيق ولم يذكر في الجبل وانما الجبل حد آخر للمشعر ولم يرد في النص جواز الوقوف عليه وكذلك صاحب الوسائل جوز الوقوف على الجبل وذكر الجبل في عنوان الباب التاسع من الوقوف بالمشعر واستدل بموثق محمد بن سماعة وهذا سهو منه فان الجبل المذكور في هذا الموثق انما هو جبل عرفات فان الشيخ روى باسناده عن محمد ابن سماعة الصيرفي عن سماعة بن مهران، قال: قلت لابي عبد الله (ع): إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلى وادي محسر، قلت: فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلى المأزمين، قلت: فإذا كانوا بالموقف
(1) الوسائل: باب 8 من أبواب الوقوف في المشعر. (2) المأزم الطريق الضيق بين جبلين ويقال للموضع الذي بين عرفة والمشعر مأزمان. (3) الوسائل: باب 9 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1 .
[ 161 ]
وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ فقال: يرتفعون إلى الجبل، وقف في مسيرة الجبل، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقف بعرفات، فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون إلى جانبها فنحاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ففعلوا مثل ذلك، فقال: ايها الناس انه ليس موضع اخفاف نافتي بالموقف ولكن هذا كله موقف، واشار بيده إلى الموقف وقال: هذا كله موقف الحديث (1).
وصاحب الوسائل روى هذه الرواية في أبواب الوقوف بعرفة عن محمد بن سماعة من دون ان يوصفه بالصيرفي مع ان الموجود في التهذيب محمد بن سماعة الصيرفي عن سماعة بن مهران وفي الوسائل عن محمد بن سماعة عن سماعة. ثم ان ذكر القطعة الاخيرة من هذه الموثقة في الباب التاسع من أبواب الوقوف بالمشعر سهو منه لما عرفت من ان المراد من الجبل المذكور فيه هو جبل عرفات لا الجبل الذي هو حد المشعر فما ذكره صاحب الحدائق من الاعتراض على الاصحاب هو الصحيح إذ لا دليل على جواز الارتفاع إلى الجبل في المشعر الذي هو حد آخر للمشعر وهو غير الجبل الواقع في المشعر فقد صرح في صحيح زرارة بان الجبل حد آخر للمشعر فعن أبى جعفر (ع) انه قال للحكم بن عتيبة: ما حد المزدلفة؟ فسكت، فقال أبو جعفر (ع): حدها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسر) (2).
(1) الوسائل: باب 11 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة حديث 4 التهذيب: ج 5 ص 180. (2) الوسائل: باب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2 .
[ 162 ]
[ (مسألة 372): إذا أفاض الحاج من عرفات فالاحوط ان يبيت ليلة العيد في المزدلفة وان كان لم يثبت وجوبها (1). ] وبالجملة: لا دليل على جواز الوقوف على الجبل الذي هو من حدود المشعر. نعم: أو ارادوا من الجبل (المأزمين) كما حمل صاحب الجواهر عبارة المحقق على ذلك فلا بأس به وان كان بعيدا ولكن كلام صاحب الوسائل صريح في ان الجبل المذكور في عنوان الباب غير المأزمين لانه ذكر الجبل في قبال المأزمين. ثم ان بعض الاعلام استشكل في جواز الوقوف في المأزمين لخروجه عن الموقف وقال: لان الوقوف بالمشعر من الاركان فكيف يسوغ تركه بمجرد كثرة الناس والمضايقة. ولا يخفى ان ما ذكره من أوضح موارد الاجتهاد في مقابل النص فان الاحكام تعبدية ولا مانع من كون الموقف موقفا عند الامكان وعدم الزحام واما عند الزحام والضيق يكون الموقف أوسع وليس وجوب الوقوف في المزدلفة من الاحكام العقلية التي لا تقبل التخصيص. (1) هل الواجب من الوقوف في المشعر هو الوقوف بين الطلوعين فقط، أو يجب المبيت ليلة العيد في المزدلفة أيضا وان لم يكن تركه عمدا يوجب الفساد. المشهور هو الاول واختاره صاحب الجواهر ونسبه إلى ظاهر الاكثر.
[ 163 ]
واستدل أولا بالتأسي (1). وفيه: ان التأسي لا يدل على الوجوب وانما يدل على عدم المنع واستدل ثانيا بعدة من الروايات. منها: صحيحة معاوية بن عمار عن الحلبي: (ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة) (2)، فان المستفاد منها عدم التجاوز عن الحياض ليلة العيد فيظهر منها لزوم المبيت وانما المنهي التجاوز إلى الحياض.
وفيه: ان التجاوز إلى الحياض ليلة العيد (بان يذهب إلى الحياض قليلا ثم يرجع إلى المشعر) جائز بالضرورة ومن قال بوجوب المبيت لا يمنع عن هذا المقدار من التجاوز فالتجاوز إلى الحباض بعنوانه ومستقلا غير محرم قطعا فحينئذ يمكن ان يكون النهي عن التجاوز لاجل درك الوقوف بالمشعر وخوف فوت الموقف. مضافا إلى أنه لا دلالة في الصحيحة على وجوب المبيت حتى مع قطع النظر عما ذكرنا وذلك فان النهي عن التجاوز إلى الحياض لا يدل على وجوب المبيت إذا يمكن ان يفيض من عرفات ويبيت في الطريق قبل الوصول إلى المشعر فيصدق عليه أنه غير متجاوز على الحياض. ومنها: صحيحة معاوية بن عمار: (اصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث شئت الحديث) (3) فان المستفاد منها المفروعية عن المبيت ليلة العيد.
(1) الجواهر: ج 19 ص 73. (2) الوسائل: باب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 3. (3) الوسائل: باب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 .
[ 164 ]
[ (مسألة 373): يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس، لكن الركن منه هو ] والجواب عن ذلك لعله واضح وهو ان الاصباح على طهر يصدق ولو بالوصول إلى المشعر قبل الفجر بقليل ولا يحتاج صدق ذلك على المبيت. والحاصل الوقوف الواجب هو من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ولابد من الوقوف قبل الفجر بقليل من باب المقدمة العلمية فحينئذ يصدق عليه الاصباح بطهور في المشعر. ومنها: خبر عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله (ع) قال: سمي الابطح ابطح لان آدم أمر ان يتبطح في بطحاء جمع فتبطح حتى انفجر الصبح، ثم امر ان يصعد جبل جمع وامره إذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك) (1) فانه يدل على بقاء (آدم) في المشعر قبل الفجر. وفيه: اولا ضعف السند بعبد الحميد بن أبي الديلم وبمحمد بن سنان الواقع في السند. وثانيا: ضعف الدلالة لان الامر بالبطح (2) حتى ينفجر الصبح يتحقق ولو بالمكث قبل الفجر بقليل ولايحتاج إلى المبيت فالرواية اجنبية عن المبيت بمقدار ثلث الليل أو نصفه فلا دليل على لزوم المبيت وان كان هو احوط.
(1) الوسائل: باب 4 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 6. (2) البطح: هو الانطراح والبسط ومنه الانطراح على وجهه .
[ 165 ]
[ الوقوف في الجملة فإذا وقف مقدارا ما بين الطلوعين ولم يقف الباقي ولو متعمدا صح حجه وان ارتكب محرما (1). ] (1) لا ريب في وجوب الوقوف في المشعر فيما بين الطلوعين من يوم العيد وهل يجب الاستيعاب في هذه المدة بأن يقف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، أو ان الواجب هو الوقوف في الجملة، وان لم يستوعب تمام هذه المدة؟. المعروف هو وجوب الاستيعاب بينما ذهب آخرون إلى عدم وجوبه
وممن صرح بذلك صاحب الجواهر (1) واستدل بالاصل واطلاق الادلة وانه لا دليل على التقييد. فيقع البحث تارة من حيث المبدء واخرى من حيث المنتهي. أما من حيث المبدء ولزوم الوقوف من طلوع الفجر فقد يستدل عليه بصحيح معاوية بن عمار المتقدم (اصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل، وإن شئت حيث شئت) (2) فان المستفاد منه لزوم الاصباح في المشعر فلا يجوز التاخر عن طلوع الفجر بل لو لم يكن دليل على عدم اعتبار الطهارة في الوقوف لالتزمنا بوجوب الاصباح عن طهارة الا ان الدليل قام على عدم اعتبار الطهارة في جميع الاعمال والمناسك عدى الطواف وصلاته فيحمل على الاستحباب فما ذكره صاحب الجواهر من انه لا يدل على وجوب الوقوف عند طلوع الفجر.
(1) الجواهر: ج 19 ص 76. (2) الوسائل: باب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1 .
[ 166 ]
وان الرواية في مقام بيان اختيار أي مكان شاء وليست في مقام بيان الكون في المشعر وانما تدل على ان المبدء بعد صلاة الصبح لا يمكن المساعدة عليه. وأما من حيث المنتهي ووجوب الوقوف إلى طلوع الشمس فيدل عليه ما في ذيل صحيح معاوية بن عمار (ثم افض حيث يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع اخفافها) (1)، فان الامر بالافاضة حتى يشرق ثبير أي يضئ ثبير وهو جبل بمكة كناية عن طلوع الشمس. وذكر صاحب الجواهر (2) ان المراد من الاشراق الاسفار لرؤية الابل مواضع اخفافها عند الاسفار، وذلك أعم من طلوع الشمس، ولكن ما ذكره مبنى على حمل هذه الجملة على معناها الحقيقي وأرادة الاسفار والاضاءة من الاشراق. وفيه: ان الظاهر كون المراد من هذه الجملة معنى كنائيا عن طلوع الشمس ويقال اشرق ثبير اي طلعت الشمس كما صرح بذلك في اللغة، وقد فسرت هذه الجملة بطلوع الشمس في رواية معتبرة أيضا وهي ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (ع) قال: ثم افض حين يشرق لك ثبير وترى الابل مواضع اخفافها، قال: أبو عبد الله (ع) كان اهل الجاهلية يقولون اشرق ثبير بعنوان الشمس كيما تغير وانما افاض رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلاف
(1) الوسائل: باب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1. (2) الجواهر: ج 19 ص 76. (3) (اشرق ثبير كيما نغير) (أو اشرق) ونغير اي نسرع إلى النحر وتدفع النفر وسميت ايام التشريق بذلك لان الهدي والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس اي تطلع .
[ 167 ]
اهل الجاهلية كانوا يفيضون بايجاف الخيل وايضاع الابل، فافاض رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة. الحديث (1) والرواية واضحة الدلالة على ان المراد بهذه الجملة هو طلوع الشمس فكأنه قال ثم افض حيث تطلع الشمس وترى الابل مواضع اخفافها. ولا يخفى ان الوسائل لم يذكر جملة (بعنوان الشمس) ولكنها
موجودة في التهذيب. ثم ان الموجود في الوسائل المطبوع بالطبعة الجديده شرف واشرف ثبير بالفاء، وهو غلط جزما، وكذا في الطبعة القديمة. واما من حيث السند فالظاهر ان الرواية معتبرة والمراد بابراهيم الاسدي الواقع في السند الذي روى عنه موسى بن القاسم هو ابراهيم ابن صالح الانماطي الاسدي الذي وثقه النجاشي لانه معروف وله كتاب وينصرف ابراهيم الاسدي إليه. مضافا إلى ان الصدوق رواه في العلل بسند صحيح ليس فيه ابراهيم الاسدي (2). وما جاء في صحيح هشام بن حكم عن أبي عبد الله (ع) قال: لا تتجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس. فالمراد بهذا النص عدم الدخول في وادي محسر وحدوده حتى تطلع
(1) الوسائل: باب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 5. والتهذيب: ج 5 - ص 192. (2) العلل: ص 444 - ط النجف الحيدري - باب 192 - من المجلد الثاني .
[ 168 ]
الشمس وعدم التجاوز وعدم التعدي بالدخول في اول الوادي فبطبيعة الحال لابد ان يبقى في المزدلفة إلى طلوع الشمس فقيل طلوع الشمس ليس له الدخول في وادي محسر، وعدم جواز الخروج عن وادي محسر إلى منى قبل طلوع الشمس وإلا لو كان المراد ذلك لقال لا تدخل منى حتى تطلع الشمس. والحاصل: المنهي هو الدخول في وادي محسر قبل طلوع الشمس. ويؤيد ما ورد في حج آدم (ع) وانه أمر ان ينبطح في بطحاء جمع فانبطح في بطحاء جمع حتى انفجر الصبح وامره إذا طلعت الشمس ان يعترف بذنبه ففعل ذلك (1). وبأزاء هذه الروايات مرسلة علي بن مهزيار (ينبغي للامام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس وسائر الناس ان شاؤا عجلوا وان شاؤا اخروا) (2) فيسوغ لسائر الناس التعجيل والنفر إلى منى قبل طلوع الشمس والجواب أولا ان الرواية ضعيفة بالارسال. وثانيا: ان التعجيل والتأخير انما هما بالنسبة إلى الافاضة والشروع في النفر وذلك يحتاج إلى مدة من الزمان، فمعنى الرواية ان الامام اي أمير الحاج ليس له النفر والحركة حتى تطلع الشمس ولكن سائر الناس لهم ان يعجلوا ويتوجهوا إلى منى وذلك لا يدل على جواز الخروج قبل طلوع الشمس فان الافاضة والشروع في الحركة يحتاج إلى مدة من الزمان كما بيناه وعليه ان لا يتعدى إلى وادي محصر. وبما ذكرنا يظهر الجواب عن موثقة اسحاق بن عمار، قال: سألت
(1) الوسائل: باب 2 من أبواب اقسام الحج ح 21. (2) الوسائل: باب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 4 .
[ 169 ]
أبا ابراهيم (ع) أي ساعة احب اليك ان أفيض من جمع؟ قال: قبل ان تطلع الشمس بقليل فهو احب الساعات الي، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال: لا بأس) (1). فان الافاضة والشروع في الخروج لا يلازم جواز الخروج قبل طلوع الشمس ولا يلازم عدم وجوب البقاء في المشعر لان الشروع في الخروج
والافاضة يستلزم وقتا كثيرا خصوصا في الزحام حتى يخرج: فما ذكره المشهور من وجوب الوقوف من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس على نحو الاستيعاب هو الصحيح. ويؤيد بعدة من الروايات: منها: ترخيص النبي (صلى الله عليه وآله) الضعفاء والنساء الافاضة ليلا (2) فان المستفاد من هذا الترخيص لهؤلاء المذكورين هو وجوب الوقوف بالمشعر فيما بين الطلوعين لغيرهم. ومنها: معتبرة مسمع الآتية: انما الكلام في الركن منه الذي بتركه يفسد الحج نسب إلى الشيخ في الخلاف وابن ادريس ان الركن هو الوقوف فيما بين الطلوعين في الجملة فلو افاض قبل الفجر بطل حجه ونسب إلى المشهور ان الركن هو الوقوف من اول الليل إلى طلوع الشمس بمعنى انه لو وقف مقدارا من الليل وافاض قبل الفجر صح حجه لانه قد اتى بالركن وان ترك واجبا ولكن بجبره بشاة: اما الاجتزاء بالوقوف في الجملة فيما بين الطلوعين فقد دلت عليه
(1) الوسائل: باب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1. (2) الوسائل: باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر .
[ 170 ]
النصوص الدالة على ان من لم يدرك المشعر فلا حج له (1). واما بالنسبة إلى ما قبل الفجر فهل يجزي الوقوف ليلا ويكون حجه صحيحا ام يبطل؟ ذهب المشهور إلى الاجتزاء وانه لو افاض قبل الفجر عامدا بعد ان وقف قليلا ليلا لم يبطل حجه. واستدل لهم بمعتبرة مسمع عن أبي ابراهيم (ع) في رجل وقف مع الناس بجمع ثم افاض قبل ان يفيض الناس، قال: ان كان جاهلا فلاشئ عليه، وان كان افاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة) (2). فان المستفاد منها ان من أفاض قبل طلوع الفجر عالما عامدا لا يفسد حجه وانما ترك واجبا يجبره بشاة. ولا يخفي ان الاستدلال بهذه الرواية لمذهب المشهور يتوقف على ان يكون الحكم الثاني المذكور في الرواية حكما للعالم العامد. واشكل عليهم صاحب الحدائق (3) بان الرواية غير ناظرة إلى حكم العامد وانما نظرها إلى حكم الجاهل من حيث الافاضه قبل الفجر وبعده فموضوع السؤال في الرواية انه وقف مع الناس الوقوف المتعارف وهو الوقوف من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس خصوصا ان قوله وقف مع الناس ظاهر جدا في انه وقف معهم في هذا الوقت فان الناس يقفون ويجتمعون في هذا الوقت ولكن افاض قبل ان يفيض الناس اي قبل طلوع الشمس فقال (ع): لا شئ عليه ثم ان
(1) الوسائل: باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر. (2) الوسائل: باب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1. (2) الحدائق: ج 16 ص 440 .
[ 171 ]
الامام (ع) تدارك وذكر انه انما لا شئ عليه إذا افاض بعد الفجر وان لم يصبر إلى طلوع الشمس ولكن لو افاض الجاهل قبل الفجر فعليه دم شاة، فالرواية في الحكمين ناظرة إلى حكم الجاهل واما العالم العامد فالرواية ساكنة عنه ولا دليل عليه بخصوصه فإذا تشمله الروايات
الدالة على ان من لم يدرك المشعر مع الناس فقد فاته الحج ولا اقل من اجمال رواية مسمع فالمرجع أيضا تلك العمومات الدالة على بطلان الحج بترك الوقوف في المشعر، فحاصل المعنى من الرواية بعد فرض الافاضة في كلام السائل بعد الفجر وقبل طلوع الشمس هكذا: ان كان جاهلا فلا شئ عليه في افاضته في ذلك الوقت، وان كانت افاضته قبل طلوع الفجر فعليه شاة. وما ذكره (قده) متين جدا فإذا لا دليل على الصحة فيما إذا افاض قبل الفجر عمدا فالصحيح ما ذهب إليه ابن ادريس والشيخ في الخلاف من ان الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة فيما بين الطلوعين. ومما يؤيد ان رواية مسمع موردها خصوص الجاهل صحيحة علي بن رئاب ان الصادق (ع) (قال من افاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة) (1). فان وجوب البدنة على المتعمد يكشف عن ان وجوب الشاة عليه، كما في رواية مسمع في مورد الجاهل وإلا فكيف يحكم في مورد واحد تارة بانه عليه شاة واخرى بانه عليه بدنة. ثم ان شيخنا الاستاد النائيني (قده) بعدما اختار مذهب المشهور من ان الركن مسمى الوقوف في جزء من الليل إلى طلوع الشمس،
(1) الوسائل: باب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1 .
[ 172 ]
[ (مسألة 374): من ترك الوقوف فيما بين الفجر وطلوع الشمس رأسا فسد حجه. ويستثني من ذلك النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى فيجوز لهم حينئذ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد والافاضة منها قبل طلوع الفجر إلى منى (1). ] ذكر انه لو افاض قبل طلوع الشمس صح حجه مطلقا أي ولو كان عمدا ولكن الاحوط ان يجبره بشاة. والظاهر انه لا وجه لهذا الجبر فان رواية مسمع انما دلت على الجبر فيما إذا افاض قبل طلوع الفجر ولم يدرك الفجر في المشعر، واما إذا افاض بعد الفجر وقبل طلوع الشمس فلا دليل على الجبر. إلا الفقه الرضوي الذي لم يثبت كونه رواية فضلا عن اعتباره فالمتحصل من جميع ما تقدم: ان الواجب الركني الذي يفسد الحج بتركه هو الموقوف في الجملة فيما بين الطلوعين وان كان الواجب هو الاستيعاب من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس واما المبيت ليلا فغير واجب لعدم الدليل عليه ولو افاض قبل الفجر جهلا منه بالحكم صح حجه ولكن عليه شاة ولو افاض بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس جهلا فلا شئ عليه واما لو افاض في الليل قبل طلوع الفجر عمدا، وترك الوقوف فيما بين الفجر وطلوع الشمس رأسا فقد فسد حجه. (1) لا ينبغي الريب في فساد الحج بترك الوقوف فيما بين الطلوعين
[ 173 ]
[ (مسألة 375): من وقف في المزدلفة ليلة العيد وافاض منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم صح حجه على الاظهر، وعليه كفارة شاة (1). (مسالة 376): من لم يتمكن من الوقوف الاختياري الوقوف فيما بين الطلوعين في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر اجزاه الوقوف الاضطراري الوقوف وقتا ما بعد
طلوع الشمس إلى زوال يوم العيد. ولو تركه عمدا فسد حجه (2). ] رأسا للعامد المختار للروايات المستفيضة المعتبرة مضافا إلى عدم الخلاف. واما جواز الافاضة ليلا للطوائف المذكورين في المتن. فللنصوص المعتبرة المستفيضة فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رخص لهم الافاضة ليلا والرمي ليلا (2). (1) قد ذكرنا حكم هذه المسألة عند البحث عن المسألة 373 فلا نعيد. (2) قد عرفت ان الوقت الاختياري للمشعر من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس، واما الاضطراري فيمتد إلى زوال الشمس
(1) الوسائل: باب 23 من أبواب الوقوف في المزدلفة. (2) الوسائل: باب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر وح 4 من باب 2 من ابواب اقسام الحج وباب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة .
[ 174 ]
من يوم النحر للنصوص الكثيرة المتعتبرة (1) وحكي ابن ادريس عن السيد امتداد وقت المضطر إلى الغروب وانكر العلامة هذه النسبة اشد الانكار، وكيف كان فلا دليل على الامتداد إلى الغروب.
(1) الوسائل: باب 23 من أبواب الوقوف في المزدلفة .
[ 175 ]
[ ادراك الوقفين أو احدهما تقدم ان كلا من الوقوفين الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة ينقسم إلى قسمين: اختياري واضطراري فإذا ادرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا اشكال، والا فله حالات: الاولى. ان لا يدرك شيئا من الوقوفين: الاختياري منهما والاضطراري اصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه ويجب عليه الاتيان بعمرة مفردة بنفس احرام الحج، ويجب عليه الحج في السنة القادمة فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقرا في ذمته. الثانية: ان يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة. الثالثة: ان يدرك الوقوف الاضطراري في (عرفات) والاختياري في (المزدلفة) ففي هاتين الصورتين يصح حجه بلا اشكال. الرابعة: ان يدرك الوقوف الاضطراري في كل من ]
[ 176 ]
[ عرفات والمزدلفة، والاظهر في هذه الصورة حجه وان كان الاحوط اعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحج مستقرا في ذمته. الخامسة: ان يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط ففي هذه الصورة يصح حجه أيضا السادسة: ان يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط ففي هذه الصورة لاتبعد صحة الحج إلا ان الاحوط أن يأتي ببقية الاعمال قاصدا فراغ ذمته عما تعلق بها من العمرة المفردة أو اتمام الحج وان يعيد الحج في السنة القادمة. السابعة: ان يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط
والاظهر في هذه الصورة بطلان الحج فينقلب حجه إلى العمرة المفردة ويستثني من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد وافاض منها قبل الفجر جهلا. منه بالحكم كما تقدم ولكنه ان امكنه الرجوع ولو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك وان لم يمكنه صح حجه وعليه كفارة شاة. الثامنة: ان يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ففي هذه الصورة يبطل حجه فيقلبه إلى العمرة ]
[ 177 ]
[ المفردة (1). ] (1) اعلم ان لكل من الوقوفين الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر الحرام وقت اختياري ووقت اضطراري فيكون المجموع اربعة اوقات اما الموقف الاختياري لعرفة فقد عرفت انه من زوال يوم التاسع من ذي الحجة الحرام إلى الغروب والموقف الاضطراري منها هو الوقوف برهة من ليلة العيد، والموقف الاختياري للمشعر من طلوع الفجر يوم العيد إلى طلوع الشمس والاضطراري من طلوع شمس يوم العيد إلى زواله كما في النصوص الكثيرة (1) ونسب إلى السيد المرتضى (قده) امتداده إلى الغروب من يوم العيد ولا دليل عليه بل لم تثبت النسبة إليه كما تقدم قريبا. إذا عرفت ذلك فحاصل الاقسام المتصورة لدرك الموقفين كالآتي. فان المكلف قد يدرك الموقفين الاختياريين وقد يدرك الاضطراريين وقد يدركهما مختلفين وقد يدرك احدهما الاختياري أو الاضطراري لكل منهما من دون ان يدرك الموقف الآخر فيكون الوقوف الانفرادي اربعة كما ان الوقوف الامتزاجي التركيبي (بين الوقوفين) اربعة وإذا اضفت إليها صورة عدم ادراكه لشئ من الموقفين لا الاختياري ولا الاضطراري تكون الاقسام تسعة. فنقول: قد نفرض ان الناسك لا يدرك شيئا من الموقفين لا الاختياري منها ولا الاضطراري اصلا، ففي هذه الصورة لا ريب في بطلان حجه ويكون ممن فاته الحج ووظيفته الاتيان بعمرة مفردة وعليه الحج
(1) الوسائل: باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر
[ 178 ]
في السنة الآتية فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقرا عليه ويدل عليه عدة من النصوص. منها: صحيح الحلبي قال: سألت ابا عبد الله (ع) عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات (إلى ان قال) فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل) (1). ومنها: صحيحة معاوية بن عمار وغيرهما من الروايات (2) وقد نفرض ان الناسك يدرك الوقوف ففيه صور: فقد يدركهما معا الاختياريين أو الاضطراريين أو اختياري عرفة واضطراري مشعر أو بالعكس اي اضطراري عرفة واختياري مشعر فهذه اربع صور لصورة الامتزاج والتركيب بين الوقوفين واما صور الانفراد فهي اربعة أيضا لانه قد يقف موقف الاختياري لعرفة فقط وقد يدرك الموقف الاختياري للمشعر فقط وقد يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط وقد يدرك الموقف الاضطراري في المزدلفة فقط. فان ادرك المشعر الاختياري فصوره ثلاثة، لانه قد يدرك الموقف
الاختياري لعرفة أيضا، وقد يدرك الموقف الاضطراري لعرفات وقد لا يدرك شيئا من الوقوف في عرفات لا الاختياري ولا الاضطراري اما إذا ادرك الوقوفين الاختياريين فلا ريب في الصحة وهذه هي القدر المتيقن من الحكم بالصحة ولا حاجة إلى التكلم والبحث عنه. واما إذا ضم إليه الموقف الاضطراري لعرفة أو لم يقف في عرفات اصلا
(1) الوسائل: باب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2. (2) الوسائل: باب 27 و 25 من ابواب الوقوف بالمشعر .
[ 179 ]
لا الموقف الاختياري ولا الاضطراري فلا ريب في الحكم بالصحة فيهما أيضا للنصوص الدالة على ان من اتى المزدلفة قبل طلوع الشمس فقد ادرك الحج ولاعمرة له (1)، وقد يدرك الموقف الاضطراري للمشعر فهذا أيضا له صور ثلاث لانه قد يقف في عرفات الموقف الاختياري منها وقد يقف الموقف الاضطراري لعرفة وقد لا يقف في عرفات اصلا لا الاختياري ولا الاضطراري. اما إذا وقف الموقف الاضطراري في المشعر فقط فمقتضي اطلاق جملة من الروايات المعتبرة بل الآية الكريمة بطلان الحج إذا لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس كما في صحيحة الحلبي (فقد تم حجه إذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل) (2) وانه إذا اتى المشعر وقد طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل (3). كما ان مقتضى اطلاق قوله تعالى: (فإذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) إلى ان قال تعالى: (ثم افيضوا من حيث افاض الناس) (4) وجوب درك المشعر عندما يقف الناس فيه ويفيضون إليه ومن المعلوم ان الناس كانوا يقفون إلى طلوع الشمس فمقتضى اطلاق
(1) الوسائل: باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر. (2) الوسائل: باب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2. (3) الوسائل: باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر. (4) البقرة: 198 .
[ 180 ]
هذه الادلة بطلان الحج وفساده لو لم يدرك المشعر الاختياري فلو كنا نحن وهذه الادلة لحكمنا بالفساد إلا إذا كان في البين دليل خاص على خلافه. ولكن قد وردت روايات كثيرة على ان من ادرك المشعر قبل زوال الشمس فقد صح حجه وتم ففي صحيح جميل عن أبي عبد الله (ع) قال: (من ادرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد ادرك الحج) (1). فيحصل التعارض بين الطائفتين لان الطائفة الاولى تدل على انه من لم يدرك المشعر إلى طلوع الشمس فلا حج له والثانية تدل على امتداد الوقت إلى زوال الشمس من يوم العيد وانه لو ادرك المشعر قبل زوال الشمس فقد ادرك المشعر. ولا ينبغي الريب في عدم جواز تأخير الوقوف اختيارا إلى الزوال وما دل على الامتداد إلى الزوال لا يشمل المتعمد لكلمة (من ادرك) في هذه الروايات فان الظاهر من هذه الكلمة هو التأخير عن عذر كما ذكرنا في باب الصلاة في قوله: (من ادرك ركعة من الوقت).
واما التأخير عن عذر فقد عرفت ان مقتضى الطائفة الاولى من الروايات الموافقة الكتاب العزيز هو فساد الحج ومقتضى الثانية هو الصحة وقد ذهب المشهور إلى البطلان. الا ان جماعة من القدماء كابن الجنيد والصدوق والمرتضى وجماعة من المتأخرين كصاحب المدارك والشهيد الثاني اختاروا الصحة. فان قلنا بالتعارض بين الطائفتين فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من الحكم بالبطلان لان الترجيح بالكتاب انما هو للطائفة الاولى.
(1) الوسائل: باب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر .
[ 181 ]
ولكن بعد التأمل في جملة من الروايات يتبين انه لا معارضة بين الطائفتين. بيان ذلك: ان كلا من الطائفتين باعتبار اشتماله على قوله (من ادرك) حيث يظهر من احدهما امتداد الموقف إلى طلوع الشمس مطلقا حتى للمعذور بينما يظهر من الاخرى امتداد الموقف إلى زوال الشمس من يوم النحر على الاطلاق فالمعارضة بينهما ظاهرة. ولكن عدة منها ظاهرة في امتداد الموقف إلى الزوال للمعذور وغير المتمكن فلتكون هذه الروايات شاهدة للجمع بين الطائفتين بحمل الطائفة الاولى على امتداد الموقف إلى طلوع الشمس للمختار وحمل الطائفة الثانية الدالة على امتداد الموقف إلى زوال الشمس من يوم العيد على المعذور وغير المتمكن ففي الحقيقة تكون الروايات على طوائف ثلاث: الاولى: ما دلت على امتداد الموقف إلى طلوع الشمس مطلقا. كصحيحة الحلبي المتقدمة. الثانية: ما دلت على امتداد الموقف إلى الزوال من يوم العيد على الاطلاق كصحيحة جميل المذكورة. الثالثة: ما دلت على امتداد الموقف إلى الزوال للمعذور كما سنذكرها فتكون هذه الطائفة شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدمتين فمن جملة هذه الروايات معتبرة عبد الله بن المغيرة، قال: جائنا رجل بمنى فقال: اني لم ادرك الناس بالموقفين جميعا، فقال له عبد الله بن المغيرة، فلا حج لك وسأل اسحاق بن عمار فلم يجبه فدخل اسحاق بن عمار على ابي الحسن (ع) فسأله عن ذلك، فقال: إذا ادرك مزدلفة فوقف
[ 182 ]
بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد ادرك الحج (1) فانها واضحة الدلالة في فوت الموقفين على الرجل عن عذر وعن غير اختيار وصريحة في امتداد الموقف للمعذور إلى الزوال. واوضح من ذلك معتبره الفضل بن يونس، عن ابي الحسن (ع) قال: سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به إلى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف يجمع، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولا شئ عليه، الحديث (2). فظهر ان الصحيح ما ذهب إليه بعض القدماء وبعض المتأخرين من الاجتزاء بالموقف الاضطراري في المزدلفة للمعذور وان لم يدرك موقفا آخر، فان تم الحكم بالصحة في درك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط فيتم الحكم بالصحة في القسمين الاخرين بالاولوية وهما ما لو ادرك اضطراري عرفة أو ادرك اختياري عرفة منضما إلى الوقوف الاضطراري للمشعر الحرام.
فتحصل: ان من ادرك موقف المشعر الاختياري صح حجه على جميع التقادير سواء وقف اختياري عرفة أو اضطراريها أو لم يدرك شيئا منهما ولا يضره فوت الموقف الاختياري أو الاضطراري لعرفات. وأما من ادرك الوقوف الاضطراري في المشعر الحرام فقط: فصوره كما عرفت ثلاث لانه تارة يقتصر على ذلك ولم يدرك اختياري عرفة ولا الاضطراري منها واخرى يدرك اختياري عرفة أيضا، وثالثة:
(1) الوسائل: باب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1. (2) الوسائل: باب 3 من أبواب الاحصار والصد ح 2 .
[ 183 ]
يدرك اضطراري عرفة، وقد تقدم الكلام في الصورة الاولى وعرفت ان المعروف بين الاصحاب هو بطلان الحج وعدم الاكتفاء بالموقف الاضطراري للمشعر وحده. ولكن الاظهر تبعا لجماعة آخرين من القدماء والمتأخرين هو الصحة وذكرنا ان الروايات وان كانت متعارضة ولكن روايتي ابن المغيرة وابن يونس المتقدمتين تدلان على الصحة في فرض العذر فتحمل روايات البطلان على صورة التمكن وأما الصورتان الاخيرتان فيحكم عليها بالصحة بالاولوية للقطعية. واما إذا قلنا بمقالة المشهور وحكمنا بالبطلان في صورة درك الموقف الاضطراري للمشعر وحده فيقع الكلام في درك الوقوف الاختياري في عرفات مع درك الاضطراري للمشعر. فالمعروف هو الحكم بالصحة وتدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار، قال: قلت: لابي عبد الله (ع) ما تقول في رجل افاض من عرفات فأتى منى؟ قال: فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وان كان الناس قد أفاضوا من جمع) (1) وصحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت: لابي عبد الله (ع) رجل افاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع إلى المشعر فيقف به ثم يرجع ويرمي الجمرة (2). فانهما صريحان في اجزاء اختياري عرفة واضطراري المشعر منضما. وأما لو ادرك اضطراري عرفة واضطراري المشعر فقد اختلفت كلماتهم فذهب بعضهم إلى الفساد وبعضهم إلى الصحة.
(1) (2) الوسائل: باب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 2 و 3 .
[ 184 ]
وهو الحق لصحيح العطار الوارد فيه بالخصوص (عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فاقبل من عرفات يدرك الناس بجمع ووجدهم قد افاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام، وليلحق الناس بمنى ولا شئ عليه) (1). ولكن الاحوط استحبابا خروجا من الخلاف اعادة الحج في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحج مستقرا في ذمته. بقي هنا فرضان آخران. احدهما: من لا يدرك شيئا من الوقوف بالمشعر لا الاختياري منه ولا الاضطراري وانما يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ففي هذه الصورة لا ريب في بطلان الحج للروايات المتقدمة الدالة على ان من لم يدرك المشعر إلى طلوع الشمس أو إلى زوال يوم العيد فقد فاته الحج ولا حج له وليس في البين ما يدل على الصحة. ثانيهما: من ادرك اختياري عرفة خاصة ولم يدرك شيئا من المشعر
الحرام، ففيه خلاف فعن المشهور الصحة وعن العلامة البطلان لان مقتضى اطلاق من لم يدرك المشعر فقد فاته الحج هو الفساد ولا دليل على الاجتزاء بالوقوف الاختياري في عرفات خاصة وما اختاره العلامة هو الصحيح لانتفاء ما يدل على الصحة بدرك اختياري عرفة وحده والروايات صريحة في ان من فاته المشعر فقد فاته الحج. نعم: بقي هنا صورة واحدة وهي ما لو ادرك اختياري عرفة وافاض من عرفات ومر بالزدلفة ولم يقف فيها وافاض منها قبل الفجر جهلا بالحكم بوجوب الوقوف في المزدلفة أو جهلا بالموضوع حتى اتى منى فان علم بعد ذلك
(1) الوسائل: باب 24 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1 .
[ 185 ]
وامكنه الرجوع ولو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب كما عرفت ويكون ممن ادرك اختياري عرفة واضطراري المشعر وان لم يمكنه ذلك صح حجه وعليه دم شاة كما في صحيح مسمع (1) ويكتفي بمجرد المرور والعبور عن المزدلفة وان لم يكن بقصد الوقوف. ويدل على الصحة ايضا ما رواه الكليني باسناد صحيح عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله (ع) انه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى اتى منى، قال: ألم ير الناس؟ ألم ينكر منى حين دخلها؟ قلت: فانه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: ان ذلك قد فاته، قال: لا بأس به) (2) ويلحق بالجاهل الناسي وغيره من المعذورين ولا تحتمل اختصاص الحكم بالصحة في هذا الفرض بالجاهل. ولكن في خبر محمد بن حكيم قيد الصحة والاجتزاء بما إذا ذكر الله في المشعر الحرام (3) إلا انه لا نلتزم بهذا التقييد لان الرواية ضعيفة بمحمد بن حكيم إذ لم يرد فيه توثيق وان كان ممدوحا من حيث المناظرة وعلم الكلام. ولكن هنا اشكالا في سند رواية الخثعمي المتقدمة تقدم في روايات جميل وابن أبي نجران وهو ان الكليني روى الرواية عن الصادق (ع) مسندا (4) ورواها الشيخ مرسلا (5) ومن المستبعد جدا ان الخثعمي يروي الرواية لابن أبي عمير تارة مرسلا عن الصادق كما في التهذيب والاستبصار واخرى مسندا عن الصادق (ع) فلا نعلم ان الرواية رويت بطريق صحيح أو ضعيف وبما ذكرنا ظهر حكم جميع الصور الثمانية
(1) الوسائل: باب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 1. (2) و (3) الوسائل: باب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 6 و 3. (4) الكافي: ج 4 ص 373. (5) التهذيب: ج 5 ص 292 .
[ 186 ]
[ منى وواجباتها إذا افاض المكلف من المزدلفة وجب عليه الرجوع إلى منى لاداء الاعمال الواجبة هناك وهي كما نذكرها تفصيلا ثلاثة: 1 - رمي جمرة العقبة. الرابع من واجبات الحج: رمي جمرة العقبة يوم النحر (1) ] (1) لاريب في وجوب رمي الجمرة العقبة يوم العيد، وهو مما لا خلاف فيه بين المسلمين كافة ونسب ابن حمزة في الوسلية استحبابه إلى الشيخ، وانكر ابن ادريس هذه النسبة اشد الانكار وقال: فيما قال: ولا اظن احدا من المسلمين يخالف فيه، وقد يشتبه على بعض اصحابنا ويعتقد انه مسنون غير واجب لما يجد من كلام بعض المصنفين
عبارة موهمة اوردها في كتابه فان الشيخ قال: في الجمل والرمي مسنون فظن من يقف على هذه العبارة انه مندوب غير واجب وانما اراد الشيخ بقوله: مسنون ان فرضه علم من السنة لان القرآن لا يدل على ذلك في قبال الفريضة الذي يعلم وجوبه من القرآن. وكيف كان: يدل على وجوبه مضافا إلى التسالم وقطع الاصحاب صحيح معاوية بن عمار (خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى
[ 187 ]
التي عند العقبة فأرمها من قبل وجهها) (1). والامر ظاهر في الوجوب إذا لم يقترن بالترخيص الخارجي. ويدل عليه أيضا جواز الافاضة ليلا والرمي ليلا لطوائف خاصة (2) فان الترخيص لهم ليلا يكشف عن ثبوت اصل الوجوب في النهار، ويستفاد الوجوب أيضا من اطلاق رمي الجمار فانه يشمل العقبة كصحيحة ابن اذينة قال: وسألته عن قول الله عزوجل: (الحج الاكبر) فقال: الحج الاكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار) (3) وأيضا ورد في روايات (4) كثيرة انه يرمي عن المريض والمغمى عليه والكسير والمبطون فانه لو لم يكن واجبا لا تجب الاستنابة قطعا، وكذا يستفاد الوجوب مما دل على ان الرمي لابد من ان يكون بحصى الحرم (5) وانه لابد من الاصابة (6) إذ لو لم يكن واجبا لا موجب للاصابة وغير ذلك من الادلة والروايات المتفرقة في أيواب مختلفة كما انه يستفاد الوجوب من الاخبار البيانية الحاكيه لحج النبي (صلى الله عليه وآله) (7).
(1) الوسائل: باب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1. (2) الوسائل: باب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر. (3) الوسائل: باب 19 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح 9. (4) الوسائل: باب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة. (5) الوسائل: باب 4 من ابواب رمي جمرة العقبة. (6) الوسائل: باب 6 من أبواب رمي جمرة العقبة. (7) الوسائل: باب 2 من أبواب اقسام الحج ح 4 .
[ 188 ]
[ ويعتبر فيه امور: 1 - نية القربة (1). 2 - ان يكون الرمي بسبع حصيات ولا يجزئ الاقل من ذلك كما لا يجزئ رمي غيرها من الاجسام (2). 3 - ان يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحدة، فلا يجزئ رمي اثنتين أو اكثر مرة واحدة (3). ] (1) لان هذه الافعال امور عبادية ولابد لكل عبادة من قصد القربة بها (2) التحديد بهذا العدد هو المتسالم عليه بين جميع فقهاء المسلمين ويستدل له بصحيحة معاوية بن عمار (1) وهي وان وردت في رمي الجمار الثلاث ولكن لا نحتمل الفرق في الجمرة العقبي بين رميها مستقلا أو رميها في ضمن الجمرتين الاولى والثانية وغير ذلك من الروايات: (3) اعتبار التتابع هو ان يكون الرمي بحصاة بعد حصاة إلى ان تبلغ سبعة ولا يكتفي برمي سبع حصاة دفعة واحدة أو بدفعتين أو ثلاث واعتبار ذلك أيضا مما لا اشكال فيه والسيرة القطعية جارية على ذلك ولو جاز غير هذا النحو لصدر ولو مرة واحدة من الاصحاب وسائر المسلمين.
ويمكن ان يستفاد لزوم هذا النحو من بعض النصوص كالروايات (2)
(1) الوسائل: باب 6 من أبواب العود إلى منى. (2) الوسائل: باب 11 من أبواب رمي جمرة العقبة .
[ 189 ]
[ 4 - ان تصل الحصيات إلى الجمرة (1). 5 - ان يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي فلا يجزي وضعها عليها (2) والظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمى فلاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم اصابت الجمرة نعم إذا كان ما لاقته الحصاه صلبا فطفرت منه فأصابت الجمرة لم يجزي ذلك (3) ] الدالة على استحباب التكبير عند رمي كل واحد من الحصيات. ولو جاز الرمي مرة واحدة كفي تكبيرة واحدة فلا ريب في ان تعدد التكبيرة يكشف عن تعدد الرمي، ويستفاد أيضا وجوب التعدد من كيفية الرمي واستحباب الرمي خذفا بان يضع الحصى على الابهام ويدفعه بظفر السبابة كما في صحيح البزنطي (1) فان هذه الكيفية وان كانت مستحبه ولكن تدل على المفروعية عن تعدد الرمي وإلا فلا يمكن هذا النحو من الرمي. (1) لعدم صدق رمي الجمرة على مجرد الرمي من دون وصول الحصيات إلى الجمرة ولصحيح معاوية بن عمار (في حديث) قال: فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فاعد مكانها (2). (2) لان الرمي الوارد في النصوص لا يصدق على وضع الحصى على الجمرة كما هو واضح. (3) وهل يجزي في الوصول إلى الجمرة بسبب الرمي اصابة
(1) الوسائل: باب 7 من أبواب رمي جمرة العقبة. (2) الوسائل: باب 6 من ابواب رمي جمرة العقبة.
[ 190 ]
الحصى بشئ ثم يطفر منه ويصيب الجمرة ام يلزم اصابة الحصى إلى الجمرة مباشرة من دون ملاقة الحصى شيئا آخر في الطريق؟ وهذا يتصور على قسمين: احدهما: ان يصيب الحصي في طريقه شيئا ثم تصيب الجمرة والظاهر جواز الاجتزاء بذلك لصدق رمي الجمرة بذلك ولا يعتبر في الرمي ان لا تصل الحصى في طريقه شيئا آخر. هذا مضافا إلى التصريح بالاجتزاء بذلك في صحيح معاوية بن عمار (قال: وان اصابت انسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار اجزاك) (1) ثانيهما: ان يصل الحصى إلى شئ آخر وكان هو المرمي كالحائط أو شئ آخر صلب فطفرت منه ثم اصابت الجمرة بحيث يكون رمي الجمرة بواسطة صلابة الحائط والطفره منه. والظاهر عدم الاكتفاء بذلك. ويظهر من صاحب الجواهر الاجتزاء به لان المقصود رمي الجمرة ووصول الحصى إليه بسبب الرمي وقد حصل ولكن الصحيح عدم الاجتزاء لعدم صدق وصول الحصى إلى الجمرة بسبب الرمي وانما وصلت إليها بسبب الطفرة وصلابة الحائط. والحاصل: يعتبر في الرمي وصول الحصي إلى الجمرة بسبب الرمي واما إذا وصلت إليها بسبب الطفرة ونحوها مما يوجب وصول الحصي إلى الجمرة فلا يكتفي بذلك وليس المقصود مجرد الوصول إلى الجمرة ولو كان بمساعدة جسم آخر وصلابته.
(1) الوسائل: باب 6 من ابواب رمي جمرة العقبة ح 1 (1).
[ 191 ]
[ 6 - ان يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها (1) ويجزي للنساء وسائر من رخص لهم الافاضة من المشعر في الليل ان يرموا بالليل (ليله العيد) لكن يجب عليهم تأخير الذبح والنحر إلى يومه والاحوط تأخير التقصير أيضا ويأتون بعد ذلك اعمال الحج الا الخائف على نفسه من العدو فانه يذبح ويقصر ليلا كما سيأتي. (مسألة 377): إذا شك في الاصابة وعدمها بني على العدم إلا ان يدخل في واجب آخر مترتب عليه أو كان الشك بعد دخول الليل (2). ] (1) قد استفاضت الروايات بان وقته ما بين طلوع الشمس إلى الغروب، ولا يجوز التقديم ولا التاخير إلا للضعفاء فيجوز لهم الرمي ليلة العيد (1) وسيأتي تفصيل ذلك (ان شاء الله تعالى). (2) لو شك في الرمي وعدمه بنى على العدم للاصل، وكذا لو شك في الاصابة وعدمها لظلمة ونحوها لقاعدة الاشتغال أو الاستصحاب نعم لو تجاوز المحل ودخل في واجب آخر مترتب عليه أو كان الشك بعد دخول اليل فلا يعتني بشكه لما ذكرنا في محله ان المعتبر في قاعدة التجاوز هو التجاوز عن الشئ حقيقة أو حكما فان كان الشك في صحة الشئ المأتى به وفساده فالتجاوز عنه حقيقي لفرض وجوده خارجا وانما يشك
(1) الوسائل: باب 13 من أبواب رمي جمرة العقبة .
[ 192 ]
[ (مسألة 378): يعتبر في الحصيات امران: (احدهما): ان تكون من الحرام والافضل اخذها من المشعر (1). ] بعد الفراغ منه وبعد اتيانه في صحته وفساده واما إذا كان الشك في اصل وجوب الشك فالتجاوز الحقيقي غير ممكن وانما يتحقق التجاوز الحكمي باعتبار التجاوز عن محله وهو يتحقق باحد امرين اما بالدخول في واجب آخر مترتب عليه أو بعد الوقت المقرر له كما هو الحال في الشك في اتيان الصلاة بعد الوقت فحينئذ تجري القاعدة وتسمى بالقاعدة الحيلوله ففي هاتين الصورتين لا يعتني بالشك وإلا فلا بد من الاعتناء لعدم تحقق عنوان التجاوز لا حقيقة ولا حكما فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب. ثم ان الواجب ان يكون الرمي بالحصى فلا يجتزي رمي غيره ولو كان حجرا أو مدرا أو زجاجا ونحو ذلك لعدم صدق رمي الحصاة على الرمي بغيرها بل ورد النهي عن الرمي بغيرها ففي صحيح زرارة (وقال: لاترم الجمار إلا بالحصي) (1). (1) يدل على ذلك صحيح زراة قال: حصي الجمار ان اخذته من الحرم اجزأك، وان اخذته من غير الحرم لم يجزئك (2). واما افضليته اخذ الحصي من المشعر فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار (3)
(1) الوسائل: باب 4 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 1. (2) الوسائل: باب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر ح 1. (3) الوسائل: باب 18 من الوقوف بالمشعر ح 1 .
[ 193 ]
[ ثانيهما: أن تكون أبكارا على الاحوط بمعنى انها لم
تكن مستعملة في الرمي قبل ذلك (1). ] واما بقية الامور المذكورة مثل كون الحصى مثل الانملة وكونها كحلية منقطعة وان تكون رخوة كما في رواية البزنطي (1) فهي مستحبة بلا اشكال واما الوجوب فمقطوع العدم. (1) استدل لاعتبار ذلك بالاجماع المدعي في المقام ولكن قد ذكرنا غير مرة ان الاجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم (ع) لم يثبت ولاسيما إذا احتملنا ان مدرك المجمعين انما هو الاخبار الواردة في المقام فيسقط الاجماع حينئذ عن الحجية. واما الاخبار الواردة في هذه المسألة فثلاثة: الاول: مرسل حريز، عن ابي عبد الله (ع) في حصي الجمار قال: لا تأخذ من موضعين: من خارج الحرم، ومن حصى الجمار (2). الثاني: خبر عبد الاعلى، في (حديث) قال: لا تأخذ من حصى الجمار (3). الثالث: مرسل الصدوق عنه (لا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي) (4). ولكن الروايات كلها ضعيفة السند بالارسال أو بضعف الاسناد ولا يتم الاستدلال بها فالحكم باعتبار كون الحصاة ابكارا غير مستعملة
(1) الوسائل: باب 20 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2. (2) و (3) و (4) الوسائل: باب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 1 و 2 .
[ 194 ]
[ ويستحب فيها أن تكون ملونة ومنقطة ورخوة، وان يكون حجمها بمقدار انملة وان يكون الرامي راجلا وعلى طهارة (1). ] في الرمي قبل ذلك مبني على الاحتياط. (1) ويدل على الاول صحيح البزنطي على ما رواه في قرب الاسناد (ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء خذها كحلية منقطة) (1) وفي صحيح هشام (خذ البرش) (2) واما استحباب كونها رخوة فيدل عليه صحيح هشام المتقدم للنهي فيه عن الصم أي الصلب ويدل على كونها بمقدار الانملة صحيح البزنطي المتقدم (حصى الجمار تكون مثل الانملة) ويستحب المشي إلى الجمار والرمي راجلا كما يدل عليهما النصوص (3). ويستحب ان يكون الرامي على طهارة والروايات في ذلك مختلفة في بعضها (لاترم الجمار إلا وانت على طهر) وفي صحيحة اخرى سألته عن الغسل إذا رمى الجمار فقال: ربما فعلت، فأما السنة فلا ولكن من الحر والعرق) (4). وفي صحيحة معاوية بن عمار (في حديث) قال: ويستحب ان
(1) (2) الوسائل: باب 20 من ابواب الوقوف بالمشعر ح 2 و 1 والبرش هو نقط بيض في جلده ومنه الابرش كناية عن الابرص. (3) الوسائل: باب 8 و 9 من ابواب رمي جمرة العقبة. (4) الوسائل: باب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة .
[ 195 ]
[ (مسألة 379): إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال فالاحوط ان يرمي الذي كان سابقا فان لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد
ينفسه واستناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والناسي (1). ] برمي الجمار على طهر وقد تقدم في باب السعي عدم اعتبار الطهارة في شئ من المناسك والاعمال عدى الطواف وصلاته كما في النصوص (1). ولو لم يكن هنا ما يدل على عدم اعتبار الطهارة لالتزمنا أيضا بعدم اعتبارها للتسالم على عدم الاعتبار إذ لو كانت معتبرة لكان من الواضحات. (1) قد عرفت انه لابد من وصول الحصيات إلى الجمرة واصابتها ولاريب ان الجمرة الموجودة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) لا يمكن بقائها إلى يوم القيامة ولاريب في تغييرها وتبديلها فشخص تلك الجمرة الموجودة في زمانهم (ع) لا يلزم رميها جزما لعدم امكان بقائها إلى آخر الدنيا مع ان الدين باق إلى يوم القيامة وقيام الساعه فلا بد من تنفيذ هذا الحكم الاسلامي ولذا لو فرضنا هدمت الجمرة وبنيت في مكانها جمرة اخرى أو رممت أو طليت بالجص والسمنت بحيث يعد ذلك جزء منها عرفا لا بأس برميها ولا يمنع الجص ونحوه من صدق وصول الحصى إلى الجمرة ولكن إذا
(1) الوسائل: باب 15 من أبواب السعي .
[ 196 ]
[ (مسالة 380): إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا منه بالحكم لزمه التدارك اليوم الثالث عشر حسبما تذكر أو علم، فان علم أو تذكر في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممن قد رخص له الرمي في الليل. وسيجئ ذلك في رمي الجمار (1). ] فرض انه بنى على الجمرة بناء آخر مرتفع اعلى من الجمرة السابقة الموجودة في زمانهم (عليهم السلام) كما في زماننا هذا فلا يجتزي برمي المقدار الزائد المرتفع لعدم وجود هذا المقدار في زمانهم (ع) فلم نحرز جواز الاكتفاء برمي هذا المقدار فتبدل المواد لا يضر في الجمرة إذ لا يلزم رمى الجمرة الموجودة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة (عليهم السلام) فان ذلك امر لا يمكن بقائه إلى زماننا لعروض الخراب والتغيير والتبديل على الجمرة قطعا في طيلة هذه القرون الا ان اللازم رمي مقدار الجمرة الموجودة في الزمان السابق وان تغيرت وتبدلت بحيث كانت الزيادة جزءا من الجمرة عرفا، واما إذا زيدت عليها في ارتفاعها بأن بنوا عليها فصارت أعلى من السابق أو زيد في بعض جوانبها بناء آخر فلا يجتزي برمي هذا المقدار الزائد، والاحوط لمن لا يتمكن من رمي نفس الجمرة القديمة ان يرمي بنفسه المقدار الزائد المرتفع ويستنيب شخصا آخر لرمي الجمرة القديمة المزيد عليها. (1) إذا نسي رمي الجمرة العقبة يوم العيد أو تركه جهلا منه
[ 197 ]
بالحكم يجب عليه القضاء في نهار الحادي عشر إذا لم يكن ممن وظيفته الرمي في الليل ولا فيرمي ليلا (اي ليلة الحادي عشر) ويستمر هذا الحكم اي وجوب القضاء إلى آخر أيام التشريق (اي اليوم الثالث عشر) لصحيحة عبد الله بن سنان، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس قال: يرمي إذا اصبح مرتين: مرة لما فاته، والاخرى
ليومه الذي يصبح فيه وليفرق بينهما يكون احدهما بكرة وهي للامس والاخرى عند زوال الشمس (1). ولا يخفى ان السؤال ناظر إلى فوت الواجب في وقته لعروض عارض من العوارض وقد حكم (ع) بالقضاء في الغد، والمستفاد من ذلك قضائه في الايام التي يجب عليها الرمي وهي أيام التشريق فيجمع بين الاداء والقضاء مع التفريق بينهما كما سيأتي واما بعد انقضاء ايام التشريق الذي لا يجب فيه الرمي فلا دليل على قضاء ما فاته من رمي جمرة العقبة. وبعبارة اخرى: تدل الصحيحة على القضاء فيما إذا اصبح اي في الغد ولكن لابد من الغاء اعتبار الغد إذ لا خصوصية له فالمستفاد منها وجوب القضاء في الايام التي يجب فيها الرمي فيجمع بين الاداء والقضاء مع الفصل بينها، واما اليوم الذي لا يجب فيه الرمي اداء فالصحيحة غير دالة على قضاء ما فاته من رمي جمرة العقبة فإذا لا دليل على القضاء بعد انقضاء ايام التشريق، ولذا قيدنا وكذلك الفقهاء القضاء بأيام التشريق. ثم ان هذه الصحيحة لم يذكر فيها ان سبب الترك كان هو النسيان
(1) الوسائل: باب 15 من أبواب رمي جمرة العقبة ح 1 .
[ 198 ]
أو الجهل بل المذكور فيها انه عرض له عارض فلم يرم وهذا يشمل الناسي والجاهل بل يشمل الترك عن التساهل والتسامح في اتيان الرمي ونحو ذلك من الموانع والعوارض فالميزان ما يمنعه عن اداء الواجب على انه لو ثبت التدارك في مورد النسيان ففي مورد الجهل أولى لان مورد النسيان لا تكليف اصلا بخلاف مورد الجهل فانه يمكن التكليف في مورده. ويمكن ان يستدل بصحيح جميل الوارد في جميع اعمال الحج الدال على إن تأخير ما حقه التقديم وبالعكس غير ضائر بصحة العمل فقد روي المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق، قال: لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا، ثم قال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول الله اني حلقت قبل ان اذبح وقال بعضهم: حلقت قبل ان ارمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي ان يؤخروه الا قدموه، فقال لا حرج). ورواه الصدوق باسناده عن ابن ابي عمير مثله الا انه قال: فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم ان يقدموه الا اخروه، ولا شيئا كان ينبغي لهم ان يؤخروه الا قدموه، فقال: لاحرج) (1). ويؤيده ما روي عن البزنطي نحوه. وصدره وان كان في مورد النسيان ولكن لا تحتمل ان جميع هذه الموارد التي يقع فيها التقديم والتأخير منشأها النسيان بل الغالب هو الجهل.
(1) الوسائل: باب 39 من ابواب الذبح ح 4 و 6 .
[ 199 ]
[ ولو علم أو تذكر بعد اليوم الثالث عشر فالاحوط ان يرجع إلى منى ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه وإذا علم أو تذكر بعد الخروج من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الاحوط (1). ] (1) لو تذكر أو علم بعد ايام التشريق اي بعد اليوم الثالث عشر
فالمعروف بين الاصحاب هو القضاء في السنة القادمة لان الرمي لا يقع الا في ايام التشريق واما غيرها من الايام فغير قابلة لوقوع الرمي فيه واستندوا في ذلك إلى رواية عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله (ع) قال: من اغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي ايام التشريق فعليه ان يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه فانه لا يكون رمي الجمار إلا ايام التشريق) (1). ولكنها ضعيفة بمحمد بن يزيد لانه لم يرد فيه توثيق ولا مدح يعتد به. الا ان مقتضى اطلاق صحاح معاوية بن عمار لزوم الرجوع والرمي متى تذكر ولو كان بعد ايام التشريق ففي صحيحة عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله (ع) ما تقول في امرأة جهلت ان ترمى الجمار حتى نفرت إلى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت
(1) الوسائل: باب 3 من ابواب العود إلى منى ح 4 و 1 .
[ 200 ]
يرمي والرجل كذلك) (1). وفي صحيحة اخرى عنه قال: قلت: رجل نسي (رمي) الجمار حتى اتى مكة، قال: يرجع فيرمها يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت فاته ذلك وخرج، قال: ليس عليه شئ (2). وفي صحيحة ثالثة: عنه رجل نسي رمي الجمار، قال يرجع فيرميها قلت: فان نسيها حتى اتى مكة، قال يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: ليس عليه ان يعيد (3). وهذه الصحاح وان كان موردها رمي الجمار ولكن يثبت الحكم في رمي الجمرة العقبة بالاولى لانه من اعمال الحج بخلاف رمي بقية الجمار فانه واجب مستقل. فلو كنا نحن وهذه الصحاح لالتزمنا بلزوم الرجوع ولو بعد أيام التشريق). ودعوى: ان ظرف الرمي أيام التشريق لا دليل عليها سوى رواية عمر بن يزيد الضعيفة. ولكن المشهور التزموا بمضمون رواية عمر بن يزيد وحمل الشيخ اطلاق روايات معاوية بن عمار على ما دلت عليه رواية عمر بن يزيد من وجوب الرجوع والرمي مع بقاء ايام التشريق ومع خروجها يقضي في السنة القادمة بل تسالم الاصحاب على ذلك ولم ينقل الخلاف من
) (1) الوسائل: باب 3 من ابواب العود إلى منى ح 4 و 1. (2) (3) الوسائل: باب 3 من أبواب العود إلى منى ح 2 و 3 .
[ 201 ]
[ (مسألة 381): إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف، وان كانت الاعادة احوط واما إذا كان الترك مع العلم والعمد فالظاهر بطلان طوافه فيجب عليه ان يعيده بعد تدارك الرمي (1). ] احد وقالوا وبذلك ينجبر سند الخبر المزبور وقال: صاحب الجواهر (1) وبذلك يظهر انه لا وجه للتوقف في سقوط الرمي بعد خروج زمانه ولذا ذكرنا في المتن ان الاحوط لمن كان في مكة ان يرجع إلى منى
ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه. نعم إذا علم أو تذكر بعد الخروج من مكة لا يجب عليه الرجوع بلا كلام للتصريح بذلك في صحيحتي معاوية بن عمار فيبقى عليه القضاء في السنة القادمة فان عملنا برواية عمر بن يزيد المتقدمة فهو والا فلا يجب عليه شئ كما في الصحيحتين. (1) إذا نسي الرمي يوم العيد واتى ببقية الاعمال وتذكر بعد الطواف فهل يجب عليه اعادة الطواف رعاية للترتيب أم لا؟ ولا يخفى ان صحيحة ابن سنان المتقدمه الواردة فيمن لم يرم الجمرة يوم العيد التي امرت بالرمي في اليوم اللاحق لم يذكر فيها الطواف وانه اتى به أم لا؟ إلا ان الظاهر عدم وجوب اعادة الطواف لصحيح جميل المتقدم
(1) الجواهر: ج 20 ص 28 .
[ 202 ]
الدال على ان تقديم ما حقه التأخير أو بالعكس نسيانا غير ضائر بصحة الحج ويدخل في هذه الكبرى تقديم الطواف على الرمي فالواجب عليه انما هو تدارك الرمي فقط نعم الاحوط اعادة الطواف رعاية للترتيب. واما إذا ترك الرمي عمدا فلا ريب في بطلان طوافه ولابد من اعادته وصحيح جميل المتقدم لا يشمل العامد لان مورده النسيان والحقنا به ما يشبهه كالجهل فلا دليل على صحة الطواف المتقدم على وجه العمد.
[ 203 ]
[ (2) (الذبح أو النحر في منى) وهو الخامس من واجبات حج التمتع) (1). ] (1) بالضرورة وبالكتاب (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي) وبالنصوص المستفيضة، منها قول أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة (في المتمتع قال: وعليه الهدي، قلت: وما الهدي؟ فقال: افضله بدنة، واوسطه بقرة، وآخره شاة) واخفظه شاة) (1). وقد وقع الكلام في وجوب الهدي لاهل مكة إذا تمتعوا لمشروعية حج التمتع لهم أيضا فالمشهور شهرة عظيمة بل لم ينقل الخلاف من احد في وجوب الهدي على المكي إذا تمتع. ولكن المحكي عن الشيخ في المبسوط (2) عدم وجوب الهدي عليه فكأنه خص وجوب الهدي على البعيد إذا تمتع، بناءا على رجوع اسم الاشارة في قوله تعالى: (ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام) إلى الهدي لا إلى التمتع المذكور في الآية قبل ذلك يعني: ان الهدي الذي تقدم ذكره وظيفة لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام فان الاشارة ترجع إلى القريب ولا ادعوا ان الاشارة إذا تعقبت الشرط
(1) الوسائل: باب 10 من أبواب الذبح ح 5 وباب 5 من أبواب اقسام الحج ح 3. (2) المبسوط: ج 1 ص 207 اوائل قصل انواع الحج وشرائطها .
[ 204 ]
والجزاء ترجع إلى الجزاء خاصة لا إلى الشرط والجزاء معا (نظير قولنا: من دخلي داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصيا) فان الاشارة ترجع إلى الجزاء دون الشرط كما مثل بذلك في الجواهر. ويرد: بان (ذلك) اشارة للبعيد و (هذا) اشارة للقريب
فالاشارة في الآية ترجع إلى البعيد وهو التمتع المذكور قبل الهدي. فقد قال عز من قائل: (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام) (1) اي ذلك الحج التمتع على من لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام فلا ظهور للاية في قول الشيخ. ولو فرضنا ظهورها في القول المزبور فلا بد من رفع اليد عن ذلك لظهور الروايات المعتبرة المفسرة للاية فانها تدل بوضوح على ان المشار إليه في قوله (ذلك) انما هو حج التمتع لا خصوص الهدي. ففي صحيح زرارة، عن ابي جعفر (ع) قال: قلت: لابي جعفر قول الله عزوجل في كتابه (ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام) قال: يعني اهل مكة ليس عليهم متعة الحديث) (2)، وفي صحيحة اخرى: (ليس لاهل مكه ولا لاهل مر ولا لاهل سرف متعة وذلك لقول الله عزوجل (ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام) (3) وغيرهما من الروايات. فاطلاق الروايات الدالة على لزوم الهدي في حج التمتع بحاله ولم
(1) البقرة: 196. (2) (3) الوسائل: باب 6 من أبواب أقسام الحج 3 و 1 .
[ 205 ]
[ ويعتبر فيه قصد القربة (1) والايقاع في النهار، ولا يجزيه الذبح أو النحر في الليل وان كان جاهلا، نعم يجوز للخائف الذبح والنحر في الليل (2). ] يرد عليه تقييد، فلا فرق بين المكي وغيره إذا تمتعا. (1) لان الحج من العبادات فلابد من اتيان اجزائه وافعاله واعماله مقرونة بالقربة. (2) لا اشكال ولا خلاف في لزوم ايقاع الذبح أو النحر في نهار يوم العيد ولا يجزي ايقاعه في ليلة العيد. ويستدل له بالسيرة القطعية الجارية بين المسلمين المتصلة بزمان النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) ولو كان ايقاع الذبح في الليل جائزا لوقع أو نقل من احد المعصومين أو من أحد من الاصحاب أو من سائر المسلمين. ويستفاد اعتبار ذلك أيضا من تعبير يوم العيد بيوم النحر في النصوص (1) وعن أيام التشريق بأيام الاضحية، كما انه يستفاد لزوم ايقاعه في النهار من اعتبار وقوعه بعد الرمي كما سيأتي لقوله: في صحيح معاوية بن عمار: إذا رميت الجمرة فاشتر هديك (3) وقد تقدم قريبا ان الرمي لابد من ايقاعه في النهار.
(1) الوسائل: باب 13 و 16 من ابواب رمي جمرة العقبة وباب 6 من الذبح. (2) الوسائل: باب 8 - من الذبح - ح 4 .
[ 206 ]
[ ويجب الاتيان به بعد الرمي (1). ولكن لو قدمه على الرمي جهلا أو نسيانا صح ولم يحتج إلى الاعادة. ] ويمكن ان يستدل لذلك بالترخيص لخصوص الخائف ان يرمي بالليل ويضحي بالليل (1). واما النساء الضعفاء والشيوخ فلم يرخص لهم الذبح في الليل وان
جاز لهم الرمي ليلا فان تخصيص الخائف بالترخيص في الذبح بالليل وعدم ترخيصه لغيره من الضفعاء والنساء يكشف عن لزوم وقوع الذبح في النهار. نعم يجوز للخائف الذبح في الليل كما يجوز له الرمي كما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: لا بأس ان يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل. وفي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (ع) في الخائف انه لا بأس ان يضحي بالليل) (2). (1) لعدة من الروايات البيانية وغيرها من الروايات التي دلت على انه لو قدمه جهلا لا يضر في الاجتزاء المؤيدة بصحيح جميل المتقدم
(1) الوسائل: باب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة وباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر. (2) الوسائل: باب 7 من أبواب الذبح ح 1 و 2. (3) الوسائل: باب 39 من أبواب الذبح وباب 3 من ابواب اقسام الحج ح 4 .
[ 207 ]
[ ويجب ان يكون الذبح أو النحر بمنى (1). ] الدال على ان تقديم ما حقه التأخير وبالعكس نسيانا أو جهلا غير ضائر في الحكم بالصحة. فيستفاد من ذلك اعتبار الترتيب ولزوم ايقاعه بعد الرمي، وقد عرفت دلالة صحيح معاوية بن عمار المتقدمه قريبا على تأخير الهدي عن الرمي. ولكن الشرط ليس على الاطلاق وانما هو شرط ذكري. ولذا لو قدمه على الرمي جهلا أو نسيانا لم يحتج إلى الاعادة لصحيح جميل المتقدم. ولا تجب على الناسك مباشرة الذبح جزما (كما سيأتي) والا لكان وجوب المباشرة واضحا مع انه لم يقل احد بوجوبها وقد ورد في بعض الروايات الواردة في النساء والضعفاء الذين يفيضون بالليل ويرمون بالليل ان يؤمروا من يذبح عنهم ويوكلوا من يذبح عنهم. والمتفاهم من هذه النصوص (1) عدم لزوم المباشرة في الذبح ولا نحتمل خصوصية للنساء والضعفاء. بل يمكن ان يقال انه لا مقتضى لوجوب المباشرة من الاول حتى نحتاج في جواز الايكال إلى الدليل فان المستفاد من الآية الكريمة والنص كصحيحة زرارة المتقدمه وجوب الهدي على الحاج والمطلوب منه وقوع هذا الفعل الخارجي فلا يستفاد من الادلة وجوب صدوره منه بنفسه مباشرة. (1) للقطع به عند الاصحاب وللسيرة القطعية المستمرة من زمن
(1) الوسائل: باب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر .
[ 208 ]
النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زماننا، ويدل عليه مضافا إلى ما ذكر الكتاب العزيز بضميمة ما ورد في تفسيره من الروايات. أما الكتاب فقوله تعالى: (واتموا الحج والعمرة لله فان احصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتي يبلغ الهدي محله) (1). فيظهر من الآية الكريمة ان الهدي له محل معين خاص لا يجوز ذبحه في غيره وفي رواية معتبرة فسر المحل بمنى، عن زرعة قال: سألته عن رجل أحصر في الحج قال: فليبعث بهديه إذا كان مع اصحابه،
ومحله ان يبلغ الهدي محله ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج (2). فضم الرواية إلى الآية ينتج ان الكتاب العزيز يدل على لزوم الذبح بمنى. بل يمكن الاستدلال بنفس الآية الشريفة مع قطع النظر عن المعتبرة المفسرة لها لان الآية صريحة في ان الهدي له محل خاص معين وليس ذلك غير منى قطعا فيتعين كونه منى. ويدل عليه أيضا صحيح منصور بن حازم، عن ابي عبد الله (ع) في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: ان كان نحره بمنى فقد اجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، وان كان نحوه في غير منى لم يجز عن صاحبه) (3). فانه دال على عدم الاجتزاء لو ذبح في غير منى في حال الاضطرار وعدم الاختيار فكيف بحال التمكن والاختيار.
(1) البقرة: 196. (2) الوسائل: باب 2 من أبواب الاحصار والصد ح 3. (3) الوسائل: باب 28 من أبواب الذبح ح 2 .
[ 209 ]
ويؤيد ذلك بعدة من الروايات الضعيفة. منها: رواية ابراهيم الكرخي في رجل قدم بهديه مكة في العشر فقال: ان كان هديا واجبا فلا ينحره الا بمنى وان كان ليس بواجب فينحره بمكة ان شاء) (1) وهي ضعيفة بابراهيم الكرخي. ومنها: رواية عبد الاعلى، قال: قال أبو عبد الله (ع) لاهدي الا من الابل، ولا دبح الا بمنى) (2) وهي أيضا ضعيفة بعبد الاعلى فانه مشترك بين الثقه والضعيف فان عبد الاعلى اسم لعبد الاعلى بن اعين العجلي الثقه بشهادة الشيخ المفيد وعلي بن ابراهيم القمي وكذلك اسم لعبد الاعلى بن اعين مولى آل سام الذي لم تثبت وثاقته بل الظاهر ان الراوي في هذه الرواية هو عبد الاعلى غير الثقة بقرينة رواية ابان عنه في هذه الرواية وغيرها من الروايات واحتمل بعضهم اتحاد عبد الاعلى مولى آل سالم مع عبد الاعلى بن اعين العجلي الثقة. ويدل على الاتحاد ما في رواية الكليني والشيخ من التصريح بان عبد الاعلى بن اعين هو عبد الاعلى مولى آل سالم. والجواب: ان غاية ما يثبت بذلك ان والد كل منهما مسمى بأعين ومجرد ذلك لا يكشف عن الاتحاد ويكشف عن التعدد ان الشيخ عد كلا منهما مستقلا من اصحاب الصادق (ع). ومنها: رواية مسمع عن أبي عبد الله (ع) منى كله منحر وافضل المنحر كله المسجد) (3) والدلالة واضحة فان المستفاد منها المفروغية عن كون منى مذبحا وانه لا يختص المذبح بمكان خاص من منى ولكن السند ضعيف بالحسن اللؤلؤي فانه الحسن بن الحسين فانه وان كان ممن
(1) و (2) و (3) الوسائل: باب 4 من أبواب الذبح 1 و 6 و 7 .
[ 210 ]
[ وان لم يمكن بذلك كما قيل انه كذلك في زماننا لاجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسر فان تمكن المكلف من التأخير والذبح أو النحر في منى ولو كان ذلك إلى آخر ذي الحجة حلق أو قصر واحل بذلك واخر ذبحه أو نحره وما يترتب عليهما من الطواف والصلاة والسعي والا جاز له الذبح في المذبح الفعلي ويجزيه ذلك (1). ]
وثقه النجاشي ولكن يعارض توثيقه بتضعيف ابن الوليد له وتبعه تلميذه الشيخ الصدوق وأبو العباس بن نوح فان ابن الوليد استثنى من روايات محمد بن احمد بن يحى ما كان ينفرد بن الحسن بن الحسين اللؤلؤي. ومنها: النبوي (منى كلها منحر) (1). (1) بعدما عرفت من لزوم ايقاع الذبح في منى يقع الكلام فيما إذ لم يتمكن المكلف من ذلك لمانع خارجي كما في زماننا لاجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسر كما قيل، فهل يؤخر الذبح عن يوم العيد إلى زمان يتمكن من الذبح في يوم العيد في غير منى. ولا يخفى ان فقهائنا الابرار لم يتعرضوا لصورة العجز عن الذبح في منى لعدم الابتلاء بذلك في الازمنة السابقة وانما حدث ذلك في زماننا فالمسألة من المسائل المستحدثة. والذي ينبغي ان يقال: ان من لم يتمكن من الذبح في منى يوم العيد قد يستمر عدم تمكنه من الذبح في منى إلى آخر ذي الحجة وقد
(1) المستدرك: باب 35 من أبواب كفارات الصيد ح 3 .
[ 211 ]
لا يستمر بل يتمكن من الذبح في منى ايام التشريق أو في ساير ايام شهر ذي الحجة اما الاول: فمقتضى القاعدة هو الذبح في يوم العيد في غير منى اي في المذبح الفعليي عينته السلطة هناك ويسقط اشتراط وقوع الذبح بمنى. والوجه في ذلك ان الكتاب والسنة كصحيحة زراة (في المتمتع قال: وعليه الهدي) متفقان على وجوب اصل الهدي (1). وكذلك قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر (3) يدل على وجوب الهدي حيث جعل الله تعالى البدن من شعائر الله واعلام دينه. فمقتضى هذه الاطلاقات وجوب اصل الذبح وانما قيدناه بلزوم وقوعه في منى لصحيح منصور بن حازم ولما ورد في تفسير الآية المباركة ولكنها لا يدلان على التقييد المطلق بل غاية ما يدلان عليه انما هو التقييد في الجملة، فان الرواية المتقدمة المفسرة للآية الشريقة لم تكن في مقام بيان وجوب الذبح على اطلاقه حتى في مورد العذر وانما هي في مقام بيان ان المحصور إذا بعث بهديه يجوز له الحلق إذا بلغ الهدي محله وكذلك صحيح منصور بن حازم فان السؤال والجواب فيه غير ناظرين إلى الشرطية المطلقة وانما هما ناظران إلى من ضل هديه ونحره من وجده فأجاب (ع) انه إذا نحره من وجده بمنى اجزء عن صاحبه وان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه فغاية ما يستفاد من ذلك
(1) البقرة: 196 - الوسائل: باب 10 من ابواب الذبح ح 5. (2) الحج: 36 .
[ 212 ]
الاشتراط في الجملة. وكذلك الاجماع المدعي على وجوب ذبحه بمنى لا يشمل مورد العجز عن ذبحه بمنى. فالمرجع حينئذ هو اطلاقات ادلة وجوب الذبح فان دليل القيد إذا لم يكن له اطلاق فيؤخذ باطلاق دليل اصل الواجب ومقتضاه الذبح في اي مكان شاء. فعلى ما ذكرنا لا موجب للانتقال إلى الصوم بدل الهدي فان الصوم
الذي هو بدل عن الهدي انما يجب على من لم يتمكن من الهدي لفقده واما من يتمكن من الهدي ويجد ثمنه ولكن لا يتمكن من الذبح بمنى فلا يشمله هذا الحكم. وبالجملة: فمقتضى القاعدة المستفادة من الادله وجوب الذبح في يوم العيد في غير منى كالمذبح الفعلي المتعين ويجزيه ذلك. واما الثاني: وهو ما لو تمكن من الذبح بمنى في غير يوم العيد فيتعين عليه تأخير الذبح إلى آخر ايام التشريق إلى آخر ذي الحجة. والوجه في ذلك ان لزوم الذبح في يوم العيد كما سيأتي مبني على الاحتياط فان المسألة كما ستعرف قريبا (ان شاء الله تعالى) خلافية فان عمدة دليل لزوم ايقاع الذبح في يوم العيد انما هو الامر بالحلق بعد الذبح كما في رواية عمر بن يزيد (إذا ذبحت اضحيتك فاحلق رأسك) (1). والمفروض ان الحلق لابد من ايقاعه يوم العيد على كلام سيأتي ان شاء الله تعالى فلازم ذلك وقوع الذبح في يوم العيد، ولكن
(1) الوسائل: باب 1 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 213 ]
[ (مسألة 382): الاحوط ان يكون الذبح أو النحر يوم العيد (1) ولكن إذا تركهما يوم العيد لنسيان أو لغيره من الاعذار أو لجهل بالحكم (2) لزمه التدارك إلى آخر ] ذلك لا يقتضي سقوط الذبح بمنى لان الحلق انما يترتب على الذبح الصحيح وهو الذبح بمنى. وبعبارة اخرى: الترتيب المعتبر بين الذبح والحلق انما هو بين الذبح المأمور به والحلق فما دل على الترتيب لا يدل على انه متى يجب الحلق أو الهدي ومتى لا يجب. فمقتضى اشتراط وقوعه في منى جواز التأخير عن يوم العيد حتى يذبح في منى في ايام التشريق أو في بقية ايام ذي الحجة، وقد ورد جواز التأخير لمن لم يجد الهدي لفقده وتمكن من ثمنه ان يودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هديا ويذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة (1). والحاصل: شرطية وقوع الحلق بعد الذبح انما هي بعد الذبح الصحيح وان لم يتمكن من ذلك فيجوز له الحلق بالفعل ويحل بذلك ويؤخر ذبحه وما يترتب عليه من الطواف وصلاته والسعي إلى ما بعد الذبح. (1) استدلوا عليه بالتاسي ومن الواضح انه لا يدل على الوجوب بل غايته الافضلية، والعمدة ما ورد من الامر بالحلق بعد الذبح كما في رواية عمر بن يزيد المتقدمه بناءا على لزوم الحلق في يوم العيد فاللازم وقوع الذبح في يوم العيد. (2) لا ريب في الحكم بالصحة لصحيح جميل وصحيح محمد بن حمران (2)
(1) الوسائل: باب 44 من أبواب الذبح. (2) الوسائل: باب 39 من ابواب الذبح ح 4 وباب 2 من ابواب الحلق ح 2 .
[ 214 ]
[ ايام التشريق وان استمر العذر جاز تأخيره إلى آخر ذي الحجة فإذا تذكر أو علم بعد الطواف وتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف وان كانت الاعادة احوط. واما إذا تركه عالما عامدا فطاف فالظاهر بطلان طوافه ويجب عليه ان يعيده بعد تدارك الذبح (1). ] الدالين على ان الترتيب شرط ذكرى فلا موجب الفساد كما لا موجب
لسقوط الذبح فيكون الذبح مأمورا به حتى بعد الحلق، فان تذكر في ايام التشريق فيذبحه فيها لما دل على ان ايام التشريق هي ايام الاضحية والا فان استمر عذره إلى آخر ذي الحجة فيذبحه فيه ايضا لاطلاق ادلة وجوب الذبح فالتقييد بأيام التشريق للمختار ولمن تذكر فيها والا فيجوز الذبح في ساير ايام ذي الحجة لما ورد فيمن لم يجد الهدي لفقده ان يودع ثمنه عند ثقة ويوكله ليذبحه ولو إلى آخر ذي الحجة فإذا جاز الذبح من الوكيل في بقية ذي الحجة يجوز من نفس من وجب عليه الهدي بطريق أولى. (1) سنذكر في محله قريبا (ان شاء الله تعالى) ان طواف الحج مترتب على الذبح والحلق فلو ترك الذبح جهلا أو نسيانا أو عذرا يلزم عليه الذبح في أيام التشريق أو آخر ذي الحجة فيلزم عليه تأخير الطواف رعاية للترتيب المعتبر فان طاف قبل الذبح وتذكر أو علم عدم الذبح فهل يعيد طوافه ام لا؟. مقتضى قاعدة الترتيب اعادة الطواف ولكن مقتضى صحيح جميل
[ 215 ]
[ (مسالة 383): لا يجزئ هدي واحد الا عن شخص واحد (1). ] ومحمد بن حمران المويدين بخبر البزنطي (1) عدم الاعادة وان الترتيب شرط ذكري واما إذا قدم الطواف عالما عامدا ولو عن عذر يحكم بفساد الطواف لفقدان الترتيب ولعدم شمول صحيح جميل وصحيح ابن حمران للمقام. (1) لاريب في مقتضى الآية الكريمة (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) (2) والروايات المعتبرة كصحيحة زرارة (في المتمتع قال: وعليه الهدي، قلت: وما الهدي؟ فقال: افضله بدنة الحديث) (3). وصحيحة محمد بن مسلم لا يجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى هو اجزاء هدي واحد عن شخص واحد فلا يجزي هدي واحد عن شخصين أو اكثر فان الهدي اسم للحيوان بتمامه فإذا وجب الهدي على شخص لازمه اجراء هدي واحد بتمامه عن شخص واحد بل صحيح
(1) الوسائل: باب 39 من ابواب الذبح ح 4 و 6 وباب 2 من أبواب الحلق ح 2. (29 البقرة: 196. (3) الوسائل: باب 10 من ابواب الذبح ح 5 وباب 18 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 216 ]
محمد بن مسلم صريح في ذلك فاشتراط شخصين في هدي واحد والاجتزاء به يحتاج إلى دليل. وقد يقال بجواز اشتراك خسمة أو سبعة أو خوان واحد بهدي واحد اعتماد على عدة من الروايات. وعمدتها ثلاث روايات: احدها: معتبرة حمران قال: عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار، فسأل أبو جعفر (ع) عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها قال: قلت: كم؟ قال: ما خف فهو افضل، قال: فقلت: عن كم يجزي؟ فقال: عن سبعين) (1).
والجواب: انه لم يذكر فيها الهدي الواجب لان الهدي غير واجب على جميع اصناف الحجاج وانما يجب على المتمتع خاصة واما المفرد بالحج فلا يجب عليه الهدي فيحمل الهدي على المندوب في حج الافراد فان المفرد بالحج يستحب له الهدي (ولعل اكثر الحجاج سابقا كان حجهم حج افراد). ويؤكد ذلك ما في صحيح محمد الحلبي الذي فصل بين الهدي الواجب والمندوب (عن النفر تجزيهم البقرة، فقال: اما في الهدي فلا، واما في الاضحى فنعم) (2). فانه صريح في عدم الاجتزاء في الهدى والاجتزاء في الاضحى المراد به الاضحية المستحبة. ثانيها: صحيحة الحجاج (عن قوم غلت عليهم الاضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون، وليسوا باهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد، ألهم ان يذبحوا بقرة؟ قال: لا احب
(1) و (2) الوسائل: باب 18 من ابواب الذبح ح 11 و 3 .
[ 217 ]
ذلك الا من ضرورة) (1). بناءا على حمل قوله: (لا احب) على المرجوحية مع الجواز. وفيه: ان قوله: (لا احب) لا يدل على الجواز وانما يدل على الكراهة والمبغوضية وهي اعم من الكراهة المصطلحة والحرمة بل كثيرا ما يستعمل هذه الكلمة في الحرمة في اللغة العربية وغيرها فالرواية على خلاف المطلوب لعله ادل. ولو تنزلنا فغاية الامر عدم دلالته على الحرمة. ثالثها: صحيحة معاوية بن عمار (يجزي عن خمسة بمنى إذا كانوا اهل خوان واحد) (2). وربما يتخيل انها مقيدة لعدم جواز الاشتراك. والنتيجة بمقتضى قانون الاطلاق والتقييد هي اجزاء هدي واحد عن خمسة إذا كانوا اهل خوان واحد (3). وفيه: ان هذه الرواية رواها أبو الحسين النخعي عن معاوية بن عمار وللنخعي رواية اخرى عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي تدل على عدم جواز الاشتراك في الهدي في منى وجوازه في الهدي في الامصار (قال (ع) تجزي البقرة أو البدنة في الامصار عن سبعة، ولا تجزي بمنى إلا عن واحد) (4). فبقرينة عدم جواز الاشتراك في منى وجوازه في الامصار تكون
(1) الوسائل: باب 18 من ابواب الذبح ح 10. (2) الوسائل: باب 18 من أبواب الذبح ح 5. (3) الخوان ما يوضع عليه الطعام. (4) الوسائل: باب 18 من ابواب الذبح ح 4
[ 218 ]
[ (مسألة 384): يجب ان يكون الهدي من الابل أو البقر، أو الغنم. ولا يجزي من الابل إلا ما اكمل السنة ] الرواية موردها الاضحية لا الهدي الواجب ففي الحقيقة تكون هذه الرواية مقيدة للاضحية وان الاضحية المستحبة لو ذبحت في منى فلا يجزي الواحد عن شخصين واما في ساير الامصار فيجزي عن اكثر من واحد فيظهر ان لمنى خصوصية، وهي عدم اجزاء الهدي الواحد إلا عن واحد فتكون هذه قرينة المرواية الثانية في ان التخصيص بالنسبة إلى الاضحية، لا الهدي فالنتيجة ان الاضحية في منى لا تجزي الا عن واحد
الا إذا كانوا اهل خوان واحد. ولو اغمضنا عن روايته الثانية الدالة على عدم جواز الاشتراك. وكنا نحن والرواية الدالة على جواز الاشتراك عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد لكانت دلالته على الاجتزاء حتى في الهدي الواجب بالاطلاق فتقع المعارضة بينها وبين صحيح الحلبي المتقدم الدال على عدم اجزاء الاشتراك في الهدي فان مقتضى اطلاق صحيح الحلبي عدم الفرق بين من وجب عليه الهدي كانوا من خوان واحد ام لا، والنسبة عموم من وجه لان صحيح الحلبي مطلق من حيث خوان واحد وعدمه وصحيح معاوية مطلق من حيث الهدي وعدمه فيقع المعارضة في الهدي بالنسبة إلى جماعة إذا كانوا من خوان واحد فان صحيح الحلبي باطلاقه يدل على عدم اجزاء الاشتراك وصحيح معاوية يدل باطلاقه على الاجزاء ويتساقطان فيرجع إلى اطلاق الادلة العامة الدالة على لزوم الهدي على كل أحد ومقتضاه اجزاء هدي واحد بتمامه عن شخص واحد.
[ 219 ]
[ الخامسة ودخل في السادسة ولامن البقر والمعز الا ما اكمل الثانية ودخل في الثالثة على الاحوط (1). ] (1) لا ريب في ان المعتبر في الهدي ان يكون من الانعام الثلاثة الابل، والبقر، والغنم ولا يجزي غيرها من الحيوانات كالغزال والطير ونحوهما. ويدل على ذلك مضافا إلى التسالم والضرورة قوله تعالى: (واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا. إلى ان قال تعالى: ويذكرون اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) (1) لاجماع المفسرين الفقهاء واللغويين (2) على ان المراد ببهيمة الانعام الحيوانات الثلاثة الابل، والبقر، والغنم. وكذلك يدل عليه النصوص الكثيرة منها صحيحة زرارة المتقدمة غير مرة (في المتمتع قال: وعليه الهدي، قلت: وما الهدي؟ فقال: افضله بدنة، وأوسطه بقرة: وآخره شاة) (3). هذا من حيث الجنس. وأما استنانه فلا يجزئ من الابل الا ما اكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ومن البقر من اكمل سنته، ودخل في الثانية وكذلك المعز
(1) سورة الحج آية 28. (2) البهيمة وهي كل ذات اربع من دواب السير والبحر وكل ما كان من الحيوان لا يميز فهو بهيمة. فبهيمة الانعام من قبيل اضافة الجنس إلى ما هو اخص منه. (3) الوسائل: باب 10 من أبواب الذبح ح 5 .
[ 220 ]
كما في صحيح عيص بن القاسم عن أبى عبد الله (ع) عن علي (ع) انه كان يقول: الثنية من الابل، والثنية من البقر، والثنية من المعز) (1) وفسر الثني في الابل بما اكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة. والظاهر انه لا خلاف ولا كلام في ذلك انما وقع الكلام في المراد من ثني المعز فالمشهور مالة سنة ودخل في الثانية وذهب جماعة إلى ان ثنى المعز ما دخل في الثالثة. اقول: لاشك ان التحديد بما ذكر في الروايات انما هو بالنسبة إلى اقل ما يجزي وإلا فلا اشكال في اجزاء الازيد فليس ما ذكر في النصوص
حدا للاكثر، فعليه لو دار الامر بين كون الواجب ما دخل في الثانية أو في الثالثة فيدخل المورد من صغريات مسألة الشك في الاقل والاكثر إذ نعلم بوجوب ذبح الجامع بين الاقل والاكثر ونشك في خصوص اعتبار الاكثر فالمرجع البرائة العقلية والشرعية ونرفع القيد والكلفة الزائدة بالاكثر بالبرائة ونحكم باجزاء الاقل وهو ما دخل في الثانية وان لم يكمل السنتان نعم لا ريب ان ما دخل في الثالثة احوط كما ذكرنا في المتن. واما البقر فالحكم فيه ما في المعز بعينه من حيث القاعدة من الرجوع إلى اصالة البرائة عن الازيد فنقتصر في البقر بما اكمل سنة ودخل في الثانية. واما بالنسبة إلى النصوص الواردة فيه ففي صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الابل والبقر ايهما افضل ان يضحى بها؟ قال: ذوات الارحام، وسألته عن اسنانها فقال: اما البقر لا يضرك
(1) الوسائل: باب 11 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 221 ]
باي اسانها ضحيت) (1). فربما يتوهم معارضته لصحيح العيض المتقدم الدال على اعتبار الثني، ولكن التأمل يقضي بعدم التعارض لان ثني البقر الذي فسر بما دخل في الثانية اول ما يصدق عليه اسم البقر ولو كان سنه اقل من ذلك لا يصدق عليه اسم البقر وانما هو عجل فيتفق مورد العيص ومورد صحيح الحلبي ولا تعارض بينهما. وبعبارة اخرى: صحيح الحلبي يؤكد ان المعتبر ما صدق عليه اسم البقر والبقر لا يصدق على ما كان سنه اقل من سنة وانما يصدق على ما اكمل سنة ودخل في الثانية فيتفق صحيح الحلبي مع صحيح العيص ولا اقل من الشك في صدق اسم البقرة على الاقل من ذلك فلا بد من اعتبار اكمال سنة واحدة والدخول في الثانية تحفظا على صدق العنوان وهو (البقرة). ومما ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى معتبرة محمد بن حمرام عن أبي عبد الله (ع) قال: اسنان البقرة تبيعها ومسنها في الذبح سواء) (2). فانه فسرت التبيعة باقل من السنة فيكون معارضا لصحيح العيص المتقدم الدال على اعتبار الثنى وهو ما دخل في الثانية ولكن الظاهر انه لا تعارض بينهما لان التبيعة ذكرت في باب الزكاة وتسالموا هناك بان المراد من التبيعة ما اكمل سنة واحدة ودخل في الثانية ومن المستبعد جدا ان يراد بالتبيعة هنا غير ما يراد في باب الزكاة، بل الظاهر وحدة المراد بها في الموردين فيتحد التبيعة مع الثنية.
(1) الوسائل: باب 11 من ابواب الذبح ح 5. (2) الوسائل: باب 11 من أبواب الذبح ح 7 .
[ 222 ]
[ ولا يجزي من الضأن الا ما اكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، والاحوط ان يكون قد اكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية (1). ] نعم: لو اريد من الثنية ما دخل في الثالثة يتحقق التعارض بين صحيح العيص وصحيح محمد بن حمران، ولكن قد عرفت ان الصحيح في تفسير الثنية مما دخل في الثانية فما ذكره المشهور من اعتبار الدخول في الثانية في البقر هو الصحيح. ثم ان الشيخ احمد الجزائري صاحب كتاب آيات الاحكام ذكر
رواية محمد بن حمران عن الكافي (اسنان البقر ثنيها ومسنها سواء) وعلى نسخته فلا تعارض في البين برأسه إلا ان الموجود في نسخ الكافي التي بايدينا وكذلك المنتفي والوافي والوسائل وغيرها ممن نقل عن الكافي (تبيعها) لا (ثنيها) (1). (1) لا خلاف في الاجتزاء بالجذع عن الضان كما في النص ففي معتبرة ابن سنان (يجري من الضأن الجذع) (2).
(1) والظاهر ان الجزائري (عليه الرحمة) ذكر في الرواية (تبيعها) كما في الوسائل لا (ثنيها) ويشهد لذلك قوله (ره) بعد الرواية بلا فصل (والتبيع مادخل في الثانية فان كان المذكور في الرواية ثنيها لا مناسبة لتفسير التبيع في هذا المقام بلا فصل فيعلم ان الغلط والاشتباه من الناسخ لا من المؤلف. (2) الوسائل: باب 11 من أبواب الذبح ح 2 .
[ 223 ]
[ وإذا تبين له بعد الذبح في الهدي انه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك ولزمته الاعادة (1). ويعتبر في الهدي ان يكون تام الاعضاء فلا يجزئ الاعور، والاعرج والمقطوع اذنه، والمكسور قرنه الداخل ونحو ذلك. والاظهر عدم كفاية الخصي أيضا، ويعتبر فيه ان لا يكون مهزولا عرفا والاحوط الاولى ان لا يكون مريضا ولا ] وانما وقع الكلام في المراد من الجذع فعن جماعة تفسيره بما اكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، وعن جماعة ما كان له سنة تامة ودخل في الثانية ومقتضى القاعدة هو الاقتصار والبرائة من الزائد. لان الشك في المقام من الشك بين الاقل والاكثر وان كان الاحوط الاجتزاء بما اكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية. ثم انه لو تم ما ذكره المشهور من الاكتفاء بالدخول في الثانية في المعز ففي الجذع من الضأن لابد من الاجتزاء قبل ذلك لان الضأن اكبر واخشن من الجذع من المعز ففي النص ان الجذع من الضأن يلقح والجذع من المعز لا يلقح (1). (1) لا ريب ان عدم اجزاء الفاقد عما يعتبر فيه مما يقتضيه القاعدة لعدم الدليل على اجزاء الفاقد عن المأمور به فان اجزاء الفاقد عن المأمور به يحتاج إلى الدليل نعم في بعض الشروط المعتبرة لو انكشف الخلاف بعد الذبح ورد الدليل بالاجزاء. هذا تمام الكلام في السن.
(1) الوسائل: باب 11 من أبواب الذبح ح 4 .
[ 224 ]
[ موجؤا ولا مرضوض الخصيتين ولا كبيرا لامخ له، ولا بأس بان يكون مشقوق الاذن أو مثقوبها وان كان الاحوط اعتبار سلامته منهما والاحوط الاولى ان لا يكون الهدي فاقد القرن أو الذنب من اصل خلقته (1). ] واما من حيث الصفات المعتبرة فيه فلابد من كونه تمام الاجزاء والاعضاء وعدم نقص عضوي فيه حتى إذا كان النقص غير دخيل في حياته وعيشته كمقطوع الاذن لصحيح علي بن جعفر (عن الرجل يشتري الاضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال: نعم إلا ان يكون هديا واجبا فانه لا يجزي ان يكون ناقصا) (1) فان المستفاد منه اعتبار كون الحيوان تام الخلقة والاعضاء عدم الاجتزاء بالناقص ولو كان النقص لا يضر بحياته العادية ولا يخل بسعيه ومشيه
واكله كمقطوع الاذن ونحوه. ويظهر من هذه الصحيحة ومعتبرة السكوني عدم النقص من حيث الصفة وان كان اصل العضو موجودا كالاعرج والاعور فان اصل الرجل والعين موجودة ولكن لا ينتفع بها في المشي أو الرؤية وصحيح علي بن جعفر قد طبق فيه الناقص على مورد السؤال وهو العوراء وفي معتبرة السكوني صرح بعدم اجزاء عدة من الامور كالعور اولا العجفا والخرقا، والجذعاء ولا العضباء (2). وكذا لا يجزي مكسور القرن أو مقطوعه كما في معتبرة السكوني
(1) و (2) الوسائل: باب 21 من أبواب الذبح ح 1 و 5 و 3 .
[ 225 ]
لتفسير العضباء في المعتبرة بمكسورة القرن ولكن في صحيح جميل فصل بين القرن الداخل والخارج وجعل العبرة بكسر القرن الداخل (قال (عليه السلام): في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس وان كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا) (1) ونحوه صحيح آخر عنه (2) فسلامة القرن الداخل معتبرة وان لم تكن دخيلة في حياة الحيوان وعيشه على النحو المتعارف وفسر القرن الداخل بالابيض الذي في وسط الخارج. واما الخصي ففي صحيحة ابن مسلم المنع عنه (قال: وسألته أيضحي بالخصي؟ فقال: لا) بل يظهر من صحيح عبد الرحمان عدم الاجزاء حتى لو ذبحه وهو لا يعلم ثم علم انه كان خصيا (عن الرجل يشتري الهدي، فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ولم يكن يعلم ان الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا يجزيه إلا ان يكون لاقوة به عليه) (3). ولكن يظهر من معتبرات اخر جواز الاضحية بالخصي واطلاقها يقتضي الجواز في الهدي أيضا ففي صحيح الحلبي (قال (ع): النعجة من الضأن إذا كانت سمينة افضل من الخصي من الضأن، وقال: (الكبش السمين خير من الخصي ومن الانثى) فيعلم من ذلك جواز الخصي وان كان دون غيره في الفضل إلا انه لابد من رفع اليد عن اطلاقه وحمله على الاضحية المندوبة لصراحة الصحاح المتقدمه في المنع عن الهدي بالخصي.
) (1) و (2) الوسائل: باب 22 من أبواب الذبح ح 3 و 1. (3) الوسائل: باب 12 من أبواب الذبح ح 1 و 3 و 5 .
[ 226 ]
وأما بقية الصفات فالظاهر عدم اعتبارها فيما إذا لم تكن دخيلة في حياة الحيوان كمرضوض الخصيتين والموجوء فان المنفعة المطلوبة غير موجودة في المرضوض فهو كالخصي ولكن مع ذلك يجتزي به لعدم صدق الناقص على هذا الحيوان فان الناقص انما يصدق على فاقد العضو كفاقد الاذن ونحو ذلك وان لم يكن دخيلا في حياة الحيوان والحقنا بالفاقد الاعور والاعرج واما المرضوض والموجوء فلا موجب لعدم الاجتزاء بهما لعدم دخلهما في حياة الحيوان وعدم صدق الناقص عليهما بل ورد في بعض الروايات المعتبرة (1) جواز الموجوء ومرضوض الخصيتين مع انه مثل الخصي في عدم التوالد والتناسل فلو فرض عموم دليل الناقص وشموله لمثل ذلك ما دل على جواز الموجوء ومرضوض الخصيتين مخصصا ومقيدا لعموم الناقص. واما المهزول فالظاهر عدم الاجتزاء به في الهدي والاجتزاء به في
الاضحية المندوبة ويدل عليه عدة من الروايات. منها: صحيح الحلبي (وان اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فانها لا تجزي عنه). وفي صحيح ابن مسلم وان نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه) (2). واما الكبير الذي لامخ له فالظاهر جواز الاجتزاء به لعدم ما يدل على المنع سوى رواية عامية مروية عن غير طرقنا وهي رواية البراء ابن عازب (3).
(1) الوسائل: باب 12 من ابواب الذبح ح 7. (2) الوسائل: باب 16 من أبواب الذبح ح 5. (3) الجواهر: ج 19 ص 140 .
[ 227 ]
وكذا لامانع بمشقوق الاذن أو مثقوبها. والوجه في ذلك ان صحيح الحلبي وان كان يظهر منه عدم الاجتزاء لقوله (ع) (وان كان شقا فلا يصلح) (1). ولكن لا يمكن الالتزام بالمنع لان مشقوق الاذن لو كان ممنوعا لظهر وبان لان شق الاذن في الحيوانات كثير جدا ومما يكثر الابتلاء به فكيف يخفي المنع عنه على الاصحاب مع انهم صرحوا بجواز الاكتفاء بالمشقوق ومثقوب الاذن على ان المستفاد من معتبرة السكوني المتقدمة (2) اختصاص المنع بالمقطوع ومن الواضح ان القطع مسبوق بالشق دائما فلو كان الشق مانعا لما كان القطع مانعا براسه بل الشق السابق يكون مانعا فلا مجال حينئذ لكون القطع مانعا فيعلم من اعتبار مانعية القطع ان الشق بنفسه غير مانع. ويؤيد ما كرناه بمرسل البزنطي باسناد له عن احدهما (ع) قال: سأل عن الاضاحي إذا كانت الاذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة، فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس) (3). واما المريض فلا بأس به لعدم الدليل على المنع إلا النبوي المتقدم. ولا يصدق عنوان الناقص عليه، فان المرض يقابله الصحة والنقص يقابله الكمال فان تم الاجماع في المقام فهو وإلا فالاظهر الاجتزاء بالمريض. واما التي لم يخلق لها قرن ولا ذنب فهل تجزئ ام لا؟ فيه كلام
(1) الوسائل: باب 23 من ابواب الذبح ح 2. (2) الوسائل: باب 21 من أبواب الذبح ح 3. (3) الوسائل: باب 23 من ابواب الذبح ح 1 .
[ 228 ]
فعن المشهور الاجتزاء بذلك واستشكل في الجواهر (1) لانه مناف لاطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا فان النقص اهم من النقص العارض أو النقص الاصلي حسب خلقته. ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور. والوجه في ذلك انه لو كان جنس الحيوان كلك حسب خلقته الاصلية فان الحيوانات تختلف خلقة بحسب اختلاف البلاد فإذا فرضنا ان معزا لا ذنب له حسب جنسه وخلقته الاصلية فلا ريب في عدم صدق عنوان الناقص على ذلك ومجرد وجود الذنب في صنف آخر لا وجب صدق الناقص على الفاقد في نوع آخر، واما إذا فرضنا ان فردا من افراد نوع لا ذنب له خلقة اتفاقا فالامر كذلك أيضا فان النقص انما يلاحظ بحسب حياته وعيشه كالعوراء والعرجاء ونحوهما. وبعبارة اخرى: الاعضاء التي تساعد الحيوان على عيشه وحياته
يعتبر فقدها نقصا واما فقد العضو الذي لا يؤثر في استمرار حياته وعيشه لا يصدق عليه النقصان. وأما عدم الاجتزاء بالاعرج وبمكسور القرن ومقطوع الاذن فللنص ولذا لاريب في عدم صدق الناقص على الحيوان الذي اخذ صوفه أو شعره ولم يقل احد بعدم اجزائه باعتبار نقصان بعض اجزائه فحال القرن والذنب حال الصوف فالاطلاقات كافية في الحكم بالاجتزاء بالتي لم يخلق لها قرن أو ذنب من اصله ولو شك في تقيدها بصحيح على ابن جعفر لعدم العلم بالمراد من النقص يؤخذ بالقدر المتيقن من عنوان النقص وهو مقطوع الرجل بالعرض ونحو ذلك، فما نسب إلى المشهور
(1) الجواهر: ج 19 ص 144 .
[ 229 ]
[ (مسألة 385): إذا اشترى هديا معتقدا سلامته فبان معيبا بعد نقد ثمنه فالظاهر جواز الاكتفاء به (1). ] هو الصحيح. (1) خلافا للمشهور وعمدة الروايات الواردة في المقام انما هي صحيحة علي بن جعفر المتقدمة (عن الرجل يشترى الاضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها، هل تجزي عنه؟ قال: نعم إلا ان يكون هديا واجبا فانه لا يجوز ان يكون ناقصا) فانها صريحة في عدم الاجتزاء في الهدي الواجب في الصورة المذكورة في الرواية. وبازائها صحيح معاوية بن عمار (في رجل يشترى هديا فكان به عيب عور أو غيره فقال: ان كان نقد ثمنه فقد اجزء عنه وان لم يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره) (1) فانه يعارض صحيح ابن جعفر بالاطلاق فان مقتضى اطلاق صحيح على بن جعفر عدم الاجزاء إذا كان ناقصا فيما إذا لا يعلم إلا بعد شرائه سواء نقد الثمن ام لا ومقتضى اطلاق صحيحة معاوية بن عمار انه إذا نقد الثمن يجزي علم بالنقص بعد الشراء ام لا. فيقع التعارض فيما إذا نقد الثمن ولم يعلم بالعيب إلا بعد الشراء فمقتضى اطلاق صحيح علي بن جعفر هو عدم الاجتزاء ومقتضى صحيح معاوية بن عمار هو الاجتزاء ولكن صحيح عمران الحلبي يقيد كلا الاطلاقين (قال: من اشترى هديا ولم يعلم ان به عيبا حتى نقد ثمنه
(1) الوسائل: باب 24 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 230 ]
[ (مسألة 386): ما ذكرناه من شروط الهدي انما هو في فرض التمكن منه فان لم يتمكن من الواجد للشرائط اجزأ الفاقد وما تيسر له من الهدي (1). ] ثم علم فقد تم) (1) فانه يدل على الاجتزاء في مورد الاجتماع فما دل على الاجزاء محمول على العلم بعد نقد الثمن وما دل على عدم الاجزاء محمول على العلم قبل نقد الثمن فلا تعارض بين الروايتين. ولكن الشيخ (ره) حمل الاجزاء على الهدي المندوب أو على تعذر رده فاقتصر في الاجزاء في صورة عدم التمكن من الرد ولا وجه له اصلا لان صحيح عمران الحلبي صريح في الاجزاء في صورة نقد الثمن فلا بد من رفع اليد عن اطلاق صحيح علي بن جعفر. يبقى الكلام فيما ذكره صاحب الجواهر من اعراض الاصحاب عن صحيح عمران الحلبي وصحيح معاوية إلا انا نقول بانه لم يثبت اعراضهم ولعلهم كالشيخ ذهبوا إلى الحمل الدلالي بين الروايات.
على انه قد ذكرنا مرارا انه لا اثر لاعراض الاصحاب فالعمدة ما يستظهر من النصوص. (1) جميع ما ذكرناه من شروط الهدي انما يعتبر في حال التمكن وقد ورد في خصوص الخصي انه لو لم يتمكن إلا منه فحينئذ يجزيه ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألت أبا ابراهيم (ع) عن الرجل يشتري الهدي، فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب، ولم يكن يعلم ان الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه ام يعيده؟ قال لا يجزيه
(1) الوسائل: باب 24 من أبواب الذبح ح 3 .
[ 231 ]
[ (مسألة 387): إذا ذبح الهدي بزعم انه سمين فبان مهزولا اجزأه ولم يحتج الا الاعادة (1). ] الا ان يكون لاقوة به عليه (1). والعمدة صحيح معاوية بن عمار لشموله للخصي وغيره (في حديث) قال: قال أبو عبد الله (ع): اشتر فحلا سمينا للمتعة، فان لم تجد فموجوءا فأن لم تجد فمن فحولة المعز فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فما استيسر من الهدي) (2). فان المستفاد منه ان الشروط المذكورة انما هي معتبرة حال التمكن وذلك هو الموافق للآية الكريمة (فما استيسر من الهدي) فالتقييدات مختصة بحال التمكن ولا يسقط وجوب الهدي بتعذر الصحيح. (1) ويدل على الاجزاء المذكور عدة من الروايات المعتبرة. منها: صحيحة محمد بن مسلم (وان اشترى اضحية وهو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة اجزأت عنه) (3). انما الكلام فيما لو وجدها مهزولة قبل الذبح فهل يجزي ام لا؟. مقتضى اطلاق عبارة الشرائع وصريح غيره هو الاجزاء عملا باطلاق الروايات فالذي يضر ما إذا كان عالما بهزالها واما إذا اعتقد سمنها ووجدها مهزولة ولو قبل الذبح فيجزي ولكن الجواهر قيد عبارة الشرائع بما بعد الذبح وقال (ره) (نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز) وذكر ان اطلاق الروايات الدالة على الاجزاء منصرف إلى ما لو
(1) و (2) الوسائل: باب 12 من ابواب الذبح ح 3 و 7. (3) الوسائل: باب 16 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 232 ]
انكشف الهزال بعد الذبح واستدل لعدم الاجزاء باطلاق صحيح محمد بن مسلم الشامل لما قبل الذبح وما بعده (سأل عن الاضحية فقال: اقرن فحل سمين عظيم الانف والاذن إلى ان قال ان اشترى اضحية وهو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه وقال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضحي بكبش اقرن عظيم سمين الحديث (1). ويرده: بانه ليس في المقام ما يدل على عدم الاجزاء وما نقله من صحيح محمد بن مسلم قد سهي في نقل متنه وخلط بين روايتين لمحمد بن مسلم (2) وليس فيهما هذه الجملة وهي قوله: (وان اشترى اضحية وهو ينوي انها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه) بل الموجود في الصحيحة (اجزأت عنه) فالاستدلال بالصحيحه ساقط بالمرة. واما دعوى الانصراف في بقية الروايات إلى ما بعد الذبح فلا شاهد لها ولو فرضنا انصراف كلمة الوجدان إلى ما بعد الذبح فكلمة (فخرجت) كما في صحيح ابن مسلم غير منصرفة إلى ما بعد الذبح قطعا بل هي
مطلقة بالنسبة إلى ما بعد الذبح وما قبله فالاطلاق بالنسبة إليها باق على حاله. فالذي لا يجزي ما لم يكن ناويا سمنها وخرجت مهزولة كما في الصحيح واما إذا اشتراها ناويا سمنها وخرجت مهزولة أو نواها مهزولة فخرجت سمينة اجزات عنه.
(1) الجواهر: ج 19 ص 148. (2) الوسائل: باب 13 من ابواب الذبح ح 2 وباب 16 من أبواب الذبح ح 1.
[ 233 ]
[ (مسألة 388): إذا ذبح ثم شك في انه كان واجدا للشرائط حكم بصحته ان احتمل انه كان محرزا للشرائط حين الذبح، ومنه ما إذا شك بعد الذبح انه كان بمنى ام كان في محل آخر (1). وما إذا شك في اصل الذبح فان كان الشك بعد الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه والا لزم الاتيان به إذا شك في هزال الهدي فذبحه، امتثالا لامر الله تبارك وتعالى ولو رجاءا ثم ظهر سمنه بعد الذبح اجزأ ذلك. ] (1) لقاعدة الفراغ الجارية في جميع العبادات والمعاملات، واما لو شك في اصل وقوع الذبح وصدوره، فلا يحكم بوقوعه إلا بعد الدخول في عمل آخر مترتب على الذبح فان التجاوز لا يتحقق في هذه الصورة إلا بالدخول في غيره كما إذا شك في اصل الذبح بعد الحلق أو التقصير فان مكان الذبح قبل الحلق ولو من باب الاحتياط اللزومي فيحكم حينئذ بوقوعه ولا يعتني بشكه. ولو شك في هزال الهدي وسمته ومع ذلك ذبحه ناويا به الامتثال لامر الله تعالى ولو رجاءا بمعنى انه لو كان مهزولا ذبح ثانيا وإذا كان سمينا اكتفى بذلك فان بقي على شكه فلا يجزي وكذلك إذا ظهر مهزولا واما إذا ظهر سمينا فقد استشكل بعضهم في الصحة لعدم الجزم بالنية. وفيه ما لا يخفى: فان الجزم بالنية غير معتبر في صحة العبادة ويصح اتيان العبادة رجاءا ولو مع التمكمن من الجزم
[ 234 ]
[ (مسألة 389): إذا اشترى هديا سليما فمرض بعدما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب اجزأه ان يذبحه ولا يلزمه ابداله (1). ] تذييل قد عرفت انه لو اعتقد سمن الحيوان ثم تبين انه كان مهزولا يجتزي به بعد الذبح بل وقبل الذبح ولكن الحكم بذلك كان في مورد شراء الحيوان واما مالو ملك الحيوان بغير سبب الشراء كما إذا ملكه بالارث أو الهدية ونحو ذلك واعتقد سمنه فبان انه مهزول فهل يجزي كما كان ذلك في مورد الشراء ام لا؟. فنقول: ان كان العيب الموجود في الحيوان غير الهزال كالعرج والعور فلا دليل على الاجزاء نظير فقدان السن إذا لا دليل على اجزاء غير المأمور به عن المأمور به. فهل الهزال كساير العيوب ام لا. الظاهر هو الثاني لان السمن ليس شرطا واقعيا بخلاف سلامة الحيوان من العيوب لاطلاق الادلة ولذا لافرق في اعتبارها بين العلم والجهل واما الهزال فلم يرد دليل على المنع عنه وعدم الاجزاء به وانما ورد النص عن الهزال المعلوم واما إذا تبين الهزال بعد الشراء فلا دليل
على عدم الاجتزاء به ولا اطلاق على المنع كما تقدم في المسألة (387) فالمرجع اطلاقات ادلة الهدي ولا اقل من الرجوع إلى اصالة البرائة. (1) يدل على ذلك امران:
[ 235 ]
[ (مسألة 390): لو اشترى هديا فضل اشترى مكانه هديا آخر فان وجد الاول قبل ذبح الثاني ذبح الاول وهو بالخيار في الثاني ان شاء ذبحه وان شاء لم يذبحه وهو كسائر امواله والاحوط الاولى ذبحه أيضا وان وجده بعد ذبحه. ] احدهما: ما تقدم من انه إذا نقد الثمن يجزي وان ظهر كونه معيبا فيعلم من ذلك ان النقص الحادث غير مضر كالنقص الموجود سابقا إذا لم يعلم به حال البيع ولا يحتمل اختصاص عدم المنع بالعيب الموجود سابقا. وبعبارة اخرى: العيب السابق غير مضر فكذلك العيب الحادث إذا كان الشراء بعنوان انه سليم وسمين لعدم احتمال الفرق بين الامرين. الثاني: صحيح معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن رجل اهدى هديا وهو سمين فأصابه مرض وانفقأت عينه فانكسر فبلغ المنحر وهو حي، قال يذبحه وقد اجزأ عنه) (1). والظاهر انه لا خصوصية للكسر بل المتفاهم من ذلك مطلق العيب فالعبرة بحدوث العيب بعد اهداء الهدي وبلوغه المنحر وهو حي والمستفاد منه عموم الحكم لمطلق العيب العارض بعد الشراء، وسيأتي (ان شاء الله تعالى) ان اهداء الهدي يوجب تعيين هذا الحيوان بالهدي ولا يجوز ابداله ولا يختص ذلك بالاشعار في حج القران.
(1) الوسائل: باب 26 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 236 ]
[ الثاني ذبح الاول أيضا على الاحوط (1). ] (1) لاريب في ان مقتضى القاعدة الاولية انه لو ضل هديه يجب عليه ان يشتري مكانه هديا آخر لان الواجب عليه ذبح الهدي ومجرد الشراء لا يوجب سقوط المأمور به عنه. فيقع الكلام في جهات. الاولى: هل يكتفي في سقوط الهدي ببلوغه محله وهو منى وان ضاع أو انه يبدله بهدي آخر لان الواجب عليه الذبح فما لم يتحقق ذبح الهدي يكون التكليف باقيا في ذمته. والذي يظهر من الجواهر وجود القول بالاجتزاء إذا ضل الهدي بعد بلوغه المحل، ولم يذكر القائل من هو. وعلى كل حال: لا ينبغي الاشكال في ضعف هذا القول لاطلاق الادلة المقتضى لوجوب الهدي، والاجتزاء بمجرد الشراء وبلوغ الهدي محله لا دليل عليه. مضافا إلى معتبرة أبى بصير (عن رجل اشترى كبشا فهلك منه قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر الحديث (1) ولا يضر وجود محمد بن سنان في طريق الشيخ فان طريق الصدوق إلى ابن مسكان صحيح. نعم: وردت عدة روايات بعضها معتبرة دلت على الاكتفاء بمجرد الشراء ولكن موردها الاضحية المندوبة لا الهدي الواجب فتكون الروايات اجنبية عن المقام كصحيحة معاوية بن عمار (عن رجل اشترى اضحية
(1) الوسائل: باب 32 من أبواب الذبح ح 2 .
[ 237 ]
فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها، قال: لا بأس وان ابدلها فهو افضل وان لم يشتر فليس عليه شئ) (1) وبعضها وان وردت في الهدي كرواية علي بن أبي حمزة (إذا اشتريت اضحيتك وقمطتها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله) (2) فان المذكور في الصدر وان كان الاضحية ولكن المراد بها الهدي الواجب بقرينة قوله فقد بلغ الهدي محله ولكنها ضعيفة جدا بعلي بن أبي حمزة البطائني المعروف بالكذب وبعضها مطلق يشمل الاضحية المندوبة والهدي الواجب كخبر احمد بن محمد بن عيسى في كتابه من غير واحد من اصحابنا عن أبي عبد الله (ع) (في رجل اشترى شاة فسرقت منه أو هلكت، فقال: ان كان اوثقها في رحله فضاعت فقد اجزأت عنه) (3) ولكن الرواية ضعيفة بالارسال للفصل الطويل بين احمد بن عيسى واصحاب الصادق (ع) ولا يمكن روايته عنهم بلا واسطة، على انها مطلقة تقيد بالهدي غير الواجب. الجهة الثانية: لو اشترى البدل ثم وجد الاول فهل يذبح الاول أو الثاني اي البدل. يفرض تارة وجدانه قبل ذبح الثاني واخرى يوجد بعد ذبح الثاني اما إذا وجده قبل الذبح ففي الحقيقة يكون عنده هديان فيذبح ايهما؟ صريح عبارد الوسائل في باب 32 من الذبح هو التخيير في ذبح ايهما شاء ولا يخفى ضعفه فان صحيح أبي بصير المتقدم قد صرح بوجوب ذبح الاول الذي ضاع (قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الاول
(1) و (2) و (3) الوسائل: باب 30 من أبواب الذبح ح 1 و 4 و 2.
[ 238 ]
قال: ان كان جميعا قائمين فليذبح الاول وليبع الآخر وان شاء ذبحه) ولا معارض لهذه الصحيحة فالصحيح عدم الاجتزاء بذبح الثاني. وان وجد الاول بعد ذبح الثاني فالمعروف بينهم انه يستحب ذبح الاول. واستدل على ذلك بان الذبح إذا صدر منه ووقع على الثاني فقد امتثل واتى بالمأمور به فلا موجب للذبح مرة اخرى بعد حصول الامتثال فيكون الامر يذبح الثاني محمولا على الاستحباب لا محالة. وفيه: ان جواز الاجتزاء بالذبح الواقع على البدل وحصول الامتثال به أول الكلام إذ لعل الاجتزاء مشروط بعدم وجدان الاول وغاية ما في الباب ان ذبح البدل تكليف ظاهري. واما كونه مسقطا للتكليف الواقعي وموجبا لعدم ذبح الاول إذا وجد الاول فاول الكلام فان وجدان الهدي الاول وان وجد بعد ذبح الثاني يكشف عن عدم كون ذبح الثاني مأمورا به وقد امر في صحيح أبي بصير المتقدم بذبح الاول لو وجد حتى ولو وجد بعد ذبح الثاني ولا قرينة على حمله على الاستحباب. نعم: حمل الشيخ صحيح أبي بصير على كونه قد اشعر الاول فحينئذ يتعين عليه ذبح الاول واما إذا لم يكن قد اشعره فلا يلزم ذبحه ولكن الشيخ (عليه الرحمة) ذكر ذلك في التهذيب واستدل له بصحيحة الحلبي قال (سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل ان يشعرها ويقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه قال: ان لم يكن قد اشعرها فهي من ماله ان شاء نحرها
[ 239 ]
وان شاء باعها وان كان اشعرها نحرها) (1) فتكون هذه الصحيحة
مقيدة لصحيحة أبي بصير الدالة على ذبح الاول إذا وجده على الاطلاق اشعره ام لا. والظاهر انه لا موجب لهذا التقييد لان مورد كل من صحيح الحلبي وصحيح أبي بصير اجنبي عن الآخر فان الظاهر ان مورد صحيح الحلبي هو حج القران فان الواجب فيه هو النحر بالسياق وان لم يسق فلا يجب النحر فالوجوب يتحقق باحد امرين اما بالسياق أو بالاشعار ونلتزم بذلك في حج القران فلو اشعر البدنة يتعين عليه نحرها وان وجدها بعد نحر بدنة اخرى، وان لم يسق ولم يشعر لا يجب عليه شئ فالرواية اجنبية عن حج التمتع الذى فيه الهدي من دون اي قيد وشرط وانه يتعين بالشراء. فالمتحصل مما ذكرنا: انه يظهر من الادلة ان الحكم بوجوب الذبح قائم بالطبيعي فسقوطه بهلاك الفرد الشخصي لا وجه له حتى ولو قلنا بتعينه بالشراء لان الضياع أو الهلاك انما هو للفرد الخارجي الشخصي لا للطبيعي المأمور به. واما رواية احمد بن محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من اصحابنا عن ابي عبد الله (ع) الدالة على الاجزاء فسندها كما ذكرنا ضعيف للارسال لوجود الفصل الكثير بين احمد بن عيسى واصحاب الصادق (ع) فانه من اصحاب الجواد والهادي (عليهما السلام) بل قد ادرك احمد بن محمد بن عيسى من زمن الغيبة ازيد من عشرين سنة
(1) الوسائل: باب 32 من أبواب الذبح ح 1 التهذيب: ج 5 ص 219 .
[ 240 ]
فانه حضر جنازة احمد بن محمد بن خالد في سنة 280 فكيف يمكن ان يروي عن اصحاب الصادق (ع). ولو فرضنا انه يمكن روايته عن واحد واثنين أو ثلاثة من اصحاب الصادق (ع) لاحتمال طول اعمارهم ولكن لانحتمل روايته عن جماعة كثيرة من اصحاب الصادق (ع) لعدم احتمال طول اعمار جميعهم. وعلى الجملة: لو قلنا بان الرواية مرسلة كما هو الظاهر فالامر سهل وان قلنا بانها مسندة ومعتبرة فالمتن على ما في الوسائل مطلق فيرفع اليد عن الاطلاق وتحمل على الهدي المندوب. ولكن الرواية مذكورة في التذهيب والوافي والحدائق بنحو آخر (1) وهو (في رجل اشترى شاة لمتعته فسرقت منه إلى آخر الحديث). فتكون الرواية واردة في خصوص حج التمتع فيعارضها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج الوارد في التمتع الدال على عدم الاجزاء صريحا (عن رجل اشترى هديا لمتعته فاتى به منزله فربطه ثم انحل فهلك، فهل يجزيه أو يعيد؟ قال: لا يجزيه إلا ان يكون لاقوة به عليه) (2) فيتساقطان والمرجع الاطلاقات الدالة على وجوب الهدي. ومثل صحيح عبد الرحمن بن الحجاج صحيح أبي بصير المتقدم (عن رجل اشترى كبشا فهلك، قال: يشتري مكانه آخر الحديث) (3). فان صحيح أبي بصير وان لم يرد فيه التمتع ولكن ما دل على الاجزاء يخصص رواية ابي بصير فتكون رواية ابي بصير بعد التخصيص مختصة بحج التمتع فحالها حال صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج.
(1) التهذيب: ج 217 5 - الوافي ج 8 ص 171. (2) و (3) الوسائل: باب 25 من أبواب الذبح ح 5 و 4 .
[ 241 ]
نعم هنا صحيحة اخرى لعبد الرحمن بن الحجاج تدل على الاجزاء إذا عرف بالهدي يعني إذا وصل إلى عرفة عن أبي عبد الله (ع) قال: (إذا عرف بالهدي ثم ضل بعد ذلك فقد اجزأ) (1). ولكن الدلالة بالاطلاق ولم يصرح فيها بالتمتع الذي يجب فيه الهدي بالاصل فتحمل على الهدي تطوعا في حج القران فتكون النسبة بينها وبين ما دل على الضمان وعدم الاجزاء عموم من وجه لان مقتضى اطلاق صحيح الحلبي الدال على الضمان وجوب الابدال سواء ضل الهدي بعد عرفة ام لا ففي صحيح الحلبي (اي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها ان قدر على ذلك إلى ان يقول وان كان الهدي الذي انكسر وهلك مضمونا فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك والمضمون هو الشئ الواجب عليك في نذر أو غيره) (2). ونحوه صحيح معاوية بن عمار (سألته عن رجل اهدى هديا فانكسرت فقال: ان كانت مضمونة فعليه مكانها) (3). وصحيح عبد الرحمن المتقدم يدل على الاجزاء إذا عرف بالهدي سواء كان هديا تطوعا ام لا فيقع التعارض في المجمع وهو الهدي الواجب إذا عرف به فمقتضى صحيح الحلبي ومعاوية بن عمار عدم الاجزاء ومقتضى صحيح عبد الرحمن هو الاجزاء وبعد التساقط فالمرجع عموم الآيات والروايات الدالة على وجوب الهدي وعدم الاجزاء بالضايع.
(1) الوسائل: باب 25 من ابواب الذبح ح 9. (2) الوسائل: باب 31 من أبواب الذبح ح 4 (3) الوسائل: باب 25 من أبواب الذبح ح 2 .
[ 242 ]
[ (مسألة 391): لو وجد احد هديا ضالا عرفه إلى اليوم الثاني عشر فان لم يوجد صاحبه ذبحه في عصر اليوم الثاني عشر عن صاحبه (1). ] بل لو فرضنا وجود رواية اخرى تدل على الاجزاء بالاطلاق من حيث الهدي الواجب والمندوب نلتزم بوجوب الابدال في الهدي الواجب وان الاجتزاء بمجرد الشراء يحتاج إلى دليل وهو مفقود فان التكليف بالذبح لا يسقط بمجرد الشراء وتعينه بفرد خاص لما عرفت من ان متعلق التكليف هو طبيعي الهدي وهو متمكن منه. واما رواية بلوغ الهدي محله (1) فهي في مقام بيان غاية بلوغ الهدي وحرمة المحرمات عليه وانه إذا بلغ الهدي يجوز له الحلق وليست ناظرة إلى الاكتفاء والاجتزاء بمجرد شراء الهدي وان ضل وضاع. ثم لا يخفى ان صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الدالة على الاجتزاء إذا عرف بالهدي فقد رويت بطريقين. احدهما: ما رواه الصدوق عن شيخه احمد بن محمد بن يحيى العطار وقد ذكرنا في محله انه لم يوثق فتكون الرواية على هذا الطريق ضعيفة. ثانيهما: ما رواه الشيخ عن الصدوق عن شيخه ابن الوليد (في الفهرست) وهذا الطريق صحيح فيعلم ان الصدوق له طريق آخر إليه وهو الصحيح الذي ذكره الشيخ في الفهرست (2). (1) يقع البحث في هذه المسألة عن جهات:
(1) الوسائل: باب 39 من أبواب الذبح ح 7. (2) الفهرست: ص 134 برقم 474 .
[ 243 ]
الاولى: لو ضل الهدي ووجده شخص آخر وذبحه فهل يجزي عن
صاحبه ام لا؟. المعروف والمشهور بينهم هو الاجزاء ولكن ناقش فيه المحقق في الشرايع والنافع. ويستدل له بامرين: احدهما: ان التصرف في الهدي الضال بالذبح للواجد محرم شرعا لانه من لقيط الحرم واخذ لقطة الحرم والتصرف فيها محرم. ثانيهما: انه يجب على الحاج نفسه الذبح مباشرة أو تسبيبا ومجرد صدور الذبح عن شخص آخر ما لم يستند إلى صاحبه لا يقتضي الاجزاء عن المكلف بالذبح. واورد عليه في الجواهر (1) ان ذلك اجتهاد في مقابل النص لدلالة صحيحة منصور بن حازم على الاجزاء صريحا (في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره، فقال: ان كان نحره بمنى فقد اجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه وان كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه) (2). مضافا إلى انه يمكن القول بجواز الالتقاط في خصوص هذا المورد للنص الخاص. الثانية: انه بناءا على الاجزاء هل يجزي عن صاحبه مطلقا وان ذبحه عن نفسه أو ذبحه بعنوان غير الهدي ام يعتبر في الاجزاء عن صاحبه ان يذبحه عنه. ذكر في الجواهر أيضا ان الاجزاء مطلقا غير مجز لان النص الدال
(1) الجواهر: ج 19 ص 127. (2) الوسائل: باب 28 من أبواب الذبح ح 2 .
[ 244 ]
على الاجزاء ناظر إلى عدم اعتبار خصوصية صدور الذبح من صاحبه ويكتفي به ولو صدر عن الغير ولا ينظر إلى بقية الشروط المعتبرة في الهدي والذي منها استناد الذبح إلى صاحبه والى الحاج نفسه فحال هذا الشرط حال بقية الشروط المعتبرة في الذبيحة من الاستقبال والتسمية فالاجزاء يختص بصورة صدور الذبح عن صاحبه. ويدل على ذلك أيضا صحيح محمد بن مسلم (ثم ليذبحها عن صاحبها) (1) فالمتفاهم من النصوص ان الساقط انما هو مجرد استناد الذبح إليه مباشرة أو تسبيبا فلا يدل النص على الاجزاء حتى ولو لم يقصد الذبح عن صاحبه. الثالثه: هل يستحب التعريف بالهدي أم يجب؟ ظاهر النص هو الوجوب لقوله: في صحيح ابن مسلم (فليعرفه) ولا دليل على عدم الوجوب سوى الاصل الذي اعتمد عليه في الجواهر وهو المقطوع بالنص. وما صدر من الجواهر أيضا اجتهاد في مقابل النص. الرابعة: هل يجب التعريف حتى بعد الذبح حتى يجد صاحبه ويخبره بالذبح أم يختص التعريف بما قبل الذبح؟ ظاهر النص وجوب التعريف قبل الذبح قال: في صحيح ابن مسلم (فليعرفه يوم النحر والثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها). الخامسة: هل يجب الذبح في عشية اليوم الثالث أم يجوز للتقدم إلى أول يوم العيد. ظاهر صحيح ابن مسلم هو وجوب التأخير إلى عشية الثالث.
(1) الوسائل: باب 28 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 245 ]
[ (مسألة 392): من لم يجد الهدي وتمكن من ثمنه اودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هديا ويذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة فان مضى الشهر لا يذبحه الا في السنة القادمة (1). ] السادسة: وجوب التعريف وجوب نفسي أو شرط في الاجزاء؟ الظاهر ان وجوب التعريف تكليف متوجه إلى الواجد نفسه ولا دخل في الاجزاء فان صحيحة منصور الدالة على الاجزاء مطلقة من حيث التعريف وعدمه ولا مقيد لها وانما التكليف بالتعريف واجب استقلالي متوجه إلى الواجد نفسه فلو عصى وارتكب محرما ولم يعرف وذبحه اجزء عن صاحبه ولا دخل للتعريف في الاجزاء وعدمه وان عصى الواجد ولم يعمل بوظيفته. (1) المعروف والمشهور بين الاصحاب ان من فقد الهدي ووجد ثمنه يخلفه ويودعه عند من يشتريه طول ذي الحجه فان لم يجد فيه ففي العام المقبل في ذى الحجة. وخالفهم ابن ادريس وقال ينتقل فرضه إلى الصوم كما في الآية الكريمة ووافقه المحقق في الشرايع، ويقع الكلام في موارد ثلاثة: الاول: من لم يجد الهدي ولا ثمنه ثم وجده في ايام التشريق أو بعده والمفروض انه لم يصم. الثاني: نفس الصورة ولكن نفرض انه صام ثم وجد الهدي. الثالث: مورد مسألتنا وهي من لم يجد الهدي ولكن وجد ثمنه اما الاول: فلا ريب في ان من لم يجد الهدي ولا ثمنه وظيفته
[ 246 ]
الصوم للآية المباركة والروايات الكثيرة ولكن لو فرضنا انه لم يصم ووجد الثمن والهدي في ايام التشريق ففي هذا الفرض تسالموا على وجوب الذبح كما في الجواهر (1) لانه متمكن من الهدي ويشمله صدر الآية المباركة (فما استيسر من الهدي) ففي الحقيقة هو واجد للهدي وانما تخيل عدم التمكن من الهدى فلا موجب لسقوط الهدى. نعم في معتبرة ابي بصير قال سألت ابا عبد الله (ع) (عن رجل تمتع ولم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة الايام حتى إذا كان يعد النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: لا بل يصوم فان ايام الذبح قد مضت) (2). ولكنها متروكة جزما للتسالم على الذبح فيما إذا لم يصم طبقا للآية الكريمة لانه كما ذكرنا واجد للهدي حقيقة وانما تخيل عدم كونه واجدا فلا يشمله قوله تعالى (فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج). هذا مضافا إلى ان الرواية لم تثبت بهذا المضمون فان الكليني والشيخ روياها بعين هذا السند من دون قوله: (ولم يصم الثلاثة الايام) فقد رويا عن أحمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الكريم (وهو كرام) في الرواية الاولى عن ابي بصير عن احدهما (ع) (قال: سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة ايذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فان ايام الذبح قد مضت) (3). والرواية واحدة جزما فالاختلاف من سهو الشيخ (قده) أو
(1) الجواهر: ج 19 ص 166. (2) الوسائل: باب 44 من الذبح ح 4 والتهذيب: ج 5 ص 483. (3) الوسائل: باب 44 من الذبح ح 3 والكافي ج 4 ص 509 والتهذيب ج 5 ص 37 .
[ 247 ]
من النساخ وعلى كل حال هذه الزيادة اي (ولم يصم الثلاثة الايام) لم تثبت ولا اقل ان الرواية مطلقة فتحمل على ما إذا صام ثلاثة ايام كما صرح في صحيحة حماد بانه لو صام ثلاثة ايام يسقط عنه الهدي (عن متمتع صام ثلاثة ايام في الحج ثم اصاب هديا يوم خرج من منى قال: اجزاء صيامه) (1): فتقيد صحيحة ابى بصير بما إذا صام ثلاثة ايام وأما لو لم يصم فوظيفته الذبح بلا اشكال للآية الكريمة والروايات وعدم ما يدل على الاجتزاء بالصوم. المورد الثاني: ما إذا يجد الهدى ولا الثمن وصام ثلاثة ايام ثم وجد الهدي وتمكن منه في اليوم الثاني عشر مثلا فقد وقع الخلاف في ذلك فعن الاكثر الاكتفاء بالصوم وعن القاضي وجوب الهدي، والروايات في ذلك متعارضة. منها: ما دل على الاجتزاء بالصيام كصحيح حماد المتقدم. ومنها: ما دل على لزوم الهدى كمعتبرة عقبة بن خالد (2) وسنتعرض لذلك قريبا (ان شاء الله تعالى في) في مسألة 395. وبالجملة: هذان الموردان خارجان عن محل كلامنا. المورد الثالث: وهو ما إذا كان واجدا للثمن ولكن لم يجد الهدي فالمشهور بل ادعى عليه الاجماع انه يخلف الثمن عند من يشتري طول شهر ذي الحجه فان لم يجد فيه ففي العام المقبل ولا ينتقل فرضه إلى الصيام ولا مخالف في البين الا ابن ادريس والمحقق وقالا بانتقال فرضه إلى الصوم كما يقتضيه اطلاق قوله تعالى: (فمن لم يجد لصيام
(1) (2) الوسائل: باب 45 من الذبح ح 1 و 2 .
[ 248 ]
ثلاثة ايام في الحج) فان عدم وجدان الهدى صادق وان كان واجدا لثمنه. ودعوى: ان وجدان الهدى يعم وجدان نفس الهدى وثمنه فالمراد من عدم الوجدان عدم وجدان الهدى أو عدم وجدان ثمنه ضعيفة: فان الظاهر من الآية الكريمة عدم وجدان نفس الهدى ولا يعم الثمن كما ان دعوى ان وجدان النائب كوجدان نفس الحاج ضعيفة أيضا فان للظاهر عدم وجدان نفس الحاج المكلف بالهدى فلو كنا نحن والآية المباركة فالحق مع ابن ادريس والمحقق لان مقتضى ظاهر قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام) ان من فقد الهدي ينتقل فرضه إلى الصيام ومقتضى اطلاقه عدم الفرق بين كونه واجدا للثمن ام لا. الا ان صحيحة حريز تدل صريحا على ايداع الثمن عند من يشتريه كما ذهب إليه المشهور بعينه فعن حريز بسند صحيح عن أبي عبد الله (ع) (في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض اهل مكه ويأمر من يشترى له ويذبح عنه وهو يجزى عنه، فان مضى ذو الحجة اخر ذلك إلى قابل من ذى الحجة) (1). ومع صراحه هذه الرواية الصحيحة لا يمكن المصير إلى ما ذهب إليه ابن ادريس والمحقق فما وقع من الحلي (قده) يمكن الاعتار عنه بعدم عمله باخبار الآحاد كما هو المعروف عنه وان اعترض عليه صاحب الجواهر (2) بان هذا الخبر لا يعامل معه معامله الخبر الواحد لاعتضاده بعمل رؤساء الاصحاب الذين هو الاساس في حفظ الشريعة كالشيخين والصدوقين والمرتضى وغيرهم. ولكن لا نعرف وجها لما
(1) الوسائل: باب 44 من أبواب الذبح ح 1. (2) الجواهر: ج 19 ص 165 .
[ 249 ]
[ (مسألة 393): إذا لم يتمكن من الهدي ولا من ثمنه صام بدلا عنه عشرة ايام ثلاثة في الحج (1). في اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة وسبعة إذا رجع إلى بلده (2). ] ذهب إليه المحقق. فالصحيح هو القول المشهور. (1) لاريب في ان المتمتع بالحج إذ لا يتمكن من الهدى ولاثمنه يجب عليه صيام عشرة ايام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجع إلى اهله لقوله تعالى: (فإذا امنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضرى المسجد الحرام) (1)، وللنصوص الكثيرة: منها: صحيحة معاويه بن عمار، وحماد، ورفاعة (2). (2) يبدء بصيام ثلاثة ايام من اليوم السابع إلى التاسع كما في معتبرة رفاعة ومعاوية بن عمار وحماد المتقدمة. والظاهر من ذلك وجوبه وعدم جوز التقديم على اليوم السابع. ولكن المحقق في النافع والعلامة وغيرهما جوزوا التقديم من اول شهر ذى الحجة وقد حمل الشيخ ما دل على البدئة من اليوم السابع على الاستحباب جمعا بين هذه الروايات وموثقة زراره (عن عبد الله بن مسكان قال: (حدثنى ابان الازرق عن زراره، عن ابي عبد الله (ع) انه
(1) سورة البقرة الآية 196. (2) الوسائل: باب 46 من أبواب الذبح ح 4 و 14 و 1 .
[ 250 ]
قال: من لم يجد الهدى واحب ان يصوم الثلاثة ايام في اول العشر فلا بأس بذلك) (1). وابان الازرق وان لم يوثق في الرجال لكنه من رجال كامل الزيارات فتكون هذه الرواية قرينة على ان الامر في الصحاح المتقدمة استحبابي. واما على مسلك المشهور فيشكل الحكم بجواز التقديم لضعف رواية الازرق عندهم إلا ان يقال: بالانجبار ان تم. ولكن في رواية اخرى موثقة لزرارة ورد أيضا جواز التقديم فليس مدرك الحكم منحصرا برواية الازرق راجع باب 54 من أبواب الذبح حديث 1. ويؤيد ما ذكرناه من جواز التقديم باطلاق الآية بل فسر في بعض الروايات (في الحج) بذى الحجة كما في معتبرة رفاعة المتقدمة. فتحصل: ان مستند جواز تقديم صيام ثلاثة ايام انما هو روايتان: الاولى: رواية الازرق والثانية رواية زرارة التي عبر عنها في الجواهر بخبر زرارة أو موثقه (2) فكان نظره (قده) إلى ما رواه صاحب الوسائل عن الكليني بسند صحيح عن زرارة عن احدهما (ع) وسهل بن زياد وان كان مذكورا في السند ولكنه غير ضائر لانه منضم إلى احمد بن محمد بن عيسى فهذه الرواية على ما ذكره الوسائل (3) في هذا الباب عن الكليني موثقة ورواه أيضا في باب آخر (4) عن الكليني
(1) الوسائل: باب 46 من أبواب الذبح ح 8. (2) الجواهر: ج 19 ص 177. (3) الوسائل: باب 54 من ابواب الذبح ح 1. (4) الوسائل: باب 46 من أبواب الذبح ح 2 .
[ 251 ]
عن سهل (منفردا) عن احمد بن محمد بن أبي نصر والرواية على هذا النقل ضعيفة لوجود سهل منفردا في السند، ولاريب ان ما في الوسائل اشتباه جزما لان الكليني (قده) لم يرو الا رواية واحدة عن زرارة (1) وفي سندها سهل لكن منضما إلى احمد بن محمد بل اشتبه صاحب الوسائل في كلا الموردين الذين ذكر فيهما رواية زرارة لان الكافي روى في اول باب صوم المتمتع إذا لم يجد هديا رواية عن احمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا عن رفاعة بن موسى ثم ذكر رواية ثانية عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة فزعم صاحب الوسائل ان الرواية معلقة على السند المذكور في الرواية الاولى ولذا ذكر عين السند الاولى في رواية زرارة في الباب الرابع والخمسين من الذبح من الحديث الاول وذكر في الباب السادس والاربعين من الذبح عن سهل منفردا مع انه لا قرينة على تعليق الرواية الثانية المذكورة في الكافي على السند الاول المذكور في رواية رفاعة فان الكليني كثيرا ما ينقل الرواية ابتداءا عن اشخاص يكون الفصل بينهم وبينه كثيرا فالرواية حينئذ تكون مرسلة لان الكليني يرويها ابتداءا عن احمد بن محمد ابن أبي نصر ولا ريب في سقوط الوسائط بينه وبين احمد بن أبي نصر. ثم ان في رواية احمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا عن رفاعة بن موسى التي رواها الكليني في باب صوم المتمتع إذا لم يجد هديا سقطا لا محالة لان احمد بن محمد وسهل بن زياد لا يرويان عن رفاعة بلا واسطة بل يرويان عنه بواسطة أو واسطتين فتكون الرواية كالمرسلة والمجلسي (عليه الرحمة) بعد ما تنبه بالسقط ذكر ان الغالب في الواسطة اما
(1) الكافي: ج 4 ص 507 .
[ 252 ]
[ والاحوط ان تكون السبعة متوالية (1) ] قضالة أو ابن أبي عمير أو ابن فضال أو ابن أبي نصر والاخير هنا اظهر بقرينة الخبر الذى ذكر بعد رواية رفاعة حيث علق الخبر الثاني عن ابن أبي نصر فيدل ذلك على تقدم ذكره في سند الخبر الاول. ولكن ما ذكره (قده) مجرد ظن لا يمكن المصير إليه إذ من المحتمل ان تكون الواسطة شخصا غير هؤلاء ولا يعلم من هو ولا نجزم بانه هو احمد بن أبي نصر. ومما يؤكد ما ذكرنا ان الشيخ روى عن الحسين بن سعيد عن صفوان وفضالة عن رفاعة بن موسى (1) فالحسين بن سعيد يروي عن رفاعة بالواسطة مع انه متقدم في الرتبة عن احمد بن محمد فكيف برواية احمد بن محمد عن رفاعة بلا واسطة مع انه متأخر رتبة عن الحسين بن سعيد. (1) لا خلاف بين الاصحاب في اعتبار التوالي في الثلاثة والنصوص في ذلك متضافرة واما في السبعة ففيه خلاف المعروف بينهم عدم لزوم التوالي والتتابع وجوزوا التفريق فيها ولكن الاحوط هو التوالي فيها أيضا لصحيح ابن جعفر (والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعه) (1) ولكن المشهور لم يعلموا به واستندوا في جواز التفريق إلى معتبرة اسحاق بن عمار، قال: قلت: لابي الحسن موسى بن جعفر (ع) اني قدمت الكوفة ولم اصم السبعة الايام حتى فرغت في حاجة إلى بغداد قال: صمها ببغداد قلت: افرقها؟ قال: نعم).
(1) الوسائل: باب 55 من أبواب الذبح ح 1 .
[ 253 ]
[ ويجوز ان تكون الثلاثة من اول ذى الحجه بعد التلبس بعمرة المتمتع (1). ] والرواية على مسلك المشهور ضعيفة السند لان في السند محمد بن اسلم وهو لم يوثق في الرجال ولكن الرواية على مسلكنا معتبره لان محمد بن اسلم من رجال كامل الزيارة ومن رجال تفسير علي بن ابراهيم القمي وهم ثقات إلا انه لا منافاة بين هذه الرواية وصحيحة علي بن جعفر لان الجمع الدلالي العرفي موجود لان صحيح ابن جعفر يمنع عن التفريق ومعتبرة اسحاق تدل على الجواز صريحا والجمع العرفي يقتضي الحمل على الاستحباب. ولكن مع ذلك يشكل الجزم بالجواز لان مورد السؤال في رواية اسحاق عدم التمكن من الصوم في بلده واضطر إلى السفر ببغداد فيسأل انه هل يصوم في غير بلده أيضا فكأنه تخيل السائل ان اللازم هو الصوم في بلده وموطنه كما هو الظاهر من الآية الشريفة والنصوص فأجاب (ع) بانه يجوز الصوم في غير بلده، وعليه فيمكن ان يكون المراد بالتفريق ما يقابل التوالي كما انه يمكن ان يكون المراد به التفريق في البلاد بمعنى انه لا يعتبر في السبعة اتيانها في موطنه بل يجوز التفريق فيها بان يأتي باربعة ايام مثلا في بلده وثلاثة اخرى في غير بلده فتكون الرواية حينئذ اجنبية عن التفريق مقابل التوالي فاعتبار التوالي في السبعة ان لم يكن اقوى فلا ريب في انه احوط. (1) يدل على ذلك قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج) فإذا اراد التقديم واراد ان يصوم من اول ذي الحجة لابد
[ 254 ]
[ ويعتبر فيها التوالي (1) فان لم يرجع إلى بلده واقام بمكة فعليه ان يصبر حتى يرجع اصحابه إلى بلدهم أو يمضي شهر ثم يصوم بعد ذلك (2). (مسألة 394): المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة ايام في الحج لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع ] ان يكون متلبسا لاحرام عمرة التمتع وإلا فيلزم عليه التأخير إلى ان يتمتع. واما اعتبار التوالي في الثلاثة فيدل عليه عدة من الروايات كصحيح ابن جعفر (1) وصحيح عبد الرحمن وغيرهما (2). (1) قد مر بيان الوجه في ذلك قريبا. (2) واما صيام سبعة ايام فيصومها إذا رجع إلى بلده كما في الآية الكريمة فان لم يرجع إلى بلده واقام بمكة سواء توطن فيها أو اراد البقاء مدة طويلة ففي النصوص انه يصوم بمكة ولكن يصبر إلى ان يصل الحجاج إلى بلادهم أو ان يصبر إلى ان يمضي شهر واحد من اقامته في مكة والمستفاد من النصوص ان المسافة إذا كانت بعيدة جدا بحيث لا يصل الحجاج مدة شهر واحد إلى بلادهم كاهالي خراسان فحينئذ لا يجب الصبر إلى وصول الحجاج إلى بلادهم بل يكفي ان
(1) الوسائل: باب 55 من أبواب الذبح ح 2. (2) الوسائل: باب 51 من ابواب الذبح ح 4 وباب 53 من ابواب الذبح. (3) الوسائل: باب 50 من أبواب الذبح .
[ 255 ]
[ صام الثامن والتاسع ويوما آخر بعد رجوعه من منى (1) ] يصبر مقدار شهر واحد.
(1) لو لم يتفق صوم اليوم السابع صام يوم التروية ويوم عرفة ثم صام الثالث بعد ايام التشريق كما هو المشهور بل ادعى عليه الاجماع ويدل على ذلك عدة من الروايات: منها: خير عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة، قال: يجزيه ان يصوم يوما آخر) (1) لكنه ضعيف بمفضل بن صالح أبي جميلة. ومنها: ما رواه الصدوق عن يحيى الازرق عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة، قال: يصوم يوما آخر بعد ايام التشريق) (2). وطريق الصدوق إلى يحيى الازرق في المشيخة صحيح ولكن يصرح في المشيخة بيحيى بن حسان الازرق وهذا بنفسه لم يوثق بل ليس له بهذا العنوان رواية في الكتب الاربعة وربما يحتمل انه تحريف يحيى ابن عبد الرحمان الازرق وذكر حسان في مشيخة الفقيه من طغيان قلم النساخ والكتاب ولكنه بعيد جدا للبون البعيد بين عبد الرحمن وحسان وظاهر كلام الشيخ في رجاله حيث عد يحيى الازرق ويحيى بن حسان الكوفي ويحيى بن عبد الرحمان الازرق ويحيى بن حسان كلا منهم مستقلا في اصحاب الصادق (ع) هو مغايرة كل منهم مع الآخر وانهم رجال متعددون فيكون يحيى الازرق في السند مرددا بين الثقة